الأمين العباسي محمد بن هارون الرشيد بن المهدي ابن المنصور: خليفة عباسي. ولد في رصافة بغداد. وبويع بالخلافة بعد وفاة ابيه (سنة 193هـ) بعهد منه، فولى اخاه المأمون خراسان واطرافها. وكان المأمون ولي العهد من بعده. فلما كانت سنة 195 اعلن الامين خلع اخيه المامون من ولاية العهد، فنادى المأمون بخلع الامن في خراسان، وتسمى بأمير المؤمنين. وجهز المأمون طاهر ابن الحين، فالتقى الجيشان، فقتل ابن ماهان وانهزم جيش الامين، فتتبعه طاهر ابن الحسين وحاصر بغداد حصارا طويلا انتهى بقتل الامين: قتل بالسيف، بمدينة السلام، وكان الذي ضرب عنقه مولى لطاهر، بامره. وكان ابيض طويلا سمينا، جميل الصورة، شجاعا، اديبا، رقيق الشعر، مكثرا من انفاق الاموال، سيء التدبير، يؤخذ عليه انصرافه إلى اللهو ومجالسه الندماء.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 127

أمير المؤمنين الأمين محمد بن هارون أمير المؤمنين أبو عبد الله الأمين ابن أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي، كان ولي العهد بعد أبيه وكان من أحسن الشباب صورة أبيض طويلا ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضل وبلاغة لكن سيء الرأي كثير التبذير أرعن لا يصلح للإمارة ومن قوته يقال إنه قتل أسدا بيديه، قال المسعودي: ولم يل الخلافة إلى وقتنا هذا هاشمي ابن هاشمية سوى الحسن وأبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأمين لأنه ابن زبيدة وهي أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، عاش سبعا وعشرين سنة، وآخر أمره خلع ثم أسر وقتل صبرا في المحرم سنة تسع وتسعين ومائة وطيف برأسه لأنه في سنة خمس وتسعين خلع المأمون أخاه وعقد الولاية لولده موسى وهو طفل، وبلغ ذلك المأمون فتسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك، وعقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان على بلاد الجبال وهمذان ونهاوند وقم وأصبهان وأمر له فيما قيل بمائتي ألف دينار وأعطى لجنده مالا عظيما وفرق الأمين على أهل بغداذ ثلاثة آلاف ألف درهم، وشخص علي من بغداذ ومعه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه وسار معه الأمين إلى النهروان وعرض الجند الذين جهزهم مع ابن ماهان، فلقيه طاهر بن الحسين من قبل المأمون وهو في أقل من أربعة آلاف فارس فقتل ابن ماهان، ولما وصل رأسه إلى المأمون سلم عليه بالخلافة في خراسان، وجاء خبره إلى الأمين فقال للذي أخبره: ويك! دعني فإن كوثرا صاد سمكتين وأنا إلى الآن ما صدت شيئا، وقيل إن جيش ابن ماهان كان أربعين ألفا، وندم الأمين على خلع المأمون، وطمع الأمراء فيه وشغبوا جندهم بالطلب من الأمين ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري أمير الدينور بالعدة والقوة في عشرين ألف فارس، فسار إلى همذان وضبط طرقها وحصن سورها واستعد لمحاربة طاهر فقتل عبد الرحمن وانكسر جيشه بعد حروب عظيمة، وسار طاهر وقد خلت البلاد فأقام بحلوان وخندق بها على جنده ولم يزل الأمين يجهز عسكرا بعد عسكر إلى طاهر وهو ينتصر عليهم إلى أن دعا المأمون الفضل بن سهل فولاه على جميع المشرق من همذان إلى جبل سقينان والتبت طولا ومن بحر فارس والهند إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وقرر له ثلاثة آلاف ألف درهم ولقبه ذا الرياستين وولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج، ثم إن الأمين عفا عن الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان بعدما جرى منه ما جرى وجهزه إلى حلوان لقتال طاهر ثم إنه غدر وهرب فقتل وأتي برأسه إلى الأمين، وتقدم طاهر إلى الأهواز وولي عماله على اليمامة والبحرين وتوجه إلى واسط فدخلها، ووجه إلى الكوفة أحمد بن المهلب القائد وعليها يومئذ العباس بن موسى الهادي فبلغه الخبر فخلع الأمين وكتب بالطاعة لطاهر وكذلك عامل البصرة وغلب طاهر على المدائن، فجهز الأمين محمد بن سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري فكانت بينهما وبين طاهر وقعة شديدة وانهزم محمد القائد، وبقي أمر الأمين كل يوم في إدبار والناس معذورون لكونه خلع أخويه المأمون والمؤتمن وأقام بدلهما ابنه موسى طفلا رضيعا، وأما داود بن عيسى فإنه خلع الأمين وبايع للمأمون وجوه أهل الحرمين وسار في وجوه أهله إلى المأمون بمرو وأقام طاهر لا يأتيه جيش من الأمين إلا قهره وهزمه، وفي سنة سبع لحق القاسم الملقب بالمؤتمن وهو أخو المأمون ومنصور بن المهدي بالمأمون وتقدم طاهر فنزل بباب الأنبار بالبستان فضاق ذرع الأمين وتفرق ما كان في يده من الأموال فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة وضرب أواني الذهب والفضة، وكثرت الحرب والهدم حتى درست محاسن بغداذ وعملت فيها المراثي وطاهر مصابر الأمين وجنده حتى مل أهل بغداذ قتاله فاستأمن إلى طاهر المتوكلون للأمين بقصر صالح وسلموه القصر بما فيه ثم استأمن صاحب الشرط محمد بن عيسى فضعف ركن الأمين واستسلم داخل قصر صالح أبو العباس يوسف بن يعقوب الباذغيسي وجماعة القواد، ولما كانت وقعة هذا القصر وقع الأمين على الأكل والشرب واللهو ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وبقي يقاتل عن الأمين غوغاء بغداذ والعيارون والحرافشة فأنكوا في أصحاب طاهر وأيقن محمد بالهلاك ودام حصار بغداذ هكذا خمسة عشر شهرا، وفي سنة ثمان قفر خزيمة بن خازم من كبار قواد الأمين إلى طاهر بن الحسين هو ومحمد بن علي بن عيسى بن ماهان فوثبا على جسر دجلة وقطعاه وركزا أعلامهما وخلعا الأمين ودعوا للمأمون، فأصبح طاهر وقد ألح بالقتال على أصحاب الأمين وقاتل بنفسه ودخل بالسيف قسرا ونادى: من دخل بيته فهو آمن، ثم أحاط بمدينة المنصور وبقصر زبيدة وقصر الخلد فخرج محمد بأهله وأمه من القصر إلى مدينة المنصور وتفرق عامة جنده وغلمانه وقل عليهم القوت والماء، ثم إنه خرج ليلة في حراقة لما قوي الحصار يوم الخميس والجمعة والسبت وطلب هزيمة فلما سمع بذلك طاهر خرج إليه ورماه بالنشاب فانكفأت الحراقة وغرق الأمين ومن كان فيها فسبح حتى صار إلى بستان موسى فعرفه محمد بن حميد الظاهري فصاح بأصحابه وأخذ برجله وحمل على برذون وخلفه من يمسكه كالأسير وحمل إلى طاهر فدعا طاهر بمولاه قريش الدنداني فأمره بقتله ونصب رأسه على حائط بستان ونودي عليه: هذا رأس المخلوع محمد، ثم بعث به مع البرد والقضيب والمصلى- وهو من سعف مبطن- مع ابن عمه محمد بن مصعب إلى المأمون وقال له: قد بعثت لك بالدنيا وهو رأس الأمين وبالآخرة وهي البرد والقضيب، فأمر المأمون لمحمد بن مصعب بألف ألف درهم ولما رأى رأس الأمين سجد، وكان قتله سنة تسع وتسعين ومائة وخلافته أربع سنين وأياما، وكان الأمين بويع بالخلافة في عسكر أبيه بطوس صبيحة الليلة التي توفي فيها أبوه وذلك يوم السبت لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين وكان المأمون يومئذ بمرو، واستوزر الفضل بن الربيع وولى إسماعيل بن صبيح الرسائل والتوقيعات وعيسى بن علي بن ماهان الشرطة وقيل عبد الله بن حازم، وأول ما بدأ به الأمين إطلاق عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي من الحبس وكان قد حبسه هارون، وكان هارون الرشيد يعرف بفراسته ما وقع بين الأمين والمأمون فكان ينشده:

وفي الأمين يقول أبو الهول الحميري:
يريد أن أباه وأمه من هاشم، ومن شعر محمد الأمين في محبوبه كوثر الخادم:
ومنه في طاهر:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 5- ص: 0

الأمين أمير المؤمنين العباسي محمد بن هارون.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 9- ص: 0

الأمين الخليفة أبو عبد الله محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن المنصور الهاشمي العباسي البغدادي.
وأمه زبيدة بنت الأمير جعفر بن المنصور.
عقد له أبوه بالخلافة بعده، وكان مليحا بديع الحسن، أبيض، وسيما طويلا ذا قوة وشجاعة، وأدب وفصاحة ولكنه سيئ التدبير، مفرط التبذير أرعن لعابا مع صحة إسلام ودين.
يقال: قتل مرة أسدا بيديه.
ويقال: كتب بخطه رقعة إلى طاهر بن الحسين الذي قاتله: يا طاهر! ما قام لنا منذ قمنا قائم بحقنا، فكان جزاؤه عندنا إلا السيف فانظر لنفسك أو دع. يلوح له بأبي مسلم، وأمثاله.
قال المسعودي: ما ولي للخلافة هاشمي ابن هاشمية سوى: علي ومحمد الأمين.
وقد جعله أبوه ولي عهده، وله خمس سنين، وتسلم الأمر بعد موت أبيه ببغداد، وكان أخوه الآخر، وهو المأمون بمرو فأمر الأمين للناس برزق سنتين، ووصل إليه البردة، والقضيب، والخاتم من خراسان في اثني عشر يوما في نصف الشهر، وبايع المأمون لأخيه، وأقام بخراسان، وأهدى لأخيه تحفا، ونفائس والحرب متصل بسمرقند بين رافع وهرثمة، وأعان رافعا الترك. وفيها: قتل نقفور طاغية الروم في حرب برجان.
وفي سنة 19: أمر الأمين بالدعاء لابنه موسى بولاية العهد بعد ولي العهد المأمون والقاسم، وأغرى الفضل بن الربيع الأمين بالمأمون، وحثه على خلعه لعداوة بينهما، وحسن له ذلك السندي، وعلي بن عيسى بن ماهان، ثم اصطلح هرثمة ورافع بن الليث بن نصر بن سيار، وقدما على المأمون، ومعه طاهر بن الحسين. ثم بعث الأمين يطلب من المأمون تقديم موسى ولده على المأمون، ولقبه الناطق بالحق، فأبى ذلك المأمون واستمال المأمون الرسول، فبايعه سرا، وبقي يكاتبه وهو العباس بن موسى بن عيسى بن موسى.
وأما الأمين، فبلغه خلاف المأمون، فأسقطه من الدعاء وطلب كتبه الرشيد وعلقه بالكعبة من العهد بين الأخوين، فمزقه فلامه الألباء فلم ينتصح حتى قال له خازم بن خزيمة: لن ينصحك من كذبك، ولن يغشك من صدقك، لا تجسر القواد على الخلع، فيخلعوك ولا تحملهم على النكث فالغادر مفلول، والناكث مخذول. فلم يلتفت، وبايع لموسى بالعهد واستوزر له.
فلما عرف المأمون خلع أخاه وتسمى بأمير المؤمنين، وأما ابن ماهان فجهزه الأمين، وخصه بمائتي ألف دينار وأعطاه قيدا من فضة ليقيد به المأمون بزعمه. وعرض الأمين جيشه بالنهروان، وأقبل طاهر في أربعة آلاف، فالتقوا فقتل ابن ماهان وتمزق جيشه هذا والأمين عاكف على اللهو واللعب فبعث جيشا آخر، وندم على خلع المأمون وطمع فيه أمراؤه، ثم التقى طاهر وعسكر الأمين على همذان وقتل خلق، وعظم الخطب ودخل جيش الأمين إلى همذان فحاصرهم طاهر، ثم نزل أميرهم إلى طاهر بالأمان في سنة.
وفيها ظهر بدمشق السفياني، وهو أبو العميطر علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن
معاوية فدعا إلى نفسه، وطرد عامل الأمين وتمكن، وانضمت إليه اليمانية، وأهل حمص، وقنسرين والساحل، إلا أن قيسا لم تتابعه، وهربوا.
ثم هزم طاهر جيشا ثالثا للأمين، ثم نزل حلوان. وأنفق الأمين بيوت الأموال على الجند، ولا ينفعون وجاءت أمداد المأمون مع هرثمة بن أعين والفضل بن سهل وضعف أمر الأمين، وجبن جنده من الخراسانيين فجهز عبد الملك بن صالح العباسي إلى الشام ليجمع له جندا، وبذل خزائن الذهب لهم فوقع ما بين العرب، وبين الزواقيل، فراح تحت السيف خلق منهم وأحاطت المأمونية ببغداد يحاصرون الأمين واشتد البلاء وعظم القتال وقاتلت العامة والرعاع عن الأمين قتال الموت واستمر الويل والحصار، وجرت أمور لا توصف وتفاقم الأمر.
ودخلت سنة سبع وتسعين، وفر القاسم الملقب بالمؤتمن، وعمه منصور فلحقا بالمأمون ورمي بالمجانيق وأخذت النقوب ونفذت خزائن الأمين حتى باع الأمتعة وأنفق في المقاتلة، وما زال أمره في سفال، ودثرت محاسن بغداد واستأمن عدة إلى طاهر ودام الحصار، والوبال خمسة عشر شهرا.
واستفحل أمر السفياني بالشام ثم وثب عليه مسلمة الأموي فقيده واستبد بالأمر، فما بلع ريقه حتى حاصرهم ابن بيهس الكلابي مدة ثم نصب السلالم على السور وأخذ دمشق، فهرب السفياني ومسلمة في زي النساء إلى المزة.
وخلع الأمين: خزيمة بن خازم، ومحمد بن ماهان وخامرا إلى طاهر.
ثم دخل طاهر بغداد عنوة، ونادى: من لزم بيته فهو آمن. وحاصروا الأمين في قصوره أياما ثم رأى أن يخرج على حمية ليلا وفعل فظفروا به وهو في حراقة فشد عليه أصحاب طاهر في الزواريق، وتعلقوا بحراقته فنقبت، وغرقت فرمى الأمين بنفسه في الماء فظفر به رجل، وذهب به إلى طاهر فقتله، وبعث برأسه إلى المأمون -فإنا لله- ولم يسر المأمون بمصرع أخيه.
وفي تاريخنا عجائب وأشعار لم أنشط هنا لاستيعابها.
قال أحمد بن حنبل: إني لأرجو أن يرحم الله الأمين بإنكاره على ابن علية، فإنه أدخل عليه، فقال له: يا ابن الفاعلة أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق؟
قلت: ولم يصرح بذلك ابن علية حاشاه بل قال عبارة تلزمه بعض ذلك.
وعاش الأمين سبعا وعشرين سنة، وقتل في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وخلافته دون الخمس سنين سامحه الله، وغفر له.
وله من الولد: عبد الله وموسى وإبراهيم لأمهات أولاد شتى.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 8- ص: 83