السلطان الغزنوي محمود بن سبكتكين الغزنوي، السلطان يمين الدولة ابو القاسم ابن الامير ناصر الدولة ابي منصور: فاتح الهند، واحد كبار القادة. امتدت سلطنته من اقاصي الهند إلى نيسابور. وكانت عاصمته غزنة (بين خراسان والهند) وفيها ولادته ووفاته. مات ابوه سبكتكين (صاحب غزنة، ناصر الدولة، امير غزاة الهند، ابو منصور) سنة387هـ ، وخلف ثلاثة اولاد، هم: محمود واسماعيل ونصر. وجرت بينهم حروب، ظفر بها (محمود) واستولى على الامارة سنة389 وارسل اليه القادر بالله العباسي خلعه السلطنة، فقصد بلاد خراسان فاستلب ملكها من ايدي السامانية، وصمد لقتال ملك الترك بما وراء النهر. وجعل دابه غزو الهند مرة في كل عام، فافتتح بلادا شاسعة، واستمر إلى ان اصيب بمرض عاناه مدة سنتين، لم يضطجع فيهما على الفراش بل كان يتكئ جالسا، حتى مات وهو كذلك. وقبره في غزنة. وسيرته مدونة. وهو تركي الاصل، مستعرب. كان حازما صائب الراي، يجالس العلماء، ويناظرهم. وكان من اعيان الفقهاء، فصيحا بليغا، واستعان باهل العلم على تاليف كتب كثيرة في فنون مختلفة، نسبت اليه، منها كتاب (التفريد) في فقه الحنفية، نحو ستين الف مسألة، وخطب ورسائل، وشعر.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 171
السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين السلطان الكبير أبو القاسم يمين الدولة ابن الأمير ناصر الدولة، كان قبل السلطنة يلقب سيف الدولة. قدم والده بخارا في أيام الأمير نوح الساماني، فعرفه أركان تلك الدولة بالشهامة والشجاعة، وتوسموا فيه الرفعة. فلما خرج ابن السكين إلى غزنة أميرا، خرج في خدمته سبكتكين، فلم يلبث ابن السكين أن توفي. وماج الناس فيمن يتولى أمرهم، فأمروا سبكتكين عليهم، فتمكن وأخذ في الإغارات على الهند، وفتح قلاعا عديدة. وكان على رأي الكرامية، وسافر إلى غزنة من بلخ فمات في الطريق سنة سبع وثمانين وثلاث مائة، وجعل ولي العهد ولده إسماعيل. وكان محمود غائبا ببلخ، فكتب إلى أخيه ولاطفه على أن يكون بغزنة ومحمود بخراسان، فأجابه. وقصد غزنة في جيش عظيم وفتحها بعد مصاف هائل، وأنزل أخاه من القلعة وحبسه ببعض الحصون حبسا خفيفا، ووسع عليه، واستولى على مملكة خراسان، وانقطعت الدولة السامانية، وعظم ملكه، وسير إليه الإمام القادر خلع السلطنة.
وفرض على نفسه كل سنة غزو الهند، ففتح بلادا واسعة، وكسر الصنم المعروف بسومنات كانوا يعتقدون أنه يحيي ويميت، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وإذا شاء أبرى من جميع العلل، وربما كان يتفق لشقوتهم إبلال عليل يقصده، فيوافقه طيب الهواء وكثرة الحركة، فيزيدون به افتتانا، يقصدونه من أقاصي البلاد رجالا وركبانا، ومن لم يصادف منه انتعاشا احتج بالذنب وقال: إنه لم يخلص له الطاعة. ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجسام اجتمعت لديه على مذهب التناسخ، فينشرها في من يشاء، وأن مد البحر وجزره عبادة له على قدر طاعته وطاقته. وكانوا يحجونه من كل فج عميق، ويتحفونه بكل مال نفيس، ولم يبق في بلاد الهند والسند على تباعد أقطارهما وتفاوت أديان أهاليهما ملك ولا سوقة إلا وقد تقرب إلى هذا الصنم بما عز عليه من أمواله، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال. وفي خدمته من البراهمة ألف رجل يحلقون رؤوس الحجيج ولحاهم عند الورود إليه، وثلاث مائة رجل وخمس مائة امرأة يغنون ويرقصون عند بابه، ويجري من مال الأوقاف المرصد لكل طائفة رزق معلوم.
وكان من بين المسلمين وبين القلعة التي فيها الصنم مسيرة شهر في مفازة موصوفة بقلة المياه وصعوبة المسالك واستيلاء الرمل على طرقها.
فسار غليها السلطان في ثلاثين ألف فارس جريدة مختارة من عدد كثير، وأنفق عليهم من الأموال ما لا يحصى. فوصلها ووجدها منيعة، فحاصرها وفتحها في ثلاثة أيام، ودخلوا بيت الصنم وحوله من أصنام الذهب والفضة والمرصع بأصناف الجوهر عدة كبيرة محيطة بعرشه، يزعمون أنها ملائكة. وأحرق المسلمون الصنم ووجدوا في آذانه نيفا وثلاثين حلقة، فسألهم، عن ذلك فقالوا: كل حلقة عبادة ألف سنة، وشرح ذلك يطول.
وقال ابن الأثير: إن بعض ملوك الهند أهدى إلى السلطان محمود طائرا على هيئة القمري، من خاصته، إنه إذا حضر طعام مسموم دمعت عيناه وجرى منهما ماء وتحجر، فإذا حك ووضع على الجراحات الواسعة التحمت، وورد إليه التاهرتي الداعي من مصر يدعوه سرا إلى مذهب الباطنية. وكان يركب بغلا يتلون في كل ساعة من كل لون، فلما وقف السلطان محمود في الباطن على قوله، أمر بقتله، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن الأزدي. وكان صادق النية في إظهار كلمة الله، مظفرا في حروبه. ومولده سنة إحدى وستين وثلاث مائة، ووفاته في سنة إحدى وعشرين وأربع مائة بغزنة. وبين يديه صلى أبو بكر القفال المروزي صلاة، صلاة على مذهب الحنفية، وصلاة على مذهب الشافعية، فرجع السلطان عن مذهب الحنفية وتمسك بمذهب الشافعي. وهي مذكورة في ترجمة القفال، وهو عبد الله بن أحمد.
وكانت مناقبه كثيرة إلى الغاية، وقام بالسلطنة بعده ولده محمد، فأنفق الأموال، وكان منهمكا على اللهو واللعب، فعمل عليه أخوه مسعود وقبض عليه، وجرت خطوب لمسعود مع بني سلجوق إلى أن قتل، وتملك آل سلجوق. وامتدت أيامهم إلى أيام الظاهر بيبرس صاحب مصر. وقد جمع سيرة السلطان محمود، أبو نصر محمد بن عبد الجبار المعروف بالعتبي الفاضل في كتاب سماه: اليميني، وهو مشهور ونثره جيد. وكان السلطان مولعا بسماع الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع. وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي، فوقع في نفسه أن يجمع بين فقهاء المذهبين، فاتفق ما تقدم في ترجمة القفال.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0
السلطان الملك يمين الدولة، فاتح الهند، أبو القاسم، محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سبكتكين، التركي، صاحب خراسان والهند وغير ذلك.
كان والده أبو منصور قد قدم بخارى في أيام نوح بن منصور، في صحبة ابن السكين متوليا على غزنة، فعرف بالشهامة والإقدام والسمو، فلما سار ابن السكين متوليا على غزنة، ذهب في خدمته أبو منصور، فلم يلبث ابن السكين أن مات، واحتاج الناس إلى أمير، فأمروا عليهم أبا منصور، فتمكن وعظم، وأخذ يغير على أطراف الهند، وافتتح قلاعا، وتمت له ملاحم مع الهنود، وافتتح ناحية بست، واتصل بخدمته أبو الفتح البستي الكاتب وقرب منه، وكان كراميا.
قال جعفر المستغفري: كان أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن الحسين النضري قاضي مرو ونسف صلب المذهب، فدخل صاحب غزنة سبكتكين بلخ، ودعا إلى مناظرة الكرامية، وكان النضري يومئذ قاضيا ببلخ، فقال سبكتكين: ما تقولون في هؤلاء الزهاد الأولياء؟ فقال النضري: هؤلاء عندنا كفرة. قال: ما تقولون في؟ قال: إن كنت تعتقد مذهبهم، فقولنا فيك كذلك. فوثب، وجعل يضربهم بالدبوس حتى أدماهم، وشج النضري، وقيدهم وسجنهم، ثم أطلقهم خوف الملامة، ثم تمرض ببلخ، وسار إلى غزنة، فمات سنة سبع وثمانين وثلاث مائة، وعهد بالإمرة إلى ابنه إسماعيل، وكان محمود ببلخ، وكان أخوهما نصر على بست، وكان في إسماعيل خلة، فطمع فيه جنده، وشغبوا، فأنفق فيهم خزائن، فدعا محمود عمه، فاتفقا، وأتاهما نصر، فقصدوا غزنة، وحاصروها، وعمل هو وأخوه مصافا مهولا، وقتل خلق، فانهزم إسماعيل، ثم آمن إسماعيل، وحبسه معززا مرفها، ثم حارب محمود النواب السامانية، وخافته الملوك. واستولى على إقليم خراسان، ونفذ إليه القادر بالله خلع السلطنة، ففرض على نفسه كل سنة غز والهند، فافتتح بلادا شاسعة، وكسر الصنم سومنات؛ الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيى ويميت ويحجونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفا نفس، ومائة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفا، فيسر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى
محمود على أموال لا تحصى، وقيل: كان حجرا شديد الصلابة طوله خمسة أذرع، منزل منه في الأساس نحو ذراعين، فأحرقه السلطان، وأخذ منه قطعة بناها في عتبة باب جامع غزنة، ووجدوا في أذن الصنم نيفا وثلاثين حلقة؛ كل حلقة يزعمون أنها عبادته ألف سنة.
وكان السلطان مائلا إلى الأثر إلا أنه من الكرامية.
قال أبو النضر الفامي: لما قدم التاهرتي الداعي من مصر على السلطان يدعوه سرا إلى مذهب الباطنية، وكان التاهرتي يركب بغلا يتلون كل ساعة من كل لون، ففهم السلطان سر دعوتهم، فغضب، وقتل التاهرتي الخبيث، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي؛ شيخ هراة، وقال: كان يركبه رأس الملحدين، فليركبه رأس الموحدين.
وذكر إمام الحرمين أن محمود بن سبكتكين كان حنفيا يحب الحديث، فوجد كثيرا منه يخالف مذهبه، فجمع الفقهاء بمرو، وأمر بالبحث في أيما أقوى مذهب أبي حنيفة أو الشافعي. قال: فوقع الاتفاق على أن يصلوا ركعتين بن يديه على المذهبين. فصلى أبو بكر القفال بوضوء مسبغ وسترة وطهارة وقبلة وتمام أركان لا يجوز الشافعي دونها، ثم صلى صلاة على ما يجوزه أبي حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغا قد لطخ ربعه بنجاسة، وتوضأ بنبيذ، فاجتمع عليه الذبان، وكان وضوءا منكسا، ثم كبر بالفارسية، وقرأ بالفارسية،: دوبركك سبز. ونقر ولم يطمئن ولا رفع من الركوع، وتشهد، وضرط بلا سلام. فقال له: إن لم تكن هذه الصلاة يجيزها الإمام، قتلتك. فأنكرت الحنفية الصلاة. فأمر القفال بإحضار كتبهم، فوجد كذلك، فتحول محمود شافعيا. هكذا ذكره الإمام أبو المعالي بأطول من هذا.
قال عبد الغافر الفارسي في ترجمة محمود: كان صادق النية في إعلاء الدين، مظفرا كثير الغزو، وكان ذكيا بعيد الغور، صائب الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء. وقبره بغزنة يزار.
قال أبو علي بن البناء: حكى علي بن الحسين العكبري أنه سمع: أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت. فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه. فبهت ابن فورك، فلما خرج من عنده مات. فيقال: انشقت مرارته.
قال عبد الغافر: قد صنف في أيام محمود وأحواله لحظة لحظة، وكان في الخير ومصالح الرعية يسر له الإسار والجنود والهيبة والحشمة مما لم يره أحد.
وقال أبو النضر محمد بن عبد الجبار العتبي في كتاب اليميني في سيرة هذا الملك: قيل فيه:
تعالى الله ما شاء | وزاد الله إيماني |
أأفريدون في التاج | أم الإسكندر الثاني |
أم الرجعة قد عادت | إلينا بسليمان |
أظلت شمس محمود | على أنجم سامان |
وأمسى آل بهرام | عبيدا لابن خاقان |
فمن واسطة الهند | إلى ساحة جرجان |
ومن قاصية السند | إلى أقصى خراسان |
فيوما رسل الشاه | ويوما رسل الخان |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 172