أبو حيان النحوي محمد بن يوسف بن على بن يوسف بن حيان الغرناطي الاندلسي الجياني، النفزي، اثير الدين، ابو حيان: من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات. ولد في احدى جهات غرناطة، ورحل إلى مالقة. وتنقل إلى أن اقام بالقاهرة وتوفى فيها، بعد ام كف بصره. واشتهرت تصانيفه في حياته وقرئت عليه. من كتبه (البحر المحيط - ط) في تفسير القرآن، ثماني مجلدات و (النهر-ط) اختصر به البحر المحيط، و (مجاني العصر) في تراجم رجال عصره، ذكره ابن حجر في مقدمة الدرر وقال انه نقل عنه، ولم يذكره في ترجمة ابي حيان، و (طبقات نحاة الاندلس) و (زهو الملك في نحو الترك) و (الادراك للسان الاتراك-ط) و (منطق الخرس في لسان الفرس) و (نور الغبش في لسان الحبش) و (تحفة الاريب-ط) في غريب القرآن، و (منهج السالك في الكلام على الفية ابن مالك) و (التذييل والتكميل-خ) في شرح التسهيل لابن مالك، نحو، و (عقد اللآلي-خ) في القراآت، و (الحلل الحالية في اسانيد القرآن العالية) و (التقريب-خ) بخطه، و (المبدع-خ) في التصريف، و (النصار) مجلد ضخم ترجم به نفسه وكثيرا من اشياخه، و (ارتشاف الضرب من لسان العرب-خ) و (اللمحة البدرية في علم العربية-خ) وله شعر.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 152
أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي ابن يوسف بن حيان المقري الأثري الغرناطي
في الجزء الأول من كتاب نفح الطيب: قال الفاضل كمال الدين الأدفوي: وجرى على مذهب كثير من النحويين في تعصيبه للإمام علي التعصب المتين قال: حكى لي أنه قال لقاضي القضاء ابن جماعة أن عليا عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق أتراه ما صدق في هذا فقال صدق فالذين سلوا السيوف في وجهه يبغضونه أو يحبونه
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 101
العلامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الإسكندرية وديار مصر والحجاز، وحصل الإجازات من الشام والعراق وغير ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم أره على غير ذلك، وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم، نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصا المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك، كل ذلك قد جوده وقيده وحرره، والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة وأجابه عنها، وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت، أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخا في حياته، وهو الذي جسر الناس على مصنفات الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها وفتح لهم مقفلها، وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب رحمه الله تعالى: هذه نحو الفقهاء، والتزم أن لا يقرئ أحدا إلا إن كان في سيبويه أو في التسهيل لابن مالك أو في تصانيفه، ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيرا وأخذ عنه كتب الأدب، وهو شيخ حسن العمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا حمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر فيها لم تكن كثة، عبارته فصيحة لغة الأندلس يعقد القاف قريبا من الكاف على أنه ينطق بها في القرآن فصيحة وسمعته يقول: ما في هذه البلاد من يعقد حرف القاف، وكان له خصوصية بالأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري نائب السلطان بالممالك الإسلامية ينبسط معه ويبيت عنده، ولما توفيت ابنته نضار طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له في ذلك وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وكان أولا يرى رأي الظاهرية ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه، وتولى تدريس التفسير بالقبة المنصورية والإقراء بالجامع الأقمر، وقرأت عليه الأشعار الستة والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية وسمعوها بقراءتي عليه وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبيد الجماعة قريب من اثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري ووقع منه ومن الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة وقال: لم أر بعد ابن دقيق العيد أفصح من قراءتك، ولما وصلت المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب، فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له فقال لي: لا تتعب معي فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيرا وما أفاد ولا ظهر لي، وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة لاعترافه لي في ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك. وقرأت عليه أيضا سقط الزند لأبي العلاء وقرأت عليه بعض الحماسة لأبي تمام الطائي ومقصورة ابن دريد وغير ذلك، وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراءات السبع لابن بليمة وسمعت عليه كتاب الفصيح لثعلب بقراءة القاضي شهاب الدين ابن فضل الله بالقاهرة، وسمعت من لفظه خطبة كتابه المسمى ب ارتشاف الضرب من لسان العرب، وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه، وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر وغير ذلك، أنشدني من لفظه لنفسه:
سبق الدمع بالمسير المطايا | إذ نوى من أحب عني نقله |
وأجاد السطور في صفحة الخـ | ـد ولم لا يجيد وهو ابن مقله |
أنا هاو لمستطيل أغن | كلما اشتد صارت النفس رخوه |
أهمس القول وهو يجهر سبي | وإذا ما انخفضت أظهر علوه |
فتح الوصل ثم أطبق هجرا | بصفير والقلب قلقل شجوه |
لان دهرا ثم اغتدى ذا انحراف | وفشا السر مذ تكررت نحوه |
يقول لي العذول ولم أطعه: | تل فقد بدا للحب لحيه |
تخيل أنها شانت حبيبي | وعندي أنها زين وحليه |
شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي | شوق شديد وجسمي الواهن الواهي |
أسهرت طرفي ودلهت الفؤاد هوى | فالطرف والقلب مني الساهر الساهي |
نهبت قلبي وتنهى أن يبوح بما | يلقاه واشوقه للناهب الناهي |
بهرت كل مليح بالبهاء فما | في النيرين شبيه الباهر الباهي |
لهجت بالحب لما أن لهوت به | عن كل شيء وويح اللاهج اللاهي |
راض حبيبي عارض قد بدا | يا حسنه من عارض رائض |
وظن قوم أن قلبي سلا | والأصل لا يعتد بالعارض |
إن كان ليل داج، وخاننا الإصباح، | فنورها الوهاج، يغني عن المصباح |
سلافة تبدو | كالكواكب الأزهر |
مزاجها شهد | وعرفها عنبر |
يا حبذا الورد | منها وإن أسكر |
قلبي بها قد هاج، فما تراني صاح، | عن ذلك المنهاج، وعن هوى يا صاح |
وبي رشا أهيف | قد لج في بعدي |
بدر فلا يخسف | منه سنا الخد |
بلحظه المرهف | يسطو على الأسد |
كسطوة الحجاج، في الناس والسفاح، | فما ترى من ناج، من لحظه السفاح |
علل بالمسك | قلبي رشا أحور |
منعم المسك | ذو مبسم أعطر |
رياه كالمسك | وريقه كوثر |
غصن على رجراج، طاعت له الأرواح، | فحبذا الآراج، إن هبت الأرواح |
مهلا أبا القاسم | على أبي حيان |
ما إن له عاصم | من لحظك الفتان |
وهجرك الدائم | قد طال بالهيمان |
فدمعه أمواج، وسره قد لاح | لكنه ما عاج، ولا أطاع اللاح |
يا رب ذي بهتان | يعذل في الراح |
وفي هوى الغزلان | دافعت بالراح |
وقلت لا سلوان | عن ذاك يا لاحي |
سبع الوجوه والتاج، هي منية الأفراح، | فاختر لي يا زجاج قمصال وزوج أقداح |
عاذلي في الأهيف الأنس | لو رآه كان قد عذرا |
رشأ قد زانه الحور | غصن من فوقه قمر |
قمر من سحبه الشعر | ثغر في فيه أم درر |
جال بين الدر واللعس | خمرة من ذاقها سكرا |
رجة بالردف أم كسل | ريقة بالثغر أم عسل |
وردة بالخد أم خجل | كحل بالعين أم كحل |
يا لها من أعين نعس | جلبت لناظري سهرا |
مذ نأى عن مقلتي سني | ما أذيقا لذة الوسن |
طالما ألقاه من شجني | عجبا ضدان في بدني |
بفؤادي جذوة القبس | وبعيني الماء منفجرا |
قد أتاني الله بالفرج | إذ دنا مني أبو الفرج |
قمر قد حل في المهج | كيف لا يخشى من الوهج |
غيره لو صابه نفسي | ظنه من حره شررا |
نصب العينين لي شركا | فانثنى والقلب قد ملكا |
قمر أضحى له فلكا | قال لي يوما وقد ضحكا |
أنت جئت في أرض أندلس | نحو مصر تعشق القمرا |
قمر يجلو دجى الغلس | بهر الأبصار مذ ظهرا |
آمن من شبهة الكلف | ذبت في حبيه بالكلف |
لم يزل يسعى إلى تلفي | بركاب الدل والصلف |
آه لولا أعين الحرس | نلت منه الوصل مقتدرا |
يا أميرا جار مذ وليا | كيف لا ترثي لمن بليا |
فبثغر منك قد جليا | قد حلا طعما وقد حليا |
وبما أوتيت من كيس | جد فما أبقيت مصطبرا |
بدر تم في الجمال سني | ولهذا لقبوه سني |
قد سباني لذة الوسن | بمحيا باهر حسن |
هو خشفي وهو مفترسي | فارو عن أعجوبتي خبرا |
لك خد يا أبا الفرج | زين بالتوريد والضرج |
وحديث عاطر الأرج | كم سبى قلبا بلا حرج |
لو رآك الغصن لم يمس | أو رآك البدر لاستترا |
يا مذيبا مهجتي كمدا | فت في الحسن البدور مدى |
يا كحيلا كحله اعتمدا | عجبا أن تبرئ الرمدا |
وبسقم الناظرين كسي | جفنك السحار فانكسرا |
قالوا: أبو حيان غير مدافع | ملك النحاة، فقلت بالإجماع |
اسم الملوك على النقود وإنني | شاهدت كنيته على المصراع |
قد قيل لما أن سمعت مباحثا | في الذات قررها أجل مفيد |
هذا أبو حيان، قلت: صدقتم | وبررتم هذا هو التوحيدي |
هو العلم لا كالعلم شيء تراوده | لقد فاز باغيه وأنجح قاصده |
أهاجك ربع حائل الرسم دارسه | كوحي كتاب أضعف الخط دارسه |
تقشقته شيخا كأن مشيبه | على وجنتيه ياسمين على ورد |
أخا العقل يدري ما يراد من النهى | أمنت عليه من رقيب ومن ضد |
وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى | لسود اللحى ناس وناس إلى المرد |
ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد | صبوت إلى هيفاء مائسة القد |
وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركا | فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي |
تعشقته أحدبا كيسا | يحاكي نجيبا حنين البغام |
إذا كدت أسقط من فوقه | تعلقت من ظهره بالسنام |
علقته سبجي اللحظ حالكه | ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا |
قد صاغه من سواد العين خالقه | وكل عين إليه تقصد النظرا |
ألا ما لها لخصا بقلبي عوابثا | أظن بها هاروت أصبح نافثا |
إذا رام ذو وجد سلوا منعنه | وكن على دين التصابي بواعثا |
وقيدن من أضحى عن الحب مطلقا | وأسرعن للبلوى بمن كان رائثا |
بروحي رشا من آل خاقان راحل | وإن كان ما بين الجوانح لابثا |
غدا واحدا في الحسن للفضل ثانيا | وللبدر والشمس المنيرة ثالثا |
عداتي لهم فضل علي ومنة | فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا |
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها | وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا |
أسحر لتلك العين في القلب أم وخز | ولين لذاك الجسم في اللمس أم خز |
وأملود ذاك القد أم أسمر غدا | له أبدا في قلب عاشقه هز |
فتاة كساها الحسن أفخر ملبس | فصار عليه من محاسنها طرز |
وأهدى إليها الغصن لين قوامه | فماس كأن الغصن خامره العز |
يضوع أديم الأرض من نشر طيبها | ويخضر في آثارها تربة الجرز |
وتختال في برد الشباب إذا مشت | فينهضها قد ويقعدها عجز |
أصابت فؤاد الصب منها بنظرة | فلا رقية تجدي المصاب ولا حرز |
وقالوا: الذي قد صرت طوع جماله | ونفسك لاقت في هواه نزاعها |
به وضح تأباه نفس أخي الحجى | وأفظع داء ما ينافي طباعها |
فقلت لهم: لا عيب فيه يشينه | ولا علة فيه يروم دفاعها |
ولكنما شمس الضحى حين قابلت | محاسنه ألقت عليه شعاعها |
رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلي | قنيصا رجاء للنتاج من العقم |
أأتعب في تحصيله وأضيعه | إذا كنت معتاضا من البرء بالسقم |
كلفت بنوتي كأن قوامه | إذا ينثني خوط من البان ناعم |
مجاذفه في كل قلب مجاذب | وهزاته للعاشقين هزائم |
وعلقته مسود عين ووفرة | وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد |
كأن خطوط الفحم في وجناته | لطاخة مسك في جني من الورد |
ما ضر حسن الذي أهواه أن سنا | كريمتيه بلا شين قد احتجبا |
قد كانتا زهرتي روض وقد ذوتا | لكن حسنهما الفتان ما ذهبا |
كالسيف قد زال عنه صقله فغدا | أنكى وآلم في قلب الذي ضربا |
سأل البدر هل تبدى أخوه | قلت: يا بدر لن يطيق طلوعا |
كيف يبدو وأنت يا بدر باد | أو بدران يطلعان جميعا |
لا زال ميت العلم يحييه ولا | عجب لذلك من أبي حيان |
حتى ينال بنو العلوم مرامهم | ويحلهم دار المنى بأمان |
مات أثير الدين شيخ الورى | فاستعر البارق واستعبرا |
ورق من حزن نسيم الصبا | واعتل في الأسحار لما سرى |
وصادحات الأيك في نوحها | رثته في السجع على حرف را |
يا عين جودي بالدموع التي | يروى بها ما ضمه من ثرى |
واجري دما فالخطب في شأنه | قد اقتضى أكثر مما جرى |
مات إمام كان في علمه | يرى إماما والورى من ورا |
أمسى منادى للبلى مفردا | فضمه القبر على ما ترى |
يا أسفا كان هدى ظاهرا | فعاد في تربته مضمرا |
وكان جمع الفضل في عصره | صح فلما أن قضى كسرا |
وعرف الفضل به برهة | والآن لما أن مضى نكرا |
وكان ممنوعا من الصرف لا | يطرق من وافاه خطب عرا |
لا أفعل التفضيل ما بينه | وبين من أعرفه في الورى |
لا بدل عن نعته بالتقى | ففعله كان له مصدرا |
لم يدغم في اللحد إلا وقد | فك من الصبر وثيق العرى |
بكى له زيد وعمرو فمن | أمثلة النحو وممن قرا |
ما أعقد التسهيل من بعده | فكم له من عسرة يسرا |
وجسر الناس على خوضه | إذ كان في النحو قد استبحرا |
من بعده قد حال تمييزه | وحظه قد رجع القهقرى |
شارك من قد ساد في فنه | وكم له فن به استأثرا |
دأب بني الآداب أن يغسلوا | بدمعهم فيه بقايا الكرى |
والنحو قد سار الردى نحوه | والصرف للتصريف قد غيرا |
واللغة الفصحى غدت بعده | يلغى الذي في ضبطها قررا |
تفسيره البحر المحيط الذي | يهدي إلى وارده الجوهرا |
فوائد من فضله جمة | عليه فيها نعقد الخنصرا |
وكان ثبتا نقله حجة | مثل ضياء الصبح إن أسفرا |
ورحلة في سنة المصطفى | أصدق من تسمع إن خبرا |
له الأسانيد التي قد علت | فاستفلت عنها سوامي الذرى |
ساوى بها الأحفاد أجدادهم | فاعجب لماض فاته من طرا |
وشاعرا في نظمه مفلقا | كم حرر اللفظ وكم حبرا |
له معان كلما خطها | تستر ما يرقم في تسترا |
أفديه من ماض لأمر الردى | مستقبلا من ربه بالقرى |
ما بات في أبيض أكفانه | إلا وأضحى سندسا أخضرا |
تصافح الحور له راحة | كم تعبت في كل ما سطرا |
إن مات فالذكر له خالد | يحيا به من قبل أن ينشرا |
جاد ثرى واراه غيث إذا | مساه بالسقيا له بكرا |
وخصه من ربه رحمة | تورده في حشره الكوثرا |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 5- ص: 0
أثير الدين أبو حيان النحوي هو محمد بن يوسف.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0
أبو حيان النحوي أبو حيان أثير الدين النحوي المتأخر. اسمه محمد بن يوسف، تقدم ذكره في المحمدين فليطلب هناك.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 13- ص: 0
محمد بن يوسف بن علي ابن يوسف بن حيان، الشيخ الإمام العالم العلامة الفريد الكامل، حجة العرب، مالك أزمة الأدب، أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجبائي الجياني، بالجيم والياء آخر الحروف مشددة، وبعد الألف نون.
كان أمير المؤمنين في النحو، والشمس السافرة شتاء في يوم الصحو، والمتصرف في هذا العلم، فإليه الإثبات والمحو، لو عاصر أئمة البصرة لبصرهم، وأهل الكوفة لكف عنهم اتباعهم الشواذ وحذرهم، نزل منه كتاب سيبويه في وطنه بعد أن كان طريدا، وأصبح به التسهيل بعد تعقيده مفيدا، وجعل سرحة شرحه وجنة راقت النواظر توريدا. ملأ الزمان تصانيف، وأمال عنق الأيام بالتواليف. تخرج به أئمة هذا الفن، وروق لهم في عصره منه سلافة الدن، فلو رآه يونس بن حبيب لكان بغيضا غير محبب، أو عيسى بن عمر لأصبح من تقعيره وهو محدب، أو الخليل لكان بعينه قذاه، أو سيبويه لما تردى من مسألته الزنبورية برداه، أو الكسائي لأعراه حلة جاهه عند الرشيد وأناسه، أو الفراء لفر منه ولم يقتسم ولد المأمون تقديم مداسه، أو الزيدي لأظهر نقصه من مكامنه، أو الأخفض لأخفى جملة من محاسنه، أو أبو عبيدة لما تركه ينصب لشعب الشعوبية، أو أبو عمرو لشغله بتحقيق اسمه دون التعلق بعربية، أو السكري لما راق كلامه في المعاني ولا حلا، أو المازني لما زانه قوله:
#إن مصابكم رجلا
أو قطرب لما دب في العربية ولا درج، أو ثعلب لاستكن بمكره في وكره وما خرج، أو المبرد لأصبحت قواه مفترة، أو الزجاج لأمست قواريره مكسرة، أو ابن الوزان لعدم نقده، أو الثمانيني لما تجاوز حده، أو ابن بابشاذ لعلم أن قياسه ما اطرد، أو ابن دريد ما بلع ريقه ولا ازدرد، أو ابن قتيبة لأضاع رحله، أو ابن السراج لمشاه إذا رأى وحله، أو ابن الخشاب لأضرم فيه نارا ولم يجد معها نورا، أو ابن الخباز لما سجر له تنورا، أو ابن القواس لما أغرق في نزعه، أو ابن يعيش لأوقعه في نزعة، أو ابن خروف لما وجد له مرعى، أو ابن إياز لما وجد لإوازه وقعا، أو ابن الطراوة لم يكن نحوه طريا، أو الدباج لكان من حلته الرائقة عريا.
وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقا وغربا، وفريد هذا الفن الفذ بعدا وقربا، وفيه قلت:
سلطان علم النحو أستاذنا | الشيخ أثير الدين حبر الأنام |
فلا تقل زيد وعمرو فما | في النحو معه لسواه كلام |
مات أثير الدين شيخ الورى | فاستعر البارق واستعبرا |
ورق من حزن نسيم الصبا | واعتل في الأسحار لما سرى |
وصادحات الأيك في نوحها | رثته في السجع على حرف را |
يا عين جودي بالدموع التي | يروى بها ما ضمه من ثرى |
واجر دما فالخطب في شأنه | قد اقتضى أكثر مما جرى |
مات إمام كان في فنه | يرى أماما والورى من ورا |
أمسى منادى للبلى مفردا | فضمه القبر على ما ترى |
يا أسفا كان هدى ظاهرا | فعاد في تربته مضمرا |
وكان جمع الفضل في عصره | صح فلما أن قضى كسرا |
وعرف الفضل به برهة | والآن لما أن مضى نكرا |
وكان ممنوعا من الصرف لا | يطرق من وافاه خطب عرا |
لا أفعل التفضيل ما بينه | وبين من أعرفه في الورى |
لا بدل عن نعته بالتقى | ففعله كان له مصدرا |
لم يدغم في اللحد إلا وقد | فك من الصبر وثيق العرا |
بكى له زيد وعمرو فمن | أمثلة النحو ومن قد قرا |
ما أعقد التسهيل من بعده | فكم له من عسرة يسرا |
وجسر الناس على خوضه | إذ كان في النحو قد استبحرا |
من بعده قد حال تمييزه | وحظه قد رجع القهقرى |
شارك من قد ساد في فنه | وكم له فن به استأثرا |
دأب بني الآداب أن يغسلوا | بدمعهم فيه بقايا الكرى |
والنحو قد سار الردى نحوه | والصرف للتصريف قد غيرا |
واللغة الفصحى غدت بعده | يلغى الذي في ضبطها قررا |
تفسيره البحر المحيط الذي | يهدي الى وراده الجوهرا |
فوائد من فضله جمة | عليه فيها نعقد الخنصرا |
وكان ثبتا نقله حجة | مثل ضياء الصبح إن أسفرا |
ورحلة في سنة المصطفى | أصدق من تسمع إن أخبرا |
له الأسانيد التي قد علت | فاستغلت عنها سوامي الذرا |
ساوى بها الأحفاد أجدادهم | فاعجب لماض فاته من طرا |
وشاعرا في نظمه مفلقا | كم حرر اللفظ وكم حبرا |
له معان كلما خطها | تستر ما يرق في تسترا |
أفديه من ماض لأمر الردى | مستقبلا من ربه بالقرى |
ما بات في أبيض أكفانه | إلا وأضحى سندسا أخضرا |
تصافح الحور له راحة | كم تعبت في كل ما سطرا |
إن مات فالذكر له خالد | يحيا به من قبل أن ينشرا |
جاد ثرى واراه غيث إذا | مساه بالسقيا له بكرا |
وخصه من ربه رحمة | تورده في حشره الكوثرا |
رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلي | قنيصا رجاء للنتاج من العقم |
أأتعب في تحصيله وأضيعه | إذا كنت معتاضا من البر بالسقم |
إن الدراهم والنساء كلاهما | لا تأمنن عليهما إنسانا |
ينزعن ذا اللب المتين عن التقى | فترى إساءة فعله إحسانا |
أتى بشفيع ليس يمكن رده | دراهم بيض للجروح مراهم |
تصير صعب الأمر أهون ما يرى | وتقضي لبانات الفتى وهو نائم |
عداتي لهم فضل علي ومنة | فلا صرف الرحمن عني الأعاديا |
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها | وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا |
قد قلت لما أن سمعت مباحثا | في الذات قررها أجل مفيد |
هذا أبو حيان، قلت: صدقتم | وبررتم هذا هو التوحيدي |
قالوا أبو حيان غير مدافع | ملك النحاة، فقلت: بالإجماع |
اسم الملوك على النقود وإنني | شاهدت كنيته على المصراع |
إليك أبا حيان أعملت أينقي | وملت الى حيث الركائب تلتقي |
دعاني إليك الفضل فانقدت طائعا | ولبيت أحدوها بلفظي المصدق |
تبدى فقلنا وجهه فلق الصبح | يلوح لنا من حالك الشعر في جنح |
بدأت بأمر تمم الله قصده | وكمله باليمن فيه وبالنجح |
وسهلت تسهيل الفوائد محسنا | فكن شارحا صدري بتكملة الشرح |
يا شيخ أهل الأدب الباهر | من ناظم يلفى ومن ناثر |
ضيف ألم بنا من أبرع الناس | لا ناقض عهد أيامي ولا ناس |
عار من الكبر والأدناس ذو ترف | لكنه من سرابيل العلا كاس |
أتراه بعد هجران يصل | ويرى في ثوب وصل مبتدل |
قمر جار على أحلامنا | إذ تولاها بقد معتدل |
أعذروه فكريم من عذر | قمرته ذات وجه كالقمر |
إن الأثير أبا حيان أحيانا | بنشره طي علم مات أحيانا |
فضضت عن العذب النمير ختامها | وفتحت عن زهر الرياض كمامها |
لو كنت أملك من دهري جناحين | لطرت لكنه فيكم جنى حيني |
يا سادة نلت في مصر بهم شرفا | أرقى به شرفا تنأى عن العين |
وإن جرى لسما كيوان ذكر علا | أحلني فضلهم فوق السماكين |
وليس غير أثير الدين أثله | فساد ما شاد لي حقا بلا مين |
حبر ولو قلت: إن الباء رتبتها | من قبل، صدقك الأقوام في ذين |
أحيا علوما أمات الدهر أكثرها | مذ جلدت خلدت ما بين دفين |
يا واحد العصر ما قولي بمتهم | ولا أحاشي امرأ بين الفريقين |
هذي العلوم بدت من سيبويه كما | قالوا وفيك انتهت يا ثاني اثنين |
فدم لها وبودي لو أكون فدى | لما ينالك في الأيام من شين |
يا سيبويه الورى في الدهر لا عجب | إذا الخليل غدا يفديك بالعين |
فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى | ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبا |
ويشهد الله على كل ما | قد قلته والله نعم الشهيد |
قلت للكاتب الذي ما أراه | قط إلا ونقط الدمع شكله |
إن تخط الدموع في الخد شيئا | ما يسمى؟ فقال: خط ابن مقله |
سبق الدمع بالمسيل المطايا | إذ نوى من أحب عني رحله |
وأجاد الخطوط في صفحة الخد | ولم لا يجيد وهو ابن مقله |
كلفت بنوتي كأن قوامه | إذا ينثني خوط من البان ناعم |
مجاذفه في كل قلب مجاذب | وهزاته للعاشقين هزائم |
إن نوتي مركب نحن فيه | هام فيه صب الفؤاد جريحه |
أقلع القلب عن سلوي لما | أن بدا ثغره وقد طاب ريحه |
نوتينا حسنه بديع | وفيه بدر السماء مغرى |
ما حك برا إلا وقلنا | يا ليت أنا نحك برا |
تعشقته أحدبا كيسا | يحاكي نجيبا حنين البغام |
إذا كدت أسقط من فوقه | تعلقت من ظهره بالسنام |
وأحدب رحت به مغرما | إذ لم تشاهد مثله عيني |
لا غرو أن هام فؤادي به | وخصره ما بين ردفين |
ما ضر حسن الذي أهواه أن سنا | كريمتيه بلا شين قد احتجبا |
قد كانتا زهرتي روض وقد ذوتا | لكن حسنهما الفتان ما ذهبا |
كالسيف قد زال عند صقله فغدا | أنكى وآلم في قلب الذي ضربا |
ورب أعمى وجهه روضة | تنزهي فيها كثير الديون |
في خده ورد غنينا به | عن نرجس ما فتحته للعيون |
أيا حسن أعمى لم يخف حد طرفه | محب غدا سكران فيه وما صحا |
إذا طار خد بات يرعى خدوده | غدا آمنا من مقلتيه الجوارحا |
لا زال ميت العلم يحييه وهل | عجب لذلك من أبي حيان |
حتى ينال بنو العلوم مرامهم | ويحلهم دار المنى بأمان |
أنا هاو لمستطيل أغن | كلما اشتد صارت النفس رخوه |
أهمس القول وهو يجهر سبي | وإذا ما انخفضت أظهر علوه |
فتح الوصل ثم أطبق هجرا | بصفير والقلب قلقل شجوه |
لان دهرا ثم اغتدى ذا انحراف | وفشا السر مذ تكررت نحوه |
يقول لي العذول ولم أطعه | تسل فقد بدا للحب لحيه |
تخيل أنها شانت حبيبي | وعندي أنها زين وحليه |
شوقي لذاك المحيا الزاهر الزاهي | شوق شديد وجسمي الواهن الواهي |
أسهرت طرفي ودلهت الفؤاد هوى | فالطرف والقلب مني الساهر الساهي |
نبهت قلبي وتنهى أن تبوح بما | يلقاه وا شوقه للناهب الناهي |
بهرت كل مليح بالبهاء فما | في النيرين شبيه الباهر الباهي |
لهجت بالحب لما أن لهوت به | عن كل فويح اللاهج اللاهي |
راض حبيبي عارض قد بدا | يا حسنه من عارض رائض |
وظن قوم أن قلبي سلا | والأصل لا يعتد بالعارض |
تعشقته شيخا كأن مشيبه | على وجنتيه ياسمين على ورد |
أخاد العقل يدري ما يراد من النهى | أمنت عليه من رقيب ومن صد |
وقالوا: الورى قسمان في شرعة الهوى | لسود اللحى ناس وناس الى المرد |
ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد | صبوت الى هيفاء مائسة القد |
وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركا | فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي |
ألا ما لها لخصا بقلبي عوابثا | أظن بها هاروت أصبح نافثا |
إذا رام ذو وجد سلوا منعنه | وكن على دين التصابي بواعثا |
وقيدن من أضحى عن الحب مطلقا | وأسرعت للبلوى بمن كان رائثا |
بروحي رشا من آل خاقان راحل | وإن كان ما بين الجوانح لابثا |
غدا واحدا في الحسن للفضل ثانيا | وللبدر الشمس المنيرة ثالثا |
أسحر لتلك العين في القلب أم وخز | ولين لذاك الجسم في اللمس أم خز |
وأملود ذاك القد أم أسمر غدا | له أبدا في القلب عاشقه هز |
فتاة كساها الحسن أفخر حلة | فصار عليها من محاسنها طرز |
وأهدى إليها الغصن لين قوامه | فماس كأن الغصن خامره العز |
يضوع أديم الأرض من نشر طيها | ويخضر من آثارها تربه الجرز |
وتختال في برد الشباب إذا مشت | فينهضها قد ويقعدها عجز |
أصابت فؤاد الصب منها بنظرة | فلا رقية تجدي المصاب ولا حرز |
وقالوا الذي قد صرت طوع جماله | ونفسك لاقت في هواه نزاعها |
به وضح تأباه نفس أولي النهى | وأفظع داء ما ينافي طباعها |
فقلت لهم لا عيب فيه يشينه | ولا علة فيه يروم دفاعها |
ولكنها شمس الضحى حين قابلت | محاسنه ألقت عليه شعاعها |
وعلقته مسود عين ووفرة | وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد |
كأن خطوط الفحم في وجناته | لطاخة مسك في جني من الورد |
سأل البدر هل تبدى أخوه | قلت يا بدر لن يطيق طلوعا |
كيف يبدو وأنت يا بدر باد | أو بدران يطلعان جميعا؟ |
عاذلي في الأهيف الآنس | لو رآه كان قد عذرا |
رشأ قد زانه الحور | غصن من فوقه قمر |
قمر من سحبه الشعر | ثغر في فيه أم درر |
جال بين الدر واللعس | خمرة من ذاقها سكرا |
رجة بالردف أم كسل | ريقة بالثغر أم عسل |
وردة بالخد أم خجل | كحل بالعين أم كحل |
يا لها من أعين نعس | جلبت لناظري سهرا |
مذ نأى عن مقلتي سني | ما أذيقا لذة الوسن |
طال ما ألقاه من شجني | عجبا ضدان في بدني |
بفؤادي جذوة القبس | وبعيني الماء منفجرا |
قد أتاني الله بالفرج | إذ دنا مني أبو الفرج |
قمر قد حل في المهج | كيف لا يخشى من الوهج |
غيره لو صابه نفسي | ظنه من حره شررا |
نصب العينين لي شركا | فانثنى والقلب قد ملكا |
قمر أضحى له فلكا | قال لي يوما وقد ضحكا |
أنت جئت من أرض أندلسي | نحو مصر تعشق القمرا |
قمر يجلو دجا الغلس | بهر الأبصار مذ ظهرا |
آمن من شبهة الكلف | ذبت في حبيه بالكلف |
لم يزل يسعى الى تلفي | بركاب الدل والصلف |
آه لولا أعين الحرس | نلت منه الوصل مقتدرا |
يا أميرا جار مذ وليا | كيف لا ترثي لمن بليا |
فبثغر منك قد جليا | قد حلا طعما وقد حليا |
وبما أوتيت من كيس | جد فما أبقيت مصطبرا |
بدر تم في الجمال سني | ولهذا لقبوه سني |
قد سباني لذة الوسن | بمحيا باهر حسن |
هو خشفي وهو مفترسي | فارو عن أعجوبتي خبرا |
لك خد يا أبا الفرج | زين بالتوريد والضرج |
وحديث عاطر الأرج | كم سبى قلبا بلا حرج |
لو رآك الغصن لم يمس | أو رآك البدر لاستترا |
يا مذيبا مهجتي كمدا | فقت في الحسن البدور مدى |
يا كحيلا كحلة اعتمدا | عجبا أن تبرئ الرمدا |
وبسقم الناظرين كسي | جفنك السحار وانكسرا |
إن كان ليل داج=وخاننا الإصباح=فنورها الوهاج | يغني عن المصباح |
سلافة تبدو | كالكوكب الأزهر |
مزاجها شهد | وعرفها عنبر |
يا حبذا الورد | منها وإن أسكر |
قلبي بها قد هاج=فما تراني صاح=عن ذلك المنهاج | وعن هوى يا صاح |
وبي رشا أهيف | قد لج في بعدي |
بدر فلا يخسف | منه سنا الخد |
بلحظه المرهف | يسطو على الأسد |
كسطوة الحجاج=في الناس والسفاح=فما ترى من ناج | من لحظه السفاح |
علل بالمسك | قلب رشا أحور |
منعم المسك | ذو مبسم أعطر |
رياه كالمسك | وريقه كوثر |
غصن على رجراج=طاعت له الأرواح=فحبذا الآراج | إن هبت الأرواح |
مهلا أبا القاسم | على أبي حيان |
ما إن له عاصم | من لحظك الفتان |
وهجرك الدائم | قد طال بالهيمان |
فدمعه أمواج=وسره قد لاح=لكنه ما عاج | ولا أطاع اللاح |
يا رب ذي بهتان | يعذل في الراح |
وفي هوى غزلان | دافعت بالراح |
وقلت لا سلوان | عن ذاك يا لاحي |
سبع الوجوه والتاج=هي منية الأفراح=فاختر لي يا زجاج | قمصال وزوج أقداح |
هو العلم لا كالعلم شيء تراوده | لقد فاز باغيه وأنجح قاصده |
أهاجك ربع حائل الرسم دارسه | كوحي كتاب أضعف الخط دارسه |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 325
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجياني ولد في أواخر شوال سنة 654 وقرأ القرآن على الخطيب عبد الحق بن علي إفرادا وجمعا ثم على الخطيب أبي جعفر ابن الطباع ثم على الحافظ أبي علي بن أبي الأحوص بمالقة وسمع الكثير ببلاد الأندلس وإفريقية ثم قدم الاسكندرية فقرأ القراءآت على عبد النصير بن علي المربوطي وبمصر على أبي طاهر إسماعيل بن عبد الله المليجي خاتمة أصحاب أبي الجود ولازم بها الشيخ بهاء الدين ابن النحاس فسمع عليه كثيرا من كتب الأدب ومن عوالي أشياخه على ما كتب بخطه أبو علي بن أبي الأحوص ومحمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع والوجيه بن البرهان والقطب القسطلاني وابن الأنماطي والعز الحراني وأبو محمد بن هارون ومحمد بن عبد الله بن البن وابن خطيب المزة وغازي الحلاوي ومؤنسة بنت العادل وشامية بنت البكري قال وعدة من أخذت عنه أربعمائة وخمسون شخصا وأما من أجازني فكثير جدا وسمع أيضا من عبد الوهاب ابن الفرات وعبد الله بن أحمد بن فارس قال الصفدي لم أره قط إلا يسمع أو يشغل أو يكتب أو ينظر في كتاب ولم أره على غير ذلك وكان له إقبال على أذكياء الطلبة يعظمهم وينوه بقدرهم وكان كثير النظم من الأشعار والموشحات وكان ثبتا فيما ينقله عارفا باللغة وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يذكر أحد في أقطار الأرض فيهما غيره وله اليد الطولى في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم وخصوصا المغاربة وله التصانيف التي سارت في آفاق الأرض واشتهرت في حياته وأقرأ الناس قديما وحديثا حتى ألحق الصغار بالكبار وصارت تلامذته أئمة وأشياخا في حياته وهو الذي جسر الناس على قراءة كتب ابن مالك ورغبهم فيها وشرح لهم غامضها وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء وألزم أحدا أن لا يقرئ أحدا إلا في كتاب سيبويه أو في التسهيل لابن مالك أو في مصنفاته وقال ابن الخطيب كان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة شبيبته على التعرض للأستاذ أبي جعفر ابن الطباع وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر بن الزبير وحشة فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرفع أمره للسلطان بغرناطة فانتصر له وأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم أجاز البحر مختفيا ولحق بالمشرق وتكررت رحلته إلى أن حل بالديار المصرية قال وشعره كثير بحيث يوصف بالإجادة وضدها وقدم أبو حيان سنة 679 فأدرك أبا طاهر المليجي وكان آخر من قرأ على أبي الجود فقرأ عليه وحضر مجلس الشيخ شمس الدين الأصبهاني وكان ظاهريا وانتمى إلى الشافعية واختصر المنهاج وكان أبو البقاء يقول أنه لم يزل ظاهريا قلت كان أبو حيان يقول محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه ذكر مصنفاته منقولة من خطه البحر المحيط في التفسير كبير غريب القرآن في مجلد الأسفار الملخص من كتاب الصفار وشرح التسهيل التذكرة الموفور التذكير المبدع التقريب التدريب غاية الإحسان والنكت الحسان الشذى في مسألة كذا اللمحة الشذرة الارتضاء عقد اللآلئ نكتب الأملى النافع المورد الغمر والروض الباسم المزن الهامر الرمزة تقريب النائي غاية المطلوب والنثر الجلي الوهاج في اختصار المنهاج الأنور الأجلى في اختصار المحلى الحلل الحالية الأعلام ونثر الزهر في نظم الزهر القطر الحبى والفهرست نوافث السحر مجاني الهصر تحفة الندس في نحاة الأندلس الأبيات الوافية في القافية الإدراك للسان الأتراك وزهو الملك في نحو الترك الأفعال في لسان الترك منطق الخرس بلسان الفرس ونور العبش في لسان الحبش المحبور في لسان اليحمور مسلك الرشد منهج السالك نهاية الإعراب خلاصة التبيان بعضها لم يكمل ومن شعره
راض حبيبي عارض قد بدا=يا حسنه من عارض رائض #وظن قوم أن قلبي سلا=والأصل لايعتد بالعارض وله | كوحي كتاب أضعف الخط دارسه ونظم قصيدة على وزن الشاطبية في القراءآت بغير رموز وهي أخصر وأكثر فوائد ولكن ما رزقت حظ الشاطبية قال الكمال جعفر في ترجمته شيخ الدهر وعالمه ومحيي الفن الأدبي بعد ما درست معالمه ومجرى اللسان العربي فلا يقاربه أحد فيه ولا يقاومه وذكر أنه لازمه من سنة ثماني عشرة إلى أن مات وذكر جملة كثيرة من شيوخه وأنه بحث في المحرر للرافعي على العلم العراقي وحفظ المنهاج واختصره واختصر المحلى لابن حزم وذكر تصانيفه وذكر أنه كان صدوقا حجة ثبتا سالما في العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم وجرى على مذهب الأدب في الميل إلى محاسن الشباب ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة علي بن أبي طالب والتجافي عن من قاتله وكان يتأول قوله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وكان كثير الخشوع يبكي عند قراءة القرآن وعند الأبيات الغزلية قال وامتدحه الأعيان منهم ابن عبد الظاهر وشافع والصدر بن الوكيل والشرف بن الوحيد والنجم الطوفي وأبوه الحسين الجزار والشهاب العزازي وإسحاق بن المنجا التركي والمجير القوصي ابن الخيمي - انتهى ووقفت على كتاب له سماه النضار عن المسلاة عن نضار بخطه في مجلد صخم ذكر فيه أوليته وابتداء أمره وصفة رحلته وتراجم الكثير من أشياخه وأحواله إلى أن استطرد إلى أشياء كثيرة تشتمل على فوائد غزيرة قد لخصتها في التذكرة ومما ذكر في نسبه النفزي قال هي نسبة إلى نفزة قبيلة من البربر والبربر فيما يزعمون من ولد بربر بن قيس بن عيلان بن مضر وهم قبائل زناتة وهوارة وصنهاجة ونفزة وكتامة ولواتة وصدينة وسنانة ومرانة وكانوا كلهم بفلسطين مع جالوت فلما قتل تفرقوا وقصد أكثرهم الجبال في السوس وغيرها وقال غرناطة قاعدة بلاد الأندلس تشبه دمشق في كثرة الفواكه وهي إسلامية قال وكان أبي من جيان - بالجيم فكان يقال لأبي حيان الجياني - بالجيم والمهملة ويقال أنه ضعف مرة فعاده جماعة منهم ابن دانيال المقدم ذكره فأنشدهم قصيدة من مطولاته فلما فرغ قال ابن دانيال يا جماعة أبشركم أن الشيخ عوفي وغدا يدخل الحمام فسألوه عن ذلك فقال لم يبق عنده فضلة إلا استفرغها قال الصفدي كان شيخا طوالا حسن النغمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر فيها لم تكن كثة وعباراته فصيحة بلغة الأندلس يعقد القاف قريبا من الكاف لكنه لاينطق بها في القرآن إلا فصيحة متقنة قد مدحه جماعة من الأدباء البلغاء وأخذ عنه كبار المشايخ ممن مات في حياته أو بعده بقليل لأنه عمر طويلا وكان اختص بأرغون النائب وصار يبيت عنده بالقلعة ولما ماتت بنته نضار سأل من السلطان الناصر أن يأذن له أن يدفنها في بيته بالشرقية فأذن له وكان ظاهري المذهب فلما قدم القاهرة ورأى مذهب الظاهر مهجورا فيها تمذهب للشافعي وقرأ على العلم العراقي في المحرر وفي المنهاج ثم درس المنهاج فحفظه إلا يسيرا منه قلت ونسخه بخطه ورأيته ثم اختصره وقرأ شيئا من أصول الفقه على أبي جعفر بن الزبير في الإشارة للباجي ومن المستصفي وقرأ في أصول الدين على ابن الزبير أيضا وقرأ شيئا في المنطق على بدر الدين محمد بن سلطان وقرأ عليه من الإرشاد للحميدي في الخلاف وبرع في النحو إلى أن صار لا يعرف إلا به وكان عريا من الفلسفة بريئا من الاعتزال والتجسيم متمسكا بطريقة السلف وكان يعظم ابن تيمية ومدحه بقصيدة ثم انحرف عنه وذكره في تفسيره الصغير بكل سوء ونسبه إلى التجسيم فقيل إن سبب ذلك أنه بحث معه في العربية فأساء ابن تيمية على سيبويه فساء ذلك أبا حيان وانحرف عنه وقيل بل وقف له على كتاب العرش فاعتقد أنه مجسم وأكثر من سماع الحديث حتى بلغت عدة شيوخه أربعمائة وأجاز له جمع جم وقد جمعهم في كتاب البيان في شيوخ أبي حيان فبلغوا ألفا وخمسمائة وتصانيفه يزيد على خمسين قال جعفر الأدفوي جرى على طريق كثير من أئمة النحاة في حب علي حتى قال مرة لبدر الدين ابن جماعة قد روى علي قال عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق هل صدق في هذه الرواية فقال له ابن جماعة نعم فقال فالذين قاتلوه وسلوا السيوف في وجهه كانوا يحبونه أو يبغضونه قال الأدفوي أيضا كان الشيخ سيء الظن بالناس كافة وتعقبه الصفدي بأنه لم يسمع منه في حق أحد من الأحياء ولا الأموات إلا خيرا قال وكان يبلغني أنه كان يحط على ابن دقيق العيد لكن لم أسمع منه في ذلك شيئا وسمعت منه التنفير عن الذين ينسبون إلى الصلاح حتى قلت له يوما يا سيدي فما تقول في الشيخ أبي مدين قال رجل مسلم دين وإلا ما كان يطير في الهواء ولا يصلي الخمس بمكة كما يدعي فيه هؤلاء الجهلة قال وكان فيه خشوع ويبكي إذا سمع القرآن ويجري دمعه إذا سمع الأشعار الغزلية وكان يقول يؤثر في من الأشعار ما كان غزلا أو حماسة إلا أشعار الكرم فإنها لا تؤثر في وكان يفتخر بالبخل كما يفتخر الناس بالكرم ويقول أوصيك احفظ دراهمك ودع يقال بخيل ولا تحتاج إلى الأرذال قال وكان يلومني على بذل الدراهم في شراء الكتب ويقول إذا أردت كتابا استعرته من كتب الأوقاف وقضيت حاجتي وإذا احتجت إلى درهم لم أجد من يعيرني إياه وكان يقول يكفي الفقير في مصر في كل يوم أربعة أفلس يشتري طلمة بائتة بفلس للعشاء وأخرى للغداء وبفلس زيتا وبفلس ماء وقال الذهبي في المعجم المختص أبو حيان ذو فنون حجة العرب وعالم الديار المصرية له عمل جيد في هذا الشأن وكثرة طلب وقال الأسنوي كان إمام زمانه في علم النحو إماما في اللغة عارفا بالقراءات والحديث شاعرا مجيدا صادق اللهجة كثير الإتقان والاستحضار شافعيا لكنه يميل إلى الظاهر ويصرح به أحيانا وأضر قبل موته بقليل قلت حدثنا عنه جماعة من شيوخنا منهم حفيده أبو حيان محمد بن حيان ابن أبي حيان والشيخ أبو إسحاق التنوخي وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني ومات بمنزله خارج باب البحر في 28 صفر سنة 745 |
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 2- ص: 0
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأندلسي الجياني الأصل الغرناطي المولد والمنشأ المصري الدار شيخنا وأستاذنا أبو حيان شيخ النحاة العلم الفرد والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران
وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء ولسان العرب الذي لكل سمع لديه الإصغاء
كعبة علم تحج ولا تحج ويقصد من كل فج
تضرب إليه الإبل آباطها وتفد عليه كل طائفة سفرا لا يعرف إلا نمارق البيد بساطها
وكان عذبا منهلا وسيلا يسبق ارتداد الطرف وإن جاء منهملا
يعم المسير إليه الغدو والرواح ويتنافس على أرج ثنائه مسك الليل وكافور الصباح
ولقد كان أرق من النسيم نفسا وأعذب مما في الكؤوس لعسا
طلعت شمسه من مغربها واقتعد مصر فكان نهاية مطلبها
وجلس بها فما طاف على مثله سورها ولا طار إلا إليه من طلبة العلم قشاعمها ونسورها
وازدهرت به ولا ازدهاءها بالنيل وقد رواها وافتخرت به حتى لقد لعبت بأغصان البان مهاب صباها
مولده بمطخشارش وهي مدينة مسورة من أعمال غرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة
ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراآت والنحو واللغة وجال في بلاد المغرب ثم قدم مصر قبل سنة ثمانين وستمائة
وسمع الكثير سمع بغرناطة الأستاذ أبا جعفر بن الزبير
وأبا جعفر بن بشير وأبا جعفر بن الطباع وأبا علي بن أبي الأحوص وغيرهم
وبمالقة أبا عبد الله محمد بن عباس القرطبي وببجاية أبا عبد الله محمد بن صالح الكناني وبتونس أبا محمد عبد الله بن هارون وغيره وبالأسكندرية عبد الوهاب ابن حسن بن الفرات وبمكة أبا الحسن علي بن صالح الحسيني وبمصر عبد العزيز الحراني وابن خطيب المزة وغازي الحلاوي وخلقا
ولازم الحافظ أبا محمد الدمياطي وانتقى على بعض شيوخه وخرج وشغل الناس بالنحو والقراآت
سمع عليه الجم الغفير
وأخذ عنه غالب مشيختنا وأقراننا منهم الشيخ الإمام الوالد وناهيك بها لأبي حيان منقبة وكان يعظمه كثيرا وتصانيفه مشحونة بالنقل عنه
ولما توجهنا من دمشق إلى القاهرة في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ثم أمرنا السلطان بالعود إلى الشام لانقضاء ما كنا توجهنا لأجله استمهله الوالد أياما لأجلي فمكث حتى أكملت على أبي حيان ما كنت أقرؤه عليه وقال لي يا بني هو غنيمة ولعلك لا تجده من سفرة أخرى وكان كذلك
وكان الشيخ أبو حيان إماما منتفعا به اتفق أهل العصر على تقديمه وإمامته ونشأت أولادهم على حفظ مختصراته وآباؤهم على النظر في مبسوطاته وضربت الأمثال باسمه مع صدق اللهجة وكثرة الإتقان والتحري
وشدا طرفا صالحا من الفقه واختصر منهاج النووي وصنف التصانيف السائرة البحر المحيط في التفسير وشرح التسهيل والارتشاف وتجريد أحكام سيبويه والتذكرة والغاية والتقريب والمبدع واللمحة وغير ذلك
وله في القراآت عقد اللآلي
وله نظم كثير وموشحاته أجود من شعره
توفي عشي يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بظاهر القاهرة ودفن بمقابر الصوفية
ومن الرواية عنه
أخبرنا شيخنا أبو حيان بقراءتي عليه في يوم الخميس سابع عشري شوال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بالمدرسة الصالحية بالقاهرة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد
ابن محمد بن المؤيد الهمذاني بقراءتي عليه أخبرنا أسعد بن أبي الفتوح بن روح وعفيفة بنت أحمد بن عبد الله في كتابيهما قالا أخبرتنا فاطمة الجوزدانية أخبرنا ابن ريذة أخبرنا الطبراني حدثنا جعفر بن حميد بن عبد الكريم بن فروخ بن ديزج بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي حدثني جدي لأمي عمر بن أبان بن مفضل المديني قال أراني أنس بن مالك الوضوء أخذ ركوة فوضعها عن يساره وصب على يده اليمنى فغسلها ثلاثا ثم أدار الركوة على يده اليمنى وصب على يده اليسرى فغسلها ثلاثا ومسح برأسه ثلاثا فتوضأ وأخذ ماء جديدا لصماخه فمسح صماخه فقلت له قد مسحت أذنيك فقال يا غلام إنهما من الرأس ليس هما من الوجه ثم قال يا غلام هل رأيت وفهمت أو أعيد عليك فقلت قد كفاني وقد فهمت قال فكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ
في إسناده شيخ الطبراني وشيخه عمر بن أبان وهما مجهولان
ولو صح لكان بتصريحه أنهما من الرأس أقوى دليل على ذلك
قال أستاذنا أبو حيان قول أنس ليس هما من الوجه وجه الكلام أن يقول ليستا من الوجه لكنه جعل ليس مثل ما فلم يعملها وذلك
في لغة تميم يقولون ليس الطيب إلا المسك
وقد أشار لذلك سيبويه في كتابه ونص عليه أبو عمرو بن العلاء في حكاية طويلة جرت بينه وبين عيسى بن عمر الثقفي
وقال النحويون قياس من لم يعمل ليس وجعلها كما أن يفصل الضمير معها فيقول ليس أنا قائم كما تقول ما أنا قائم فعلى هذا جاز ليس هما من الوجه كأنه قال ما هما من الوجه
قلت صورة الحكاية أن عيسى قال لأبي عمرو ما شيء بلغني عنك
قال ما هو
قال زعمت أن العرب تقول ليس الطيب إلا المسك فترفع
فقال أبو عمرو ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع ولا حجازي إلا وهو ينصب
ثم بعث معه خلفا الأحمر واليزيدي فجاءا إلى حجازي فجهدا به على أن يرفع فلم يفعل وجاءا إلى رجل تميمي فجهدا به على أن ينصب فلم يفعل وقال ليس هذا بلحن قومي
فجاء عيسى إلى أبي عمرو فقال بهذا فقت الناس والله لا خالفتك بعدها
وقول الشيخ أبي حيان إن أنسا جعل ليس مثل ما قال الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام نحوي هذا الوقت أبقاه الله تعالى ليس ذلك متعينا بل يجوز أن يكون أضمر في ليس ضمير الشأن والحديث وحينئذ فنقول هما من الوجه مبتدأ وخبر والجملة خبر ليس وفصل الضمير واجب لأنه حينئذ معمول للابتداء
كما أنه في تخريج أبي حيان كذلك والتخريج الذي ذكرته أولى لأن فيه إبقاء ليس على إعمالها والوجهان مذكوران في قوله
وليس منها شفاء النفس مبذول وقول أبي حيان إن ذلك لغة بني تميم وإشارته إلى الحكاية ليس بجيد فإن تلك اللغة والحكاية إنما هما فيما إذا انتقض النفي بإلا نحو ليس الطيب إلا المسك وإنما مسئلتنا هذه أن من العرب من يقول ليس زيد قائم فيبطل عملها مع بقاء النفي وهذا الذي يتخرج عليه قول أنس رضي الله عنه وقد مر بي في شرح التصريف الملوكي ليعيش بيت نظير قول أنس رضي الله عنه وهو | فليس غير الكسر والسلام |
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 9- ص: 276
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي. النفزي، نسبة إلى نفزة قبيلة من البربر.
نحوي عصره، ولغويه، ومفسره، ومحدثه، ومقرئه، ومؤرخه، وأديبه.
ولد بمطخشارش، مدينة من حضرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة.
وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، والعربية عن أبي الحسن الأبذي، وأبي جعفر بن الزبير، وابن أبي الأحوص، وابن الصائغ، وأبي جعفر اللبلي.
وبمصر عن البهاء بن النحاس، وجماعة.
وتقدم في النحو، وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب، وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز. من نحو أربعمائة وخمسين شيخا؛ منهم أبو الحسين بن ربيع، وابن أبي الأحوص، والرضي الشاطبي، والقطب القسطلاني، والعز الحراني.
وأجاز له خلق من المغرب والمشرق؛ منهم الشرف الدمياطي، والتقي ابن دقيق العيد، والتقي ابن رزين، وأبو اليمن بن عساكر.
وأكب على طلب الحديث وأتقنه وبرع فيه، وفي التفسير، والعربية، والقراءات، والأدب، والتاريخ، واشتهر اسمه، وطار صيته، وأخذ عنه أكابر عصره، وتقدموا في حياته، كالشيخ تقي الدين السبكي، وولديه، والجمال الاسنوي، وابن قاسم، وابن عقيل والسمين، وناظر الجيش، والسفاقسي وابن مكتوم، وخلائق.
قال الصفدي: لم أره قط إلا يسمع أو يشغل، أو يكتب أو ينظر في كتاب، وكان ثبتا قيما عارفا باللغة؛ وأما النحو والتصريف فهو الإمام المجتهد المطلق فيهما، خدم هذا الفن أكثر عمره، حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما غيره.
وله يد طولى في التفسير والحديث، وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم، خصوصا المغاربة وأقرأ الناس قديما وحديثا، وألحق الصغار بالكبار، وصارت تلامذته أئمة وأشياخا في حياته، والتزم ألا يقرئ أحدا إلا في «كتاب سيبويه»، أو «التسهيل» أو مصنفاته.
وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيبة على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر بن الزبير واقعة، فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى، ثم ركب البحر، ولحق بالمشرق.
وذكر هو في كتاب «النضار» الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته، أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان: إني قد كبرت وأخاف أن أموت، فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم، لينفعوا السلطان من بعدي.
قال أبو حيان: فأشير إلى أن أكون من أولئك.
قال الصفدي: وقرأ على العلم العراقي، وحضر مجلس الأصبهاني، وتمذهب للشافعي، وكان أبو البقاء يقول: إنه لم يزل ظاهريا.
قال الحافظ ابن حجر: كان أبو حيان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه.
قال الأدفوي: وكان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم، وكان ثبتا صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة علي بن أبي طالب، كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن وكان شيخا طوالا حسن النغمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشربا بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر.
وكان يعظم الشيخ تقي الدين بن تيمية، ثم وقع بينه وبينه في مسألة نقل فيها أبو حيان شيئا عن سيبويه، فقال ابن تيمية: وسيبويه كان نبي النحو! لقد أخطأ سيبويه في ثلاثين موضعا من كتابه، فأعرض عنه ورماه في تفسيره «النهر» بكل سوء.
قال الصفدي: وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم، وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها.
وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب: هذه نحو الفقهاء.
تولى تدريس التفسير بالمنصورية، والإقراء بجامع الأقمر، وكانت عبارته فصيحة، لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف.
وله من التصانيف: «البحر المحيط في التفسير»، «النهر» مختصره، «إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب»، «التذييل والتكميل في شرح التسهيل»، «مطول الارتشاف ومختصره» مجلدان.
قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى: ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين، ولا أجمع ولا أحصى للخلاف والأقوال، «التنحيل الملخص من شرح التسهيل» للمصنف وابنه بدر الدين، «الإسفار الملخص من شرح سيبويه للصفار»، «التجريد لأحكام كتاب سيبويه»، «التذكرة في العربية» أربع مجلدات كبار، «التقريب»، «مختصر المقرب»، «التدريب في شرحه»، «المبدع في التصريف»، «غاية الإحسان» في النحو، «شرح الشذا في مسألة كذا»، «اللمحة» و «الشذرة» كلاهما في النحو، «الارتضاء في الضاد والظاء»، «عقد اللآلي في القراءات» على وزن الشاطبية وقافيتها، «الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية»، «نحاة الأندلس»، «الأبيات الوافية في علم القافية»، «منطق الخرس في لسان الفرس»، «الإدراك للسان الأتراك».
ومما لم يكمل «شرح الألفية»، «نهاية الإغراب في التصريف والإعراب»، أرجوزة، «نور الغبش في لسان الحبش»، «مجاني الهصر في تواريخ أهل العصر»، وله «ديوان شعر».
وحدث، فسمع منه الأئمة العلماء والحفاظ وغيرهم، وأضر قبل موته بقليل.
مات بالقاهرة في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية.
ومن شعره:
عداي لهم فضل علي ومنة | فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا |
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها | وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا |
سبق الدمع بالمسير المطايا | إذ نوى من أحب عني نقله |
وأجاد السطور في صفحة الخ | د ولم لا يجيد وهو ابن مقله |
راض حبيبي عارض قد بدا | يا حسنه من عارض رائض |
وظن قوم أن قلبي سلا | والأصل لا يعتد بالعارض |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 287
محمد بن يوسف النغرزي الغرناطي أبو عبد الله أثير الدين، الشهير بأبي حيان النحوي
ولد بغرناطة سنة 654 وله نظم رائق من نظمه بعد انتقاله لمصر:
يا فرقة أبدلتني بالسرور أسى | وأسهرت ناظرا قد طال ما نعسا |
أنى يكون اجتماع بين مفترق | جسم بمصر، وقلب حل أندلسا؟! |
تعشقته شيخا كان مشيبه | على وجنتيه ياسمين على ورد بأبو جعفر الشقوري: |
أخا الفضل يدري ما يراد من الهوى | أمنت عليه من رقيب ومن صد |
وقالوا: الورى أقسام في شرة الهوى | لسود اللحى ناس وناس إلى العرد |
ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد | صبوت إلى هيفاء مائسة القد |
وسود اللحى أبصرت فيهم مشاركا | فأحببت أن أبقى بأبيضها وحدي |
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 2- ص: 0
محمد يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأندلسي الجياني الأصل الغرناطي المولد والمنشا المصري الدار أبو حيان شيخ النحاة العلم الفرد والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد
سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران
مولده بمطخشارش وهي مدينة مسورة من أعمال غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة
ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراءات وجال في بلاد المغرب ثم قدم مصر قبل سنة ثمانين وستمائة
سمع الكثير بغرناطة من الأستاذ أبي جعفر بن الزبير وأبي جعفر بن بشير وغيرهم وكان إماما منتفعا به
اتفق أهل عصره على تقديمه وإمامته
وصنف التصانيف السائرة وله البحر المحيط في التفسير وذكر في أسامي الكتب وهو كتاب عظيم القدر في أسفار عديدة ثم اختصره تلميذه تاج الدين الشيخ أحمد بن عبد القادر الشهير بابن مكتوم وسماه النهر من البحر ثم اختصره تلميذه أيضا الفاضل محمد بن محمد الشهير بالأنصاري وسماه الدر اللقيط رد فيه على العلامة الزمخشري وابن عطية في مواضع عديدة وصنف الإمام المذكور أبو حيان إتحاف الأريب بما في
القرآن من الغريب رتبه على حروف المعجم وهو مختصر لطيف كثير الفائدة
انتهى
وشرح التسهيل والارتشاف وتجريد أحكام سيبويه وغير ذلك
وقد كانت وفاته في شهر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بظاهر القاهرة ودفن بمقابر الصوفية
كذا في طبقات السبكي
مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 278
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الغرناطي الأندلسي الجياني، الإمام أبو حيان. سمع بالقاهرة من عبد العزيز الحراني، وابن خطيب المزة، وغازي الحلاوي، وأبي بكر محمد ابن القسطلاني، وأحمد بن حمدان الحراني، والفضل بن علي بن رواحة، وشامية بنت الحسن بن محمد البكري، وبالإسكندرية من عبد الوهاب بن الحسن بن الفرات، ومحمد بن عبد الرحمن ابن الدهان، وعبد الله بن أحمد بن فارس، ومحمد بن عبد الخالق بن طرخان وغيرهم، وأجاز له جماعة كثيرة في إجازة ابن عبد الحميد الثانية، وحدث وكتب بخطه وانتقى على بعض شيوخه وكتب العالي والنازل وأخذ القراءات بالحروف على أبي جعفر أحمد بن علي ابن الطباع وعبد الحق بن علي الأنصاري، وقرأ ’’التيسير’’ على أبي علي الحسين بن أبي الأحوص سنة إحدى وسبعين وست مئة، وأخذ النحو على أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ورحل في طلب العلم بالأندلس فسمع بعده بلاد الأمهات الكبار من الحديث والقراءات والأدب، وكتب عن أدباء أندلس، ثم رحل عن الأندلس طالبا للعلم ولأداء فريضة الحج في سنة تسع وسبعين وست مئة فدخل الإسكندرية وقرأ بها القراءات على عبد النصير بن علي المريوطي من أصحاب الصفراوي، ثم سمع بمصر والقاهرة وحج في تلك السنة فسمع بمكة ومنى ولحقه ضعف بمكة فسافر إلى جدة وسمع بها، ثم ركب البحر إلى عيذاب وكتب بها الآداب، ثم دخل قنى وقوص وسمع بهما، ثم انحدر طالبا مصر وكتب بدشنى وبمنية بني خصيب شيئا من الأدب، ثم دخل القاهرة واستوطنها وقرأ بها القراءات السبعة على أبي الطاهر إسماعيل ابن المليجي، وسمع الكتب الستة وغيرها من المسانيد ومن الأجزاء ما لا يعد ومن كتب القراءات والنحو واللغة والآداب. وصنف عدة تصانيف منها: ’’البحر المحيط في تفسير الكتاب العزيز’’ و ’’شرح تسهيل الفوائد’’ و ’’عقد اللآلئ في القراءات السبع’’، وغير ذلك.
وقال سيدنا قاضي القضاة تاج الدين: أما أستاذنا أبو حيان الأندلسي فهو العلم الفرد والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد، سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران، وإمام النحو الذي لقاصده منه ما يشاء، ولسان العرب الذي لكل سمع لديه إصغاء، كعبة علم تحج ولا تحج وتقصد من كل فج، تضرب إليه الإبل آباطها، وتفد عليه كل طائفة سفرا لا تعرف إلا نمارق البيد بساطها، وكان عذبا منهلا، وسيلا يسبق ارتداد الطرف وإن جاء متمهلا، يعم المسير إليه الغدو والرواح، ويتنافس على أرج ثنائه مسك الليل وكافور الصباح، ولقد كان أرق من النسيم نفسا وأعذب مما في الكؤوس لعسا، طلعت شمسه من مغربها واقتعد مصر فكان نهاية مطلبها، وجلس بها فما طاف على مثله سورها، ولا طار إلا إليه من طلبة العلم قشاعمها ونسورها وازدهت به ولا ازدهاءها بالنيل وقد رواها، وافتخرت به حتى لقد لعبت بأغصان ألبان مهاب صباها. انتهى كلامه.
مولده في أواخر شوال سنة أربع وخمسين وست مئة بمطخشارش، وتوفي يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبع مئة بظاهر القاهرة، وصلي عليه من الغد ودفن بمقبرة الصوفية رحمه الله تعالى وإيانا.
قرأت عليه ’’نغبة الوارد الظمآن’’ من تأليفه في السابع والعشرين من شوال سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة بالصالحية من القاهرة.
أخبرنا الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ النحاة، حجة العرب، قدوة الحفاظ والعلماء، أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف الأندلسي الجياني بقراءتي عليه، قال: أخبرنا الخطيب الفقيه المقرئ المفسر أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد الرعيني ابن الطباع قراءة مني عليه بغرناطة، قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن خلفون الأونبي، قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سعيد أبي الطيب، عن أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني، وهو آخر من حدث عنه، قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن محمد بن يوسف اللخمي القيجطالي، قال: أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى، قال: حدثنا أبو مروان عبيد الله بن يحيى، قال: حدثنا أبي يحيى بن يحيى القرطبي، قال: حدثنا أبو عبد الله الأصبحي الفقيه، عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم؛ كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء’’.
أخرجه البخاري في اللباس عن إسماعيل بن أبي أويس. وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة بن سعيد وعن إسحاق بن موسى عن معن؛ أربعتهم عن مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم؛ ثلاثتهم عن ابن عمر به، فوقع لنا موافقة لمسلم وبدلا للبخاري والترمذي.
وأخبرنا الشيخ الإمام الأستاذ أبو حيان محمد بن يوسف الجياني بقراءتي عليه، قال: أخبرنا الأديب الكاتب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي قراءة مني عليه، بمدينة تونس ضحى يوم الجمعة السادس عشر لجمادى الأولى سنة تسع وسبعين وست مئة، ونقل لنا أنه اختلط بأخرة، قال: أخبرنا قاضي الجماعة الفقيه على مذهب أهل الحديث أبو القاسم أحمد بن أبي الفضل المخلدي البقوي، وهو آخر من حدث عنه بالسماع، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الحق الخزرجي، وهو آخر من حدث عنه، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع، قال: حدثنا يونس بن مغيث، قال: حدثنا أبو عيسى، قال: حدثنا أبو مروان، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة’’.
قال شيخنا الشيخ أبو حيان: هذا حديث جليل الإسناد، رجاله كلهم علماء، وهو حديث دائر بين قرطبيين ومدنيين فمن شيخنا إلى يحيى بن يحيى قرطبيون، ومن مالك إلى ابن عمر مدنيون.
أخرجه البخاري في الصلاة عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة؛ ثلاثتهم عن مالك، به. فوقع لنا موافقة لمسلم وبدلا للبخاري والنسائي.
وأخبرنا شيخنا الإمام أبو حيان بقراءتي عليه قال: وحدثنا أيضا يعني الإمام أبا جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، قال: أخبرنا القاضي الخطيب العالم المتفنن أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي قراءة مني عليه بمدينة رية من الأندلس عن قاضي الجماعة أبي القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي الفقيه على مذهب أهل الحديث بطريانة، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه الإمام أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد، عن أبي بكر المقدمي، عن عمر بن علي وعبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه، والآخر تعلمون العلم ويعلمونه، فقال: ’’كل المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر، أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل فهم أفضل، وأما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وإنما بعثت معلما، ثم جلس معهم’’.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه،
وعبد الرحمن بن رافع هو التنوخي قاضي إفريقية، وعبد الرحمن بن زياد هو ابن أنعم الإفريقي ضعيف.
وأخبرنا الإمام لسان أهل الأدب أبو حيان بقراءتي عليه قال: قرأت على الحافظ أبي علي القرشي لشيخه الإمام أبي الحسن علي بن جابر الأنصاري الدباج رحمه الله:
رضيت كفافي رتبة ومعيشة | فلست أسامي موسرا ووجيها |
ومن جر أثواب الزمان طويلة | فلا بد يوما أن سيعثر فيها |
حالي مع الدهر في تقلبه | كطائر ضم رجله شرك |
فهمه في خلاص مهجته | يروم تخليصها فيشتبك |
أما أنه لولا ثلاث أحبها | تمنيت أني لا أعد من الأحيا |
فمنها رجائي أن أفوز بتوبة | تكفر لي ذنبا وتنجح لي سعيا |
ومنهن صوني النفس عن كل جاهل | لئيم فلا أمشي إلى بابه مشيا |
ومنهن أخذي بالحديث إذ الورى | نسوا سنة المختار واتبعوا الرأيا |
أنترك نصا للرسول ونقتدي | بشخص لقد بدلت بالرشد الغيا |
وزهدني في جمعي المال أنه | إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا |
فلا روحه يوما أراح من العنا | ولم يكتسب حمدا ولم يدخر أجرا |
سعت حية من شعره نحو صدغه | وما انفصلت من خده إن ذا عجب |
وأعجب من ذا أن سلسال ريقه | برود ولكن شب في قلبي اللهب |
سال في الخد للحبيب عذار | وهو لا شك سائل مرحوم |
وسألت التثامه فتجنى | فأنا اليوم سائل محروم |
سبق الدمع بالمسير المطايا | إذ نوى من أحب عني نقله |
وأجاد الشطور في صفحة الخد | ولم لا يجيد وهو ابن مقله |
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 2004) , ج: 1- ص: 472
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي
الأندلسي. الغرناطي المولد والمنشأ، الشيخ أثير الدين، أبو حيان، شيخ البلاد المصرية والشامية ورئيسها في علم العربية، قصده الطلاب من الأقطار. ووضع في الفنون المصنفات السامية الباهرة، وهي تنيف على خمسين مصنفا. فمن ذلك: البحر المحيط في تفسير القرآن العزيز، والوهاج في اختصار المنهاج في مذهب الإمام الشافعي، والأنور الأجلى في اختصار المحلى والتحرير لأحكام سيبويه، والتكميل شرح التسهيل، ومنهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك، وشرح التسهيل في عشرة أسفار، وزهو الملك في نحو الترك، وكتاب الإسفار الملخص من كتاب الخفاف والصفار والمبرع في اختصار الممتع. والموفور من شرح ابن عصفور، وغاية الإحسان في علم اللسان. وكتاب التذكرة في النحو، وهو كبير، وتحفة الأديب بما في القرآن من الغريب وكتاب الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء، وعقد اللآلي في القراءات السبع العوالي، والمورد الغمر في قراءة أبي عمرو، والأثير في قراءة ابن كثير، وغاية المطلوب في قراءة يعقوب، والحلل الحالية في الأسانيد العالية، والأمالي في شرح عقد اللآلي، والنكت الحسان في شرح غاية الإحسان، وكتاب الشذا في مسألة كذا، وارتشاف الضرب في علم لسان العرب، وهو من أحسن مصنفاته فيما قيل، وغير ذلك وله ديوان شعر، الأدب مقصور عليه.
قرأ عليه من الجماعة الغفير، فبلغوا في الفضل ذروة الأثير.
وولد في شوال سنة أربع وخمسين وستمائة بمطخارش من حصون غرناطة وتوفي في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بالقاهرة المعزية
جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 58
دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 250
محمد بن يوسف بن علي بن حيان بن يويسف الأندلسى أثير الدين أبو حيان.
إمام أهل عصره في النحو، والتصانيف، له ’’البحر المحيط في التفسير’’، و’’شرح التسهيل’’، و’’الإرشاد’’ وغير ذلك، وكانت له معرفة بالقراءات، ودرس بالقبة المنصورية في الحديث وبالجامع الطولونى في التفسير، وتذهب للشافعي، فاختصر منهاج النووي، وسمع الحديث من ابن خطيب المزة وغيره، سمعت عليه وأجاز لى، ولد في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، ومات عشية السبت ثامن وعشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بظاهر القاهرة، ودفن بمقابر الصوفية، ومن شعره:
عُداتى لهم فضل عليَّ ومنَّة | فلا أذهب الرحمن عنَّى الأعَادِيَا |
هم بحثوا عن ذلتى فاحتنبتها | وهم نافسونى فاجتنبت المعاليا’’. |
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1