مجير الدين ابن تميم محمد بن يعقوب بن علي، ابو عبد الله، مجير الدين ابن تميم: شاعر، وخدم صاحبها الملك المنصور. وكان له به اختصاص. قال ابن العماد: كان من العقلاء الفضلاء الكرماء وشعره في غاية الجودة.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 145
مجير الدين ابن تميم محمد بن يعقوب بن علي مجير الدين ابن تميم الإسعردي وهو سبط فخر الدين ابن تميم، سكن حماة وخدم الملك المنصور وكان جنديا محتشما شجاعا مطبوعا كريم الأخلاق بديع النظم رقيقه لطيف التخيل إلا أنه لا يجيد إلا في المقاطيع فأما إذا طال نفسه ونظم القصائد انحط نظمه ولم يرتفع، توفي بحماة سنة أربع وثمانين وست مائة، وهو في التضمين الذي عاناه فضلاء المتأخرين آية، وفي صحة المعاني والذوق اللطيف غاية، لأنه يأخذ المعنى الأول ويحل تركيبه وينقله بألفاظه الأولى إلى معنى ثان حتى كأن الناظم الأول إنما أراد به المعنى الثاني، وقد أكثر من ذلك حتى قال:
أطالع كل ديوان أراه | ولم أزجر عن التضمين طيري |
أضمن كل بيت فيه معنى | فشعري نصفه من شعر غيري |
أهديته قدحا فإن أنصفته | أوسعته بجماله تقبيلا |
نظمت به الصهباء در حبابها | حتى يصير لرأسه إكليلا |
لو أنك إذ شربناها كؤوسا | ملئن من المدام الأرجواني |
حسبت سقاتها دارت علينا | بأشربة وقفن بلا أواني |
إن كان راووق المدامة عندما | مات الأمير بكى بدمع قان |
فاليوم ينشد وهو يبكي عندما | شرب المدامة من يد السلطان |
يا عين صار الدمع عندك عادة | تبكين في فرح وفي أحزان |
قالوا فلان تولى نتف عارضه | ليصبح الحسن عنه غير منتقل |
فقلت: سد طريق الشعر يعجزه | ومن يسد طريق العارض الهطل |
تعيب تحتي جوادا لا حراك به | يكاد من همزه بالركض ينخذم |
فلا يغرك منه سنه غلطا | إن الجواد على علاته هرم |
دعوا الشمس من كحل العيون فكفه | تسوق إلى الطرف الصحيح الدواهيا |
فكم ذهبت من ناظر بسواده | وخلت بياضا خلفها ومآقيا |
لو كنت في الحمام والحنا على | أعطافه ولجسمه لألاء |
لرأيت ما يسبيك منه بقامة | سال النضار بها وقام الماء |
لو كنت إذ أبصرتها فوارة | للشمس في أمواهها لألاء |
لرأيت أعجب ما يرى في بركة | سال النضار بها وقام الماء |
أيا قدحا قد صدع الدهر شمله | فأصبح بعد الراح قد جاور التربا |
سأبكيك في وقت الصبوح وإنني | سأكثر في وقت الغبوق لك الندبا |
وإن قطبت شمس المدام فحقها | لأنك كنت الشرق للشمس والغربا |
يقول ويبدي للخصي اعتذاره | برغبته في غيره واجتنابه |
رأيتك مخصيا فملت إلى الذي | له فضلة عن جسمه في إهابه |
لقد نزهت عيني أنابيب بركة | تقابلني أمواهها بالعجائب |
أنابيب لجت في غلو كأنما | تحاول ثأرا عند بعض الكواكب |
جاءت بعود كلما لعبت به | لعبت بي الأشجان والتبريح |
غنت فجاوبها ولم يك قبلها | شجر الأراك مع الحمام ينوح |
يا ليلة قصرت بزورة غادة | سفرت فأغنى وجهها عن بدرها |
حتى إذا خافت هجوم صباحها | نشرت ثلاث ذوائب من شعرها |
وأهيف من البدر غصن قوامه | عليه قلوب العاشقين تطير |
يدور عذاراه لتقبيل وجنة | على مثلها كان الخصيب يدور |
ولم أنس قول الورد والنار قد سطت | عليه فأمسى دمعه يتحدر |
وترفق فما هذي دموعي التي ترى | ولكنها نفس تذوب فتقطر |
يقول لها الفانوس لما بدت له | وفي قلبه نار من الوجد تسعر |
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري | بي الضر إلا أنني أتستر |
وطرف تخط الأرض رجلاي فوقه | إذا ما مشى ضاقت علي المنافس |
وما أنا إلا راجل فوق ظهره | ولكنني فيما ترى العين فارس |
أفدي الذي أهوى بفيه شاربا | من بركة راقت وطابت مشرعا |
أبدت لعيني وجهه وخياله | فأرتني القمرين في وقت معا |
طوبى لمرآة الحبيب فإنها | حملت براحة غصن بان أينعا |
واستقبلت قمر السماء بوجهها | فأرتني القمرين في وقت معا |
لم أنس قول الورد حين جنيته | ودموعي خوف الحريق تراق |
لا تعجلوا في أخذ روحي فاصبروا | فإليكم هذا الحديث يساق |
سقيت إليك من الحديقة وردة | وأتتك قبل أوانها تطفيلا |
طمعت بلثمك إذ رأتك فجمعت | فمها إليك كطالب تقبيلا |
وليلة بتها من ثغر حبي | ومن كأسي إلى فلق الصباح |
أقبل أقحوانا في شقيق | وأشربها شقيقا في أقاحي |
وليلة بت أسقى في غياهبها | راحا تسل شبابي من يد الهرم |
ما زلت أشربها حتى نظرت إلى | غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم |
ألا رب يوم قد تقضى ببركة | غدوت به فيما جرى متفكرا |
بعيني رأيت الماء فيها وقد هوى | على رأسه من شاهق فتكسرا |
تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى | ودمعهما بين الرياض غزير |
كأن نسيم الروض قد ضاع منهما | فأصبح ذا يجري وذاك يدور |
ونهر حالف الأهواء حتى | غدت طوعا له في كل أمر |
إذا سرقت حلى الأغصان ألقت | إليه بها فيأخذها ويجري |
كيف السبيل للثم من أحببته | في روضة للزهر فيها معرك |
ما بين منثور وناظر نرجس | مع أقحوان وصفه لا يدرك |
هذا يشير بإصبع وعيون ذا | ترنو إليه وثغر هذا يضحك |
أيا حسنها من روضة ضاع نشرها | فنادت عليه في الرياض طيور |
ودولابها كادت تعد ضلوعه | لكثرة ما يبكي بها ويدور |
لو كنت إذ نادمت من أحببته | في روضة تسبي العقول وتفتن |
لرأيتها وعيونها من غيرة | مني تفيض ووجهها يتلون |
لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى | في موقف ما الموت عنه بمعزل |
لترى أنابيب القناة على يدي | تجري دما من تحت ظل القسطل |
راقبت غفوة من أحب ولم أكن | أدري بأن الريح من رقبائه |
حتى هممت بأن أقبل خده | هبت وغطت وجهه بقبائه |
لي بستان كبير | نجده أصبح غورا |
دارت الأيام حتى | كبشه قد صار ثورا |
إني لأعجب في الوغى من فارس | حارت دقائق فكرتي في كنهه |
أدى الشهادة لي بأني فارس الـ | ـهيجاء حين جرحته في وجهه |
ولما احتمت منا الغزالة بالسما | وعز على قناصها أن ينالها |
نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة | عليها فلم نقدر فصدنا خيالها |
أتتني الحجر الشهباء تزهى | بحسن جل عن وصفي ونعتي |
وأرجو أن رسم الصرم يأتي | لسعد منهما حظي وبختي |
فألبسه وأركبها جميعا | فيصبح جودكم فوقي وتحتي |
للبركة الغراء في نقصانها | عذر فجد بقبوله متصدقا |
لما أراد الماء يعلو أنشأت | كفاك غيثا بالعطايا مغدقا |
لزم الثرى خجلا ولم يرفع له | رأسا فلما غبت عنه تدفقا |
يا أيها الملك الذي أوصافه | كملت فلم تحتج إلى تتميم |
أفنيت ما فوق البسيطة كلها | كرما يغطي فعل كل كريم |
ثم ارتقيت إلى السماء فجدت لي | من أفقها بأهلة ونجوم |
أذنت لي في رحيل لا أسر به | ولا تلذ به روحي ولا بدني |
لأنني منك في عز وفي دعة | وهكذا كنت في أهلي وفي وطني |
وحمائم قد قصرت عن سجعها | فوق الغصون عبارة الخطباء |
كررن حرف الراء في أسجاعها | لتغيظ منها واصل بن عطاء |
هو لم يطق بالراء نطقا وهي لم | تنطق إذا خطبت بغير الراء |
يا جاعل الماء مثل الريح في عظم | خفض مقالك إن القول ينتقد |
البحر -والبحر لا تخفى مهابته- | للخوف من سطوات الريح يرتعد |
وربما صرعته من مهابتها | أما تراه على أشداقه الزبد |
انظر إلى الروضة الغناء حين بدت | واعجب إذا الغيم فيها أسبل المطرا |
بينا تراه خيوطا عند ناظره | حتى تراه على غدرانها إبرا |
زار الحمى فتعطرت أنفاسه | شغفا بمن تصبو إليه الأنفس |
وأحب رؤيته فأنبت نرجسا | إن الرياض عيونهن النرجس |
يا حسنه من قدح ثوبه | يروق عيني وشيه المذهب |
رق إلى أن كاد من رقة | يجري مع الخمرة إذ يشرب |
لما اقتنيت من الصوارم أعوجا | يجري الفضاء بنهره المتموج |
جئت القفار وما حملت إداوة | للماء من ثقتي بنهر الأعوج |
وكأن أرغفة الخوان وحولها | بقل يهش إليه نفس الآكل |
وجنات غيد صففت وجميعها | يبدو به خط العذار الباقل |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 5- ص: 0