الخبوشاني محمد بن الموفق بن سعيد بن علي، أبو البركات نجم الدين الخبوشاني: فقيه شافعي، نسبته إلى (خبوشان) من نواحي نيسابور، ومولده بقربها. انتقل إلى مصر، وحظي عند السلطان صلاح الدين، وصنف (تحقيق المحيط) في الفقه، وقال ابن خلكان: رأيته في ستة عشر مجلدا. وقال السخاوي: رد الخبوشاني على أهل البدع واستتابهم وأظهر معتقد الاشعرية بالديار المصرية. توفي بالقاهرة.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 120
الخبوشاني محمد بن الموفق بن سعيد بن علي بن نجم الدين أبو البركات الخبوشاني -بالخاء المعجمة والباء الموحدة والشين المعجمة بعد الواو- الصوفي الفقيه الشافعي، كان يستحضر كتاب المحيط وله كتاب تحقيق المحيط وهو في ستة عشر مجلدا وكان يستحضره لأنه أملاه عن خاطره على ما قيل في ستة عشر مجلدا، كان السلطان صلاح الدين يقربه ويكرمه ويعتقد فيه وعمر له المدرسة المجاورة للشافعي، حضر إليه الملك العزيز وصافحه فاستدعى بماء وغسل يده وقال: يا ولدي إنك تمسك العنان، فقال له: نعم فامسح وجهك واغسله فإنك مسحت وجهك، فقال: نعم، وغسل وجهه، وكان إذا رأى ذميا راكبا قصد قتله وكان الذمة يتحامونه، ولم يأكل من وقف مدرسة لقمة، ودفن في الكساء الذي حضر فيه من خبوشان وكانت وفاته سنة سبع وثمانين وخمس مائة ودفن في قبة تحت رجلي الشافعي وبينهما شباك، يقال إن العاضد خليفة مصر رأى في منامه آخر دولته أنه خرجت إليه عقرب من مسجد في مصر معروف بها فلدغته، فلما قصه على العابر قال له: ينالك مكروه من شخص مقيم في ذلك المسجد، فقال العاضد لوالي مصر: أحضر إلي من هو مقيم في ذلك المسجد الفلاني، فأحضر إليه رجلا صوفيا فلما رآه سأله من أين حضوره ومتى قدم، فكلما سأله عن شيء أجابه، فلما ظهر له حاله وضعفه وعجزه عن إيصال مكروه منه إلى العاضد أعطاه شيئا وقال: يا شيخ ادع لنا، وأطلقه، فلما استولى السلطان صلاح الدين وعزم على القبض على العاضد استفتى الفقهاء في خلعه فكان أكثرهم مبالغة في الحط على العاضد وأشدهم قياما في أمره وحضا على خلعه ذلك الصوفي الذي أحضره العاضد لما رأى الرؤيا وكان هو نجم الدين الخبوشاني المذكور.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 5- ص: 0
الخبوشاني الفقيه الكبير، الزاهد، نجم الدين، أبو البركات محمد بن موفق بن سعيد، الخبوشاني، الشافعي، الصوفي.
تفقه على محمد بن يحيى، وبرع.
قال ابن خلكان: فكان يستحضر كتابه المحيط وهو ستة عشر مجلدا.
وقال المنذري: ولد سنة عشر وخمس مائة، وحدث عن هبة الرحمن ابن القشيري. وقدم مصر فأقام بمسجد مدة، ثم بتربة الشافعي، وتبتل لإنشائها، ودرس بها، وأفتى وصنف. وخبوشان من قرى نيسابور.
قال ابن خلكان: كان السلطان صلاح الدين يقربه، ويعتقد فيه، ورأيت جماعة من أصحابه، فكانوا يصفون فضله ودينه وسلامة باطنه.
وقال الموفق عبد اللطيف: سكن السميساطية، وعرف الأمير نجم الدين أيوب، وأخاه، وكان قشفا في العيش، يابسا في الدين، وكان يقول: أصعد إلى مصر، وأزيل ملك بني عبيد اليهودي، إلى أن قال: فنزل بالقاهرة، وصرح بثلب أهل القصر، وجعل سبهم تسبيحه، فحاروا فيه، فنفذوا إليه بمال عظيم قيل: أربعة آلاف دينار، فقال للرسول: ويلك، ما هذه
البدعة؟! فأعجله، فرمى الذهب بين يديه، فضربه، وصارت عمامته حلقا، وأنزله من السلم. ومات العاضد، وتهيبوا الخطبة لبني العباس، فوقف الخبوشاني بعصاه قدام المنبر، وأمر الخطيب بذلك، ففعل، ولم يكن إلا الخير، وزينت بغداد. ولما بنى مكان الشافعي، نبش عظام ابن الكيزاني، وقال: لا يكون صديق وزنديق معا، فشد الحنابلة عليه، وتألبوا، وصار بينهم حملات حربية وغلبهم.
وجاء العزيز إلى زيارته وصافحه، فطلب ماء، وغسل يده، وقال: يا ولدي إنك تمس العنان، ولا يتوقى الغلمان، قال: فاغسل وجهك، فإنك مسحت وجهك. قال: نعم، وغسله.
وكان أصحابه يأكلون بسببه الدنيا، ولا يسمع فيهم، وهم عنده معصومون.
وكان متى رأى ذميا راكبا، قصد قتله، فظفر بواحد طبيب يعرف بابن شوعة، فأندر عينه بعصاه، فذهبت هدرا.
وقيل: التمس من السلطان إسقاط ضرائب لا يمكن إسقاطها، وساء خلقه، فقال: قم لا نصرك الله! ووكزه بعصاه، فوقعت قلنسوته، فوجم لذلك، ثم حضر وقعة، فكسر، فظن أنه بدعائه، فجاء وقبل يديه، وسأله العفو.
وجاءه حاجب نائب مصر المظفر تقي الدين عمر، وقال له: تقي الدين يسلم عليك. فقال الخبوشاني قل: بل شقي الدين لا سلم الله عليه، قال: إنه يعتذر، ويقول: ليس له موضع لبيع المزر. قال: يكذب. قال: إن كان ثم مكان، فأرناه. قال: ادن. فدنا، فأمسك بشعره، وجعل يلطم على رأسه، ويقول: لست مزارا فأعرف مواضع المزر، فخلصوه منه.
وعاش عمره لم يأخذ درهما لملك، ولا من وقف، ودفن في الكساء الذي صحبه من بلده، وكان يأكل من تاجر صحبه من بلده.
وأتاه القاضي الفاضل لزيارة الشافعي، فرآه يلقي الدرس، فجلس وجنبه إلى القبر، فصاح: قم قم، ظهرك إلى الإمام؟! فقال: إن كنت مستدبره بقالبي، فأنا مستقبله بقلبي. فصاح فيه، وقال: ما تعبدنا بهذا، فخرج وهو لا يعقل.
قلت: مات الخبوشاني في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 15- ص: 372
محمد بن الموفق بن سعيد بن علي بن الحسن بن عبد الله الخبوشاني الفقيه الصوفي أحد الأئمة علما ودينا وورعا وزهدا
وخبوشان بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وفي آخرها نون بليدة بناحية نيسابور ولد بها في رجب سنة عشر وخمسمائة
وتفقه بنيسابور على محمد بن يحيى ثم قيل إنه كان يستحضر كتابه المحيط وأنه عدم الكتاب فأملاه من خاطره
وقدم مصر سنة خمس وستين فأقام بمسجده بالقاهرة مدة ثم تحول إلى تربة الشافعي رضي الله عنه وتبتل لعمارة التربة المذكورة والمدرسة ودرس بها مدة
وكان إماما جليلا كبير المحل في الورع قل أن ترى العيون مثله زهدا وعلما وأمرا بالمعروف وتصميما على الحق
ومن تصانيفه كتاب تحقيق المحيط في ستة عشر مجلدا
وحدث بالقاهرة عن أبي الأسعد هبة الرحمن بن القشيري
وكان السلطان صلاح الدين رضي الله عنه حسن العقيدة في الشيخ الخبوشاني
وكان الخبوشاني له حال غريبة ومحل مكين ومقام في الدين وكان يقول بملء فيه أصعد إلى مصر وأزيل ملك بني عبيد اليهودي فصعدها وصرح بلعنهم وحاروا في أمره وأرسلوا إليه بمال عظيم قيل مبلغه أربعة الآف دينار فلما وقع نظره على رسولهم وهو بالزي المعروف نهض إليه بأشد الغضب وقال ويلك ما هذه البدعة وكان الرجل قد زور في نفسه كلاما يلاطفه به فأعجله عن ذلك فرمى عن الدنانير بين يديه فضربه على رأسه فصارت عمامته حلقا في عنقه وأنزله من السلم وهو يرمي بالدنانير على رأسه ويسب أهل القصر
ثم إن العاضد توفي وتهيب صلاح الدين خوفا من الخطبة لبني العباس وحذرا من الشيعة فوقف الخبوشاني أمام المنبر بعصاة وأمر الخطيب أن يذكر بني العباس ففعل ولم يكن إلا الخير ووصل إلى بغداد الخبر فزينوها وأظهروا من الفرح فوق الوصف
وأخذ الخبوشاني في بناء الضريح الشريف وكان ابن الكيزاني رجل من المشبهة مدفونا عند الشافعي رضي الله عنه فقال الخبوشاني لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد وجعل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الذين حوله من أتباعه وتعصبت المشبهة عليه ولم يبال بهم وما زال حتى بنى القبر والمدرسة ودرس بها
ولعل الناظر يقف على كلام شيخنا الذهبي في هذا الموضع من ترجمة الخبوشاني فلا يحفل به وبقوله في ابن الكيزاني إنه من أهل السنة
فالذهبي رحمه الله متعصب جلد وهو شيخنا وله علينا حقوق إلا أن حق الله مقدم على حقه والذي نقوله إنه لا ينبغي أن يسمع كلامه في حنفي ولا شافعي ولا تؤخذ تراجمهم من كتبه فإنه يتعصب عليهم كثيرا
ومن ورع الخبوشاني
انه كان يركب الحمار ويجعل تحته أكسية لئلا يصل إليه عرقه
وجاء الملك العزيز إلى زيارته وصافحه فاستدعى بماء وغسل يديه وقال يا ولدي أنت تمسك العنان ولا يتوقى الغلمان عليه فقال اغسل وجهك فإنك بعد المصافحة لمست وجهك فقال نعم وغسل وجهه
ولما خرج صلاح الدين إلى الإفرنج نوبة الرملة جاء الشيخ الخبوشاني إلى وداعه والتمس منه أمورا من المكوس يسقطها عن الناس فلم يفعل فقال له الشيخ قم لا نصرك الله ووكزه بعصاة فوقعت قلنسوة السلطان عن رأسه فوجم لها ثم توجه إلى الحرب فكسر وعاد إلى الشيخ فقبل يده وعرف أن ذلك بسبب دعوته
وانظر إلى كلام الذهبي هنا في تاريخه وقوله ظن السلطان أن ذلك بدعوته
ولو كانت هذه الحكاية لمن هو على معتقده من المبتدعة لهول أمرها وقال جرى على صلاح الدين بدعائه ما جرى واستقر كلامه يثبت عندك ما نقوله
وكان تقي الدين عمر بن أخي السلطان له مواضع يباع فيها المزر فكتب الشيخ ورقة إلى صلاح الدين إن هذا عمر لا جبرة الله يبيع المزر
فسيرها صلاح الدين إلى عمر وقال لا طاقة لنا بهذا الشيخ فأرضه فركب إليه فقال له حاجبه قف بباب
المدرسة حتى أسبقك إليه فأوطئ لك فدخل وقال إن تقي الدين يسلم عليك
فقال الشيخ بل شقي الدين لاسلم الله عليه
فقال إنه يعتذر ويقول ليس لي موضع يباع فيه المزر
فقال يكذب
فقال إن كان هناك موضع مزر فأرناه
فقال الشيخ ادن وأمسك ذؤابتيه وجعل يلطم على وجهه وخديه ويقول لست مزارا فأعرف مواضع المزر فخلصوه من يده وخرج إلى تقي الدين وقال فديتك بنفسي
وعاش الشيخ نجم الدين عمره لم يأكل من وقف المدرسة لقمة ولا أخذ من مال الملوك درهما ودفن في الكساء الذي صحبه من خبوشان وكان بمصر رجل تاجر من بلده يأكل من ماله
ودخل يوما القاضي الفاضل وزير السلطان لزيارة الشافعي فوجده يلقي الدرس على كرسي ضيق فجلس على طرفه وجنبه إلى القبر فصاح الشيخ فيه قم قم ظهرك إلى الإمام فقال الفاضل إن كنت مستدبرة بقالبي فأنا مستقبلة بقلبي فصاح فيه أخرى وقال ما تعبدنا بهذا فخرج وهو لا يعقل
توفي الشيخ نجم الدين في ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة وعلى يده كان خراب بيت العبيديين الرفضة الذين يزعمون أنهم فاطميون وإنما هم منتسبون إلى شخص اسمه عبيد قيل إنه يهودي وقيل مجوسي من أهل سلمية دخل المغرب وملكها وبنى المهدية وتلقب بالمهدى وكان زنديقا خبيثا عدوا للإسلام قتل من الفقهاء والمحدثين أمما وبقي هذه البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها وذلك من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين إلى سنة سبع وستين وخمسمائة
وقد بين نسبهم جماعة منهم القاضي أبو بكر الباقلاني فإنه كشف في أول كتابه المسمى بكشف أسرار الباطنية بطلان نسب هؤلاء إلى الإمام علي كرم الله وجهه
وهم أربعة عشر رجلا منهم ثلاثة بإفريقية وهم الملقبون بالمهدي والقائم والمنصور
وأحد عشر بمصر وهم المعز والعزيز والحاكم والظاهر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والقائم والعاضد وهو آخرهم
ولقدحكي أن العاضد رأى في منامه أن حية خرجت من مسجد معروف بمصر ولسعته فأرسل جماعة في صبيحة ليلته إلى ذلك المسجد فما رأوا فيه إلا شخصا أعجميا فقيرا فردوا إليه وقالوا لم نر إلا فقيرا أعجميا وتكررت الرؤيا وهو يرسل فلا يرون إلا ذلك الأعجمي فقيل له هذه أضغاث أحلام وكان الأعجمي هو الخبوشاني
وكان للعاضد وزير يسمى بالملك الصالح على عادة وزراء الفاطميين أخيرا يسمون أنفسهم بالملوك وهو أبو الغارات طلائع بن رزيك فقتله العاضد ثم استوزر شاور ثم قتله وذلك أن أسد الدين شيركوه دخل القاهرة وقام شاور بضيافته وضيافة عسكره وتردد إلى خدمته فطلب منه أسد الدين مالا ينفقه على جيشه فماطله فأرسل إليه يقول قد ماطلت بنفقات الجيش وهم يطالبون فإذا أتيتني فكن على حذر منهم فلم يؤثر هذا عند شاور وركب على عادته وأتي أسد الدين مسترسلا وقيل إنه تمارض فجاء شاور يعوده فاعترضه صلاح الدين يوسف بن أيوب وجماعة من الأمراء النورية فقبضوا عليه فجاءهم رسول العاضد يطلب رأس شاور فذبح وحمل رأسه إليه واستقل أسد الدين ولم يلبث أن حضرته المنية بعد خمسة وستين يوما من ولايته فقلد العاضد صلاح الدين
يوسف ولقبه الملك الناصر وكتب تقليده القاضي الفاضل وبدت سعادة صلاح الدين وضعف أمر العاضد
وكان مبدأ ضعفه أن الفرنج خذلهم الله قصدوا مصر في جمع عظيم وجحفل كبير واستباحوا بلبيس وأناخوا على مصر وأحرق شاور مصر خوفا عليها منهم وبقيت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوما ثم عرف العجز وشرع في الحيل وأرسل إليهم يصالحهم على ألف ألف دينار مصرية نصفها خمسمائة ألف دينار ليرحلوا عنه وأرسل إليهم مائة ألف دينار حيلة وخداعا وواصل بكتبه الملك نور الدين من حيث لا يعلم الفرنج يطلب منه الغوث ويقول إن الفرنج قد استحكم طلبهم وطمعهم في البلاد المصرية فجهز نور الدين أسدا الدين في عسكر عظيم فرحلت الفرنج لما سمعت بخبر العسكر
ودخل أسد الدين مصر وتأكدت الصداقة بينه وبين شاور واستمر الحال إلى حين ولاية صلاح الدين واستمراره إلى مستهل سنة سبع وستين وخمسمائة فخطب لبنى العباس بالقاهرة وسائر بلادها وكانت خطبتهم منقطعة منها هذه المدة المديدة والدول السخيفة بعد أن كان جبن عن ذلك واستعظم خطبه
وكان العاضد لما ضعف أمره وتنسم الخمول أرسل كتابا إلى نور الدين يطلب الاستقالة من الأتراك في مصر خوفا منهم والاقتصار على صلاح الدين فكتب إليه نور الدين الخادم يهنى بما سناه الله من الظفر الذي أضحك سن الإيمان
يشير إلى نصرة المسلمين على الفرنج في نوبة دمياط ويقول إن الفرنج لا تؤمن غائلتهم والرأي إبقاء الترك
بديار مصر فبقيت الترك إلى المستهل من السنة المذكورة فقطعت خطبه الفاطميين وخطب لأمير المؤمنين المستضيء وأرسل إلى بغداد بالخبر
وتوفي العاضد بعد ذلك في يوم عاشوراء بالقصر وجلس السلطان صلاح الدين بعد ذلك للعزاء وأغرب في الحزن والبكاء وتسلم القصر بما فيه من خزائن ودفائن وأموال لا تعد ولا تحصى وأمتعته استمر البيع فيها بعدما أهدى ووهب وأطلق وادخر عشر سنين
ويحكى أن صلاح الدين قال لو علمت أن العاضد يموت بعد عشرة أيام ما قطعت خطبته وأنه قال مارأيت أكرم من العاضد أرسلت إليه مدة مقام الإفرنج على دمياط أطلب منه نفقة فأرسل إلي ألف ألف دينار مصرية نصفها خمسمائة ألف دينار غير الثياب والأمتعة
ثم أودع صلاح الدين أقارب العاضد السجن وقرر لهم النفقات وزائد الصلات
واستفحل أمره وكان على يده فتح بيت المقدس وهو الفتح الذي اشتهر به شرقا وغربا وحصل من الجنة والقلوب قربا وأبقى له إلى يوم الدين ثناء حسنا رحمه الله ورضي عنه
وكتب في سنة سبعين وخمسمائة إلى أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله كتابا من إنشاء القاضي الفاضل يعدد ماله من الفتوحات ومن جهاد الفرنج مع نور الدين وفعالهم الحسنة وإقامتهم الخطبة لأمير المؤمنين ولا عهدنا قيامها منذ دهر واستيلاءه على البلاد الكثيرة من أطراف المغرب إلى أقصى اليمن وأن في هذه السنة كان عندنا وفد نحو سبعين راكبا كلهم يطلب لسلطان بلده تقليدا ويرجو منا وعدا ويخاف وعيدا وأكثر من ذلك إلى أن قال والمراد الآن تقليد جامع بمصر واليمن والمغرب والشام وكل ما تشتمل عليه الولاية النورية يعني ولاية نور الدين محمود وكل ما يفتحه الله للدولة
العباسية بسيوفنا ولمن ينضم من أخ وولد من بعدنا تقليدا يضمن للنعمة تخليدا
وعظم خطبة بحيث إنه لما مات المستضيء وولى الناصر لدين الله أمير المؤمنين لم تكن له قدرة عليه مع ما كان الناصر عليه من عظمة لا توازى وخضوع ملوك الأرض له شرقا وغربا وقهره الكافة بعدا وقربا وأرسل إلى صلاح الدين كتابا يعاتبه على أمور منها تسميته بالملك الناصر وأنه لا ينبغي لك يا صلاح الدين أن تتسمى باسمي فإن ما يصلح للمولى على العبد حرام
فأجابه بأن هذه التسمية من زمن المستضيء قبل أن يكون مولانا أمير المؤمنين خليفة وكان هذا الجواب من القاضي الفاضل وتلاطف به فإن القاضي الفاضل كان يهاب العباسيين لا سيما الناصر لدين الله فما أمكنه أن يجيبه إلا بلطف وقال أخشى أن أذبح على فراشي وفي مأمني ويكون الذابح لي الناصر لدين الله وهو ببغداد
واستقر صلاح الدين إلا أنه تضعضعت تسميته بالملك الناصر بحيث إنه إلى اليوم لا يعرف إلا بصلاح الدين يوسف بن أيوب مع جلالته وعظمته ولو لم يكن له إلا الحسنتان العظيمتان اللتان برز بهما على الأولين من السلاطين والآخرين وهما فتح بيت المقدس وإبادة الفاطميين وقد علم الناس سيرتهم كيف كانت وسبهم الصحابة وفعالهم القبيحة التي لا تعد ولا تحصى من عدم مبالاتهم بأمور الدين وقلة نظرهم إلا في فساد المسلمين ولو لم يكن إلا الحاكم وفعاله التي صارت تواريخ وتسويته تارة بين جميع الأديان وحكمه آوانه بخلاف ماأنزل الرحمن وحمله الناس على ما يوسوس به الشيطان ولقد كاد يدعي الإلهية وربما ادعاها ومن أراد أن ينظر العجب فلينظر إلى ترجمته في التواريخ المبسوطة
ولقد أطلنا في هذه الترجمة ولا بد من فائدة
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 7- ص: 14
محمد بن الموفق سعيد نجم الدين أبو البركات الخُبوشاني
- بضم الخاء- قرية من قرى نيسابور الزاهد، تفقه على محمد بن يحيى، وكان يستحضر كتابه ’’المحيط’’ حتى أنه قيل إنه عدم الكتاب فأملاه من خاطره، وله كتاب ’’تحقيق المحيط’’ في ستة عشر مجلدة، قدم مصر واستوطنها وجاور بتربتة الشافعي، وكان السلطان صلاح الدين يقربه ويعتقده، وعمل له المدرسة المجاورة لضريح الشافعي، وكان سليم الباطن، وبه وسوسة ومن ورعه أنه كان يركب الحمار ويجعل تحته أكسية لئلا يصل عرقه إليه، وحاء الملك العزيز إلى زيارته وصافحه فاستدعى ماء وغسل يديه، وقال يا ولدى: إنك تمس العنان ولا تتوقى الغلمان عليه، فقال اغسل وجهك فإنك بعد المصافحة لمست وجهك فقال نعم وغسل وجهه، وكان الشيخ يقول بملء فيه: أصعد إلى مصر وأزيل ملك بنى عبيد اليهودى فصعدها وصرخ نسب أهل القصر وحاروا في أمره، وأرسلوا إليه بمال عظيم فلما وقع بصره على رسولهم وهو بالزِّي المعروف نهض إليه بأشد الغضب وقال: ويلك ما هذه البدعة. وكان الرجل قد زور في نفسه كلاماً يلاطفه فأعجله عن ذلك ورمى الذهب بين يدى الشيخ فضربه على رأسه وصارت عمامته حلقا في عنقه، وأنزله من السلم وهو يرمى بالدنانير على رأسه، ونسب أهل القصر، وعلى يده كان خراب بيت العبيديين، وقد كان مبدأ ملكهم من سنة تسع وتسعين ومائتين، واستمروا إلى سنة سبع وستين، وخمسائة، وفعلوا كل قبيح، ولما توفى العاضد تهيَّب صلاح الدين من الخطبة لبنى عباس خوفاً من عود دولة العبيديين، وحذراً من الشيعة فوثب الخبوشانى أمام المنبر بعصاه، وأمر الخطيب أن يذكر بنى عباس ففعل ولم يكن إلَّا الخير، وكتب إلى بغداد وأظهر من الفرح فوق الوصف، وانقطعت تلك الشجرة الخبيثة التي لو لم يكن فيها إلَّا الحاكم أحد خلفائه الذي ادعى الإهلية مرة وسوَّى بين الأزمان أخرى، ثم أخذ الخبوشاني في بناء الضريح الشريف المطلبي على ساكنه أفضل الرضوان، وكان ابن الكيزاني وهو رجل من المشبهة لا كما قال الذهبي إنه من أهل السنة مدفوناً عند الشافعي، فقال الخبوشانى: لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد وجعل ينبش ويرمى عظام الموتى الذين حوله من أتباعه، وطهِّر ذلك المكان المقدَّس وتعصب المشبهة عليه ولم يبال بهم، وما زال حتى أنه ستر القبر والمدرسة، ودرس محلها، ولما خرج صلاح الدين إلى الفرنج نوبة الرملة جاء الخبوشانى إلى وداعه والتمس منه أموراً من المكوس يسقطها عن الناس فلم يفعل، فقال له الشيخ: قم لانصرك اللَّه، ووكزه بعصا فوقعت قلنسوة السلطان عن رأسه فرحم لها، ثم نهض متوجهاً إلى الحرب فكسر ثم عاد إلى الشيخ، وقبل يده وعرف أن ذلك بسبب دعائه، وكان تقي الدين عمر بن أخى السلطان له مواضع يباع فيها المِرز فكتب الشيخ ورقة إلى السلطان: أن هذا عمر لا خيِّره اللَّه، له مواضع يبيع فيها المرز فسيرها السلطان إلى عمر وقال لا طاقة لنا بهذا الشيخ فأوصه فركب إليه فقال حاجبه: قف بباب المدرسة حتى أسبقك إليه فأوطئ لك. فدخل فقال: إن تقى الدين يسلم عليك، فقال الشيخ بل شقى الدين لا سلَّم اللَّه عليه قال إنه معتذر ويقول: ليس لي موضع يباع المرز، فقال يكذب فقال: إن كان هناك موضع المِرْز فأرناه فقال له الشيخ أُدن وأمسك ذؤابته وجعل يلطم على وجهه وخديه ويقول: ليست مزَّاراً فأعرف مواضع المِرْز فخلصوه من يده وخرج إلى تقى الدين وقال فديتك نفسى ودخل يوماً القاضي الفاصل وزير السلطان لزيارة الشافعي، فجعل يلقى الدرس على كرسى ضيق فجلس على طرفه وجنبه إلى القبر فصاح الشيخ فيه قم قم ظهرك إلى الإمام، فقال الشيخ الفاصل: إن كنت مستدبره بقالبى مستقبله بقلبى. فصاح فيه مرة أخرى وقال ما تعبدنا بهذا فخرج الفاضل مدهوشاً، ولد سنة عشر وخمسمائة كما قال المنذرى، وحدَّث عن أبي الأسعد القشيرى، وكان لا يأكل من مال الملوك لقمة ولا يأخذ من ريع المدرسة فلساً، وكان يأكل من مال تاجر من أهل بلده، مات سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وكفن في كساه الذي جاء بها من خبوشان، ودفن في قبة منفردة تحت رجلى الشافعي وبينهما شباك.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1