صريع الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري، بالولاء، أبو الوليد، المعروف بصريع الغواني: شاعر غزل، هو أول من أكثر من (البديع) وتبعه الشعراء فيه. وهو من أهل الكوفة. نزل بغداد، فأنشد الرشيد العباسي قوله:
وما العيش إلا أن تروح مع الصبي | وتغدو، صريع الكأس والأعين النجل |
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 223
صريع الغواني مسلم بن الوليد.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0
صريع الغواني مسلم بن الوليد أبو الوليد مولى الأنصار المعروف بصريع الغواني، أحد فحول الشعراء، قيل: إنه كان في أول أمره خاملا إما فرانا أو أجير فران، فانقاد له الشعر وجوده، وكسب به الأموال العظيمة، ثم اتصل بابني سهل، الفضل والحسن فولوه جرجان، فمات وهو واليها. مدح الرشيد وآل برمك، وسار شعره. لقبه الرشيد بصريع الغواني لقوله:
#ويغدو صريع الكأس والأعين النجل
توفي في حدود المائتين، وقصيدته التي قالها في يزيد بن مزيد ابن زائدة الشيباني مشهورة جيدة وهي:
أجررت حبل خليع في الصبا غزل | وشمرت همم العذال في عذلي |
هاج البكاء على العين الطموح هوى | مفرق بين توديع ومحتمل |
كيف السلو لقلب بات مختبلا | يهذي بصاحب قلب غير مختبل |
عصي العزاء غداة البين منهمل | من الدموع جرى في إثر منهمل |
لولا مراعاة دمع العين لانكشفت | مني سرائر لم تظهر ولم تخل |
أما كفى البين أن أرمى بأسهمه | حتى رماني بلحظ الأعين النجل |
مما جنت لي وإن كانت منى صدقت | صبابة خلس التسليم بالمقل |
ماذا على الدهر لو لانت عريكته | أو رد في الناس مني سكرة الغزل |
جرم الحوادث عندي أنها اختلست | مني غذاء بنات الكرم والكلل |
ورب يوم من اللذات مختصر | قصرته بلقاء الراح والخلل |
وليلة خلست للعيش من سنة | هتكت فيها الصبا عن بيضة الحجل |
عن غادة مثل قرن الشمس ناعمة | فعم مخلخلها مرتجة الكفل |
قد كان دهري وما بي اليوم من كبر | شرب المدام وعزف القينة الفضل |
إذا شكوت إليها الحب خفرها | شكواي فاحمر خداها من الخجل |
كم قد قطعت وعين الدهر راقدة | أيامه بالصبا في اللهو والغزل |
وطيب الفرع أصفاني مودته | كافأته بمديح فيه منتحل |
وبلدة لمطايا الركب منضية | أنضيتها بوجيف الأينق الذلل |
فيم المقام وهذا البحر معترضا | دنا النجاء وحان السير فارتحل |
يا مائل الرأس إن الليث مفترس | ميل الجماجم والأعناق فاعتدل |
حذار من أسد ضرغامة شرس | لا يولغ السيف إلا هامة البطل |
لولا يزيد لأضحى الملك مطرحا | أو مائل الرأس أو مسترخي الطلل |
حاط الخلافة سيف من بني مطر | أقام قائمه من كان ذا ميل |
كم صائل في ذرى تمهيد مملكة | لولا (يزيد) بني شيبان لم يصل |
ناب الأمام الذي يفتر عنه إذا | ما افترت الحرب عن أنيابها العصل |
كفاكم يا بني العباس أن لكم | سيف بكم غير ما نكس ولا وكل |
سد الثغور (يزيد) بعدما انفرجت | بقائم السيف لا بالختل والحيل |
من كان يختل قرنا عند موقفه | فإن جار يزيد غير مختتل |
كم قد أذاق حمام الموت من بطل | حامي الحقيقة لا يؤتى من الوهل |
أغر أبيض يغشي البيض أبيض لا | يرضى لمولاه يوم الروع بالفشل |
يغشى الوغى وشهاب الموت في يده | يرمي الفوارس والأبطال بالشعل |
يفتر عند افترار الحرب مبتسما | إذا تغير وجه الفارس البطل |
موف إلى مهج في يوم ذي رهج | كأنه أجل يسعى إلى أمل |
ينال بالرفق ما يعي الرجال به | كالموت مستعجلا يأتي على مهل |
لا يلقح الحرب إلا ريث ينتجها | عن هالك أو أسير غير مختبل |
يغشي المنايا المنايا ثم يفرجها | حين النفوس مطلات على الهبل |
إن شيم بارقه حالت خلائقه | بين العطية والإمساك والعلل |
لا يرحل الناس إلا نحو حجرته | كالبيت يضحى إليه ملتقى السبل |
يقري المنية أرواح الكماة كما | يقري الضيوف شحوم الكوم البزل |
يكسو السيوف نفوس الناكثين به | ويجعل الهام تيجان القنا الذبل |
يغدو فتغدو المنايا في أسنته | شوارعا تتحدى الناس بالأجل |
إذا طغت فئة عن غب طاعمها | عبا لها الموت بين البيض والأسل |
قد عود الطير عادات وثقن بها | فهن يتبعنه في كل مرتحل |
تراه في الأمن في درع مضاعفة | لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل |
جافي الجفون صحيح الطرف همته | فك العناة وأسر الفاتك الخطل |
لا يعبق الطيب عينيه ومفرقه | ولا يمسح عينيه من الكحل |
إذا انتضى سيفه كانت مسالكه | مسالك الموت في الأبدان والقلل |
وإن خلت بحديث النفس فكرته | حي الرجاء ومات الخوف من وجل |
كالليث إن هجته فالموت راحته | لا يستريح إلى الأيام والدول |
إن الحوادث لما رمن هضبته | أزمعن عن جار (شيبان) بمنتقل |
فالدهر يغبط أولاه وآخره | إذ لم يكن كان في أعصاره الأول |
لا تكذبن فإن المجد معدنه | وراثة في (بني شيبان) لم يزل |
إذا (الشريكي) لم يفخر على أحد | تكلم الفخر عنه غير منتحل |
(الزائديون) قوم في رماحهم | خوف المخيف وأمن الخائف الوجل |
سلوا السيوف فأغشوا من يحاربهم | خبطا بها غير تعذير ولا وكل |
كبيرهم لا تقوم الراسيات له | حلما وطفلهم في هدي مكتهل |
إسلم (يزيد) فما في الدين أود | إذا سلمت وما في الملك من خلل |
أثبت سوق بني الإسلام في صعد | (يوم الخليج) وقد قامت على زلل |
لولا دفاعك بأس الروم إذ مكرت | عن بيضة الدين لم يأمن من الثكل |
و(يوسف اليوم) قد صبحت عسكره | بعسكر يلفظ الأقدار ذي زجل |
عافصته يوم عبر النهر مهلته | وكان محتجزا في الحرب بالمهل |
والمارق (ابن طريف) قد دلفت له | بعارض للمنايا مسبل هطل |
لما رآك مجدا في منيته | وأن دفعك لا يسطاع بالحيل |
شام النزال فأبرزت اللقاء له | مقدم الخطو فيها غير متكل |
ماتوا وأنت غليل في صدورهم | وكان سيفك يستشفى من الغلل |
لو أن غير شريكي أطاف بها | فاز (الوليد) بقدح الناضل الخضل |
وقمت بالملك (يوم الرس) فاعتدلت | منه دعائم قد أوفت على خزل |
ما كان جمعهم لما لقيتهم | إلا كمثل نعام ريع منجفل |
تابوا ولو لم يتوبوا من ذنوبهم | لآب جيشك بالأسرى وبالنفل |
كم آمن لك نائي الدار ممتنع | أخرجته من حصون الملك والخول |
ومارقين عوات من بيوتهم | لا ينكلون ولا يأتون من نكل |
خلفت أجسادهم والطير عاكفة | فيها وأقفلتهم هاما مع القفل |
يأبى لك الذم في يوميك إن ذكرا | عضب حسام وعرض غير مبتذل |
فافخر فما لك من شيبان من مثل | كذاك ما لبني شيبان من مثل |
كم مشهد لك لا تحصى مآثره | قسمت فيه كرزق الجن والخبل |
لله في هاشم من أرضه جبل | وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل |
قد أعظموك فما تدعي لهينة | إلا لمعضلة تستن بالعضل |
يا رب مكرمة أصبحت واحدها | أعيت صناديد راموها فلم تنل |
تشاغل الناس بالدينا وزخرفها | وأنت من ذلك المعروف في شغل |
أقسمت ما ذب عن جدواك طالبها | ولا دفعت اعتزام الجد بالهزل |
يأبى لسانك منع الجود سائله | فما يلجلج بين الجود والبخل |
صدقت ظني والظنون به | وحط جودك عقد الرحل عن جملي |
لا يمنعنك خفض العيش في دعة | نزوع نفس إلى أهل وأوطان |
تلقى بكل بلاد إن حللت بها | أرضا بأرض وجيرانا بجيران |
وليلة بات الهم إلا بقية | تداركها طيف ألم فسلما |
جمعنا معاذير العتاب برقدة | مشت بيننا تطوي الحديث المكتما |
وخندريس لها شعاع | ابنة خمسين ألف عام |
كأنها كوكب منير | والبدر في ليلة التمام |
لو قرنت بالظلام يوما | لانجاب عنى دجى الظلام |
تكسب شرابها سرورا | فما يراعون باهتمام |
تضحك عن لؤلؤ شتيت | ألفه الماء في النظام |
ما ذقتها قط غير أني | أمنحها الود بالكلام |
حلت لي الكأس حين دارت | علي في سكرة المنام |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0
صريع الغواني هو مسلم بن الوليد الأنصاري مولاهم، البغدادي، حامل لواء الشعر. وقيل: بل هو كوفي، نزل بغداد.
كان شاعرا، مداحا، محسنا، مفوها، وهو القائل في جعفر البرمكي:
كأنه قمر أو ضيغم هصر | أو حية ذكر أو عارض هطل |
لا يضحك الدهر إلا حين تسأله | ولا يعبس إلا حين لا يسل |
يكسو السيوف نفوس الناكثين به | ويجعل الهام تيجان القنا الذبل |
إذا انتضى سيفه كانت مسالكه | مسالك الموت في الأبدان والقلل |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 355