محمود بن طي الشيخ جمال الدين العجلوني المعروف بالحافي.
كان إنسانا حسنا فقير الحال ذا عيال، أقام بصفد مدة، وكان يعرف بعض عربية، وينظم شعرا لا بأس به، وصحب عفيف الدين التلمساني زمانا، وأخذ عنه ذلك المذهب. وكان مع فقره وتصوفه حاد الأخلاق.
أنشدني كثيرا من شعره وكثيرا ما رواه لي عن عفيف الدين التلمساني، وكان لعله يحظ أكثر ديوان العفيف. وبحثت معه غير مرة. وكنت أرد مقالته، وشعب ذهن جماعة بصفد، وأعان الله على إنقاذهم، وكان يرتزق بشهادة القسم في خاص السلطان.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بصفد في سنة أربع وعشرين وسبع مئة. وقد قارب السبعين سنة.
وكتبت أنا إليه مرة، وقد توجه الى قرية تسمي علما من قرى صفد، ومعه شخص يعز علي:
ألا هل ترى نازلين با علما | أحطتم بما يلقى مشوقكم علما |
فلو شاء حملي الريح نحو خيامكم | أتاكم بصب قد براه الهوى سقما |
وما ضركم رعي العهود التي مضت | فكم قد رعى طرفي لبعدكم نجما |
شغلت بكم عن غيركم لا عدمتكم | فطرف يرى إلا محاسنكم أعمى |
وعلمني دمعي وجوهر ثغركم | إذا غبتم عن مقلتي النثر والنظما |
ولا عجب أن جاء صبري محاقه | وحسنكم قد أخجل القمر التما |
منعتم جفوني لذة الغمض في الدجا | فما ذاق طرفي بعدكم للكرى طعما |
فكيف قضيتم بعدكم إن أدمعي | لعيني غسل وهي لم تبلغ الحلما |
أظنكم طهرتم بمدامعي | عيوني لما أن رأت غيركم قدما |
ولما شكت عيني إليكم سهادها | حكمتم عليها أن تدوم وأن تدمى |
ومن كنتم أحبابه يا سروره | ويا سعده إن صح لك أو تما |
ويا فوز قلب أصبحت خطراته | الى حبكم تسمو، وصب لكم يسمى |
وإن كان عذالي عموا عن جمالكم | فلي أذن عن كل ما نقلوا صما |
انظر الى حسن زهر الروضة البهج | واسمع ترنم هذا الطائر الهزج |
تجلى الرياض وقينات الحمام شدت | والزهر يحرق عرف المندل الأرج |
فعاطني يا رشيق القد ما اعتصرت | يد الملاحة لي من طرفك الغنج |
فما المدامة في سلب العقول بها | بالسكر أسلب من عينيك للمهج |
وإن ترد مزجها لا تمزجن قدحي | دعه برقة وجدي فيك يمتزج |
مرت ليالي صدود لو جمعت بها | دمعي جرت سفن منه على لجج |
كم قد فتحت لضيف الطيف من حرق | باب المنى فانثنى عنه ولم يلج |
وكم بذلت جميعي مجتهدا | وصنت سرك في قلب عليك شج |
وشمت برقا على الجرعاء من إضم | قلبي عليك وطرفي غير مختلج |
وهذه ليلة من لؤلؤ خلقت | حسنا وإن ظهرت في صبغة السبج |
جلت ثناياك ذات الظلم ظلمتها | ولم يكلها لضوء الشمع والسرج |
فصار ثبتك في محوي يحقق لي | إيجاب سلبي من ستر ومن بهج |
فلم أقل للصبا من بعدها احتملي | للحي شخصي ولا لي في الخيام لجي |
ينمنم الخط لا يجتاب أحرفه | والوشي مهما حكاها منه يجتاب |
لو لم يكن مستقيما بعدما سجدت | فيه المعاني لقلت السطر محراب |
أملى تصانيف في أكمامها ثمر | تجنيه بالفهم دون الكف ألباب |
ناطقات بكل معنى يضاهي | نكت السحر في عيون الملاح |
من نسيب يهز عاطفة المجـ | ـد ومدح يلين قلب السماح |
ما حزن قلبي في البلوى بمحدود | ولا فؤادي في السلوى بمعدود |
فلا تذم امرأ يبكي الدماء على | أبي الثناء شهاب الدين محمود |
يا ساري الليل يبغي الفضل مجتهدا | ارجع وحط عن المهرية القود |
مات الإمام الذي كنا نؤم له | فيما نؤمله من غير تفنيد |
وأقفرت ساحة الآداب واندرست | معالم العلم منه بعد تشييد |
أما ترى كيف كتاب الأنام غدت | أوراقهم وهي فيه ذات تسويد |
هو الإمام الذي لما سما كرما | ألقت إليه المعاني بالأقاليد |
طوفان علم جرت فيه السفينة من | آدابه واستوت منه على الجودي |
فليس باغي معاليه بذي ظفر | وليس راجي أياديه بمردود |
كأن أقلامه في الكف بان نقى | حمائم السجع منها ذات تغريد |
فيرجع الطرس من نقش عليه بدا | كأنه نقش كف الكاعب الرود |
كم قلد الدهر عقدا من قصائده | بدر لفظ بديع الرصف منضود |
وكم حبا الملك تيجان البلاغة من | تلك التواقيع أو تلك التقاليد |
وكم أفاد المعاني من بلاغته | ما زانها باختراعات وتوليد |
فصال إذ صان سر الملك منفردا | على الأعادي بكيد غير مكدود |
فلا قوام القنا يهتز من مرح | ولا خدود المواضي ذات توريد |
وليس يسمع للأبطال همهمة | رعودها خار منها كل رعديد |
تدبير من حلب الأيام أشطرها | مهذب الرأي في عزم وتسديد |
أراه إن قام ذو فضل بمنصبه | قال البيان له قم غير مطرود |
أما ترسله السهل البديع فقد | أقام في شاهق بالنجم معقود |
أنسى الأنام به عبد الرحيم كما | راح العماد بقلب غير معمود |
تراه إن أعمل الأيام مرتجلا | قال البيان لها يا سحبنا جودي |
يملي ويكتب من رأس اليراع بلا | فكر فيأتي بسحر غير معهود |
إذا سمعنا قوافيه وقد نجزت | تقول من طرب ألبابنا عيدي |
شاعت فضائله في الناس واشتهرت | وبات ينشدها الركبان في البيد |
يا من رجعت به في الناس معرفة | من بعد ما زال تنكيري وتنكيدي |
ساعدت فيك حمام الأيك نائحة | فقصرت فيك عن تعداد تعديدي |
لهفي عليك وهل يجدي التلهف أو | يفك أسر فؤاد فيك مصفود |
وحرقتي فيك لا يطفي تلهبها | دمعي ولو سال في خدي بأخدود |
فلا جفت قبرك الأنواء وانسجمت | عليه يا خير ذي صمت وقد نودي |
العالم العلامة الحبر الذي | بهرت عجائبه بني الآداب |
ودنت لديه المشكلات وطالما | جمحت أوابدها على الطلاب |
من كل قافية تهز معاطف الـ | ـأيام من سكر بغير شراب |
ورسالة غلبت عقول أولي النهى | وتلعبت بالسحر للألباب |
الألمعي أخي الفواضل والندى | الكامل الأدوات والأسباب |
لا برحت أبكار أفكاره | تجلى لنا في حبر الحبر |
وروضة الآداب مفترة | من لفظه عن يانع الزهر |
إذا كنت بالإنشاء حلف صبابة | فقم واتخذ حسن التوسل واسطه |
به ختم الآداب منشيه للورى | ولكن غدا في ذلك العقد واسطه |
إمام له في العلم والجسم بسطة | وكف غدت في ساحة الفضل باسطه |
فطوبى لمن أضحى نزيل مقره | وقابله يوما وقبل باسطه |
أذا الدر أم ذا الزهر لو كان حاضرا | محاسنه حسان أصبح لاقطه |
وذا البدر حيث البدر في كبد السما | على حبه أطيار عقلي ساقطه |
تفضلت غرس الدين لما تقبلت | علومك أعمالا من النقص حابطه |
وشيدت إذ قيدت فينا ضوابطا | قواعدها لولا وجودك هابطه |
فلم أر مثل نشر الروض لما | تلاقينا وبنت العامري |
جرى دمعي وأومض برق فيها | فقال الروض في ذا العام ريي |
بقول الشافعي اعمل تحقق | مناك فما ترى كالشافعي |
فكم في صحبه من بحر علم | ومن حبر ومن كشاف عي |
أرى في الجودرية ظبي أنس | فيا شغفي به من جو دري |
لبارق فيه سحت سحب دمعي | فقال الروض إن الجود ري |
أقول لمقلتي لما رمت في | فؤادي حسرة من عنبري |
سلمت وبات قلبي في عذاب | ألم يخشى فؤادك عن بري |
مليك كم سحاب سح لي من | نداه الهامعي الهامري |
وقال السيف في يمناه لما | رأى الأعداء: من ذا الهام ريي |
مليح جاء بعد الحج يذكي | غرامي بالنسيم الحاجري |
تلظت منه أشواقي بقلبي | وقالت: عند هذا الحاج ريي |
قل لي عن الحمام كيف دخلتها | يا مالكي لتسر خلا مشفقا |
أدخلتها وأولئك الأقوام قد | شدوا المآزر فوق كثبان النقا |
مليح أتى الحمام كالبدر في الدجا | ومبسمه يزري بزهر الكواكب |
وأردافه من تحت مئزره حكت | بياض العطايا في سواد المطالب |
إذا كان من أهواه روحي وراحتي | ولقياه أرجى من حياتي وأرجح |
وأظمأني منه الزمان بفقده | فلا شك أن الموت أروى وأروح |
لئن كان ما بي عنك في الحب خافيا | فلا شك أن الله أعلى وأعلم |
وإن كنت في إنسان عيني ممثلا | ففي خاطري ذكراك أغرى وأغرم |
وإن كنت أذكيت الجوى بمدامعي | فنار الهوى في القلب أضرى وأضرم |
وإن كنت تختار المنى في منيتي | فوالله إن الموت أسلى وأسلم |
لئن طلبت نفسي السلو عن الذي | تلفت به فالصبر أنجى وأنجح |
فقل للحيا الهتان أمسك ولا ترم | مساجلتي فالدمع أسمى وأسمح |
غريب سبوا نومي ولم تدر مقلتي | كما سلبوا قلبي ولم تشعر الأعضا |
وطلقت نومي والجفون حوامل | فمن أجل ذا في الخد أبقت لها فرضا |
سننت السهاد بمنع الكرى | فأظهرت في حالة بدعتين |
وصيرت تكرار دمعي على | خدودي من فوقها فرض عين |
أملت أنك لا تزال بكل من | ناواك من كل الأنام مظفرا |
ورجوت أن تطأ الكواكب رفعة | من فوق أعناق الورى وكذا جرى |
أملت أن تتعطفوا بوصالكم | فرأيت من هجرانكم ما لا يرى |
وعلمت أن بعادكم لا بد أن | يجري له دمعي دما وكذا جرى |
قضى، وهذا الذي في حبهم يجب | في ذمة الوجد تلك الروح تحتسب |
ما كان يوم رحيل الحي عن إضم | لروحه في بقاء بعدهم أرب |
صب بكى أسفا والشمل مجتمع | كأنه كان للتفريق يرتقب |
نأوا فذابت عليهم روحه أسفا | ما كان إلا النوى في حتفه سبب |
طوبى لمن لم يبدل دين حبهم | بل مات وهو الى الإخلاص منتسب |
لو لم يمت فيهم ما عاش عندهم | حياته من وفاة الحب تكتسب |
بانوا وفي الحي ميت ناح بعدهم | ورق الحمام وسحت دمعها السحب |
وشق غصن النقا من أجله حزنا | جيوبه وأديرت حوله العذب |
وشاهد الغيث أنفاسا يصعدها | فعاد والبرق في أحشائه لهب |
لو أنصفوا وقفوا حفظا لمهجته | إن الوقوف على قتلى الهوى قرب |
يا بارق الثغر لو لاحت ثغورهم | وشمت بارقها ما فاتك الشنب |
ويا قضيب النقا لو لم تجد خبرا | عند الصبا منهم ما هزك الطرب |
ويا حيا جادهم إن لم تكن كلفا | ما بال عينيك منها الماء ينسكب |
بالله يا نسمات الريح أين هم | وهل نأوا أو دموعي دونهم حجب |
بالله لما استقلوا عن ديارهم | أحنت الدار من شوق أم النجب |
وهل وجدت فؤادي في رحالهم | فإنه عندهم من بعض ما سلبوا |
نأوا غضابا وقلبي في إسارهم | يا ليتهم غصبوا روحي ولا غضبوا |
عساك أن تعطفي نحوي معاطفهم | فالغصن بالريح ينأى ثم يقترب |
وإن رجعت إليهم فاذكري لهم | أني شرقت بدمع العين مذ غربوا |
ثم اذكري سفح دمعي في معاهدهم | لا يذكر السفح إلا حن مغترب |
يا حيرة مذ نأوا قلبي بهم يجب | ولو قضى ما قضى بعض الذي يجب |
سرتم وقلبي أسير في حمولكم | فكيف يرجع مضناكم وينقلب |
وأي عيش له يصفو ببعدكم | فالجسم منسبك والدمع منسكب |
ناحت علي حمامات اللوى وونت | ولو رثتني ما في فعلها عجب |
تملي علي حمامات اللوى ورثت | ولو رثتني ما في فعلها عجب |
والغيث لما رأى ما قد منيت به | فكله مقل بالدمع تنسكب |
بالله يا صاح روحني بذكرهم | وزد عسى أن يخف الوجد والوصب |
ويا رسولي إليهم صف لهم أرقي | وأن طرفي لضيف الطيف يرتقب |
واسأل مواهبهم للعين بعض كرى | عساي أن يهبوا لي بعض ما نهبوا |
ولطف القول لا تسأم مراجعة | واشك الهوى والنوى قد ينجح الطلب |
عرض بذكري فإن قالوا أتعرفه | فسل لي الوصل وأنكرني إذا غضبوا |
ذكرهم بليال قد مضت كرما | وهم نجومي بها لا السبعة الشهب |
هم الرضا والمنى والقصد من زمني | وكل ما أرتجي والسول والأرب |
وهم مرادي على حالي وفا وجفا | وبغيتي إن نأوا عني أو اقتربوا |
وهم ملاذي إذا ما الخطب خاطبني | وهم عياذي إذا ما نابت النوب |
هم روح جسمي الذي يحيا لشقوته | بهم فإن حياتي كلها تعب |
هم نور عيني وإن كانت لبعدهم | أيام عيشي سودا كلها عطب |
إن يحضروا فالبكا غطى على بصري | فهم حضور وفي المعنى هم غيب |
وإن يغيبوا وأهدوا طيفهم كرما | فالسهد من دون ما يهدونه حجب |
فلو فرضت انقطاع الدمع لم أرهم | وصدهم عني الإجلال والرهب |
فما تملت به عيني بل امتلأت | بأدمع خجلت من دونها السحب |
لم تترك الترك في شمس ولا قمر | حسنا لغيرهم يعزى وينتسب |
لكنهم لم يفوا أن عاهدوك على | ود وما هكذا في فعلها العرب |
خلا الغزال الذي نفسي به علقت | فكم له من يد في الفضل تحتسب |
له لطافة أخلاق تعلم من | لا يعرف الوجد كيف الذل والحرب |
ولحظه الضيق الأجفان وسع لي | هموم وجد لها في أضلعي لهب |
سيوف أجفانه المرضى إذا نظرت | تغري الجوانح لا الهندية القضب |
إذا انثنى سلب الألباب معطفه الـ | ـبادي التأود لا الخطية السلب |
وإن بدا فبدور الأفق في خجل | ترخى على وجهها من سحبها نقب |
يا برق لا تبتسم من ثغره عجبا | قد فات معناك منه الظلم والشنب |
ويا قضيب النقا لو هز قامته | لكنت تسجد إجلالا وتقترب |
شمعي ضيا فرقه والورد وجنته | والريق خمري لا ما يعصر العنب |
ومذ رشفت لماه وهو مبتسم | ما راق لي بعده خمر ولا حبب |
تثنى وأغصان الأراك نواضر | فنحت وأسراب من الطير عكف |
فعلم بانات النقا كيف تنثني | وعلمت ورقاء الحمى كيف تهتف |
لم أنسه في روضة | والطير يصدح فوق غصن |
فأعلم الورق البكا | ويعلم البان التثني |
وإن ترد علم بديع الهوى | بين الورى فأت فعندي المراد |
أنا والحبيب ومن يلوم ثلاثة | لهم بديع الحب أصبح ينتمي |
فلي الجناس لأن دمعي عن دمي | يجري ألست تراه مثل العندم |
وله مطابقة التواصل بالجفا | ولعاذليه لزوم ما لم يلزم |
لا تعجبوا منه فما حسنه | إلا بليغ حرت في وصفه |
إن كان قد أوجز في خصره | فإنه أطنب في ردفه |
وما أتى بالواو في صدغه | إلا وقد رتب في عطفه |
ولف في البردة أعطافه | حتى يطيب النشر من لفه |
رأتني وقد نال مني النحول | وفاضت دموعي على الخد فيضا |
فقالت بعيني هذا السقام | فقلت صدقت وبالخصر أيضا |
غالطتني إذ كست جسمي الضنا | كسوة أعرت من اللحم العظاما |
ثم قالت أنت عندي في الهوى | مثل عيني، صدقت ولكن سقاما |
وملولة في الحب لما أن رأت | أثر السقام بعظمي المنهاض |
قالت: تغيرنا. فقلت لها: نعم | أنا بالسقام وأنت بالأعراض |
هل البدر إلا ما حواه لثامها | أو الصبح إلا ما جلاه ابتسامها |
أو النار إلا ما بدا فوق خدها | سناها وفي قلب المحب ضرامها |
أقامت بقلبي إذ أقام بحسنها | فدارتها قلبي وداري خيامها |
مهاة نقى لو يستطاع اقتناصها | وكعبة حسن لو يطاق استلامها |
إذا ما نضت عنها اللثام وأسفرت | تقشع عن شمس النهار غمامها |
نهاية حظي أن أقبل تربها | وأيسر حظ للثام التثامها |
تريك محيا الشمس في ليل شعرها | على قيد رمح وجهها وقوامها |
وتزهى على البدر المنير بأنها | مدى الدهر لا يخشى السرار تمامها |
تغني على أعطافها ورق حليها | إذا ناح في هيف الغصون حمامها |
تردد بين الخمر والسحر لحظها | وحزهما والدر أيضا كلامها |
كلانا نشاوى غير أن جفونها | مدام المعنى والدلال مدامها |
وليلة زارت والثريا كأنها | نظاما وحسنا عقدها وابتسامها |
فحيت فأحيت ما أمات صدودها | وردت فرد الروح في سلامها |
فقالت بعيني ذا السقام الذي أرى | فقلت وهل بلواي إلا سقامها |
وأبدت ثناياها فقل في خميلة | بدا نورها وانشق عنها كمامها |
وأبعدت لا بل سمط در تصونه | بأصداف ياقوت لماها ختامها |
وقالت وما للعين عهد بطيفها | ولا النوم مذ صدت وعز مرامها |
لقد أتعبت طيفي جفونك في الدجا | فقلت سلي جفنيك أين منامها |
وما علمت أن الرقاد وقد جفت | كمثل حياتي في يديها زمامها |
وكم ليلة مرت وفيها نجومها | كأني راع ضل عنه سوامها |
كأن الذراري والهلال ودارة | حوته وقد زان الثريا التئامها |
حباب طفا من حول زورق فضة | بكف فتاة طاف بالراح جامها |
كأن نجوما في المجرة خرد | سواق رماها في غدير زحامها |
كأن رياضا قد تسلسل ماؤها | فشقت أقاحيها وشاق خزامها |
كأن سنا الجوزاء إكليل جوهر | أضاءت لياليه وراق انتظامها |
كأن لدى النسرين في الجو غلمة | رماة رمى ذا دون هذا سهامها |
كأن سهيلا والنجوم وراءه | صلاة صفوف قام فيها إمامها |
كأن الدجى هيجاء حرب نجومه | أسنتها والبرق فيها حسامها |
كأن النجوم الهاديت فوارس | تساقط ما بين الأسنة هامها |
كأن سنا المريخ شعلة قابس | تلوح على بعد ويخفى ضرامها |
كأن السها صب سها نحو إلفه | يراعي الليالي جفنه لا ينامها |
كأن خفوق القلب قلب متيم | رأى بلدة شطت وأقوى مقامها |
كأن ثريا أفقه في انبساطها | يمين كريم يخاف انضمامها |
كأن بفتح الدين في جوده اقتدت | فروى الروابي والإكام ركامها |
كأن بيمناه اقتدى يمن نوئها | فعمت غواديها وأخصب عامها |
كأن به من لفظه قد تشبهت | ففاق عقود الدر حسنا نظامها |
كريم المحيا لو يقابل وجهه | سحابة صيف لاستهل جهامها |
به جبر الله البلاد وأهلها | ولولاه ما شام السعادة شامها |
به عصم الله الأقاليم إذ غدا | بأقلامه بعد الإله اعتصامها |
بآرائه وهي السديدة أحكمت | عراها فلا يخشى عليها انفصامها |
به الدولة الغراء أشرق نورها | فجاب البرى وانجاب عنها ظلامها |
بما نشرت من عدله في بلادها | يزيد على عمر الدهور دوامها |
إليه انتهى علم البيان وإنه | لفي كل أنواع العلوم إمامها |
تميت العدا قبل الكتائب كتبه | فألفاظه وهي الحياة سهامها |
له عزمة في الله للكفر حرها | وللدين منها يردها وسلامها |
إذا الخيل صلت في الحديد جيادها | وعبت نهارا في النجيع صيامها |
وأضحت وكالأمواج في بحر نقعها | تدفقها أو كالجبال اضطرامها |
تلا رأيه آي الفتوح على العدا | فولت وقد أضحت عظاما عظامها |
ففي سورة الفتح المبين ابتداؤها | ومن آية النصر العزيز اختتامها |
فرد جيوش الشرك بعد اصطلائه | لظاها وقد أحنى عليه اصطلامها |
جواد بما شاء العفاة كأنما | لها في يديه حكمها واحتكامها |
تقي له في الحق نفس أبية | وإن كف بالصفح الجميل انتقامها |
كريم عريق أصله وبنفسه | مع الأصل دون الناس ساد عصامها |
إذا ألف الآراء ألف وضعها | فليس بمغن للعدا منه لامها |
روى زينة الدنيا فأضحى لزهده | سواء عليها ريها وأوامها |
وأعرض عنها وهي في عصر حسنها | وقد زاد فيه وجدها وغرامها |
ولا زهد إلا وهي بيضاء غضة | يروق العيون الشائمات وشامها |
يسر اصطناع البر في الناس جاهدا | ليخفى وهل يخفي الشموس اكتتامها |
ويغتنم الأخرى بدنياه عالما | وقد حازها إن النجاة اغتنامها |
تقاسمت الأوقات دنياه فاغتدت | وقد أحرز الأجر الجميل انقسامها |
فقامت بأوقات الصلاة صلاتها | وصان ذمار الكافرين صيامها |
رأيت علاه فوق نظمي وإنني | بليغ ولكن أين مني مرامها |
فعدت به من خطة العجز دونها | وما كنت يوما قبل ذاك أسامها |
فلا زالت الدنيا وأيامها به | برغم العدا عم الوجوه وشامها |
يا فاضلا وافى محلي زائرا | متفضلا والفضل للمتقدم |
ومشرفي ومشنفي بسلامه | وكلامه ومبجلي ومعظمي |
أنت الشهاب الثاقب الذهن الذي | أضحت ذكاء الى ذكاه تنتمي |
والواضح الخط المحقق أصله | والطاهر القلم الموقع والفم |
شعر كثير الدر أو تبرغدت | في حجلة منه ذراري الأنجم |
مولاي زودني فإني راجل | من لفظك العالي المحل المعلم |
وابعث إلي بفذ شيء منهما | وامنن علي وجد بذلك وانعم |
يا سيدا لما وطئت بساطه | حدثت آمالي بفيض الأنجم |
أنت الذي روى المسامع والقنا | ذي من فضائله وتلك من الدم |
كم قد منعت بأخذ كل مدرع | حامي الحقيقة معلما من معلم |
وفتحت من حصن بشدك في الوغى | بالرمح ثغر الفارس المستلئم |
وافيت ربعك ظامئا مستمطرا | أنواء شعرك في شعار مسلم |
فبعثت لي وطفاء لو لم يغض من | خطفات وامض برقها طرفي عمي |
ميمية لما لثمت سطورها | حسدت على تقبيلها عيني فمي |
يا ناصر الدين الذي شرفت به الـ | ـآداب إذ أضحت إليه تنتمي |
يا مالكا حزني على زمن مضى | في غير خدمته كحزن متيم |
سيرت إنعاما شغلت بشكره | عبدا يرى إيجاب سكر المنعم |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 368