الطرطوشي محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الاندلسي، أبو بكر الطرطوشي، ويقال له ابن أبي رندقة: أديب، من فقهاء المالكية، الحفاظ. من أهل طرطوشة (Tortosa) بشرق الاندلس. تفقه ببلاده، ورحل إلى المشرق سنة 476 فحج وزار العراق ومصر وفلسطين ولبنان، وأقام مدة في الشام. وسكن الاسكندرية، فتولى التدريس واستمر فيها إلى ان توفي. وكان زاهدا لم يتشبث من الدنيا بشيء. من كتبه (سراج الملوك -ط) و (التعليقة) في الخلافيات، خمسة أجزاء، وكتاب كبير عارض به إحياء علوم الدين للغزالي، و (بر الوالدين) و (الفتن) و (الحوادث والبدع -خ) و (مختصر تفسير الثعلبي -خ).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 133

الطرطوشي محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب أبو بكر الفهري الطرطوشي الأندلسي الفقيه المالكي نزيل الإسكندرية، وطرطوشة -بالشين المعجمة- آخر بلاد المسلمين من الأندلس، صحب القاضي أبا الوليد الباجي وأخذ عنه مسائل الخلاف وصنف سراج الملوك للمأمون ابن البطائحي وزير مصر بعد الأفضل وصنف طريقة في الخلاف، روى عنه السلفي وغيره، توفي سنة عشرين وخمس مائة، دخل على الأفضل ابن أمير الجيوش فبسط مئزرا كان معه تحته وجلس عليه، وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني فوعظ الأفضل حتى بكى، فأنشده:

وأشار إلى النصراني فأقامه الأفضل، وكان الأفضل قد أنزله في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد وكان يكرهه فلما طال مقامه به ضجر وقال لخادمه: إلى متى نصبر؟ اجمع لي المباح، فجمعه فأكله ثلاثة أيام، فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه: رميته الساعة، فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل وولي بعده المأمون ابن البطائحي فأكرم الشيخ إكراما كثيرا.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 5- ص: 0

الطرطوشي المالكي اسمه محمد بن الوليد.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0

الطرطوشي الإمام العلامة، القدوة الزاهد، شيخ المالكية، أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الأندلسي، الطرطوشي الفقيه، عالم الإسكندرية، وطرطوشة: هي آخر حد المسلمين من شمالي الأندلس، ثم استولى العدو عليها من دهر، وكان أبو بكر يعرف في وقته بتبن أبي رندقه.
لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل الخلاف، ثم حج، ودخل العراق.
وسمع بالبصرة ’’سنن أبي داود’’ من أبي علي التستري، وسمع ببغداد من قاضيها أبي عبد الله الدامغاني، ورزق الله التميمي، وأبي عبد الله الحميدي، وعدة.
وتفقه أيضا عند أبي بكر الشاشي، ونزل بيت المقدس مدة، وتحول إلى الثغر، وتخرج به أئمة.
قال ابن بشكوال: كان إماما عالما، زاهدا ورعا، دينا متواضعا، متقشفا متقللا من الدنيا، راضيا باليسير، أخبرنا عنه القاضي أبو بكر بن العربي، ووصفه بالعلم، والفضل، والزهد، والإقبال على ما يعنيه، قال لي: إذا عرض لك أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة، يحصل لك أمر الدنيا والأخرى.
وقال إبراهيم بن مهدي بن قلينا: كان شيخنا أبو بكر زهده وعبادته أكثر من علمه، وحكى بعض العلماء أن أبا بكر الطرطوشي أنجب عليه نحو من مائتي فقيه مفتي، وكان يأتي إلى الفقهاء وهم نيام، فيضع في أفواههم الدنانير، فيهبون، فيرونها في أفواههم.
قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: دخل الطرطوشي على الأفضل ابن أمير الجيوش بمصر، فبسط تحته مئزره، وكان إلى جانب الأفضل نصراني، فوعظ الأفضل حتى أبكاه، ثم أنشده:

وأشار إلى ذلك النصراني، فأقام الأفضل النصراني من موضعه.
وقد صنف أبو بكر كتاب ’’سراج الملوك’’ للمأمون بن البطائحي الذي وزر بمصر بعد الأفضل، وله مؤلف في طريقة الخلاف، وكان المأمون قد نوه باسمه، وبالغ في إكرامه.
قيل: كان مولده في سنة إحدى وخمسين وأربع مائة
ودخل بغداد في حياة أبي نصر الزينبي، وأظنه سمع منه، وقال: رأيت بها آية في سنة ثمان وسبعين بعد العصر، فسمعنا دويا عظيما، وأقبل ظلام، فإذا ريح لم أر مثلها، سوداء ثخينة، يبين لك جسمها، فاسود النهار، وذهبت آثاره، وذهب أثر الشمس، وبقينا كأننا في أشد ظلمة، لا يبصر أحد يده، وماج الناس، ولم نشك أنها القيامة، أوخسف، أو عذاب قد نزل، وبقي الأمر كذلك قدر ما ينضج الخبز، ورجع السواد حمرة كلهب النار، أو جمرا يتوقد، فلم نشك حينئذ أنها نار أرسلها الله على العباد، وأيسنا من النجاة، ثم مكثت أقل من مكث الظلام، وتجلت بحمد الله عن سلامة، ونهب الناس بعضهم بعضا في الأسواق، وخطفوا العمائم والمتاع، ثم طلعت الشمس، وبقيت ساعة إلى الغروب.
قلت: حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والفقيه سلار بن المقدم، وجوهر بن لؤلؤ المقرئ، والفقيه صالح ابن بنت معافى المالكي، وعبد اللهبن عطاف الأزدي، ويوسف بن محمد القروي الفرضي، وعلي بن مهدي بن قلينا، وأبو طالب أحمد المسلم اللخمي، وظاهر بن عطية، وأبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني، وعبد المجيد بن دليل، وآخرون.
وبالإجازة أبو طاهر الخشوعي وغيره، وله مؤلف في تحريم الغناء، وكتاب في الزهد،
وتعليقة في الخلاف، ومؤلف في البدع والحوادث، وبر الوالدين، والرد على اليهود، والعمد في الأصول، وأشياء.
أنبأنا ابن علان، عن الخشوعي، عن الطرطوشي: أنه كتب هذه الرسالة جوابا عن سائل سأله من الأندلس عن حقيقة أمر مؤلف ’’الإحياء’’، فكتب إلى عبد الله بن مظفر: سلام عليك، فإني رأيت أبا حامد، وكلمته، فوجدته امرءا وافر الفهم والعقل، وممارسة للعلوم، وكان ذلك معظم زمانه، ثم خالف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم سابها، وجعل يطعن على الفقهاء بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين.
قال الحافظ أبو محمد: إن محمد بن الوليد هذا ذكر في غيره هذه الرسالة كتاب ’’الإحياء’’. قال: وهو -لعمرو الله- أشبه بإماتة علوم الدين، ثم رجعنا إلى تمام الرسالة.
قال: فلما عمل كتابه ’’الإحياء’’ عمد فتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم كتابا على وجه بسيط الأرض أكثر كذبا على الرسول منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم يرون النبوة اكتسابا، فليس النبي عندهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه حتى لا تغلبه شهوة، ثم ساق الخلق بتلك الأخلاق، وأنكروا أن يكون الله يبعث إلى الخلق رسولا، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق، ولقد شرف الله الإسلام، وأوضح حججه، وقطع العذر بالأدلة، وما ’’مثل’’ من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة، والآراء المنطقية، إلا كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق الكلام سوقا يرعد فيه ويبرق، ويمني ويشوق، حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في الكتب، ويقول: هذا من سر الصدر الذي نهينا عن إفشائه. وهذا فعل الباطنية وأهل الدغل والدخل في الدين يستقل الموجود ويعلق النفوس بالمفقود، وهو تشويش لعقائد القلوب، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة، فلئن كان الرجل يعتقد ما سطره، لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده، فما أقرب تضليله.
وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب، فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بمسمومه القاتلة،
خيف عليهم أن يعتقدوا إذا صحة ما فيه، فكان تحريقه في معنى ما حرقته الصحابة من صحف المصاحف التي تخالف المصحف العثماني، وذكر تمام الرسالة.
قال ابن المفضل: توفي بالإسكندرية، في جمادى الأولى، سنة عشرين وخمس مائة، رحمه الله.
وفيها مات: أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف القرطبي، وأبو الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ أخو الإمام أبي حامد، والأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي الذي استولى على الموصل وعلى حلب، وأبو بحر سفيان بن العاص الأسدي بقرطبة، وصاعد بن سيار الهروي الحافظ، وأبو محمد بن عتاب القرطبي، وقاضي الجماعة أبو الوليد بن رشد، ومحمد بن بركات السعيدي راوي صحيح البخاري.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 14- ص: 353

محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري المعروف بالطرطوشي ومنها أصله
يكنى أبا بكر ويعرف بابن أبي رندقة براء مهملة مضمومة ونون ساكنة ودال مهملة وقاف مفتوحتين. نشأ بالأندلس ببلده طرطوشة ثم تحول لغيرها من بلاد الأندلس وصحب القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة وأخذ عنه مسائل الخلاف وكان يميل إليها وتفقه عليه وسمع منه وأجاز له ثم رحل إلى المشرق وحج فدخل بغداد والبصرة وتفقه عند أبي بكر الشاشي وابن المعيد المتولي وأبي سعيد الجرجاني وغيرهم من أئمة الشافعية وسمع بالبصرة من أبي علي التستري وسكن الشام مدة ودرس بها ولازم الانقباض والقناعة وبعد صيته هناك وأخذ عنه الناس هناك علما كثيرا وكان إماما عالما زاهدا ورعا دينا متواضعا متقشفا متقللا من الدنيا راضيا باليسير منها.
وتقدم في الفقه مذهبا وخلافا وكان بعض الجلة من الصالحين هناك يقول: الذي عند أبي بكر من العلم هو الذي عند الناس والذي عنده مما ليس مثله عند غيره دينه.
وكانت له - رحمه الله تعالى - نفس أبية قيل إنه كان ببيت المقدس يطبخ في شقفة وكان مجانبا للسلطان معرضا عنه وعن أصحابه شديدا عليهم مع مبالغتهم في بره وامتحن في دولة العبيديين بالإخراج من الإسكندرية والتزم الفسطاط ومنع الناس من الأخذ عنه.
ثم شرح وألف تآليف حسانا منها: تعليقه في مسائل الخلاف وفي أصول الفقه وكتابه في البدع والمحدثات وفي بر الوالدين وغير ذلك وممن أخذ عنه بالإجازة: القاضي أبو الفضل: عياض كتب إليه يجيزه بجميع رواياته ومصنفاته. وحكي عنه أنه تزوج بالإسكندرية امرأة موسرة حسنت حاله بها ووهبت له دار لها سرية وصير موضع سكناه معها علوها وأباح قاعتها وسفلها للطلبة فجعلها مدرسة ولازم التدريس. وتفقه عنده جماعة من الإسكندرانيين.
ومن الوفيات أن الشيخ أبا بكر لما طلب إلى مصر أنزله الأفضل وزير العبيدي في مسجد بالقرب من الرصد وكان الشيخ يكرهه فلما طال مقامه به ضجر وقال لخادمه: إلى متى نصبر؟ اجمع لي المباح من الأرض فجمع له فأكله ثلاثة أيام فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه: رميته الساعة فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل وولي بعده المأمون بن البطائحي فأكرم الشيخ إكراما كثيرا وصنف له كتاب سراج الملوك وهو حسن في بابه.
قلت: ومن مشيخته أبو عبد الله: محمد بن عبد الرحمن بن علي التجيبي بن ظافر بن عطية بن مولاهم بن فائد اللخمي الإسكندراني أحد شيوخ أبي عبد الله التجيبي.
كان تلميذا للإمام أبي بكر الطرطوشي وخديما له متصرفا له في حوائجه ملازما خدمة داره وذكر أن الطرطوشي كان صاحب نزهة مع طلبته في أكثر الأوقات يخرج معهم إلى البستان فيقيمون الأيام المتوالية في فرجة ومذاكرة ومداعبة مما لا يقدح في حق الطلبة بل يدل على فضلهم وسلامة صدورهم.
قال: وخرجنا معه في بعض النزه فكنا ثلاثمائة وستين رجلا لكثرة الآخذين عنه المحبين في صحبته وخدمته وهذا من جملة ما رفعه عنه القاضي بن حديد إلى العبيدي ووشى به إليه في أمور غيرها.
وكان الطرطوشي يذكر بني حديد ذكرا قبيحا لما كانوا عليه من أخذ المكوسات والمعونة على المظالم.
وكان يفتي بتحريم الجبن الذي يأتي به النصارى ويفتي بقطع محرمات كثيرة فخاطب بذلك بنو حديد وذكروه للسلطان فأرسل إليه الأفضل وزير خليفة مصر وهو من العبيدية فقال له الرسول: يسر حوائجك فإنك تمشي يوم كذا. فقال له: وأي حوائج؟ معي ريشي رياشي وطعامي في حوصلتي؟.
ثم مشى إلى الأفضل فلما اجتمع به أكرمه وصرفه صرفا حسنا وجعل له عشرة دنانير في كل شهر يأخذها من جزية اليهود - بعد الرغبة إليه في ذلك.
وذكر أبو الطاهر بن عون الزهري: أن الطرطوشي كان نزوله بالإسكندرية ثم باشر قتل الأمير بها علماءها فوجد البلد عاطلا عن العلم فأقام بها وبث علما جما وكان يقول: إن سألني الله تعالى عن المقام بالإسكندرية - لما كانت عليه في أيام الشيعة العبيدية من ترك إقامة الجمعة ومن غير ذلك من المناكر التي كانت في أيامهم - أقول له: وجدت قوما ضلالا فكنت سبب هدايتهم. قال أبو الطاهر: وأنشدني أبو بكر الطرطوشي لنفسه:

قال بن خلكان: الطرطوشي بضم الطاءين المهملتين بينهما راء مهملة ساكنة وبعد الطاء الثانية واو ساكنة وشين معجمة.
هذه النسبة: لطرطوشة وهي مدينة في آخر بلاد المسلمين بالأندلس على ساحل البحر وهي في شرق الأندلس ورندقة تقدم ضبطها وهي لفظة فرنجية سألت بعض الإفرنج عنها فقال: معناها رد تعال. توفي رحمه الله تعالى بالإسكندرية في شهر شعبان سنة عشرين وخمسمائة قال الذهبي في كتاب العبر في ذكر من غبر: عاش أبو بكر سبعين سنة وتوفي في جمادى الأولى والله أعلم بالصواب.

  • دار التراث للطبع والنشر - القاهرة-ط 1( 2005) , ج: 2- ص: 244

الإمام أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف ابن سليمان بن أيوب الفهري المعروف بالطرطوشي ومنها أصله، ويعرف بها بابن أبي رندقة.
تفقه بالأندلس على القاضي أبي الوليد الباجي وسمع منه رحل إلى المشرق فلقي أئمتها: أبا المتولي وأبا العباس الجرجاني، وأبا عبد الله الدمغاني، وأبا بكر الشاشي وغيرهم من أئمة بغداد والبصرة وتفقه عندهم.
وسمع بالبصرة من أبي علي التستري، والسعيداني وببغداد من أبي محمد التميمي الحنبلي وغيره، وسكن الشام مدة وتقدم في الفقه مذهبا مخلافا وفي الأصول وعلم التوحيد وحصلت له الإمامة ودروس هنال ولازم الزهد والانقباض والقناعة مع بعد صيته وعظم رياسته.
قال القاضي أبو علي: أخبرت أنه إنما كان يطبخ ببيت المقدس في شقف.
وقال لي غيره: كان بعض الجلة الصالحين هنال يقول: ’’الذي عند أبي بكر من العلم هو عند الناس، والذي عنده مما ليس مثله عند غيره: دينه’’.
استوطن أخيرا مدينة الإسكندرية واستدعاه السلطان بها إلى سكني الفسطاط والانتقال إليه لرياسة فتواة فامتنع، وكان مجانبا للسلطان هناك وأصحابه معرضا عنهم شديدا عليهم مع مبالغتهم في بره. وامتحن أخيرا بالإحراج عن الإسكندرية والتزامه الفسطاط ومنع الناس من الأخذ عنه ثم سرح، وتوفي، رحمه الله، بالإسكندرية في شعبان سنة عشرين وخمسمائة.
وعليه تفقه الإسكندريون ونجب عليه منهم عدة، وألف تواليف حسانا منها: تعليقه في مسائل الخلاف وفي أصول الفقه وكتابه في البدع والمحدثات وفي بر الوالدين وكتابه المسمى بالسعود في الرد على اليهود والمسمى بنظم السلوك في وعظ الملوك ورسالة تحريم الغناء واختصاره لكتاب الثعالبي في القرآن وغير ذلك. كتب إلى جميع روايات وتصانيفه، وقد ذكرت سنده في كتاب المصنف لأبي داود وهو عال رفيع، رحمه الله.
وأخبرنا رحمه الله فيما كتب إلينا به قال: أنشدنا القاضي أبو عبد الله الدمغاني:

  • دار الغرب الإسلامي-ط 1( 1982) , ج: 1- ص: 62

والإمام أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد الفهري الطرطوشي المالكي

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 152

محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري بن رندقة الطرطوشي أبو بكر
فقيه حافظ إمام محدث ثقة زاهد فاضل عالم عامل، رحل إلى العراق وقد تفقه بالأندلس وصحب أبا الوليد الباجي مدة.
أخبرني غير واحد عن الحافظ أبي بكر بن العربي قال: سمعت الحافظ أبا بكر الطرطوشي يقول: لم أرحل من الأندلس حتى تفقهت ولزمت الباجي مدة فلما وصلت إلى بغداد دخلت المدرسة العادلية فسمعت المدرس يقول: مسألة إذا تعارض أصل وظاهر فأيها يحكم؟ فما علمت ما يقول ولا دريت إلى ما يشير حتى فتح الله وبلغ بي ما بلغ. أقام في رحلته مدة ثم انصرف يريد مصر وكان له غرض في الاجتماع مع أبي حامد الغزالي يجعل طريقه على البيت المقدس.
فلما تحقق أبو حامد أنه يؤمه حاد عنه، ووصل الحافظ أبو بكر فلم يجده فقصد جبل لبنان وأقام هناك مدة وصحب به رجلاً يعرف بعبد الله السايح من أولياء الله المنقطعين إلى الله تعالى.
ثم أراد الحافظ أبو بكر أن يقصد أرض مصر فعرض علي أبي محمد السائح صحبته والمشي معه وقال له: أنت هاهنا لا تلقى أحداً ولا يلقاك وإن مت لم تجد من يواريك وفي مخالطة الناس ومقابلتهم ونشر العلم وحضور الجماعة في الجمعة ما لا يخفى عليك.
فقال له عبد الله: أنا هاهنا آكل الحلال، وأعيش في المباح دون تقلف من ثمر هذه الأشجار، ولا أجد في غير هذا الموضع من المباح ما أجد فيه. فقال له الحافظ أبو بكر: إن تنظر مصر موضعاً يعرف برشيد فيه شيئان مباحان: الملح والحطب تقيم به ويكون عيشنا من هذين المباحين.
فقال له عبد الله: أنت لا يتركك الناس، وأفارق موضعي وأفارقك، فعاهده أن لا يفارقه وركبا الطريق إلى مصر حتى وصلا إلى رشيد وأقاما هناك، إذا احتاجا إلى قوت حوجاً من حطب أو ملح فباعا ما يحملانه من ذلك على ظهورهما وتقوتا بثمنه، وبقيا هناك مدة إلى أن قتل العبيدي صاحب مصر جماعة من فقهاء أهل الإسكندرية لسبب يطول شرحه ولم يبق بها من يشار إليه، وسمع أهل الإسكندرية بكون الفقيه برشيد فركب إليه قاضيها ابن حديدة وجماعة من أهلها.
فلما وصلوا إلى رشيد سألوا عنه فلم يجدوا من يعرفه إلا بعض الفقراء هنا قال لهم: أنا أدلكم عليه اقعدوا هنا أفكأني به قد وصل فقعدوا ساعة ووصل الفقيه من الشعرا وعلى ظهره حزمة حطب وصاحب معه فقال لهم: هذا هو، ووضع الحزمة بالأرض وأخبروه بما طرأ عليهم. ... ولا تعليم وباحتياج أهلها إليه وبما له في قصدهم من الأجر فقال لهم: قد علمت ذلك ولكني لا أفارق صاحبي هذا بوجه، وأشار إلى عبد الله السائح لأني سقته من موضعه وعاهدته أن لا أفارقه فدونكم فإن ساعدني فأنا ناهض معكم فكلموه. فقال: أنا لا أمنعه لكني أقيم هنا.
فقال الحافظ أبو بكر: وأنا لا أفارقه فتضرعوا إلى عبد الله فقال لهم: أنا هنا أعيش في الحلال وآكل المباح ولا أجد هذا عندكم. فقال له القاضي: إن صاحب صقلية دمره الله يؤدي جزية في كل عام لأهل الإسكندرية ثلاثمائة قفيز من الشعير وكذا وكذا، فخذ الشعير تتقوت به وتصرفه في منافعك، فقال: أنا لا أحتاج إلى أكثر من رغيف في كل ليلة فضمنوا له ذلك، وأقبل معهم إلى الإسكندرية، ووفوا لأبي محمد السائح بما قالوه وصنعوا له من الشعير عدة أرغفة ووضعوها له في حبل فكان يفطر الحافظ أبي بكر، وقعد للتدريس، ونفع الله به كل من قرأ عليه وانتشر علمه.
وكانت بالإسكندرية امرأة متعبدة هي خالة أبي الطاهر بن عوف فخطبته وتزوجها وبنى بها في المدينة، وكان لها ابن من أهل الدنيا كثير التخليط فصعب ذلك عليه وعمد إلى خنجر واستتر في المدرسة.
فلما أقبل الليل قصد البيت الذي كان فيه أمه مع الفقيه فلم يجد فيه أحداً ووجد كل واحد منهما قد قام إلى ورده، وسمع صوت الفقيه يقرأ في الصلاة، فأقام الصوت وخنجره في يده، فلما قرب منه وهو عازم على قتله حالت بينه وبينه سارية من سواري مساكن المدرسة، وضرب فيها بوجهه وخر مغشياً عليه، والفقيه لا يشعر.
فلما طلع الفجر نزل إلى المدرسة فصلى الصبح ودرس وتصرفت زوجه في أثناء ذلك فوجدت ابنها متجندلاً لا يعقل فكلمته فلم يكلمها.
فلما فرغ الفقيه من التدريس صعد إلى منزله فأعلمته زوجه بمكان ابنها، فصعد نحوه فوجده على تلك الحال فجرد يده على وجهه، وتفل وتكلم بكلمات ففتحت عينيه، فلما أبصر الفقيه قال له: هات يدك فأنا تائب إلى الله تعالى، لا عصيته بعد اليوم أبداً، ولا تركتك في هذا الموضع، انتقل إلى دار أهلك فاسكنها بالفعل وحسنت توبة الابن بعد ذلك.
أخبرني شيخي أبي بكر المفضل عبد المجيد، بن دليل قال: كنت أبيت أكثر الليالي بمدرسة الحافظ أبي بكر فسمعته ذات ليلة قد قام إلى ورده على عادته وافتتح من سورة الصافيات حتى بلغ إلى قوله تعالى {وقفوهم إنهم مسؤولون} ولم يزل يردد هذه الآية ويبكي إلى أن طلع الفجر.
وحدثني أيضاً: أصاب الفقيه مرض فزاره قاضي الإسكندرية ابن حديدة وكان رفيع القدر عظيم الجاهس وسأله عن شكايته فأخبره فوجه إلى طبيب عارف كان قد وصل الإسكندرية فلبى دعوته وفرح بأن وجه القاضي إليه وقال له: حاجتي عندك أن تضع للفقيه ما يكون سبباً لبرئه قال: نعم، فصنع له معجوناً ووجه به إلى الفقيه.
فلما خرج ليوصله قال الفقيه لمن حضره من أهله: خذوا هذا الإناء، واغسلوا ما فيه من المعجون في مجرى الدار حتى يذهب ففعلوا ثم أصابت القاضي شكاية.
فلما كان في اليوم السابع أنشدنا الحافظ أبو بكر عند قبر القاضي قصيدة منها قوله يرثيه:

ولقد أخبرني أنه رآه في اليوم الذي توفى فيه وعليه فروته التي ساقها معه من طرطوشة.
وكانت وفاته في سنة خمس وعشرين وخمسمائة. روى عنه جماعة من الحفاظ منهم: الحافظ أبو بكر بن العربي، وأبو علي الصدفي، وأبو الطاهر بن عوف وغيرهم.
وتواليفه كثيرة منها ’’التعليقة في الخلافيات’’ في خمسة أسفار. وله كتاب يعارض به كتاب ’’الأحياء’’ رأيت منه قطعة يسيرة.
وألف سراح الملوك في مجلس كان بينه وبين صاحب مصر يطول ذكره.
وكان أوحد زمانه علماً وورعاً وزهداً لم يتشبث بمن الدنيا بشيء، إلى أن توفى وصلى عليه ابن عوف، حدثني عنه أبو الطاهر بن عوف، وأبو الفضل عبد المجيل بن دليل بكتاب السنن لأبي داود، قرأه عليهما، أن أبا علي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر التستري بالبصرة قال: أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال: أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي حدثنا أبو داود.

  • دار الكاتب المصري - القاهرة - دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 1