ابن عنين محمد بن نصر الله من مكارم بن الحسن ابن عنين، ابو المحاسن، شرف الدين، الزرعي الحوراني الدمشقي الانصاري: اعظم شعراء عصره. مولده ووفاته في دمشق. كان يقول ان اصله من الكوفة، من الانصار. وكان هجاءا، قل من سلم من شره في دمشق، حتى السلطان صلاح الدين والملك العادل. ونفاه صلاح الدين. فذهب إلى العراق والجزيرة واذربيجان وخراسان واهند واليمن ومصر. وعاد إلى دمشق بع دوفاة صلاح الدين فمدح الملك العادل وتقرب منه. وكان وافر الحرم عند الملوك. وتولى الكتابة (الوزارة) للملك المعظم، بدمشق، في آخر دولته، ومدة الملك الناصر، وانفصل عنها في ايام الملك الاشرف، فلزم بيته إلى ان مات. قال ابن النجار (في تاريخ): (وهو من املح أهل ومانه شعرا، واحلاهم قولا، ظريف العشرة، ضحوك السن، طيب الاخلاق، مقبول الشخص، من محاسن الزمان) له (ديوان شعر -ط) و (مقراض الاعراض) قصيدة في نحو 500 بيت، و (التاريخ العزيزي -خ) في سيرة الملك العزيز.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 125
ابن عنين محمد بن نصر الله بن مكارم بن الحسين بن عنين الأديب الرئيس شرف الدين أبو المحاسن الكوفي الأصل الزرعي المنشإ الدمشقي الشاعر صاحب الديوان المشهور، ولد بدمشق سنة تسع وأربعين وخمس مائة، وسمع من الحافظ أبي القاسم بن عساكر، لم يكن في عصره آخر مثله، طوف وجال في العراق وخراسان وما وراء النهر والهند ومصر في التجارة، ومدح الملوك والوزراء وهجا الصدور والكبراء، وكان غزير المادة قيل إنه كان يستحضر غالب الجمهرة، هجا جماعة من رؤساء دمشق في قصيدة سماها مقراض الأعراض فنفاه السلطان صلاح الدين على ذلك فقال:
فعلام أبعدتم أخا ثقة | ما خانكم يوما ولا سرقا |
انفوا المؤذن من بلادكم | إن كان ينفى كل من صدقا |
هجوت الأكابر في جلق | ورعت الرفيع بسب الوضيع |
وأخرجت منها ولكنني | رجعت على رغم أنف الجميع |
سامحت كتبك في القطيعة عالما | إن الصحيفة اعوزت من حامل |
وعذرت طيفك في الجفاء فإنه | يسري فيصبح دوننا بمراحل |
نحن قوم ما ذكرنا لامرئ | قط إلا واشتهى أن لا يرانا |
يا سيدي وأخي لقد ذكرتني | عهد الصبى ووعظتني ونصحت لي |
أذكرتني وادي دمشق وظله الـ | ـضافي على الصافي البرود السلسل |
ووصفت لي زمن الربيع وقد بدا | هرم الزمان إلى شباب مقبل |
وتجاوب الأطيار فيه فمطرب | يلهي الشجي ونائح يشجي الخلي |
يغني النديم عن القيان غناؤها | فالعندليب بها رسيل البلبل |
وكأنما أخذت عن ابن مقلد | قول المسرح في الثقيل الأول |
ومدامة من صيدنايا نشرها | من عنبر وقميصها من صندل |
مسكية النفحات يشرف أصلها | عن بابل ويجل عن قطربل |
وتقول: أهل دمشق أكرم معشر | وأجله ودمشق أفضل منزل |
وصدقت إن دمشق جنة هذه الـ | ـدنيا ولكن الجحيم ألذ لي |
لا الدائص الحلبي ينفذ حكمه | فيها علي ولا العواني الموصلي |
لم يبق لي غير أن أموت كما | قد مات قبلي مني إلى آدم |
كل إلى الله صائر وعلى | ما قدم المرء قبله قادم |
يدرك ما قدمت يداه كما | قيل فإما جذلان أو نادم |
فيا لها حسرة مخلدة | إذا تساوى المخدوم والخادم |
ليل بأول يوم الحشر متصل | ومقلة أبدا إنسانها خضل |
وهل ألام وقد لاقيت داهية | ينهد لو حملته بعضها الجبل |
ثوى المتل الذي قد كنت آمله | عونا وخيب فيه ذلك الأمل |
لا تبعدن تربة ضمت شمائله | ولا عدا جانبيها العارض الهطل |
لقد حوت غير مكسال ولا رعش | إن قيد القود من دون السرى الكسل |
قد كان لو سابقته الريح غادرها | كأن أخمصها بالشوك منتعل |
لا غامزا عند حمل المثقلات ولا | يمشي الهوينى كما يمشي الوجى الوجل |
مكمل الخلق رحب الصدر منتفخ الـ | ـجنبين لا ضامر طاو ولا سغل |
يطوي على ظمإ خمسا أضالعه | في كوكب القيظ والرمضاء تشتعل |
ويقطع المقفرات الموحشات إذا | عن قطعها كلت المهرية البزل |
ففي الأباطح هيق راعه قنص | وفي الجبال المنيفات الذرى وعل |
لو كان يفدى بمال ما ضننت به | ولم تصن دونه خيل ولا خول |
لكنها خطة لا بد يبلغها | هذا الورى كل مخلوق له أجل |
وإن لي بنظام الدين تعزية | عنه وفي النجل عن آبائه بدل |
حنين إلى الأوطان ليس يزول | وقلب عن الأشواق ليس يحول |
أبيت وأسراب النجوم كأنها | قفول تهادى إثرهن قفول |
أراقبها في الأثر من كل مطلع | كأني برعي السائرات كفيل |
فيا لك من ليل نأى عنه صبحه | فليس له فجر إليه يؤول |
أما لعقود النجم فيه تصرم | أما لخضاب الفجر فيه نصول |
كأن الثريا غرة وهو أدهم | له من وميض الشعريين حجول |
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة | وظلك يا مقرى علي ظليل |
وهل أريني بعدما شطت النوى | ولي في ربي روض هناك مقيل |
دمشق فبي شوق إليها مبرح | وإن لام واش أو ألح عذول |
بلاد بها الحصباء در وتربها | عبير وأنفاس الشمول شمول |
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق | وصح نسيم الروض وهو عليل |
فيا حبذا الروض الذي دون عزتا | سحيرا إذا هبت عليه قبول |
ويا حبذا الوادي إذا ما تدفقت | جداول باناس إليه تسيل |
في كبدي من قاسيون حزازة | تزول رواسيه وليس يزول |
إذا لاح برق من سنير تدافقت | لسحب جفوني في الخدود سيول |
فلله أيامي وغصن الصبى بها | وريق وإذ وجه الزمان صقيل |
هي الغرض الأقصى وإن لم يكن بها | صديق ولم يصف الوداد خليل |
وكم قائل في الأرض للحر مذهب | إذا جار دهر واستحال ملول |
وهل نافعي أن المياه سوافح | عذاب ولم ينقع بهن غليل |
فقدت الصبي والأهل والدار والهوى | فلله صبري إنه لجميل |
ووالله ما فارقتها عن ملالة | سواي عن العهد القديم يحول |
ولكن أبت أن تحمل الضيم همتي | ونفس لها فوق السماك حلول |
فإن الفتى يلقى المنايا مكرما | ويكره طول العمر وهو ذليل |
تعاف الورود الحائمات مع الأذى | وللقيظ في أكبادهن صليل |
كذلك ألقى ابن الأشج بنفسه | ولم يرض عمرا في الإسار يطول |
سألثم إن وافيتها ذلك الثرى | وهيهات حالت دون ذاك حؤول |
وملتطم الأمواج جون كأنه | دجى الليل نائي الشاطئين مهول |
يعاندني صرف الزمان كأنما | علي لأحداث الزمان ذحول |
على أنني والحمد لله لم أزل | أصول على أحداثه وأطول |
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى | ورأي ظهير الدين في جميل |
من القوم أما أحنف فمسفه | لديه وأما حاتم فبخيل |
فتى الجد أما جاره فممنع | عزيز وأما ضده فذليل |
سلوا صهوات الخيل يوم الوغى عنا | إذا جهلت آياتنا والقنا اللدنا |
غداة لقينا دون دمياط جحفلا | من الروم لا يحصى يقينا ولا ظنا |
قد اتفقوا رأيا وعزما وهمة | ودينا وإن كانوا قد اختلفوا لسنا |
تداعوا بأنصار الصليب فأقبلت | جموع كأن الموج كان لهم سفنا |
عليهم من الماذي كل مفاضة | دلاص كقرن الشمس قد أحكمت وضنا |
وأطمعهم فينا غرور فأرقلوا | إلينا سراعا بالجياد وأرقلنا |
فما برحت سمر الرماح تنوشهم | بأطرافها حتى استجاروا بنا منا |
سقيناهم كأسا نفت عنهم الكرى | وكيف ينام الليل من عدم الأمنا |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 5- ص: 0
محمد بن نصر الله بن مكارم بن الحسين بن عنين الدمشقي الأنصاري:
أصله من الكوفة من الخطة المعروفة بمسجد بني النجار، وولد بدمشق يوم الاثنين تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وهو من أفاضل العصر، لغوي أديب شاعر مجيد، نشأ بدمشق وأخذ عن الحافظ أبي القاسم ابن عساكر وغيره، وهو يستحضر «كتاب الجمهرة» لابن دريد، وبرع في الشعر وحل الألغاز، ورحل إلى العراق والجزيرة وخراسان وأذربيجان وخوارزم ودخل الهند ورحل إلى اليمن ومنها إلى الحجاز ثم إلى مصر ثم رجع الى دمشق. وهو مولع بالهجو، وله في ذلك قصيدة طويلة سماها «مقراض الأعراض» ويقال أنه يخل بالصلاة ويصل ابنة العنقود، ورماه أبو الفتح ابن الحاجب بالزندقة، والله أعلم بصحة ذلك. ولما كان بخوارزم حضر يوما درس الامام
فخر الدين محمد بن عمر الرازي المعروف بابن خطيب الري، وكان يوما باردا سقط فيه الثلج، فبينما الشيخ يلقي الدروس إذ سقطت حمامة بالقرب منه ووراءها طير من الجوارح يطاردها، فلما صارت بين الناس خاف الجارح وطار، ولم تقدر الحمامة على النهوض مما لحقها من الخوف والبرد، فرق لها الامام فخر الدين وأخذها بيده وحنا عليها، فأنشده ابن عنين مرتجلا:
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا | في يوم مسغبة وثلج خاشف |
العاصمين إذا النفوس تطايرت | بين الصوارم والوشيج الراعف |
من نبأ الورقاء أن محلكم | حرم وأنك ملجأ للخائف |
وفدت عليك وقد تدانى حتفها | فحبوتها ببقائها المستانف |
لو أنها تحبى بمال لا نثنت | من راحتيك بنائل متضاعف |
جاءت سليمان الزمان بشكوها | والموت يلمع من جناحي خاطف |
قرم يطاردها فلما استأمنت | بجنابه ولى بقلب واجف |
ماذا على طيف الأحبة لو سرى | وعليهم لو سامحوني بالكرى |
جنحوا إلى قول الوشاة وأعرضوا | والله يعلم أن ذلك مفترى |
يا معرضا عني بغير جناية | الا لما نقل العذول وزورا |
هبني أسأت كما تقول وتفتري | وأتيت في حبيك شيئا منكرا |
ما بعد بعدك والصدود عقوبة | يا هاجري ما آن لي أن تغفرا |
لا تجمعن علي عتبك والنوى | حسب المحب عقوبة أن يهجرا |
عبء الصدود أخف من عبء النوى | لو كان لي في الحب أن أتخيرا |
فسقى دمشق ووادييها والحمى | متواصل الأرهام منفصم العرى |
حتى نرى وجه الرياض بعارض | أحوى وفود الدوح أبيض أزهرا |
تلك المنازل لا ملاعب عالج | ورمال كاظمة ولا وادي القرى |
أرض إذا مرت بها ريح الصبا | حملت على الأغصان مسكا أذفرا |
فارقتها لا عن رضى وهجرتها | لا عن قلى ورحلت لا متخيرا |
أسعى لرزق في البلاد مشتت | ومن العجائب أن يكون مقترا |
وأصون وجه مدائحي متقنعا | وأكف ذيل مطامعي متسترا |
أشكو اليك نوى تمادى عمرها | حتى حسبت اليوم منها أشهرا |
لا عيشتي تصفو ولا رسم الهوى | يعفو ولا جفني يصافحه الكرى |
أضحي عن الربع المريع محولا | وأبيت عن ورد النمير منفرا |
ومن العجائب أن يقيل بظلكم | كل الورى ونبذت وحدي بالعرا |
أضالع تنطوي على كرب | ومقلة مستهلة الغرب |
شوقا إلى ساكني دمشق فلا | عدت رباها مواطر السحب |
وجنبني أن أفعل الخير والد | ضئيل إذا ما عد أهل التناسب |
بعيد من الحسنى قريب من الخنا | وضيع مساعي الخير جم المعايب |
إذا رمت أن أسمو صعودا الى العلا | غدا عرقه نحو الدنية جاذبي |
لو أن طلاب المطالب عندهم | علم بأنك للعيون تعور |
لأتوا اليك بكل ما أملته | منهم وكان لك الجزاء الأوفر |
ودعوك بالصباغ لما ان رأوا | يعشي العيون لديك ماء أصفر |
وبكفك الميل الذي يحكي عصا | موسى وكم عين به تتفجر |
إن سلطاننا الذي نرتجيه | واسع المال ضيق الإنفاق |
هو سيف كما يقال ولكن | قاطع للرسوم والأرزاق |
دحية لم يعقب فلم تعتزي | إليه بالبهتان والإفك |
ما صح عند الناس شيء سوى | أنك من كلب بلا شك |
ريح الشمال عساك أن تتحملي | شوقي الى الصدر الإمام الأفضل |
وقفي بواديه المقدس وانظري | نور الهدى متألقا لا يأتلي |
من دوحة فخرية عمرية | طابت مغارس مجدها المتأثل |
مكية الأنساب زاك أصلها | وفروعها فوق السماك الأعزل |
واستمطري جدوى يديه فطالما | خلف الحيا في كل عام ممحل |
نعم سحائبها تعود كما بدت | لا يعرف الوسمي منها والولي |
بحر تصدر للعلوم ومن رأى | بحرا تصدر قبله في محفل |
ومشمر في الله يسحب للتقى | والدين سربال العفاف المسبل |
ماتت به بدع تمادى عمرها | دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي |
فعلا به الاسلام أرفع هضبة | ورسا سواه في الحضيض الأسفل |
غلط امرؤ بأبي علي قاسه | هيهات قصر عن مداه أبو علي |
لو أن رسطاليس يسمع لفظة | من لفظه لعرته هزة أفكل |
ويحار بطلميوس لو لاقاه من | برهانه في كل شكل مشكل |
فلو انهم جمعوا لديه تيقنوا | أن الفضيلة لم تكن للأول |
وبه يبيت الحلم معتصما إذا | هزت رياح الطيش ركني يذبل |
يعفو عن الذنب العظيم تكرما | ويجود مسؤولا وإن لم يسأل |
أرضي الإلاه بفضله ودفاعه | عن دينه وأقر عين المرسل |
يا أيها المولى الذي درجاته | ترنو الى فلك الثوابت من عل |
ما منصب الا وقدرك فوقه | فبمجدك السامي يهنا ما تلي |
فمتى أراد الله رفعة منصب | أفضى إليك فنال أشرف منزل |
لا زال ربعك للوفود مثابة | أبدا وجودك كهف كل مؤمل |
أبو الفضل وابن الفضل أنت وأهله | فغير بديع أن يكون لك الفضل |
أتتني أياديك التي لا أعدها | لكثرتها لا كفر نعمى ولا جهل |
ولكنني أنبيك عنها بطرفة | تروقك ما وافى لها قبلها مثل |
أتاني خروف ما شككت بأنه | حليف هوى قد شفه الهجر والعذل |
إذا قام في شمس الظهيرة خلته | خيالا سرى في ظلمة ما له ظل |
فناشدته ما يشتهي قال حلبة | وقاسمته ما شاقه قال لي الأكل |
فأحضرتها خضراء مجاجة الثرى | مسلمة ما حص أوراقها الفتل |
فظل يراعيها بعين ضعيفة | وينشدها والدمع في العين منهل |
«أتت وحياض الموت بيني وبينها | وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل» |
ألين لصعب الخلق قاس فؤاده | وأعتبه لو يرعوي من أعاتب |
من الترك مياس القوام منعم | له الدر ثغر والزمرد شارب |
أسال عذارا في أسيل كأنه | عبير على كافور خديه ذائب |
ومهفهف رقت حواشي حسنه | فقلوبنا وجدا عليه رقاق |
لم يكس عارضه السواد وإنما | نفضت عليه صباغها الأحداق |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 6- ص: 2661
ابن عنين الصاحب الرئيس الأديب شاعر وقته شرف الدين محمد بن نصر الله بن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري، الدمشقي، الزرعي.
مات سنة ثلاثين وست مائة عن إحدى وثمانين سنة.
وسمع من: الحافظ ابن عساكر، وكان من فحول الشعراء ولا سيما في الهجو، وكان علامة يستحضر ’’الجمهرة’’. وقد دخل إلى العجم واليمن، ومدح الملوك، وكان قليل الدين.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 262