التصنيفات

محمد بن أبي طالب الأنصاري الصوفي شمس الدين المعروف بشيخ حطين أولا، ثم أخيرا بشيخ الربوة.
رأيته بصفد مرات، واجتمعت به مدة مديدة.
كان من أذكياء العالم وأقوياء الفهم الذي من رزقه فقد سلم وسالم. له قدرة على الدخول في كل فن، وجرأة على التصدي لكل ما سنح في الأذهان وعن، رأيت له عدة من التصانيف في كل علم حتى في الأطعمه، وكل ما يعمل على النار المضرمه، وفي أصول الدين على غير طريق الأشاعره، ولا طريق الاعتزال ولا الحشوية المتظاهره، لأنه لم يكن له علم. وإنما كان ذكيا، وعقله بفهم الغرائب زكيا، فكنت يوما أراه أشعريا، ويوما أراه معتزليا، ويوما أراه حشويا، ويوما أراه يرى رأي ابن سبعين وقد نحا طريقه، وتكلم على العرفان والحقيقه. نعم كان يتكلم على الأوفاق ووضعها، وحفظها فيما يستعمله ورفعها، ويتكلم على أسرار الحروف كلاما مناسبا، ويدعي أنه لا يرى دونه في ذلك حاجبا، ويعرف الرمل ويتقنه ضربا، ويدريه جنسا ونوعا وضربا.
وكان ينظم نظما ليس بطائل، ويستعير فيه ما يريده من جميع القبائل، وكان قد لحقه الصم، وحصل به له ولمن يعرفه ألم، ثم أضر بأخرة من عينه الواحده، وبقي رحمه لمن يراه عدوا أو عنده له معانده.
ولم يزل على حاله إلى أن رأى عين اليقين، وعلم أن معارات الدنيا لا يحمين من الموت ولا يقين.
وتوفي -رحمه الله تعالى- فيما أظن في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وسبع مئة بصفد.
ومولده سنة أربع وخمسين وست مئة.
نقلته من خط شيخنا البرزالي.
كان ذكيا وعبارته حلوة، ما تمل محاضرته، وكان يدعي عمل الكيمياء، ودخل على الأفرم وأوهمه شيئا من ذلك، فولاه مشيخة الربوة، والظاهر أنه كان يعلم منها ما يخدع به العقول، ويتلعب بالألباب الأغمار، ولما جاء إلى صفد ورأيته بها كان شيخ قرية علمين الفقراء، وهي قرية عند قرية مغران بالقرب من الشريعة عند جسر يعقوب، وقف السلطان صلاح الدين يوسف تغمده الله تعالى برحمته.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: ومولده بزاوية جده الشيخ أبي طالب بقصر حجاج بدمشق.
قال الشيخ علم الدين البرزالي: وأعرف جده أبا طالب، وكان صالحا يصلي الجمعة دائما تحت النسر، انتهى.
قلت أنا: وهو شيخ النجم الحطيني المعروف بنجيم الذي سمره السلطان الملك الناصر بالقاهرة وجهزه إلى دمشق مسمرا على جمل، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف النون مكانه، وكان هذا النجم يخدمه، وهو شيخ الخانقاه بحطين من بلاد صفد، وورد عليهم إنسان في تلك المدة أضافوه على العادة، وكان هذا النجم رأى مع الضيف ذهبا، فاتبعه لما سرى من الخانقاه، وقتله في الطريق وأخذ ذهبه، وبلغت القضية نائب صفد الأمير سيف الدين كراي، فأحضر الشيخ شمس الدين وضربه ألف مقرعة، على ما قيل، وعوقب زمانا، ثم أفرج عنه، ثم إن هذا النجيم كان بعد ذلك يؤذي الشيخ. حكى لنا الشيخ شمس الدين قال: كنت أخافه على نفسي، فأنام في الربوة وأغلق باب المكان وهو محدود، وأستوثق من الأقفال وغيرها، وأكون نائما آمنا، وما أشعر به إلا وقد أيقظني فأفتح فأرى السكين في يده مجردة، ويقول: يا أفخاذ الغنمة، ما تريد أن أفعل بك؟ قال: فأدخل بكل طريق من ضروب الخداع والتلطف أنه أي فائدة في قتلي، وفرضنا أني قتلت، فهل في هذا فائدة تحصل، ولا أزل أخدعه حتى يمضي ويتركني.
وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت:

ولم يزل الشيخ شمس الدين مروعا من هذا النجم إلى أن سمر. وكان ما يسميه بعد ذلك إلا الهالك، ويكني عن نفسه بالشخص. فيقول: جرى للشخص مع الهالك كيت وكيت، وما كانت حكاياته عنه تمل، لأنه يؤديها بعبارة فصحى وينمقها ويزمكها.
وجمع هذا الشيخ كتابا في علم الفراسة سماه ’’كتاب السياسة في علم الفراسة’’ كتبته بخطي من خطه، وتناولته منه بصفد، ولم أر في كتب الفراسة مثله، وقد نقله مني جماعة أفاضل بمصر والشام منهم الشيخ شمس الدين الأكفاني، لأنه جمع فيه كلام الشافعي رضي الله عنه وكلام ابن عربي وكلام صاحب المنصوري وكلام أفلاطون وكلام أرسطو، فجاء حسنا إلى الغاية.
ولحقه صم زائد قبل موته بعشرة أعوام، أضرت عينه الواحدة. وتوفي بمارستان الأمير سيف الدين تنكز بصفد رحمه الله تعالى.
كان من أفراد العالم وله في كل شيء يتحدث فيه مصنف.
وأنشدني من لفظه لنفسه، ومن خطه نقلت، في مليح كان يميل إليه، وتوكل بقرية فرادية من عمل صفد، ولاه الحاكم بصفد هذه الوكالة:
ونقلت من خطه له:
ونقلت من خطه وأنشدنيه:
ونقلت من خطه له:
ونقلت من خطه له، يعني نفسه:
وكان يعرض شعرا كثيرا علي وأغير منه كثيرا.
وكان صبورا على القلة والفقر والوحدة، كثير الآلام والأوجاع. وكان به انفتاق في أنثييه يثور به كل قليل ويقاسي منه شدة، وكان قد كبر سنه وأنقى شيبه. والذين رأيتهم يقومون بعلم الفراسة ثلاثة: شيخنا نجم الدين بن الكمال الصفدي الخطيب رحمه الله تعالى، وهذا الشيخ شمس الدين، والحكيم أسد اليهودي، وكان أصدقهم فراسة أسد اليهودي، ولكنه لما رأى هذا المصنف الذي ذكرته لشيخ الربوة معي بحلب سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة وطلبه مني لينسخه، فأبيت، ثم طلبه بدمشق، ثم طلبه بالقاهرة وما اتفق إعطاؤه.

  • دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 4- ص: 475

محمد بن أبي طالب الأنصاري الصوفي شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري الصوفي شمس الدين شيخ حطين وشيخ الربوة قال الصفدي ولد سنة 645 وتعانى الاشتغال فمهر في علم الرمل والأوفاق ونحو ذلك وكان ذكيا وعبارته حلوة ما تمل محاضرته وكان يدعي أنه يعرف الكيمياء ودخل على الأفرم فأوهمه شيئا من ذلك فولاه مشيخة الربوة وكان يصنف في كل علم سواء عرفه أم لا لفرط ذكائه وكان ينظم نظما نازلا قال الصفدي رأيت له تصنيفا في أصول الدين خلط فيه المذاهب أشعريها بمعتزليها بحشويها بصوفيها بحيث لم يثبت على طريقة واحدة ثم نحا طريق ابن سبعين وتكلم على العرفان والحقيقة وهو شيخ النجم الحطيني الآتي ذكره وأصيب الشيخ بسببه فإن ضيفا بات عندهم فرأى النجم معه ذهبا فتبعه لما سار فقتله ليلا وأخذ ذهبه فبلغ ذلك النائب فطلب الشيخ فضربه ألف مقرعة فيما قيل فاعتقله ثم كان الشيخ بعد ذلك يخاف من النجم فكان يبيت ويغلق الباب بينه وبينه بأقفال إلى أن قدر الله على النجم بتسميره فأمن حينئذ وكان يكني عن نفسه بالشخص وعن النجم بالهالك فيقول جرى للشخص مع الهالك كيت وكيت وكانت حكاياته عنه لا تمل لأنه كان ينمقها ويوردها بعبارة عربية حسنة جدا وله السياسة في علم الفراسة أجاد فيه ولحقه صمم قبل موته وذهبت عينه الواحدة ومن شعره

وله هو لطيف
وكان صبورا على الفقر والوحدة كثير الآلام والأوجاع مات في جمادى الأولى سنة 727 بصفد

  • مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 2- ص: 0