التصنيفات

علي بن عبد الكافي

ابن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم: الغمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع، والعلامة شيخ الإسلام، حبر الأمة، مفتي الفرق، المقرئ، المحدث، الرحلة، المفسر، الفقيه، الأصولي، البليغ، الأديب، المنطقي، الجذلي، النظار. جامع الفنون، علامة الزمان، قاضي القضاة أوحد المجتهدين تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري.

أما التفسير فيا إمساك ابن عطية، ووقوع الرازي معه في رزية.

وأما القراءات فيا بعد الداني، وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني.

وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر، وعي الخطيب لما أن يذاكر.

وأما الأصول فيها كلال حد السيف، وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف.

وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب، وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب.

وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه، وانبهار الأبهري وغطاء كشفه، بمينه.

وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي، وعمى العميدي، فإن إرشاده خفي.

وأما النحو فالفارسي ترجل له يطلب إعظامه، والزجاجي تكسر جمعه وما فاز بالسالمة.

وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة، والأزهري أظلمت لياليه البهيمة.

وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى، وواضع اليتيمة تركها، وذهب إلى أهل يتمطى.

وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره، وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره.

هذا إلى إتقان فنون يطول سردها، ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها، واطلاع على معارف أخر، وفوائد متى تكلم فيها قتل بحر زخر، وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة. وإذا خبط الأنام عشواء سار هو في بياض المحجة.

وأما الأخلاق فقل أن رأيتها في غيره مجموعة، أو وجد في أكياس الناس دينار على سكتها المطبوعة؛ فم بسام، ووجه بين الجمال والجلال قسام، وخلق كأنه نفس السحر على الزهر نسام، وكف تخجل الغيوث من ساجمها، وتشهد البرامكة أن نفس حاتم في نقش خاتمها، وحلم لا يستقيم معه الأحنف، ولا يرى المأمون معه إلا خائنا عند من روى أو صنف، ولا يوجد له فيه نظير ولا في غرائب أبي محنف، ولا يحمل حلمه بل، فإنه جاء بالكيل المكنف.

لم أره انتقم لنفسه مع القدرة، ولا شمت بعدو هزم بعد النصرة، بل يعفو ويصفح عمن أجرم، ويتألم لمن أوقد الدهر نار حربه وأضرم، ورعاية ود لصاحبه الذي قدم عهده، وتذكر لمحاسنه التي كاد يمحوها بعده، طهارة لسان لم يسمع منه في غيبة بنت شفة، ولا تسف طيور الملائكة منه على سفه. وزهد في الدنيا وأقلامه تتصرف في الأقوال، وتفضها على مر الأيام والجمع والأشهر والأحوال، واطراح للملبس والمأكل، وعزوف عن كل لذة، إعراض عن أغراض هذه الدنيا التي خلق الله النفوس إليها مغذه.

وهذا ما رآه عياني، وختم عليه جناني، وأما ما وصف لي من قيام الدجى، والوقوف في موقف الخوف والرجا، فأمر أجزم بصدقه، وأشهد بحقه، فإن هذا الظاهر لا يكون له باطن غير هذا، ولا يرى غيره حتى المعاد معاذا:

وتصانيفه تشهد لي بما ادعيت، وتؤيد به ورويت، فدونك وإياها، وترشف كؤوس حمياها، وتناول نجومها إن وصلت إلى ثرياها.

ولما توفي قاضي القضاة جلال الدين القزويني بدمشق في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة طلبه السلطان الأعظم الملك الناصر محمد، وطلب الشيخ شمس الدين بن عدلان بحضور قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، وقال له: يا شيخ تقي الدين قد وليتك قضاء الشام، وألبسه تشريفا عظيما وخرج صحبة الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى. وكنت أنا في خدمته طول الطريق فالتقطت الفوائد، وجمعت الفرائد التي ظل في طلبها ألف رائد، وسهلت بسؤاله ما كان عندي من الغوامض الشدائد، ووددت أن النوى لم تلق لها عصا، وأن اليعملات في كل هاجرة تنفي يداها الحصا.

ودخل دمشق، فقل في روض حياه الغمام، ومادت غصونه بالطرب لما غنى عليها الحمام. أحيا الله به معالم علومها، وأطلع في آفاقها للهدى نيرات نجومها، وباشر قضاءها بصلف زاد، وسلوك ما حال عن جادة الحق، ولا حاد، منزه النفس عن الحطام منقادا إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلا على شأنه في العلم والعمل، منصرفا إلى تحصيل السعادة الأبدية فما له في غيرها أمل، ناهيك به من قاضي حكمه في هذه الإقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال علالة المسامر، ليس في بابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهات.

ومات الأمير سيف الدين تنكز وهو يعظمه، ويختار أكبر الجواهر للثناء عليه وينظمه:

ولم يزل على حاله إلى أن حصل له من المرض ما حصل، وتماثل من سقمه ونصل، ونزل عن منصبه لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، فتلقت الدولة ذلك منه بالترحاب، وقالوا سمعا لما قاله وكرامة، وأهلا بهذا النهر الذي غادرته تلك الغمامة.

ولما استقر الأمر لولده وثبت، ورأى غصنه الذي تفرغ عن أصله ونبت توجه إلى الديار المصرية شوقا لأرض أول ما مس جلده ترابها، وأول ما ضمه جناتها واتسع له جنابها، فقال النيل: مرحبا بغمام الشام، وقالت نجومها: أهلا بهذا القمر التام، فأقام بها ريثما بل صداه، ورد برؤية ربوعها رداه، ونقله الله إلى حضرة قدسه.

ومواطن رحمته وأنسه. فلبى المنادي، وخلا من نداه النادي، وقام الناعي فأسمع. وأوجد القلوب حزنها فأوجع.

وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبع مئة.

ومولده أول يوم من صفر سنة ثلاث وثمانين وست مئة.

وتفقه في صغره على والده رحمه الله تعالى، ثم على جماعة آخرهم فقيه العصر نجم الدين بن الرفعة، ورأيته رحمه الله يثني عليه ثناء كثيرا، ويعظمه تعظيما زائدا.

وقرأ الفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي.

وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الشيخ الإمام النظار علاء الدين الباجي، وكان يعظمه ويصفع بالدين.

وقرأ المنطق والخلاف على الشيخ سيف الدين البغدادي.

وقرأ النحو على الشيخ أثير الدين أبي حيان.

وقرأ التفسير على الشيخ علم الدين العراقي.

وقرأ القراءات على الشيخ تقي الدين بن الصائغ.

وتخرج في الحديث على الحافظ شرف الدين الدمياطي.

وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين.

ورحل في طلب الحديث إلى الإسكندرية والشام، ومن مشاهير أشياخه في الرواية ابن الصواف، وابن جماعة، والدمياطي، وابن القيم، وابن عبد المنعم، وزينب، وهؤلاء بالإسكندرية وبمصر. والذين بالشام: ابن الموازيني، وابن مشرف، والمطعم، وغيرهم.

والذين بالحجاز: رضي الدين إمام المقام وغيره.

وخرج له شهاب الدين الدمياطي معجما لشيوخه.

جلس بالكلاسة جوار الجامع الأموي بدمشق، وحدث به قراءة عليه الإمام أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح السبكي، وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير جمال الدين المزي، والحافظ أبو عبد الله الذهبي، وروى عنه شيخنا الذهبي في معجمه.

وتولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة، فقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه ونظم في ذلك:

وتولى بعد وفاة شيخنا المزي رحمه الله تعالى مشيخة دار الحديث الأشرفية. فالذي نقول: إنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ في الرجال من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح، ولا يورد زين الدين الفارقي فإنه أفقه منه رحم الله كلا.

وتولى تدريس الشامية البرانية بعد موت مدرسها قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب رحمه الله في أوائل سنة ست وأربعين وسبع مئة.

وكتبت له بذلك توقيعا هو مذكور في الجزء الخامس والعشرين من التذكرة التي لي.

ثم إنه ولي تدريس المسرورية بعد الشيخ تاج الدين المراكشي، وكتبت له توقيعا بذلك هو في الجز الثاني من التذكرة التي لي.

وكان قد طلب في نهار الجمعة بعد الصلاة سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة إلى الديار المصرية، جاء البريد بطلبه ليجعل قاضي القضاة بالديار المصرية، فتوجه. ثم إن القضية فترت، وأقام بها قليلا وعاد إلى دمشق على منصبه.

ومن مسموعاته الحديثية:

الكتب الستة، والسيرة النبوية، وسنن الدار قطني، ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء، ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند الدارمي، ومسند عبد، ومسند العدني، ومسند الشافعي رضي الله عنه، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقرئ، ومختصر مسلم، ومسند أبي والشفاء للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى بن يحيى، وموطأ القعنبي.

وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير.

ولقد كان عمره بالديار المصرية وجيها في الدولة الناصرية يعرفه السلطان الأعظم الملك الناصر ويوليه المناصب الكبار، مثل إدريس المنصورية وجامع الحاكم والكهارية. والأمير سيف الدين أرغون النائب يعظمه، والقاضي كريم الدين الكبير يقربه ويقضي أشغاله، والأمير سيف الدين قجليس، وأما الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار فكان لا يفارقه ويبيت عنده في القلعة غالب الليالي، ونائب الكرك والأمير بدر الدين جنكلي بن البابا والجاولي والخطيري وغيرهم جميعهم يعظمونه ويحترمونه ويشفع عندهم ويقضي الأشغال للناس.

وجاء إلى الشام قاضي القضاة من سنة تسع وثلاثين إلى بعض سنة ست وخمسين هذه المدة كلها، وجاء في أيامه الطاعون فلو شاء هو وولده أقضى القضاة جمال الدين حسين أخذا في إثبات الوصايا ودعاوى القرابات وما يرث الناس بأسبابه ثلاث مئة ألف دينار وأضعافها، وكان ينفرد هو رحمه الله تعلى بولايات الوظائف بنصف ذلك، ولم يقدر أحد يقول إنه وزن دينارا ولا درهما ولا أقل ولا أكثر. وأما لبسه الذي يكون عليه في غير دور العدل والمحافل فيما أظنه كان يساوي ثلاثين درهما.

وبعد هذا جميعه يموت فيوجد عليه دين مبلغ اثنين وثلاثين ألف درهم، ولو لم يكن له داران بمصر اشترى الواحدة، وورث الأخرى مع مجلداته التي قناها في عمره، أبيع الجميع فكمل ثلثي الدين، والتزم ولداه مد الله في عمرهما بوفاء البقية، هكذا هكذا وإلا فلا لا.

ينسب إلى الشافعي أنه قال: من ولي القضاء ولم يفتقر فهو لص، قدس الله روحه، ونور ضريحه، والذي استقر في ذهني منه أنه كان إذا أخذ أي مسألة كانت من أي باب كان، من أي علم كان عمل عليها مجلدا أو مصنفا لطيفا، أعني في علوم الإسلام من الفروع والأصلين والحديث والتفسير والنحو والمعاني والبيان. وأما العقليات فما كان في آخر وقته فيها مثله.

وأما فن الأدب فما احتاج مع أسماء كتبه وتصانيفه إلى بيان، هي تشهد له بأدبه وذوقه. وأما الهجاء وفن الكتابة فكان ما يلحق فيه. وأما صناعة الحساب فرأيت أئمتها يعترفون له فيها، ولم أره في مدة ولايته القضاء يستكثر على أحد شيئا والعلة في ذلك إعراضه عن الدنيا وإلقاؤها وراء ظهره، حتى لم تكن له ببال حتى إنني قلت فيه:

ولم نر أحدا من النواب الذين هم كانوا ملوك الشام ولا من غيرهم تعرض له فأفلح بعدها، إما يموت فجأة أو يغتال أو يعطل ويستمر في عطلته إلى أن يموت، جربنا هذا غير مرة مع غير واحد، وهذا شاع وذاع. ولقد جئت إليه يوما، وقلت له يا سيدي هذه قضية حديثا، بالله دع أمرها فإنك قد أبلغت فيها عذرا، وهذا ملك الأمراء وغيره في ناحية وهم بمعزل، وأخشى يحصل بسببها شر، فما كان جوابي إلا أن أنشد:

فعلمت أنه لا تأخذه في الحق لومة لائم.

ومن حين نافسه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ما قر له قرار ولا هناه عيش بدمشق، وجرى له ما جرى، وعزل منها، وتولى حلب، وقاسى بها شدائد، ثم إنه عزل ونقل إلى مصر، ثم إنه أمسك واعتقل بالإسكندرية، ثم حضر إلى القدس. ولم يزل يدخل في مرض ويخرج منه إلى أن توفي رحمه الله تعالى، ولما طلب إلى مصر خوفوه من أمره، فقال: يروح إليها ومما يفلح، ويموت والله ولده قاضي القضاة تاج الدين حيث قال في ترجمته لما ذكره في طبقات الفقهاء:

وصنف بالديار المصرية ودمشق ما يزيد على المئة والخمسين مصنفا فمن ذلك: الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، عمل منه مجلدين كبيرين ونصفا، وتكملة المجموع في شرح المهذب ولم يكمل، والابتهاج في شرح المنهاج في الفقه، بلغ فيه إلى آخر وقت والتحقيق في مسألة التعليق ردا على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق، وكان فضلاء الوقت قد عملوا ردودا ووقف عليها، فما أثنى على شيء منها غير هذا، وقال ما رد علي فقيه غير السبكي، وكتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام ردا عليه في إنكاره سفر الزيارة، وقرأته عليه بالقاهرة في سنة سبع وثلاثين وسبع مئة من أوله إلى آخره وكتبت عليه طبقة جاء مما فيها نظما:

والرفدة في معنى وحده وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه وكتبت عليها:

والتعظيم والمنة في "لتؤمنن به ولتنصرونه" وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه وكتبت عليها:

والحلم والأناة في إعراب "غير ناظرين إناه" وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:

والإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض كتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:

وورد العلل في فهم العلل، وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:

ونيل العلا في العطف بلا، وكتبتها بخطي وقرأتها عليه، وكتبت عليها:

ومن تصانيفه أيضا رافع الشقاق في مسألة الطلاق، والرياض الأنيقة في قسمة الحديقة، ومنية المباحث في حكم دين الوارث، ولمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق وإبراز الحكم من حديث: رفع القلم، وإحياء النفوس في حكمة وضع الدروس، وكشف القناع في إفادة لو الامتناع، وضوء المصابيح في صلاة التراويح، ومسألة كل وما عليها تدل، وكتب عليها الفاضل سراج الدين عبد اللطيف بن الكويك ثلاثة أبيات أوردتها في ترجمته، والرسالة العلانية والتحبير المذهب في تحرير المذهب، والقول الموعب في القول بالموجب، ومناسك أولى ومناسك أخرى، وبيع المرهون في غيبة المديون، وبيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط، ونور الربيع من كتاب الربيع، والرقم الإبريزي في شرح التبريزي، وعقود الجمان في عقود الرهن والضمان، وطليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر، والسيف المسلول على من سب الرسول، والسهم الصائب في بيع دين الغائب. وفصل المقال في هدايا العمال، والدلالة على عموم الرسالة. والتهدي إلى معنى التعدي، والنقول البديعة في أحكام الوديعة، وكشف الغمة في ميراث أهل الذمة، والطوالع المشرقة في الوقوف على طبقة بعد طبقة، وحسن الصنيعة في حكم الوديعة، وأجوبة أهل طرابلس، وتلخيص التلخيص وتاليه، والإبهاج في شرح المنهاج في الأصول، بدأ فيه قدر كراسين، وكمله ولده قاضي القضاة تاج الدين.

ورفع الحاجب في شرح ابن الحاجب في الأصول، والقراءة خلف الغمام، والرد على الشيخ زين الدين الكتاني، وكشف اللبس في المسائل الخمس ومنتخب طبقات الفقهاء، وقطف النوار في دراية الدور، والغيث المغدق في ميراث المعتق، وتسريح الناظر في انعزال الناظر والملتقط في النظر المشترط، وتنزيل السكينة على قناديل المدينة، ودفع من تغلبك في مسألة مدرسك بعلبك، وشي الحلى في تأكيد النفي بلا، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير، تقيدي التراجيح، الكلام على حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. الكلام مع ابن الدارس في المنطق، جواب سؤال علي بن عبد السلام، رسالة أهل مكة، أجوبة أهل صفد، فتوى: كل مولود يولد على الفطرة، مسألة فناء الأرواح، مسألة في التقليد، النوادر الهمذانية، الفرق في مطلق الماء والماء المطلق، المسائل الحلبية، أمثلة المشتق، القول الصحيح في تعيين الذبيح، القول المحمود في تنزيه داود، الجواب الحاضر في وقف عبد القادر، حديث نحر الإبل، قطف النور من مسائل الدور، مسألة ما أعظم الله، مسائل في تحرير الكتابة، مسألة هل يقال العشر الأواخر، مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر المروزي، الإقناع في قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}، جواب سؤال من القدس، منتخب تعليقة الأستاذ في الأصول، عقود الجمان في عقود الرهن والضمان، مختصر عقود الجمان، وقف بني عساكر، النصر الناهد في لا كلمت كل واحد، الكلام في الجمع في الحضر لعذر المطر، الصنيعة في ضمان الوديعة، النقول البديعة في ضمان الوديعة، بيان المحتمل في تعدية عمل، القول الجد في تبعية الجد، تفسير يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، المواهب الصمدية في المواريث الصفدية، كشف الدسائس في هدم الكنائس، حفظ الصيام عن فوت التمام، جواب سؤال ورد من بغداد، كتاب الخيل، جواب الأمير سيف الدين بيبغاروس ورد من حلب، كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا، جواب أهل مكة، جواب المكاتبة من حارة المغاربة، معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، سبب الانكشاف عن إقراء الكشاف، وقف على وقف أولاد الحافظ، النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني، موقف الرماة من وقف حماة، مركز الرماة، القول في التقوي في الوقف التقوي، القول المختطف في دلالة: إذا اعتكف، كشف اللبس عن المسائل الخمس، غير الإيمان لأبي بكر وعمر وعثمان، زكاة مال اليتيم، الكلام على لباس الفتوة، وهو فتوى الفتوة، بيع المرهون في غيبة المديون، الألفاظ التي وضعت بإزاء المعاني الذهنية أو الخارجية، أجوبة مسائل سأله عنها ولده قاضي القضاة تاج الدين في أصول الفقه، العارضة في البينة المتعارضة، مسألة تعارض البينتين، كتاب بر الوالدين، أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية، نصيحة القضاة الكلام على قوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}.

ولما وقف على رد الشيخ تقي الدين بن تيمية على ابن المطهر في الرفض قال: وأنشدنيها من لفظه، وهي:

وقال: ما أنشدنيه من لفظه لما رد على ابن تميمة في الطلاق، وقد أكثر من الاحتجاج بيمين ليلى:

#وكتب لابنه الأكبر محمد رحمه الله تعالى في سنة عشر وسبع مئة، وأنشدنيه من لفظه رحمه الله تعالى:

وكتب لولده قاضي القضاة تاج الدين وق رتب موقعا بالدست الشريف بالشام في سنة خمس وسبع مئة:

قلت: التزم رحمه الله فيها الراء والثالث تضمين، وهو بيت مشهور جاء في موضعه متمكنا، وتراه في هذا البيت من الرؤية، وفي الخامس من الرأي فلا يظن أنه إيطاء.

وأجابه رحمه الله تعالى ولده قاضي القضاة تاج الدين عن ذلك بقوله:

وقال رحمه الله تعالى في معنى قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك ... البيت، وأنشدني ذلك من لفظه:

#يحييه قربك إن مننت به ولو مقدار قيب

قلت: ليس لهذه القوافي خامس فيما أظن، وقد تلطف في القافية الثالثة حتى تركبت معه من كلمتين وامتزجت، وقيب لغة في قاب، وفي هذه الأبيات معنى من المعاني الأدبية، وهو مما يمتحن به الأدباء في قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك، البيت، لأن الأصمعي قال فيه ما هو باد لكل أحد، وهو أن عينيها سهمان ضربت بهما في قلبه المقتل الذي هو أعشار، أي مكسر، من قولك: برمة أعشار إذا كانت كذلك.

وأما ابن كيسان فقال ما هو أدق من هذا المعنى، فقال: ضربت بسهميك اللذين هما من سهام الميسر لتملكي أعشار القلب، وهي جميع ما يخص الميسر من القداح، فالمعلى له سبعة أسهم، والرقيب له ثلاثة أسهم، فيستغرق السهمان جميع الأعشار، وهذا وإن كان دقيقا وفيه غوص ففيه تعسف، وتأويل فيه بعد، وأما هذا الذي نظمه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فهو صريح في هذا المعنى.

وكنت قد طلبت منه ما أستعين به على ترجمته لما وضعتها في تاريخي الكبير الوافي بالوفيات فكتب لي مسموعاته وأشياخه ومصنفاته، ولم يكتب شيئا من نظمه، فكتبت إليه:

فكتب الجواب رحمه الله تعالى:

قبل الداعي طرسا قد سما نورا ونقسا، جمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم، ما بين خط

 إذا رمقته العيون قالت: هذا خط ابن مقلة، ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله، ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله، صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها، وامتطى غاربها وملك زمامها، وكملها من كل علم بأكمل نصيب، ضاربا فيه بالسهم المصيب، مشمرا فيه عن ساق الجد والاجتهاد، متوقدا ذكاء مع ارتياض وارتياد، إلى من هو عن ذلك كله بمعزل، ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئا مما نظم، ولعمري لقد استسمن ذا ورم، ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبه من المسائل، على تبلد خاطر وكلال قريحه، وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيح، فأنى لمثلي شعر ولا شعور، أو يكون له منظوم ومنثور، غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها إما محبة التشبه بأهل الأدب، وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب، وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها، وأقول دعها تبلغ من أمانيها، فنظمت ما يستحيا من ذكره، ويستحق أن يبالغ في ستره، ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب، أذكر لك منه حسبما أشرت نبذا، وأقطع لك منه فلذا. وذكر أبياتا أوردتها في ترجمته في تاريخي الكبير، ونقلت من خطه له وأنشدنيه من لفظه:

#ونقلت من أيضا له:

وكتب إلي وقد وقع ثلج بدمشق في أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وسبع مئة:

وبعده:

وبعده أيضا:

فكتبت أنا الجواب إليه رحمه الله تعالى يقبل الأرض ويقول:

#ثم إن أعقله بارحته، وصبر إلى اليوم حتى رأى نشاطه لما كن عليه وجانحته، وغالطه في نظم شيء في هذه المادة، وقال: ما ضرك أن تسير جوادك في هذه الجادة، فلا بد له من العرض بين يدي مولانا قاضي القضاة أدام الله تعالى أيامه، وإغضاؤه مضمون الدرك فيما كل السوانح غزلان رامة، فانفعل لذلك بعدما استحيا وخجل، وقال وهو ما بين الجذل والوجل:

فشكرت له هذا التخيل وعلمت أنه لطيف التحيل، وقلت: ما بك ما يعوق، فالحق ببضاعتك السوق، فإذا به قد نظم واستعمل القلم، وقال:

فقلت له: لا بد من الزيادة، فإن الخيرة عادة، فقال: أزيدك شيئا من الاستعارة فإنها لقمر التشبيه داره. وقال:

فقلت له: حسن، ولكن التشبيه الملوكي فات وهو من أعظم الآفات فقال:

فقلت: هذا كاف، فانظم في السرو بلا خلاف، فقال بعدما نضج ولم يبق فيه عرق يختلج:

فكتب هو رحمه الله تعالى الجواب إلي عن ذلك:

#وركبت أنا مغلطة من مغالط المنطق، ونظمته وكتبت به إليه وهو:

فكتب الجواب في ليلته وفرع عليه ثلاثة أجوبة، وهو:

وكتبت أنا إليه سؤالا من علم المناظر:

فكتب هو رحمه الله الجواب إلي مختصرا:

وكتب أيضا رحمه الله تعالى جوابا مطولا في ثلاثة وأربعين بيتا وقد أثبتها بكمالها في كتابي ألحان السواجع بين البادي والمراجع، وقال لي يوما: نظمت بيتا مفردا من ثماني عشرة سنة، وزدت الآن عليه بيتا في هذه السنة، وكانت سنة سبع وأربعين وسبع مئة، وهما:

فأعجباني، وقلت في مادتهما، إلا أن بيتيه رحمه الله تعالى أحسن وأصنع من قولي:

وحصل له في وقت ما شرى، فكتب إليه جمال الدين محمد بن نباتة المصري:

فلما حضرت عنده أراني إياها، فلا وقفت عليها علمت ما أراده من خطأ التورية مع الناظم فمضيت من عنده وعدت إليه وقد كتبت أنا إليه بعد ذلك:

فأعجبه ذلك وجبر على عادته معي، وفساد التورية مع الناظم الأول هو أن الشرى، بفتح الشين، مقصور؛ وهو المرض المعروف عند الأطباء بالماشرى، وهو الخراج الصغار التي تتولد من مادة دموية لذاعة، والشرى بكسر الشين، مصدر شرت شرى، ففسدت توريته.

ووصل الخبر مع البريد من مصر بوفاته قدس الله روحه في يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة ست وخمسين، فكتبت مرثية إلى ابنه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، وأنشدت في صبيحة العزاء بالعادلية، وهي:

وكتبت بعد ذلك إلى ولده الشيخ الإمام بهاء الدين أحمد بمصر أعزيه:

يقبل الأرض وينهي ما عنده من الألم الذي أنكى، والحادث الذي ما يحيك في خلد ذي جلد ولا يحكى، والمصاب الذي عقد المناحات له بالمناجاة، فوقف واستوقف له، و بكى واستبكى:

فإنا لله وإنا إليه راجعون، قول من فقد إمامه، وفجع بمن كان يهديه إلى رشده ويريه طرق السلامة، وأعدمته الأيام حبرا لم يلتفت معه إلى الدراري إذا سمع كلامه، وغيضت منه بحرا كان يقذف به من دره فذه وتوامه، وأخذت منه فريد عصره فما يدري ما يبكيه منه، أعلمه أم بركته أم لطفه أم جوده الذي فضح الغمامة، وابتزت منه شيخ الإسلام الذي ما يخلفه الوجود إلى يوم القيامة.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، كلمة تقولها الملوك لهذه المصيبة العظمى والرزية التي ما يجد الناس لها رحمى، ذهب والله من كان جمال الوجود، وإمام الأئمة وكعبة الجود، ومن كان بقاؤه بين ظهراني الناس رحمه، ومن بينه في العلوم وبين علو النجوم زحمه، ومن كان إذا كتب اهتزت من الطرب له الأقلام، وخضعت لأوامره السيوف، وسكنت خافقات الأعلام، وتملت بعلومه وتصانيفه الشريعة، فلما مات قال الناس أحسن الله عزاء الإسلام:

ويقسم المملوك أن مولانا وأخاه أدام الله أيامهما ما انفردا بهذه الرزية، ولا ابتليا دون الناس بهذه البلية، يا مولانا هذا ركن الإسلام قد انهدم، وهذا بحر الإيمان قد ارتدم فمصابه قد عم وما خص، وتحيف جناح الصبر وما حص، فالله يعين على ما أبلى ويمسك رمق القلوب فإنها عريت من جبة الصبر وما تطيق من الأحزان نبلا، وما بقي غير الأخذ بالسنة في الصبر، والتمسك بآثار السلف الصالح ممن أودع أحبابه القبر:

#أنت يا فوق أن تعزى عن الأحباب فوق الذي يعزيك عقلا

ويقسم المملوك ثانيا أن فيكما خلفا باقيا، وكلاكما، كلاكما الله، نير أصبح في درجات من درج السعد راقيا، وما السلوة إلا بهذا، وإلا كانت قلوب الأولياء قد أمست جذاذا، فالله تعالى يمتع مصر والشام منكما بمطالع النيرين، ويديم للإسلام منكما من يحيي له سيرة العمرين، وقد جاء من مولانا قاضي القضاة تاج الدين ما نور الظلم، وبور أرباب السيف والقلم.

وقال الناس ليمن أيامه: "ومن يشابه أباه فما ظلم". فمولانا يمده بالخاطر ولا ينسه من دعائه، فإنه في الأرض مثل الغمام الماطر، أنهي ذلك، والله الموفق بمنه وكرمه؛ إن شاء الله تعالى.

  • دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 416

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي تقي الدين أبو الحسن الشافعي ولد بسبك العبيد أول يوم من صفر سنة 683 وتفقه على والده ودخل القاهرة واشتغل على ابن الرفعة وأخذ الأصلين عن الباجي والخلاف عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتفسير عن العلم العراقي والقراآت عن التقي الصائغ والحديث عن الدمياطي والتصوف عن ابن عطاء الله والفرائض عن الشيخ عبد الله الغماري وطلب الحديث بنفسه ورحل فيه إلى الشام والاسكندرية والحجاز فأخذ عن ابن الموازيني وابن مشرف وعن يحيى بن الصواف وابن القيم والرضى الطبري وآخرين يجمعهم معجمه الذى خرجه له أبو الحسين بن ايبك وولي بالقاهرة تدريس المنصورية وجامع الحاكم والهكارية وغيرها وكان كريم الدين الكبير والجاي الدوادار وجنكلي بن البابا والجاولي وغيرهم من أكابر الدولة الناصرية يعظمونه ويقضون بشفاعته الأشغال ولما توفي القاضي جلال الدين القزويني بدمشق طلبه الناصر في جماعة ليختار منهم من يقرره مكانه فوقع الاختيار على الشيخ تقي الدين فوليها على ما قرأت بخطه في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة 739 وتوجه إليها مع نائبها تنكز فباشر القضاء بهمة وصرامة وعفة وديانة وأضيفت إليه الخطابة بالجامع الأموي فباشرها مدة في سنة 742 ثم أعيدت لابن الجلال القزويني وولي التدريس بدار الحديث الأشرفية بعد وفاة المزي وتدريس الشامية البرانية بعد موت ابن النقيب في أوائل سنة 46 وكان طلب في جمادى الأولى إلى القاهرة بالبريد ليقرر في قضائها فتوجه إليها وأقام قليلا ولم يتم الأمر وأعيد على وظائفه بدمشق ووقع الطاعون العام في سنة 749 - فما حفظ عنه في التركات ولا في الوظائف ما يعاب عليه وكان متقشفا في أموره متقللا في الملابس حتى كانت ثيابه في غير الموكب تقوم بدون الثلاثين درهما وكان لا يستكثر على أحد شيئا حتى إنه لما مات وجدوا عليه اثنين وثلاثين ألف درهم دينا فالتزم ولداه تاج الدين وبهاء الدين بوفائها وكان لا يقع له مسألة مستغربة أو مشكلة إلا ويعمل فيها تصنيفا يجمع فيه شتاتها طال أو قصر وذلك يبين في تصانيفه وقد جمع ولده فتاويه ورتبها في أربع مجلدات قال الصفدي لم ير أحدا من نواب الشام ولا من غيرهم تعرض له فافلح بل يقع له إما عزل وإما موت جربنا هذا وشاع وذاع حتى قلت له يوما في قضية يا سيدي دع أمر هذه القرية فإنك قد اتلفت فيها عددا وملك الأمراء وغيره في ناحية وأنت وحدك في ناحية وأخشى أن يترتب على ذلك شر كثير فما كان جوابه إلا أنشد قوله

قلت رأيت بخطه عدة مقاطيع ينظمها في ذلك كأنه يتوسل بها إلى الله فإذا انقضت حاجته طمس اسم الذي كان دعا عليه فمما رأيت من ذلك وقرأته من تحت الطمس قوله
وكتب إنه نظمها في ربيع الآخر سنة 705 وقراجا كان دويدار بعض نواب الشام إذ ذاك وقرأت بخطه
وبخطه سافر طيبغا بالمطالعة في العشر الأخير من رمضان سنة 52 - فوجدت لطف الله فيما قلت وقد تقدم في ترجمة ارغون أنه لم تطل مدته في نيابة دمشق وحكم بالقاهرة عن الناصر أحمد بن الناصر محمد في شيء واحد وذلك أن الفخري لما سار بالعساكر التي أطاعته بسبب الناصر أحمد ليلقى الناصر أحمد من الكرك وجد الناصر سبقهم إلى القاهرة فحثوا السير واجتمعوا بالسلطان وكان من جملة ما اتفق قضية حسام الدين الغوري فرفع بعض الناس فيها قضايا منكرة ففوض السلطان الحكم فيه للقاضي تقي الدين السبكي فحكم بعزله فنفذ القاضي عز الدين ابن جماعة حكمه وسفر الغوري من يومه على البريد إلى بلاده وذلك في شوال سنة 742 وقد استوعب ولده عدة تصانيفه في ترجمته التى أفردها وأفرد مسائله التي انفرد بتصحيحها أو باختيارها في كتابه التوشيح قرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي كتب إلى أبو الفتح يعني قرابته ورقة بسبب شخص أن أكتب إلى شخص في حاجة له وذلك قبل ولايتى الشام بسنة فأجبته وقفت على ما أشرت إليه والذي تقوله صحيح وهو الذي يتعين على العاقل ولكني ما أجد طباعي تنقاد إلى هذا بل تأبى منه أشد الإباء والله خلق الخلق على طبائع مختلفة وتكلف ما ليس في الطبع صعب إلى أن قال وأنا من عمري كله لم أجد ما يخرجني عن هذه الطريقة فإني نشأت غير مكلف بشيء من جهة والدي وكنت في الريف قريبا من عشرين سنة وكان الوالد يتكلف لي ولا أتكلف له ولا أعرف من الناس فيه غير الاشتغال ثم ولي والدي نيابة الحكم بغير سؤال فصرت أتكلم الكلام بسببه وأما في حق نفسي فلا أكاد أقدم على سؤال أحد إلا نادرا بطريق التعريض اللطيف فإن حصل المقصود وإلا رجعت على الفور وفى نفسى مالا يعلمه إلا الله وأما في حق غيري من الأجانب فكانوا يلجؤن إلى فأتكلف فأقضى من حوائجهم ما يقدره الله ولم أزل يكون معي عشرة أوراق أو أكثر ولا أتحدث فيها مع المطلوبة منه إلا معرفا وشغلت بذلك عن مصلحتي ومصلحة أولادي لأن اجتماعي بهم كان قليلا يروح في حوائج الناس ولا ينقضى بها حاجة حتى يزيد تفور نفسي عن الحديث فيها وكان آخر ذلك أن طلبت حاجة تقي الدين الاقفهسي فأجابني المطلوب منه بجواب لا يرضاه فحلفت لا أسأله حاجة بعدها فمات بعد نحو نصف سنة حصلت لي الراحة بترك السؤال ولكن استمر الوالد في نيابة المحلة فعرض من الجلال وولده ما يقتضي أن خاطري يغريه فحصل لي ضجر فقدر الله وفاة الوالد وماتت الوالدة بعده بأربعين يوما فعزفت نفسي عن الدنيا وأنا الآن ابن اثنتين وخمسين سنة وقد تعبت نفسى في حوائج الناس مدة فأريد أن أريح نفسي فيما بقي وأيضا فلي نحو عشر سنين لا أتحرك في الدنيا فأحمدها فأخاف إذا تحدثت لغيري أن لا ينجح فأندم ويتعجب قلبي فالعزلة أصلح إلى أن قال وليعلم أن الإنسان إنما يفعل ذلك إما لطبع فطري أو مكتسب وهما مفقودان عندي أو لحامل عليه من إيجاب شرعي وليس من صورة المسألة أو غرض دنيوي وأرجو أن لا يكون عندي أو اكتساب أجر بأن يكون مندوبا ومثل هذا الظاهر إن تركه هو المندوب ثم لو سلم فالنفس لا تنقاد إليه في أكثر الأحوال كما يترك الإنسان المندوب لطبع أو ضعف باعث والمندوبات قل من يصل إلى المحافظة على جميعها وذلك بحسب قوة الباعث وضعفه والسلام انتهى ملخصا وقرأت بخط الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي على جزء من تفسير الشيخ تقي الدين ما نصه يقول
وكان ينظم كثيرا وشعره وسط فمنه ما وصى به ولده محمدا قال
ومنها قوله أيضا
ومنها قوله ايضا
ومنها قوله أيضا
ومنها قوله أيضا
يقول في آخرها
وعدتها نحو العشرين هذا مختارها وله أيضا
له أيضا في الألغاز
حكى الصفدي أنه نظم في سنة تسع وثلاثين فكأنه عند ما ولي القضاء بيتا واحدا وهو قوله
قال وتركته إلى أن أضفت إليه آخر في سنة 747 وهو
ثم رأيته بخطه أنه نظم الأول في سنة 19 والثاني في جمادى الأولى سنة 47 وقال إن لكل منهما إشارة وقرأت بخطه من نظمه
وقد كان نزل عن منصب القضاء لولده تاج الدين بعد أن مرض ثم تمائل فلما استقر تاج الدين وباشر توجه الشيخ تقي الدين إلى القاهرة وأقام بها قليلا في دار على شط النيل وهو موعوك إلى أن مات في ثالث جمادى الآخرة سنة 756 - فكانت إقامته بالقاهرة نحو العشرين يوما وكان وصول التقليد لتاج الدين ثالث عشر شهر رجب ربيع الأول ولب س الخلعة في النصف منه وباشر ثم عوفي أبوه وركب وحضر معه بعض الدروس وحكم بحضرته وسربه وتوجه إلى القاهرة في سادس عشري شهر ربيع الآخر من السنة ولما دخلها أشاع بعض الناس إن ولده بهاء الدين سعى له في قضاء الديار المصرية ثم لما مات سعى ولده أن يدفن عند الإمام الشافعي داخل القبة فامتنع شيخو من إجابة سؤاله فدفنه بسعيد السعداء قال الاسنوي في الطبقات كان انظر من رأيناه من أهل العلم ومن أجمعهم للعلوم وأحسنهم كلاما في الأشياء الدقيقة وأجلهم على ذلك وكان في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان آحاد الطلبة مواظبا على وظائف العبادات مراعيا لأرباب الفنون محافظا على ترتيب الأيتام في وظائف آبائهم وقال شيخنا العراقي طلب الحديث في سنة 703 ثم انتصب للإقراء وتفقه به جماعة من الأئمة وانتشر صيته وتواليفه ولم يخلف بعده مثله ومن ماجرياته أنه بحث مع ابن الكناني فنقل عن الشيخ أبي إسحاق شيئا في الأصول فلما رجع بعث إليه قاصدا يقول له المسألة التى ذكرتها ما هي في اللمع فكتب إليه
لو وقفت على شرح اللمع ما أنكرت النقل فانظر فيه فإنه كتاب مفيد فلما وقف ابن الكناني على الجواب تألم تألما كثيرا وكان أسن من السبكي بكثير لكن تقدم السبكي واشتهر واستمر هو على حالة واحدة ولذا كان ابن عدلان وابن الأنصاري يمتعضان من السبكي لكونهما أسن منه وتقدم عليهما

  • مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 2- ص: 0

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار ابن سليم السبكي

الشيخ الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي

اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار

شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن

شيخ المسلمين في زمانه والداعي إلى الله في سره وإعلانه والمناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه

أستاذ الأستاذين وأحد المجتهدين وخصم المناظرين

جامع أشتات العلوم والمبرز في المنقول منها والمفهوم والمشمر في رضا الحق وقد أضاءت النجوم

شافعي الزمان وحجة الإسلام المنصوب من طرق الجنان والمرجع إذا دجت مشكلة وغابت عن العيان

عباب لا تكدره الدلاء وسحاب تتقاصر عنه الأنواء وباب للعلم في عصره وكيف لا وهو علي الذي تمت به النعماء

وكان من الورع والدين وسلوك سبيل الأقدمين على سنن ويقين إن الله مع المتقين

صادع بالحق لا يخاف لومة لائم صادق في النية لا يختشي بطشة ظالم صابر وإن ازدحمت الضراغم

منوط به أمر المشكلات في دياجيها محطوط عن قدره السماء ودراريها مبسوط قلمه ولسانه في الأمة وفتاويها

شيخ الوقف حالا وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما وعلم الأعلام فعلا واسما

لا يرى الدنيا إلا هباء منثورا ولا يدري كيف يجلب الدرهم فرحا والدينار

سرورا ولا ينفك يتلو القرآن قائما وقاعدا راكبا وماشيا ولو كان مريضا معذورا

وكان دعواته تخترق السبع الطباق وتفترق بركاتها فتملأ الأفاق وتسترق خبر السماء وكيف لا وقد رفعت على يد ولي الله تفتح له أبوابها ذوات الإغلاق

وكانت يداه بالكرم مبسوطتين لا يقاس إلا بحاتم ولا ينشد إلا

#على قدر أهل العزم تأتي العزائم

ولا يعرف إلا العطاء الجزل

#وتأتي على قدر الكرام المكارم

يواظب على القرآن سرا وجهرا لا يقرن ختام ختمة إلا بالشروع في أخرى ولا يفتتح بعد الفاتحة إلا سورة تترى

مع تقشف لا يتردع معه غير ثوب العفاف ولا يتطلع إلى ما فوق مقدار الكفاف ولا يتنوع إلا في أصناف هذه الأوصاف

يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقياما لله لا يفارقه أحيانا وبكاء يفيض من خشية الله ألوانا

أقسم بالله أنه لفوق ما وصفته وإني لناطق بها وغالب ظني أني ما أنصفته وإن الغبي سيظن في أمرا ما تصورته

وما زال في علم يرفعه وتصنيف يضعه وشتات تحقيق يجمعه إلى أن سار إلى دار القرار وما ساد أحد ناواه ولا كان ذا استبصار ولا ساء من والاه بل عمه

بالفضل المدرار ولا ساغ بسوى طريقه الاهتداء والاعتبار ولا ساح بغير ناديه نيل يخجل وابل الأمطار ولا ساخ قدم فتى قام بنصرته وقال أنصر بقية الأنصار ولا سال إلا ويداه مبسوطتان وابل كرم في هذه الديار ولا سامة أحد بسوء إلا وكانت عليه دائرة الفلك الدوار ولا ساقه الله حين قبضه إلا إلى جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار

ولد في ثالث صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة

وتفقه في صغره على والده وكان من الاشتغال على جانب عظيم بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره وحكى لي أنه لم يأكل لحم الغنم إلا بعد العشرين من عمره لحدة ذهنه وأنه كان إذا شم رائحته حصل له شرى وإنما كان يخرج من البيت صلاة الصبح فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر فيجد أهل البيت قد عملوا له فروجا فيأكله ويعود إلى الاشتغال إلى المغرب فيأكل شيئا حلوا لطيفا ثم يشتغل بالليل وهكذا لا يعرف غير ذلك حتى ذكر لي أن والده قال لأمه هذا الشاب ما يطلب قط درهما ولا شيئا فلعله يرى شيئا يريد أن يأكله فضعي في منديل درهما أو درهمين فوضعت نصف درهم

قالت الجدة فاستمر نحو جمعتين وهو يعود والمنديل معه والنصف فيه إلى أن رمى به إلي وقال أيش أعمل بهذا خذوه عني

وكان الله تعالى قد أقام والده ووالدته للقيام بأمره فلا يدري شيئا من حال نفسه

ثم زوجه والده بابنة عمه وعمره خمس عشرة سنة وألزمها أن لا تحدثه في شيء من أمر نفسها وكذلك ألزمها والدها وهو عمه الشيخ صدر الدين فاستمرت معه ووالده ووالدها يقومان بأمرهما وهو لا يراها إلا وقت النوم وصحبته مدة ثم إن والدها بلغه أنها طالبته بشيء من أمر الدنيا فطلبه وحلف عليه بالطلاق ليطلقها فطلقها فانظر إلى اعتناء والده وعمه بأمره وكان ذلك خوفا منهما أن يشتغل باله بشيء غير العلم

ثم إنه دخل القاهرة مع والده وعرض محافيظ حفظها التنبيه وغيره على ابن بنت الأعز وغيره وقيل إن والده دخل به إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد عرض عليه التنبيه وإن الشيخ تقي الدين قال لوالده رد به إلى البر إلى أن يصير فاضلا عد به إلى القاهرة فرد به إلى البر

قال الوالد رحمه الله فلم أعد إلا بعد وفاة الشيخ تقي الدين ففاتتني مجالسته في العلم

وسمعت الوالد يقول أنا ما أتحقق الشيخ تقي الدين ولكني أذكر أني دخلت دار الحديث الكاملية بالقاهرة ورأيت شيخا هيئته كهيئة الشيخ تقي الدين الموصوفة

لنا لعله هو وسمعت الحافظ تقي الدين أبا الفتح ابن العم رحمه الله يقول هو الشيخ تقي الدين ولكن الشيخ الإمام لورعه لا يجزم مع أدنى احتمال

ثم لما دخل القاهرة بعد أن صار فاضلا تفقه على شافعي الزمان الفقيه نجم الدين ابن الرفعة وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الإمام النظار علاء الدين الباجي والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي والتفسير على الشيخ علم الدين العراقي والقراءات على الشيخ تقي الدين ابن الصائغ والفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي

وأخذ الحديث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي ولازمه كثيرا ثم لازم بعده وهو كبير إمام الفن الحافظ سعد الدين الحارثي

وأخذ النحو عن الشيخ ابن حيان وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله

وسمع بالإسكندرية من أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواب وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ويحيى بن محمد بن عبد السلام

وبالقاهرة من علي بن نصر بن الصواف وعلي بن عيسى بن القيم وعلي بن محمد بن هارون الثعلبي والحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي وشهاب بن علي

المحسني والحسن بن عبد الكريم سبط زيادة وموسى بن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد العظيم بن السقطي ومحمد بن المكرم الأنصاري ومحمد بن محمد بن عيسى الصوفي ومحمد بن نصير بن أمين الدولة ويوسف بن أحمد المشهدي وعمر بن عبد العزيز بن الحسين بن رشيق وشهدة بنت عمر بن العديم

وبدمشق من ابن الموازيني وابن مشرف وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وأحمد بن موسى الدشتي وعيسى المطعم وإسحاق بن أبي بكر بن النحاس وسليمان بن حمزة القاضي وخلق

وأجاز له من بغداد الرشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبال وغيرهما

وجمع معجمه الجم الغفير والعدد الكثير وكتب بخطه وقرأ الكثير بنفسه وحصل الأجزاء الأصول والفروع وسمع الكتب والمسانيد وخرج وانتقى على كثير من شيوخه وحدث بالقاهرة ودمشق

سمع منه الحفاظ أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي وغيرهم

ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء تقي الدين أبو الحسن السبكي ثم المصري الشافعي ولد القاضي الكبير زين الدين

مولده سنة ثلاث وثماني وستمائة

سمع من الدمياطي وطبقته وبالثغر من شيخنا يحيى الصواب لحقه بآخر رمق وبدمشق من ابن الموازيني وابن مشرف وبالحرمين

وكان صادقا متثبتا خيرا دينا متواضعا حسن السمت من أوعية العلم يدري الفقه ويقرره وعلم الحديث ويحرره والأصول ويقرئها والعربية ويحققها ثم قرأ بالروايات على تقي الدين ابن الصائغ وصنف التصانيف المتقنة وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل

سمعت منه وسمع مني وحكم بالشام وحمدت أحكامه فالله يؤيده ويسدده سمعنا معجمه بالكلاسة انتهى

وذكره أيضا في معجم شيوخ وفي تذكرة الحفاظ وغيرهما من كتبه

ذكره الفاضل الأديب أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار فقال بعد ذكر نسبه حجة المذاهب مفتي الفرق قدوة الحفاظ آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن صاحب التصانيف التقي البر العلي القدر

سمي علي كرم الله وجهه الذي هو باب العلم ولا غرو أن كان هذا المدخل إلى ذلك الباب والمستخرج من دقيق ذلك الفضل هذا اللباب والمستمير من تلك المدينة التي ذلك الباب بابها والواقف عليها من سميه فذاك بابها وهذا بوابها

وبحر لا يعرف له عبر وصدر لا يداخله كبر وأفق لا تقيسه كف

الثريا بشبر وأصيل قدره أجل مما يموه به لجين النهار ذائب التبر

إمام ناضح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنضاله وجاهد بجداله ولم يلطخ بالدماء حد نصاله

حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره فلم يخط على بعد الديار سهمه الراشق ولم يخف مسام تلك الدسائس فهمه الناشق

ثم لم يزل حتى نقي الصدور من شبه دنسها ووقي من الوقوع في ظلم حندسها

قام حين خلط على ابن تيمية الأمر وسول له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر حين سد باب الوسيلة يغفر الله له ولا حرمها وأنكر شد الرحال لمجرد الزيارة لا واخذه الله وقطع رحمها

وما برح يدلج ويسير حتى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينتهك نصرا مؤزرا وكشف من خبء الضمائر في الصدور عنه صدرا موغرا فأمسك ما تماسك من باقي العرى وحصل أجرا في الدنيا وفي الآخرة يرى حتى سهل السبيل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام وقد كادت تزور عنه قسرا صدور الركائب وتجر قهرا أعنة القلوب وهن لوائب بتلك الشبهة التي كادت شرارتها تعلق بحداد

الأوهام وتمد غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام وهيهات كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه صلى الله عليه وسلم أو يخفيه الإبهام أو تذاد المطي عنه وهي تتراشق إليه كالسهام ولولاه صلى الله عليه وسلم لما عرف تفضيل ذلك المسجد ولا يم إلى ذلك المحل تأميل المغير ولا المنجد ولولاه لما قدس الوادي ولا أسس على التقوى مسجد في ذلك النادي وكذلك قبلها شكر الله له قام في لزوم ما انعقد عليه الإجماع وبعد الظهور بمخالفته على الأطماع

ومنع في مسألة الطلاق أن تجري في الكفارة مجرى اليمين وأن تجلى في صورة إن حققت لا تبين خوفا على محفوظ الأنساب ومحظوظ الأحساب لما كانت تؤدي إليه هذه العظيمة وتستولي عليه هذه المصيبة العميمة

وصنف في الرد على هاتين المسألتين كتابيه بل جرد سيفه وأرهف ذبابيه ورد القرن وهو ألذ خصيم وشد عليه وهو يشد على غير هزيم وقابله وهو الشمس التي تعشي الأبصار وقاتله وكم جهد ما يثبت البطل لعلي وفي يده ذو الفقار

وما زالا حتى تقصدت الصفاح وتقصفت الرماح وتحيفت الكلم الأدلة وجف القلم حتى لم يبق في فيه بلة وانجلت غياهب ذلك العثير تبرق فيه صفحات الحق السوي والحظ السعيد النبوي والنصر المحمدي إلا أنه بالفتوح العلوي بجهاد أيد صاحب الشريعة وآزره ورد على من سد باب الذريعة وخذل ناصره وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه

جواد جرى على أعراقه وجاء على إثر سباقه

من عصابة الأنصار حيث يعرف في الحسب التليد ويدخر شرف النسب للمواليد وتصغر عظائم الأخيار وتصعر هامة كل جبار وتنشر ذؤابة يعرب على كتف شرفها وتركز عصابة المجد المؤثل لسلفها

#والله أوس آخرون وخزرج

لا بل هو ممن تشيدت به حصونهم الحصينة وحميت به أن يدخل الدجال أنقاب المدينة واستله الفخار من بقايا تلك الأسرة في أكرم ظهورها وأعظم شموسها

المجللة للآفاق بظهورها وأعلى آياتها في مراقي الشريعة الشريفة درجا وأسرى في أرجاء طيبة الطيبة أرجا وأحوى لعلومها أشتاتا ولعلوها في أسانيد العوالي إثباتا ولحنوها على من نزل بها فيما هو أدفأ وأكن أبياتا وأسكن في صدور محافلها من الأسرار وأطلع في أفق جحافلها من الأقمار

بزغ من مطلع الصحابة رضي الله عنهم ونزع به عرقه إلى التابعين لهم بإحسان وهو مثلهم إن لم يكن منهم

ثم خرج من بيت الوزارة حتى تتقاصر النجوم وتتناصر ثم تتناصف الخصوم وتخفض أعناق الغيوم ويجري رحضاء البرق كأنه محموم وتخضر أندية الأفق وسهيل قد نبذ بالعراء كأنه ملوم ويسري هودج النجم وكأنه برسن الجوزاء مزموم ويباري صدر صدره الليل فيربد حنقا ولو ألقي في تياره لما استطاع أن يقوم ويتطاير زبد شبهه ويتنفس سحره كأنه مظلوم ويظهر على آخر فجره ثم يخفى كأنه غيظ مكظوم ويضاهي مرآه مرآة الضوي النهار وأنى له ووجه صباحه كأنه من حمرة الشفق ملطوم ولو بذل ألفا مثل دينار شمسه لما بلغ ما يروم

وبرز في طلب العلم حتى أسكت لسان كل متكلم وأمات ذكر كل متقدم

وأحيا إمامة الشافعي بنشر مذهبه ونصر ذي النسب القرشي في علياء رتبه

وقام بالاحتجاج لإمام بني المطلب في الائتمام بشريعة سيد بني عبد المطلب وإقامة الحجة في سبب تقديمه وحسب ما أحرز في حديثه مضافا إلى قديمه يحتج لقوليه ويحتل كنف مذهبه الممتنع من طريقيه حتى أصبحت تسفر له وجوهه سافرة النقب ضاهرة المحاسن من وراء الحجب

لا ترد الهيم إلا حياضة ولا يعد النسيم إلا رياضة حتى تفرد والزمان بعدد أهله مشحون والعصر بمحاسن بنيه مفتون وساد أهل مصر قاطبة واستوطنها وضرتها الشام له خاطبة وكان بها لدين يقيمه ويقين يديمه وتقى هو وصفه وعلا أراد مطاولتها الطود وما هو نصفه

وقطع بها مدة مقامه في علم ينشره وحق ينصره وضال يهديه وطالب يجديه وسنة يؤيدها وبدعة في دكادك الخذلان يلحدها وزيغ يقوم منآده وزيف يعجل انتقاده وطريقة سلف ما عادها وحقيقة خلف ما أنكرتها عداها

وفتاو يعتمد عليها فقهاء الآفاق ويستند إليها علماء مصر والشام والعراق

وتصانيف هي جادة السبيل ومادة الدليل تصد الأضاليل وترد الأباطيل وترد على العلماء فغاية المجيد أن يستحضر ما حوته من نقول أو يمتد إلى أن يعد نفسه معه فلا يزيد على أن يكتب تحت خطه كذلك نقول

ثم ولي قضاء الشام فأزال عطله وأزاح خطله وأصلح فاسده ونفق كاسده وتوقل ذروة منصبه حتى لا يمتطى السنام ولا يستصلح الأنام ولا يوجد المؤهل واحد في مصر ولا شامه في الشام فحكم بسيرة العمرين في الإنصاف وحكى صورة القمرين في الأوصاف

وانتهت إليه مشيخة دار الحديث بالاستحقاق فوليها وعرضت له أخواتها فما رضيها

وتدارك العلم ولم يبق منه إلا آخر الرمق وصان المذهب وما له وجه إلا ظاهر الرهق

وانتاش الطلبة من مراقد الخمول ومقاعد الونى عن أوائل الحمول حتى نقضت كواكبهم عن مقلها الكرى ورفضت سحائبهم إلا مواصلة السرى إلا أن كثر العلم وطالبه وعز ذو الفضل وصاحبه بكرم لله دره ما أغزره وجود ما أقل لديه حد البحر وما أنزره

لو عاصره حاتم وهو في الكرم لما ذكر أو كعب بن مامة وقد سمح حتى بحص جناحه لما شكر بندى يغص به البحر شرقا ويتفصد جبين السحاب عرقا ويتهيبه البرق فترتعد فرائصه فرقا ويختشي صوائبه الرعد فيتعوذ ولا ينفعه الرقى

هذا كله وهو بعض ما في كرم سجاياه وأقل مما في كثير مزاياه

هذا إلى جبين كالهلال ووقار عليه سميا الجلال وأدب أعذب في المقبل من الماء الزلال وأطيب في المقيل من برد الظلال بنوادر أحر من الجمر وألعب بالعقول أستغفر الله من الخمر

حدا على طريقة سلفه المعرب ما قصرت عن مداه الأوائل واستجدت من نداه النائل وطرف علمه منه بمقدار ما أعانه على التفسير الذي أسكت عارضه كل قائل وغير هذا من انتزاع الميل وأقامة الدلائل

ثم سرح إلى حيث يسرح الطرف ويدئب الطرف ويلم بنادي المتيمين

وينزل بوادي سلف أهل الصبابة المغرمين ويخالط تلك العصابة في كيسها ويذكر حديث ليلى وقيسها لطائف لو أنها لأهل ذلك الزمان السالف لما قالوا الأسمار إلا في طرائف ظرائفها ولا قالوا في سمرات الحي إلا في ظل وارفها ولا زادوا في ربيع بن أبي ربيعة إلا بعض زخارفها ولا عدوا جميلا إلا ما نشر من فضل مطارفها ولا رجعوا عنها إلى مذهب جرير في أوبه ولا خيموا عزل الأناشيد بتوبه كل ذلك بطرف أدب غض الجنى لي منه إلا إطراب السامع وتنويع ما لا إثم فيه إذا قيل في فضله الجامع هو الله الجامع الذي لا يضاهي بيوت عبادته المساجد ولا يساهر مقل قناديلها طرفه الهاجد ولا تضم ضلوع محاريها مثل صدره ولا تشتمل أحناء عقودها على مثل سره بسيرة زينها العفاف فما تدنست صحف أيامها وأقنعها الكفاف فما رأت ما زاد عليه إلا من آثامها

وقد عادت دمشق به معمورة الأندية مأثورة الأنحية باهرة العلماء ظاهرة بزينة نجوم السماء ماضية على منهج القدماء قاضية على سواها بأن العلم فيها بالحقيقة وفي غيرها بالأسماء

وهذا هو اليوم والله يبقيه خير من أظلته خضراؤها وصغرت لدى قدره الجليل كبراؤها قد ملك قلوب أهلها المتباينة وساق بعصاه سوائم شردها المتعاصية واستوسق به أمر الشام لعلي وكان لا يطيع إلا معاوية

انتهى

وذكر بعد ذلك شيئا من حاله وقال في آخره وانتهت إليه رياسة العلم في القراءات والحديث والأصلين والفقه

هذا كلام ابن فضل الله ولا يخفى ما كان بينه وبين الوالد من الشحناء

وذكره الشيخ الإمام الأديب صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن أيبك الصفدي في كتاب أعيان العصر فقال بعد ذكر نسبه الإمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع العلامة شيخ الإسلام حبر الأمة مفتي الفرق المقرئ المحدث الرحلة المفسر الفقيه الأصولي البليغ الأديب المنطيقي الجدلي النظار جامع الفنون علامة الزمان قاضي القضاة أوحد المجتهدين تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري

أما التفسير فيا إمساك ابن عطية ووقوع الرازي معه في رزية

وأما القراءات فيا بعد الداني وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني

وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر وعي الخطيب لما أن يذاكر

وأما الأصول فيا كلال حد السيف وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف

وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب

وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه وابتهار الأبهري وغطاء كشفه بمينه

وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي وعمى العميدي فإن إرشاده خفي

وأما النحو فالفارسي ترجل إليه يطلب إعظامه والزجاجي تكسر جمعه ما فاز بالسلامة

وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحة قيمة والأزهري أظلمت لياليه البهيمة

وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى وواضع اليتيمة تركها وذهب إلى أهله يتمطى

وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره

هذا إلى إتقان فنون يطول سردها ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها واطلاع على معارف أخر وفوائد متى تكلم فيها قلت بحر زخر

إذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة وإذا خبط الناس عشواء سار هو في بياض المحجة

وأما الأخلاق فقل أن رأيتها في غيره مجموعة أو وجد في أكياس الناس دينار على سكتها المطبوعة

فم بسام ووجه بين الجمال والجلال قسام وخلق كأنه نفس السحر على الزهر نسام

وكف تخجل الغيوث من ساجمها وتشهد البرامكة أن نفس حاتم في نقش خاتمها

وحلم لا يستقيم معه الأحنف ولا يرى المأمون معه إلا خائنا عند من روى أو صنف ولا يوجد له فيه نظير ولا في غرائب أبي مخنف ولا يحمل عليه حمل فإنه جاء فيه بالكيل المكنف

لم أره انتقم لنفسه مع القدرة ولا شمت بعدو هزم بعد النصرة بل يعفو ويصفح عمن أجرم ويتألم لمن أوقد الدهر نار حربه وأضرم

ورعاية ود لصاحبه الذي قدم عهده وتذكر لمحاسنه التي كاد يمحوها بعده

وطهارة لسان لم يسمع منه في غيبة بنت شفة ولا تسف طيور الملائكة منه على سفه

وزهد في الدنيا وأقلامه تتصرف في الأموال ويفضها على ممر الأيام والجمع والأشهر والأحوال واطراح للملبس والمأكل وعزوف عن كل لذة وإعراض عن أعراض هذه الدنيا التي خلق الله النفوس إليها مغذة

هذا ما رآه عياني وختم عليه جناني

وأما ما وصف لي من قيام الدجا والوقوف في مقام الخوف والرجا فأمر أجزم بصدقه وأشهد بحقه فإن هذا الظاهر لا يكون له باطن غير هذا ولا يرى غيره حتى المعاد معاذا

ثم اندفع القاضي صلاح الدين في ذكر شيء من أحواله وكراماته وأخباره فإنه كان يحبه وله به خصوصية

رحل الوالد رحمه الله إلى الشام في طلب الحديث في سنة ست وسبعمائة وناظر بها وأقر له علماؤها وعاد إلى القاهرة في سنة سبع مستوطنا مقبلا على التصنيف والفتيا وشغل الطلبة وتخرج به فضلاء العصر

ثم حج في سنة ست عشرة وزار قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم عاد وألقى عصا السفر واستقر والفتاوى ترد عليه من أقطار الأرض وترد إليه بعضا على بعض

وانتهت إليه رياسة المذهب بمصر فما طافت على نظيره وإن سقاها النيل ورواها ولا اشتملت على مثله أباطحها ورباها ولا فخرت إلا به حتى لقد لعبت بأعطاف البان مهاب صباها

وفي هذه المدة رد على الشيخ أبي العباس ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة وألف غالب مؤلفاته المشهورة كالتفسير وتكملة شرح المهذب وشرح المنهاج للنووي وغير ذلك من مبسوط ومختصر

وطار اسمه فملأ الأقطار وحلق على الدنيا ولم يكتف بمصر من الأمصار شهرة بعدت أطرافا وعمدت إلى الربع العامر من جانبيه تحاول عليه إشرافا

وتمادى الأمر إلى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة في تاسع عشر جمادى الآخرة منها وكان قد تهيأ لملازمة بيته وذلك أنه كان من عادته من حين يهل شهر رجب لا يخرج من بيته حتى ينسلخ شهر رمضان إلا لصلاة الجمعة فطلبه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله وذكر له أن قضاء الشام قد شغر بوفاة جلال الدين القزويني وأراده على ولايته فأبى فما زال السلطان إلى أن ألزمه بذلك بعد ممانعة طويلة في مجلس متماد يطول شرحه فقبل الولاية يالها غلطة أف لها وورطة ليته صمم ولا فعلها

فقدم دمشق وسار على ما يليق به من قدم ما نرى القاضي بكارا زاد عليه إلا بتبكيره ومجيئه في أول الزمان وهذا جاء في أخيره مصمما في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم صادعا بالشرع لا يهاب بطش الظالم غير ملتفت إلى شفيع ولا مكترث بذي قدر رفيع

وربما خاطبته الملوك وهو لا يسمع لهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا

وجلس للتحديث بالكلاسة فقرأ عليه الحافظ تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف السبكي جميع معجمه الذي خرجه له الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي رحمه الله وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي والحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي

وقد تولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة لطيفة وأنشدني شيخنا الذهبي لنفسه إذ ذاك

وولي بعد وفاة الحافظ المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية فالذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه ولا أحفظ من المزي ولا أورع من النووي وابن الصلاح

وقال لي شيخنا الذهبي حين ولي الخطابة إنه ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه

ثم ولي تدريس الشامية البرانية عند شغورها بموت الشيخ شمس الدين ابن النقيب فما حل مفرقها واقتعد نمرقها أعلم منه كلمة لا استثناء فيها كذا يكون من يتولى المناصب وبمثل هذا تناط المراتب

ذكر شيء من الرواية عنه

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ مناولة مقرونة بالإجازة الخاصة قال أخبرنا علي بن عبد الكافي الحافظ بكفر بطنا بقراءتي أخبرنا يحيى بن أحمد أخبرنا محمد ابن عماد أخبرنا ابن رفاعة أخبرنا الخلعي أخبرنا عبد الرحمن بن عمر أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حافيا وناعلا وقائما وقاعدا وينفتل عن يمينه وعن شماله

قال لنا شيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ رضي الله عنه هذا حديث غريب صالح الإسناد واسم أبي الأوبر زياد الحارثي كوفي سماه يحيى بن معين

أخبرنا أبي تغمده الله برحمته أخبرنا أقسيان بن محفوظ بقراءتي أخبرنا قايماز بن عبد الله أخبرنا السلفي أخبرنا الخانساري بجرباذقان أخبرنا أبو طاهر عبد الرحيم أخبرنا ابن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا حدثنا محرز حدثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي يريد أن يأخذ مالي قال (أنت ومالك لأبيك

قال لنا شيخ الإسلام الوالد رضي الله عنه رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس عن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر وهو إسناد جيد

والمنكدر بن محمد الذي وقع في روايتنا هذه غلبت عليه العبادة فقطعته عن الحفظ

ومحرز الراوي عنه هو ابن سلمة روى عنه ابن ماجة وذكره ابن حيان في الثقات

وهذا الحديث متأول عند أكثر العلماء ويدل له أمران أحدهما قوله أنت ومن المعلوم أن الحر لا يملك

والثاني قوله ومالك ومن المعلوم أن المال لا يكون في الوقت الواحد لمالكين

فالمقصود أن الولد يعد بنفسه وماله لأبيه حتى لا يستأثر عنه بشيء

انتهى كلام الوالد رحمه الله

أخبرنا شيخ الإسلام الوالد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا أبو العباس الدشتي بقراءة الذهبي الحافظ عليه وأنا أسمع أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ ح

وأخبرتنا زينب بنت الكمال في كتابها عن يوسف بن خليل أخبرنا خليل بن أبي الرجاء ومسعود الخياط قالا أخبرنا أبو علي المقرئ أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا الحارث حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبقيع فنادى رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم قال لم أعنك يا رسول الله إنما دعوت فلانا قال (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي

قال لنا الشيخ الإمام الوالد تغمد الله برحمته هذا حديث صحيح متفق عليه رواه البخاري من حديث زهير بن معاوية الكوفي عن حميد ورواه مسلم من حديث مروان بن معاوية الفزاري عن حميد

وقد اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم والمختار عندي امتناعه مطلقا لمن اسمه محمد ولغيره في زمانه صلى الله عليه وسلم وبعده لإطلاق النهي وليس للتخصيص أو التقييد دليل قوي وقد تكنى جماعة من العلماء به كأنهم رأوا تقييد

النهي وذلك عذر لهم منم الرافعي وأقرانه وعندي تحرج إذا ذكرتهم أن أذكر هذه الكنية وإن كان ذكري ليس تكنية حتى يدخل في النهي لأن التسمية وضع اللفظ للمعنى والتسمي قبول المسمى ذلك وهما الواردان في النهي وأما الإطلاق فأمر ثالث لكنه يظهر امتناعه أيضا إما لأنه في معنى التسمي لأنه رضى بذلك وإما لأن ذلك كالتقرير على المنكر اللهم إلا أن يكون ذلك الشخص لا يعرف إلا به فيكون عذرا مانعا من الإلحاق مع عدم دخوله في النهي فليتنبه لذلك

انتهى كلام الوالد رحمه الله إملاء

وما ذكره من البحث دقيق حق وبه اعتذر في شرح المنهاج عن الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله حيث كنى في خطبة المنهاج الرافعي بأبي القاسم مع اختياره المنع

أخبرنا الشيخ الوالد رضي الله عنه قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا الشيخان أبو الحجاج يوسف بن بدران بن بدر الحجوي المقدسي وأم محمد زينب بنت أحمد ابن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسية سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو الفضل جعفر ابن علي بن هبة الله الهمداني قراءة عليه ونحن نسمع قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي في جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة قال أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ببغداد سنة أربع وتسعين وأربعمائة

قال أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز قال أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن الحسن بن محمد بن نصر السقطي المعروف بابن أبي رؤبة حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي الواسطي قال حدثنا عبيد الله ابن موسى أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له عند الكعبة أن يدعو الله لنا قلنا ألا تستنصر لنا قال فجلس مغضبا محمرا وجهه فقال (كان الرجل من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب وليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون

// أخرجه البخاري // عن مسدد وابن المثنى كلاهما عن يحيى عن إسماعيل

وعن الحميدي عن سفيان عن بيان وإسماعيل

وأبو داود عن عمرو بن عون عن هشيم وخالد بن عبد الله كلاهما عن يحيى ببعضه كلاهما عن إسماعيل

والنسائي عن عبدة بن عبد الرحيم عن سفيان به وعن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى كلاهما عن يحيى ببعضه كلاهما عن قيس بن أبي حازم به

أخبرنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام بقراءتي عليه قال أخبرنا إسحاق بن أبي بكر النحاس قال أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ قال أخبرنا يحيى بن أسعد الأزجي قال أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد وأبو نصر أحمد بن عبد الله وأبو غالب بن البناء أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو بكر بن حمدان القطيعي حدثنا بشر بن موسى الأسدي حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن أبي حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ليس في العوامل والحوامل صدقة

محمد بن سيرين لم يذكر له ترجمة في الأطراف عن علي

وأبو عبد الرحمن المقرئ الراوي عن أبي حنيفة هو عبد الله بن يزيد العدوي مولى آل عمر بن الخطاب أصله من ناحية البصرة سكن مكة

ولا معنى للتطويل بذكر الكثير من حديث شيخ الإسلام الشيخ الإمام وقد اشتمل كتابنا هذا على الكثير منه فنكتفي منه في ترجمته بذكر ما أوردناه

أنشدنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام لنفسه وقد وقف على كتاب صنفه ابن تيمية في الرد على ابن المطهر الرافضي

وأنشدنا أيضا لنفسه قصيدته التي يخاطب بها أخي الأكبر أبا بكر محمدا تغمد الله برحمته وهي طويلة منها

وأنشدنا لنفسه

وأنشدنا من لفظه لنفسه

وأيضا

وأيضا وقد أوردها عنه ابن فضل الله في تاريخه

وأيضا وهو مما أورده ابن فضل الله عنه في التاريخ

وكان قد قالهما وقد وجد إكثار ابن تيمية من ذكر ليلى وتمنيها وأراد بعهد ليلى ظاهرا ما هو له وباطنا يمينها واليمين العهد

وأيضا

نقلت من خط أخي شيخنا شيخ الإسلام أبي حامد أحمد سلمه الله تعالى أن الوالد أنشد هذه الأبيات حين أخذت منه مشيخة جامع طولون في سنة تسع عشرة وأن والدته الجدة ناصرية أسفت عليه وكان ذلك بعد ولادة الأخ أبي حامد قال فكان الوالد يقول ها يا أم وما أدراك أن هذا الميعاد يعود ويكون رزق هذا المولود فعاد إليه في سنة سبع وعشرين واستمر بيده إلى سنة تسع وثلاثين لما ولي قضاء الشام واستمر باسم الأخ أبي حامد وهو الآن بيده جعله الله كلمة باقية في عقبه

قلت وقد ضمن صاحبنا الحافظ الكبير صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي البيت الأول من هذه القصيدة في أبيات له وهي

وأنشدنا الشيخ الإمام الوالد رحمه لله لنفسه جوابا عن سؤال ورد عليه في السماع أيما أحل هو أو الغيبة

أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه قصيدته التي نظمها في الشطرنج عند اقتراح الشيخ أبي حيان ذلك على أهل العصر على زنة خاصة

ومن نبأ ذلك أن أبا حيان اقترح أن ينظم الشعراء على عروض قول ابن حزمون وقافية قوله

وشرط أبو حيان على من عارضه أن يتغزل ثم يذكر الغرض ثانيا ثم يمدحه ثالثا

فمطلع قصيدة الشيخ الإمام

وهي طويلة عدتها مائة واثنا عشر بيتا لم يتكرر عليه فيها قافية منها

لا حرام ولا مكروه بل يتخير بين طرفيه

أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه جوابا لبعض الصوفية من أبيات في الذكر

هذا ما أحفظ من هذا الجواب وكانت القصيدة طويلة أجاب بها بعض العارفين عند ورود سؤال منه عليه ولم أقف على السؤال ولا عرفت السائل

وقد كانت الأسئلة تأتيه من شرق الأرض وغربها فما كان منها متعلقا بعلوم الظاهر نقف عليه ونبحث عنه وما كان منها متعلقا بعلم الباطن قل أن يوقفنا عليه أو يعرفنا سائله وكان يكتم أحوال من يعرفه من الأولياء

وأنا أجوز أن يكون هذا السائل شيخه الشيخ أبا العباس بن عطاء الله فإني أرى في هذا النظم من تعظيمه للسائل ووصفه إياه بأنه عارف وقته بديار مصر ما ينبئ عن ذلك

أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه أرجوزته المسماة بلمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق وهي

وأنشدنا لنفسه وقد وقف على كتاب المناقضات للأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبي حامد أحمد أمتع الله ببقائه

وهذه منقبة للأخ سلمه الله فأي مرتبة أعلى من تشبيه والده وهو من هو علما ودينا وتحرزا في المقال له بالغزالي وأبي حامد الإسفرايني

ولقد كان الوالد رضي الله عنه يجل الأخ ويعظمه سمعته غير مرة يقول أحمد والد وهذا يشبه قول الأستاذ أبي سهل الصعلوكي في ولده الأستاذ أبي الطيب

سهل بن أبي سهل الصعلوكي سهل والد

وكذلك سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول في مرض موته والأخ غائب في الحجاز غيبة أحمد أشد علي مما أنا فيه من المرض وقد قال أبو سهل هذه الكلمة في مرض موته وولده أبو الطيب غائب

وبلغه أن دروس الأخ خير من دروسه فقال

وأنشدنا لنفسه وكتب بهما على الجزء الذي خرجته في الكلام على حديث المتبايعين بالخيار

وكتب بخطه على ترجمته التي أنشأتها في كتاب الطبقات الوسطى وقد كانت الطبقات الوسطى تعجبه ويضعها غالبا بين يديه ينظر فيها رأيته كتب بخطه على ترجمته وهو عندي الآن ما نصه

والله إني في نفسي أحقر من أن أنسب إلى غلمان واحد من المذكورين ومن

أنا في الغابرين أسأل الله خاتمة حسنة بمنه وكرمه وبمحمد صلى الله عليه وسلم كتبه علي السبكي في يوم السبت مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بظاهر دمشق هذا صورة خطه على حاشية كتاب الطبقات الوسطى لي

وأنشدوني عنه وقد جلست للشغل في العلم عقيب وفاة الشيخ الإمام فخر الدين المصري إلى جانب الرخامة التي بالجامع الأموي التي يقال إن أول من جلس إلى جانبها شيخ الإسلام فخر الدين ابن عساكر ثم تلميذه شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام ثم تلميذه الشيخ تاج الدين ابن الفركاح الفزاري ثم تلميذه ولده الشيخ برهان الدين ثم تلميذه الشيخ فخر الدين المصري ثم أنا وكتبتها من خط الوالد رحمه الله تعالى

وكتب إلي الشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته وقد وليت توقيع الدست

بالشام المحروس بين يدي ملك الأمراء الأمير علاء الدين أمير علي ين علي المارديني نائب الشام

فكتبت إليه الجواب رضي الله عنه

وكتب إلي وقد جمع لي بين نيابته في الحكم وتوقيع الدست وكانت قد وردت عليه فتيا في لعب الشطرنج أجبنا أيها الإمام أحلال هو أم حرام ونحن قد عرفنا مذهب الشافعي ولكنا نريد أن نعرف رأيك واجتهادك فألقاها إلي وقال اكتب عليها مبسوطا مستدلا ثم اعرضها

فكتبت كتابة مطولة جامعة للدلائل ونصرت مذهب الشافعي فكتب إلى جانبها

رضي الله عنه ما كان أكثر مراقبته لربه سبحانه وتعالى كان ربه بين عينيه في كل آونة

ذكر شيء من ثناء الأئمة عليه رضي الله عنه وعنهم ونفعنا به وبهم في الدنيا والآخرة

وقليل مما شاهدنا من أحواله الزاهرة وأخلاقه الطاهرة وكراماته الباهرة

قد قدمنا كلام الشيخ الحافظ الذهبي فيه وقال فيه في مكان آخر كتبه في سنة عشرين وسبعمائة انتهى إليه الحفظ ومعرفة الأثر بالديار المصرية وله كلام كثير في تعظيمه وقد قدمنا في ترجمته قوله فيه من أبيات

وصح من طرق شتى عن الشيخ تقي الدين بن تيمية أنه كان لا يعظم أحدا من أهل العصر كتعظيمه له وأنه كان كثير الثناء على تصنيفه في الرد عليه

وفي كتاب ابن تيمية الذي ألفه في الرد على الشيخ الإمام في رده عليه في مسألة الطلاق لقد برز هذا على أقرانه

وهذا الرد الذي لابن تيمية على الوالد لم يقف عليه ولكن سمع به وأنا وقفت منه على مجلد

وأما الحافظ أبو الحجاج المزي فلم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا له وللشيخ تقي الدين ابن تيمية وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر

وقد قدمنا قول ابن فضل الله إنه مثل التابعين إن لم يكن منهم

وكان الشيخ تقي الدين أبو الفتح السبكي رحمه الله يقول إذا رأيته فكأنما رأيت تابعيا

وصح أن شيخه الإمام علاء الدين الباجي رحمه الله أقبل عليه بعض الأمراء وكان الشيخ الإمام إلى جانبه الأيمن وعن جانبه الأيسر بعض أصحابه فقعد الأمير بين الباجي والشيخ الإمام ثم قال الأمير للباجي عن الذي عن يساره هذا إمام فاضل فقال له الباجي أتدري من هذا هو إمام الأئمة قال من قال الذي جلست فوقه تقي الدين السبكي ولعل هذا كان في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

وأما شيخه ابن الرفعة فكان يعامله معاملة الأقران ويبالغ في تعظيمه ويعرض عليه ما يصنفه في المطلب

وكذلك شيخه الحافظ أبو محمد الدمياطي لم يكن عنده أحد في منزلته

ولو أخذت أعد مقالة أشياخه فيه لطال الفصل

وبلغني أن ابن الرفعة حضر مرة إلى مجلس الحافظ أبي محمد الدمياطي فوجد الشيخ الإمام

الوالد بين يديه فقال محدث أيضا وكان ابن الرفعة لعظمة الوالد في الفقه عنده يظن أنه لا يعرف سواه فقال الدمياطي لابن الرفعة كيف تقول قال قلت للسبكي محدث أيضا فقال إمام المحدثين فقال ابن الرفعة وإمام الفقهاء أيضا فبلغت شيخه الباجي فقال وإمام الأصوليين

وبالجملة أجمع من يعرفه على أن كل ذي فن إذا حضره يتصور فيه شيئين أحدهما أنه لم ير مثله في فنه والثاني أنه لا فن له إلا ذلك الفن

وسمعت صاحبنا شمس الدين محمد بن عبد الخالق المقدسي المقرئ يقول كنت أقرأ عليه القراءات وكنت لكثرة استحضاره فيها أتوهم أنه لا يدري سواها وأقول كيف يسع عمر الإنسان أكثر من هذا الاستحضار

وسمعت الشيخ سيف الدين أبا بكر الحريري مدرس المدرسة الظاهرية البرانية يقول لم أر في النحو مثله وهو عندي أنحى من أبي حيان

وسمعت عن سيف الدين البغدادي شيخه في المنطق أنه قال لم أر في العجم ولا في العرب من يعرف المعقولات مثله

وسمعت جماعة من أرباب علم الهيئة يقولون لم نر مثله فيها وكذلك سمعت جماعة من أرباب علم الحساب

وعلى الجملة لا يماري في أنه كان إمام الدنيا في كل علم على الإطلاق إلا جاهل به أو معاند

ولقد سمعت الحافظ العلامة صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي يقول الناس يقولون ما جاء بعد الغزالي مثله وعندي أنهم يظلمونه بهذا وما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري

قلت أما أنا فأقول والله على لسان كل قائل كان ذهنه أصح الأذهان وأسرعها نفاذا وأوثقها فهما وكان آية في استحضار التفسير ومتون الأحاديث وعزوها ومعرفة العلل وأسماء الرجال وتراجمهم ووفياتهم ومعرفة العالي والنازل والصحيح والسقيم عجيب الاستحضار للمغازي والسير والأنساب والجرح والتعديل آية في

استحضار مذاهب الصحابة والتابعين وفرق العلماء بحيث كان تبهت الحنفية والمالكية والحنابلة إذا حضروه لكثرة ما ينقله عن كتبهم التي بين أيديهم آية في استحضار مذهب الشافعي وشوارد فروعه بحيث يظن سامعه أنه البحر الذي لا تغيب عنه شاردة إذا ذكر فرع وقال لا يحضرني النقل فيه فيعز على أبناء الزمان وجدانه بعد الفحص والتنقيب وإذا سئل عن حديث فشذ عنه عسر على الحفاظ معرفته

وكان يقال إنه يستحضر الكتب الستة غير ما يستحضره من غيرها من المسانيد والمعاجم والأجزاء

وأنا أقول يبعد كل البعد أن يقول في حديث لا أعرف من رواه ثم يوجد في شيء من الكتب الستة أو المسانيد المشهورة

وأما استحضار نصوص الشافعي وأقواله فكان يكاد يحفظ الأم ومختصر المزني وأمثالهما

وأما استحضاره في علم الكلام والملل والنحل وعقائد الفرق من بني آدم فكان عجبا عجابا

وأما استحضاره لأبيات العرب وأمثالها ولغتها فأمر غريب لقد كانوا يقرؤون عليه الكشاف فإذا مر بهم بيت من الشعر سرد القصيدة غالبها أو عامتها من حفظه وعزاها إلى قائلها وربما أخذ في ذكر نظائرها بحيث يتعجب من يحضر

وأما استحضاره لكتاب سيبويه وكتاب المقرب لابن عصفور فكان عجيبا ولعله درس عليهما

وأما حفظه لشوارد اللغة فأمر مشهور وكنت أنا أقرأ عليه في كتاب التلخيص للقاضي جلال الدين في المعاني والبيان أنا وآخر معي ولم يكن فيما أظن وقف على التلخيص قبل ذلك وإنما أقرأه لأجلي وكنا نحكم المطالعة قبل القراءة عليه فيجيء فيستحضر من مفتاح السكاكي وغيره من كلام أهل المعاني والبيان ما لم نطلع عليه نحن مع مبالغتنا في النظر قبل المجيء ثم يوشح ذلك بتحقيقاته التي تطرب العقول

وكنت أقرأ عليه المحصول للإمام فخر الدين والأربعين في الكلام له والمحصل فكنت أرى أنه يحفظ الثلاث عن ظهر قلب

وأما المهذب والوسيط فكان في الغالب ينقل عبارتهما بالفاء والواو كأنه درس عليهما

وأما شرح الرافعي الذي هو كتابنا ونحن ندأب فيه ليلا ونهارا فلو قلت كيف كان يستحضره لاتهمني من يسمعني

هذا وكأنه ينظر تعليقة الشيخ أبي حامد والقاضي الحسين والقاضي أبي الطيب والشامل والتتمة والنهاية وكتب المحاملي وغيرهم من قدماء الأصحاب ويتكلم لكثرة ما يستحضره منها بالعبارة

حكى لي الحافظ تقي الدين ابن رافع قال سبقنا مرة إلى البستان فجئنا بعده ووجدناه نائما فما أردنا التشويش عليه فقام من نومه ودخل الخلاء على عادته وكان يريد أن يكون دائما على وضوء فلما دخل ظهر لنا كراس تحت رأسه فأخذناه فإذا هو من شرح المنهاج وقد كتب عن ظهر قلب نحو عشرة أوراق قال فنظرها رفيق كان معي وقال ما أعجب لكتابته لها من حفظه ولا مما نقله من كلام الرافعي

والروضة وإنما أعجب من نقله عن سليم في المجرد وابن الصباغ في الشامل ما نقل ولم يكن عنده غير المنهاج ودواة وورق أبيض وكنا قد وجدنا فيها نقولا عنهما

قلت أنا من نظر شرح المنهاج بخطه عرف أنه كان يكتب من حفظه ألا تراه يعمل المسطرة والورق على قطع الكبير أحد عشر سطرا وما ذلك إلا لأنه يكتب من رأس القلم ويريد أن ينظر ما يلحقه فلذلك يعمل المسطرة متسعة ويترك بياضا كثيرا

قلت وكنت أراه يكتب متن المنهاج ثم يفكر ثم يكتب وربما كتب المتن ثم نظر الكتب ثم وضعها من يده وانصرف إلى مكان آخر وجلس ففكر ساعة ثم كتب

وكثير من مصنفاته اللطاف كتبها في دروج ورق المراسلات يأخذ الأوصال ويثنيها طولا ويجعل منها كراسا ويكتب فيه لأنه ربما لم يكن عنده ورق كراريس فيكتب فيها من رأس القلم وما ذلك إلا في مكان ليس عنده فيه لا كتب ولا ورق النسخ

وأما البحث والتحقيق وحسن المناظرة فقد كان أستاذ زمانه وفارس ميدانه ولا يختلف اثنان في أنه البحر الذي لا يساجل في ذلك كل ذلك وهو في عشر الثمانين وذهنه في غاية الاتقاد واستحضاره في غاية الازدياد

ولما شغرت مشيخة دار الحديث الأشرفية بوفاة الحافظ المزي عين هو الذهبي لها فوقع السعي فيها للشيخ شمس الدين ابن النقيب وتكلم في حق الذهبي بأنه ليس بأشعري وأن المزي ما وليها إذ وليها إلا بعد أن كتب خطه وأشهد على نفسه بأنه أشعري العقيدة واتسع الخرق في هذا فجمع ملك الأمراء الأمير علاء الدين

ألطنبغا نائب الشام إذ ذاك العلماء فلما استشار الشيخ الإمام أشار بالذهبي فقام الصائح بين الشافعية والحنفية والمالكية وتقفوا فيه أجمعون وكان من الحاضرين الشيخ نجم الدين القحفازي شيخ الحنفية فقال له الشيخ الإمام أيش تقول فقال

#وإليكم دار الحديث تساق

أبدل هذا بدار

فاستحسن الجماعة هذا منه ودار إلى ملك الأمراء وقال أعلم الناس اليوم بهذا العلم قاضي القضاة والذهبي وقاضي القضاة أشعري قطعا وقطع الشك باليقين أولى

فوليها الشيخ الإمام ولم يكن مختارا ذلك بل كان يكرهه وقام من وقته إلى دار الحديث وبين يديه الذهبي وخلق فروى بسنده من طرق شتى منه إلى أبي مسهر حديث يا عبادي وتكلم على رجاله ومخرجه بحيث لم يسع المجلس الكلام على

أكثر من رجال الحديث ومخرجه إلى أن بهت الحاضرون لعلمهم أن الشيخ الإمام من سنين كثيرة لا ينظر الأجزاء ولا أسماء الرجال ولقد قال الذهبي

#وما علمتني غير ما القلب عالمه

والله كنت أعلم أنه فوق ذلك ولكن ما خطر لي أنه مع الترك والاشتغال بالقضاء يحضر من غير تهيئة ويسند هذا الإسناد

انتهى

وبالجملة كان مع صحة الذهن واتقاده عظيم الحافظة لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ولا يحفظ شيئا فينساه وإن طال بعده عن تذكره جمعت له الحافظة البالغة والفهم الغريب فما كان إلا ندرة في الناس ووحق الحق لو لم أشاهد وحكي لي أن واحدا من العلماء احتوى على مثل هذه العلوم وبلغ أقصى غاياتها نقلا وتحقيقا مع صحة الذهن وجودة المناظرة وقوة المغالبة وحسن التصنيف وطول الباع في الاستحضار واستواء العلوم بأسرها في نظهر أحسبه وهما

وأقول كيف تفي القوى البشرية بذلك ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

كان بالآخرة قد أعرض عن كثرة البحث والمناظرة وأقبل على التلاوة والتأله والمراقبة

وكان ينهانا عن نوم النصف الثاني من الليل ويقول لي يا بني تعود السهر ولو أنك تلعب والويل كل الويل لمن يراه نائما وقد انتصف الليل

واجتمعنا ليلة أنا والحافظ تقي الدين أبو الفتح والأخ المرحوم جمال الدين الحسين والشيخ فخر الدين الأقفهسي وغيرهم فقال لي بعض الحاضرين نشتهي أن نسمع مناظرته وليس فينا من يدل عليه غيرك فقلت له الجماعة يريدون سماع مناظرتك على طريق الجدل فقال بسم الله وفهمت أنه إنما وافق على ذلك لمحبته في وفي تعليمي

فقال أبصروا مسألة فيها أقوال بقدر عددكم وينصر كل منكم مقالة يختارها من تلك الأقوال ويجلس يبحث معي

فقلت أنا مسألة الحرام

فقال بسم الله انصرفوا فليطالع كل منكم ويحرر ما ينصره

فقمنا وأعمل كل واحد جهده ثم عدنا وقد كاد الليل ينتصف وهو جالس يتلو هو وشيخنا المسند أحمد بن علي الجزري الحنبلي رحمه الله فقال عبد الوهاب هات حسين هات هكذا يخصني أنا وأخي بالنداء

فابتدأ واحد من الجماعة فقال له إن شئت كن مستدلا وأنا مانع وإن شئت بالعكس

فحاصل القضية أن كلا منا صار يستدل على مقالته وهو يمنعه ويبين فساد كلامه إلى أن ينقطع ويأخذ في الكلام مع الآخر حتى انقطع الجميع

فقال له بعضنا فأين الحق

فقال أنا أختار المذهب الفلاني الذي كنت يا فلان تنصره ونصره إلى أن قلنا هو الحق ثم قال بل أختار المذهب الذي كنت يا فلان تنصره

وهكذا أخذ ينصر الجميع إلى أن قال له بعضنا فأين الباطل

فقال الآن حصحص الحق المختار مذهب الشافعي وطريق الرد على المذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا وقرر ذلك كله إلى أن قضينا العجب وكل منا يعرف أن أقل ما يكون للشيخ الإمام عن النظر في مسألة الحرام سنين كثيرة

وحضر عندنا مرة الشيخ جمال الدين المزي الحافظ رحمه الله إلى البستان وكان هناك جماعة من المشايخ ي جزء الأنصاري أحضرهم الوالد لإسماع الأطفال فقال لي الشيخ شرف الدين عبد الله بن الواني المحدث رحمه الله كنا نود لو سمعنا بقراءة الشيخ الإمام فقلت له فأخذ الجزء وقرأه على الجماعة قراءة قضى كل منا العجب من حسنها وسرعتها وبيانها

وأما باب العبادة والمراقبة فوالله ما رأت عيناي مثله كان دائم التلاوة والذكر وقيام الليل جميع نومه بالنهار وأكثر ليله التلاوة وكانت تلاوته أكثر من صلاته ويتهجد بالليل ويقرأ جهرا في النوافل ولا تراه في النهار جالسا إلا وهو يتلو ولو كان راكبا ولا يتلو إلا جهرا وكان يتلو في الحمام وفي المسلخ

وأما باب الغيبة فوالله لم أسمع اغتاب أحدا قط لا من الأعداء ولا من غيرهم ومن عجيب أمره أنه كان إذا مات شخص من أعدائه يظهر عليه من التألم والتأسف شيء كثير ولما مات الشيخ فخر الدين المصري رثاه بأبيات شعر وتأسف عليه وكذلك لما مات القاضي شهاب الدين ابن فضل الله الذي سقنا كلامه فيه فيما مضى ولا يخفى ما كان بينهما ومن الغريب أنه قرأ طائفة من القرآن ثم أهداها له فقلت له لم هذا أنت لم تظلمه قط وهو كان يظلمك فما هذا فقال لعلي كرهته بقلبي في وقت لحظ دنيوي فانظر إلى هذه المراقبة

ومما يدلك على مراقبته قوله في كتاب الحلبيات وقد ذكر أن القاضي لا تسمع عليه البينة فإن قوله أصدق منها وأن في كلام الرافعي ما يقتضي سماعها وتابعه ابن الرفعة وأنه ليس بصحيح ما صورته وتوقفت في كتابة هذا وخشيت أن يداخلني شيء لكوني قاضيا حتى رأيت في ورقة بخطي من نحور أربعين سنة كلاما في هذه المسألة وفي آخرها وما ينبغي أن تسمع على القاضي بينة ولا أن يطلب بيمين

انتهى

فانظر خوفه مداخلات الأنفس بحيث لو لم يجد هذه الورقة السابقة على توليته القضاء بسنين عديدة لتوقف في كتابة ما اختاره خشية وفرقا على دينه جزاه الله عن دينه خيرا

وأما الدنيا فلم تكن عنده بشيء ولا يستكثرها في أحد يهب الجزيل ولا يرى أنه فعل شيئا ويعجبني قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر العصر فيه من قصيدة امتدحه بها

وأما الصوم فكان يعسر عليه ولم أره يصوم غير رمضان وست من شوال قلت له لم تواظب على صوم ست من شوال فقال لأنها تأتي وقد أدمنت على الصوم

وما كان ذلك إلا لحدة ذهنه واتقاد قريحته فكان لا يطيق الصوم وقد مات في عشر الثمانين بالحدة وربما كان يقعد والثلج ساقط من السماء وهو على رأسه طاقية

وكان يقول الشام توافقني أكثر من مصر لبردها ويسكن ظاهر البلد شتاء وصيفا

وكان لا يصبر إذا طلعت الشمس إلى أن يستوي طعام البيت بل يأكل من السوق وما ذلك إلا لسهره بالليل مع حدة ذهنه فيجوع من طلوع الشمس ولا يطيق الصبر ثم إذا أكل اجتزأ بالعلقة من الطعام واليسير من الغذاء

وأما مأكله وملبسه وملاذه الدنيوية فأمر يسير جدا لا ينظر إلى شيء من ذلك بل يجتزئ بيسير المأكل ونزر الملبس

وأما عدم مبالاته بالناس فأمر غريب ولقد شاهدته غير مرة يخرج بملوطته وعمامته التي ينام فيها إلى الطريق ورأيته مرة خرج كذلك وكانت الملوطة التي عليه وسخة مقطعة

راح إلى الجامع يوم ختم البخاري وجلس في أخريات الناس بحيث لم يشعر به أحد ثم كأنه عرضت له حالة فرفع يديه وتوجه ساكتا على عادته وصار رافع يديه قبل أن يشرعوا في الدعاء بنحو ساعة زمانية أو أزيد ثم استمر كذلك إلى أن فرغ وصارت العوام يرونه ويتعجبون من لبسه وحاله ومجيئه على تلك الصورة وما تم المجلس إلا وقد حضر النقيب والغلمان فقام وحضر إلى البيت وهم بين يديه كأنه بينهم غلام واحد منهم وعليه من المهابة ما لا يعبر عنه

وكنت مع ذلك أراه أيام المواكب السلطانية يلبس الطيلسان مواظبا عليه وكنت أعجب لأن طبعه لا يقتضي الاكتراث بهذه الأمور فتجاسرت عليه وسألته فقلت له أنت تقعد وتحكم وعليك ثياب ما تساوي عشرين درهما وأراك تحرص على لبس الطيلسان يوم الموكب

فقال يا بني هذا صار شعار الشافعية ولا نريد أن ينسى وأنا ما أنا مخلد سيجيء غيري ويلبسه فما أحدث عليه عادة في تبطيله

ورأيته غير مرة يكون راكبا البغلة فيجد ماشيا فيردفه خلفه ويعبر المدينة وهما كذلك والنقيب والغلمان بين يديه لا يقدر أحد أن يعترضه

وحضر مرة ختمة بالجامع الأموي وحضرت القضاة وأعيان البلد بين يديه وهو جالس في محراب الصحابة فأنشد المنشد قصيدة الصرصري التي أولها

#قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب

فلما قال

#وأن ينهض الأشراف عند سماعه

البيت

حصلت للشيخ الإمام حالة وقام واقفا للحال فاحتاج الناس كلهم أن يقوموا فقاموا أجمعون وحصلت ساعة طيبة

وكان لا يحابي في الحق أحدا وأخباره في هذا الباب عجيبة حكم مرة في واقعة حريثا وصمم فيها وعانده أرغون الكاملي نائب الشام وكاد الأمر يطلخم شاما ومصرا فذكر القاضي صلاح الدين الصفدي أنه عبر إليه وقال يا مولانا قد أعذرت ووفيت ما عليك وهؤلاء ما يطيعون الحق فلم تلقي بنفسك إلى التهلكة وتعاديهم قال فتأمل في مليا ثم قال

والله لا أرضي غير الله

قال فخرجت من عنده وعرفت أنه لا يرجع عن الحق بزخارف من القول

قلت ولقد نزل لي شيخنا شمس الدين الذهبي في حياته عن مشيخة دار الحديث الظاهرية فلم يمض النزول وقال لي والله يا بني أعرف أنك مستحقها ولكن ثم مشايخ هم أولى منك لطعنهم في السن

ثم لما حضرت الذهبي الوفاة أشهد على نفسه بأنه نزل لي عنها فوالله لم يمضها لي وها خطه عندي يقول فيه بعد أن ذكر وفاة الذهبي وقد نزل لولدي عبد الوهاب عن مشيخة الظاهرية وأنا أعرف استحقاقه ولكن سن الشباب منعني أن أمضي النزول له

ولما نزل عن مشيخة دار الحديث الأشرفية واتفق أنه بعد أشهر حضر درسا عمله الولد تقي الدين أبو حاتم محمد ابن الأخ شيخنا شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد سلمهما الله وكان أشار هو بذلك ليفرح بتدريس ولد ولده بحضوره قبل وفاته قال للجماعة الحاضرين ما أعلم أحدا يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق

وأكثر الناس لم يفهم الغائب وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي شيخ بيت المقدس وحافظه

وكان يقول لي في أيام مرضه قبل أن يحصل لي القضاء إياك ثم إياك أن تطلب القضاء بقلبك فضلا عن قالبك فأنا أطلبه لك لعلمي بالمصلحة في ولايتك لك ولقومك وللناس وأما أنت فاحذر لئلا يكلك الله إليه على ما قال صلى الله عليه وسلم (يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة) الحديث

وحضرته وقد جاء إليه بعض الفقراء فقال أريد ثلاثا ولاية ابني هذا موضعي ورؤية ولدي أحمد وموتي بمصر أشهد بالله لسمعت ذلك منه

فقال له الفقير سل الله في ذلك إن كان مصلحة

فقال قد تحققت أن كل واحد من الثلاثة مصلحة

فقال له القضاء مصلحة لهذا

فقال نعم تحققت أنه مصلحة له في الدنيا والدين جميعا

وقال في ذلك المجلس أنا في بر ولدي أحمد يعني الأخ أبا حامد ووصفه بالعلم الكثير

وأما أحواله فكانت عجيبة جدا ما عانده أحد إلا وأخذ سريعا وكان لا يحب أن يظهر عليه شيء من الكرامات ويتأذى كل الأذى من ظهورها وممن يظهرها وقد اتفقت له في القاهرة ودمشق عجائب منها واقعته في مشيخة جامع طولون التي ذكرتها عند ذكر قصيدته التي أولها

#كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب

ومنها أنه كان بيده تدريس المنصورية أخذها عن قاضي القضاة جمال الدين الزرعي عند ولايته قضاء الشام ثم عزل الزرعي وأرغون النائب في الحجاز وكان كثير الصداقة له فلما بلغ ذلك أرغون شق عليه وعزم على أنه إذا وصل إلى مصر ينزع المنصورية من الوالد ويعديها للزرعي فلما قيل إن أرغون وصل ويطلع غدا بات الوالد في قلق لأنه لم يكن له رزق غيرهما إلا اليسير فأخبرني أخي الشيخ بهاء الدين أنه أخبره أنه صلى في الليل ركعتين فسمع قائلا يقول له أرغون مات فلما أصبح وحضر الدرس قيل له إن أرغون طلع القلعة فتوجه إلى جهة القلعة للسلام عليه فبلغه في الطريق أن أرغون أمسك

ومنها واقعته مع إيتمش نائب الشام فإنه عانده وضاجره فحكى لي أخي الشيخ بهاء الدين أنه لما اشتد به ذلك عزم على عزل نفسه من القضاء فحضر

درس الأتابيكة بالصالحية ثم دخل إلى مسجد في دهليزها وأغلق عليه الباب وصلى ركعتي الاستخارة في ذلك فلما كانت السجدة الثانية من الركعة الثانية سمع قائلا يقول {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فأحجم عن ذلك إلى آخر حياته

وآخر أمره مع إيتمش أنه أمر شاد الأوقاف بجمع الفقهاء للفتوى عليه فبينا شاد الأوقاف بعد صلاة الجمعة يجمعهم وإذا بالبريدي قدم من مصر يطلبه إلى باب السلطان معززا مكرما

وكان الإمام تاج الدين المراكشي الذي ذكرت ترجمته يحكى أنه رأى في منامه قائلا يقول سيأتي شخص من مماليك ألجاي الدويدار يقتل هؤلاء كلهم فعن قريب حضر البريدي المذكور وهو قيصر مملوك ألجاي أحد مقدمي الحلقة وتوفي سنة ستين وسبعمائة فانطوى ذلك البساط وعاد الذين كانوا من قبل بلحظة يجمعون الغض منه واقفين على بابه يستغفرون ويعتذرون

وأعجب من ذلك أن البريدي ذكر أنه أراد أن يتخلف في الطريق لشغل عرض له فصادف أن غلامه سبقه وما أمكنه التخلف فصار غلامه وهو أمامه يسوق كل

السوق ظنا منه أن البريدي سبقه والبريدي يلحقه إلى أن وصل في ذلك الوقت ولو تأخر بعده ساعة واحدة لحصل التعب لنا

ثم سافر إلى مصر وما اتفقت إقامته بها وصار يصعب عليه العود إلى دمشق وأيدغمش بها والإقامة مصر لا تمكنه فبلغني أن الأمير الكبير بدر الدين جنكلي ابن البابا وهو أكبر أمراء الدولة قال نحن مع هذا السبكي في صداع لا يمكن إقامته بمصر ولا يهون عليه عوده إلى دمشق وإيتمش بها ولا يمكننا عزل إيتمش بسبب قاض إن كانت له كرامة عند الله فالله يريحه من إيتمش فجاءهم الخبر ثاني يوم بوفاة إيتمش فجأة فلما أن بلغه الخبر لم يزد على أن ذرفت عيناه بالدموع ثم نهض إلى الصلاة

وكان ممن يحط عليه عنده القاضي شهاب الدين ابن فضل الله فعزل وصودر واتفق له ما اتفق

وكان القاضي شهاب الدين أرسل إليه من قبل بشهر يقول له مع مملوكه عرفتني فقال قل له نعم عرفتك ولكن أنت ما عرفتني فبعد شهر صودر واتفق له ما اتفق

ومنها أمره مع طقزتمر نائب الشام وكان من أصحب الناس له في مصر فلما جاء إلى الشام غيره الشاميون عليه وأعانهم امتناعه من امتثال أوامره فطلب إلى مصر واستوحشنا من رواحه فما وصلها إلا وهو في النزع ومات

ومنها أمره مع أرغون شاه نائب الشام أيضا وقد جرت له معه فصول وأنا رأيته مرة يمسك بطرزه ويقول له أنا أموت وأنت تموت

وقال له مرة يا قاضي كم نائبا رأيت في هذه المدينة

قال كذا كذا نائبا

فقال ما يروحك إلا أنا

فقال الشيخ الإمام سوف تبصر

فبعد أيام يسيرة ذبح أرغون شاه صبرا

وله فيه أعجوبة حكى لي القاضي شرف الدين خالد بن القيسراني موقع الدست قال أنا كنت السبب في موت أرغون شاه

قلت كيف

قال لأني غيرت خاطر أبيك عليه فقلت له يوم الاثنين يوم قال له ما قال قبل أن يجلس أرغون شاه يا مولانا قاضي القضاة نحن نعرف أن لك مددا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قد زادت إساءته عليك

فقال لي ما نبالي اسكت إذا تعرض للشرع عملنا شغلنا

قال فوالله لما قعدنا بدرت من أرغون شاه تلك الكلمات في حق والدك وكلمات أخر قبيحة في الشرع فاتفق ما اتفق

قلت أما الذي اتفق لأرغون شاه فإنه ذبح صبرا ليلة الجمعة

وأما الذي اتفق من الشيخ الإمام فإنا صلينا المغرب واجتمعنا على العشاء ثم صلى الشيخ الإمام عشاء الآخرة وأوتر وصعد السطح فحكى أهل البيت أنه استمر واقفا في السطح مكشوف الرأس مطرقا ساكتا لا يتكلم قائما على رجليه إلى أن طلع الفجر ثم نزل فصلى الصبح بوضوء العشاء وأنه قال للنساء وهو نازل انقضى شغل أرغون شاه لا يتكلم أحد فحسبنا

ففي يوم الثلاثاء خرج الجيبغا من طرابلس ووصل إلى دمشق ليلة الخميس وأمسكه تلك الليلة ثم ذبحه ثاني ليلة

وهذه كانت حالة الشيخ في توجهه يكشف رأسه ويجعل المنديل في رقبته ويقوم على رجله مطرقا ساكتا ويصير عليه من المهابة ما يعجز الواصف عن وصفه ويكاد نم يراه في تلك الحالة يوقن أنه لو لسعه زنبور في تلك الحالة لما أحس به

وكانت أيضا عوائده إذا كانت له حاجة أن يكتب قصة بخطه إلى الله تعالى ويعلقها على خشبة في السطح وربما أنزلها بعد أيام وكأن ذلك علامة قضاء الشغل ما أدري

وهذه الحكاية التي لأرغون شاه أنا سمعت النساء الثقات في البيت يحكينها

وأما أنا ففي ليلة الخميس بلغني الخبر عقيب مسك أرغون شاه فعبرت إليه وطرقت الباب فسمعت صوته في قراءة التهجد فأمسكت فقضى الركعتين وخرج وهو يتلو فلما أخذ في فتح الباب ترك التلاوة وقال لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك

فلما فتح قلت له أمسك أرغون شاه

قال من قال اسكت أيش هذا الفشار

فما أدري لما قال لي لا تظهر الشماتة بأخيك هل كان ذهنه حاضرا أو أجراها الله على لسانه من غير قصد الله يعلم

ومنها ما حكاه الأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبو حامد سلمه الله ونقلته من خطه قال لما عدت من الحجاز في المحرم سنة ست وخمسين وسبعمائة وجدته ضعيفا فاستشارني في نزوله لولده سيدنا قاضي القضاة تاج الدين عن قضاء الشام ووجدته كالجازم بأن ذلك سيقع وقال لي سبب هذا أني قبل أن أمرض بأيام أغلب ظني أنه قال خمسة أيام رحت إلى قبر الشيخ حماد خارج باب الصغير وجلست عند قبره منفردا ليس عندي أحد وقلت له يا سيدي الشيخ لي ثلاثة أولاد أحدهم قد راح إلى الله والآخر في الحجاز ولا أدري حاله والثالث هنا وأشتهي أن موضعي يكون له

قال فلما كان بعد أيام أغلب ظني أنه قال يومين أو ثلاثة جاءني الخالدي يشير إلى شخص كان فقيرا صالحا يصحب الفقراء فقال لي فلان يسلم عليك ويقول لك تقاطع عليه الدورة تروح للشيخ حماد تطلب حاجتك منه ولا تقول له

قال فقلت له على سبيل البسط سلم عليه وقل له ألست تعلم أنه فقير بائس وأنا كل أحد رآني ذاهبا إلى قبر الشيخ حماد ولكن الشطارة أن تقول له أيش هي حاجته

قال فتوجه الخالدي إليه ثم عاد وقال يقول لك لا تكن تعترض على الفقراء الشيخ حماد يقول لك انقضت حاجتك التي هي كيت وكيت

قال فقلت له أما الآن فنعم فإن هذا لم يشعر به أحد

قال فقلت له سله هل ذلك كشف أو منام

قال فعاد وقال ليس ذلك إليك

انتهى المنقول من خط الأخ

ومنها حاله مع إيتمش نائب الشام أيضا كرهه في الآخرة وكلمه كلاما وحشا فراح الشيخ ذلك اليوم إلى قبر الشيخ حماد وعاد فما مضت عشرة أيام إلا وجاء الخبر بعزله من نيابة الشام

فأشهد على الشيخ أنه قال من ساعة زرت قبر الشيخ حماد عرفت هذا

وقال لي دعوت عليه وندمت وقال لي لم أدع قبلها على غيره

ومنها حكايته مع أرغون الكاملي نائب الشام أيضا وآخرها أنه قال كم ينغص حالنا الله يقابله

فوالله لقد عزل بعد شهر أو أقل من نيابة الشام ونقل إلى حلب ولم يهنأ عيشه بها بل عزل قريبا ونقل إلى مصر ولم يهنأ بها بل قعد يويمات ثم أمسك وأودع سجن الإسكندرية ثم أخرج وأقر ببيت المقدس إلى أن مات بطالا حزينا كئيبا

قال أخي الشيخ أبو حامد ولقد حضر عنده دار العدل في يوم خميس ثم حضر فأخبرني أنه قدم إليه الوالي شخصا لم يستحق القتل فأمره بقتله فالتفت الوالد إلى الوالي وقال هذا لا يحل قتله فتوقف الوالي فقال له أرغون اقتله فقال له الوالد هذا لا يحل فاغتاظ أرغون من الوالي فأخذه وذهب به ليقتله

فلما عاد من دار العدل حكى لي الحكاية وقال لي لقد عزمت على

أن لا أحضر دار عدل عنده أبدا بعدها فلم يتكمل النهار حتى ورد الخبر بأن يلبغا نائب حلب خرج قادما لدمشق فسافر أرغون إلى جهة مصر ثم لحلب ثم لم يحضر دار عدل بدمشق بعد ذلك إلى أن مات

وأغرب من ذلك ما حكاه القاضي صلاح الدين الصفدي في كتاب أعيان العصر أنه قال عنه ما يفلح ويموت

وأنا أعرف وقت هذا القول وسببه كان سببه أنه لما مرض الشيخ وصار يقول في خاطري ثلاث عود ولدي أحمد من الحجاز قبل موتي وولاية عبد الوهاب القضاء ووفاتي بمصر بعد ذلك وأخذ يتكلم لي في القضاء قيل له إن أرغون الكاملي قد استقر بمصر أميرا كبيرا ولا بد أن يشاور على قضاء الشام وإن استشير فهو لا يشير بابنك لبغضه فيك

فقال أو لا يصل الخبر إلا وأرغون ليس في مصر ولا يفلح ويموت

فكان كذلك

وكانت أموره في حال مرضه في غاية العجب وقاسى الشدائد ولم يسمعه أحد يقول آه ولا يطلب العافية بل غاية ما يطلب ولايتي ورؤية الأخ والوصول إلى مصر قبل الوفاة وقضيت له الحاجات الثلاث

ولم أره قط برح بألم يعترضه ولا بأذى يحصل له بل يصبر عند الحادثات ويحتسب رضي الله عنه

وكان كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم ويقول طريق الصوفي إذا صحت هي طريقة الرشاد التي كان السلف عليها ويقول مع ذلك هو مسلك وعر جدا وينشد

وكانت تعجبه الفائدة ممن كان ولا يستنكف أن يسمعها من صغير بل يستحسنها منه

وكان كثير الحياء جدا لا يحب أن يخجل أحدا

وإذا ذكر الطالب بين يديه اليسير من الفائدة استعظمها وأوهمه أنه لم يكن يعرفها لقد قال له مرة بعض الطلبة بحضوري حكى ابن الرفعة عن مجلي وجهين في الطلاق في قول القائل بعد يمينه إن شاء الله تعالى هل هو رافع لليمين فكأنها لم توجد أو نقول إنها انعقدت على شرط

فقلت أنا هذا في الرافعي أي حاجة إلى نقله عن ابن الرفعة عن مجلي

فقال لي الشيخ الإمام اسكت من أين لك هات النقل وانزعج

فقمت وأحضرت الجزء من الرافعي وكان ذلك الطالب قد قام فوالله حين أقبلت به قبل أن أتكلم قال الذي ذكرته في أوائل كتاب الأيمان من الرافعي وأنا أعرف

هذا ولكن فقيه مسكين طالب علم يريد أن يظهر لي أنه استحضر مسألة غريبة تريد أنت أن تخجله هذا ما هو مليح

وكان يتفق له مثل هذا كثيرا ينقل عنده طالب شيئا على سبيل الاستغراب فلا يبكته بل يستحسنه وهو يستحضره من أماكن كثيرة بحيث يخرج الطالب وهو يتعجب منه لأنه يظنه أنه لم يكن مستحضرا له وما يدري المسكين أنه كان أعرف الناس به ولكنه أراد جبره

وكان كثير الأدب مع العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين

وأما محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه له وكونه أبدا بين عينيه فأمر عجاب

فهذه نبذة مما شاهدته من حاله وعرفته من مكارم أخلاقه وأنا أعرف أن الناظرين في هذه الترجمة على قسمين قسم عرف الشيخ كمعرفتي وخالطه كمخالطتي فهو يحسبني قصرت في حقه وقسم مقابله فهو يحسبني بالغت فيه والله المستعان

ذكر سلسلة الحفاظ

وقد كان شيخنا الذهبي يوردها وكتبها بخطه وقرأتها عليه وأنا أرى إيرادها هنا من قبلي

فأقول لم تر عيناي احفظ من أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي والوالد رحمهم الله وغالب ظني أن المزي يفوقهما في أسماء رجال الكتب الستة والذهبي يفوقهما في أسماء رجال من بعد الستة والتواريخ والوفيات والوالد يفوقهما في العلل والمتون

والجرح والتعديل مع مشاركة كل منهم لصاحبيه فيما يتميز به عليه المشاركة البالغة

وسمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحدا في هذا الشأن أحفظ من الإمام أبي الحجاج المزي وبلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي فالأول أعرفهم بالعلل وفقه الحديث والثاني بالأنساب والثالث بالمتون والرابع بأسماء الرجال

قال وسمعته يقول في شيخنا أبي محمد الدمياطي إنه ما رأى أحفظ منه وكان الدمياطي يقول إنه ما رأى شيخا أحفظ من زكي الدين عبد العظيم وما رأى الزكي أحفظ من أبي الحسن علي بن المفضل ولا رأى ابن المفضل أحفظ من الحافظ عبد الغني ولا رأى عبد الغني أحفظ من أبي موسى المديني إلا أن يكون الحافظ أبا القاسم ابن عساكر فقد رآه ولم يسمع منه هذا كلام الذهبي

قلت لا ريب أن ابن عساكر أحفظ من ابن المديني والذهبي يعرف هذا ولكن عذره عدم سماع عبد الغني منه كما ذكر فكأنه يسلسل للرؤية مع السماع لا لمجرد الرؤية

ثم قال شيخنا وسمعت منه ولا رأى ابن عساكر والمديني أحفظ من أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي

ولا رأى إسماعيل أحفظ من أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي

ولا رأى ابن طاهر أحفظ من نصر ابن ماكولا

ولا رأى ابن ماكولا أحفظ من أبي بكر الخطيب

ولا رأى الخطيب أحفظ من أبي نعيم

وأبو نعيم ما رأى أحفظ من الدارقطني وأبي عبد الله بن منده ومعهما الحاكم

وكان ابن منده يقول ما رأيت أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة الأصبهاني

وقال ابن حمزة ما رأيت أحفظ من أبي جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري وقال ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي

وأما الدارقطني فما رأى مثل نفسه

وأما الحاكم فما رأى مثل الدارقطني بل وكان يقول الحاكم ما رأيت أحفظ من أبي علي النيسابوري ومن أبي بكر ابن الجعابي

وما رأى الثلاثة أحفظ من أبي العباس ابن عقدة

ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل النسائي

ولا رأى النسائي مثل إسحاق بن راهويه

ولا رأى أبو زرعة أحفظ من أبي بكر ابن أبي شيبة

ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل ابن خزيمة

ولا رأى ابن خزيمة مثل أبي عبد الله البخاري

ولا رأى البخاري فيما ذكر مثل علي بن المديني

ولا رأى أيضا أبو زرعة والبخاري وأبو حاتم وأبو داود مثل أحمد بن حنبل ولا مثل يحيى بن معين وابن راهويه

ولا رأى أحمد ورفاقه مثل يحيى بن سعيد القطان

ولا رأى هو مثل سفيان ومالك وشعبة

ولا رأوا مثل أيوب السختياني

نعم ولا رأى مالك مثل الزهري

ولا رأى الزهري مثل ابن المسيب

ولا رأى ابن المسيب أحفظ من أبي هريرة رضي الله عنه

ولا رأى أيوب مثل ابن سيرين

ولا رأى مثل أبي هريرة

نعم ولا رأى الثوري مثل منصور

ولا رأى منصور مثل إبراهيم

ولا رأى إبراهيم مثل علقمة

ولا رأى علقمة كابن مسعود فيما زعم

قلت هذه السلسلة التي كان شيخنا الذهبي يذكرها ولولا كراهتي للكلام في التفضيل لا سيما فيمن لم نلقهم لكنت أتكلم عليها

وأقول على نمطها ما رأت عيناي أعلم بالتفسير من الشيخ الوالد ولا رأى هو فيما ذكر عنه كشيخه العراقي ونقطع الكلام من هنا ولو شئنا لوصلناه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ولكن الكلام في التفضيل صعب

وأقول ما رأت عيناي أعرف بالقراءات منه لأني وإن أدركت الشيخ ابن بصخان فلم آخذ عنه

وكان الشيخ الوالد يقول ما رأيت فيها كابن الصائغ

وأقول ما رأت عيناي أفقه من الشيخ الوالد ولا رأى هو أفقه من ابن الرفعة ولا رأى ابن الرفعة فيما ذكر أفقه من الظهير التزمنتي

وأقول ما رأيت بعد أبي حيان أنحى منه وكان يفوقه في حسن التصرف فيه وتصانيفهما تنبيك عن ذلك وكان هو يقول لم نلق في صناعة اللسان كأبي حيان

ولا رأت عيناي في المعقولات بأسرها وفي علم الكلام على طريق المتكلمين مثله وكان يقول إنه لم يلق فها كالباجي ولم يلق الباجي كالشيخ الخسروشاهي ولم يلق الخسروشاهي كالإمام فخر الدين الرازي

ولنتبرك عند ختم هذه السلاسل بذكر حديث مسلسل بالفقهاء

فنقول أخبرنا إمام الفقهاء والمحدثين الوالد رحمه الله بقراءتي عليه أخبرنا الفقيه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف في كتابه ح

وحدثنا الفقيه الحافظ أبو سعيد بن خليل بن كيكلدي من لفظه بالمسجد الأقصى أخبرنا محمد بن يوسف بن المهتار الفقيه بقراءتي قالا أخبرنا الفقيه الحافظ أبو عمرو

عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح قال أبو محمد كتابة وقال ابن المهتار سماعا قال أخبرنا الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه أبو بكر القاسم بن عبد الله ابن عمر النيسابوري بها قراءة مني عليه أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه حدثنا جدي أبو عبد الرحمن الشحامي وأبو علي الجاجرمي الفقيهان في فنهما قالا حدثنا الإمام أبو منصور البغدادي الفقيه حدثنا أبو زكريا يحيى بن أحمد السكري الفقيه والقاضي أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد الختني الفقيه والإمام أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي الفقيه قالوا حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه حدثنا القاضي أبو العباس أحمد ابن عمر بن سريج الفقيه قال حدثنا أبو داود السجستاني الفقيه الحافظ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري الفقيه حدثنا زيد بن الحباب

البارع في الفقه والحديث عن محمد بن مسلم الطائفي أفقه أقرانه عن عمرو بن دينار فقيه آل الزبير عن عكرمة فقيه مكة عن ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) قال قتل رجل من بني عدي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثنى عشر ألفا

ذكر شيء مما انتحله مذهبا وارتضاه رأيا لنفسه

وذلك على قسمين أحدهما ما هو معترف بأنه خارج عن مذهب الشافعي رضي الله عنه وإن كان ربما وافق قولا ضعيفا في مذهبه أو وجها شاذا

فمنه اختياره أن الغسالة طاهرة مطلقا طهر المحل أو لم يطهر

وفي مذهبنا ثلاثة أقوال الجديد أنه إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر وإن انفصل ولم يطهر المحل فهو نجس

والثاني نجس بكل حال

والثالث وهو القديم طاهر طهور بكل حال

ومن نظر شرح المنهاج يحسب أن الشيخ الإمام رحمه الله يختار القديم وليس كذلك لأنه يقول الغسالة طاهرة وهنا يوافق القديم ولكن غير طهور وهذا يفارق القديم صرح بذلك في كتاب الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي قال ولم أر من قال به في المذهب وهو الذي اختاره وليس من القديم ولا الجديد

قلت أحسبه وجها شاذا

وأنه إن شهد طبيب واحد أن المشمس يورث البرص كره استعماله أو حرم

وأن الشعر يطهر بالدباغ وصححه ابن أبي عصرون وهاتان المسألتان أجدر أن تعدا من ترجيحات المذهب لا من اختياراته لنفسه

وأن ما لا دم له سائل إن كان مما يعم كالذباب فلا ينجس المائع وإلا فينجس كالعقارب وهو رأى صاحب التقريب

وأنه إذا تخلل النبيذ المتخذ من التمر والزبيب بعد أن كان خمرا بنفسه يطهر قال ولم أجد من صرح به قال والمنقول عن أصحابنا أنه لا يطهر نقله القاضي أبو الطيب وغيره

وأن شارب الخمر ينجس باطنه ثم لا يمكن تطهيره أبدا

وأن من كان في المسجد فأدركته فريضة لم يحل له الخروج بغير ضرورة حاقة حتى يؤديها فيه

وأن من أدرك الإمام وهو راكع لا يكون مدركا للركعة وهو رأى ابن خزيمة والصبغي

وأن المرور إلى المسجد مثلا من باب فتح في الجدار حيث لا يجوز فتحه لا يحل

وأنه يصح اقتداء المخالف بمخالفه كشافعي بحنفي ما لم يعلم أنه ترك واجبا إما في اعتقاد الإمام أو اعتقاد المأموم فيبطل مثلا فيما إذا اقتدى بحنفي افتصد أو مس ذكره

ويجوز أن يكون هذا هو قول الأستاذ أبي إسحاق في المسألة إلا أن الأستاذ أطلق منع الاقتداء إطلاقا فإن كان هذا هو قول الأستاذ لم تكن مقالة الشيخ الإمام خارجة عن المذهب من كل وجه بل ونفقة لوجه فيه

وأن الأقرأ لا يقدم على الأسن الأورع إذا كان حافظا لبعض القرآن مساويا للأقرإ في الفقه

وأن السعي إلى الجمعة تجب المبادرة إليه حتى لو كانت داره قريب من المسجد وهو يعلم أنه إذا سعى في أثناء الخطبة أو في الركعة الأولى أدرك لا يجوز له التأخر بل حتم واجب عليه المبادرة بالسعي أول النداء وهذا لم يفصح به أصحابنا ولا تأباه أصولهم وإنما الشيخ الإمام استخرجه استنباطا

وأن المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج لا يتعلق ترخصه بهذه النية بل بعدد الصلوات كما هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل فيتعلق بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة وإذا نوى إقامة أكثر من ذلك أثم

وأن تارك الصلاة يقتل في آخر الوقت ولا يشترط إخراجه إياها عن الوقت وهذا رأي ابن سريج كما حكاه عنه الشيخ أبو إسحاق في النكت

وأنه لا تضرب عنقه ولا ينخس بحديدة وإنما يضرب بالعصي إلى أن يصلي أو يموت وهو اختيار ابن سريج في كيفية قتله

وأن الوارث يصلي عن الميت كما يصوم على القديم المختار وهو رأى ابن أبي عصرون

وأن الانتظار في القراءة في الصلاة للحاق آخرين إذا كان في مسجد جرت العادة بإتيان الناس إليه فوجا فوجا لا يكره ما لم يبالغ فيشوش على الحاضرين

وأن الكلام الكثير في الصلاة إذا كان نسيانا لا يضر ولا يبطلها كما قال رأي المتولي

وأنه يزاد ركوع لتمادي الكسوف كما هو رأي ابن خزيمة

وأنه لو قيل بوجوب إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة صلاة العيد لم يبعد

وأنه يجوز صرف زكاة الفطر إلى ثلاثة أيام من الفقراء والمساكين وهو رأي الإصطخري وعن صاحب التنبيه أنه يجوز إلى النفس الواحدة وتوقف فيه الوالد رحمه الله

وأن قول ابن بنت الشافعي وابن خزيمة وابن المنذر أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به قوي

وأنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد زوال وهو قول الغزالي

قال الشيخ الإمام وأما رمي يوم النحر قبل الزوال وبعده فإنه جائز خلافا للغزالي

وأنه لا يجوز تجاوز الشبع في الأكل والري في الشرب وإن لم يضر إذا لم يكن فيه نفع معتبر

وأنه لا يجوز للجندي ذبح فرسه الصالحة للجهاد إلا بإذن الإمام وتردد في جواز ذبح الفرس الصالحة للكر والفر مطلقا أذن الإمام أم لم يأذن كانت لجندي أم لم تكن ومال إلى المنع

وأن التفريق بين المحارم كالتفريق بين والدة وولدها وهو قول في المذهب قال والظاهر اختصاص ذلك بمن كان ذا رحم محرم ليخرج بنو العم

وأنه يجوز الانتفاع بالمبيع في مدة المسير لرده وإذا اطلع على عيبه بشرط وقوع الانتفاع في المدة التي يغتفر التأخير فيها من السير

وأنه إذا قال اشترته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة وكذبه المشتري ولم يبين لغلطه وجها محتملا ولكن أقام بينة بذلك فإنها تقبل وإن كان بإقراره السابق

مكذبا لها وهو رأي ابن المغلس من الظاهرية ولكن ابن المغلس علل رأيه بجواز كونه غافلا أو ناسيا والوالد يختار قبول البينة وإن قال كنت قد تعمدت فمذهبه أعم وأشد من مذهب ابن المغلس

وأنه يجوز بيع نصف معين من ثوب نفيس وإناء وسيف ونحوه مما تنقص قيمته بقطعة وهو قول صاحب التقريب والقاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ لكن نص الشافعي والجمهور على خلافه

وأن إثبات الربا في الستة المنصوص عليها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح تعبد ويقول مع ذلك يثبت الربا في كل مطعوم لكن لا بالقياس بل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (الطعام بالطعام) وسبقه إلى هذا المذهب إمام الحرمين

وأن بيع النقد الثابت في الذمة بنقد ثابت في الذمة لا يظهر دليل منعه وجنح إلى جوازه كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأما الشافعي والأصحاب فمتفقون على المنع واستدلوا بحديث (نهى عن بيع الكاليء بالكاليء

ونقل أحمد بن حنبل الإجماع على أن لا يباع دين بدين

قال الشيخ الإمام وجوابه أن ذلك فيما يصير دينا كما لو تصارفا على موصوفين ولم يتقابضا أما دينان ثابتان يقصد طرحهما فلا

وأن من أتلف على شخص حجة وثيقة تتضمن دينا له على إنسان ولزم من إتلافها ضياع ذلك الدين لزمه الدين

وأن القراض على الدراهم المغشوشة جائز

وأن المخابرة والمزارعة جائزتان

وأن المساقاة غير لازمة

وأن التوقيت غير شرط فيها

وأن المساقاة على جميع الأشجار المثمرة المحتاجة إلى عمر جائزة ولا يجوز على ما لا يحتاج منها إلى عمل فتوسط بين الجديد الذي خصها بالعنب والنخل والقديم الذي جوزها على كل الأشجار

وأن الوقف على سبيل البر مصرفه ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلون والرقاب وأهل ود أبي الواقف وأمه

قال ولم أر أحدا قاله قال ولا يبعد أن يضاف إليهم الأسير وفي آخر كلامه في شرح المنهاج ما يشير إلى تنزيل كلام الأصحاب عليه بعد أن صرح بخلافهم وخلاف غيرهم فيه

وأن الوفاء بالوعد واجب

وأنه يكفي إشهاد الوصي على كتابة نفسه مبهما من غير أن يطلع الشاهدان على تفصيل ما كتبه فإذا شهدا عليه أن هذا خطي أو أن هذه وصيتي ولم يعلما ما فيها كفى وهو قول محمد بن نصر المروزي

وأنه إذا أوصى للعلماء دخل فيهم القراء قال وليس هو مذهب الشافي وإن حاول ابن الرفعة جعله مذهبه

وأن من فقأ العينين أو قطع اليدين والرجلين لا يستحق السلب بل إنما يستحق بالقتل وفاء بقول صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا

وأن من مات وعليه دين وكان قد استحق في بيت المال بصفة من الصفات مقداره وجب على الإمام أداؤه عنه وإن كان الميت المديون غنيا

وأن الغلول لا يمنع شهادة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا بل يكون معصية يؤاخذ بها مع كونه شهيدا

وأن القاضي الحنفي إذا قضى بصحة النكاح بلا ولي ينقض قضاؤه وهو رأي الإصطخري

قال الشيخ الإمام أنا أستحيي من الله أن يرفع لي نكاح صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه باطل فأستمر به على الصحة لرأي حاكم من الناس

وأن علة الإجبار في النكاح البكارة مع الصغر جميعا وهو خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة جميعا

وأن الإمام الفاسق لا يزوج الأيامى ولا يقضي ولكن يولي من يفعل ذلك وهو رأي القاضي الحسين

وأنه لو قال لجاريته التي لا يأمن وفاءها بالنكاح إذا أعتقها ولم ترد العتق إن لم تنكحه وإن كان في علم الله أني أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك فأنت حرة فرغبت

وجرى النكاح بينهما عتقت وحصل الغرض وإلا استمر الرق وهو رأي ابن خيران وقاله أيضا صاحب التقريب وعبارته أن الطريق أن يقول إن يسر الله بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم وما إليه الغزالي وأما الأصحاب سواهم فمطبقون على أنه لا يصح النكاح ولا يحصل العتق

وأن الخلع ليس شيء

وأنه تجب المتعة لكل مطلقة وهو مذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والجديد وجوبها إلا لمن لم توطأ والقديم عدم وجوبها إلا لمن لا مهر لها ولا دخول فخالف الشيخ الإمام القديم والجديد معا ووافق عليا رضي الله عنه

وأن قاتل من لا وارث له للإمام العفو عنه مجانا إذا رأى ذلك مصلحة والأصحاب جزموا بأنه ليس له ذلك بل إما أن يعفو على الدية أو يقتص

وأنه لا صغيرة في الذنوب بل الكل كبائر ولكن بعضها أكبر من بعض وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق ونسبه الشيخ الإمام إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري

وأن ساب سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا كان مشهورا قبل صدور السب منه بفساد العقيدة وتوفرت القرائن على أنه سب قاصدا للتنقيص يقتل ولا تقبل له توبة وكتب على فتيا وردت عليه في ذلك

فهذه نبذة من مقالاته لنفسه

القسم الثاني ما صححه من حيث المذهب

وإن كان الرافعي والنووي رجحا خلافه أو كان النووي وحده رجح خلافه فنحن نذكر في هذا القسم ما كان من هذا النمط ولا نذكر شيئا وافق فيه النووي وإن خالف الرافعي لظهور ذلك ولأن العمل على قول النووي فيه لا سيما إذا اعتضد بتصحيح الشيخ الإمام

وأما ما عقدنا له بهذا الفصل مما خالف فيه الشيخين جمعيا أو النووي وحده فلا يخفى أنه ينبغي تلقيه بكلتا اليدين فإني لا أشك في أنه لا يجوز لأحد من نقلة زماننا مخالفته لأنه إمام مطلع على مآخذ الرافعي والنووي ونصوص الشافعي وكلام الأصحاب وكانت له القدرة التامة على الترجيح فمن لم ينته إلى رتبته وحسبه من الفتيا النقل المخض حق عليه أن يتقيد بما قاله وأما من هو من أهل النظر والترجيح فذاك محال عن نظره لا على فتيا الرافعي والنووي والشيخ الإمام

فمن ذل رجح أنه إن شهد طبيبان أن الماء المشمس يورث البرص كره وإلا فلا

وتقدم اختياره من حيث الدليل الاكتفاء بطبيب واحد

وأن المني ينقض الوضوء وفاقا للقاضي أبي الطيب في أحد قوله وللرافعي في كتابه الكبير المسمى بالمحمود ولابن الرفعة

وأن فضلات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرة وهو رأي أبي جعفر الترمذي

وأن موت الراهن قبل القبض مبطل للرهن

وأنه إذا جنى المرهون ففداه المرتهن وشرط كونه مرهونا بالدين والفاداء فهو على القولين في رهن المرهون عند المرتهن بدين آخر حتى يكون الأصح المنع

والأظهر في الرافعي وهو المذهب في الروضة الصحة وأن هذا يستثنى من محل القولين

وأن المرتهن يخاصم إذا لم يخاصم الراهن

وأنه إذا رهن نصيبه من بيت معين ثم قسمت الدار فوقع البيت في نصيب شريكه بقي مرهونا كما اقتضاه كلام صاحب التهذيب خلافا للإمام والرافعي والنووي حيث رجحوا أن الراهن يغرم القيمة لتكون رهنا بدله وضعف مقالتهم جدا وقال أوجه منها وأرجح أن يجعل ذلك كالآفة السماوية وهو احتمال للإمام وأرجح من الكل ما اخترناه وأشار إليه صاحب المهذب

وأن بعض الغرماء إذا طلب الحجر على المديون حجر وإن لم يقتض دينه الحجر به لو انفرد ذكره في شرح مختصر التبريزي ولم يذكره لا في شرح المهذب ولا في شرح المنهاج وهو الأظهر عند الرافعي وقوي النووي في الروضة خلافه

وأن السرف وهو إنفاق الرجل زائدا على ما يليق بحاله وإن لم يكن في معصية حرام

وأنه إذا بلغ الصبي وادعى على الولي بيع ماله من غير ضرورة ولا غبطة يصدق الولي في غير العقار والصبي في العقار

وأن المموه بذهب أو بفضة حرام وإن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار قال والتمويه بما لا يحصل منه شيء بالعرض أصعب من التمويه بما يحصل منه

وأن تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة حلال قال والمنع منه في الكعبة شاذ غريب في المذاهب كلها

وأن المحدث حدثا أصغر إذا انغمس في الماء ناويا رفع الجنابة عامدا ولم يكن تقدير ترتيب فيه لم يصح وضوءه لأنه متلاعب والرافعي والنووي صححا الصحة والحالة هذه

وأن من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما يلزمه الوضوء بكل حال وهذا صححه النووي مرة

وأن الغسالة إذا انفصلت وقد زاد وزنها عند الانفصال على ما كان فليست نجسة بمثابة ما تغير خلافا للرافعي بل هو كما لو لم يزد وزنها

وأن ماسح الجبيرة إذا تيمم لفرض ثان ولم يحدث فإن كان جنبا لم يعد الغسل وإن كان محدثا أعاد ما بعد عليله خلافا للنووي ووفاقا للرافعي

وأن العاصي بسفره لا يتيمم لأن سفر المعصية لا يتعلق به رخصة فعليه أن يعود ولا سيما إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت

وأن تارك الصلاة إنما يقتل إذا ضاق وقت الثانية كما هو قول أبي إسحاق وقد قدمنا اختياره من حيث الدليل في تارك الصلاة

وأن الإبراد بالظهر لا يختص بالبلد الحار بل شدة الحر كافية ولو في أبرد البلاد

وأن الحائض والجنب لا يجيبان المؤذن إذا سمعاه على خلاف ما جزم به الرافعي والنووي

وأن وقت الأذان الأول للصبح قبل طلوع الفجر قال وهو وقت السحر ورجحه القاضي الحسين والمتولي والبغوي وصحح النووي أنه من نصف الليل والرافعي أنه في الشتاء من سبعه الأخير وفي الصيف من نصف سبعه

وأن العبد الفقيه في إمامة الصلاة أولى من غير الفقيه وإن كان حرا

وأن تأخير العشاء ما لم يخرج وقت الاختيار أفضل من تقديمها وهو الجديد

وأنه لا يجوز جمعتان في بلد وإن عظم وعسر اجتماع أهله في جامع واحد

وأن وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس كما في التنبيه لا من طلوعها

وأن العبرة في الاقتداء باعتقاد الإمام وهو رأي القفال فلو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد صح في المس دون الفصد خلافا للرافعي والنووي حيث عكسا هذا اختياره مذهبا وتقدم اختياره دليلا

وأن من سها في صلاته وسلم قبل أن يسجد للسهو ساهيا ولم يطل الفصل لا يصير عائدا إلى الصلاة إذا سجد دون ما إذا لم يسجد كما ذهب إليه الرافعي والنووي وكثيرون بل إما أن لا يصير عائدا كقول صاحب التهذيب وإما أن يسلم مرة أخرى ولا يعتد بذلك السلام كما هو وجه في النهاية ولم يرجح واحدا من هذين الوجهين بل تردد بينهما

وأن من أوتر بأكثر من ركعة ينوي قيام الليل إلا في الذي يقع به الإيتار في الآخر فينوي به الوتر والأصح عند النووي أنه ينوي لكل شفع ركعتين في الوتر

وأن التنحنح في الصلاة لا يبطلها وإن بان منه حرفان وهو ما عزاه ابن أبي هريرة إلى النص

وأن من لا يحسن الفاتحة يأتي بالذكر ولا يقوم الدعاء مقامه

وأن الجماعة فرض كفاية على المقيمين والمسافرين خلافا للرافعي حيث قال سنة مطلقا وللنووي حيث قال فرض كفاية على غير المسافرين

وفي كلام الوالد ما يؤخذ منه ميله إلى أنها فرض عين

وأن من شرع في الصلاة إلى القبلة بالاجتهاد وتغير اجتهاده في القبلة في أثناء الصلاة يستأنف خلافا لهما حيث قالا ينحرف إلى الجهة الثانية

وأن وقت الضحى من ارتفاع الشمس لا من طلوعها وفاقا للرافعي وخلافا للنووي في اختياره أنه من طلوعها ونقله إياه أيضا عن الأصحاب وقال الرافعي في العيد نظيره

وأن من أحرم بأكثر من ركعة لا يزيد على تشهدين

وأن الإمام إذا أحس بداخل وهو راكع لا يستحب له انتظاره بل يكره

وأن تصحيح الأصحاب قول أبي إسحاق أن المقيم غير المستوطن لا تنعقد به الجمعة لم يتضح عليه دليل ومال إلى قول ابن أبي هريرة أنها تنعقد به

وأن الوجه تخصيص الخلاف في أن الكلام وقت الخطبة هل يحرم لمن عدا الأربعين أما الأربعون فيحرم عليهم الكلام ويجب السماع جزما وهذه طريق الغزالي واستبعدها الرافعي وتبعه النووي

وأن مقدار ما يحل التطريز أو التطريف به من الحرير أربع أصابع وهو رأي النووي في التطريز وقال في متن الروضة يرجع في التطريف إلى العادة

وقال الرافعي في المحرر يرجع إلى العادة فيهما جميعا

قال الوالد رحمه الله الصحيح الضبط بأربع أصابع فيهما جميعا

وأن الإعلام بموت الميت بمجرد الصلاة من غير ذكر شيء من المناقب حسن مستحب وما عداه مكروه قال وقد ينتهي إلى التحريم

وأن من عجل الزكاة إذا ثبت إلى آخر الحول والمعجل تالف يجب ضمانه بالمثل مثليا كان أو متقوما وهو وجه وجزم الرافعي أن المتقوم يضمن بالقيمة

وأنه إذا باع في أثناء الحول نقدا بنقد أو سائمة بسائمة بقصد التجارة لم ينقطع الحول وتجب الزكاة وهي طريقة الإصطخري التي نسب أبا العباس ابن سريج في مخالفتها في النقد إلى خرق الإجماع والرافعي والنووي تبعا طريق ابن سريج فصححا انقطاع الحول

وأنه إذا اشترى عرضا يساوي مائة وعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوي مائتين لا يجزيه

وأنه إذا تعذر إيجاب زكاة العين فيما إذا اجتمعت مع التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فتنتقل إلى زكاة العين خلافا للنووي حيث صحح أنه لا زكاة ولا تصحيح للرافعي في المسألة

وأنه يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الذي تجب نفقته وهو ما صححه الغزالي

وأن من أخفى الزكاة عن الإمام الجائر ولم يدفعها إلى المستحقين يعزر ولا يكون جور الإمام عذرا في عدم تعزيره

وإن دفها إلى الأصناف في موضع يأمن الفتنة ولم يطلب الإمام ولا أوجبنا الدفع إليه لم يعزر من منعها بعد الطلب حيث لا فتنة

وإن لم يكن عذر عزر وإن كان بأن ادعى الجهل بذلك وكان محتملا في حقه لم يعزر

فإن اتهم حلف وإن كان لا يخفى عليه ذلك لمخالطته العلماء لم يقبل ويعزر

والشافعي والأصحاب أطلقوا أن الإمام إذا كان جائرا يأخذ فوق الواجب أو يضع الصدقة في غير موضعها لم يعزر من أخفاها عنه

أن قبلة الصائم إن حصل بها مجرد التلذذ لم تحرم ولا تكره أو ظن الإنزال حرمت أو خوفه كرهت

وأن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم الدهر وإن فرعنا على أنه مستحب

وأن صوم الدهر مكروه مطلقا

وأن ليلة القدر تطلب في جميع رمضان ولا تختص بالعشر الأخير بل كل الشهر محتمل لها وهو ما قاله صاحب التنبيه وسبقه المحاملي في التجريد وأنكره الرافعي

وأنه إذا نذر اعتكاف مدة ونوى بقلبه تتابعها لزمه خلافا للرافعي والنووي حيث قال الأصح لا يلزمه إلا إذا تلفظ

وأن المغصوب إذا كان قادرا على الاستئجار على الحج وامتنع من الاستئجار استأجر عنه الحاكم وكذلك إذا بذل الطاعة فلم يقبل المطاع ينوب عنه الحاكم

وأن الرمل يختص بطواف القدوم

وأن طواف الوداع نسك

وأن على من سافر من مكة ولو سفرا قصيرا الوداع كما قال النووي قال الشيخ الإمام إلا أن يكون لغير منزله على نية العود فلا وداع فإذا الوداع عنده مختص بسفر طويل أو قصير على نية الإقامة وعند النووي وغيره من الأصحاب مطلق السفر وعند صاحب التهذيب وغير السفر الطويل فالوالد متوسط

وأنه يسمن للرامي يوم النحر قبل أن ينزل أن يستقبل الجمرة والكعبة والذي جزم به الرافعي وآخرون أنه يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة

وأنه يجوز في اليوم الثاني الرمي قبل الزوال وفي الليل سواء قلنا قضاء أم أداء

وأن ما ورد من ذكر خاص أو دعاء خاص في الطواف أفضل من القراءة وأما ما ورد من دعاء أو ذكر لا يختص بالطواف فالقراءة أفضل منه خلافا للرافعي والنووي حيث فضلا مأثور الدعاء على القراءة مطلقا

وأن الزرافة يحل أكلها وإن ادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على التحريم وتوقف الوالد نفي تحريم الببغاء والطاوس

وأن التفرقة بين والدة وولدها بالرد بالعيب حرام وأنكر دعوى شيخه ابن الرفعة أن المذهب الجواز

وأن الخمر والخنزير حيث قيل بتقويمهما في تفريق الصفقة فالمعتبر قيمتهما عند أهلهما وهو احتمال للإمام صححه الغزالي ولا تقوم الخمر خلا والخنزير بقرة خلافا للنووي ومن سبقه

وأن قول البائع شريت ليس صريحا كبعتك بل هو كناية خلافا للرافعي حيث تبع في ادعاء صراحتها المتولي

وأن بيع الحديقة المساقى عليها في المدة جائز مطلقا وسنعيد ذلك عند ذكر قسمتها

وأنه لا يجوز بيع الكافر كتابا في علم شرعي وإن خلا عن الآثار تعظيما للعلم

وأن بيع العبد الجاني جناية تعلق برقبته مالا بعد اختيار الفدا وقبل وقوع الفدا باطل والبغوي قال إنه يصح ونقله الرافعي عن إطلاه ساكتا عليه وتبعه النووي

وأنه لو اشترى جارية بكرا مزوجة علم زواجها ورضي به ثم وجد عيبا قديما بعدما أزيلت البكارة لا يرد وفاقا للمتولي وقال ينبغي القطع به

وأن البيع ينفسخ إذا حصل اختلاط الثمرتين ثمرة البائع وثمرة المشتري فيما ينذر الاختلاط فيه في البيع خلافا للرافعي والنووي قال وإن قلنا بثبوت الخيار كما يقولان فهو للبائع لا للمشتري خلافا لهما أيضا حيث صححا ثبوته وقالا أنه للمشتري

وأن خيار التصرية يمتد إلى ثلاثة أيام

وأنه لا يشترط في بيع الحاضر للبادي عموم الحاجة بل يكفي أصلها وهو وجه في المطلب معزو إلى النص

وأنه إذا قال بعته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة في المرابحة وبين للغلط وجها محتملا لا تسمع بينته ولا يحلف هذا من حيث المذهب وأما من حيث الدليل فقد قدمنا مذهبه في هذه المسألة

وأنه إذا واطأ شخصا فباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين وخبر بالعشرين حرم ذلك وأكثر الأصحاب على أنه مكروه كراهة تنزيه

وأن خل الرطب لا يتأتى إلا بالماء فلا يباع بعضه ببعض وبه صرح الماوردي

وأنا إذا قلنا اللحمان جنس واحد كما هو أحد القولين فاللحم البري مع البحر جنسان قال وبه قال أبو علي الطبري والشيخ أبو حامد الماوردي والمحاملي وقال إنه المنصوص وصاحب المهذب وقال إنه المذهب والروياني وما في متن الروضة من تصحيح أنهما جنس واحد ليس في الرافعي

وأنه إذا باع نصف الثمار على رءوس الشجب مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وهو قول ابن الحداد

وأنه لا يصح السلم في الشهد وعزاه إلى النص

وأنه لو أسلم إلى أول شهر أو آخره صح وحمل على الجزء الأول من كل نصف وهو قول الإمام والبغوي قال ودعوى الرافعي أن المنقول عن عامة الأصحاب مقابلة ممنوعة

وأنه يجوز السلم في الأرز في قشره الأسفل والأحمر

وأنه يصح أن يستبدل عن المسلم في نوعه دون جنسه خلافا للرافعي والنووي حيث منعا الاستبدال مطلقا

وأن أحد المتصارفين إذا أقرض من الآخر ما قبضه قبل التفرق ورده عليه عما بقي له يصح ومن قال قال لو قبض المسلم إليه رأس المال ورده في المجلس على المسلم بدين كان له عليه يكون أولى بالصحة

والمنقول في الشرح والروضة عن أبي العباس الروياني في هذه المسألة أنه لا يصح وسكتا عليه وفي التي قبلها أن الأصح المنع فخالف الشيخ الإمام في المسألتين

وأن السفه يسلب الولاية وإن لم يتصل به حجر القاضي وهو وجه صححه ابن الرفعة

وأن مطل الغني كبيرة وإن لم يتكرر خلافا للنووي حيث اشترط التكرر

وأن الحوالة استيفاء وأن معنى الاستيفاء التحويل

وأن الوكيل لا ينعزل بالإغماء

وأنه لو قال اقض الألف التي لي عليك فقال أقضي غدا أو أمهلني يوما أو حتى أقعد أو أفتح الكيس أو أجد

فليس بإقرار بخلاف ما لو قال نعم

وأنه إذا قال علي كذا وكذا درهم لم يلزمه إلا درهم واحد وهو رأي المزني

وأن الأب إذا أقر بعين مال لابنه ثم ادعى عنه عن هبة منه وأراد الرجوع فليس له ذلك وهو رأي أبي عاصم العبادي والقاضي أبي الطيب وخالفهما القاضي الحسين والماوردي

قال الرافعي ويمكن أن يتوسط بين أن يقر بانتقال الملك منه فيرجع وإلا فلا

وأنه لو ضرب ليصدق فأقر مضروبا لم يكن إقرارا مطلقا إلا أن يكون المكره عالما بالصدق والنووي اختار كونه إقرارا مطلقا بعد أن استشكله

قال لأنه مكره على الصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار وأنه إذا أعاد الإقرار بعد الضرب وحدث خوف تسبب لم يعمل به

وأنه إذا استعار عينا ليرهنها بدين معلوم فرهن بأكثر منه بطل في الزائد وخرج في المأذون على تفريق الصفقة خلافا للرافعي والنووي حيث صححا البطلان في الكل ونص الشافعي يشهد لهما

وأن المستعير إذا لم يوافق المعير عند اختياره القلع بالأرش يكلف تفريغ الأرض قال ولا يكلف التفريغ عند اختيار الإبقاء بأجرة أو التملك وهو رأي البغوي

وأنه إذا خلط الطعام المغصوب فتعذر التمييز لا يجعل كالهالك خلافا للرافعي والنووي والأكثرين لأن لآحاد الناس انتزاع العين المغصوبة من الغاصب

وأن الشفعة ثابتة للشفيع إلى أن يصرح بالإسقاط وهو الوجه القائل بثبوتها له أبدا والأصح عند الرافعي والنووي أنها على الفور

وأن القراض لا ينفسخ بإتلاف العامل وهو رأي المتولي

وأن العامل إذا قارض بلا إذن فالربح للثاني

وأن ما يأخذه الحمامي ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل وحفظ الثياب وفاقا لابن أبي عصرون وخلافا للرافعي والنووي حيث منعا كونه في مقابلة الماء

وأن كسح البئر وتنقية البالوعة على المؤجر

وأن الطعام المحمول ليؤكل إذا كان شرط قدرا يكفيه للطريق كلها لا يبدل ما دام الباقي كافيا لبقية الطريق وإن شرط قدرا يعلم أنه لا يكفيه فيبدل

وأنه لو اكترى اثنان دابة وركباها فاتردفها ثالث بغير إذنهما فتلفت قسط الغرم على الأوزان ولزم الثالث حصة وزنه وهو ما صححه ابن أبي عصرون وصحح النووي أنه يلزمه الثلث وفي وجه يلزمه النصف

وأن المقطع إذا قام من مكانه ونقل عنه قماشه لم يكن لغيره أن يقعد فيه وهو رأي صاحب التنبيه

وأن الوقف على طبقة بعد طبقة أو بطن بعد بطن يقتضي الترتيب ونقله عن جماعات

وأن الوقف على معين لا يحتاج إلى القبول وقد اختاره النووي في كتاب السرقة

قال الوالد هو ظاهر نصوص الشافعي ورأي الشيخ أبي حامد وكثيرين

وأن لفظ الصدقة كناية في الوقف فإذا نواه حصل به سواء أضافه إلى معين أو جهة

وأن الوقف الموقت صحيح مؤبد فيما يضاهي التحرير وهو رأي الإمام

وأن المعتبر في الوقف قصد القربة لا مجرد انتفاء المعصية

وأنه لا يجوز بيع الدار المتهدمة والحصر البالية والجذوع المتكسرة إذا كان وقفا أبدا وذكر أنه لم يقل أحد من الأصحاب ببيع الدار المتهدمة وأن ما في الحاوي الصغير غلط وما أوهمه كلام الرافعي مؤول

وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية لا يختص وقال بشرط أن يصرح بلفظ المسجد

وأن الوقف لا يرتد برد الموقوف عليه وإن لم يقبل وفرعه على اختياره أنه لا يشترط قبول الموقوف عليه

وأن المشروط له النظر في وقف كذلك لا يشترط قبوله ولا يرتد برده

وأن الولد إذا وهبه والده حبا فبذره فصار زرعا أو بيضا فأحضنه فصار فرخا لم يمنع ذلك والده من الرجوع في هبته

وأن هبة الدين لغير المديون صحيحة وهو ما صححه النووي في كتاب البيع

وأن تعلق حق غرماء الولد المتهب بماله للحجر عليه لا يمنع رجوع الوالد في الهبة

وأن اللقيط إذا وجد في ثيابه رقعة فيها أن تحته دفينا حكم بدفع المنازع فيه وما يترتب عليه من التصرف ولا يحكم بصحة ملكه له ابتداء وهو توسط بين وجهين للأصحاب إن قيل يرفعه ما اتفقوا عليه فهو من مذاهبه الخارجة عن قواعد المذهب فليلحق بالقسم الأول وإلا فهو من مصححاته على أصل الشافعي

وتوقف فيما إذا أرشدت الرقعة إلى دفين بالبعد عن اللقيط

وأن اللقيط المحكوم بكفره لا ينفق عليه من بيت الماء بل إن تطوع مسلم أو ذمي وإلا قسط على أهل الذمة

وأن الجد إذا أسلم والابن حي لا يستتبع الابن قال ولم يذهب أحد من

الأصحاب إلى أن الجد لا يستتبع سواء كان الابن حيا أو ميتا ولو ذهب أحد إلى تصحيحه لكان له وجه قوي هذا كلامه في شرح المنهاج ولا أحفظ عنه الذهاب إلى ما لم يذهب أحد إلى تصحيحه لا مذهبا لنفسه ولا تخريجا على أصل إمامه وبحثت معه غير مرة في المسألة فلم أسمعه يزيد على أنه لو ذهب إليه ذاهب من الأصحاب لكان متجها كان يقول لنا ذلك في مجالس المناظرة ولم يزد في شرح المنهاج عليه فلذلك لم أعز إليه في القسم الأول أنه يذهب إلى عدم الاستتباع

وأن الصبي إذا أسلم وقلنا بمشهور المذهب وهو عدم صحة إسلامه تجب الحيلولة بينه وبين أبويه وأهله الكفار خلافا لهما حيث رجحا أن الحيلولة مستحبة

وأن الأصول والفروع يدخلون في الوصية للأقارب

وأن قول الوصي هو له من مالي صريح في الوصية والذي في الشرح والروضة أنه كناية

وأنه إذا أوصى لشخص بدينار كل سنة صح في السنين كلها وهو ما رجحه الرافعي

وأن المودع وغيره من الأمناء إذا مات ولم نجد الوديعة في تركته ولا أوصى بها فإن وجدنا جنسها ضمن ضمان العقد لا العدوان وإن لم نجد جنسها لم يضمن

وأن صاحب الوديعة في صورة الضمان يتقدم على الغرماء

وأن مجرد التمييز يزول به التقصير

وأن ذكر الجنس كقوله مثلا عندي ثوب وديعة تمييز إذا لم يكن ثم ثوب غيرن

وأنه إذا مات ولم يوجد غيره نزل عليه وإن وجد أثواب أعطي واحدا منها

وأن الوديعة إذا تلفت بعد الموت بلا وصية وقلنا بالضمان كان مستندا إلى ما قبيل الموت لا إلى أول المرض

وأن دعوى الورثة رد مورثهم على المودع أو تلفها قبل نسبته إلى التقصير بغير بينة لا تسمع

وأن من انقطع خبره لا يقسم ماله بين ورثته ولا يحكم القاضي بموته وإن مضت مدة تغلب على الظن موته ما لم تقم بينة بموته وعزاه إلى النص

وأنه إذا حكم بموته لا يعطى ماله من يرثه وقت الحكم ولا قبيل الحكم بل من يرثه في الزمان الذي استند إليه الحكم فإذا حكم سنة خمس بأنه مات سنة أربع ورثه من يرثه سنة أربع لا سنة خمس

قال الشيخ الإمام ولعل هذا مرادهم وإن لم يصرحوا به

وأن المرأة تجاب إذا عينت كفؤا وعين الولي غيره خلافا للرافعي والنووي

وقال محل الخلاف في المجبر أما غيره فهو المجابة قولا واحدا

وأن النكاح ينعقد بالمستور كما قاله الرافعي والنووي ولكنه خالفهما في تفسيره فقال المستور من عرفت عدالته باطنا وشك هل هي موجودة حال العقد لا من لا يعرف منه إلا الإسلام فقط وهذا صعب

وأنه لا يحل نظر العبد إلى سيدته

وأنه لا يحل نظر الممسوح إلى الأجنبية

وأنه إذا أوجب النكاح فقال القائل الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت لم يصح للفصل وبه قال الماوردي

وأن قول ابن الحداد في المرأة لها ابنا معتق إن المعتق نفسه لو أراد نكاحها وأحد هذين الابنين منه والآخر من غيره فيزوجها ابنه منها دون ابنة من غيرها محتمل وإن كان معظم الأصحاب غلطوه من جهة أن ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق ولكن إذا خطبها زوجها السلطان

قال الوالد في كتاب الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق الولاء بمجرد العتق يثبت لجميع العصبات مع المعتق ويترتب عليه أحكامه لكن يقدم المعتق فإذا كان به مانع لم يمنع غيره

وأطال في ذلك في كتابه المذكور ولخصه في شرح المنهاج

وأن ما حكاه أبو الفرج السرخسي من أن ابن المعتقة يزوج عتيقها محتمل ظاهر

وكاد يرجحه في الكتاب المذكور ولكن لم يفصح بالترجيح بل أطال فيما يدل عليه

وأن الإجابة في سائر الولائم واجبة

وأن ظهور النشوز من المرأة مرة لا يبيح الضرب وهو ما ذكر الرافعي في المحرر أنه الأولى

وأن الإعسار بالمهر قبل الدخول لا يثبت خيار الفسخ قال وكذلك الإعسار ببعضه

وأنه إذا قال إن طلقتك أو متى أو إذا فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها وقع الثلاث وكان يذهب أولا إلى أنه لا يقع شيء ثم رجع عنه إلى قول الثلاث

وصورة المسألة عنده أن تقيد القبلية بما قبله بلحظة والرافعي والنووي رجحا وقوع المنجز فقط

وأنه إذا قال إن كان أول ولد تلدينه من هذا الحمل ذكرا فأنت طالق طلقة وإن كان آخر ولد منه جارية فأنت طالق ثلاثا

فولدت ذكرا ولم يكن غيره لا يقع الطلاق وهو وجه ذكر النووي أنه ضعيف شاذ مردود ولم يوافقه الوالد بل نصره وأطنب فيه في تفسير سورة الحشر

وأن ما مثل متى فإذا قال ما لم أطلقك فأنت طالق

يكون كما إذا قال متى لا كما إذا قال إذا لم أطلقك

وأن نفقة القريب لا تستقر في الذمة وإن فرضها القاضي

وأن من ضرب كوع شخص بعصا فتورم ودام الألم حتى مات فاحتمال القصاص فيها قائم ولم يجزم به لأنه نقل عدمه عن النص لكنه مال إليه

وفي كلام الرافعي والنووي في غرز الإبرة ما يشير إليه ولكنهما نقلا عدم الوجوب في أول الجراح عن الغزالي ولم يتعقباه بنكير واستدلا عليه بحديث

وأن الطريقة المفرقة بين الجارح والمثقل في العمد غيره هي الراجحة

وأنه لا يشترط في كون الجرح عمدا أن يعلم حصول الموت منه بل يكفي كون الجرح بصفة السريان

وأن المرتد لو قال عرضت لي شبهة فأزيلوها بعد وجوب قتله ناظرناه وأزحنا شبهته قبل القتل ما لم يظهر منه التسويف والمماطلة والمنقول في الروضة في هذه المسألة عن الغزالي خلاف الموجود في الوجيز المنقول في الشرح

قال الشيخ الإمام في كتاب السيف المسلول ومحل الخلاف إذا لم يظهر التسويف فإن ظهر لم تناظره قطعا

وأنه لا يجوز للولد السفر في تعلم ما هو فرض كفاية ولا في تجارة وإن كان الأمن غالبا إذا منعه أحد الوالدين

وأن طاعة الوالدين في الشبهات واجبة وأن طاعتهما تجب في ترك السنن إن لم يكن ذلك منهما على الدوام وإن كان على الدوام لم تجب طاعتهما

وأن الكنائس لا يعاد منها شيء إذا انهدم وإن قل وذكر أن الأمة أجمعت على أنا لا نأذن في الإعادة وإنما الخلاف في أن هل نمكن وأن الإعادة معناها الإعادة بتلك الآلة نفسها كما هو ظاهر لفظ الإعادة وذكر أن أحدا لم يقل تعاد بآلة أخرى وأن الخلاف في التمكين إذا انهدمت أو انهدم بعضها وبه صرح الشيخ أبو حامد في التعليق وغيره

وأنه إذا غصب فرسا وقاتل عليه لم يكن السهم له بل لصاحب الفرس

وأن الذمي إذا حضر الوقعة بإذن الإمام بلا أجرة لا يرضخ له من الأخماس الأربعة بل من خمس الخمس

وأن الحقيبة المشدودة على الفرس تدخل في السلب هي وما فيها

وأنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة ويدعي أنه بالغ يعطى بغير يمين كما رجح الرافعي والنووي نظيره في مدعي البلوغ بالاحتلام

وأنه إذا قامت عليه البينة بالسرقة فسئل فصدق الشهود ثم رجع سقط عنه القطع قال لأنه لما أقر صار الثبوت بإقراره لا بالبينة ولم يحوج إلى البحث عنها وهو قول أبي إسحاق في نظيره من الزنا

وأن نقل الثبوت في البلد جائز وإن قلنا بما صححه الرافعي والنووي من أنه ليس بحكم

وأن الثبوت حكم إن كان ثبوتا للمسبب دون ما إذا كان ثبوتا للسبب فإذا أثبت أن لزيد على عمرو ألفا كان حكما بها وإن أثبت أن زيدا باع عمرا دارا بألف لم يكن حكما بها

وأن القاضي لا تسمع عليه بينة ولا يطلب بيمين أبدا فيما يتعلق بالقضاء بخلاف ما يتعلق بخاصة نفسه

وأن القاضي المعزول لا يحلف وهو رأي الإصطخري واستحسنه الرافعي في المحرر

وأنه إذا استعدى على حاضر في البلد وقعت الإجارة على عينه وكان حضوره مجلس الحكم يعطل حق المستأجر لم يحضره حتى تنقضي مدة الإجارة

وأن السيد يحلف إذا ادعت أمته الاستيلاد ليمنع من بيعها وتعتق بالموت قال وقول الرافعي والنووي وابن الرفع لا يحلف محمول على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب

وأنه يصح قسمة الحديقة القابلة لقسمة التعديل المساقى عليها قبل انقضاء مدة المساقاة ويجبر الممتنع ولا يشترط رضا العامل قال ولكن يحذر من الربا بأن تجري القسمة بعد وجود الثمرة ويقع في كل من النصيبين فيصير بيع نخل ورطب بمثله وهو باطل من قاعدة مد عجوة وبناه على أصله أنه لا يصح بيع الأشجار المساقى عليها

والرافعي شبهه ببيع المستأجر ونقل فيه تفصيلا عن صاحب التهذيب استحسنه النووي

وابن الرفعة ألحقه ببيع الثوب عند القصار الأجير على قصارته

والشيخ الإمام خالف كلامهم أجمعين واختار الصحة والقسمة ثم وجد ذلك منصوصا في البويطي

وأن قسمة الرطب والعنب على الشجر ممتنعة ولو قلنا القسمة في ذلك إفراز وهو ما رجحه المحاملي وقال إنه المنصوص والبغوي وغيرهما

وأن الملك لا يقسم على الوقف وإن قلنا القسمة إفراز

وأن الشهادة بالردة لا تقبل مطلقة بل لا بد من التفصيل والبيان

وأن من قال أشهد أني رأيت الهلال تقبل شهادته وإن أخبر عن فعل نفسه

وأنه لا يحل لشافعي لعب الشطرنج مع من يعتقد تحريمه

قلت ولما وقف الشيخ الإمام الأديب الماهر بدر الدين الحسن بن عمر بن الحسن

ابن حبيب على هذا الترجمة ورأى هذه الترجيحات انتخب من الترجمة أماكن نمقها وضم إليها نفائس من ألفاظه التي يسامي الرياض رونقها وعرضها علي فوجدتها مشتملة

جواب الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد الطوسي تغمده الله برحمته

من نظمه ونثره على السحر الحلال ورأيتها أروى لكبد الظامئ من الماء الزلال وقلت له لم لا نظمت هذه الترجيحات في قصيدة تحفظ وخرطت نظام هذه المسائل في سلك يحرس ألفاظه أن تلفظ

فقال على أي زنة تريد وعلى أي قافية يبتغيها المستفيد

فقلت وكان قد اختتم الترجمة التي أنشأها بأبيات جيمية امتدحني فيها دونك قافية الجيم

فما كن بعد ليال إلا وقد وافى بعروس يجتليها ذو اللب ويجتنيها وأنشدني لنفسه ولم يستوعب الأماكن وإنما اقتصر على ما ستراه

ذكر شيء من مباحثه ولطائفه التي سمعناها منه ولم يودعها تصانيفه وربما وجد بعضها بخطه في مجاميعه

اعلم أن بابا مباحثه بحر لا ساحل له بحيث سمعت بعض الفضلاء يقول أنا أعتقد أن كل بحث يقع اليوم على وجه الأرض فهو له أو مستمد من كلامه وتقريراته التي طبقت طبق الأرض

ولما كان هذا شيئا كثيرا عمدنا إلى أمور سمعناها منه شفاها ولم يودعها تصنيفا له فذكرنا بعض ما حضرنا منها ومنها ما هو موجود بخطه في مجاميعه ورأيت جمعها هنا أثبت لها وأقر

سمعت الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن العلقة السوداء التي أخرجت

من قلب النبي صلى الله عليه وسلم في صغره حيث شق فؤاده وقول الملك هذا خط الشيطان منك إن تلك العلقة خلقها الله تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه صلى الله عليه وسلم فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي الشيطان فيه شيئا

قال هذا معنى الحديث ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظ قط وإنا الذي نفاه الملك أمر هو في الجبلات البشرية فأزيل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب

قال فإن قلت فلم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان يمكنه أن لا يخلق فيها

قلت لأنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني فلا بد منه ونزعه أمر رباني طرأ بعده

ورأيت بخط الأخ شيخنا الإمام أبي حامد أحمد سلمه الله أنه رأى الوالد في النوم على جبل مرتفع على بساتين عظيمة وأن بيد الأخ قنديلا يضيء عليه وهو يقرأ عليه هذا البحث فظن أن القنديل انطفأ فقال للوالد إن القنديل انطفأ مرات فرفع رأسه وقال له لا قال فتأملت فإذا هو كما قال ولكن كانت على الوالد أنوار ضعفت معها نور القنديل فظننت أنه انطفأ قال ووقع في نفسي في النوم أن تلك الأنوار ببركات هذا البحث

سمعت الوالد يقول ثم نقتله من خطه في قوله تعالى {وكذلك نري إبراهيم}

إلى قوله {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} ما نصه تكلم الناس في تفسيرها كثيرا وفهمت منها أن ذلك تعليم من الله سبحانه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام للحجة على قومه فأراه ملكوت السموات والأرض وعلمه كيف يحاجج قومه ويقول لهم إذا حاججهم في مقام بعد مقام على سبيل التنزل إلى أن يقطعهم بالحجة ولا يحتاج مع هذا إلى أن نقول ألف الاستفهام محذوفة ويؤخذ منه أن المقول على سبيل التنزل ليس اعترافا وتسليما مطلقا وقول الفقهاء تسليم على سبيل التنزل معناه هذا أي إنه يقول نقدر أن الخصم نطق به فلينظر ما يترتب عليه

وهذا الذي فهمته أرجو أنه أقرب من كل ما قيل فيها ويرشد إليه صدر الآية وعجزها أما صدرها فقوله {وكذلك نري إبراهيم} وأما عجزها فقوله {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه}

سمعت الوالد يقول ينبغي للمصلي في الركوع عند قوله خشع سمعي وبصري وعظمي وشعري وبشري وما استقل به قدمي لله أن يحرص على صدقه في هذا الكلام بأن يكون الخشوع محققا في القلب ويظهر أثره في هذه الأعضاء ليتحقق صدق هذا الخبر وإلا فالإخبار في هذا المقام بين يدي الله تعالى على خلاف الواقع صعب إلا أن يراد أنه متصورة في حال من هو كذلك وهو مجاز

سمعت الوالد في درس الشامية العصي يقول وقد قيل له كانت العادة قديما أن يذكر المدرس العصر نكتة فقال اذكروا مسألة أستخرج منها نكتة

فقلت أنا النكاح بلا ولي

فقال على الفور النكاح بلا ولي باطل لأن قوله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل) إما أن يراد به حقيقة اللفظ أو صورة النزاع وهو الحرة البالغة العاقلة أو مقيد بقيد يندرج فيه أو شيء يلزم منه أو أحد هذه الأمور الأربعة أو القدر المشترك بين الأول والثاني والأول والثالث والأول والرابع أو بين الثاني والثالث أو الثالث والرابع فهذه أحد عشر قسما على تقدير إرادة واحد منها يلزم ثبوت الحكم في صورة النزاع وواحد منها مراد لأنه جائز الإرادة مع صلاحية اللفظ له وغيرها منتف بالأصل فإذا ثبت أحد الملزومات الأحد عشر فيثبت اللازم وهو أن النكاح بلا ولي باطل

وأيضا فاعتقاد البطلان راجح لأنه على أحد عشر تقديرا كلها عليه دليل واحتمال الصحة على احتمال واحد لا دليل عليه فيكون مرجوحا فاعتقاد الصحة مع ذلك ممتنع لأنه يلزم منه الترجيح بلا مرجح وهو باطل فيكون اعتقاد الصحة باطل فيثبت مقابله وهو اعتقاد البطلان

سمعت الوالد رحمه الله في درس الغزالية يقول وقد سئل عن الدليل على تقبيل المصحف دليله القياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والوالد والصالح ومن المعلوم أن المصحف أفضل منهم

وسبب تقبيل الحجر الأسود ما ورد أنه يمين الله في الأرض والعادة تقبيل يمين من يقصد إكرامه فجعل إشارة إلى ذلك تعالى الله عن التشبيه

قال وهذا معنى لطيف في تقبيل الحجر الأسود والقرآن صفة الله فهو بذلك أحق

سمعت الوالد يقول في قوله تعالى {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} إنه سمع شيخه أبا الحسن الباجي يقول لم لا قيل اتخذ هواه إلهه قال الوالد فما زلت مفكرا في الجواب مذ أربعين سنة حتى تلوت ما قبلها وهو قوله {وإذا رأوك} إلى قولهم {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} فعلمت أن المراد الإله المعبود بالباطل الذي عكفوا عليه وصبروا وأشفقوا من الخروج عنه فجعلوه هواهم

سمعت الوالد يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روي له عن عمر بن الخطاب

وقال الواقدي لا نعلم أحدا من ولد عبد الرحمن بن عوف روى عن عمر سماعا غيره وكذلك قال يعقوب بن شيبة

قال الوالد في سماعه من عمر نظر لأنه توفي سنة خمس أو ست وتسعين وعمره خمس وسبعون سنة فيكون عند وفاة عمر ابن أربع فيكف يسمع

قال وقد روى له عن عمر البخاري والنسائي وذكر روايته عنه عمر عن البخاري والمزي في الأطراف حديث أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها ولم يرقم له في التهذيب إلا للنسائي

نقلت من خط الوالد رحمه الله وكنت أسمعه منه

فائدة قال الغزالي رحمه الله في نية الصلاة هي بالشروط أشبه وهذا ليس تصريحا بخلاف بل يحتمل أن يكون مراده أنها ركن يشبه الشرط

واعلم أن الفعل المجرد لا أثر له في نظر الشرع في العبادة وإنما يصير عبادة بالنية والنية فيها أميران أحدهما قصد الناوي والثاني الأثر الذي ينشأ عن ذلك القصد فذلك الأثر الناشئ الذي يكسب الفعل صفة العبادة وهو كون الفعل واقعا

على وجه الامتثال هو ركن بلا شك وهو مع الفعل كالروح مع البدن وتوجه قصد الناوي إلى ذلك خارج لأن القصد إلى الشيء غير الشيء فمن هنا أشبه الشرط

ولهذا اشتبه الأمر في كونها ركنا أو شرطا وصح أن يقال هي ركن باعتبار ذلك المعنى المقوم للفعل المقارن له المصاحب له من أوله إلى آخره فهو روحه وقوامه وصح أن يقال شرط لذلك القصد القائم بذات الناوي فهما أمران أحدهما قائم بذات الناوي والثاني صفة للفعل فالأول شرط والثاني ركن

ولا نعتقد أن الناوي يقصد الفعل المجرد وإنما يقصد الفعل بوصف كونه مطلوبا للرب تعالى وذلك الفعل مكتسب من ذلك الوصف صفة ينسبغ بها كما ينسبغ الثوب المصبوغ صبغه جزء منه والصبغ الذي هو فعل الفاعل خارج عنه وشرط فيه كذلك العبادة

وتأمل إذا قلت قمت إجلالا لك كيف صار القيام مكتسبا صفة الإجلال ولولاها لم يكن إلا مجرد نهوض فتأثر وتقوم بالإجلال وأشبه شيء به الروح والبدن فالقيام والبدن والإجلال هو الروح والقصد كنفخ الروح في البدن

ومن تأمل هذا المعنى لم يخالجه شك في أنها ركن مقارنة للفعل مقومة له داخلة في ماهية العبادة التي هي مجموع الفعل المنوي وليست المقارنة خاصة بالتكبير

فإن تلك مقارنة ذكرية والمقارنة الحكمية حاصلة في جميع الصلاة ألا ترى أن القيام إجلالا الإجلال مقارن له دائم معه وإن وصفناه بالخروج عن الماهية في التعقل فهو من جهة دون جهة وهو معه كالفاعل والمنفعل إذا نظرت إلى الفعل وجدت له خروجا من وجه ودخولا من وجه

وجدت بخط الوالد رحمه اله وكنت أسمعه منه اختلف الناس في شرط الحديبية من جاءك منا ترده هل هو مخصوص أو منسوخ في النساء بقوله تعالى {فلا ترجعوهن}

والذي اختاره أنه منسوخ وفسخ للعقد في بعض المعقود من الله تعالى الذي له أن يحدث من أمره ما شاء ولا ينبغي أن يقال إنه تخصيص لأن التخصيص بيان المراد فيكون قد أطلق في العقد العام وأريد به الخاص والنبي صلى الله عليه وسلم ينزه عن أن يظهر في العقود خلاف ما يضمره

ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق اللفظ بأمر الله تعالى من غير إرادة عموم ولا خصوص بل على مراد الله تعالى ثم جاء البيان من الله تعالى تخصيصا من عند الله تعالى

وجدت بخط الوالد رضي الله عنه كل من زرع أرضا ببذره فالزرع له إلا أن يكون فلاحا يزرع بالمقاسمة بينه وبين صاحب الأرض كعادة الشام فإن الزرع يكون على حكم المقاسمة على ما عليه عمل الشام

وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب الأرض بالشرط المعلوم بينهما فيثبت على ذلك

وإذا عرف هذا وتعدى شخص على أرض وغصبها وهي في يد الفلاح فزرعها على عادته لا نقول الزرع للغاصب بل للمغصوب منه على حكم المقاسمة وهذه فائدة جليلة تنفع في الأحكام

وجدت بخطه رحمه الله وكنت أسمعه منه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} هل الضمير في {فاغسلوا} للذين آمنوا فيكونوا مأمورين الآن بالغسل وقت القيام أو للذين آمنوا القائمين إلى الصلاة لما دل عليه الشرط فلا يكونوا مأمورين إلا وقت القيام للصلاة

وفيه بحث والأظهر الثاني

وهذه قاعدة شريفة ينبني عليها مباحث كثيرة

ويشهد لاختيار الثاني قوله تعالى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن} فطابق الأمر ما دل الشرط عليه

ومن المباحث المتعلقة به إذا قلت يا زيد إذا زالت الشمس فصل هل هو مأمور الآن أو لا يكون مأمورا إلا وقت الزوال وهو المختار

ولا يرد عليه أنا نختار أن الأمر قديم لأنه لا يلزم من قدم الأمر قدم كونه مأمورا

ولا يرد عليه أنا نختار قدم التعلق لأن التعلق بحسبه فالتعلق إنما هو بفعله وقت الزوال وبالقائمين وقت القيام فهم بهذا القيد متعلق الأمر وهم بدون القيد ليسوا متعلق الأمر

ولا يرد عليه أنا نختار في قوله إن طلعت الشمس فأنت طالق أن الإيقاع الآن والوقوع عند الطلوع لأنا لا نعني بالإيقاع إلا إيقاع ما يقع عند الطلوع

فافهم هذا فإنه من نفائس المباحث ولم أجده منقولا لكن حركني له قول الشافعي في الآية إن ظاهرها من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ

فتأملت كلامه لم يقل عليهم أن يتوضؤوا إذا قاموا إلى الصلاة

فانظر ما أنفع تأمل كلام العلماء رضي الله عنهم لا سيما إمام العلماء وخطيبهم رحمه الله

انتهى

قلت وقد تكلم الوالد في تفسيره على هذا أيضا وأطال فيه ذكره عند الكلام على قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}

وجدت بخط الوالد أحسن الله إليه قوله تعالى {ولا هم يحزنون} قيل إنه نفي للحصر فلا يلزم نفي الحزن

وجوابه على تسليم أن {هم يحزنون} للحصر تقدير {هم} داخلة على {ولا هم يحزنون} كما إذا دخل النفي على الفعل المؤكد يقدر التأكيد داخلا بعد النفي لا قبله وما أشبه ذلك وقدم في اللفظ بلا ليقابل بها {لا خوف عليهم} و {لا} مسلطة على {يحزنون} لا على الجملة

وسبب الحصر عند من يقول به يختص بالمضارع لأنه الذي يمكن أن يرفع الفاعل الذي يمكن تحويله إلى المبتدأ مثل زيد يقوم أصله يقوم زيد فاقتضى التقديم الحصر وهذا لا يتأتى في غيره

سمعت الشيخ الوالد رضي الله عنه يقول وقد ذكره في النوادر الهمداني من تصانيفه من قواعد الفلاسفة الفاسدة أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد فكونه مصدرا لج مثلا مخالف لكونه مصدرا لب فالمفهومان

إن كانا داخلين في الذات لزم التركيب أو خارجين لزم التسلسل الممتنع أو الانتهاء إلى التركيب إلى آخر ما نظموه من الشبهة

وهذا الذي قالوه بعينه يلزمهم في الواحد الصادر مع كونه صادرا عن الذات والنسب عندهم ثبوتية فيقال لهم الصادر وتأثير القادر فيه إما أن يكونا داخلين أو خارجين أو أحدهما داخلا والآخر خارجا وينقض كل قسم بنا نقضوه به فيتبين فساد كلامهم والله المستعان

سمعت الشيخ الوالد يقول وقد ذكر قول عبد الغني بن سعيد الحافظ إن الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه وطئ أهله في رمضان سلمة بن صخر البياضي وأن ذلك كان نهارا وأنه أصح من قول ابن إسحاق ليلا إن ابن إسحاق لم ينفرد به بل رواه الترمذي أيضا وحسنه وأن رجال إسناده ثقات وأن المختار عنده أنهما واقعتان وأن حديث أبي هريرة في الوقاع وحديث سلمة بن صخر في الظهار

قال وسواء أكان المبهم في حديث أبي هريرة هو سلمة بن صخر فيكون قد وقعت له واقعتان أم كان غيره

سمعت الشيخ الوالد يقول بعد أن ذكر اختلاف النحاة في لو تتبعت مواقع لو من الكتاب العزيز والكلام الفصيح فوجدت المستمر فيها انتفاء الأول وكون وجوده لو فرض مستلزما لوجود الثاني وأما الثاني فإن كان الترتيب بينه وبين الأول مناسبا ولم يخلف الأول غيره فالثاني منتف في هذه الصورة كقوله تعالى {لو كان}

فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وكقول القائل لو جئتني لأكرمتك لكن المقصود الأعظم في المثال الأول نفي الشرط ردا على من ادعاه وفي المثال الثاني أن الموجب لانتفاء الثاني هو انتفاء الأول لا غير

وإن لم يكن الترتيب بين الأول والثاني مناسبا لم يدل على انتفاء الثاني بل على وجوده من باب الأولى كقوله نعما العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن المعصية منتفية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى

وإن كان الترتيب مناسبا ولكن للأول عند انتفائه شيء آخر يخلفه مما يقتضي وجود الثاني كقولنا لو كان إنسانا لكان حيوانا فإنه عند انتفاء الإنسانية قد يخلفها غيرها مما يقتضي وجود الحيوانية

قال وهذا ميزان مستقيم مطرد حيث وردت لو وفيها معنى الامتناع وخاصيتها فرض ما ليس بواقع واقعا إما في الماضي والحال وهو الأكثر أو المستقبل وهو قليل كقوله

وقوله

إلى غير ذلك من الأمثلة

وقد ترد لو بمعنى إن لمجرد الربط كقوله

ولو باتت بأطهار

فليست من هذا القسم لأن امتناع الأول غير مقصود فيها بوجه وللاستقبال الذي دل عليه إذا حاربوا

وإنكار كون لو امتناعية جحد للضروريات ودعوى ذلك مطلقا منقوضة بما لا قبل به والضابط في ما ذكرته وأنشد لنفسه

قلت وهذا ملخص ما ذكره في كتاب كشف القناع في حكم لو للامتناع ولا أعرف الآن في بلاد الشام نسخة من هذا الكتاب فلذلك كتبت هذا ليستفاد فهو كما تراه في التحقيق

سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن قول الشاعر

إنما قال بالضحى ولم يقل بالدجى لأنها إذا لمعت وقت الضحى كان أبلغ وأدل على عظمها فإن القليل يلمع في الدجى ولا يلمع في الضحى إلا الكثير

سمعت الشيخ الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن معنى الرضع في قول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يخاطب الذين أخذوا لقاح النبي صلى الله عليه وسلم حين رماهم بالسهام

#واليوم يوم الرضع

الرضع اللئام أي اليوم يومكم أيها اللئام يقال رضع يرضع ثدي أمه بكسر الضاد في ماضيه وفتحها في مضارعه ورضع يرضع بالكسر في مضارعه والفتح في ماضيه عكس الأول إذا تلام والرجل راضع أي لئيم

سمعت الشيخ الإمام يجيب وقد سئل عن خندف التي ذكرها العباس رضي الله عنه في قوله

فقال خندف هذه امرأة الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قال وكانت من سراة نساء العرب وأخذ يذكر من نبئها ما يطول شرحه

سألت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله لم يقول المصلي في الاعتدال كلنا لك عبد ولا يقول عبيد مع عود الضمير في كلنا على جمع

فقال لأنه قصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد

سألت الشيخ الوالد لم لا يفترق الحال عند الصوفية بين إبداء الصدقة وإخفائها وقد نص القرآن على تفضيل الإخفاء

فقال المراد أن قلب الصوفي لا يتأثر بالإعلان لأنه لا يرى غير الله فكانا بالنسبة إليه سواء وإن كان الستر من حيث هو أفضل من الجهر من حيث هو

سألت الشيخ الإمام ما الحنث العظيم المشار إليه في قوله تعالى {وكانوا يصرون على الحنث العظيم}

فقال هو القسم على إنكار البعث المشار إليه في قوله تعالى {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت}

سئل الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه عن قول الشريف الرضي

وقول القاضي الفاضل

فقال وكتبته من خطه قول الشريف يحتمل ثلاث معان بعد فهم ثلاث قواعد إحداها قال الغزالي وغيره الوجودات أربعة وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في البيان ووجود في البنان

وأنا أقول هذه الوجودات الأربعة في كل موجود معقولا كان أو محسوسا فإن كان محسوسا فيزاد خامسا وهو الوجود في الحس والأمثلة معروفة ولا حاجة إلى التطويل بها

القاعدة الثانية أن الرؤية تكلم الحكماء فيها هل هي بالانطباع أو باتصال الشعاع وبسط هذا معروف في محله فلا حاجة إلى التطويل به

القاعدة الثالثة أن الحواس هل هي كالحجاب أو كالطاقات وفيه خلاف

إذا عرفت هذه القواعد الثلاث رجعنا إلى الاحتملات الثلاثة وهي في قوله أرى الديار بطرفي أحدها أن أرى الديار في محلها بطرفي المتصل شعاعه إليها فتكون الرؤية حقيقة والباء للاستعانة حقيقة

والثاني أن أرى الديار بانطباعها في ناظري فالرؤية حقيقة والباء في بطرفي للظرفية بمعنى في وهي أيضا حقيقة وإن كان مجيئها لذلك أقل من مجيئها للاستعانة

والثالث أن أرى الديار في قلبي بطرفي الذي هو كالطاق في الكشف لي عنها فالرؤية على هذا على قول من يجعل الحواس كالطاقات حقيقة وعلى قول من يجعلها كالحجاب مجاز والباء في بطرفي للاستعانة على القولين

هذه الاحتمالات الثلاثة في أرى الديار بطرفي

وأما أرى الديار بسمعي ففيه ثلاثة احتمالات أيضا أحدها الأول وعلى هذا يكون أرى مجازا عن أسمع والديار حقيقة وأوقع الرؤية عليها لإرادة السمع المتعلق بلفظها فهو من مجاز التركيب فقد اجتمع فيه مجاز الإفراد ومجاز التركيب في لفظها والباء للاستعانة

الثاني الثاني ويكون أرى مجازا عن أسمع والديار مجاز في الإفراد عن لفظها الحاصل في الحس تنزيلا للفظ منزلة المعنى والباء للظرفية والمجاز في الفعل والمفعول من مجاز الإفراد

الثالث الثالث فعلى قول من يجعل الحواس كالطاقات يكون أرى يمكن أن يكون حقيقة ويمكن أن يكون مجازا وكذا الديار أما الحقيقة فيهما فلأن الديار تتمثل في قلب السامع بسبب سماع لفظها فيكون السمع استعارته في حصول معناها في القلب وأما المجاز فلأن الحاصل في القلب علم عند قوم وسمع عند آخرين فوصفه بالرؤية ولم يحصل من حاسة الرؤية تجوز

إذا عرفت هذه الاحتمالات في بيت الشريف الرضي فالأبلغ إرادة المعنى الثالث وهو فاتني أن يشهدها قلبي بسبب رؤيتي بطرفي فلعل أن يشهدها قلبي بسبب سماع لفظها

وهذا المعنى كشفه القاضي الفاضل بقوله مثلته الذكرى وقال لسمعي لأنه طريق إما حاجب أو طاق والأبلغ أنه جعله كالطاق وأشار إليه وإلى حضوره في قلبه بقوله كأني أتمشى هناك وقال بالأحداق ليعلم أن السماع لم ينقص عن الرية ولأجل الطباق ولما في المشي بالأحداث من الخضوع والذلة والمحبة ولما في مد الأحداق إلى مواضع المنظور وتنقلها من مكان إلى مكان من زيادة التمتع والنعيم وهو المراد بالتمشي والله أعلم

ذكر الوالد رضي الله عنه مرة ما قاله السهيلي في قوله صلى الله عليه وسلم (أومخرجي هم) وأن فيه دليلا على حب الوطن ثم قال أحسن من حب الوطن أن يقال تحركت نفسه لما في الإخراج من فوات ما ندب إليه من إيمانهم وهدايتهم فإن ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقب ومع الإخراج منقطع وذلك هو الذي لا شيء عند الأنبياء عليهم السلام أعظم منه لأنه امتثال أمر الله تعالى وأما مفارقة الوطن فهو أمر جبلي والنبي صلى الله عليه وسلم أجل وأعلى مقاما من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم

حضرت الوالد رحمه الله مرة في ختمة وقد وصل القراء إلى سورة الإخلاص فقرءوها ثلاث مرات على العادة وكان على يمينه قاضي القضاة عماد الدين علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي فالتفت إلى الشيخ الإمام وقال في خاطري دائما أن أسأل عن الحكمة في إطباق الناس على تكريرها ثلاثا

فقال له الشيخ الإمام لأنه قد ورد أنها تعدل ثلث القرآن فتحصل بذلك ختمة

فقال القاضي عماد الدين فلم لا يقرءنها ثلاثا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان

فقال الشيخ الإمام مقصود الناس تحقيق ختمة واحدة فإن القارئ إذا وصل إليها فقرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن وإما ثوابها بقراءة الإخلاص ثلاثا وليس المقصود ختمة أخرى وهذا معنى مليح

سمعت الشيخ يقول في الدرس نقل الشيخ أبو حامد مذهب الزهري الجلد يحل الانتفاع به قبل الدباغ ونقله صاحب التتمة وقال إنه ليس بنجس وهو صحيح وزاد فقال إنه وجه لأصحابنا عن ابن القطان أن الزهومة التي فيها نجسة فهو كثوب متنجس وهذا خلاف مذهب الزهري فجعله إياه مثله ليس بجيد

ونقل الرافعي ما في التتمة بدون ذكر الزهومة نجسة وجعله كالثوب النجس فأوهم أنه طاهر يحل الانتفاع به مطلقا وليس بجيد وزاد بعضهم فنقل الوجه أنه يجوز أكله قبل الدباغ وهذا لما أوهمه كلام الرافعي وليس بجيد وإنما يأتي ذلك على مذهب الزهري أما عندنا فلا

وجدت بخط الشيخ الوالد رضي الله عنه فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه فأدرت أن أقول إن شاء الله تعالى في أرفعه لقوله تعالى {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} ثم قلت في نفسي إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المنقول عند النوم ولو كان مشروعا لذكره النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم فتطلبت فرقا بينه وبين كل ما يجريه الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة

ولا يقال إن أرفعه حال ليس بمستقبل لأمرين أحدهما أن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه

والثاني أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي

وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وأن ذلك ينبه على قاعدة يفرق بها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت أرفع جنبي باسم الله كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله وهو عمدة الكلام

فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد كلام العربية تجده يظهر لك به شرف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل صلى الله عليه وسلم

وإياك ثم إياك أن تنظر إلى إطلاق أن الجار والمجرور فضله في الكلام وتأخذه على الإطلاق بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب العزيز والسنة وكلام الفصحاء وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم منها اللفظ والمعنى واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم معنى كلام العرب ومقاصدها

وقواعد العربية تقتضي أن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة له وأن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه فهذا أصل الكلام ووضعه ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم وقد لا يكون على هذه الصورة فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور كما نحن فيه فإن المضطجع ووضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم وإنما قلنا كالمعلوم ولم نقل معلوم لأنه قد يموت

حضرت الشيخ رضي الله عنه وقد جاءه بريدي من جهة أرغون نائب الشام يقول له عنه قال لك ملك الأمراء بأي مستند تكتب على كتاب بعلبك وهو ملك غيرك بغير إذن صاحبه وقد أفسدته بكتابتك عليه

اكتب لنا جوابك

وكان الوالد قد كتب على مكتوب قرية حريثا من بعلبك أنه إثبات باطل فلا يغتر به وكان قصده الحق والخشية من الاغترار بالكتاب

فأخذ الوالد ورقا وكتب من رأس القلم ما أعطاه للبريدي ليوصله إلى ملك الأمراء

ونصه إن قيل ما مستندكم في الكتابة على كتاب بعلبك فالجواب أن مستندنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين والقياس

أما كتاب الله فقوله {ليحق الحق ويبطل الباطل} فإبطال الباطل من سنة الله فكتابتي عليه بالإبطال لذلك

وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فلغيره بيده) وكتابتي عليه تغيير بيدي وفي الحديث الصحيح (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) فكتابتي عليه من القيام بالحق

وقال الله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} فكتابتي عليه من البيان للناس

وقال صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) والكتاب الزور عرق باطل فيجب إزالته

وقال صلى الله عليه وسلم (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم فقد تودع منهم) والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من هذا فهذا من الكتاب والسنة

وأما الإجماع فإجماع الصحابة مع عثمان رضي الله عنهم على تحريق المصاحف الباطلة لما فيها من زيادة أو نقص على المصحف المجمع عليه فإذا جاز تحريق الكتاب لباطل فيه فالكتابة عليه بالإبطال أولى

وأما القياس فعلى خصم الكتب في الابتياعات والأوقاف وغيرها حتى لا يغتر الناس بها إذا لم يكتب عليها فكان الواجب في هذا الكتاب بيان ما فيه وهو عندي في هذا الوقت أولى من إعدامه لأنه عند إعدامه قد يقول قائل كان ما فيه حقا وأما عند وجوده فالفاضل يتأمله فيفهم بطلانه

ولا ينبغي أن يعطى لمن كان في يده لأمرين

أحدهما أنه يتعلق به وقد يحصل منه إزالة ما كتب عليه وتلبيس يوصل إلى البطل ولكن يحفظ ي سلة الحكم فيراه كل قاض يأتي فيعتمد الحق ويجتنب الباطل

والثاني أن الكتب إنما يملكها من له فيها حق فإذا بيعت الدار فكتبها ينتقل ملكها بانتقال الدار إلى المشتري لتشهد له بملكها

وهذا الكتاب لا حق فيه لمن هو في يده لتزويره وبطلانه فلم يجب تسليمه إليه بل ولا يجوز إلا أن يغسل ويمحى ما فيه ويدفع له الرق مغسولا فلا يمنع ذلك وتوهم من نظر بعد ذلك فيه مندفع بعلمه بفعل ولاة الأمور لذلك الذين هم منتصبون لتحقيق الحق وإبطال الباطل

وقد أزال النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام التي كانت على الكعبة بيده ونص الفقهاء على جواز إتلاف ما يوجد من التوراة والإنجيل وإن كان لورقها مالية وقد كانت ملك شخص معين أو أشخاص أو المسلمين فإذهاب ماليتها عليهم إنما هو لانطوائها على الباطل فهذا مثله لو كانت له قيمة فكيف ولا قيمة له لأنه إنما ينتفع به لشهادته بما فيه وما فيه باطل فلا منفعة له وما منفعة له لا قيمة له

وأيضا فإن الذي في يده هذا الكتاب قد دفع إلينا هذا الكتاب وهو مع غريمه

متداعيا في حكم الشرع وقد تبين في حكم الشرع أنه لا حق له فيه فوجب علينا بحكم الشرع أن نبطله ونرفع يده عنه ويصير في يد الشرع ليستمر عمل الحق فيه وفي مقابله

وما برح الناس من العلماء والقضاة والشهود والكتاب في الديار المصرية وغيرها يكتبون على المكاتيب ما تجب كتابته من انتقال أو خصم أو غيره فكذلك هذا

والقول بأن هذا ملك الغير فلا يجوز إمساكه جهل من قائله أو عدم تأمل

ذكر شيء من مقالاته في أصول الديانات

ذهب إلى أن الكلام النفسي يسمع وهو أحد قولي الأشعري

وأن التعلق قديم وهو أيضا رأي الأشعري

وتردد في فناء الروح عند قيام القيامة قال والأظهر أنها لا تفنى أبدا

ورأى انحصار اللذات في العلوم والمعارف وهو رأي الإمام فخر الدين الرازي قال وما عداها دفع آلام

وذهب إلى امتناع المعاصي صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وبعدها كما نص عليه في تفسيره في سورة الزمر

وقال البشر أفضل من الملك ولكن لا يجب على المكلف اعتقاد ذلك ولو لقي الله ساذجا من هذه المسألة لم يبال

وقال إن الرضا غير الإرادة ذكره في التفسير في سورة الزمر وحكى فيه أقوالا أحدها أنه نفسها والثاني غيرها وهو صفة فعل والثالث غيرها وهو صفة ذات وعزا هذين القولين إلى ابن كلاب ولم يرجح منهما شيئا

ومن كلامه في التصوف والمواعظ والحكم

وهذا بحر واسع يسع مجلدات وقد تضمن الكثير منه تصانيف له لطاف ونحن نشير إلى يسير مما لم يخصه بالتصنيف

سمعت الشيخ الإمام يقول الصوفي من لزم الصدق مع الحق والخلق مع الخلق

نقلت من خط الشيخ الإمام فكرت وجدت منشأ الفساد كله من الكبر

وهو أول المعاصي لما استكبر إبليس وذلك أن القلب إذا كبر استعلى واحتقر غيره فيمنعه ذلك من قبول الموعظة ومن الانقياد وإذا صغر وحقر انقاد واستسلم وانطاع لمن هو أكبر منه فيؤثر فيه كلامه ووعظه ويعرف به الحق فيحصل له كل خير

ووجدت الصلاح كله في كلمتين من الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وسلم (وعليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك) أما قوله (وعليك بخويصة نفسك) فإن في الاشتغال بنفسه تهذيبها وتنقيتها من الدنس وتكسبها الصفات الحميدة التي تجاور بها رب العالمين والاشتغال بالناس لا خير فيه

وأما قوله (وليسعك بيتك) فالسلامة في العزلة ومتى خرج الإنسان من بيته تعرض للشقاء وانظر إلى قوله تعالى {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} وقد نظمت هذا المعنى في قولي

انتهى

قلت رأيت بخط الشيخ الإمام رضي الله عنه في حائط خلوته تجاه وجهه ما نصه (كن حلس بيتك

(انصر أخاك

(كل المسلم على المسلم حرام

(دع ما يريبك

(عليك بخويصة نفسك ويسعك بيتك) انتهى كأنه كتبه تذكرة لنفسه كلما أراد أن يخرج من البيت رحمه الله ما كان أكثر مجاهدته للنفس

نقلت من خطه قدس الله روحه كل عمل العبد الصالح ينبغي له أن يخفيه عن كل أحد حتى يلاقي به الله تعالى يوم القيامة فهو أعلم به ويجازيه به وإذا تكلم مع أحد بقدر الضرورة في علم أو نحوه فينوي به إما إفادته أو الاستفادة فهذان الأمران ينبغي للعاقل أن يلزمهما ولا يغفل عنهما والتجربة تفيدهما وتفيد أن الناس عدم بالكلية لا ينفعون شيئا وإذا تحقق العبد ذلك انتفى عنه الرياء وخرج من قلبه محبته ولزم الأمرين المذكورين والله أعلم

وفي أصول الفقه والمنطق والبيان والنحو وفنون المغازي والسير والأنساب وغيرها

ذهب إلى أن المفهوم حجة في الشرع دون اللغة والعرف

وأن تقديم المعمول يفيد الاختصاص

وأن الاختصاص غير الحصر

وأن تعميم النكرة في سياق النفي باللزوم لا بالوضع

وأن العام المخصوص حقيقة قال والمراد به الخصوص مجاز بالإجماع

وأن قريشا ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وهو رأي شيخه الحافظ أبي محمد الدمياطي

وأن دمشق فتحت عنوة

وأن من الاستفهامية ليست للعموم في الإفراد بل للماهية ولا يظهر بينه وبين الأصوليين خلاف معنوي

وأن قولك من عندك يطلب به التصور لا التصديق قال ومن زعم أن المطلوب بها التصديق فقد غلط

وأن الجواب فيها مفرد لا مركب ولا يقدر له مبتدأ ولا خبر

قال وعلى هذا قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} قال وقد جاء في الآية الأخرى {خلقهن العزيز العليم}

قال وهو ابتداء كلام يتضمن الجواب وليس اقتصارا على نفس الجواب بخلاف الآية قبلها

قال فقوله {الله} في جواب {ولئن سألتهم من خلقهم} اسم مفرد والذي تقدره النحاة من أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ونحو ذلك إنما يصح بأحد طريقين أحدهما أن لا يراد الاقتصار على الجواب بل زيادة إفادة الإخبار كما قلناه في قوله تعالى {خلقهن العزيز العليم} ويحصل في ضمن ذلك الجواب وهو إفادة التصور

والثاني أن يراد الاقتصار على الجواب لفظا ويدل بالالتزام على المعنى التصديقي وهو أن الله خلقهم فنظر النحاة إلى هذا المعنى الالتزامي وأعربوا عليه لأن صناعتهم تقتضي النظر فيه ليكون كلاما تاما وليس من صناعتهم النظر في المفرد

قال لكن يبقى بعد هذا بحث وهو أنه إذا كان مفردا فحقه أن لا يعرب لأن الأسماء قبل التركيب لا معربة ولا مبنية وإذا لم يكن معربا فحقه أن ينطق به موقوفا وهو قد جاء في القرآن مرفوعا فلعل هذا مراعاة لما استفيد منه بدلالة الالتزام فجعل

كالمركب وهو الذي بنى عليه النحاة إن ثبت أن الأسماء المفردة لا يجوز النطق بها مرفوعة وإلا فقد يقال إنها ينطق بها على هيئة المرفوع لأن الرفع أقوى الحركات ولهذا نقول في العدد واحد اثنان بالألف كهيئة المرفوع

قال وأصل هذا إذا قيل ما الإنسان فقيل الحيوان الناطق فإنه مفرد ليس بكلام إنما يقصد به ذكر هذا لتصور حقيقة الإنسان ولهذا يعد المنطقيون الحد خارجا عن الكلام ومتى قيل هو الحيوان الناطق كان دعوى لا حدا والنحاة لم يتعرضوا لذلك

وذهب إلى أن الجار والمجرور والظرف إذا وقعا خبرا يكونان خبرا ولا يقدر فيهما كائن ولا استقر

وقد رأيته معزوا إلى أبي بكر بن السراج شيخ أبي علي الفارسي في كتاب الشيرازيات

وذهب إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر كما هو رأي البخاري وخالف فيه شيخه الدمياطي وأهل المغازي ابن إسحاق وابن سعد والواقدي وموسى بن عقبة وخليفة بن خياط وغيرهم

وذهب إلى أن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا لا حديث العقيقة ولا غيره وهو رأي أحمد بن حنبل ويحيى بن معين

وأنكر أن يكون يعقوب أو شعيب أو غيرهما من الأنبياء عليهم السلام حصل له عمى وشدد النكير على مدعيه وأول جميع الظواهر الواردة فيه

قال الشيخ الإمام يقال جاء شيء

ولا يقال جاء جاء

وإن كان الجائي أخص من شيء وذلك لأن جاء مسند والمسند إليه الفاعل ومعرفة المسند إليه متقدمة

على معرفة المسند فمن عرف الجائي عرف المجيء فلا يبقى في الإسناد فائدة والشيء قد يعرف ولا يعرف مجيئه

ذكر عدد مصنفاته رحمه الله

الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم لم يكمل

تكملة المجموع في شرح المهذب بنى على النووي رحمه الله من باب الربا ووصل إلى أثناء التفليس في خمس مجلدات

التحبير المذهب في تحرير المذهب وهو شرح مبسوط على المنهاج كان ابتدأ فيه من كتاب الصلاة فعمل قطعة نفيسة ذكر لي أن الشيخ علاء الدين أبا الحسن الباجي وقف عليها فقال له هذا ينبغي أن يكون على الوسيط لا المنهاج فأعرض عنه

الابتهاج في شرح المنهاج للنووي وصل فيه إلى أوائل الطلاق

الإيهاج في شرح المنهاج في أصول الفقه عمل منه قطعة يسيرة فانتهى إلى مسألة مقدمة الواجب ثم أعرض عنه فأكملته أنا

رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب بدأ فيه فعمل قليلا من أوله ومن المنطق وأنا لم أقف على هذه القطعة ولكن بلغني أنها نحو كراسة واحدة وقد

وسمت أنا شرحي على المختصر بهذا الاسم تبركا بصنع الوالد رضي الله عنه

الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي

الوشي الإبريزي في حل التبريزي لم يكملا

كتاب التحقيق في مسألة التعليق وهو الرد الكبير على ابن تيمية في مسألة الطلاق

رافع الشقاق في مسألة الطلاق وهو الصغير

أحكام كل وما عليه تدل

بيان حكم الربط في اعتراض الشرط على الشرط

شفاء السقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وسلم وهو الرد على ابن تيمية وربما سمي شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة

السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم

التعظيم والمنة في {لتؤمنن به ولتنصرنه}

منية الباحث عن حكم دين الوارث

نور الربيع من كتاب الربيع وهو كتاب جليل حافل كان وضعه على الأم لم يتمه وما كتب منه إلا قليلا

الرياض الأنيقة في قسمة الحديقة

الإقناع في الكلام على أن لو للامتناع

وشي الحلى في تأكيد النفي بلا

الرد على ابن الكتناني

الاعتبار ببقاء الجنة والنار

ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير

كيف التدبير في تقويم الخمر والخنزير

السهم الصائب في قبض دين الغائب

الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق

فصل المقال في هدايا العمال

مختصر فصل المقال

نور المصابيح في صلاة التراويح ضياء المصابيح ضوء المصابيح إشراق المصابيح تقييد التراجيح ومصنفان آخران في ذلك تكملة سبعة

إبراز الحكم من حديث (رفع القلم

الكلام على حديث (رفع القلم

الكلام على حديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث

الكلام مع ابن أندراس في المنطق

جواب سؤال علي بن عبد السلام

أجوبة أهل طرابلس

رسالة أهل مكة

أجوبة أهل صفد

فتوى أهل الإسكندرية

الفتوى العراقية

جواب سؤالات الشيخ الإمام نجم الدين الأصفوني نزيل مكة

المناسك الكبرى

المناسك الصغرى

كشف الغمة في ميراث أهل الذمة

الفتاوى

فتوى كل مولود يولد على الفطرة

مسألة فناء الأرواح

مسألة في التقليد في أصول الدين

النوادر الهمدانية

إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس

المفرق في مطلق الماء والماء المطلق

الاتساق في بقاء وجه الاشتقاق

الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة

المباحث المشرفة

النقول والمباحث المشرقة

طليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر

مختصر طبقات الفقهاء

أحاديث رفع اليدين

المسائل الحلبية وهي التي سئل عنها من حلب

أمثلة المشتق وهي أرجوزة

القول الصحيح في تعيين الذبيح

القول المحمود في تنزيه داود

الجواب الحاضر في وقف بني عبد القادر

حديث نحر الإبل

قطف النور في مسائل الدور

النور في الدور وله فيها مصنف ثالث وهذا في الديار المصرية ثم رجع عن مقالة ابن الحداد وصنف في الشام مصنفين آخرين في ذلك أحدهما أملاه علي

مسألة ما أعظم الله

مسائل سئل عن تحريرها في باب الكتابة

مسألة هل يقال العشر الأواخر

مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر

الإقناع في تفسير قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}

الرفده في معنى وحده

جواب سؤال من القدس الشريف

منتخب تعليقه الأستاذ في الأصول

عقود الجمان في عقود الرهن والضمان

مختصر عقود الجمان

ورد العلل في فهم العلل

وقف بني عساكر

البصر الناقد في لا كلمت كل واحد

الكلام على الجمع في الحضر لعذر المطر

الصنيعة في ضمان الوديعة النقول البديعة في ضمان الوديعة حسن الصنيعة في ضمان الوديعة

التهدي إلى معنى التعدي

بيان المحتمل في تعدية عمل

الحلم والأناة في إعراب قوله {غير ناظرين إناه}

القول الجد في تبعية الجد

الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض

تفسير {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا} وهو غير التهدي وغير بيان المحتمل أبسط منهما

المواهب الصمدية في المواريث الصفدية

كشف الدسائس في هدم الكنائس

تنزيل السكينة على قناديل المدينة

الطريقة النافعة في المساقاة والمخابرة والمزارعة

من أقسطوا ومن غلوا في حكم نقول لو

نيل العلا بالعطف بلا

حفظ الصيام عن فوت التمام

جواب سؤال ورد من بغداد

كتاب الحيل وهو جواب سؤال بيبغاروس نائب حلب الوارد من حلب

كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا وهو جواب عن أسئلة وردت من أرتنا ملك الروم

جواب أهل مكة

جواب المكاتبة في حارة المغاربة

هرب السارق

خروج المعتدة

معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي

سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف

وقف بيسان

وقف أولاد الحافظ

النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني

موقف الرماة في وقف حماه مركز الرماة

القول النقوي في الوقف التقوي

القول المختطف في دلالة كان إذا اعتكف

كشف اللبس عن المسائل الخمس

غيرة الإمان لأبي بكر وعمر وعثمان

أجوبة سؤالات أرسلت إليه من مصر حديثية أوردها بعض المشايخ على كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي

مسألة زكاة مال اليتيم

الكلام على لباس الفتوة وهو فتوى الفتوة

بيع المرهون في غيبة المديون

الألفاظ هل وضعت بإزاء المعاني الذهبية أو الخارجية

أجوبة مسائل سألته أنا عنها في أصول الفقه

العارضة في البينة المتعارضة

مسألة تعارض البينتين

كتاب بر الوالدين

أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية

الكلام على قوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}

نصيحة القضاة

الاقتناص في الفرق بين الحصر والقصر والاختصاص في علم البيان

ذكر النبأ عن وفاته رضي الله تعالى عنه وأرضاه

ابتدأ به الضعف في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وسبعمائة واستمر عليلا إلا أنه لم يحم قط

وسمعته يقول كنت أقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام في سنة ست وسبعمائة فعرضت لي حمى في بعض الأيام وجاء وقت الميعاد فأتى كاتب الأسماء وقال وأنا محموم قد اجتمعت الناس فكدت أبطل ثم قلت لا والله لا بطلت مجلسا تذكر فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فتحاملت وأنا محموم وقرأت الميعاد ووقع في نفسي أني لا أحم أبدا فما حصلت لي حمى بعدها

واستمر بدمشق عليلا إلى أن وليت أنا القضاء ومكث بعد ذلك نحو شهر وسافر إلى الديار المصرية وكان يذكر أنه لا يموت إلا بها فاستمر بها عليلا يويمات يسيرة

ثم توفي ليلة الاثنين المسفرة عن ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة بظاهر القاهرة ودفن بباب النصر تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه

وأجمع من شاهد جنازته على أنه لم ير جنازة أكثر جمعا منها

قالوا إنه لما مات ليلا بالجزيرة ما انفلق الفجر إلا وقد ملأ الخلق ما بين الجزيرة إلى باب النصر ونادت المنادية مات آخر المجتهدين مات حجة الله في الأرض مات عالم الزمان وهكذا ثم حمل العلماء نعشه وازدحم الخلق بحيث كان أولهم على باب منزل وفاته وآخرهم في باب النصر وقيل لم يحاك ما يقال عن جنازة الإمام أحمد بن حنبل سوى جنازة الشيخ الإمام في كثرة اجتماع الناس تغمده الله برحمته

حكى لي الشيخ الإمام العالم الصالح فخر الدين الضرير قال لم أكن اجتمعت بالشيخ الإمام وليلة موته قلت هذا شيخ المسلمين فأقوم للصلاة عليه وشهود جنازته خالصا لله فإني لا أعرفه ولا أعرف أحدا من أولاده ولا من خواصه

قال ولم أكن أعرف أحدا منكم

قال ففعلت ذلك ثم نمت ليلتي تلك فرأيته في المنام في مكان مرتفع وهو يقول بلغني صنيعك

وتكاثرت المنامات عقب وفاته من الصالحين وغيرهم بما هو الظن به عند ربه ولو حكيناها لطال الشرح

وحكى بعض الصالحين قال رأيته في المنام بعد ليلتين أو ثلاث من موته فقلت له ما فعل الله بك قال فتحت لي أبواب الجنة وقال لي ادخل

فقلت وعزتك لا أدخل حتى يدخل كل من حضر الصلاة علي

رحمه الله تعالى

ذكر شيء مما سمعناه من مراثيه

وما أنشد أهل العصر فيه

أما المدائح فتربو على مجلدات فلا معنى للتطويل بها وأما المراثي فنذكر منها ما حضرنا

كتب إلي شاعر الوقت جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة وسمعتها من لفظه

وقال أديب الزمان القاضي صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي أمته الله به

وقال أيضا مما كتب به إلى الشيخ بهاء الدين أبي حامد أحمد

وقال أيضا

وقال الشيخ برهان الدين إبراهيم القيراطي

وقال السيد الشريف الأديب الفاضل شهاب الدين الحسين بن محمد الحسيني موقع الدست الشريف بالأبواب الشريفة عفا الله عنه ورحمه

وقال ولده أحمد في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة وهو شهر الوفاة

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 10- ص: 139

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي. تقي الدين أبو الحسن الفقيه الشافعي المفسر الحافظ الأصولي النحوي اللغوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي النظار البارع، شيخ الإسلام أوحد المجتهدين.
ولد بسبك من أعمال الشرقية في مستهل صغر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وحفظ «التنبيه» وقدم القاهرة فعرضه على القاضي تقي الدين بن بنت الأعز، وقرأ القراءات على التقي الصائغ، والتفسير على العلم العراقي، والحديث على شرف الدين الدمياطي، والفقه على والده، ثم على جماعة آخرهم ابن الرفعة، والأصول على العلاء الباجي، والنحو على أبي حيان، والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء الله وغيرهم، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم، وإسماعيل بن الطبال، وخلق، يجمعهم «معجمه» الذي خرجه له الحافظ شهاب الدين بن أيبك.
وبرع في الفنون وتخرج به خلق في أنواع العلوم.
وتفقه به جماعة من الأئمة، كالإسنوي، وأبي البقاء، وابن النقيب، وقريبه تقي الدين بن أبي الفتح وأولاده، وغيرهم.
وناظر، وأقر له الفضلاء، وولي قضاء دمشق بعد الجلال القزويني، في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين، فباشره بعفة ونزاهة على الوجه الذي يليق به ست عشرة سنة وشهرا، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، ولم يعارضه أحد من نواب الشام إلا قصمه الله.
وولي مشيخة الحديث الأشرفية، والشامية البرانية، والغزالية، والعادلية الكبرى، والأتابكية، والمسرورية، ودرس بكل منها، قال ولده: والذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ من المزي، ولا أورع من النووي، وابن الصلاح وقد خطب بجامع دمشق مدة طويلة.
قال ولده وأنشدني شيخنا الذهبي لنفسه إذ ذاك:

وجلس للتحدث بالكلاسة فقرأ عليه قريبه تقي الدين أبو الفتح السبكي جميع «معجمه» وسمع عليه خلائق منهم الحافظان أبو الحجاج المزي، وأبو عبد الله الذهبي. ذكره الذهبي في «المعجم المختص فقال: القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء، إلى أن قال: وكان صادقا، متثبتا، خيرا، دينا، متواضعا، حسن السمت، من أوعية العلم، يدري الفقه ويقرره، وعلم الحديث ويحرره، والأصول ويقربها، والعربية ويحققها، وصنف التصانيف المتقنة، وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل، سمعت منه، وسمع مني، وحكم بالشام وحمدت أحكامه، فالله يؤيده ويسدده، سمعنا «معجمه» بالكلاسة.
وقال الإسنوي في «طبقاته»: كان أنظر من رأيناه من أهل العلم، ومن أجمعهم للعلوم، وأحسنهم كلاما في الأشياء الدقيقة، وأجلدهم على ذلك، إن هطل در المقال فهو سحابه، أو اضطرم نار الجدال فهو شهابه، وكان شاعرا أديبا، حسن الحظ، وفي غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث، ولو على لسان آحاد المستفيدين منه، خيرا، مواظبا على وظائف العبادات، كثير المروءة، مراعيا لأرباب البيوت، محافظا على ترتيب الأيتام في وظائف آبائهم.
ولازم الاشتغال والاشتغال، والتصنيف، والإفتاء، وتخرج به فضلاء عصره.
ومحاسنه ومناقبه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ذكر له ولده في «الطبقات الكبرى» ترجمة طويلة، في أكثر من أربعة كراريس، قال: وكان شيخه ابن الرفعة يعامله معاملة الأقران، ويبالغ في تعظيمه، ويعرض عليه ما يصنعه في «المطلب» وقال شيخه الدمياطي: إمام المحدثين.
وقال ابن الرفعة: إمام الفقهاء، فلما بلغ ذلك الباجي فقال: وإمام الأصوليين وكان محققا مدققا نظارا جدليا، بارعا في العلوم، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة، والدقائق اللطيفة، والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها.
وفي آخر عمره استعفى من القضاء، ورجع إلى مصر متضعفا، فأقام بها دون العشرين يوما، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية.
وصنف نحو مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصرا، والمختصر منها لا بد وأن يشتمل على ما لا يوجد في غيره، من تحقيق وتحرير لقاعدة، واستنباط وتدقيق، منها «تفسير» القرآن العظيم، في ثلاث مجلدات، لم يكمل، و «الابتهاج في شرح المنهاج» وصل فيه إلى الطلاق، في ثلاث مجلدات، و «الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي» و «نور الربيع في الكلام على ما رواه الربيع» و «السيف المسلول على من سب الرسول» و «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» و «رفع الشقاق في مسألة الطلاق» و «رد على الشيخ زين الدين بن الكتاني في اعتراضاته على الروضة» و «الفتاوى» في مجلدين، وفيه كثير من مصنفاته الصغار، و «نيل العلا في العطف بلا» و «الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص» و «التعظيم والمنة» في إعراب قوله تعالى. {لتؤمنن به ولتنصرنه} «وكشف القناع في إفادة لو للامتناع» و «من أقسطوا ومن غلوا في حكم من يقول لو» و «الرفدة في معنى وحدة» و «كل وما عليه تدل» و «بيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط» و «التهدي إلى معنى التعدي» وغير ذلك.
ومن نظمه:
وله:

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 416

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام قاضي القضاة الحافظ العلامة البارع عالم الديار المصرية تقي الدين أبو الحسن القاضي زيد الدين السبكي المصري الشافعي المحدث مولده سنة ثلاث وثمانين وست مائة وسمع من أصحاب ابن باقا ومن الحافظ أبي محمد الدمياطي، ولحق بالإسكندرية يحيى بن الصواف، وبدمشق الموازيني، وابن مشرف.
وعني بالرواية أتم عناية.
وكان تام العقل متين الديانة مرضي الأخلاق طويل الباع في المناظرة قوي المواد جزل الرأي مليح التصنيف.
أخبرنا علي بن عبد الكافي الحافظ، بكفربطنا، بقراءتي، أنا يحيى بن أحمد، أنا محمد بن حماد.
ح وأخبرنا محمد بن الحسين، أنا ابن عماد، أنا ابن رفاعة، أنا الخلعي، أنا عبد الرحمن بن عمر، أنا أبو سعد بن الأعرابي، نا سعدان، نا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأوبر، عن أبي هريرة قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حافيا، وناعلا، وقائما، وقاعدا، وينصل عن يمينه، وعن شماله».
هذا حديث غريب، واسم أبي الأوبر: زياد الحارث، كوفي سماه يحيى بن معين
توفي قاضي القضاة....
سنة ست وخمسين وسبع مائة بالقاهرة، سامحه الله وعفا عنه في ليلة يسفر صباحها عن يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة من السنة بالقاهرة.

  • مكتبة الصديق، الطائف - المملكة العربية السعودية-ط 1( 1988) , ج: 2- ص: 34

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي الأنصاري الخزرجي السبكي والدي، قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن الشافعي. سمع بالإسكندرية من أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز ابن الصواف، وأبي القاسم عبد الرحمن بن مخلوف ابن جماعة، ويحيى بن محمد بن عبد السلام، وبالقاهرة من أبي الحسن علي بن نصر الله ابن الصواف، وأبي الحسن علي بن عيسى ابن القيم، وأبي الحسن علي بن محمد بن هارون الثعلبي، والحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، وشهاب بن علي المحسني، والحسن بن عبد الكريم سبط زيادة، وموسى بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد العظيم ابن السقطي، ومحمد بن المكرم الأنصاري، ومحمد بن محمد بن عيسى الصوفي، ومحمد بن نصير ابن أمين الدولة، ويوسف بن أحمد المشهدي، وعلي بن نصير بن نبإ المقرئ، وعمر بن عبد العزيز بن الحسين بن رشيق، وأحمد ابن الشيخ شمس الدين ابن العماد، وأحمد بن عبد الرحمن بن درادة، وشهدة بنت عمر ابن العديم. ورحل إلى دمشق وسمع بها من ابن الموازيني، وابن مشرف، وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وأحمد بن محمد الدشتي، وعيسى بن عبد الرحمن المطعم، وإسحاق بن أبي بكر ابن النحاس، وسليمان بن حمزة، وفاطمة بنت سليمان الأنصاري، وفاطمة بنت البطائحي وجماعة.
وأجاز له من بغداد الرشيد بن أبي القاسم، وأخوه علي، وعلي بن ثامر بن حصين، وإسماعيل بن الطبال وجماعة.
وحدث بالقاهرة ودمشق؛ سمع منه الحافظان المزي والذهبي وغيرهما، وكتب بخطه، وقرأ بنفسه كثيرا، وحصل من الأجزاء الأصول والفروع، وسمع الكتب والمسانيد، وانتقى على بعض شيوخه، وعني بهذا الشأن، وعرض ’’التنبيه’’ وغيره على قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب العلامي ابن بنت الأعز، وتفقه وبرع في العلوم، وقرأ الأصلين على العلامة أبي الحسن علي بن محمد بن خطاب الباجي، والعربية على الأستاذ أبي حيان. وقرأ القراءات على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق ابن الصائغ. وتخرج في الحديث على الحافظ أبي محمد الدمياطي. ودرس، وأفتى، وناظر، وفاق على أقرانه، وظهر بالفضائل على أبناء زمانه، وشغل الناس بالعلم مدة، وانتفع به جماعة عدة.
وصنف تصانيف منها ’’تفسير القرآن العظيم’’ لم يكمله، و ’’الابتهاج في شرح المنهاج’’ لم يكمله، و ’’تكملة المجموع في شرح المهذب’’.
عمل منه مجلدات، و ’’شفاء السقام في زيارة خير الأنام’’، و ’’التحقيق في مسألة التعليق’’، و ’’فتاوى مجلدة’’، و ’’مناسك الحج’’، و ’’منتخب طبقات الفقهاء لابن الصلاح’’، و ’’تلخيص التلخيص’’ للخطيب، ومنتخب آخر منه، و ’’الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق’’، و ’’السهم الصائب في قبض دين الغائب’’ و ’’السيف المسلول على من سب الرسول’’، و ’’فصل المقال في هدايا العمال’’، و ’’أحكام كل وما عليه تدل’’، و ’’مسألة ضع وتعجل’’، و ’’منية الباحث في دين الوارث’’، و ’’الرياض الأنيقة في قسمة الحديقة’’، و ’’إبراز الحكم في حديث رفع القلم’’، و ’’بيع المرهون في غيبة المديون’’، و ’’عقود الجمان في عقود الرهن والضمان’’، و ’’القول الموعب في الحكم بالموجب’’، و ’’حسن الصنيعة في ضمان الوديعة’’، و ’’جزء في اعتراض الشرط على الشرط’’، و ’’كشف القناع في إفادة لو للامتناع’’، و ’’التهدي إلى معنى التعدي’’، و ’’مسألة ما أعظم الله’’، و ’’الدلالة على عموم الرسالة’’ و ’’الطوالع المشرقة في الوقف على طبعة بعد طبقة’’، و ’’كشف الغمة في ميراث أهل الذمة’’، و ’’بلغة الإشراق في أحكام الاشتقاق’’، و ’’الحديث المسلسل بالأولية’’، و ’’مناسخات بكتوت العلائي في الفرائض’’، و ’’المناقشات المصلحية’’، و ’’جواب سؤال على الشيخ عز الدين ابن عبد السلام’’، و ’’نقد كلام الجزري الخطيب’’، و ’’القراءة خلف الإمام’’، و ’’ضوء المصابيح في صلاة التراويح’’، وغير ذلك.
قال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي، تفقه على جماعة من الأئمة، وبرع في الأصول والفروع، وانتهى إليه الحفظ ومعرفة الأثر بمصر، وصنف التصانيف المحررة المطولة العديمة النظير، مع الدين والورع وحسن الطوية، والعقل التام، والتدين بالحديث.
وقال ولده سيدنا قاضي القضاة تاج الدين أسبغ الله ظله: أما أبي فذاك بحر خضم، وإمام تقتدي به الهداة وتأتم، وغمام خص فضله وعم، شيخ المسلمين في زمانه، والداعي إلى الله في سره وإعلانه، والمناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه، أستاذ الأستاذين، وأحد المجتهدين، وخصم المناظرين، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، والمشمر في رضى الحق وقد أضاءت النجوم، شافعي الزمان، وحجة الإسلام المنصوب من طريق الجنان، والمرجع إذا دجت مشكلة وغابت عن العيان، عباب لا تكدره الدلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، وباب للعلم في عصره، وكيف لا وهو علي الذي تمت به النعماء. وكان من الورع والدين وسلوك سبيل الأقدمين على سنن ويقين، إن الله مع المتقين، صادع بالحق لا يخاف لومة لائم، صادق في النية لا يختشي بطش ظالم، صابر وإن ازدحمت الضراغم، منوط به أمر المشكلات في دياجيها، مخطوط عن قدره السماء ودراريها، مبسوط قلمه ولسانه في الأمة وفتاويها. وكانت دعواته تخترق السبع الطباق، وتفترق بركاتها فتملأ الآفاق، وتسترق خبر السماء إذ رفعت على يد ولي لله، تفتح له أبوابها ذوات الإغلاق.

وطالما رام العدو أن يضعه، فقام وقعد ولم ير البدر إلا موضعه، وسام محالا حين حام على ورده رد الله كيده ودفعه.
إلى أن سار إلى دار القرار وما ساد أحد ناواه، ولا كان ذا استبصار، ولا ساء من والاه، بل عمه بالفضل المدرار، ولا ساغ بسوى طريقه الاهتداء والاعتبار، ولا ساح بغير ناديه ندى يخجل وابل الأمطار، ولا ساخ قدم فتى قام بنصرته، وقال: أنصر بقية الأنصار، ولا سأل إلا ويداه مبسوطتان وابل كرم في هذه الديار، ولا سامه أحد بسوء إلا وكانت عليه دائرة الفلك الدوار، ولا ساقه الله حين قبضه إلا إلى جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار.
مولده في مستهل صفر سنة ثلاث وثمانين وست مئة، وتوفي ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبع مئة بظاهر القاهرة، وصلي عليه من الغد ودفن بمقبرة الصوفية رحمه الله تعالى.
سمعت عليه ’’مشيخته’’ تخريج الإمام شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي، و ’’معجم ابن خليل’’ بسماعه من إسحاق النحاس عنه، وجزءا فيه ستة مجالس من ’’أمالي’’ أبي بكر محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي الواسطي، بسماعه من الشيخين يوسف بن بدران وزينب بنت أحمد بن شكر؛ قالا: أخبرنا جعفر الهمداني، قال: أخبرنا السلفي، قال: أخبرنا أبو غالب ابن الباقلاني، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان، قال: أخبرنا عبد الخالق بن أبي رؤبة، عنه. و ’’جزء الآجري’’ و ’’الختلي’’، وجزءا فيه ما وقع عاليا من حديث الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه تخريج الإمام الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي لنفسه، بسماعه من إسحاق بن أبي بكر ابن النحاس، عنه وهذا الجزء بقراءتي، وقرأت عليه غير ذلك ما لا يحصى كثرة. منه ’’مشيخة’’ عبد الحق بن خلف، وسمعت عليه أيضا ’’مشيخة’’ الباقرحي، والحديث المسلسل بالأولية من تخريجه، والكثير من تصانيفه، وقطعة من ’’الدارقطني’’، ومن ’’المعجم الصغير’’ للطبراني، ’’وعوالي سعيد بن منصور’’ جمع أبي نعيم الأصبهاني.
أخبرنا والدي الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي ابن القاضي الإمام زين الدين عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا الشيخان أبو الحجاج يوسف بن بدران بن بدر الحجوي المقدسي وأم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسية سماعا عليهما، قالا: أخبرنا أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني قراءة عليه ونحن نسمع، قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي في جمادى الأولى سنة سبعين وخمس مئة، قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ببغداد سنة أربع وتسعين وأربع مئة، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن الحسن بن محمد بن نصر السقطي المعروف بابن أبي رؤبة، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي الواسطي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن خباب بن الأرت رضي الله عنه، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له عند الكعبة أن يدعو الله لنا، قلنا: ألا تستنصر لنا؟ قال: فجلس مغضبا محمرا وجهه، فقال: ’’كان الرجل من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، وليتمن الله عز وجل هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب في غنمه ولكنكم تعجلون’’.
أخرجه البخاري عن مسدد وابن المثنى؛ كلاهما عن يحيى، عن إسماعيل. وعن الحميدي، عن سفيان، عن بيان وإسماعيل. وأخرجه أبو داود عن عمرو بن عون، عن هشيم وخالد بن عبد الله؛ كلاهما، عن إسماعيل، وأخرجه النسائي عن عبدة بن عبد الرحيم، عن سفيان، به. وعن يعقوب بن إبراهيم وابن مثنى؛ كلاهما عن يحيى ببعضه؛ كلاهما عن قيس بن أبي حازم، به.
وبالإسناد إلى الباغندي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي، قال: حدثنا هشام الدستوائي، قال: حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
أخرجه مسلم عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية. وعن محمد بن رافع أيضا، عن عبد الرزاق عن سفيان، عن أيوب السختياني وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية. وعن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي نعيم، عن سفيان، عن أيوب وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة؛ خمستهم عن نافع، به، فوقع لنا عاليا.
وبه إلى الباغندي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقيل لي: لرجل من قريش، فظننت أني أنا هو، قالوا: هذا لعمر بن الخطاب’’ رضي الله عنه.
لم يخرجوه من هذا الوجه.
وحميد هو ابن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة، وإنما قيل له: ’’الطويل’’ لقصره، كان قصير القامة طويل اليدين، فسمي حميدا الطويل.
وبه إلى الباغندي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الواسطي، قال: حدثنا داود بن الزبرقان، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’ألا أنبئكم بأهل الجنة’’ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ’’كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله عز وجل لأبره منهم البراء بن مالك’’ رضي الله عنه.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.
وعلي بن زيد هو ابن جدعان أبو الحسن القرشي التيمي الأعمى البصري ويقال: المكي، قال البرقاني: سألت الدارقطني عنه، فقال: هو علي بن زيد بن جدعان بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان، ثم قال: أنا أقف فيه لا يترك عندي، فيه لين.
وأخبرنا والدي تغمده الله برحمته بقراءتي عليه، قال: أخبرنا الشيخ كمال الدين أبو الفضل إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم ابن النحاس الأسدي الحنفي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قراءة عليه وأنا أسمع، قال أخبرنا أبو القاسم يحيى ين أسعد بن يحيى الأزجي، قال: أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يوسف وأبو نصر أحمد بن عبد الله ابن رضوان وأبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد ابن البناء (ح) قال ابن خليل: وأخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد الوهاب بن محمد بن الحسين المالكي، قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله بن رضوان وأبو غالب أحمد بن الحسن ابن البناء (ح) قال أيضا: وأخبرنا أبو القاسم ذاكر ابن كامل بن أبي غالب الظفري وأبو الحرم رجب بن مذكور بن أرنب الأكاف وأبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن أحمد بن يحيى بن حسان المؤدب؛ قالوا: أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن ابن البناء؛ قالوا: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، قال: حدثنا بشر بن موسى الأسدي، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن أبي حنيفة، عن الهيثم، عن الشعبي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: في دية الخطإ على أهل الإبل مئة من الإبل، وعلى أهل البقر مئتا بقرة، وعلى أهل الغنم ألف شاة، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار.
الشعبي لم يسمع من عمر، قاله الحافظ المزي في ترجمته عن عمر، وأبو حنيفة هو النعمان بن ثابت الكوفي، وأبو عبد الرحمن المقرئ هو عبد الله بن يزيد العدوي مولى آل عمر بن الخطاب، أصله من ناحية البصرة، سكن مكة.
وبه، عن أبي حنيفة، عن الهيثم، عن محمد بن سيرين، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ليس في العوامل والحوامل صدقة.
محمد بن سيرين ليس له ترجمة في ’’الأطراف’’ عن علي رضي الله عنه.
وبه، قال ابن خليل: أخبرنا محمد بن أبي زيد، قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو القاسم الطبراني، قال: حدثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا أبو حنيفة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، قال: يا رسول الله أخبرنا عن ديننا هذا كأننا خلقنا له الساعة، في أي شيء نعمل، أفي شيء ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام، أم في أمر مستأنف؟ قال: ’’بل فيما ثبتت فيه المقادير، وجرت فيه الأقلام’’. قال سراقة: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’اعملوا فكل عامل ميسر لما خلق له’’، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى} بلا إله إلا الله {فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى} قال: بلا إله إلا الله {فسنيسره للعسرى}.
أخرجه ابن ماجه في السنة عن هشام بن عمار، عن عطاء بن مسلم الخفاف، عن الأعمش، عن مجاهد، عن سراقة، به.
وأخبرنا والدي نور الله ضريحه قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن نصر الله بن عمر بن عبد الواحد بن خلف ابن الصواف قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو بكر عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن سالم بن باقا البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي قراءة عليه في سنة إحدى وستين وخمس مئة، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني، قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين ابن الكسار، قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق ابن السني الدينوري، قال: أخبرنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي بمصر، قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار، عن سفيان، عن عمرو سمع جابرا رضي الله عنه يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته فوقف عليه، فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبته، وألبسه قميصه، ونفث عليه من ريقه، والله أعلم.
أخرجه البخاري في الجنائز عن مالك بن إسماعيل وعلي بن عبد الله فرقهما. وفي اللباس عن عبد الله بن عثمان. وفي الجهاد عن عبد الله بن محمد الجعفي. وأخرجه مسلم في التوبة عن زهير بن حرب وأبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن عبدة؛ سبعتهم عن سفيان هو ابن عيينة، به، فوقع لنا بدلا لهم.
وبه إلى النسائي، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصري، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو سمع جابرا يقول: وكان العباس رضي الله عنه بالمدينة، فطلبت الأنصار ثوبا يكسونه، فلم يجدوا قميصا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي، فكسوه إياه.
أخرجه البخاري ومسلم بإسناد الحديث الذي قبله وهو طرف منه.
وبه إلى النسائي، قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا محمد بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد’’.
أخرجه الترمذي في الاستئذان عن قتيبة، به، فوقع لنا موافقة.
وبه إلى النسائي، قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل قال: مرضت امرأة من أهل العوالي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن شيء عيادة للمريض، فقال: ’’إذا ماتت فآذنوني’’ فماتت ليلا فدفنوها ولم يعلموا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح سأل عنها، فقالوا: كرهنا أن نوقظك يا رسول الله، فأتى قبرها فصلى عليها وكبر أربعا.
أبو أمامة اسمه أسعد بن سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة الأنصاري رضي الله عنه.

  • دار الغرب الإسلامي-ط 1( 2004) , ج: 1- ص: 277

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي تقى الدين أبو الحسن الشافعي
ولد أول يوم من صفر سنة 683 ثلاث وثمانين وستمائة وتفقه على والده ودخل القاهرة فاشتغل على ابن الرفعة وأخذ الأصلين عن القاضي والخلاف عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتفسير عن العلم العراقي والقراءات عن التقي الصايغ والحديث عن الدمياطى والتصريف عن ابن عطاء والفرايض عن الشيخ عبد الله العماري وطلب الحديث بنفسه ورحل فيه إلى الشام والإسكندرية والحجاز فأحذ عن الحفاظ وولى بالقاهرة تدريس المنصورية وغيرها وكان الأكابر من أركان الدولة يعظمونه ولما توفي القاضي جلال الدين القزويني بدمشق طلبه الناصر في جماعة ليختار منها من يقرره مكانه فوقع الاختيار على صاحب الترجمة فوليها في جمادى الآخرة سنة 739 فباشر القضاء بحرمة وعفة ونزاهة وأضيفت إليه الخطابة وولى التدريس بدار الحديث الأشرفية وطلب إلى القاهرة لتولية قضائها فبقي قليلا ولم يتم فأعيد وكان لا يقع له مسئلة مشكلة أو مستغربة إلا ويعمل فيها تصنيفاً وقد جمع مسائله ولده تاج الدين في أربعة مجلدات قال الصفدي ما تعرض له أحد من نواب الشام أو غيرهم إلا أصيب إما بعزل أو موت قال الأسنوي في الطبقات كان أنظر من رأيناه من أهل العلم ومن اجمعهم للعلوم وأحسنهم كلاما ما في الأشياء الدقيقة وأجلدهم على ذلك وكان في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان أحد الطلبة مواظبا على وظايف العبادات مراعياً لأرباب الفنون وتوفى رحمه الله في ثالث جمادى الآخرة سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة وله شعر جيد فمنه

ومن شعره
وكان قد نزل عن منصب القضاء لولده تاج الدين بعد أن مرض ثم
عوفي ومات بعد أيام في تاريخه المتقدم

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 467

السبكي
الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولي النحوي اللغوي الأديب المجتهد تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن
موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم
شيخ الإسلام إمام العصر ولد في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة
وأخذ الفقه عن ابن الرفعة والحديث عن الشرف الدمياطي والقراءات عن التقي الصائغ والأصلين والمعقول عن العلاء الباجي والخلاف والمنطق عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتصوف عن التاج بن عطاء
وسمع من ابن الصواف وعدة وأقبل على التصنيف والفتيا وصنف أكثر من مائة وخمسين مصنفاً وتصانيفه تدل على تبحره في الحديث وغيره وسعة باعه في العلوم وتخرج به فضلاء العصر وولي قضاء الشام بوفاة الجلال القزويني وخرج له الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أيبك الدمياطي
ولما توفي المزي عينت مشيخة دار الحديث الأشرفية للذهبي فقيل إن شرط واقفها أن يكون الشيخ أشعري العقيدة والذهبي متكلم فيه فوليها السبكي
قال ولده والذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه ولا أحفظ من المزي ولا أروع من النووي وابن الصلاح قال وليس بعد الذهبي والمزي أحفظ منه توفي بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 525

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام

بن يوسف بن موسى ابن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي نقى الدين وأبو الحسن.

الفقيه الشافعي، المفسر، الحافظ، الأصولى.

ولد مستهل صفر سنة 683 قرأ القرآن على التقى [بن] الصائغ والتفسير على العلم العراقي، والفقه على ابن الرفعة، والنحو على أبي حيان، والحديث على الشرف الدمياطي، ورحل، وسمع من أبي الحسن بن الصواف، وأبي جعفر الموازيني، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم، وإسماعيل بن الطبال، وبرع في الفنون.

توفي سنة 756.

  • دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 3- ص: 0

علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد
بن يحيى بن محمد بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوارى بن سليم السبكي العلامة.
ذو الفنون، تقى الدين أبو الحسن بقية العلماء، ولد في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة بسبك من أعمال المنوفية، وتفقه في صغره على والده، ثم على جماعة منهم ابن الرفعة، وقرأ الفرائض على الشيخ عبد اللَّه الغمارى المالكي، والأصلين على العلاء الباجى، والخلاف على السيف البغدادي، والنحو على أبي حيان، والحديث على الدمياطى، والتفسير على العلم العراقي، والقراءات على ابن الصائغ، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء اللَّه، ورحل إلى الإسكندرية عام أربع وسبعمائة، ثم رحل إلى الشام فسمع بها وناظر وسمع بالقدس وغيرها، ثم عاد إلى مصر فاشتغل ودرس بالقبة المنصورية، والكهارية، وتولى ميعاد جامع ابن طولون وغيره، وحج سنة ست عشرة، ورد على ابن تيمية في مسألة الطلاق، والزيارة، وشرع في التفسير، وتكملة شرح المهذب، وعمل منها قطعة، وشرح من منهاج النووى إلى الطلاق في قطعة كبيرة، وله غير ذلك من التصانيف، ثم تولى قضاء الشام بعد وفاة القاضي جلال الدين في تاسع عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وجلس للتحديث بالكلابية، وسمع عليه معجمه بحضرة المزى والذهبي وغيرهما، ودرس بعد وفاة المزى بدار الحديث الأشرفية وبعده ابن النقيب بالشامية البرانية، ثم نزل على القضاء لولده تاج الدين، ثم نزح إلى مصر واجتمعت به إذ ذاك فأقام بها دون العشرين يوماً، ثم مات بشاطئ النيل في ليلة يسفر صباحها عن يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة من سنة ست، وخمسين وسبعمائة، وصلى عليه بباب النصر، ودفن بمقابر الصوفية.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1