علي بن عبد الكافي
ابن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم: الغمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع، والعلامة شيخ الإسلام، حبر الأمة، مفتي الفرق، المقرئ، المحدث، الرحلة، المفسر، الفقيه، الأصولي، البليغ، الأديب، المنطقي، الجذلي، النظار. جامع الفنون، علامة الزمان، قاضي القضاة أوحد المجتهدين تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري.
يا سعد هذا الشافعي الذي | بلغه الله تعلى رضاه |
يكفيه يوم الحشر أن عد في | أصحابه السبكي قاضي القضاة |
أما التفسير فيا إمساك ابن عطية، ووقوع الرازي معه في رزية.
وأما القراءات فيا بعد الداني، وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني.
وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر، وعي الخطيب لما أن يذاكر.
وأما الأصول فيها كلال حد السيف، وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف.
وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب، وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب.
وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه، وانبهار الأبهري وغطاء كشفه، بمينه.
وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي، وعمى العميدي، فإن إرشاده خفي.
وأما النحو فالفارسي ترجل له يطلب إعظامه، والزجاجي تكسر جمعه وما فاز بالسالمة.
وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة، والأزهري أظلمت لياليه البهيمة.
وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى، وواضع اليتيمة تركها، وذهب إلى أهل يتمطى.
وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره، وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره.
هذا إلى إتقان فنون يطول سردها، ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها، واطلاع على معارف أخر، وفوائد متى تكلم فيها قتل بحر زخر، وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة. وإذا خبط الأنام عشواء سار هو في بياض المحجة.
وأما الأخلاق فقل أن رأيتها في غيره مجموعة، أو وجد في أكياس الناس دينار على سكتها المطبوعة؛ فم بسام، ووجه بين الجمال والجلال قسام، وخلق كأنه نفس السحر على الزهر نسام، وكف تخجل الغيوث من ساجمها، وتشهد البرامكة أن نفس حاتم في نقش خاتمها، وحلم لا يستقيم معه الأحنف، ولا يرى المأمون معه إلا خائنا عند من روى أو صنف، ولا يوجد له فيه نظير ولا في غرائب أبي محنف، ولا يحمل حلمه بل، فإنه جاء بالكيل المكنف.
لم أره انتقم لنفسه مع القدرة، ولا شمت بعدو هزم بعد النصرة، بل يعفو ويصفح عمن أجرم، ويتألم لمن أوقد الدهر نار حربه وأضرم، ورعاية ود لصاحبه الذي قدم عهده، وتذكر لمحاسنه التي كاد يمحوها بعده، طهارة لسان لم يسمع منه في غيبة بنت شفة، ولا تسف طيور الملائكة منه على سفه. وزهد في الدنيا وأقلامه تتصرف في الأقوال، وتفضها على مر الأيام والجمع والأشهر والأحوال، واطراح للملبس والمأكل، وعزوف عن كل لذة، إعراض عن أغراض هذه الدنيا التي خلق الله النفوس إليها مغذه.
وهذا ما رآه عياني، وختم عليه جناني، وأما ما وصف لي من قيام الدجى، والوقوف في موقف الخوف والرجا، فأمر أجزم بصدقه، وأشهد بحقه، فإن هذا الظاهر لا يكون له باطن غير هذا، ولا يرى غيره حتى المعاد معاذا:
عمل الزمان حساب كل فضيلة | بجماعة كانت لتلك محركه |
فرآهم متفرقين على المدى | في كل فن واحدا قد أدركه |
فأتى به من بعدهم فأتى بما | جاؤوا به جمعا فكان الفذلكة |
وتصانيفه تشهد لي بما ادعيت، وتؤيد به ورويت، فدونك وإياها، وترشف كؤوس حمياها، وتناول نجومها إن وصلت إلى ثرياها.
ولما توفي قاضي القضاة جلال الدين القزويني بدمشق في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة طلبه السلطان الأعظم الملك الناصر محمد، وطلب الشيخ شمس الدين بن عدلان بحضور قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، وقال له: يا شيخ تقي الدين قد وليتك قضاء الشام، وألبسه تشريفا عظيما وخرج صحبة الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى. وكنت أنا في خدمته طول الطريق فالتقطت الفوائد، وجمعت الفرائد التي ظل في طلبها ألف رائد، وسهلت بسؤاله ما كان عندي من الغوامض الشدائد، ووددت أن النوى لم تلق لها عصا، وأن اليعملات في كل هاجرة تنفي يداها الحصا.
يود أن ظلام الليل دام له | وزيد فيه سواد القلب والبصر |
ودخل دمشق، فقل في روض حياه الغمام، ومادت غصونه بالطرب لما غنى عليها الحمام. أحيا الله به معالم علومها، وأطلع في آفاقها للهدى نيرات نجومها، وباشر قضاءها بصلف زاد، وسلوك ما حال عن جادة الحق، ولا حاد، منزه النفس عن الحطام منقادا إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلا على شأنه في العلم والعمل، منصرفا إلى تحصيل السعادة الأبدية فما له في غيرها أمل، ناهيك به من قاضي حكمه في هذه الإقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال علالة المسامر، ليس في بابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهات.
ومات الأمير سيف الدين تنكز وهو يعظمه، ويختار أكبر الجواهر للثناء عليه وينظمه:
وعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله | ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب |
ولم يزل على حاله إلى أن حصل له من المرض ما حصل، وتماثل من سقمه ونصل، ونزل عن منصبه لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، فتلقت الدولة ذلك منه بالترحاب، وقالوا سمعا لما قاله وكرامة، وأهلا بهذا النهر الذي غادرته تلك الغمامة.
ولما استقر الأمر لولده وثبت، ورأى غصنه الذي تفرغ عن أصله ونبت توجه إلى الديار المصرية شوقا لأرض أول ما مس جلده ترابها، وأول ما ضمه جناتها واتسع له جنابها، فقال النيل: مرحبا بغمام الشام، وقالت نجومها: أهلا بهذا القمر التام، فأقام بها ريثما بل صداه، ورد برؤية ربوعها رداه، ونقله الله إلى حضرة قدسه.
ومواطن رحمته وأنسه. فلبى المنادي، وخلا من نداه النادي، وقام الناعي فأسمع. وأوجد القلوب حزنها فأوجع.
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبع مئة.
ومولده أول يوم من صفر سنة ثلاث وثمانين وست مئة.
وتفقه في صغره على والده رحمه الله تعالى، ثم على جماعة آخرهم فقيه العصر نجم الدين بن الرفعة، ورأيته رحمه الله يثني عليه ثناء كثيرا، ويعظمه تعظيما زائدا.
وقرأ الفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي.
وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الشيخ الإمام النظار علاء الدين الباجي، وكان يعظمه ويصفع بالدين.
وقرأ المنطق والخلاف على الشيخ سيف الدين البغدادي.
وقرأ النحو على الشيخ أثير الدين أبي حيان.
وقرأ التفسير على الشيخ علم الدين العراقي.
وقرأ القراءات على الشيخ تقي الدين بن الصائغ.
وتخرج في الحديث على الحافظ شرف الدين الدمياطي.
وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين.
ورحل في طلب الحديث إلى الإسكندرية والشام، ومن مشاهير أشياخه في الرواية ابن الصواف، وابن جماعة، والدمياطي، وابن القيم، وابن عبد المنعم، وزينب، وهؤلاء بالإسكندرية وبمصر. والذين بالشام: ابن الموازيني، وابن مشرف، والمطعم، وغيرهم.
والذين بالحجاز: رضي الدين إمام المقام وغيره.
وخرج له شهاب الدين الدمياطي معجما لشيوخه.
جلس بالكلاسة جوار الجامع الأموي بدمشق، وحدث به قراءة عليه الإمام أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح السبكي، وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير جمال الدين المزي، والحافظ أبو عبد الله الذهبي، وروى عنه شيخنا الذهبي في معجمه.
وتولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة، فقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه ونظم في ذلك:
ليهن المنبر الأموي لما | علاه الحاكم ابر التقي |
شيوخ العصر أحفظهم جميعا | وأخطبهم وأقضاهم علي |
وتولى بعد وفاة شيخنا المزي رحمه الله تعالى مشيخة دار الحديث الأشرفية. فالذي نقول: إنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ في الرجال من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح، ولا يورد زين الدين الفارقي فإنه أفقه منه رحم الله كلا.
وتولى تدريس الشامية البرانية بعد موت مدرسها قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب رحمه الله في أوائل سنة ست وأربعين وسبع مئة.
وكتبت له بذلك توقيعا هو مذكور في الجزء الخامس والعشرين من التذكرة التي لي.
ثم إنه ولي تدريس المسرورية بعد الشيخ تاج الدين المراكشي، وكتبت له توقيعا بذلك هو في الجز الثاني من التذكرة التي لي.
وكان قد طلب في نهار الجمعة بعد الصلاة سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة إلى الديار المصرية، جاء البريد بطلبه ليجعل قاضي القضاة بالديار المصرية، فتوجه. ثم إن القضية فترت، وأقام بها قليلا وعاد إلى دمشق على منصبه.
ومن مسموعاته الحديثية:
الكتب الستة، والسيرة النبوية، وسنن الدار قطني، ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء، ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند الدارمي، ومسند عبد، ومسند العدني، ومسند الشافعي رضي الله عنه، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقرئ، ومختصر مسلم، ومسند أبي والشفاء للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى بن يحيى، وموطأ القعنبي.
وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير.
ولقد كان عمره بالديار المصرية وجيها في الدولة الناصرية يعرفه السلطان الأعظم الملك الناصر ويوليه المناصب الكبار، مثل إدريس المنصورية وجامع الحاكم والكهارية. والأمير سيف الدين أرغون النائب يعظمه، والقاضي كريم الدين الكبير يقربه ويقضي أشغاله، والأمير سيف الدين قجليس، وأما الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار فكان لا يفارقه ويبيت عنده في القلعة غالب الليالي، ونائب الكرك والأمير بدر الدين جنكلي بن البابا والجاولي والخطيري وغيرهم جميعهم يعظمونه ويحترمونه ويشفع عندهم ويقضي الأشغال للناس.
وجاء إلى الشام قاضي القضاة من سنة تسع وثلاثين إلى بعض سنة ست وخمسين هذه المدة كلها، وجاء في أيامه الطاعون فلو شاء هو وولده أقضى القضاة جمال الدين حسين أخذا في إثبات الوصايا ودعاوى القرابات وما يرث الناس بأسبابه ثلاث مئة ألف دينار وأضعافها، وكان ينفرد هو رحمه الله تعلى بولايات الوظائف بنصف ذلك، ولم يقدر أحد يقول إنه وزن دينارا ولا درهما ولا أقل ولا أكثر. وأما لبسه الذي يكون عليه في غير دور العدل والمحافل فيما أظنه كان يساوي ثلاثين درهما.
وإن كان في لبس الفتى شرف له | فما السيف إلا غمده والحمائل |
وبعد هذا جميعه يموت فيوجد عليه دين مبلغ اثنين وثلاثين ألف درهم، ولو لم يكن له داران بمصر اشترى الواحدة، وورث الأخرى مع مجلداته التي قناها في عمره، أبيع الجميع فكمل ثلثي الدين، والتزم ولداه مد الله في عمرهما بوفاء البقية، هكذا هكذا وإلا فلا لا.
ينسب إلى الشافعي أنه قال: من ولي القضاء ولم يفتقر فهو لص، قدس الله روحه، ونور ضريحه، والذي استقر في ذهني منه أنه كان إذا أخذ أي مسألة كانت من أي باب كان، من أي علم كان عمل عليها مجلدا أو مصنفا لطيفا، أعني في علوم الإسلام من الفروع والأصلين والحديث والتفسير والنحو والمعاني والبيان. وأما العقليات فما كان في آخر وقته فيها مثله.
وأما فن الأدب فما احتاج مع أسماء كتبه وتصانيفه إلى بيان، هي تشهد له بأدبه وذوقه. وأما الهجاء وفن الكتابة فكان ما يلحق فيه. وأما صناعة الحساب فرأيت أئمتها يعترفون له فيها، ولم أره في مدة ولايته القضاء يستكثر على أحد شيئا والعلة في ذلك إعراضه عن الدنيا وإلقاؤها وراء ظهره، حتى لم تكن له ببال حتى إنني قلت فيه:
لم يلتفت يوما إلى زهرة الد | نيا وإن كانت له زاهره |
رئاسة العلم التي حازها | تكفيه في الدنيا وفي الآخرة |
ولم نر أحدا من النواب الذين هم كانوا ملوك الشام ولا من غيرهم تعرض له فأفلح بعدها، إما يموت فجأة أو يغتال أو يعطل ويستمر في عطلته إلى أن يموت، جربنا هذا غير مرة مع غير واحد، وهذا شاع وذاع. ولقد جئت إليه يوما، وقلت له يا سيدي هذه قضية حديثا، بالله دع أمرها فإنك قد أبلغت فيها عذرا، وهذا ملك الأمراء وغيره في ناحية وهم بمعزل، وأخشى يحصل بسببها شر، فما كان جوابي إلا أن أنشد:
وليت الذي بيني وبينك عامر | وبيني وبين العالمين خراب |
فعلمت أنه لا تأخذه في الحق لومة لائم.
ومن حين نافسه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ما قر له قرار ولا هناه عيش بدمشق، وجرى له ما جرى، وعزل منها، وتولى حلب، وقاسى بها شدائد، ثم إنه عزل ونقل إلى مصر، ثم إنه أمسك واعتقل بالإسكندرية، ثم حضر إلى القدس. ولم يزل يدخل في مرض ويخرج منه إلى أن توفي رحمه الله تعالى، ولما طلب إلى مصر خوفوه من أمره، فقال: يروح إليها ومما يفلح، ويموت والله ولده قاضي القضاة تاج الدين حيث قال في ترجمته لما ذكره في طبقات الفقهاء:
وما علي إذا ما قلت معتقدي | دع الحسود يظن السوء عدوانا |
هذا الذي تعرف الأملاك سيرته | إذا ادلهم دجى لم يبق سهرانا |
هذا الذي يسرع الرحمن دعوته | إذا تقارب وقت الفجر أو حانا |
هذا الذي يسمع الرحمن صائحه | إذا بكى وأفاض الدمع ألوانا |
هذا الذي لم يزل من حين نشأته | يقطع الليل تسبيحا وقرآنا |
هذا الذي تعرف الصحراء جبهته | من السجود طوال الليل عرفانا |
هذا الذي لم يغادر سيل مدمعه | أركان شيبته البيضاء أحيانا |
والله والله والله العظيم ومن | أقامه حجة في العصر برهانا |
وحافظا لنظام الشرع ينصره | نصرا يلقيه من ذي العرش غفرانا |
كل الذي قلت بعض من مناقبه | ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا |
وصنف بالديار المصرية ودمشق ما يزيد على المئة والخمسين مصنفا فمن ذلك: الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، عمل منه مجلدين كبيرين ونصفا، وتكملة المجموع في شرح المهذب ولم يكمل، والابتهاج في شرح المنهاج في الفقه، بلغ فيه إلى آخر وقت والتحقيق في مسألة التعليق ردا على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق، وكان فضلاء الوقت قد عملوا ردودا ووقف عليها، فما أثنى على شيء منها غير هذا، وقال ما رد علي فقيه غير السبكي، وكتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام ردا عليه في إنكاره سفر الزيارة، وقرأته عليه بالقاهرة في سنة سبع وثلاثين وسبع مئة من أوله إلى آخره وكتبت عليه طبقة جاء مما فيها نظما:
لقول ابن تيمية زخرف | أتى في زيارة خير الأنام |
فجاءت نفوس الورى تشتكي | إلى خير حبر وأزكى إمام |
فصنف هذا وداواهم | فكان يقينا شفاء السقام |
والرفدة في معنى وحده وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه وكتبت عليها:
خل عنك الرقدة | وانتبه للرفده |
تجن منها علما | فاق طعم الشهده |
والتعظيم والمنة في "لتؤمنن به ولتنصرونه" وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه وكتبت عليها:
غالب ما صنفه الناس في | مسببات المال والجاه |
فللربا ذلك قد كان والـ | ـتعظيم والمنة لله |
والحلم والأناة في إعراب "غير ناظرين إناه" وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
يا طالب النحو في زمان | أطول ظلا من القناة |
وما تحلى منها بعقد | عليك بالحلم والأناة |
والإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض كتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
قل لمن راح باحثا عن كلام | في كناياته وفي التعريض |
لا تغالط، ما يشبه الدر شيء | إن تأملته سوى الإغريض |
وورد العلل في فهم العلل، وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
أيا من شفى ما بنا من علل | ورد ردانا بورد العلل |
جزاك إلهك من محسن | هدانا الصواب وروى الغلل |
ونيل العلا في العطف بلا، وكتبتها بخطي وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
يا من غدا في العلم ذا همة | عظيمة في الفضل تملا الملا |
لم ترق في النحو إلى رتبة | سامية إلا بنيل العلا |
ومن تصانيفه أيضا رافع الشقاق في مسألة الطلاق، والرياض الأنيقة في قسمة الحديقة، ومنية المباحث في حكم دين الوارث، ولمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق وإبراز الحكم من حديث: رفع القلم، وإحياء النفوس في حكمة وضع الدروس، وكشف القناع في إفادة لو الامتناع، وضوء المصابيح في صلاة التراويح، ومسألة كل وما عليها تدل، وكتب عليها الفاضل سراج الدين عبد اللطيف بن الكويك ثلاثة أبيات أوردتها في ترجمته، والرسالة العلانية والتحبير المذهب في تحرير المذهب، والقول الموعب في القول بالموجب، ومناسك أولى ومناسك أخرى، وبيع المرهون في غيبة المديون، وبيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط، ونور الربيع من كتاب الربيع، والرقم الإبريزي في شرح التبريزي، وعقود الجمان في عقود الرهن والضمان، وطليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر، والسيف المسلول على من سب الرسول، والسهم الصائب في بيع دين الغائب. وفصل المقال في هدايا العمال، والدلالة على عموم الرسالة. والتهدي إلى معنى التعدي، والنقول البديعة في أحكام الوديعة، وكشف الغمة في ميراث أهل الذمة، والطوالع المشرقة في الوقوف على طبقة بعد طبقة، وحسن الصنيعة في حكم الوديعة، وأجوبة أهل طرابلس، وتلخيص التلخيص وتاليه، والإبهاج في شرح المنهاج في الأصول، بدأ فيه قدر كراسين، وكمله ولده قاضي القضاة تاج الدين.
ورفع الحاجب في شرح ابن الحاجب في الأصول، والقراءة خلف الغمام، والرد على الشيخ زين الدين الكتاني، وكشف اللبس في المسائل الخمس ومنتخب طبقات الفقهاء، وقطف النوار في دراية الدور، والغيث المغدق في ميراث المعتق، وتسريح الناظر في انعزال الناظر والملتقط في النظر المشترط، وتنزيل السكينة على قناديل المدينة، ودفع من تغلبك في مسألة مدرسك بعلبك، وشي الحلى في تأكيد النفي بلا، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير، تقيدي التراجيح، الكلام على حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. الكلام مع ابن الدارس في المنطق، جواب سؤال علي بن عبد السلام، رسالة أهل مكة، أجوبة أهل صفد، فتوى: كل مولود يولد على الفطرة، مسألة فناء الأرواح، مسألة في التقليد، النوادر الهمذانية، الفرق في مطلق الماء والماء المطلق، المسائل الحلبية، أمثلة المشتق، القول الصحيح في تعيين الذبيح، القول المحمود في تنزيه داود، الجواب الحاضر في وقف عبد القادر، حديث نحر الإبل، قطف النور من مسائل الدور، مسألة ما أعظم الله، مسائل في تحرير الكتابة، مسألة هل يقال العشر الأواخر، مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر المروزي، الإقناع في قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}، جواب سؤال من القدس، منتخب تعليقة الأستاذ في الأصول، عقود الجمان في عقود الرهن والضمان، مختصر عقود الجمان، وقف بني عساكر، النصر الناهد في لا كلمت كل واحد، الكلام في الجمع في الحضر لعذر المطر، الصنيعة في ضمان الوديعة، النقول البديعة في ضمان الوديعة، بيان المحتمل في تعدية عمل، القول الجد في تبعية الجد، تفسير يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، المواهب الصمدية في المواريث الصفدية، كشف الدسائس في هدم الكنائس، حفظ الصيام عن فوت التمام، جواب سؤال ورد من بغداد، كتاب الخيل، جواب الأمير سيف الدين بيبغاروس ورد من حلب، كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا، جواب أهل مكة، جواب المكاتبة من حارة المغاربة، معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، سبب الانكشاف عن إقراء الكشاف، وقف على وقف أولاد الحافظ، النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني، موقف الرماة من وقف حماة، مركز الرماة، القول في التقوي في الوقف التقوي، القول المختطف في دلالة: إذا اعتكف، كشف اللبس عن المسائل الخمس، غير الإيمان لأبي بكر وعمر وعثمان، زكاة مال اليتيم، الكلام على لباس الفتوة، وهو فتوى الفتوة، بيع المرهون في غيبة المديون، الألفاظ التي وضعت بإزاء المعاني الذهنية أو الخارجية، أجوبة مسائل سأله عنها ولده قاضي القضاة تاج الدين في أصول الفقه، العارضة في البينة المتعارضة، مسألة تعارض البينتين، كتاب بر الوالدين، أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية، نصيحة القضاة الكلام على قوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}.
ولما وقف على رد الشيخ تقي الدين بن تيمية على ابن المطهر في الرفض قال: وأنشدنيها من لفظه، وهي:
إن الروافض قوم لا خلاق لهم | من أجهل الناس في علم وأكذبه |
والناس في غنية عن رد إفكهم | لهجنة الرفض واستقبال مذهبه |
وابن المطهر لم تطهر خلائقه | داع إلى الرفض غال في تعصبه |
لقد تقول في الصحب الكرام ولم | يستحي مما افتراه غير منجبه |
ولابن تيمية رد عليه وفى | بمقصد الرد واستيفاء أضربه |
لكنه خلط الحق المبين بما | يشوبه كدرا في صفو مشربه |
يخالط الحشو أنى كان فهو له | حثيث سير بشرق أو بمغربه |
يرى حوادث لا مبدا لأولها | في الله سبحانه عما يظن به |
لو كان حيا يرى قولي ويفهمه | رددت ما قال أقفو إثر سببه |
كما رددت عليه في الطلاق وفي | ترك الزيارة ردا غير مشتبه |
وبعده لا أرى للرد فائدة | هذا وجوهره مما أظن به |
والرد يحسن في حالين واحدة | لقطع خصم قوي في تغلبه |
وحالة لانتفاع الناس حيث به | هدى وربح لديهم في تطلبه |
وليس للناس في علم الكلام هدى | بل بدعة وضلال في تكسبه |
ولي يد فيه لولا ضعف سامعه | جعلت نظم بسيطي في مهذبه |
وقال: ما أنشدنيه من لفظه لما رد على ابن تميمة في الطلاق، وقد أكثر من الاحتجاج بيمين ليلى:
في كل واد بليلى واله شغف | ما إن يزال به من مسها وصب |
ففي بني عامر من حبها دنف | ولابن تيمية من عهدها شغب |
أبني لا تهمل نصيحتي التي | أوصيك واسمع من مقالي ترشد |
احفظ كتاب الله والسنن التي | صحت وفقه الشافعي محمد |
وتعلم النحو الذي يدني الفتى | من كل فهم في القران مسدد |
واعلم أصول الفقه علما محكما | يهديك للبحث الصحيح الأيد |
وأسلك سبيل الشافعي ومالك | وأبي حنيفة في العلوم وأحمد |
وطريقة الشيخ الجنيد وصحبه | والسالكين طريقهم بهم اقتدي |
وابتع طريق المصطفى في كل ما | يأتي به من كل أمر تسعد |
واقصد بعلمك وجه ربك خالصا | تظفر بسبل الصالحين تهتدي |
واخش المهيمن وأت ما يدعو إليـ | ـه وانته عما نهى وتزهد |
وارفع إلى الرحمن كل ملمة | بضراعة وتمسكن وتعبد |
واقطع عن الأسباب قلبك واصطبر | واشكر لمن أولاك خيرا وأحمد |
وعليك بالورع الصحيح ولا تحم | حول الحمى واقنت لربك واسجد |
وخذ العلوم بهمة وتفطن | وقريحة سمحاء ذات توقد |
واستنبط المكنون من أسرارها | وابحث عن المعنى الأسد الأرشد |
وعليك أرباب العلوم ولا تكن | في ضبط ما يلقونه بمفند |
فإذا أتتك مقالة قد خالفت | نص الكتاب أو الحديث المسند |
فاقف الكتاب ولا تمل عنه وقف | متأدبا مع كل حبر أوحد |
فلحوم أهل العلم سمت للجنا | ة عليهم فاحفظ لسانك وابعد |
هذي وصيتي التي أوصيكها | أكرم بها من والد متودد |
وكتب لولده قاضي القضاة تاج الدين وق رتب موقعا بالدست الشريف بالشام في سنة خمس وسبع مئة:
أقول لنجلي البر المفدى | مقالا وثقت منه عراه |
وليت كتابة في دست ملك | رست أركانه وسمت ذراه |
فلا تكتب بكفك غير شيء | يسرك في القيامة أن تراه |
ولا تأخذ من المعلوم إلا | حلالا طيبا عطرا شذاه |
ونصحك صاحب الدست اتخذه | شعارك فالسعادة ما تراه |
ثلاث يا بني بها أوصي | فمن يأخذ بها يحمد سراه |
وتقوى الله رأس المال فالزم | فما للعبد إلا من براه |
قلت: التزم رحمه الله فيها الراء والثالث تضمين، وهو بيت مشهور جاء في موضعه متمكنا، وتراه في هذا البيت من الرؤية، وفي الخامس من الرأي فلا يظن أنه إيطاء.
وأجابه رحمه الله تعالى ولده قاضي القضاة تاج الدين عن ذلك بقوله:
أتت والقلب في الغفلات ساه | تنبه كل ساه من كراه |
وصية والد برشفوق | يقوم مع ابنه فيما عراه |
رؤوف بابنه لو بيع مجد | بمقدور لبادر واشتراه |
ألا يا أيها الرجل المفدى | ومن فوق السماء يرى ثراه |
أنلت فنلت في الدنيا منالا | يسرك في القيامة أن تراه |
وقال رحمه الله تعالى في معنى قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك ... البيت، وأنشدني ذلك من لفظه:
قلبي ملكت فما به | مرمى لواش أو رقيب |
قد حزت من أعشاره | سهم المعلى والرقيب |
يا متلفي ببعاده | عني أما خفت الرقيب |
قلت: ليس لهذه القوافي خامس فيما أظن، وقد تلطف في القافية الثالثة حتى تركبت معه من كلمتين وامتزجت، وقيب لغة في قاب، وفي هذه الأبيات معنى من المعاني الأدبية، وهو مما يمتحن به الأدباء في قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك، البيت، لأن الأصمعي قال فيه ما هو باد لكل أحد، وهو أن عينيها سهمان ضربت بهما في قلبه المقتل الذي هو أعشار، أي مكسر، من قولك: برمة أعشار إذا كانت كذلك.
وأما ابن كيسان فقال ما هو أدق من هذا المعنى، فقال: ضربت بسهميك اللذين هما من سهام الميسر لتملكي أعشار القلب، وهي جميع ما يخص الميسر من القداح، فالمعلى له سبعة أسهم، والرقيب له ثلاثة أسهم، فيستغرق السهمان جميع الأعشار، وهذا وإن كان دقيقا وفيه غوص ففيه تعسف، وتأويل فيه بعد، وأما هذا الذي نظمه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فهو صريح في هذا المعنى.
وكنت قد طلبت منه ما أستعين به على ترجمته لما وضعتها في تاريخي الكبير الوافي بالوفيات فكتب لي مسموعاته وأشياخه ومصنفاته، ولم يكتب شيئا من نظمه، فكتبت إليه:
مولاي يا قاضي القضاة الذي | أبوابه من دهرنا حرز |
أفدتني ترجمة لم تزل | بحسن أقمار الدجى تهزو |
لبست منها حلة وشيها | أعوزه من نظمك الطرز |
فكتب الجواب رحمه الله تعالى:
لله مولى فضله باهر | من كل علم عنده كنز |
يا واحد الدهر ومن قد علا | منه على هام العلا الغرز |
تسألني النظم ومن لي به | وعندي التقصير والعجز |
قبل الداعي طرسا قد سما نورا ونقسا، جمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم، ما بين خط
إذا رمقته العيون قالت: هذا خط ابن مقلة، ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله، ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله، صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها، وامتطى غاربها وملك زمامها، وكملها من كل علم بأكمل نصيب، ضاربا فيه بالسهم المصيب، مشمرا فيه عن ساق الجد والاجتهاد، متوقدا ذكاء مع ارتياض وارتياد، إلى من هو عن ذلك كله بمعزل، ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئا مما نظم، ولعمري لقد استسمن ذا ورم، ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبه من المسائل، على تبلد خاطر وكلال قريحه، وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيح، فأنى لمثلي شعر ولا شعور، أو يكون له منظوم ومنثور، غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها إما محبة التشبه بأهل الأدب، وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب، وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها، وأقول دعها تبلغ من أمانيها، فنظمت ما يستحيا من ذكره، ويستحق أن يبالغ في ستره، ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب، أذكر لك منه حسبما أشرت نبذا، وأقطع لك منه فلذا. وذكر أبياتا أوردتها في ترجمته في تاريخي الكبير، ونقلت من خطه له وأنشدنيه من لفظه:
إن الولاية ليس فيها راحة | إلا ثلاث يبتغيها العاقل |
حكم بحق أو إزالة باطل | أو نفع محتاج سواها باطل |
مثال عم وخال | بقول صدق وجيه |
بني بأخت أخيه | لأمه لا أبيه |
وذاك لا بأس فيه | في قول كل فقيه |
فنجلة هو داع | بذاك لا شك فيه |
وكتب إلي وقد وقع ثلج بدمشق في أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وسبع مئة:
نطرت إلى أشجار جلق فوقها | ثلوج أراها كالبروق تلوح |
فشبهتها قضبان فضة اكتست | وقابلها منا الغداة صبوح |
ومن تحتها الأوراق خضر كأنها | زمردة تغدو بنا وتروح |
ومن بينها النارنج كالذهب الذي | هواه به كل النفوس تبوح |
فقلت: لقد أخطأت تشبيهي الذي | يعز علي المعتز وهو فصيح |
تشبه يبسا ذاويا برطيبه | وميتا بمن فيه الحياة وروح |
فول صلاح الدين هذا فإنه | إذا قال تشبيها أقول صحيح |
وبعده:
أقول للسرو قد كساه | ثلج رواء عليه نور |
#زمرد أنت في لجين | فقال مه إن ذا قصور |
تشبيه ذاو بلا حياة | بمن له منظر نضير |
وبعده أيضا:
أقول للسرو قد كساه | ثلج بدا نوره وأنهج |
زمرد أنت في لجين | فقال أبهى سنا وأنهج |
فهل ذكي يطيق وصفي | أريه طرق الهدى وأنهج |
تقول لي ذائب المعاني | فلا تراني لذا أنهج |
وأنت يا واصفي بشعر | بغير ردف سواه أنهج |
فكتبت أنا الجواب إليه رحمه الله تعالى يقبل الأرض ويقول:
أتتني سطور كالدياجي مدادها | وفيها المعاني كالنجوم تلوح |
يغني بها الشادي إذا ما حسا الطلا | ويخلو بها عاني الهوى فيبوح |
فكل معانيها غريب مصنف | كما لفظها بين الأنام فصيح |
ملوكية التشبيه فيما تخيلت | كذلك تشبيه الملوك مليح |
فقابلت منها نسخة تقويه | على كل سطر قد حوته صحيح |
فأعملت فكري فانثنى متقاعسا | وعهدي به عند القريض لحوح |
وعاد فقيرا في زوايا أضالعي | وما عنده في نظم ذاك فتوح |
الثلج يسقط فوق أوراق حوت | نارنج بستان سبى بروائه |
فكأنما تلك الثلاث سرقن من | قاضي القضاة الحسن يوم لقائه |
فابيض ذا كثنائه واخضر ذا | من جوده وأنار ذا كذكائه |
فشكرت له هذا التخيل وعلمت أنه لطيف التحيل، وقلت: ما بك ما يعوق، فالحق ببضاعتك السوق، فإذا به قد نظم واستعمل القلم، وقال:
نارنجنا في الغصون يحكي | والثلج في بعضهن رقم |
خدا تبدى به عذار | عاجله بالمشيب هم |
فقلت له: لا بد من الزيادة، فإن الخيرة عادة، فقال: أزيدك شيئا من الاستعارة فإنها لقمر التشبيه داره. وقال:
قد سقط الثلج فوق دوح | نارنجها يفرح الحزينا |
كورد خد وآس صدغ | لاح به السيب ياسمينا |
فقلت له: حسن، ولكن التشبيه الملوكي فات وهو من أعظم الآفات فقال:
كأن سقيط الثلج في الورق التي | تضمنت النارنج عند التضرج |
لآلي مشيب في زمرد عارض | تبدى على ياقوت خد مضرج |
فقلت: هذا كاف، فانظم في السرو بلا خلاف، فقال بعدما نضج ولم يبق فيه عرق يختلج:
عاينت سروة دوحة قد أشبهت | والثلج يسقط فوقها متوالي |
حسناء زفت في ملاءة مخمل | خضراء كللها سموط لآلي |
فكتب هو رحمه الله تعالى الجواب إلي عن ذلك:
تراقصت الأشجار عند سماعها | قريضك واختلت كنشوان يطرب |
وقالت: ألم أخبرك أنك قاصر؟ | فقلت لها: باب صحيح مجرب |
أيا قاضي القضاة بقيت ذخرا | لتشفي ما يعالجه الضمير |
فأنت إمامنا في كل فن | ومثلك لا تجيء به الدهور |
كأنك للغوامض قطب فهم | عليك غدت دقائقها تدور |
بلغت بالاجتهاد إلى مدى لا | يخونك في معارفه فتور |
وبابك عاصم من كل جور | وعلمك نافع ولنا كثير |
وقلنا أنت شمس علا وعلم | فكيف بنوك كلهم بدور |
إليك المشتكى من سوء فهم | يعسر إذ يسير له اليسير |
بليت بفكرة قد أتعبتني | تحور إلي كسلى إذ تخور |
مقدمتان سلمتا يقينا | ولكن أنتجا ما لا يصير |
تقول البدر في فلك صغير | وذلك في كبير يستدير |
فيلزم أن بدر التم ثاو | بجانحة الكبير وذاك زور |
فأوضح ما تقاعس عنه فهمي | فأنت بحله طب خبير |
وفهمك في الورى كضياء شمس | وعلمك في الأنام هدى ونور |
فكتب الجواب في ليلته وفرع عليه ثلاثة أجوبة، وهو:
سؤالك أيها الحبر الكبير | سمت في حسن هالته البدور |
وهمتك العلية قد تعالت | فدون طلابها الفلك الأثير |
ونظمك فوق كل النظم عال | على هذا الزمان له وفور |
فلو سمحت بك الأيام قدما | لقدمك الجحا جحة الصدور |
سألت وأنت أذكى الناس قلبا | وعندك كل ذي عسر يسير |
وقلت المشتكى من سوء فهم | وحاشى إن فهمك مستطير |
وفكرتك الصحيحة لن تجارى | ولم أرها تحور ولا تخور |
ولا كسل بها كلا وأنى | ودون نشاط أولها السعير |
فهاك جواب ما قد سلت عنه | وأنت بما تضمنه خبير |
مقدمتان شرطهما اتحاد | بأوسط إن يفت فات السرور |
وهذا منه فالانتاج عقم | وأعقبه عن التصديق زور |
وذلك أن قولك في صغير | هو المحمول ليس هو الصغير |
وفي الكبرى هو الموضوع فاعلم | فمن ذياك للشرط الثبور |
وإن رمت التوصل باجتلاب | مقدمة بها يقع العثور |
على تحقيق مظروف وظرف | فمشترك عن المعنى قصير |
فمعنى البدر في فلك صغير | يخالف ما تضمنه الكبير |
فلم يحصل لشرطهما وجود | لذلك أنتجا ما لا يصير |
وفي التحقيق لا إنتاج لكن | لأجلك قلت قولك لي عذير |
وأما إن أردت عموم معنى | وذلك فيهما معنى شهير |
فينتج آمنا من كل شك | وليس عليه إيراد يصير |
فذاك جواب ما قد سلت يا من | غدا في العلم ليس له نظير |
وما عنه تقاعس منك فهم | وكيف ومنك تنل الصخور |
فأنت البدر حسنا وانتقالا | بأفلاك مضاعفة تسير |
لحامله السريع وتالييه | دليل أن خالقه قدير |
يرى ذو الهيئة النحرير فيها | عجائب ليس يحويها الضمير |
فسبحان الذي أنشأه بر | رحيم قاهر رب غفور |
وصلى الله رب على نبي | هو الهادي به قد تم نور |
وكتبت أنا إليه سؤالا من علم المناظر:
قاضي قضاة الشام يا من له | فوائد كالديم الهاطلة |
ومن له معرفة قد غدت | لكل علم في الورى شاملة |
ومن إذا حل بنا مشكل | يلقا بالأجوبة الفاصلة |
وهو إمام الناس في فنهم | وفي فنون عنده حاصله |
من كذب الحس فما عنده | بينة تعضده عادله |
لكن هذا القطر في جوه | غدا خطوطا للثرى نازله |
كذلك النقطة فوق الرحى | تبصرها دائرة جائله |
فبين العلة في صدقنا | أولا فدعواكم إذا باطله |
وابق مدى الأيام في نعمة | بدورها مشرقة كالمة |
فكتب هو رحمه الله الجواب إلي مختصرا:
علتها السرعة مع وهمنا | ومن خيال لم يزل خاتلة |
يقضي بها الوهم ويأبى الحجى | وهو الذي أحكامه عادلة |
والحس مقصور على رؤية | مبصرة للصورة الحاصلة |
وكتب أيضا رحمه الله تعالى جوابا مطولا في ثلاثة وأربعين بيتا وقد أثبتها بكمالها في كتابي ألحان السواجع بين البادي والمراجع، وقال لي يوما: نظمت بيتا مفردا من ثماني عشرة سنة، وزدت الآن عليه بيتا في هذه السنة، وكانت سنة سبع وأربعين وسبع مئة، وهما:
لعمرك إن لي نفسا تسامى | الى ما لم ينل دارا بن دارا |
فمن هذا أرى الدنيا هباء | ولا أرضى سوى الفردوس دارا |
فأعجباني، وقلت في مادتهما، إلا أن بيتيه رحمه الله تعالى أحسن وأصنع من قولي:
لعمرك إن للباقي التفاتي | ومالي نحو ما يغني طريقه |
أرى الدنيا وما فيها مجازا | وما عندي سوى الأخرى حقيقه |
وحصل له في وقت ما شرى، فكتب إليه جمال الدين محمد بن نباتة المصري:
يفديك يا قاضي القضاة عليهم | من كل داء تشتكي كل الورى |
شهد الشرى لك حين زارك بالتقى | والصبر والصدقات لما خبرا |
لا تعدم المدح الروائح سيدا | هذي خلائقها بتخبير الشرى |
فلما حضرت عنده أراني إياها، فلا وقفت عليها علمت ما أراده من خطأ التورية مع الناظم فمضيت من عنده وعدت إليه وقد كتبت أنا إليه بعد ذلك:
لما اشتكى قاضي القضاة فديته | من كل سوء يشتكي منه الورى |
عاينته لأذى الشرى متصبرا | فعلمت حقا أنه أسد الشرى |
وربحت توريتي التي قعدت وما | خسرت ولم أنطق بتخيير الشرى |
فأعجبه ذلك وجبر على عادته معي، وفساد التورية مع الناظم الأول هو أن الشرى، بفتح الشين، مقصور؛ وهو المرض المعروف عند الأطباء بالماشرى، وهو الخراج الصغار التي تتولد من مادة دموية لذاعة، والشرى بكسر الشين، مصدر شرت شرى، ففسدت توريته.
ووصل الخبر مع البريد من مصر بوفاته قدس الله روحه في يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة ست وخمسين، فكتبت مرثية إلى ابنه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، وأنشدت في صبيحة العزاء بالعادلية، وهي:
أي طود من الشريعة مالا | زعزعت ركنه المنون فزالا |
أي ظل قد قلصته المنايا | حين أعيا على الملوك انتقالا |
أي بحر قد فاض بالعلم حتى | كان منه بحر البسيطة آلا |
أي حبر مضى وقد كان بحرا | فاض للواردين عذبا زلالا |
أي شمس قد كورت في ضريح | ثم أبقت بدرا يضي وهلالا |
مات قاضي القضاة من كان يرقى | رتب الاجتهاد حالا فحالا |
مات من فضل علمه طبق الأر | مسيرا وما تشكى كلالا |
كأن الشمس في العلوم إذا ما | أشرقت أصبح الأنام ذبالا |
كان كل الأنام من قبل ذا العصـ | ـر عليه في كل علم عيالا |
كان فرد الوجود في الدهر يزهى | بمعالي أهل العلوم جمالا |
فمضوا قبله وكان ختاما | بعدهم فاعتدى الزمان وصالا |
كملت ذاته بأوصاف فضل | علم البدر في الدياجي الكمالا |
وأنام الأنام في مهد عدل | شمل الخلق يمنة وشمالا |
لمن بعده نشيد رحابا | ولمن بعده نشد رحالا |
وهو إن رمت مثله في علاه | لم تجد في السؤال عنه سوى لا |
أحسن الله للأنام عزاهم | فهم بالمصاب فيه ثكالى |
ومصاب السبكي قد سبك القلـ | ـب وأودى منا الجلود انتحالا |
خزرجي الأصول لو فاخر النجـ | ـم علا مجده عليه وطالا |
خلق كالنسيم مر على الرو | ض سحيرا وعرفه قد توالى |
ويد جودها يفوق الغوادي | تلك ماء همت وذا صب مالا |
أيها الذاهب الذي حين ولى | صار منه عز الدموع مذالا |
لو أفاد الفداء شخصا لجدنا | بنفوس على الفدا تتغالى |
أنفس طالما تنفس عنها | منك كرب يكظها واستحالا |
أنت بلغتها المنى في أمان | فاستفادت غنى غزت منالا |
من لنا إن دجت شكوك شكونا | من أذاها في الذهن داء عضالا |
كنت تجلو ظلامها ببيان | حل من عقلنا الأسير عقالا |
من يعيد الفتوى إلى كل قطر | منه جاءت جوابها يتلالا |
قد صببت الصواب فيها وأهديـ | ـت هداها وقد محوت المحالا |
فيقول الورى إذا ما رأوها | هكذا هكذا وإلا فلا لا |
فليقل من يشا ما شاء إن المو | ت أردى الغضنفر الرئبالا |
وإذا ما خلا الجبان بأرض | طلب الطعن وحده والنزالا |
قد تقضى قاضي القضاة تقي الـ | ـدين سبحان من يزيل الجبالا |
فالدراري من بعده كاسفات | وإذا ما بدت تراها خجالى |
كان طودا في علمه مشمخرا | مد في الناس من بنيه ظلالا |
فبهاء بها ونعمت وتاج | فوق فرق العلياء راق اعتدالا |
هو قاضي القضاة صان حماه | من عوادي الزمان ربي تعالى |
وهداه للحكم في كل يوم | فيه يرعى الأيتام والأطفالا |
وحباه الصبر الجميل ووفا | ه ثوابا يهمي سحابا ثقالا |
ليبيد العدى جلادا ويغدو | فيفيد الندى ويبدي الجدالا |
وكتبت بعد ذلك إلى ولده الشيخ الإمام بهاء الدين أحمد بمصر أعزيه:
وهكذا جيشه المعهود نصرته | على أعاديه بعد اليوم ينهزم |
أهكذا جبل الإسلام ينهدم | وهكذا سيفه المسلول ينثلم |
وهكذا مجده الراسي قواعده | تنحط منه أعاليه وتنحطم |
وهكذا البدر في أعلى منازله | وسعده قد محت أنواره الظلم |
وهكذا البحر يمشي وهو ذو يبس | من بعد ما كان في عرنينه شمم |
وهكذا كل ميت حل في جدث | بكى له الفاقدان العلم والكرم |
وقد نعى العدل منه سيرة كرمت | يحفها الزاهران الحلم والنعم |
والورق تملي لنا في وصفه خطبا | يقلها المنبران البان والسلم |
ولو أراد الأعادي كتمها اعترفت | بفضلها الشاهدان العرب والعجم |
قل للعدى إن جهلتم قدر رتبته | فالبيت يعرفه والحل والحرم |
والليل والذكر والمحراب شاهده | والشرع والحكم والتصنيف والقلم |
ومن يقل إنه يدري مكانته | فما خفي عنهم أضعاف ما علموا |
فكم كماة من النظار قد مهروا | في البحث جاؤوا بما ظنوا وما زعموا |
فكر فيهم بلا فكر وجد لهم | جداله ثم لما سلموا سلموا |
وقصروا عن مبادي غاية حصلت | له وأين عقاب الجو والرخم |
ولوا فرارا وقد ألقوا سلاحهم | وهم أناس على التحقيق قد وهموا |
عليه هزمهم في كل معركة | وما عليه بهم عار إذا انهزموا |
شكوا فتورا رأوه في بصائرهم | ولو ألموا به من قبل ما ألموا |
ما الناس إلا سواء في بيوتهم | ما الشأن في أمرهم إلا إذا التحموا |
كل يرى أنه راح منفردا | ليث وأقلامه من حوله أجم |
فإن تضمهم وقت الجدال وغى | فغندها تظهر الأقدار والقيم |
تزايد الحلم من زاكي سجيته | فلم يكن من عداه قط ينتقم |
موفق الحكم والفتوى على رشد | ما ند منه على ما قد مضى ندم |
كم بات ينصر مظلوما رآه وقد | أودى وجانبه بالضعف يهتضم |
كان ابن تيمية بالفضل معترفا | وهو الألد الذي في بحثه خصم |
يثني عليه وقد أبدى بفكرته | أوهامه فيراها وهو يبتسم |
وما أقر لمخلوق سواه وفي | زمانه كل حبر علمه علم |
قاضي القضاة تقي الدين حين قضى | غدا أولو العلم لم يهناهم حلم |
وكيف يهنأ عيش بعده وبه | قد كان شمل الهدى بالحق يلتئم |
فاليوم أقفر ربع المكرمات وقد | شط المزار وأقوت دونها الخيم |
مات الذي كان إن تسأله غامضة | خلاك من حلها في العلم تحتكم |
يا سائرا فوق أعناق الرجال وكم | سعت له في المعالي والهدى قدم |
خدمت علمك وقتا والأنام إلى | يوم القيامة فيما قلته خدم |
تركت فينا تصانيفا تخاطبنا | فأنت حي ولما تنشر الرمم |
ما مثل سيرتك المثلى إذا ذكرت | بالحمد تبدو وبالتقريظ تختم |
أقمت في مصر والأخبار نافحة | طيبا تسير بها الوخادة الرسم |
ما كنت إلا إمام الناس قاطبة | في النقل والعقل تقضي كلما اختصموا |
وكل مشكلة في الدين معضلة | يضيق فيها على سلاكها اللقم |
تحل شبهتها من حيثما عرضت | بالحق إذ لست في الترجيح تتهم |
مطهر الذات من ريب تضيء لنا | منك العوارف والأخلاق والشيم |
يكاد من رقة فيه يهب صبا | هذا وقد برحت أحداثه الحطم |
من أجل ذا غدت أيامه غررا | بيضا ولم يقض فيها أن يراق دم |
كف على عدد الأنفاس في هبة الـ | ـأموال ما سامها من بذلها الديم |
يا من يعز علينا أن نفارقهم | وجداننا كل شيء بعدكم عدم |
لكن صبرنا على التفريق وهو أذى | وما لجرح إذا أرضاكم ألم |
مهما نسيت فما أنسيت برك بي | عند الظما ونداك البارد الشبم |
وفرط جبرك إذ تثنيني علي بما | لا أستحق وذاك الحفل مزدحم |
حتى أغالط نفسي في حقيقة ما | أدريه منها وفي علمي بها أهم |
فعال من طبع الباري سجيته | على مكارم منها الناس قد حرموا |
وكاد دهري لياليه تسالمني | وكاد يصرف عني الشيب والهرم |
والله لا فترت مني الشفاه عن الد | عا ولا افتر لي من بعد ذاك فم |
فاصبر أبا حامد فالناس قد فجعوا | فيمن مضى لم تخصص أنت دونهم |
تشارك الناس في هذا العزاء كما | نعمى أياديه فيها الناس تقتسم |
وانظر وقس يا إمام الناس كلهم | فإن سلمت فكل الناس قد سلموا |
هذي المصيبة بالإسلام قد نزلت | فانظر عرا الدين منها كيف تنفصم |
ما مثل من قد مضى يبكى عليه ولا | تجري على وجنتيك الأدمع السجم |
فإنه في جنان الخلد في دعة | لكفه الحور والولدان تستلم |
فقدس الله ذاك الروح منه ولا | أراه يوم اللقا والحشر ما يصم |
يقبل الأرض وينهي ما عنده من الألم الذي أنكى، والحادث الذي ما يحيك في خلد ذي جلد ولا يحكى، والمصاب الذي عقد المناحات له بالمناجاة، فوقف واستوقف له، و بكى واستبكى:
ولو يغني البكا أو رد ميتا | بكيت فلم يساجلني الغمام |
فإنا لله وإنا إليه راجعون، قول من فقد إمامه، وفجع بمن كان يهديه إلى رشده ويريه طرق السلامة، وأعدمته الأيام حبرا لم يلتفت معه إلى الدراري إذا سمع كلامه، وغيضت منه بحرا كان يقذف به من دره فذه وتوامه، وأخذت منه فريد عصره فما يدري ما يبكيه منه، أعلمه أم بركته أم لطفه أم جوده الذي فضح الغمامة، وابتزت منه شيخ الإسلام الذي ما يخلفه الوجود إلى يوم القيامة.
عمت فواضله فعم مصابه | فالناس فيه كلهم مأجور |
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، كلمة تقولها الملوك لهذه المصيبة العظمى والرزية التي ما يجد الناس لها رحمى، ذهب والله من كان جمال الوجود، وإمام الأئمة وكعبة الجود، ومن كان بقاؤه بين ظهراني الناس رحمه، ومن بينه في العلوم وبين علو النجوم زحمه، ومن كان إذا كتب اهتزت من الطرب له الأقلام، وخضعت لأوامره السيوف، وسكنت خافقات الأعلام، وتملت بعلومه وتصانيفه الشريعة، فلما مات قال الناس أحسن الله عزاء الإسلام:
غدا طاهر الأثواب لم تبق روضة | غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر |
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى | ويغمر صرف الدهر نائله الغمر |
ويقسم المملوك أن مولانا وأخاه أدام الله أيامهما ما انفردا بهذه الرزية، ولا ابتليا دون الناس بهذه البلية، يا مولانا هذا ركن الإسلام قد انهدم، وهذا بحر الإيمان قد ارتدم فمصابه قد عم وما خص، وتحيف جناح الصبر وما حص، فالله يعين على ما أبلى ويمسك رمق القلوب فإنها عريت من جبة الصبر وما تطيق من الأحزان نبلا، وما بقي غير الأخذ بالسنة في الصبر، والتمسك بآثار السلف الصالح ممن أودع أحبابه القبر:
#أنت يا فوق أن تعزى عن الأحباب فوق الذي يعزيك عقلاوبألفاظك اهتدى فإذا عز | اك قال الذي له قلت قبلا |
ويقسم المملوك ثانيا أن فيكما خلفا باقيا، وكلاكما، كلاكما الله، نير أصبح في درجات من درج السعد راقيا، وما السلوة إلا بهذا، وإلا كانت قلوب الأولياء قد أمست جذاذا، فالله تعالى يمتع مصر والشام منكما بمطالع النيرين، ويديم للإسلام منكما من يحيي له سيرة العمرين، وقد جاء من مولانا قاضي القضاة تاج الدين ما نور الظلم، وبور أرباب السيف والقلم.
وقال الناس ليمن أيامه: "ومن يشابه أباه فما ظلم". فمولانا يمده بالخاطر ولا ينسه من دعائه، فإنه في الأرض مثل الغمام الماطر، أنهي ذلك، والله الموفق بمنه وكرمه؛ إن شاء الله تعالى.
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 416
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي تقي الدين أبو الحسن الشافعي ولد بسبك العبيد أول يوم من صفر سنة 683 وتفقه على والده ودخل القاهرة واشتغل على ابن الرفعة وأخذ الأصلين عن الباجي والخلاف عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتفسير عن العلم العراقي والقراآت عن التقي الصائغ والحديث عن الدمياطي والتصوف عن ابن عطاء الله والفرائض عن الشيخ عبد الله الغماري وطلب الحديث بنفسه ورحل فيه إلى الشام والاسكندرية والحجاز فأخذ عن ابن الموازيني وابن مشرف وعن يحيى بن الصواف وابن القيم والرضى الطبري وآخرين يجمعهم معجمه الذى خرجه له أبو الحسين بن ايبك وولي بالقاهرة تدريس المنصورية وجامع الحاكم والهكارية وغيرها وكان كريم الدين الكبير والجاي الدوادار وجنكلي بن البابا والجاولي وغيرهم من أكابر الدولة الناصرية يعظمونه ويقضون بشفاعته الأشغال ولما توفي القاضي جلال الدين القزويني بدمشق طلبه الناصر في جماعة ليختار منهم من يقرره مكانه فوقع الاختيار على الشيخ تقي الدين فوليها على ما قرأت بخطه في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة 739 وتوجه إليها مع نائبها تنكز فباشر القضاء بهمة وصرامة وعفة وديانة وأضيفت إليه الخطابة بالجامع الأموي فباشرها مدة في سنة 742 ثم أعيدت لابن الجلال القزويني وولي التدريس بدار الحديث الأشرفية بعد وفاة المزي وتدريس الشامية البرانية بعد موت ابن النقيب في أوائل سنة 46 وكان طلب في جمادى الأولى إلى القاهرة بالبريد ليقرر في قضائها فتوجه إليها وأقام قليلا ولم يتم الأمر وأعيد على وظائفه بدمشق ووقع الطاعون العام في سنة 749 - فما حفظ عنه في التركات ولا في الوظائف ما يعاب عليه وكان متقشفا في أموره متقللا في الملابس حتى كانت ثيابه في غير الموكب تقوم بدون الثلاثين درهما وكان لا يستكثر على أحد شيئا حتى إنه لما مات وجدوا عليه اثنين وثلاثين ألف درهم دينا فالتزم ولداه تاج الدين وبهاء الدين بوفائها وكان لا يقع له مسألة مستغربة أو مشكلة إلا ويعمل فيها تصنيفا يجمع فيه شتاتها طال أو قصر وذلك يبين في تصانيفه وقد جمع ولده فتاويه ورتبها في أربع مجلدات قال الصفدي لم ير أحدا من نواب الشام ولا من غيرهم تعرض له فافلح بل يقع له إما عزل وإما موت جربنا هذا وشاع وذاع حتى قلت له يوما في قضية يا سيدي دع أمر هذه القرية فإنك قد اتلفت فيها عددا وملك الأمراء وغيره في ناحية وأنت وحدك في ناحية وأخشى أن يترتب على ذلك شر كثير فما كان جوابه إلا أنشد قوله
وليت الذي بيني وبينك عامر | وبيني وبين العالمين خراب |
رب اكفني قراجا | وأوله اعوجاجا |
ضيق عليه سبلا | ورجه ارتجاجا |
الهى ارغون تظاهر جاهدا | ليؤذيني مع طيبغا بمطالعه |
فيا رب أهلكه وحل دون قصده | ليخشى ويجري عن قريب مشارعه |
أتيت لنا من الدرر النظيم | سلوكا للصراط المستقيم |
جمعت به العلوم فيا لفرد | حوى تصنيفه جمع العلوم |
ابني لا تهمل نصيحتي التي | أوصيك واسمع من مقالي ترشد |
احفظ كتاب الله والسنن التي | صحت وفقه الشافعي محمد |
وتعلم النحو الذي يدني الفتى | من كل فهم في القرآن مسدد |
واعلم أصول الفقه علما محكما | يهديك للبحث الصحيح الأيد |
واسلك سبيل الشافعي ومالك | وأبي حنيفة في العلوم وأحمد |
واقطع عن الأسباب قلبك واصطبر | واشكر لمن أولاك خيرا واحمد |
وخذ العلوم بهمة بهمة وتيقظ | وقريحة سمحاء ذات توقد |
فاقف الكتاب ولا تمل عنه وقف | متأدبا مع كل حبر أوحد |
وطريقة الشيخ الجنيد وصحبه | والسالكين سبيلهم بهم اقتد |
واقصد بعلمك وجه ربك خالصا | تظفر سبيل الصالحين وتهتد |
هذي وصيتي التي أوصيكها | أكرم بها من والد متودد |
إن الولاية ليس فيها راحة | إلا ثلاث يبتغيها العاقل |
حكم بحق أو إزالة باطل | أو نفع محتاج سواها باطل |
مثال عم وخال بقول صدق وجيه | بنى بأخت أخيه لأمه لأبيه |
وذاك لا بأس فيه في قول كل فقيه | فيحله وهو داع بذاك لا شك فيه |
لعمرك إن لي نفسا تسامى | إلى مالم ينل دارا ابن دارا |
فمن هذاارى الدنيا هباء | ولا أرضى سوى الفردوس دارا |
إذا أتتك يد من غير ذي مقة | وجفوة من صديق كنت تأمله |
خذها من الله تنبيها وموعظة | بأن ما شاء لا ما شئت يفعله |
سمعت بإنكار ما قلته | عن الشيخ إذ لم يكن في اللمع |
ونقلي لذلك من شرحه | وخير خصال الفقيه الورع |
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 2- ص: 0
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار ابن سليم السبكي
الشيخ الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي
اللغوي الأديب الحكيم المنطقي الجدلي الخلافي النظار
شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن
إمام الناس جامع كل علم | فريد الدهر أسمى من تسامى |
له التفسير للقرآن ألقت | إليه معادن العلم الزماما |
وفي فن الحديث إليه تنضى | ركائب من يه طلب القياما |
وفي فن الأصول له سمو | وفي نوع الفروع غدا الهماما |
وفي العربية الأمثال سارت | بها في الخافقين له دواما |
حوى لغة وتصريفا ونحوا | وأبياتا به تسمو نظاما |
وأنسابا وتاريخا مبينا | لأحوال الذين غدوا عظاما |
بديع بيان أسلوب المعاني | إذا شرح اسمها للمرء هاما |
وفي علم العروض وفي القوافي | والاستدلال لم يأل اهتماما |
وفي علم الكلام وكل بحث | غدا الحبر المقدم والإماما |
شيخ المسلمين في زمانه والداعي إلى الله في سره وإعلانه والمناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه
أستاذ الأستاذين وأحد المجتهدين وخصم المناظرين
جامع أشتات العلوم والمبرز في المنقول منها والمفهوم والمشمر في رضا الحق وقد أضاءت النجوم
شافعي الزمان وحجة الإسلام المنصوب من طرق الجنان والمرجع إذا دجت مشكلة وغابت عن العيان
عباب لا تكدره الدلاء وسحاب تتقاصر عنه الأنواء وباب للعلم في عصره وكيف لا وهو علي الذي تمت به النعماء
وكان من العلوم بحيث يقضى | له من كل علم بالجميع |
وكان من الورع والدين وسلوك سبيل الأقدمين على سنن ويقين إن الله مع المتقين
صادع بالحق لا يخاف لومة لائم صادق في النية لا يختشي بطشة ظالم صابر وإن ازدحمت الضراغم
منوط به أمر المشكلات في دياجيها محطوط عن قدره السماء ودراريها مبسوط قلمه ولسانه في الأمة وفتاويها
شيخ الوقف حالا وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما وعلم الأعلام فعلا واسما
إذا تغلغل فكر المرء في طرف | من مجده غرقت فيه خواطره |
لا يرى الدنيا إلا هباء منثورا ولا يدري كيف يجلب الدرهم فرحا والدينار
سرورا ولا ينفك يتلو القرآن قائما وقاعدا راكبا وماشيا ولو كان مريضا معذورا
وكان دعواته تخترق السبع الطباق وتفترق بركاتها فتملأ الأفاق وتسترق خبر السماء وكيف لا وقد رفعت على يد ولي الله تفتح له أبوابها ذوات الإغلاق
وكانت يداه بالكرم مبسوطتين لا يقاس إلا بحاتم ولا ينشد إلا
#على قدر أهل العزم تأتي العزائمولا يعرف إلا العطاء الجزل
#وتأتي على قدر الكرام المكارميد تلوح لأفواه تقبلها | فتستقل الثريا أن تكون فما |
وللمعاني الحسان الغر تكتبها | بأحسن الخط لما تمسك القلما |
وللعفاة لتوليهم عوائدها | فلا يرى الغيث شيئا لو وفى وهمى |
وللدعائي طول الليل يرفعها | إلى الإله ليولين به النعما |
أعظم بها نعما كالبحر ملتطما | والغيث منسجما والجود منقسما |
يواظب على القرآن سرا وجهرا لا يقرن ختام ختمة إلا بالشروع في أخرى ولا يفتتح بعد الفاتحة إلا سورة تترى
مع تقشف لا يتردع معه غير ثوب العفاف ولا يتطلع إلى ما فوق مقدار الكفاف ولا يتنوع إلا في أصناف هذه الأوصاف
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقياما لله لا يفارقه أحيانا وبكاء يفيض من خشية الله ألوانا
أقسم بالله أنه لفوق ما وصفته وإني لناطق بها وغالب ظني أني ما أنصفته وإن الغبي سيظن في أمرا ما تصورته
وما علي إذا ما قلت معتقدي | دع الحسود يظن السوء عدوانا |
هذا الذي تعرف الأملاك سيرته | إذا ادلهم دجى لم يبق سهرانا |
هذا الذي يسمع الرحمن صائحه | إذا بكى وأفاض الدمع ألوانا |
هذا الذي يسمع الرحمن دعوته | إذا تقارب وقت الفجر أو حانا |
هذا الذي تعرف الغبراء جبهته | من السجود طوال الليل عرفانا |
هذا الذي لم يغادر سيل مدمعه | أركان شبيبته البيضاء أحيانا |
والله والله والله العظيم ومن | أقامه حجة في العصر برهانا |
وحافظا لنظام الشرع ينصره | نصرا يلقيه من ذي العرش غفرانا |
كل الذي قلت بعض من مناقبه | ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا |
وما زال في علم يرفعه وتصنيف يضعه وشتات تحقيق يجمعه إلى أن سار إلى دار القرار وما ساد أحد ناواه ولا كان ذا استبصار ولا ساء من والاه بل عمه
بالفضل المدرار ولا ساغ بسوى طريقه الاهتداء والاعتبار ولا ساح بغير ناديه نيل يخجل وابل الأمطار ولا ساخ قدم فتى قام بنصرته وقال أنصر بقية الأنصار ولا سال إلا ويداه مبسوطتان وابل كرم في هذه الديار ولا سامة أحد بسوء إلا وكانت عليه دائرة الفلك الدوار ولا ساقه الله حين قبضه إلا إلى جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار
ولد في ثالث صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة
وتفقه في صغره على والده وكان من الاشتغال على جانب عظيم بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره وحكى لي أنه لم يأكل لحم الغنم إلا بعد العشرين من عمره لحدة ذهنه وأنه كان إذا شم رائحته حصل له شرى وإنما كان يخرج من البيت صلاة الصبح فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر فيجد أهل البيت قد عملوا له فروجا فيأكله ويعود إلى الاشتغال إلى المغرب فيأكل شيئا حلوا لطيفا ثم يشتغل بالليل وهكذا لا يعرف غير ذلك حتى ذكر لي أن والده قال لأمه هذا الشاب ما يطلب قط درهما ولا شيئا فلعله يرى شيئا يريد أن يأكله فضعي في منديل درهما أو درهمين فوضعت نصف درهم
قالت الجدة فاستمر نحو جمعتين وهو يعود والمنديل معه والنصف فيه إلى أن رمى به إلي وقال أيش أعمل بهذا خذوه عني
وكان الله تعالى قد أقام والده ووالدته للقيام بأمره فلا يدري شيئا من حال نفسه
ثم زوجه والده بابنة عمه وعمره خمس عشرة سنة وألزمها أن لا تحدثه في شيء من أمر نفسها وكذلك ألزمها والدها وهو عمه الشيخ صدر الدين فاستمرت معه ووالده ووالدها يقومان بأمرهما وهو لا يراها إلا وقت النوم وصحبته مدة ثم إن والدها بلغه أنها طالبته بشيء من أمر الدنيا فطلبه وحلف عليه بالطلاق ليطلقها فطلقها فانظر إلى اعتناء والده وعمه بأمره وكان ذلك خوفا منهما أن يشتغل باله بشيء غير العلم
ثم إنه دخل القاهرة مع والده وعرض محافيظ حفظها التنبيه وغيره على ابن بنت الأعز وغيره وقيل إن والده دخل به إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد عرض عليه التنبيه وإن الشيخ تقي الدين قال لوالده رد به إلى البر إلى أن يصير فاضلا عد به إلى القاهرة فرد به إلى البر
قال الوالد رحمه الله فلم أعد إلا بعد وفاة الشيخ تقي الدين ففاتتني مجالسته في العلم
وسمعت الوالد يقول أنا ما أتحقق الشيخ تقي الدين ولكني أذكر أني دخلت دار الحديث الكاملية بالقاهرة ورأيت شيخا هيئته كهيئة الشيخ تقي الدين الموصوفة
لنا لعله هو وسمعت الحافظ تقي الدين أبا الفتح ابن العم رحمه الله يقول هو الشيخ تقي الدين ولكن الشيخ الإمام لورعه لا يجزم مع أدنى احتمال
ثم لما دخل القاهرة بعد أن صار فاضلا تفقه على شافعي الزمان الفقيه نجم الدين ابن الرفعة وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الإمام النظار علاء الدين الباجي والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي والتفسير على الشيخ علم الدين العراقي والقراءات على الشيخ تقي الدين ابن الصائغ والفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي
وأخذ الحديث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي ولازمه كثيرا ثم لازم بعده وهو كبير إمام الفن الحافظ سعد الدين الحارثي
وأخذ النحو عن الشيخ ابن حيان وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله
وسمع بالإسكندرية من أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواب وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة ويحيى بن محمد بن عبد السلام
وبالقاهرة من علي بن نصر بن الصواف وعلي بن عيسى بن القيم وعلي بن محمد بن هارون الثعلبي والحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي وشهاب بن علي
المحسني والحسن بن عبد الكريم سبط زيادة وموسى بن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد العظيم بن السقطي ومحمد بن المكرم الأنصاري ومحمد بن محمد بن عيسى الصوفي ومحمد بن نصير بن أمين الدولة ويوسف بن أحمد المشهدي وعمر بن عبد العزيز بن الحسين بن رشيق وشهدة بنت عمر بن العديم
وبدمشق من ابن الموازيني وابن مشرف وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وأحمد بن موسى الدشتي وعيسى المطعم وإسحاق بن أبي بكر بن النحاس وسليمان بن حمزة القاضي وخلق
وأجاز له من بغداد الرشيد بن أبي القاسم وإسماعيل بن الطبال وغيرهما
وجمع معجمه الجم الغفير والعدد الكثير وكتب بخطه وقرأ الكثير بنفسه وحصل الأجزاء الأصول والفروع وسمع الكتب والمسانيد وخرج وانتقى على كثير من شيوخه وحدث بالقاهرة ودمشق
سمع منه الحفاظ أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي وغيرهم
ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدث الحافظ فخر العلماء تقي الدين أبو الحسن السبكي ثم المصري الشافعي ولد القاضي الكبير زين الدين
مولده سنة ثلاث وثماني وستمائة
سمع من الدمياطي وطبقته وبالثغر من شيخنا يحيى الصواب لحقه بآخر رمق وبدمشق من ابن الموازيني وابن مشرف وبالحرمين
وكان صادقا متثبتا خيرا دينا متواضعا حسن السمت من أوعية العلم يدري الفقه ويقرره وعلم الحديث ويحرره والأصول ويقرئها والعربية ويحققها ثم قرأ بالروايات على تقي الدين ابن الصائغ وصنف التصانيف المتقنة وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل
سمعت منه وسمع مني وحكم بالشام وحمدت أحكامه فالله يؤيده ويسدده سمعنا معجمه بالكلاسة انتهى
وذكره أيضا في معجم شيوخ وفي تذكرة الحفاظ وغيرهما من كتبه
ذكره الفاضل الأديب أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار فقال بعد ذكر نسبه حجة المذاهب مفتي الفرق قدوة الحفاظ آخر المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن صاحب التصانيف التقي البر العلي القدر
سمي علي كرم الله وجهه الذي هو باب العلم ولا غرو أن كان هذا المدخل إلى ذلك الباب والمستخرج من دقيق ذلك الفضل هذا اللباب والمستمير من تلك المدينة التي ذلك الباب بابها والواقف عليها من سميه فذاك بابها وهذا بوابها
وبحر لا يعرف له عبر وصدر لا يداخله كبر وأفق لا تقيسه كف
الثريا بشبر وأصيل قدره أجل مما يموه به لجين النهار ذائب التبر
إمام ناضح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنضاله وجاهد بجداله ولم يلطخ بالدماء حد نصاله
حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره فلم يخط على بعد الديار سهمه الراشق ولم يخف مسام تلك الدسائس فهمه الناشق
ثم لم يزل حتى نقي الصدور من شبه دنسها ووقي من الوقوع في ظلم حندسها
قام حين خلط على ابن تيمية الأمر وسول له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر حين سد باب الوسيلة يغفر الله له ولا حرمها وأنكر شد الرحال لمجرد الزيارة لا واخذه الله وقطع رحمها
وما برح يدلج ويسير حتى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينتهك نصرا مؤزرا وكشف من خبء الضمائر في الصدور عنه صدرا موغرا فأمسك ما تماسك من باقي العرى وحصل أجرا في الدنيا وفي الآخرة يرى حتى سهل السبيل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام وقد كادت تزور عنه قسرا صدور الركائب وتجر قهرا أعنة القلوب وهن لوائب بتلك الشبهة التي كادت شرارتها تعلق بحداد
الأوهام وتمد غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام وهيهات كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه صلى الله عليه وسلم أو يخفيه الإبهام أو تذاد المطي عنه وهي تتراشق إليه كالسهام ولولاه صلى الله عليه وسلم لما عرف تفضيل ذلك المسجد ولا يم إلى ذلك المحل تأميل المغير ولا المنجد ولولاه لما قدس الوادي ولا أسس على التقوى مسجد في ذلك النادي وكذلك قبلها شكر الله له قام في لزوم ما انعقد عليه الإجماع وبعد الظهور بمخالفته على الأطماع
ومنع في مسألة الطلاق أن تجري في الكفارة مجرى اليمين وأن تجلى في صورة إن حققت لا تبين خوفا على محفوظ الأنساب ومحظوظ الأحساب لما كانت تؤدي إليه هذه العظيمة وتستولي عليه هذه المصيبة العميمة
وصنف في الرد على هاتين المسألتين كتابيه بل جرد سيفه وأرهف ذبابيه ورد القرن وهو ألذ خصيم وشد عليه وهو يشد على غير هزيم وقابله وهو الشمس التي تعشي الأبصار وقاتله وكم جهد ما يثبت البطل لعلي وفي يده ذو الفقار
وتطاعنا وتواقفت خيلاهما | وكلاهما بطل اللقاء مقنع |
وما زالا حتى تقصدت الصفاح وتقصفت الرماح وتحيفت الكلم الأدلة وجف القلم حتى لم يبق في فيه بلة وانجلت غياهب ذلك العثير تبرق فيه صفحات الحق السوي والحظ السعيد النبوي والنصر المحمدي إلا أنه بالفتوح العلوي بجهاد أيد صاحب الشريعة وآزره ورد على من سد باب الذريعة وخذل ناصره وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه
جواد جرى على أعراقه وجاء على إثر سباقه
من عصابة الأنصار حيث يعرف في الحسب التليد ويدخر شرف النسب للمواليد وتصغر عظائم الأخيار وتصعر هامة كل جبار وتنشر ذؤابة يعرب على كتف شرفها وتركز عصابة المجد المؤثل لسلفها
#والله أوس آخرون وخزرجلا بل هو ممن تشيدت به حصونهم الحصينة وحميت به أن يدخل الدجال أنقاب المدينة واستله الفخار من بقايا تلك الأسرة في أكرم ظهورها وأعظم شموسها
المجللة للآفاق بظهورها وأعلى آياتها في مراقي الشريعة الشريفة درجا وأسرى في أرجاء طيبة الطيبة أرجا وأحوى لعلومها أشتاتا ولعلوها في أسانيد العوالي إثباتا ولحنوها على من نزل بها فيما هو أدفأ وأكن أبياتا وأسكن في صدور محافلها من الأسرار وأطلع في أفق جحافلها من الأقمار
بزغ من مطلع الصحابة رضي الله عنهم ونزع به عرقه إلى التابعين لهم بإحسان وهو مثلهم إن لم يكن منهم
ثم خرج من بيت الوزارة حتى تتقاصر النجوم وتتناصر ثم تتناصف الخصوم وتخفض أعناق الغيوم ويجري رحضاء البرق كأنه محموم وتخضر أندية الأفق وسهيل قد نبذ بالعراء كأنه ملوم ويسري هودج النجم وكأنه برسن الجوزاء مزموم ويباري صدر صدره الليل فيربد حنقا ولو ألقي في تياره لما استطاع أن يقوم ويتطاير زبد شبهه ويتنفس سحره كأنه مظلوم ويظهر على آخر فجره ثم يخفى كأنه غيظ مكظوم ويضاهي مرآه مرآة الضوي النهار وأنى له ووجه صباحه كأنه من حمرة الشفق ملطوم ولو بذل ألفا مثل دينار شمسه لما بلغ ما يروم
وبرز في طلب العلم حتى أسكت لسان كل متكلم وأمات ذكر كل متقدم
وأحيا إمامة الشافعي بنشر مذهبه ونصر ذي النسب القرشي في علياء رتبه
وقام بالاحتجاج لإمام بني المطلب في الائتمام بشريعة سيد بني عبد المطلب وإقامة الحجة في سبب تقديمه وحسب ما أحرز في حديثه مضافا إلى قديمه يحتج لقوليه ويحتل كنف مذهبه الممتنع من طريقيه حتى أصبحت تسفر له وجوهه سافرة النقب ضاهرة المحاسن من وراء الحجب
لا ترد الهيم إلا حياضة ولا يعد النسيم إلا رياضة حتى تفرد والزمان بعدد أهله مشحون والعصر بمحاسن بنيه مفتون وساد أهل مصر قاطبة واستوطنها وضرتها الشام له خاطبة وكان بها لدين يقيمه ويقين يديمه وتقى هو وصفه وعلا أراد مطاولتها الطود وما هو نصفه
وقطع بها مدة مقامه في علم ينشره وحق ينصره وضال يهديه وطالب يجديه وسنة يؤيدها وبدعة في دكادك الخذلان يلحدها وزيغ يقوم منآده وزيف يعجل انتقاده وطريقة سلف ما عادها وحقيقة خلف ما أنكرتها عداها
وفتاو يعتمد عليها فقهاء الآفاق ويستند إليها علماء مصر والشام والعراق
وتصانيف هي جادة السبيل ومادة الدليل تصد الأضاليل وترد الأباطيل وترد على العلماء فغاية المجيد أن يستحضر ما حوته من نقول أو يمتد إلى أن يعد نفسه معه فلا يزيد على أن يكتب تحت خطه كذلك نقول
ثم ولي قضاء الشام فأزال عطله وأزاح خطله وأصلح فاسده ونفق كاسده وتوقل ذروة منصبه حتى لا يمتطى السنام ولا يستصلح الأنام ولا يوجد المؤهل واحد في مصر ولا شامه في الشام فحكم بسيرة العمرين في الإنصاف وحكى صورة القمرين في الأوصاف
وانتهت إليه مشيخة دار الحديث بالاستحقاق فوليها وعرضت له أخواتها فما رضيها
وتدارك العلم ولم يبق منه إلا آخر الرمق وصان المذهب وما له وجه إلا ظاهر الرهق
وانتاش الطلبة من مراقد الخمول ومقاعد الونى عن أوائل الحمول حتى نقضت كواكبهم عن مقلها الكرى ورفضت سحائبهم إلا مواصلة السرى إلا أن كثر العلم وطالبه وعز ذو الفضل وصاحبه بكرم لله دره ما أغزره وجود ما أقل لديه حد البحر وما أنزره
لو عاصره حاتم وهو في الكرم لما ذكر أو كعب بن مامة وقد سمح حتى بحص جناحه لما شكر بندى يغص به البحر شرقا ويتفصد جبين السحاب عرقا ويتهيبه البرق فترتعد فرائصه فرقا ويختشي صوائبه الرعد فيتعوذ ولا ينفعه الرقى
هذا كله وهو بعض ما في كرم سجاياه وأقل مما في كثير مزاياه
هذا إلى جبين كالهلال ووقار عليه سميا الجلال وأدب أعذب في المقبل من الماء الزلال وأطيب في المقيل من برد الظلال بنوادر أحر من الجمر وألعب بالعقول أستغفر الله من الخمر
حدا على طريقة سلفه المعرب ما قصرت عن مداه الأوائل واستجدت من نداه النائل وطرف علمه منه بمقدار ما أعانه على التفسير الذي أسكت عارضه كل قائل وغير هذا من انتزاع الميل وأقامة الدلائل
ثم سرح إلى حيث يسرح الطرف ويدئب الطرف ويلم بنادي المتيمين
وينزل بوادي سلف أهل الصبابة المغرمين ويخالط تلك العصابة في كيسها ويذكر حديث ليلى وقيسها لطائف لو أنها لأهل ذلك الزمان السالف لما قالوا الأسمار إلا في طرائف ظرائفها ولا قالوا في سمرات الحي إلا في ظل وارفها ولا زادوا في ربيع بن أبي ربيعة إلا بعض زخارفها ولا عدوا جميلا إلا ما نشر من فضل مطارفها ولا رجعوا عنها إلى مذهب جرير في أوبه ولا خيموا عزل الأناشيد بتوبه كل ذلك بطرف أدب غض الجنى لي منه إلا إطراب السامع وتنويع ما لا إثم فيه إذا قيل في فضله الجامع هو الله الجامع الذي لا يضاهي بيوت عبادته المساجد ولا يساهر مقل قناديلها طرفه الهاجد ولا تضم ضلوع محاريها مثل صدره ولا تشتمل أحناء عقودها على مثل سره بسيرة زينها العفاف فما تدنست صحف أيامها وأقنعها الكفاف فما رأت ما زاد عليه إلا من آثامها
وقد عادت دمشق به معمورة الأندية مأثورة الأنحية باهرة العلماء ظاهرة بزينة نجوم السماء ماضية على منهج القدماء قاضية على سواها بأن العلم فيها بالحقيقة وفي غيرها بالأسماء
وهذا هو اليوم والله يبقيه خير من أظلته خضراؤها وصغرت لدى قدره الجليل كبراؤها قد ملك قلوب أهلها المتباينة وساق بعصاه سوائم شردها المتعاصية واستوسق به أمر الشام لعلي وكان لا يطيع إلا معاوية
انتهى
وذكر بعد ذلك شيئا من حاله وقال في آخره وانتهت إليه رياسة العلم في القراءات والحديث والأصلين والفقه
هذا كلام ابن فضل الله ولا يخفى ما كان بينه وبين الوالد من الشحناء
وذكره الشيخ الإمام الأديب صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن أيبك الصفدي في كتاب أعيان العصر فقال بعد ذكر نسبه الإمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع العلامة شيخ الإسلام حبر الأمة مفتي الفرق المقرئ المحدث الرحلة المفسر الفقيه الأصولي البليغ الأديب المنطيقي الجدلي النظار جامع الفنون علامة الزمان قاضي القضاة أوحد المجتهدين تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري
يا سعد هذا الشافعي الذي | بلغه الله تعالى رضاه |
يكفيه يوم الحشر أن عد في | أصحابه السبكي قاضي القضاة |
أما التفسير فيا إمساك ابن عطية ووقوع الرازي معه في رزية
وأما القراءات فيا بعد الداني وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني
وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر وعي الخطيب لما أن يذاكر
وأما الأصول فيا كلال حد السيف وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف
وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب
وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه وابتهار الأبهري وغطاء كشفه بمينه
وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي وعمى العميدي فإن إرشاده خفي
وأما النحو فالفارسي ترجل إليه يطلب إعظامه والزجاجي تكسر جمعه ما فاز بالسلامة
وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحة قيمة والأزهري أظلمت لياليه البهيمة
وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى وواضع اليتيمة تركها وذهب إلى أهله يتمطى
وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره
هذا إلى إتقان فنون يطول سردها ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها واطلاع على معارف أخر وفوائد متى تكلم فيها قلت بحر زخر
إذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة وإذا خبط الناس عشواء سار هو في بياض المحجة
وأما الأخلاق فقل أن رأيتها في غيره مجموعة أو وجد في أكياس الناس دينار على سكتها المطبوعة
فم بسام ووجه بين الجمال والجلال قسام وخلق كأنه نفس السحر على الزهر نسام
وكف تخجل الغيوث من ساجمها وتشهد البرامكة أن نفس حاتم في نقش خاتمها
وحلم لا يستقيم معه الأحنف ولا يرى المأمون معه إلا خائنا عند من روى أو صنف ولا يوجد له فيه نظير ولا في غرائب أبي مخنف ولا يحمل عليه حمل فإنه جاء فيه بالكيل المكنف
لم أره انتقم لنفسه مع القدرة ولا شمت بعدو هزم بعد النصرة بل يعفو ويصفح عمن أجرم ويتألم لمن أوقد الدهر نار حربه وأضرم
ورعاية ود لصاحبه الذي قدم عهده وتذكر لمحاسنه التي كاد يمحوها بعده
وطهارة لسان لم يسمع منه في غيبة بنت شفة ولا تسف طيور الملائكة منه على سفه
وزهد في الدنيا وأقلامه تتصرف في الأموال ويفضها على ممر الأيام والجمع والأشهر والأحوال واطراح للملبس والمأكل وعزوف عن كل لذة وإعراض عن أعراض هذه الدنيا التي خلق الله النفوس إليها مغذة
هذا ما رآه عياني وختم عليه جناني
وأما ما وصف لي من قيام الدجا والوقوف في مقام الخوف والرجا فأمر أجزم بصدقه وأشهد بحقه فإن هذا الظاهر لا يكون له باطن غير هذا ولا يرى غيره حتى المعاد معاذا
علم الزمان حساب كل فضيلة | بجماعة كانت لتلك محركه |
فرآهم متفرقين على المدا | في كل فن واحدا قد أدركه |
فأتى به من بعدهم فأتى بما | جاؤوا به جمعا فكان الفذلكه |
ثم اندفع القاضي صلاح الدين في ذكر شيء من أحواله وكراماته وأخباره فإنه كان يحبه وله به خصوصية
رحل الوالد رحمه الله إلى الشام في طلب الحديث في سنة ست وسبعمائة وناظر بها وأقر له علماؤها وعاد إلى القاهرة في سنة سبع مستوطنا مقبلا على التصنيف والفتيا وشغل الطلبة وتخرج به فضلاء العصر
ثم حج في سنة ست عشرة وزار قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم عاد وألقى عصا السفر واستقر والفتاوى ترد عليه من أقطار الأرض وترد إليه بعضا على بعض
وانتهت إليه رياسة المذهب بمصر فما طافت على نظيره وإن سقاها النيل ورواها ولا اشتملت على مثله أباطحها ورباها ولا فخرت إلا به حتى لقد لعبت بأعطاف البان مهاب صباها
وفي هذه المدة رد على الشيخ أبي العباس ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة وألف غالب مؤلفاته المشهورة كالتفسير وتكملة شرح المهذب وشرح المنهاج للنووي وغير ذلك من مبسوط ومختصر
وطار اسمه فملأ الأقطار وحلق على الدنيا ولم يكتف بمصر من الأمصار شهرة بعدت أطرافا وعمدت إلى الربع العامر من جانبيه تحاول عليه إشرافا
وتمادى الأمر إلى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة في تاسع عشر جمادى الآخرة منها وكان قد تهيأ لملازمة بيته وذلك أنه كان من عادته من حين يهل شهر رجب لا يخرج من بيته حتى ينسلخ شهر رمضان إلا لصلاة الجمعة فطلبه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله وذكر له أن قضاء الشام قد شغر بوفاة جلال الدين القزويني وأراده على ولايته فأبى فما زال السلطان إلى أن ألزمه بذلك بعد ممانعة طويلة في مجلس متماد يطول شرحه فقبل الولاية يالها غلطة أف لها وورطة ليته صمم ولا فعلها
فقدم دمشق وسار على ما يليق به من قدم ما نرى القاضي بكارا زاد عليه إلا بتبكيره ومجيئه في أول الزمان وهذا جاء في أخيره مصمما في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم صادعا بالشرع لا يهاب بطش الظالم غير ملتفت إلى شفيع ولا مكترث بذي قدر رفيع
حتى يقول لسان الحال ينشده | يا ثبت لله هذا الصبر والجلد |
المسلمون بخير ما بقيت لهم | وليس بعدك خير حين تفتقد |
وربما خاطبته الملوك وهو لا يسمع لهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا
يدع الجواب فلا يراجع هيبة | والسائلون نواكس الأذقان |
أدب الوقار وعز سلطان التقى | فهو العزيز وليس ذا سلطان |
وجلس للتحديث بالكلاسة فقرأ عليه الحافظ تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف السبكي جميع معجمه الذي خرجه له الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي رحمه الله وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي والحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي
وقد تولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة لطيفة وأنشدني شيخنا الذهبي لنفسه إذ ذاك
ليهن المنبر الأموي لما | علاه الحاكم البحر التقي |
شيوخ العصر أحفظهم جميعا | وأخطبهم وأقضاهم علي |
وولي بعد وفاة الحافظ المزي مشيخة دار الحديث الأشرفية فالذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه ولا أحفظ من المزي ولا أورع من النووي وابن الصلاح
وقال لي شيخنا الذهبي حين ولي الخطابة إنه ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه
ثم ولي تدريس الشامية البرانية عند شغورها بموت الشيخ شمس الدين ابن النقيب فما حل مفرقها واقتعد نمرقها أعلم منه كلمة لا استثناء فيها كذا يكون من يتولى المناصب وبمثل هذا تناط المراتب
ذكر شيء من الرواية عنه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ مناولة مقرونة بالإجازة الخاصة قال أخبرنا علي بن عبد الكافي الحافظ بكفر بطنا بقراءتي أخبرنا يحيى بن أحمد أخبرنا محمد ابن عماد أخبرنا ابن رفاعة أخبرنا الخلعي أخبرنا عبد الرحمن بن عمر أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حافيا وناعلا وقائما وقاعدا وينفتل عن يمينه وعن شماله
قال لنا شيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ رضي الله عنه هذا حديث غريب صالح الإسناد واسم أبي الأوبر زياد الحارثي كوفي سماه يحيى بن معين
أخبرنا أبي تغمده الله برحمته أخبرنا أقسيان بن محفوظ بقراءتي أخبرنا قايماز بن عبد الله أخبرنا السلفي أخبرنا الخانساري بجرباذقان أخبرنا أبو طاهر عبد الرحيم أخبرنا ابن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا حدثنا محرز حدثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي يريد أن يأخذ مالي قال (أنت ومالك لأبيك
قال لنا شيخ الإسلام الوالد رضي الله عنه رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس عن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر وهو إسناد جيد
والمنكدر بن محمد الذي وقع في روايتنا هذه غلبت عليه العبادة فقطعته عن الحفظ
ومحرز الراوي عنه هو ابن سلمة روى عنه ابن ماجة وذكره ابن حيان في الثقات
وهذا الحديث متأول عند أكثر العلماء ويدل له أمران أحدهما قوله أنت ومن المعلوم أن الحر لا يملك
والثاني قوله ومالك ومن المعلوم أن المال لا يكون في الوقت الواحد لمالكين
فالمقصود أن الولد يعد بنفسه وماله لأبيه حتى لا يستأثر عنه بشيء
انتهى كلام الوالد رحمه الله
أخبرنا شيخ الإسلام الوالد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا أبو العباس الدشتي بقراءة الذهبي الحافظ عليه وأنا أسمع أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ ح
وأخبرتنا زينب بنت الكمال في كتابها عن يوسف بن خليل أخبرنا خليل بن أبي الرجاء ومسعود الخياط قالا أخبرنا أبو علي المقرئ أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا الحارث حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالبقيع فنادى رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم قال لم أعنك يا رسول الله إنما دعوت فلانا قال (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
قال لنا الشيخ الإمام الوالد تغمد الله برحمته هذا حديث صحيح متفق عليه رواه البخاري من حديث زهير بن معاوية الكوفي عن حميد ورواه مسلم من حديث مروان بن معاوية الفزاري عن حميد
وقد اختلف العلماء في التكني بأبي القاسم والمختار عندي امتناعه مطلقا لمن اسمه محمد ولغيره في زمانه صلى الله عليه وسلم وبعده لإطلاق النهي وليس للتخصيص أو التقييد دليل قوي وقد تكنى جماعة من العلماء به كأنهم رأوا تقييد
النهي وذلك عذر لهم منم الرافعي وأقرانه وعندي تحرج إذا ذكرتهم أن أذكر هذه الكنية وإن كان ذكري ليس تكنية حتى يدخل في النهي لأن التسمية وضع اللفظ للمعنى والتسمي قبول المسمى ذلك وهما الواردان في النهي وأما الإطلاق فأمر ثالث لكنه يظهر امتناعه أيضا إما لأنه في معنى التسمي لأنه رضى بذلك وإما لأن ذلك كالتقرير على المنكر اللهم إلا أن يكون ذلك الشخص لا يعرف إلا به فيكون عذرا مانعا من الإلحاق مع عدم دخوله في النهي فليتنبه لذلك
انتهى كلام الوالد رحمه الله إملاء
وما ذكره من البحث دقيق حق وبه اعتذر في شرح المنهاج عن الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله حيث كنى في خطبة المنهاج الرافعي بأبي القاسم مع اختياره المنع
أخبرنا الشيخ الوالد رضي الله عنه قراءة عليه وأنا أسمع قال أخبرنا الشيخان أبو الحجاج يوسف بن بدران بن بدر الحجوي المقدسي وأم محمد زينب بنت أحمد ابن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسية سماعا عليهما قالا أخبرنا أبو الفضل جعفر ابن علي بن هبة الله الهمداني قراءة عليه ونحن نسمع قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي في جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة قال أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ببغداد سنة أربع وتسعين وأربعمائة
قال أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز قال أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن الحسن بن محمد بن نصر السقطي المعروف بابن أبي رؤبة حدثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي الواسطي قال حدثنا عبيد الله ابن موسى أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له عند الكعبة أن يدعو الله لنا قلنا ألا تستنصر لنا قال فجلس مغضبا محمرا وجهه فقال (كان الرجل من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب وليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون
// أخرجه البخاري // عن مسدد وابن المثنى كلاهما عن يحيى عن إسماعيل
وعن الحميدي عن سفيان عن بيان وإسماعيل
وأبو داود عن عمرو بن عون عن هشيم وخالد بن عبد الله كلاهما عن يحيى ببعضه كلاهما عن إسماعيل
والنسائي عن عبدة بن عبد الرحيم عن سفيان به وعن يعقوب بن إبراهيم وابن المثنى كلاهما عن يحيى ببعضه كلاهما عن قيس بن أبي حازم به
أخبرنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام بقراءتي عليه قال أخبرنا إسحاق بن أبي بكر النحاس قال أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ قال أخبرنا يحيى بن أسعد الأزجي قال أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد وأبو نصر أحمد بن عبد الله وأبو غالب بن البناء أخبرنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو بكر بن حمدان القطيعي حدثنا بشر بن موسى الأسدي حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن أبي حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ليس في العوامل والحوامل صدقة
محمد بن سيرين لم يذكر له ترجمة في الأطراف عن علي
وأبو عبد الرحمن المقرئ الراوي عن أبي حنيفة هو عبد الله بن يزيد العدوي مولى آل عمر بن الخطاب أصله من ناحية البصرة سكن مكة
ولا معنى للتطويل بذكر الكثير من حديث شيخ الإسلام الشيخ الإمام وقد اشتمل كتابنا هذا على الكثير منه فنكتفي منه في ترجمته بذكر ما أوردناه
أنشدنا شيخ الإسلام الشيخ الإمام لنفسه وقد وقف على كتاب صنفه ابن تيمية في الرد على ابن المطهر الرافضي
إن الروافض قوم لا خلاق لهم | من أجهل الخلق في علم وأكذبه |
والناس في غنية عن رد إفكهم | لهجنة الرفض واستقباح مذهبه |
وابن المطهر لم تطهر خلائقه | داع إلى الرفض غال في تعصبه |
لقد تقول في الصحب الكرام ولم | يستحي مما افتراه غير منجبه |
ولابن تيمية رد عليه وفى | بمقصد الرد واستيفاء أضربه |
لكنه خلط الحق المبين بما | يوشبه كدرا في صفو مشربه |
يخالط الحشو أنى كان فهو له | حثيث سير بشرق أو بمغربه |
يرى حوادث لا مبدا لأولها | في الله سبحانه عما يظن به |
لو كان حيا يرى قولي ويفهمه | رددت ما قال أقفو إثر سبسبه |
كما رددت عليه في الطلاق وفي | ترك الزيارة ردا غير مشتبه |
وبعده لا أرى للرد فائدة | هذا وجوهره مما أضن به |
والرد يحسن في حالين واحدة | لقطع خصم قوي في تغلبه |
وحالة لانتفاع الناس حيث به | هدى وربح لديهم في تطلبه |
وليس للناس في علم الكلام هدى | بل بدعة وضلال في تكسبه |
ولي يد فيه لولا ضعف سامعه | جعلت نظم بسيطي في مهذبه |
وأنشدنا أيضا لنفسه قصيدته التي يخاطب بها أخي الأكبر أبا بكر محمدا تغمد الله برحمته وهي طويلة منها
أبني لا تهمل نصيحتي التي | أوصيك واسمع من مقالي ترشد |
احفظ كتاب الله والسنن التي | صحت وفقه الشافعي محمد |
واعلم أصول الفقه علما محكما | يهديك للبحث الصحيح الأيد |
وتعلم النحو الذي يدني الفتى | من كل فهم في القرآن مسدد |
واسلك سبيل الشافعي ومالك | وأبى حنيفة في العلوم وأحمد |
وطريقة الشيخ الجنيد وصحبه | والسالكين طريقهم بهم اقتد |
واتبع طريق المصطفى في كل ما | يأتي به من كل أمر تسعد |
واقصد بعلمك وجه ربك خالصا | تظفر بسبل الصالحين وتهتد |
واخش المهيمن وأت ما يدعو إليه | وانته عما نهى وتزهد |
وارفع إلى الرحمن كل ملمة | بضراعة وتمسكن وتعبد |
واقطع عن الأسباب قلبك واصطبر | واشكر لمن أولاك خيرا واحمد |
وعليك بالورع الصحيح ولا تحم | حول الحمى واقنت لربك واسجد |
وخذ العلوم بهمة وتفطن | وقريحة سمحاء ذات توقد |
واستنبط المكنون من أسرارها | وابحث عن المعنى الأسد الأرشد |
وعليك أرباب العلوم ولا تكن | في ضبط ما يلقونه بمفند |
وإذا أتتك مقالة قد خالفت | نص الكتاب أو الحديث المسند |
فاقف الكتاب ولا تمل عنه وقف | متأدبا مع كل حبر أوحد |
فلحوم أهل العلم سمت للجنة | عليهم فاحفظ لسانك وابعد |
هذي وصيتي التي أوصيكها | أكرم بها من والد متودد |
وأنشدنا لنفسه
إلهي فوضت الأمور جميعها | إليك فدبرها بما شئت والطف |
وسلمني اللهم يا رب واحمني | وخذ بيدي وامنن وجد وتعطف |
وأنشدنا من لفظه لنفسه
لعمرك إن لي نفسا تسامى | إلى ما لم ينل دارا بن دارا |
فمن هذا أرى الدنيا هباء | ولا أرضى سوى الفردوس دارا |
وأيضا
إن الولاية ليس فيها راحة | إلا ثلاث يبتغيها العاقل |
حكم بحق أو إزالة باطل | أو نفع محتاج سواها باطل |
وأيضا وقد أوردها عنه ابن فضل الله في تاريخه
قلبي ملكت فما به | مرمى لواش أو رقيب |
قد حزت من أعشاره | سهم المعلى والرقيب |
يحييه قربك إن مننت | به ولو مقدار قيب |
يا متلفي ببعاده | عني أما خفت الرقيب |
وأيضا وهو مما أورده ابن فضل الله عنه في التاريخ
في كل واد بليلى وإله شغف | ما إن يزال به من مسها وصب |
ففي بني عامر من حبها دنف | ولابن تيمية من عهدها سغب |
وكان قد قالهما وقد وجد إكثار ابن تيمية من ذكر ليلى وتمنيها وأراد بعهد ليلى ظاهرا ما هو له وباطنا يمينها واليمين العهد
وأيضا
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب | ورتبة أهل العلم أسنى المراتب |
هم ورثوا علم النبيين فاهتدى | بهم كل سار في الظلام وسارب |
ولا فخر إلا إرث شرعة أحمد | ولا فضل إلا باكتساب المناقب |
وبحث وتدقيق وإيضاح مشكل | وتحرير برهان وقطع مغالب |
وإحكام آيات الكتاب وسنة | أتت عن رسول من لؤي بن غالب |
إذا المرء أمسى للعلوم محالفا | أضاء له منها جميع الغياهب |
وينزاح عنه كل شك وشبهة | وتبدو له الأنوار من كل جانب |
هي الرتبة العليا تسامى بأهلها | إلى مستقر فوق متن الكواكب |
فدونكها إن كنت للرشد طالبا | تنل خير مرجو الدنا والعواقب |
ولا تعدلن بالعلم مالا ورفعة | وسمر القنا أو مرهفات القواضب |
وهبك ازوت دنياك عنك فلا تبل | فعنها لقد عوضت صفو المشارب |
فما قدر ذي الدنيا وما قدر أهلها | وما اللهو بالأولاد أو بالكواعب |
إذا قست ما بين العلوم وبينها | بعقل صحيح صادق الفكر صائب |
فما لذة تبقى ولا عيش يقتنى | سوى العلم أعلى من جميع المكاسب |
نقلت من خط أخي شيخنا شيخ الإسلام أبي حامد أحمد سلمه الله تعالى أن الوالد أنشد هذه الأبيات حين أخذت منه مشيخة جامع طولون في سنة تسع عشرة وأن والدته الجدة ناصرية أسفت عليه وكان ذلك بعد ولادة الأخ أبي حامد قال فكان الوالد يقول ها يا أم وما أدراك أن هذا الميعاد يعود ويكون رزق هذا المولود فعاد إليه في سنة سبع وعشرين واستمر بيده إلى سنة تسع وثلاثين لما ولي قضاء الشام واستمر باسم الأخ أبي حامد وهو الآن بيده جعله الله كلمة باقية في عقبه
قلت وقد ضمن صاحبنا الحافظ الكبير صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي البيت الأول من هذه القصيدة في أبيات له وهي
ألا إنما الدنيا مطية راكب | تسير به في مهمة وسباسب |
فإما إلى خير يسر نواله | وإما إلى شر وسوء معاطب |
فلولا ثلاث هن أفضل مقصد | لما كنت في طول الحياة براغب |
ملازمة خير اعتقاد منزها | عن النقص والتشبيه رب المواهب |
ونشر علوم للشريعة ناظما | عقود معانيها لتفيهم طالب |
وصوني نفسي عن مزاحمة على | دني حطام أو علي مناصب |
ففي ذاك بالقنوع وراحة | معجلة من خوف ضد مغالب |
وحسبك في ذا قول عالم عصره | مقال محق صادق غير كاذب |
كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب | ورتبة أهل العلم أسنى المراتب |
ومع ذاك أرجو من إلهي عفوه | وخاتة الحسنى ونيل الرغائب |
ويطمعني في ذي الثلاث ثلاثة | بهم اعتصامي من وبيل المصائب |
محبة خير الخلق أحمد مصطفى المهيمن | من عليا لؤي بن غالب |
وأني موال للصحابة كلهم | ومن بعدهم من تابع في المذاهب |
وبالأولياء الغر حسن تعلقي | أرى حبهم حتما علي كواجب |
فحسبي بهذا كله لي عدة | حياتي وموتي والإله محاسبي |
وأنشدنا الشيخ الإمام الوالد رحمه لله لنفسه جوابا عن سؤال ورد عليه في السماع أيما أحل هو أو الغيبة
يا صاحب الأحوال والزفرات | والذكر والتسبيح في الخلوات |
أما اغتياب الناس فهو محرم | قطعا بنص الله في الحجرات |
فحذار منه حذار لا تعدل به | لهوا به نوع من الشبهات |
واعلم بأن الرقص والدف الذي | عنه سألت وقلت في أصوات |
فيه خلاف للأئمة قبلنا | سرج الهداية سادة السادات |
لكنه لم تأت قط شريعة | طلبته أو جعلته في القربات |
والعارف المشتاق إن هو هزه | وجد فقام يهيم في سكرات |
لا لوم يلحقه ويحمد حاله | يا طيب ما يلقى من اللذات |
إن نلت ذا يوما فقد نلت المنى | وغنيت فيه عن فتاوى الفاتي |
هذا جواب علي السبكي ذي الحجب | العظيمة صاحب الحسرات |
أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه قصيدته التي نظمها في الشطرنج عند اقتراح الشيخ أبي حيان ذلك على أهل العصر على زنة خاصة
ومن نبأ ذلك أن أبا حيان اقترح أن ينظم الشعراء على عروض قول ابن حزمون وقافية قوله
إليك إمام الخلق جبت المفاوزا | وخلفت خلفي صبية وعجائزا |
وشرط أبو حيان على من عارضه أن يتغزل ثم يذكر الغرض ثانيا ثم يمدحه ثالثا
فمطلع قصيدة الشيخ الإمام
أخا العذل لا تفرط وكن متجاوزا | فما كل عذل في المحبة جائزا |
ولا كل ذي وجد يطيق احتماله | وإن كان ذا أيد شديدا مبارزا |
ولا كل صب يحسب الغي رشده | وكيف ومثلي من يفك المرامزا |
وهي طويلة عدتها مائة واثنا عشر بيتا لم يتكرر عليه فيها قافية منها
وإني لفي أسر الهوى ووثاقه | حليف الضنا من حين كنت مناهزا |
تقاذفني أمواجه وبحوره | ولم ألق فيها بين بحرين حاجزا |
ولا أبتغي عنها زوالا وإنني | لفي لذة منها أحاذر غامزا |
وما من رياض الأنس إلا ولي بها | مراتع لهو جاهرا لا مغامزا |
وكم من ربى زهر بها عشت طيبا | خمائلها تسبي النهى والنحائزا |
فطورا أغاني الغانيا وتارة | أغازل غزلانا نفارا نوافزا |
تصيد بأجفان مراض نواعس | أسود عرين خادرات نواشزا |
وطورا بألحان تعبد معبد | بها مهجتي أهدى إليها هزاهزا |
وطورا براح راحة القلب عندها | ينازعنيها أحور بات قافزا |
صبوت إليها حين طاب عزائزا | فصد فألقى في القلوب حزائزا |
وعز فذلت نفس حر على الهوى | وصال فقلت اسفك دمي لك جائزا |
لا حرام ولا مكروه بل يتخير بين طرفيه
سلوي محال والصبابة واجب | أليس وصالي يا أخا الحسن جائزا |
فجد واغتنم أجري وكن متعطفا | ولو بخيال في منامي حائزا |
أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه جوابا لبعض الصوفية من أبيات في الذكر
إذا ما رمت إدراكا بفكري | يقصر عن مدى معشار عشر |
ويدهش أن يفكر في جلال | من السبحات والتنزيه سري |
فهيبة ذي الجلال تثير وجدي | ورؤية ذي الكمال تبيح سكري |
أتاني منك يا شيخ المعاني | سؤال جل في تحقيق ذكر |
وأنت بشرحه أولى وأدرى | وفي مثل وما خبر كخبر |
إذا رمنا اقتناصا من معان | تدق فأنت مقصد كل حبر |
وإن رمنا المعارف أو صلاح القلوب | فأنت لجة كل بحر |
وأحوال القلوب عليك تجلى | معارفها فتأخذ كل بكر |
إذا ما السيف برح عن خفاء | رأينا منه كل مصون در |
وإن أبدى من الأحوال كشفا | فدونك فاستمع لحلال سحر |
ولكني أقول ومنك قولي | وليس بنافد ودي وشكري |
ولولا العبد معتقدا محبا | لأمسك خوف تقصير وقصر |
سألت عن المداد جرى مضافا | إلى كلماته في ضمن ذكر |
وهل مدد يضاف لها مناف | مرادا أو على مجراه يجري |
وما الأولى بأوراد لعبد | يحاسب نفسه بجزيل أجر |
فدونك يا مربي كل شيخ | وعارف وقتنا بديار مصر |
مدادا لفظة صحت لدينا | عن الهادي البشير بغير نكر |
رواها مسلم واللفظ فيه | كما قلنا كذا نقرا ونقري |
وما مدد بلفظ في حديث | وفي معناه بعد عند سبر |
مداد ما تسطر منه خط | وذلك ممكن في كل أمر |
فيفنى الخط والكلمات تبقى | بقاء مهيمن رحمن بر |
وأما قولنا مدد فأصل | لفرع ناشئ عنه بنشر |
هذا ما أحفظ من هذا الجواب وكانت القصيدة طويلة أجاب بها بعض العارفين عند ورود سؤال منه عليه ولم أقف على السؤال ولا عرفت السائل
وقد كانت الأسئلة تأتيه من شرق الأرض وغربها فما كان منها متعلقا بعلوم الظاهر نقف عليه ونبحث عنه وما كان منها متعلقا بعلم الباطن قل أن يوقفنا عليه أو يعرفنا سائله وكان يكتم أحوال من يعرفه من الأولياء
وأنا أجوز أن يكون هذا السائل شيخه الشيخ أبا العباس بن عطاء الله فإني أرى في هذا النظم من تعظيمه للسائل ووصفه إياه بأنه عارف وقته بديار مصر ما ينبئ عن ذلك
أنشدنا الشيخ الإمام لنفسه أرجوزته المسماة بلمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق وهي
يقول راجي الله ذي الألطاف | حقا علي بن عبد الكافي |
من بعد حمد الله والصلاة | على النبي دائم الأوقات |
وأنشدنا لنفسه وقد وقف على كتاب المناقضات للأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبي حامد أحمد أمتع الله ببقائه
أبو حامد في العلم أمثال أنجم | وفي النقد كالإبريز أخلص بالسبك |
فأولهم من إسفراين نشؤه | وثانيهم الطوسي والثالث السبكي |
وهذه منقبة للأخ سلمه الله فأي مرتبة أعلى من تشبيه والده وهو من هو علما ودينا وتحرزا في المقال له بالغزالي وأبي حامد الإسفرايني
ولقد كان الوالد رضي الله عنه يجل الأخ ويعظمه سمعته غير مرة يقول أحمد والد وهذا يشبه قول الأستاذ أبي سهل الصعلوكي في ولده الأستاذ أبي الطيب
سهل بن أبي سهل الصعلوكي سهل والد
وكذلك سمعت الشيخ الإمام رحمه الله يقول في مرض موته والأخ غائب في الحجاز غيبة أحمد أشد علي مما أنا فيه من المرض وقد قال أبو سهل هذه الكلمة في مرض موته وولده أبو الطيب غائب
وبلغه أن دروس الأخ خير من دروسه فقال
دروس أحمد خير من دروس علي | وذاك عند علي غاية الأمل |
وأنشدنا لنفسه وكتب بهما على الجزء الذي خرجته في الكلام على حديث المتبايعين بالخيار
عبد الوهاب مخرجه | من فضل الله علي نشا |
يا رب قه ما يحذره | واقدر فيه الخيرات وشا |
وكتب بخطه على ترجمته التي أنشأتها في كتاب الطبقات الوسطى وقد كانت الطبقات الوسطى تعجبه ويضعها غالبا بين يديه ينظر فيها رأيته كتب بخطه على ترجمته وهو عندي الآن ما نصه
عبد الوهاب نظرت إلى | ورم باد يحكي سمنا |
وشغاف بي يدعوك إلى | حسبانك في حالي حسنا |
يا رب اغفر لابني فيما | قد خط وقال هوى وجنا |
والله إني في نفسي أحقر من أن أنسب إلى غلمان واحد من المذكورين ومن
أنا في الغابرين أسأل الله خاتمة حسنة بمنه وكرمه وبمحمد صلى الله عليه وسلم كتبه علي السبكي في يوم السبت مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بظاهر دمشق هذا صورة خطه على حاشية كتاب الطبقات الوسطى لي
وأنشدوني عنه وقد جلست للشغل في العلم عقيب وفاة الشيخ الإمام فخر الدين المصري إلى جانب الرخامة التي بالجامع الأموي التي يقال إن أول من جلس إلى جانبها شيخ الإسلام فخر الدين ابن عساكر ثم تلميذه شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام ثم تلميذه الشيخ تاج الدين ابن الفركاح الفزاري ثم تلميذه ولده الشيخ برهان الدين ثم تلميذه الشيخ فخر الدين المصري ثم أنا وكتبتها من خط الوالد رحمه الله تعالى
الجامع الأموي فيه رخامة | يأوي لها من للفضائل يطلب |
الشيخ فخر الدين نجل عساكر | والشيخ عز الدين عنه ينسب |
والشيخ تاج الدين نجل فزارة | عنه تلقاها يفيد ويدأب |
ثم ابنه أكرم به من سيد | ورع له كل المناصب تخطب |
وتلاه فخر الدين واحد مصره | بذكائه كالنار حين تلهب |
وابني يليهم زاده رب السما | علما وفهما ليس فيه ينصب |
وكتب إلي الشيخ الإمام الوالد تغمده الله برحمته وقد وليت توقيع الدست
بالشام المحروس بين يدي ملك الأمراء الأمير علاء الدين أمير علي ين علي المارديني نائب الشام
أقول لنجلي البر المفدى | مقالا وثقت منه عراه |
وليت كتابة في دست ملك | رست أحكامه وسمت ذراه |
فلا تكتب بكفك غير شيء | يسرك في القيامة أن تراه |
ولا تأخذ من المعلوم إلا | حلالا طيبا عطرا ثراه |
ونصحك صاحب الدست اتخذه | شعارك فالسعادة ما تراه |
ثلاث يا بني بها أوصي | فمن يأخذ بها يحمد سراه |
وتقوى الله رأس المال فالزم | فما للعبد إلا من براه |
فكتبت إليه الجواب رضي الله عنه
أتت والقلب في الغفلات ساه | تنبه كل ساه من كراه |
وصاية والد بر شفوق | يقوم مع ابنه فيما عراه |
رءوف بابنه لو بيع مجد | بمقدور لبادر واشتراه |
ألا يأيها الرجل المفدى | ومن فوق السماء نرى ثراه |
أنلت فنلت في الدنيا منالا | يسرك في القيامة أن تراه |
وكتب إلي وقد جمع لي بين نيابته في الحكم وتوقيع الدست وكانت قد وردت عليه فتيا في لعب الشطرنج أجبنا أيها الإمام أحلال هو أم حرام ونحن قد عرفنا مذهب الشافعي ولكنا نريد أن نعرف رأيك واجتهادك فألقاها إلي وقال اكتب عليها مبسوطا مستدلا ثم اعرضها
فكتبت كتابة مطولة جامعة للدلائل ونصرت مذهب الشافعي فكتب إلى جانبها
أموقع الدست الشريف ونائب الحكم | العزيز ومفتي الإسلام |
خف من إلهك أن يراك وقد نهاك | وما انتهيت وملت للآثام |
رضي الله عنه ما كان أكثر مراقبته لربه سبحانه وتعالى كان ربه بين عينيه في كل آونة
ذكر شيء من ثناء الأئمة عليه رضي الله عنه وعنهم ونفعنا به وبهم في الدنيا والآخرة
وقليل مما شاهدنا من أحواله الزاهرة وأخلاقه الطاهرة وكراماته الباهرة
قد قدمنا كلام الشيخ الحافظ الذهبي فيه وقال فيه في مكان آخر كتبه في سنة عشرين وسبعمائة انتهى إليه الحفظ ومعرفة الأثر بالديار المصرية وله كلام كثير في تعظيمه وقد قدمنا في ترجمته قوله فيه من أبيات
وكابن معين في حفظ ونقد | وفي الفتيا كسفيان ومالك |
وفخر الدين في جدل وبحث | وفي النحو المبرد وابن مالك |
وصح من طرق شتى عن الشيخ تقي الدين بن تيمية أنه كان لا يعظم أحدا من أهل العصر كتعظيمه له وأنه كان كثير الثناء على تصنيفه في الرد عليه
وفي كتاب ابن تيمية الذي ألفه في الرد على الشيخ الإمام في رده عليه في مسألة الطلاق لقد برز هذا على أقرانه
وهذا الرد الذي لابن تيمية على الوالد لم يقف عليه ولكن سمع به وأنا وقفت منه على مجلد
وأما الحافظ أبو الحجاج المزي فلم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا له وللشيخ تقي الدين ابن تيمية وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر
وقد قدمنا قول ابن فضل الله إنه مثل التابعين إن لم يكن منهم
وكان الشيخ تقي الدين أبو الفتح السبكي رحمه الله يقول إذا رأيته فكأنما رأيت تابعيا
وصح أن شيخه الإمام علاء الدين الباجي رحمه الله أقبل عليه بعض الأمراء وكان الشيخ الإمام إلى جانبه الأيمن وعن جانبه الأيسر بعض أصحابه فقعد الأمير بين الباجي والشيخ الإمام ثم قال الأمير للباجي عن الذي عن يساره هذا إمام فاضل فقال له الباجي أتدري من هذا هو إمام الأئمة قال من قال الذي جلست فوقه تقي الدين السبكي ولعل هذا كان في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
وأما شيخه ابن الرفعة فكان يعامله معاملة الأقران ويبالغ في تعظيمه ويعرض عليه ما يصنفه في المطلب
وكذلك شيخه الحافظ أبو محمد الدمياطي لم يكن عنده أحد في منزلته
ولو أخذت أعد مقالة أشياخه فيه لطال الفصل
وبلغني أن ابن الرفعة حضر مرة إلى مجلس الحافظ أبي محمد الدمياطي فوجد الشيخ الإمام
الوالد بين يديه فقال محدث أيضا وكان ابن الرفعة لعظمة الوالد في الفقه عنده يظن أنه لا يعرف سواه فقال الدمياطي لابن الرفعة كيف تقول قال قلت للسبكي محدث أيضا فقال إمام المحدثين فقال ابن الرفعة وإمام الفقهاء أيضا فبلغت شيخه الباجي فقال وإمام الأصوليين
وبالجملة أجمع من يعرفه على أن كل ذي فن إذا حضره يتصور فيه شيئين أحدهما أنه لم ير مثله في فنه والثاني أنه لا فن له إلا ذلك الفن
وسمعت صاحبنا شمس الدين محمد بن عبد الخالق المقدسي المقرئ يقول كنت أقرأ عليه القراءات وكنت لكثرة استحضاره فيها أتوهم أنه لا يدري سواها وأقول كيف يسع عمر الإنسان أكثر من هذا الاستحضار
وسمعت الشيخ سيف الدين أبا بكر الحريري مدرس المدرسة الظاهرية البرانية يقول لم أر في النحو مثله وهو عندي أنحى من أبي حيان
وسمعت عن سيف الدين البغدادي شيخه في المنطق أنه قال لم أر في العجم ولا في العرب من يعرف المعقولات مثله
وسمعت جماعة من أرباب علم الهيئة يقولون لم نر مثله فيها وكذلك سمعت جماعة من أرباب علم الحساب
وعلى الجملة لا يماري في أنه كان إمام الدنيا في كل علم على الإطلاق إلا جاهل به أو معاند
ولقد سمعت الحافظ العلامة صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي يقول الناس يقولون ما جاء بعد الغزالي مثله وعندي أنهم يظلمونه بهذا وما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري
قلت أما أنا فأقول والله على لسان كل قائل كان ذهنه أصح الأذهان وأسرعها نفاذا وأوثقها فهما وكان آية في استحضار التفسير ومتون الأحاديث وعزوها ومعرفة العلل وأسماء الرجال وتراجمهم ووفياتهم ومعرفة العالي والنازل والصحيح والسقيم عجيب الاستحضار للمغازي والسير والأنساب والجرح والتعديل آية في
استحضار مذاهب الصحابة والتابعين وفرق العلماء بحيث كان تبهت الحنفية والمالكية والحنابلة إذا حضروه لكثرة ما ينقله عن كتبهم التي بين أيديهم آية في استحضار مذهب الشافعي وشوارد فروعه بحيث يظن سامعه أنه البحر الذي لا تغيب عنه شاردة إذا ذكر فرع وقال لا يحضرني النقل فيه فيعز على أبناء الزمان وجدانه بعد الفحص والتنقيب وإذا سئل عن حديث فشذ عنه عسر على الحفاظ معرفته
وكان يقال إنه يستحضر الكتب الستة غير ما يستحضره من غيرها من المسانيد والمعاجم والأجزاء
وأنا أقول يبعد كل البعد أن يقول في حديث لا أعرف من رواه ثم يوجد في شيء من الكتب الستة أو المسانيد المشهورة
وأما استحضار نصوص الشافعي وأقواله فكان يكاد يحفظ الأم ومختصر المزني وأمثالهما
وأما استحضاره في علم الكلام والملل والنحل وعقائد الفرق من بني آدم فكان عجبا عجابا
وأما استحضاره لأبيات العرب وأمثالها ولغتها فأمر غريب لقد كانوا يقرؤون عليه الكشاف فإذا مر بهم بيت من الشعر سرد القصيدة غالبها أو عامتها من حفظه وعزاها إلى قائلها وربما أخذ في ذكر نظائرها بحيث يتعجب من يحضر
وأما استحضاره لكتاب سيبويه وكتاب المقرب لابن عصفور فكان عجيبا ولعله درس عليهما
وأما حفظه لشوارد اللغة فأمر مشهور وكنت أنا أقرأ عليه في كتاب التلخيص للقاضي جلال الدين في المعاني والبيان أنا وآخر معي ولم يكن فيما أظن وقف على التلخيص قبل ذلك وإنما أقرأه لأجلي وكنا نحكم المطالعة قبل القراءة عليه فيجيء فيستحضر من مفتاح السكاكي وغيره من كلام أهل المعاني والبيان ما لم نطلع عليه نحن مع مبالغتنا في النظر قبل المجيء ثم يوشح ذلك بتحقيقاته التي تطرب العقول
وكنت أقرأ عليه المحصول للإمام فخر الدين والأربعين في الكلام له والمحصل فكنت أرى أنه يحفظ الثلاث عن ظهر قلب
وأما المهذب والوسيط فكان في الغالب ينقل عبارتهما بالفاء والواو كأنه درس عليهما
وأما شرح الرافعي الذي هو كتابنا ونحن ندأب فيه ليلا ونهارا فلو قلت كيف كان يستحضره لاتهمني من يسمعني
هذا وكأنه ينظر تعليقة الشيخ أبي حامد والقاضي الحسين والقاضي أبي الطيب والشامل والتتمة والنهاية وكتب المحاملي وغيرهم من قدماء الأصحاب ويتكلم لكثرة ما يستحضره منها بالعبارة
حكى لي الحافظ تقي الدين ابن رافع قال سبقنا مرة إلى البستان فجئنا بعده ووجدناه نائما فما أردنا التشويش عليه فقام من نومه ودخل الخلاء على عادته وكان يريد أن يكون دائما على وضوء فلما دخل ظهر لنا كراس تحت رأسه فأخذناه فإذا هو من شرح المنهاج وقد كتب عن ظهر قلب نحو عشرة أوراق قال فنظرها رفيق كان معي وقال ما أعجب لكتابته لها من حفظه ولا مما نقله من كلام الرافعي
والروضة وإنما أعجب من نقله عن سليم في المجرد وابن الصباغ في الشامل ما نقل ولم يكن عنده غير المنهاج ودواة وورق أبيض وكنا قد وجدنا فيها نقولا عنهما
قلت أنا من نظر شرح المنهاج بخطه عرف أنه كان يكتب من حفظه ألا تراه يعمل المسطرة والورق على قطع الكبير أحد عشر سطرا وما ذلك إلا لأنه يكتب من رأس القلم ويريد أن ينظر ما يلحقه فلذلك يعمل المسطرة متسعة ويترك بياضا كثيرا
قلت وكنت أراه يكتب متن المنهاج ثم يفكر ثم يكتب وربما كتب المتن ثم نظر الكتب ثم وضعها من يده وانصرف إلى مكان آخر وجلس ففكر ساعة ثم كتب
وكثير من مصنفاته اللطاف كتبها في دروج ورق المراسلات يأخذ الأوصال ويثنيها طولا ويجعل منها كراسا ويكتب فيه لأنه ربما لم يكن عنده ورق كراريس فيكتب فيها من رأس القلم وما ذلك إلا في مكان ليس عنده فيه لا كتب ولا ورق النسخ
وأما البحث والتحقيق وحسن المناظرة فقد كان أستاذ زمانه وفارس ميدانه ولا يختلف اثنان في أنه البحر الذي لا يساجل في ذلك كل ذلك وهو في عشر الثمانين وذهنه في غاية الاتقاد واستحضاره في غاية الازدياد
ولما شغرت مشيخة دار الحديث الأشرفية بوفاة الحافظ المزي عين هو الذهبي لها فوقع السعي فيها للشيخ شمس الدين ابن النقيب وتكلم في حق الذهبي بأنه ليس بأشعري وأن المزي ما وليها إذ وليها إلا بعد أن كتب خطه وأشهد على نفسه بأنه أشعري العقيدة واتسع الخرق في هذا فجمع ملك الأمراء الأمير علاء الدين
ألطنبغا نائب الشام إذ ذاك العلماء فلما استشار الشيخ الإمام أشار بالذهبي فقام الصائح بين الشافعية والحنفية والمالكية وتقفوا فيه أجمعون وكان من الحاضرين الشيخ نجم الدين القحفازي شيخ الحنفية فقال له الشيخ الإمام أيش تقول فقال
#وإليكم دار الحديث تساقأبدل هذا بدار
فاستحسن الجماعة هذا منه ودار إلى ملك الأمراء وقال أعلم الناس اليوم بهذا العلم قاضي القضاة والذهبي وقاضي القضاة أشعري قطعا وقطع الشك باليقين أولى
فوليها الشيخ الإمام ولم يكن مختارا ذلك بل كان يكرهه وقام من وقته إلى دار الحديث وبين يديه الذهبي وخلق فروى بسنده من طرق شتى منه إلى أبي مسهر حديث يا عبادي وتكلم على رجاله ومخرجه بحيث لم يسع المجلس الكلام على
أكثر من رجال الحديث ومخرجه إلى أن بهت الحاضرون لعلمهم أن الشيخ الإمام من سنين كثيرة لا ينظر الأجزاء ولا أسماء الرجال ولقد قال الذهبي
#وما علمتني غير ما القلب عالمهوالله كنت أعلم أنه فوق ذلك ولكن ما خطر لي أنه مع الترك والاشتغال بالقضاء يحضر من غير تهيئة ويسند هذا الإسناد
انتهى
وبالجملة كان مع صحة الذهن واتقاده عظيم الحافظة لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ولا يحفظ شيئا فينساه وإن طال بعده عن تذكره جمعت له الحافظة البالغة والفهم الغريب فما كان إلا ندرة في الناس ووحق الحق لو لم أشاهد وحكي لي أن واحدا من العلماء احتوى على مثل هذه العلوم وبلغ أقصى غاياتها نقلا وتحقيقا مع صحة الذهن وجودة المناظرة وقوة المغالبة وحسن التصنيف وطول الباع في الاستحضار واستواء العلوم بأسرها في نظهر أحسبه وهما
وأقول كيف تفي القوى البشرية بذلك ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وليس لله بمستنكر | أن يجمع العالم في واحد |
كان بالآخرة قد أعرض عن كثرة البحث والمناظرة وأقبل على التلاوة والتأله والمراقبة
وكان ينهانا عن نوم النصف الثاني من الليل ويقول لي يا بني تعود السهر ولو أنك تلعب والويل كل الويل لمن يراه نائما وقد انتصف الليل
واجتمعنا ليلة أنا والحافظ تقي الدين أبو الفتح والأخ المرحوم جمال الدين الحسين والشيخ فخر الدين الأقفهسي وغيرهم فقال لي بعض الحاضرين نشتهي أن نسمع مناظرته وليس فينا من يدل عليه غيرك فقلت له الجماعة يريدون سماع مناظرتك على طريق الجدل فقال بسم الله وفهمت أنه إنما وافق على ذلك لمحبته في وفي تعليمي
فقال أبصروا مسألة فيها أقوال بقدر عددكم وينصر كل منكم مقالة يختارها من تلك الأقوال ويجلس يبحث معي
فقلت أنا مسألة الحرام
فقال بسم الله انصرفوا فليطالع كل منكم ويحرر ما ينصره
فقمنا وأعمل كل واحد جهده ثم عدنا وقد كاد الليل ينتصف وهو جالس يتلو هو وشيخنا المسند أحمد بن علي الجزري الحنبلي رحمه الله فقال عبد الوهاب هات حسين هات هكذا يخصني أنا وأخي بالنداء
فابتدأ واحد من الجماعة فقال له إن شئت كن مستدلا وأنا مانع وإن شئت بالعكس
فحاصل القضية أن كلا منا صار يستدل على مقالته وهو يمنعه ويبين فساد كلامه إلى أن ينقطع ويأخذ في الكلام مع الآخر حتى انقطع الجميع
فقال له بعضنا فأين الحق
فقال أنا أختار المذهب الفلاني الذي كنت يا فلان تنصره ونصره إلى أن قلنا هو الحق ثم قال بل أختار المذهب الذي كنت يا فلان تنصره
وهكذا أخذ ينصر الجميع إلى أن قال له بعضنا فأين الباطل
فقال الآن حصحص الحق المختار مذهب الشافعي وطريق الرد على المذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا وقرر ذلك كله إلى أن قضينا العجب وكل منا يعرف أن أقل ما يكون للشيخ الإمام عن النظر في مسألة الحرام سنين كثيرة
وحضر عندنا مرة الشيخ جمال الدين المزي الحافظ رحمه الله إلى البستان وكان هناك جماعة من المشايخ ي جزء الأنصاري أحضرهم الوالد لإسماع الأطفال فقال لي الشيخ شرف الدين عبد الله بن الواني المحدث رحمه الله كنا نود لو سمعنا بقراءة الشيخ الإمام فقلت له فأخذ الجزء وقرأه على الجماعة قراءة قضى كل منا العجب من حسنها وسرعتها وبيانها
وأما باب العبادة والمراقبة فوالله ما رأت عيناي مثله كان دائم التلاوة والذكر وقيام الليل جميع نومه بالنهار وأكثر ليله التلاوة وكانت تلاوته أكثر من صلاته ويتهجد بالليل ويقرأ جهرا في النوافل ولا تراه في النهار جالسا إلا وهو يتلو ولو كان راكبا ولا يتلو إلا جهرا وكان يتلو في الحمام وفي المسلخ
وأما باب الغيبة فوالله لم أسمع اغتاب أحدا قط لا من الأعداء ولا من غيرهم ومن عجيب أمره أنه كان إذا مات شخص من أعدائه يظهر عليه من التألم والتأسف شيء كثير ولما مات الشيخ فخر الدين المصري رثاه بأبيات شعر وتأسف عليه وكذلك لما مات القاضي شهاب الدين ابن فضل الله الذي سقنا كلامه فيه فيما مضى ولا يخفى ما كان بينهما ومن الغريب أنه قرأ طائفة من القرآن ثم أهداها له فقلت له لم هذا أنت لم تظلمه قط وهو كان يظلمك فما هذا فقال لعلي كرهته بقلبي في وقت لحظ دنيوي فانظر إلى هذه المراقبة
ومما يدلك على مراقبته قوله في كتاب الحلبيات وقد ذكر أن القاضي لا تسمع عليه البينة فإن قوله أصدق منها وأن في كلام الرافعي ما يقتضي سماعها وتابعه ابن الرفعة وأنه ليس بصحيح ما صورته وتوقفت في كتابة هذا وخشيت أن يداخلني شيء لكوني قاضيا حتى رأيت في ورقة بخطي من نحور أربعين سنة كلاما في هذه المسألة وفي آخرها وما ينبغي أن تسمع على القاضي بينة ولا أن يطلب بيمين
انتهى
فانظر خوفه مداخلات الأنفس بحيث لو لم يجد هذه الورقة السابقة على توليته القضاء بسنين عديدة لتوقف في كتابة ما اختاره خشية وفرقا على دينه جزاه الله عن دينه خيرا
وأما الدنيا فلم تكن عنده بشيء ولا يستكثرها في أحد يهب الجزيل ولا يرى أنه فعل شيئا ويعجبني قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر العصر فيه من قصيدة امتدحه بها
مغني الأنام فما تعطل عنده | في الحكم غير محاضر الإفلاس |
ومعجل الجدوى جزافا لا كمن | هو ضارب الأخماس في الأسداس |
وأما الصوم فكان يعسر عليه ولم أره يصوم غير رمضان وست من شوال قلت له لم تواظب على صوم ست من شوال فقال لأنها تأتي وقد أدمنت على الصوم
وما كان ذلك إلا لحدة ذهنه واتقاد قريحته فكان لا يطيق الصوم وقد مات في عشر الثمانين بالحدة وربما كان يقعد والثلج ساقط من السماء وهو على رأسه طاقية
وكان يقول الشام توافقني أكثر من مصر لبردها ويسكن ظاهر البلد شتاء وصيفا
وكان لا يصبر إذا طلعت الشمس إلى أن يستوي طعام البيت بل يأكل من السوق وما ذلك إلا لسهره بالليل مع حدة ذهنه فيجوع من طلوع الشمس ولا يطيق الصبر ثم إذا أكل اجتزأ بالعلقة من الطعام واليسير من الغذاء
وأما مأكله وملبسه وملاذه الدنيوية فأمر يسير جدا لا ينظر إلى شيء من ذلك بل يجتزئ بيسير المأكل ونزر الملبس
وأما عدم مبالاته بالناس فأمر غريب ولقد شاهدته غير مرة يخرج بملوطته وعمامته التي ينام فيها إلى الطريق ورأيته مرة خرج كذلك وكانت الملوطة التي عليه وسخة مقطعة
راح إلى الجامع يوم ختم البخاري وجلس في أخريات الناس بحيث لم يشعر به أحد ثم كأنه عرضت له حالة فرفع يديه وتوجه ساكتا على عادته وصار رافع يديه قبل أن يشرعوا في الدعاء بنحو ساعة زمانية أو أزيد ثم استمر كذلك إلى أن فرغ وصارت العوام يرونه ويتعجبون من لبسه وحاله ومجيئه على تلك الصورة وما تم المجلس إلا وقد حضر النقيب والغلمان فقام وحضر إلى البيت وهم بين يديه كأنه بينهم غلام واحد منهم وعليه من المهابة ما لا يعبر عنه
وكنت مع ذلك أراه أيام المواكب السلطانية يلبس الطيلسان مواظبا عليه وكنت أعجب لأن طبعه لا يقتضي الاكتراث بهذه الأمور فتجاسرت عليه وسألته فقلت له أنت تقعد وتحكم وعليك ثياب ما تساوي عشرين درهما وأراك تحرص على لبس الطيلسان يوم الموكب
فقال يا بني هذا صار شعار الشافعية ولا نريد أن ينسى وأنا ما أنا مخلد سيجيء غيري ويلبسه فما أحدث عليه عادة في تبطيله
ورأيته غير مرة يكون راكبا البغلة فيجد ماشيا فيردفه خلفه ويعبر المدينة وهما كذلك والنقيب والغلمان بين يديه لا يقدر أحد أن يعترضه
وحضر مرة ختمة بالجامع الأموي وحضرت القضاة وأعيان البلد بين يديه وهو جالس في محراب الصحابة فأنشد المنشد قصيدة الصرصري التي أولها
#قليل لمدح المصطفى الخط بالذهبفلما قال
#وأن ينهض الأشراف عند سماعهالبيت
حصلت للشيخ الإمام حالة وقام واقفا للحال فاحتاج الناس كلهم أن يقوموا فقاموا أجمعون وحصلت ساعة طيبة
وكان لا يحابي في الحق أحدا وأخباره في هذا الباب عجيبة حكم مرة في واقعة حريثا وصمم فيها وعانده أرغون الكاملي نائب الشام وكاد الأمر يطلخم شاما ومصرا فذكر القاضي صلاح الدين الصفدي أنه عبر إليه وقال يا مولانا قد أعذرت ووفيت ما عليك وهؤلاء ما يطيعون الحق فلم تلقي بنفسك إلى التهلكة وتعاديهم قال فتأمل في مليا ثم قال
وليت الذي بيني وبينك عامر | وبيني وبين العالمين خراب |
والله لا أرضي غير الله
قال فخرجت من عنده وعرفت أنه لا يرجع عن الحق بزخارف من القول
قلت ولقد نزل لي شيخنا شمس الدين الذهبي في حياته عن مشيخة دار الحديث الظاهرية فلم يمض النزول وقال لي والله يا بني أعرف أنك مستحقها ولكن ثم مشايخ هم أولى منك لطعنهم في السن
ثم لما حضرت الذهبي الوفاة أشهد على نفسه بأنه نزل لي عنها فوالله لم يمضها لي وها خطه عندي يقول فيه بعد أن ذكر وفاة الذهبي وقد نزل لولدي عبد الوهاب عن مشيخة الظاهرية وأنا أعرف استحقاقه ولكن سن الشباب منعني أن أمضي النزول له
ولما نزل عن مشيخة دار الحديث الأشرفية واتفق أنه بعد أشهر حضر درسا عمله الولد تقي الدين أبو حاتم محمد ابن الأخ شيخنا شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد سلمهما الله وكان أشار هو بذلك ليفرح بتدريس ولد ولده بحضوره قبل وفاته قال للجماعة الحاضرين ما أعلم أحدا يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق
وأكثر الناس لم يفهم الغائب وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي شيخ بيت المقدس وحافظه
وكان يقول لي في أيام مرضه قبل أن يحصل لي القضاء إياك ثم إياك أن تطلب القضاء بقلبك فضلا عن قالبك فأنا أطلبه لك لعلمي بالمصلحة في ولايتك لك ولقومك وللناس وأما أنت فاحذر لئلا يكلك الله إليه على ما قال صلى الله عليه وسلم (يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة) الحديث
وحضرته وقد جاء إليه بعض الفقراء فقال أريد ثلاثا ولاية ابني هذا موضعي ورؤية ولدي أحمد وموتي بمصر أشهد بالله لسمعت ذلك منه
فقال له الفقير سل الله في ذلك إن كان مصلحة
فقال قد تحققت أن كل واحد من الثلاثة مصلحة
فقال له القضاء مصلحة لهذا
فقال نعم تحققت أنه مصلحة له في الدنيا والدين جميعا
وقال في ذلك المجلس أنا في بر ولدي أحمد يعني الأخ أبا حامد ووصفه بالعلم الكثير
وأما أحواله فكانت عجيبة جدا ما عانده أحد إلا وأخذ سريعا وكان لا يحب أن يظهر عليه شيء من الكرامات ويتأذى كل الأذى من ظهورها وممن يظهرها وقد اتفقت له في القاهرة ودمشق عجائب منها واقعته في مشيخة جامع طولون التي ذكرتها عند ذكر قصيدته التي أولها
#كمال الفتى بالعلم لا بالمناصبومنها أنه كان بيده تدريس المنصورية أخذها عن قاضي القضاة جمال الدين الزرعي عند ولايته قضاء الشام ثم عزل الزرعي وأرغون النائب في الحجاز وكان كثير الصداقة له فلما بلغ ذلك أرغون شق عليه وعزم على أنه إذا وصل إلى مصر ينزع المنصورية من الوالد ويعديها للزرعي فلما قيل إن أرغون وصل ويطلع غدا بات الوالد في قلق لأنه لم يكن له رزق غيرهما إلا اليسير فأخبرني أخي الشيخ بهاء الدين أنه أخبره أنه صلى في الليل ركعتين فسمع قائلا يقول له أرغون مات فلما أصبح وحضر الدرس قيل له إن أرغون طلع القلعة فتوجه إلى جهة القلعة للسلام عليه فبلغه في الطريق أن أرغون أمسك
ومنها واقعته مع إيتمش نائب الشام فإنه عانده وضاجره فحكى لي أخي الشيخ بهاء الدين أنه لما اشتد به ذلك عزم على عزل نفسه من القضاء فحضر
درس الأتابيكة بالصالحية ثم دخل إلى مسجد في دهليزها وأغلق عليه الباب وصلى ركعتي الاستخارة في ذلك فلما كانت السجدة الثانية من الركعة الثانية سمع قائلا يقول {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فأحجم عن ذلك إلى آخر حياته
وآخر أمره مع إيتمش أنه أمر شاد الأوقاف بجمع الفقهاء للفتوى عليه فبينا شاد الأوقاف بعد صلاة الجمعة يجمعهم وإذا بالبريدي قدم من مصر يطلبه إلى باب السلطان معززا مكرما
وكان الإمام تاج الدين المراكشي الذي ذكرت ترجمته يحكى أنه رأى في منامه قائلا يقول سيأتي شخص من مماليك ألجاي الدويدار يقتل هؤلاء كلهم فعن قريب حضر البريدي المذكور وهو قيصر مملوك ألجاي أحد مقدمي الحلقة وتوفي سنة ستين وسبعمائة فانطوى ذلك البساط وعاد الذين كانوا من قبل بلحظة يجمعون الغض منه واقفين على بابه يستغفرون ويعتذرون
وأعجب من ذلك أن البريدي ذكر أنه أراد أن يتخلف في الطريق لشغل عرض له فصادف أن غلامه سبقه وما أمكنه التخلف فصار غلامه وهو أمامه يسوق كل
السوق ظنا منه أن البريدي سبقه والبريدي يلحقه إلى أن وصل في ذلك الوقت ولو تأخر بعده ساعة واحدة لحصل التعب لنا
ثم سافر إلى مصر وما اتفقت إقامته بها وصار يصعب عليه العود إلى دمشق وأيدغمش بها والإقامة مصر لا تمكنه فبلغني أن الأمير الكبير بدر الدين جنكلي ابن البابا وهو أكبر أمراء الدولة قال نحن مع هذا السبكي في صداع لا يمكن إقامته بمصر ولا يهون عليه عوده إلى دمشق وإيتمش بها ولا يمكننا عزل إيتمش بسبب قاض إن كانت له كرامة عند الله فالله يريحه من إيتمش فجاءهم الخبر ثاني يوم بوفاة إيتمش فجأة فلما أن بلغه الخبر لم يزد على أن ذرفت عيناه بالدموع ثم نهض إلى الصلاة
وكان ممن يحط عليه عنده القاضي شهاب الدين ابن فضل الله فعزل وصودر واتفق له ما اتفق
وكان القاضي شهاب الدين أرسل إليه من قبل بشهر يقول له مع مملوكه عرفتني فقال قل له نعم عرفتك ولكن أنت ما عرفتني فبعد شهر صودر واتفق له ما اتفق
ومنها أمره مع طقزتمر نائب الشام وكان من أصحب الناس له في مصر فلما جاء إلى الشام غيره الشاميون عليه وأعانهم امتناعه من امتثال أوامره فطلب إلى مصر واستوحشنا من رواحه فما وصلها إلا وهو في النزع ومات
ومنها أمره مع أرغون شاه نائب الشام أيضا وقد جرت له معه فصول وأنا رأيته مرة يمسك بطرزه ويقول له أنا أموت وأنت تموت
وقال له مرة يا قاضي كم نائبا رأيت في هذه المدينة
قال كذا كذا نائبا
فقال ما يروحك إلا أنا
فقال الشيخ الإمام سوف تبصر
فبعد أيام يسيرة ذبح أرغون شاه صبرا
وله فيه أعجوبة حكى لي القاضي شرف الدين خالد بن القيسراني موقع الدست قال أنا كنت السبب في موت أرغون شاه
قلت كيف
قال لأني غيرت خاطر أبيك عليه فقلت له يوم الاثنين يوم قال له ما قال قبل أن يجلس أرغون شاه يا مولانا قاضي القضاة نحن نعرف أن لك مددا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قد زادت إساءته عليك
فقال لي ما نبالي اسكت إذا تعرض للشرع عملنا شغلنا
قال فوالله لما قعدنا بدرت من أرغون شاه تلك الكلمات في حق والدك وكلمات أخر قبيحة في الشرع فاتفق ما اتفق
قلت أما الذي اتفق لأرغون شاه فإنه ذبح صبرا ليلة الجمعة
وأما الذي اتفق من الشيخ الإمام فإنا صلينا المغرب واجتمعنا على العشاء ثم صلى الشيخ الإمام عشاء الآخرة وأوتر وصعد السطح فحكى أهل البيت أنه استمر واقفا في السطح مكشوف الرأس مطرقا ساكتا لا يتكلم قائما على رجليه إلى أن طلع الفجر ثم نزل فصلى الصبح بوضوء العشاء وأنه قال للنساء وهو نازل انقضى شغل أرغون شاه لا يتكلم أحد فحسبنا
ففي يوم الثلاثاء خرج الجيبغا من طرابلس ووصل إلى دمشق ليلة الخميس وأمسكه تلك الليلة ثم ذبحه ثاني ليلة
وهذه كانت حالة الشيخ في توجهه يكشف رأسه ويجعل المنديل في رقبته ويقوم على رجله مطرقا ساكتا ويصير عليه من المهابة ما يعجز الواصف عن وصفه ويكاد نم يراه في تلك الحالة يوقن أنه لو لسعه زنبور في تلك الحالة لما أحس به
وكانت أيضا عوائده إذا كانت له حاجة أن يكتب قصة بخطه إلى الله تعالى ويعلقها على خشبة في السطح وربما أنزلها بعد أيام وكأن ذلك علامة قضاء الشغل ما أدري
وهذه الحكاية التي لأرغون شاه أنا سمعت النساء الثقات في البيت يحكينها
وأما أنا ففي ليلة الخميس بلغني الخبر عقيب مسك أرغون شاه فعبرت إليه وطرقت الباب فسمعت صوته في قراءة التهجد فأمسكت فقضى الركعتين وخرج وهو يتلو فلما أخذ في فتح الباب ترك التلاوة وقال لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك
فلما فتح قلت له أمسك أرغون شاه
قال من قال اسكت أيش هذا الفشار
فما أدري لما قال لي لا تظهر الشماتة بأخيك هل كان ذهنه حاضرا أو أجراها الله على لسانه من غير قصد الله يعلم
ومنها ما حكاه الأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبو حامد سلمه الله ونقلته من خطه قال لما عدت من الحجاز في المحرم سنة ست وخمسين وسبعمائة وجدته ضعيفا فاستشارني في نزوله لولده سيدنا قاضي القضاة تاج الدين عن قضاء الشام ووجدته كالجازم بأن ذلك سيقع وقال لي سبب هذا أني قبل أن أمرض بأيام أغلب ظني أنه قال خمسة أيام رحت إلى قبر الشيخ حماد خارج باب الصغير وجلست عند قبره منفردا ليس عندي أحد وقلت له يا سيدي الشيخ لي ثلاثة أولاد أحدهم قد راح إلى الله والآخر في الحجاز ولا أدري حاله والثالث هنا وأشتهي أن موضعي يكون له
قال فلما كان بعد أيام أغلب ظني أنه قال يومين أو ثلاثة جاءني الخالدي يشير إلى شخص كان فقيرا صالحا يصحب الفقراء فقال لي فلان يسلم عليك ويقول لك تقاطع عليه الدورة تروح للشيخ حماد تطلب حاجتك منه ولا تقول له
قال فقلت له على سبيل البسط سلم عليه وقل له ألست تعلم أنه فقير بائس وأنا كل أحد رآني ذاهبا إلى قبر الشيخ حماد ولكن الشطارة أن تقول له أيش هي حاجته
قال فتوجه الخالدي إليه ثم عاد وقال يقول لك لا تكن تعترض على الفقراء الشيخ حماد يقول لك انقضت حاجتك التي هي كيت وكيت
قال فقلت له أما الآن فنعم فإن هذا لم يشعر به أحد
قال فقلت له سله هل ذلك كشف أو منام
قال فعاد وقال ليس ذلك إليك
انتهى المنقول من خط الأخ
ومنها حاله مع إيتمش نائب الشام أيضا كرهه في الآخرة وكلمه كلاما وحشا فراح الشيخ ذلك اليوم إلى قبر الشيخ حماد وعاد فما مضت عشرة أيام إلا وجاء الخبر بعزله من نيابة الشام
فأشهد على الشيخ أنه قال من ساعة زرت قبر الشيخ حماد عرفت هذا
وقال لي دعوت عليه وندمت وقال لي لم أدع قبلها على غيره
ومنها حكايته مع أرغون الكاملي نائب الشام أيضا وآخرها أنه قال كم ينغص حالنا الله يقابله
فوالله لقد عزل بعد شهر أو أقل من نيابة الشام ونقل إلى حلب ولم يهنأ عيشه بها بل عزل قريبا ونقل إلى مصر ولم يهنأ بها بل قعد يويمات ثم أمسك وأودع سجن الإسكندرية ثم أخرج وأقر ببيت المقدس إلى أن مات بطالا حزينا كئيبا
قال أخي الشيخ أبو حامد ولقد حضر عنده دار العدل في يوم خميس ثم حضر فأخبرني أنه قدم إليه الوالي شخصا لم يستحق القتل فأمره بقتله فالتفت الوالد إلى الوالي وقال هذا لا يحل قتله فتوقف الوالي فقال له أرغون اقتله فقال له الوالد هذا لا يحل فاغتاظ أرغون من الوالي فأخذه وذهب به ليقتله
فلما عاد من دار العدل حكى لي الحكاية وقال لي لقد عزمت على
أن لا أحضر دار عدل عنده أبدا بعدها فلم يتكمل النهار حتى ورد الخبر بأن يلبغا نائب حلب خرج قادما لدمشق فسافر أرغون إلى جهة مصر ثم لحلب ثم لم يحضر دار عدل بدمشق بعد ذلك إلى أن مات
وأغرب من ذلك ما حكاه القاضي صلاح الدين الصفدي في كتاب أعيان العصر أنه قال عنه ما يفلح ويموت
وأنا أعرف وقت هذا القول وسببه كان سببه أنه لما مرض الشيخ وصار يقول في خاطري ثلاث عود ولدي أحمد من الحجاز قبل موتي وولاية عبد الوهاب القضاء ووفاتي بمصر بعد ذلك وأخذ يتكلم لي في القضاء قيل له إن أرغون الكاملي قد استقر بمصر أميرا كبيرا ولا بد أن يشاور على قضاء الشام وإن استشير فهو لا يشير بابنك لبغضه فيك
فقال أو لا يصل الخبر إلا وأرغون ليس في مصر ولا يفلح ويموت
فكان كذلك
وكانت أموره في حال مرضه في غاية العجب وقاسى الشدائد ولم يسمعه أحد يقول آه ولا يطلب العافية بل غاية ما يطلب ولايتي ورؤية الأخ والوصول إلى مصر قبل الوفاة وقضيت له الحاجات الثلاث
ولم أره قط برح بألم يعترضه ولا بأذى يحصل له بل يصبر عند الحادثات ويحتسب رضي الله عنه
وكان كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم ويقول طريق الصوفي إذا صحت هي طريقة الرشاد التي كان السلف عليها ويقول مع ذلك هو مسلك وعر جدا وينشد
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا | قدما وظنوه مشتقا من الصوف |
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى | صافى فصوفي حتى لقب الصوفي |
وكانت تعجبه الفائدة ممن كان ولا يستنكف أن يسمعها من صغير بل يستحسنها منه
وكان كثير الحياء جدا لا يحب أن يخجل أحدا
وإذا ذكر الطالب بين يديه اليسير من الفائدة استعظمها وأوهمه أنه لم يكن يعرفها لقد قال له مرة بعض الطلبة بحضوري حكى ابن الرفعة عن مجلي وجهين في الطلاق في قول القائل بعد يمينه إن شاء الله تعالى هل هو رافع لليمين فكأنها لم توجد أو نقول إنها انعقدت على شرط
فقلت أنا هذا في الرافعي أي حاجة إلى نقله عن ابن الرفعة عن مجلي
فقال لي الشيخ الإمام اسكت من أين لك هات النقل وانزعج
فقمت وأحضرت الجزء من الرافعي وكان ذلك الطالب قد قام فوالله حين أقبلت به قبل أن أتكلم قال الذي ذكرته في أوائل كتاب الأيمان من الرافعي وأنا أعرف
هذا ولكن فقيه مسكين طالب علم يريد أن يظهر لي أنه استحضر مسألة غريبة تريد أنت أن تخجله هذا ما هو مليح
وكان يتفق له مثل هذا كثيرا ينقل عنده طالب شيئا على سبيل الاستغراب فلا يبكته بل يستحسنه وهو يستحضره من أماكن كثيرة بحيث يخرج الطالب وهو يتعجب منه لأنه يظنه أنه لم يكن مستحضرا له وما يدري المسكين أنه كان أعرف الناس به ولكنه أراد جبره
وكان كثير الأدب مع العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين
وأما محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه له وكونه أبدا بين عينيه فأمر عجاب
فهذه نبذة مما شاهدته من حاله وعرفته من مكارم أخلاقه وأنا أعرف أن الناظرين في هذه الترجمة على قسمين قسم عرف الشيخ كمعرفتي وخالطه كمخالطتي فهو يحسبني قصرت في حقه وقسم مقابله فهو يحسبني بالغت فيه والله المستعان
ذكر سلسلة الحفاظ
وقد كان شيخنا الذهبي يوردها وكتبها بخطه وقرأتها عليه وأنا أرى إيرادها هنا من قبلي
فأقول لم تر عيناي احفظ من أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي والوالد رحمهم الله وغالب ظني أن المزي يفوقهما في أسماء رجال الكتب الستة والذهبي يفوقهما في أسماء رجال من بعد الستة والتواريخ والوفيات والوالد يفوقهما في العلل والمتون
والجرح والتعديل مع مشاركة كل منهم لصاحبيه فيما يتميز به عليه المشاركة البالغة
وسمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحدا في هذا الشأن أحفظ من الإمام أبي الحجاج المزي وبلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي فالأول أعرفهم بالعلل وفقه الحديث والثاني بالأنساب والثالث بالمتون والرابع بأسماء الرجال
قال وسمعته يقول في شيخنا أبي محمد الدمياطي إنه ما رأى أحفظ منه وكان الدمياطي يقول إنه ما رأى شيخا أحفظ من زكي الدين عبد العظيم وما رأى الزكي أحفظ من أبي الحسن علي بن المفضل ولا رأى ابن المفضل أحفظ من الحافظ عبد الغني ولا رأى عبد الغني أحفظ من أبي موسى المديني إلا أن يكون الحافظ أبا القاسم ابن عساكر فقد رآه ولم يسمع منه هذا كلام الذهبي
قلت لا ريب أن ابن عساكر أحفظ من ابن المديني والذهبي يعرف هذا ولكن عذره عدم سماع عبد الغني منه كما ذكر فكأنه يسلسل للرؤية مع السماع لا لمجرد الرؤية
ثم قال شيخنا وسمعت منه ولا رأى ابن عساكر والمديني أحفظ من أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي
ولا رأى إسماعيل أحفظ من أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي
ولا رأى ابن طاهر أحفظ من نصر ابن ماكولا
ولا رأى ابن ماكولا أحفظ من أبي بكر الخطيب
ولا رأى الخطيب أحفظ من أبي نعيم
وأبو نعيم ما رأى أحفظ من الدارقطني وأبي عبد الله بن منده ومعهما الحاكم
وكان ابن منده يقول ما رأيت أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة الأصبهاني
وقال ابن حمزة ما رأيت أحفظ من أبي جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري وقال ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي
وأما الدارقطني فما رأى مثل نفسه
وأما الحاكم فما رأى مثل الدارقطني بل وكان يقول الحاكم ما رأيت أحفظ من أبي علي النيسابوري ومن أبي بكر ابن الجعابي
وما رأى الثلاثة أحفظ من أبي العباس ابن عقدة
ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل النسائي
ولا رأى النسائي مثل إسحاق بن راهويه
ولا رأى أبو زرعة أحفظ من أبي بكر ابن أبي شيبة
ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل ابن خزيمة
ولا رأى ابن خزيمة مثل أبي عبد الله البخاري
ولا رأى البخاري فيما ذكر مثل علي بن المديني
ولا رأى أيضا أبو زرعة والبخاري وأبو حاتم وأبو داود مثل أحمد بن حنبل ولا مثل يحيى بن معين وابن راهويه
ولا رأى أحمد ورفاقه مثل يحيى بن سعيد القطان
ولا رأى هو مثل سفيان ومالك وشعبة
ولا رأوا مثل أيوب السختياني
نعم ولا رأى مالك مثل الزهري
ولا رأى الزهري مثل ابن المسيب
ولا رأى ابن المسيب أحفظ من أبي هريرة رضي الله عنه
ولا رأى أيوب مثل ابن سيرين
ولا رأى مثل أبي هريرة
نعم ولا رأى الثوري مثل منصور
ولا رأى منصور مثل إبراهيم
ولا رأى إبراهيم مثل علقمة
ولا رأى علقمة كابن مسعود فيما زعم
قلت هذه السلسلة التي كان شيخنا الذهبي يذكرها ولولا كراهتي للكلام في التفضيل لا سيما فيمن لم نلقهم لكنت أتكلم عليها
وأقول على نمطها ما رأت عيناي أعلم بالتفسير من الشيخ الوالد ولا رأى هو فيما ذكر عنه كشيخه العراقي ونقطع الكلام من هنا ولو شئنا لوصلناه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ولكن الكلام في التفضيل صعب
وأقول ما رأت عيناي أعرف بالقراءات منه لأني وإن أدركت الشيخ ابن بصخان فلم آخذ عنه
وكان الشيخ الوالد يقول ما رأيت فيها كابن الصائغ
وأقول ما رأت عيناي أفقه من الشيخ الوالد ولا رأى هو أفقه من ابن الرفعة ولا رأى ابن الرفعة فيما ذكر أفقه من الظهير التزمنتي
وأقول ما رأيت بعد أبي حيان أنحى منه وكان يفوقه في حسن التصرف فيه وتصانيفهما تنبيك عن ذلك وكان هو يقول لم نلق في صناعة اللسان كأبي حيان
ولا رأت عيناي في المعقولات بأسرها وفي علم الكلام على طريق المتكلمين مثله وكان يقول إنه لم يلق فها كالباجي ولم يلق الباجي كالشيخ الخسروشاهي ولم يلق الخسروشاهي كالإمام فخر الدين الرازي
ولنتبرك عند ختم هذه السلاسل بذكر حديث مسلسل بالفقهاء
فنقول أخبرنا إمام الفقهاء والمحدثين الوالد رحمه الله بقراءتي عليه أخبرنا الفقيه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف في كتابه ح
وحدثنا الفقيه الحافظ أبو سعيد بن خليل بن كيكلدي من لفظه بالمسجد الأقصى أخبرنا محمد بن يوسف بن المهتار الفقيه بقراءتي قالا أخبرنا الفقيه الحافظ أبو عمرو
عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح قال أبو محمد كتابة وقال ابن المهتار سماعا قال أخبرنا الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه أبو بكر القاسم بن عبد الله ابن عمر النيسابوري بها قراءة مني عليه أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه حدثنا جدي أبو عبد الرحمن الشحامي وأبو علي الجاجرمي الفقيهان في فنهما قالا حدثنا الإمام أبو منصور البغدادي الفقيه حدثنا أبو زكريا يحيى بن أحمد السكري الفقيه والقاضي أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد الختني الفقيه والإمام أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي الفقيه قالوا حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه حدثنا القاضي أبو العباس أحمد ابن عمر بن سريج الفقيه قال حدثنا أبو داود السجستاني الفقيه الحافظ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري الفقيه حدثنا زيد بن الحباب
البارع في الفقه والحديث عن محمد بن مسلم الطائفي أفقه أقرانه عن عمرو بن دينار فقيه آل الزبير عن عكرمة فقيه مكة عن ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) قال قتل رجل من بني عدي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثنى عشر ألفا
ذكر شيء مما انتحله مذهبا وارتضاه رأيا لنفسه
وذلك على قسمين أحدهما ما هو معترف بأنه خارج عن مذهب الشافعي رضي الله عنه وإن كان ربما وافق قولا ضعيفا في مذهبه أو وجها شاذا
فمنه اختياره أن الغسالة طاهرة مطلقا طهر المحل أو لم يطهر
وفي مذهبنا ثلاثة أقوال الجديد أنه إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر وإن انفصل ولم يطهر المحل فهو نجس
والثاني نجس بكل حال
والثالث وهو القديم طاهر طهور بكل حال
ومن نظر شرح المنهاج يحسب أن الشيخ الإمام رحمه الله يختار القديم وليس كذلك لأنه يقول الغسالة طاهرة وهنا يوافق القديم ولكن غير طهور وهذا يفارق القديم صرح بذلك في كتاب الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي قال ولم أر من قال به في المذهب وهو الذي اختاره وليس من القديم ولا الجديد
قلت أحسبه وجها شاذا
وأنه إن شهد طبيب واحد أن المشمس يورث البرص كره استعماله أو حرم
وأن الشعر يطهر بالدباغ وصححه ابن أبي عصرون وهاتان المسألتان أجدر أن تعدا من ترجيحات المذهب لا من اختياراته لنفسه
وأن ما لا دم له سائل إن كان مما يعم كالذباب فلا ينجس المائع وإلا فينجس كالعقارب وهو رأى صاحب التقريب
وأنه إذا تخلل النبيذ المتخذ من التمر والزبيب بعد أن كان خمرا بنفسه يطهر قال ولم أجد من صرح به قال والمنقول عن أصحابنا أنه لا يطهر نقله القاضي أبو الطيب وغيره
وأن شارب الخمر ينجس باطنه ثم لا يمكن تطهيره أبدا
وأن من كان في المسجد فأدركته فريضة لم يحل له الخروج بغير ضرورة حاقة حتى يؤديها فيه
وأن من أدرك الإمام وهو راكع لا يكون مدركا للركعة وهو رأى ابن خزيمة والصبغي
وأن المرور إلى المسجد مثلا من باب فتح في الجدار حيث لا يجوز فتحه لا يحل
وأنه يصح اقتداء المخالف بمخالفه كشافعي بحنفي ما لم يعلم أنه ترك واجبا إما في اعتقاد الإمام أو اعتقاد المأموم فيبطل مثلا فيما إذا اقتدى بحنفي افتصد أو مس ذكره
ويجوز أن يكون هذا هو قول الأستاذ أبي إسحاق في المسألة إلا أن الأستاذ أطلق منع الاقتداء إطلاقا فإن كان هذا هو قول الأستاذ لم تكن مقالة الشيخ الإمام خارجة عن المذهب من كل وجه بل ونفقة لوجه فيه
وأن الأقرأ لا يقدم على الأسن الأورع إذا كان حافظا لبعض القرآن مساويا للأقرإ في الفقه
وأن السعي إلى الجمعة تجب المبادرة إليه حتى لو كانت داره قريب من المسجد وهو يعلم أنه إذا سعى في أثناء الخطبة أو في الركعة الأولى أدرك لا يجوز له التأخر بل حتم واجب عليه المبادرة بالسعي أول النداء وهذا لم يفصح به أصحابنا ولا تأباه أصولهم وإنما الشيخ الإمام استخرجه استنباطا
وأن المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج لا يتعلق ترخصه بهذه النية بل بعدد الصلوات كما هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل فيتعلق بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة وإذا نوى إقامة أكثر من ذلك أثم
وأن تارك الصلاة يقتل في آخر الوقت ولا يشترط إخراجه إياها عن الوقت وهذا رأي ابن سريج كما حكاه عنه الشيخ أبو إسحاق في النكت
وأنه لا تضرب عنقه ولا ينخس بحديدة وإنما يضرب بالعصي إلى أن يصلي أو يموت وهو اختيار ابن سريج في كيفية قتله
وأن الوارث يصلي عن الميت كما يصوم على القديم المختار وهو رأى ابن أبي عصرون
وأن الانتظار في القراءة في الصلاة للحاق آخرين إذا كان في مسجد جرت العادة بإتيان الناس إليه فوجا فوجا لا يكره ما لم يبالغ فيشوش على الحاضرين
وأن الكلام الكثير في الصلاة إذا كان نسيانا لا يضر ولا يبطلها كما قال رأي المتولي
وأنه يزاد ركوع لتمادي الكسوف كما هو رأي ابن خزيمة
وأنه لو قيل بوجوب إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة صلاة العيد لم يبعد
وأنه يجوز صرف زكاة الفطر إلى ثلاثة أيام من الفقراء والمساكين وهو رأي الإصطخري وعن صاحب التنبيه أنه يجوز إلى النفس الواحدة وتوقف فيه الوالد رحمه الله
وأن قول ابن بنت الشافعي وابن خزيمة وابن المنذر أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به قوي
وأنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد زوال وهو قول الغزالي
قال الشيخ الإمام وأما رمي يوم النحر قبل الزوال وبعده فإنه جائز خلافا للغزالي
وأنه لا يجوز تجاوز الشبع في الأكل والري في الشرب وإن لم يضر إذا لم يكن فيه نفع معتبر
وأنه لا يجوز للجندي ذبح فرسه الصالحة للجهاد إلا بإذن الإمام وتردد في جواز ذبح الفرس الصالحة للكر والفر مطلقا أذن الإمام أم لم يأذن كانت لجندي أم لم تكن ومال إلى المنع
وأن التفريق بين المحارم كالتفريق بين والدة وولدها وهو قول في المذهب قال والظاهر اختصاص ذلك بمن كان ذا رحم محرم ليخرج بنو العم
وأنه يجوز الانتفاع بالمبيع في مدة المسير لرده وإذا اطلع على عيبه بشرط وقوع الانتفاع في المدة التي يغتفر التأخير فيها من السير
وأنه إذا قال اشترته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة وكذبه المشتري ولم يبين لغلطه وجها محتملا ولكن أقام بينة بذلك فإنها تقبل وإن كان بإقراره السابق
مكذبا لها وهو رأي ابن المغلس من الظاهرية ولكن ابن المغلس علل رأيه بجواز كونه غافلا أو ناسيا والوالد يختار قبول البينة وإن قال كنت قد تعمدت فمذهبه أعم وأشد من مذهب ابن المغلس
وأنه يجوز بيع نصف معين من ثوب نفيس وإناء وسيف ونحوه مما تنقص قيمته بقطعة وهو قول صاحب التقريب والقاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ لكن نص الشافعي والجمهور على خلافه
وأن إثبات الربا في الستة المنصوص عليها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح تعبد ويقول مع ذلك يثبت الربا في كل مطعوم لكن لا بالقياس بل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (الطعام بالطعام) وسبقه إلى هذا المذهب إمام الحرمين
وأن بيع النقد الثابت في الذمة بنقد ثابت في الذمة لا يظهر دليل منعه وجنح إلى جوازه كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأما الشافعي والأصحاب فمتفقون على المنع واستدلوا بحديث (نهى عن بيع الكاليء بالكاليء
ونقل أحمد بن حنبل الإجماع على أن لا يباع دين بدين
قال الشيخ الإمام وجوابه أن ذلك فيما يصير دينا كما لو تصارفا على موصوفين ولم يتقابضا أما دينان ثابتان يقصد طرحهما فلا
وأن من أتلف على شخص حجة وثيقة تتضمن دينا له على إنسان ولزم من إتلافها ضياع ذلك الدين لزمه الدين
وأن القراض على الدراهم المغشوشة جائز
وأن المخابرة والمزارعة جائزتان
وأن المساقاة غير لازمة
وأن التوقيت غير شرط فيها
وأن المساقاة على جميع الأشجار المثمرة المحتاجة إلى عمر جائزة ولا يجوز على ما لا يحتاج منها إلى عمل فتوسط بين الجديد الذي خصها بالعنب والنخل والقديم الذي جوزها على كل الأشجار
وأن الوقف على سبيل البر مصرفه ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلون والرقاب وأهل ود أبي الواقف وأمه
قال ولم أر أحدا قاله قال ولا يبعد أن يضاف إليهم الأسير وفي آخر كلامه في شرح المنهاج ما يشير إلى تنزيل كلام الأصحاب عليه بعد أن صرح بخلافهم وخلاف غيرهم فيه
وأن الوفاء بالوعد واجب
وأنه يكفي إشهاد الوصي على كتابة نفسه مبهما من غير أن يطلع الشاهدان على تفصيل ما كتبه فإذا شهدا عليه أن هذا خطي أو أن هذه وصيتي ولم يعلما ما فيها كفى وهو قول محمد بن نصر المروزي
وأنه إذا أوصى للعلماء دخل فيهم القراء قال وليس هو مذهب الشافي وإن حاول ابن الرفعة جعله مذهبه
وأن من فقأ العينين أو قطع اليدين والرجلين لا يستحق السلب بل إنما يستحق بالقتل وفاء بقول صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا
وأن من مات وعليه دين وكان قد استحق في بيت المال بصفة من الصفات مقداره وجب على الإمام أداؤه عنه وإن كان الميت المديون غنيا
وأن الغلول لا يمنع شهادة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا بل يكون معصية يؤاخذ بها مع كونه شهيدا
وأن القاضي الحنفي إذا قضى بصحة النكاح بلا ولي ينقض قضاؤه وهو رأي الإصطخري
قال الشيخ الإمام أنا أستحيي من الله أن يرفع لي نكاح صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه باطل فأستمر به على الصحة لرأي حاكم من الناس
وأن علة الإجبار في النكاح البكارة مع الصغر جميعا وهو خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة جميعا
وأن الإمام الفاسق لا يزوج الأيامى ولا يقضي ولكن يولي من يفعل ذلك وهو رأي القاضي الحسين
وأنه لو قال لجاريته التي لا يأمن وفاءها بالنكاح إذا أعتقها ولم ترد العتق إن لم تنكحه وإن كان في علم الله أني أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك فأنت حرة فرغبت
وجرى النكاح بينهما عتقت وحصل الغرض وإلا استمر الرق وهو رأي ابن خيران وقاله أيضا صاحب التقريب وعبارته أن الطريق أن يقول إن يسر الله بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم وما إليه الغزالي وأما الأصحاب سواهم فمطبقون على أنه لا يصح النكاح ولا يحصل العتق
وأن الخلع ليس شيء
وأنه تجب المتعة لكل مطلقة وهو مذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والجديد وجوبها إلا لمن لم توطأ والقديم عدم وجوبها إلا لمن لا مهر لها ولا دخول فخالف الشيخ الإمام القديم والجديد معا ووافق عليا رضي الله عنه
وأن قاتل من لا وارث له للإمام العفو عنه مجانا إذا رأى ذلك مصلحة والأصحاب جزموا بأنه ليس له ذلك بل إما أن يعفو على الدية أو يقتص
وأنه لا صغيرة في الذنوب بل الكل كبائر ولكن بعضها أكبر من بعض وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق ونسبه الشيخ الإمام إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري
وأن ساب سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا كان مشهورا قبل صدور السب منه بفساد العقيدة وتوفرت القرائن على أنه سب قاصدا للتنقيص يقتل ولا تقبل له توبة وكتب على فتيا وردت عليه في ذلك
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى | حتى يراق على جوانبه الدم |
فهذه نبذة من مقالاته لنفسه
القسم الثاني ما صححه من حيث المذهب
وإن كان الرافعي والنووي رجحا خلافه أو كان النووي وحده رجح خلافه فنحن نذكر في هذا القسم ما كان من هذا النمط ولا نذكر شيئا وافق فيه النووي وإن خالف الرافعي لظهور ذلك ولأن العمل على قول النووي فيه لا سيما إذا اعتضد بتصحيح الشيخ الإمام
وأما ما عقدنا له بهذا الفصل مما خالف فيه الشيخين جمعيا أو النووي وحده فلا يخفى أنه ينبغي تلقيه بكلتا اليدين فإني لا أشك في أنه لا يجوز لأحد من نقلة زماننا مخالفته لأنه إمام مطلع على مآخذ الرافعي والنووي ونصوص الشافعي وكلام الأصحاب وكانت له القدرة التامة على الترجيح فمن لم ينته إلى رتبته وحسبه من الفتيا النقل المخض حق عليه أن يتقيد بما قاله وأما من هو من أهل النظر والترجيح فذاك محال عن نظره لا على فتيا الرافعي والنووي والشيخ الإمام
فمن ذل رجح أنه إن شهد طبيبان أن الماء المشمس يورث البرص كره وإلا فلا
وتقدم اختياره من حيث الدليل الاكتفاء بطبيب واحد
وأن المني ينقض الوضوء وفاقا للقاضي أبي الطيب في أحد قوله وللرافعي في كتابه الكبير المسمى بالمحمود ولابن الرفعة
وأن فضلات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرة وهو رأي أبي جعفر الترمذي
وأن موت الراهن قبل القبض مبطل للرهن
وأنه إذا جنى المرهون ففداه المرتهن وشرط كونه مرهونا بالدين والفاداء فهو على القولين في رهن المرهون عند المرتهن بدين آخر حتى يكون الأصح المنع
والأظهر في الرافعي وهو المذهب في الروضة الصحة وأن هذا يستثنى من محل القولين
وأن المرتهن يخاصم إذا لم يخاصم الراهن
وأنه إذا رهن نصيبه من بيت معين ثم قسمت الدار فوقع البيت في نصيب شريكه بقي مرهونا كما اقتضاه كلام صاحب التهذيب خلافا للإمام والرافعي والنووي حيث رجحوا أن الراهن يغرم القيمة لتكون رهنا بدله وضعف مقالتهم جدا وقال أوجه منها وأرجح أن يجعل ذلك كالآفة السماوية وهو احتمال للإمام وأرجح من الكل ما اخترناه وأشار إليه صاحب المهذب
وأن بعض الغرماء إذا طلب الحجر على المديون حجر وإن لم يقتض دينه الحجر به لو انفرد ذكره في شرح مختصر التبريزي ولم يذكره لا في شرح المهذب ولا في شرح المنهاج وهو الأظهر عند الرافعي وقوي النووي في الروضة خلافه
وأن السرف وهو إنفاق الرجل زائدا على ما يليق بحاله وإن لم يكن في معصية حرام
وأنه إذا بلغ الصبي وادعى على الولي بيع ماله من غير ضرورة ولا غبطة يصدق الولي في غير العقار والصبي في العقار
وأن المموه بذهب أو بفضة حرام وإن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار قال والتمويه بما لا يحصل منه شيء بالعرض أصعب من التمويه بما يحصل منه
وأن تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة حلال قال والمنع منه في الكعبة شاذ غريب في المذاهب كلها
وأن المحدث حدثا أصغر إذا انغمس في الماء ناويا رفع الجنابة عامدا ولم يكن تقدير ترتيب فيه لم يصح وضوءه لأنه متلاعب والرافعي والنووي صححا الصحة والحالة هذه
وأن من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما يلزمه الوضوء بكل حال وهذا صححه النووي مرة
وأن الغسالة إذا انفصلت وقد زاد وزنها عند الانفصال على ما كان فليست نجسة بمثابة ما تغير خلافا للرافعي بل هو كما لو لم يزد وزنها
وأن ماسح الجبيرة إذا تيمم لفرض ثان ولم يحدث فإن كان جنبا لم يعد الغسل وإن كان محدثا أعاد ما بعد عليله خلافا للنووي ووفاقا للرافعي
وأن العاصي بسفره لا يتيمم لأن سفر المعصية لا يتعلق به رخصة فعليه أن يعود ولا سيما إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت
وأن تارك الصلاة إنما يقتل إذا ضاق وقت الثانية كما هو قول أبي إسحاق وقد قدمنا اختياره من حيث الدليل في تارك الصلاة
وأن الإبراد بالظهر لا يختص بالبلد الحار بل شدة الحر كافية ولو في أبرد البلاد
وأن الحائض والجنب لا يجيبان المؤذن إذا سمعاه على خلاف ما جزم به الرافعي والنووي
وأن وقت الأذان الأول للصبح قبل طلوع الفجر قال وهو وقت السحر ورجحه القاضي الحسين والمتولي والبغوي وصحح النووي أنه من نصف الليل والرافعي أنه في الشتاء من سبعه الأخير وفي الصيف من نصف سبعه
وأن العبد الفقيه في إمامة الصلاة أولى من غير الفقيه وإن كان حرا
وأن تأخير العشاء ما لم يخرج وقت الاختيار أفضل من تقديمها وهو الجديد
وأنه لا يجوز جمعتان في بلد وإن عظم وعسر اجتماع أهله في جامع واحد
وأن وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس كما في التنبيه لا من طلوعها
وأن العبرة في الاقتداء باعتقاد الإمام وهو رأي القفال فلو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد صح في المس دون الفصد خلافا للرافعي والنووي حيث عكسا هذا اختياره مذهبا وتقدم اختياره دليلا
وأن من سها في صلاته وسلم قبل أن يسجد للسهو ساهيا ولم يطل الفصل لا يصير عائدا إلى الصلاة إذا سجد دون ما إذا لم يسجد كما ذهب إليه الرافعي والنووي وكثيرون بل إما أن لا يصير عائدا كقول صاحب التهذيب وإما أن يسلم مرة أخرى ولا يعتد بذلك السلام كما هو وجه في النهاية ولم يرجح واحدا من هذين الوجهين بل تردد بينهما
وأن من أوتر بأكثر من ركعة ينوي قيام الليل إلا في الذي يقع به الإيتار في الآخر فينوي به الوتر والأصح عند النووي أنه ينوي لكل شفع ركعتين في الوتر
وأن التنحنح في الصلاة لا يبطلها وإن بان منه حرفان وهو ما عزاه ابن أبي هريرة إلى النص
وأن من لا يحسن الفاتحة يأتي بالذكر ولا يقوم الدعاء مقامه
وأن الجماعة فرض كفاية على المقيمين والمسافرين خلافا للرافعي حيث قال سنة مطلقا وللنووي حيث قال فرض كفاية على غير المسافرين
وفي كلام الوالد ما يؤخذ منه ميله إلى أنها فرض عين
وأن من شرع في الصلاة إلى القبلة بالاجتهاد وتغير اجتهاده في القبلة في أثناء الصلاة يستأنف خلافا لهما حيث قالا ينحرف إلى الجهة الثانية
وأن وقت الضحى من ارتفاع الشمس لا من طلوعها وفاقا للرافعي وخلافا للنووي في اختياره أنه من طلوعها ونقله إياه أيضا عن الأصحاب وقال الرافعي في العيد نظيره
وأن من أحرم بأكثر من ركعة لا يزيد على تشهدين
وأن الإمام إذا أحس بداخل وهو راكع لا يستحب له انتظاره بل يكره
وأن تصحيح الأصحاب قول أبي إسحاق أن المقيم غير المستوطن لا تنعقد به الجمعة لم يتضح عليه دليل ومال إلى قول ابن أبي هريرة أنها تنعقد به
وأن الوجه تخصيص الخلاف في أن الكلام وقت الخطبة هل يحرم لمن عدا الأربعين أما الأربعون فيحرم عليهم الكلام ويجب السماع جزما وهذه طريق الغزالي واستبعدها الرافعي وتبعه النووي
وأن مقدار ما يحل التطريز أو التطريف به من الحرير أربع أصابع وهو رأي النووي في التطريز وقال في متن الروضة يرجع في التطريف إلى العادة
وقال الرافعي في المحرر يرجع إلى العادة فيهما جميعا
قال الوالد رحمه الله الصحيح الضبط بأربع أصابع فيهما جميعا
وأن الإعلام بموت الميت بمجرد الصلاة من غير ذكر شيء من المناقب حسن مستحب وما عداه مكروه قال وقد ينتهي إلى التحريم
وأن من عجل الزكاة إذا ثبت إلى آخر الحول والمعجل تالف يجب ضمانه بالمثل مثليا كان أو متقوما وهو وجه وجزم الرافعي أن المتقوم يضمن بالقيمة
وأنه إذا باع في أثناء الحول نقدا بنقد أو سائمة بسائمة بقصد التجارة لم ينقطع الحول وتجب الزكاة وهي طريقة الإصطخري التي نسب أبا العباس ابن سريج في مخالفتها في النقد إلى خرق الإجماع والرافعي والنووي تبعا طريق ابن سريج فصححا انقطاع الحول
وأنه إذا اشترى عرضا يساوي مائة وعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوي مائتين لا يجزيه
وأنه إذا تعذر إيجاب زكاة العين فيما إذا اجتمعت مع التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فتنتقل إلى زكاة العين خلافا للنووي حيث صحح أنه لا زكاة ولا تصحيح للرافعي في المسألة
وأنه يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الذي تجب نفقته وهو ما صححه الغزالي
وأن من أخفى الزكاة عن الإمام الجائر ولم يدفعها إلى المستحقين يعزر ولا يكون جور الإمام عذرا في عدم تعزيره
وإن دفها إلى الأصناف في موضع يأمن الفتنة ولم يطلب الإمام ولا أوجبنا الدفع إليه لم يعزر من منعها بعد الطلب حيث لا فتنة
وإن لم يكن عذر عزر وإن كان بأن ادعى الجهل بذلك وكان محتملا في حقه لم يعزر
فإن اتهم حلف وإن كان لا يخفى عليه ذلك لمخالطته العلماء لم يقبل ويعزر
والشافعي والأصحاب أطلقوا أن الإمام إذا كان جائرا يأخذ فوق الواجب أو يضع الصدقة في غير موضعها لم يعزر من أخفاها عنه
أن قبلة الصائم إن حصل بها مجرد التلذذ لم تحرم ولا تكره أو ظن الإنزال حرمت أو خوفه كرهت
وأن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم الدهر وإن فرعنا على أنه مستحب
وأن صوم الدهر مكروه مطلقا
وأن ليلة القدر تطلب في جميع رمضان ولا تختص بالعشر الأخير بل كل الشهر محتمل لها وهو ما قاله صاحب التنبيه وسبقه المحاملي في التجريد وأنكره الرافعي
وأنه إذا نذر اعتكاف مدة ونوى بقلبه تتابعها لزمه خلافا للرافعي والنووي حيث قال الأصح لا يلزمه إلا إذا تلفظ
وأن المغصوب إذا كان قادرا على الاستئجار على الحج وامتنع من الاستئجار استأجر عنه الحاكم وكذلك إذا بذل الطاعة فلم يقبل المطاع ينوب عنه الحاكم
وأن الرمل يختص بطواف القدوم
وأن طواف الوداع نسك
وأن على من سافر من مكة ولو سفرا قصيرا الوداع كما قال النووي قال الشيخ الإمام إلا أن يكون لغير منزله على نية العود فلا وداع فإذا الوداع عنده مختص بسفر طويل أو قصير على نية الإقامة وعند النووي وغيره من الأصحاب مطلق السفر وعند صاحب التهذيب وغير السفر الطويل فالوالد متوسط
وأنه يسمن للرامي يوم النحر قبل أن ينزل أن يستقبل الجمرة والكعبة والذي جزم به الرافعي وآخرون أنه يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة
وأنه يجوز في اليوم الثاني الرمي قبل الزوال وفي الليل سواء قلنا قضاء أم أداء
وأن ما ورد من ذكر خاص أو دعاء خاص في الطواف أفضل من القراءة وأما ما ورد من دعاء أو ذكر لا يختص بالطواف فالقراءة أفضل منه خلافا للرافعي والنووي حيث فضلا مأثور الدعاء على القراءة مطلقا
وأن الزرافة يحل أكلها وإن ادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على التحريم وتوقف الوالد نفي تحريم الببغاء والطاوس
وأن التفرقة بين والدة وولدها بالرد بالعيب حرام وأنكر دعوى شيخه ابن الرفعة أن المذهب الجواز
وأن الخمر والخنزير حيث قيل بتقويمهما في تفريق الصفقة فالمعتبر قيمتهما عند أهلهما وهو احتمال للإمام صححه الغزالي ولا تقوم الخمر خلا والخنزير بقرة خلافا للنووي ومن سبقه
وأن قول البائع شريت ليس صريحا كبعتك بل هو كناية خلافا للرافعي حيث تبع في ادعاء صراحتها المتولي
وأن بيع الحديقة المساقى عليها في المدة جائز مطلقا وسنعيد ذلك عند ذكر قسمتها
وأنه لا يجوز بيع الكافر كتابا في علم شرعي وإن خلا عن الآثار تعظيما للعلم
وأن بيع العبد الجاني جناية تعلق برقبته مالا بعد اختيار الفدا وقبل وقوع الفدا باطل والبغوي قال إنه يصح ونقله الرافعي عن إطلاه ساكتا عليه وتبعه النووي
وأنه لو اشترى جارية بكرا مزوجة علم زواجها ورضي به ثم وجد عيبا قديما بعدما أزيلت البكارة لا يرد وفاقا للمتولي وقال ينبغي القطع به
وأن البيع ينفسخ إذا حصل اختلاط الثمرتين ثمرة البائع وثمرة المشتري فيما ينذر الاختلاط فيه في البيع خلافا للرافعي والنووي قال وإن قلنا بثبوت الخيار كما يقولان فهو للبائع لا للمشتري خلافا لهما أيضا حيث صححا ثبوته وقالا أنه للمشتري
وأن خيار التصرية يمتد إلى ثلاثة أيام
وأنه لا يشترط في بيع الحاضر للبادي عموم الحاجة بل يكفي أصلها وهو وجه في المطلب معزو إلى النص
وأنه إذا قال بعته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة في المرابحة وبين للغلط وجها محتملا لا تسمع بينته ولا يحلف هذا من حيث المذهب وأما من حيث الدليل فقد قدمنا مذهبه في هذه المسألة
وأنه إذا واطأ شخصا فباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين وخبر بالعشرين حرم ذلك وأكثر الأصحاب على أنه مكروه كراهة تنزيه
وأن خل الرطب لا يتأتى إلا بالماء فلا يباع بعضه ببعض وبه صرح الماوردي
وأنا إذا قلنا اللحمان جنس واحد كما هو أحد القولين فاللحم البري مع البحر جنسان قال وبه قال أبو علي الطبري والشيخ أبو حامد الماوردي والمحاملي وقال إنه المنصوص وصاحب المهذب وقال إنه المذهب والروياني وما في متن الروضة من تصحيح أنهما جنس واحد ليس في الرافعي
وأنه إذا باع نصف الثمار على رءوس الشجب مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وهو قول ابن الحداد
وأنه لا يصح السلم في الشهد وعزاه إلى النص
وأنه لو أسلم إلى أول شهر أو آخره صح وحمل على الجزء الأول من كل نصف وهو قول الإمام والبغوي قال ودعوى الرافعي أن المنقول عن عامة الأصحاب مقابلة ممنوعة
وأنه يجوز السلم في الأرز في قشره الأسفل والأحمر
وأنه يصح أن يستبدل عن المسلم في نوعه دون جنسه خلافا للرافعي والنووي حيث منعا الاستبدال مطلقا
وأن أحد المتصارفين إذا أقرض من الآخر ما قبضه قبل التفرق ورده عليه عما بقي له يصح ومن قال قال لو قبض المسلم إليه رأس المال ورده في المجلس على المسلم بدين كان له عليه يكون أولى بالصحة
والمنقول في الشرح والروضة عن أبي العباس الروياني في هذه المسألة أنه لا يصح وسكتا عليه وفي التي قبلها أن الأصح المنع فخالف الشيخ الإمام في المسألتين
وأن السفه يسلب الولاية وإن لم يتصل به حجر القاضي وهو وجه صححه ابن الرفعة
وأن مطل الغني كبيرة وإن لم يتكرر خلافا للنووي حيث اشترط التكرر
وأن الحوالة استيفاء وأن معنى الاستيفاء التحويل
وأن الوكيل لا ينعزل بالإغماء
وأنه لو قال اقض الألف التي لي عليك فقال أقضي غدا أو أمهلني يوما أو حتى أقعد أو أفتح الكيس أو أجد
فليس بإقرار بخلاف ما لو قال نعم
وأنه إذا قال علي كذا وكذا درهم لم يلزمه إلا درهم واحد وهو رأي المزني
وأن الأب إذا أقر بعين مال لابنه ثم ادعى عنه عن هبة منه وأراد الرجوع فليس له ذلك وهو رأي أبي عاصم العبادي والقاضي أبي الطيب وخالفهما القاضي الحسين والماوردي
قال الرافعي ويمكن أن يتوسط بين أن يقر بانتقال الملك منه فيرجع وإلا فلا
وأنه لو ضرب ليصدق فأقر مضروبا لم يكن إقرارا مطلقا إلا أن يكون المكره عالما بالصدق والنووي اختار كونه إقرارا مطلقا بعد أن استشكله
قال لأنه مكره على الصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار وأنه إذا أعاد الإقرار بعد الضرب وحدث خوف تسبب لم يعمل به
وأنه إذا استعار عينا ليرهنها بدين معلوم فرهن بأكثر منه بطل في الزائد وخرج في المأذون على تفريق الصفقة خلافا للرافعي والنووي حيث صححا البطلان في الكل ونص الشافعي يشهد لهما
وأن المستعير إذا لم يوافق المعير عند اختياره القلع بالأرش يكلف تفريغ الأرض قال ولا يكلف التفريغ عند اختيار الإبقاء بأجرة أو التملك وهو رأي البغوي
وأنه إذا خلط الطعام المغصوب فتعذر التمييز لا يجعل كالهالك خلافا للرافعي والنووي والأكثرين لأن لآحاد الناس انتزاع العين المغصوبة من الغاصب
وأن الشفعة ثابتة للشفيع إلى أن يصرح بالإسقاط وهو الوجه القائل بثبوتها له أبدا والأصح عند الرافعي والنووي أنها على الفور
وأن القراض لا ينفسخ بإتلاف العامل وهو رأي المتولي
وأن العامل إذا قارض بلا إذن فالربح للثاني
وأن ما يأخذه الحمامي ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل وحفظ الثياب وفاقا لابن أبي عصرون وخلافا للرافعي والنووي حيث منعا كونه في مقابلة الماء
وأن كسح البئر وتنقية البالوعة على المؤجر
وأن الطعام المحمول ليؤكل إذا كان شرط قدرا يكفيه للطريق كلها لا يبدل ما دام الباقي كافيا لبقية الطريق وإن شرط قدرا يعلم أنه لا يكفيه فيبدل
وأنه لو اكترى اثنان دابة وركباها فاتردفها ثالث بغير إذنهما فتلفت قسط الغرم على الأوزان ولزم الثالث حصة وزنه وهو ما صححه ابن أبي عصرون وصحح النووي أنه يلزمه الثلث وفي وجه يلزمه النصف
وأن المقطع إذا قام من مكانه ونقل عنه قماشه لم يكن لغيره أن يقعد فيه وهو رأي صاحب التنبيه
وأن الوقف على طبقة بعد طبقة أو بطن بعد بطن يقتضي الترتيب ونقله عن جماعات
وأن الوقف على معين لا يحتاج إلى القبول وقد اختاره النووي في كتاب السرقة
قال الوالد هو ظاهر نصوص الشافعي ورأي الشيخ أبي حامد وكثيرين
وأن لفظ الصدقة كناية في الوقف فإذا نواه حصل به سواء أضافه إلى معين أو جهة
وأن الوقف الموقت صحيح مؤبد فيما يضاهي التحرير وهو رأي الإمام
وأن المعتبر في الوقف قصد القربة لا مجرد انتفاء المعصية
وأنه لا يجوز بيع الدار المتهدمة والحصر البالية والجذوع المتكسرة إذا كان وقفا أبدا وذكر أنه لم يقل أحد من الأصحاب ببيع الدار المتهدمة وأن ما في الحاوي الصغير غلط وما أوهمه كلام الرافعي مؤول
وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية لا يختص وقال بشرط أن يصرح بلفظ المسجد
وأن الوقف لا يرتد برد الموقوف عليه وإن لم يقبل وفرعه على اختياره أنه لا يشترط قبول الموقوف عليه
وأن المشروط له النظر في وقف كذلك لا يشترط قبوله ولا يرتد برده
وأن الولد إذا وهبه والده حبا فبذره فصار زرعا أو بيضا فأحضنه فصار فرخا لم يمنع ذلك والده من الرجوع في هبته
وأن هبة الدين لغير المديون صحيحة وهو ما صححه النووي في كتاب البيع
وأن تعلق حق غرماء الولد المتهب بماله للحجر عليه لا يمنع رجوع الوالد في الهبة
وأن اللقيط إذا وجد في ثيابه رقعة فيها أن تحته دفينا حكم بدفع المنازع فيه وما يترتب عليه من التصرف ولا يحكم بصحة ملكه له ابتداء وهو توسط بين وجهين للأصحاب إن قيل يرفعه ما اتفقوا عليه فهو من مذاهبه الخارجة عن قواعد المذهب فليلحق بالقسم الأول وإلا فهو من مصححاته على أصل الشافعي
وتوقف فيما إذا أرشدت الرقعة إلى دفين بالبعد عن اللقيط
وأن اللقيط المحكوم بكفره لا ينفق عليه من بيت الماء بل إن تطوع مسلم أو ذمي وإلا قسط على أهل الذمة
وأن الجد إذا أسلم والابن حي لا يستتبع الابن قال ولم يذهب أحد من
الأصحاب إلى أن الجد لا يستتبع سواء كان الابن حيا أو ميتا ولو ذهب أحد إلى تصحيحه لكان له وجه قوي هذا كلامه في شرح المنهاج ولا أحفظ عنه الذهاب إلى ما لم يذهب أحد إلى تصحيحه لا مذهبا لنفسه ولا تخريجا على أصل إمامه وبحثت معه غير مرة في المسألة فلم أسمعه يزيد على أنه لو ذهب إليه ذاهب من الأصحاب لكان متجها كان يقول لنا ذلك في مجالس المناظرة ولم يزد في شرح المنهاج عليه فلذلك لم أعز إليه في القسم الأول أنه يذهب إلى عدم الاستتباع
وأن الصبي إذا أسلم وقلنا بمشهور المذهب وهو عدم صحة إسلامه تجب الحيلولة بينه وبين أبويه وأهله الكفار خلافا لهما حيث رجحا أن الحيلولة مستحبة
وأن الأصول والفروع يدخلون في الوصية للأقارب
وأن قول الوصي هو له من مالي صريح في الوصية والذي في الشرح والروضة أنه كناية
وأنه إذا أوصى لشخص بدينار كل سنة صح في السنين كلها وهو ما رجحه الرافعي
وأن المودع وغيره من الأمناء إذا مات ولم نجد الوديعة في تركته ولا أوصى بها فإن وجدنا جنسها ضمن ضمان العقد لا العدوان وإن لم نجد جنسها لم يضمن
وأن صاحب الوديعة في صورة الضمان يتقدم على الغرماء
وأن مجرد التمييز يزول به التقصير
وأن ذكر الجنس كقوله مثلا عندي ثوب وديعة تمييز إذا لم يكن ثم ثوب غيرن
وأنه إذا مات ولم يوجد غيره نزل عليه وإن وجد أثواب أعطي واحدا منها
وأن الوديعة إذا تلفت بعد الموت بلا وصية وقلنا بالضمان كان مستندا إلى ما قبيل الموت لا إلى أول المرض
وأن دعوى الورثة رد مورثهم على المودع أو تلفها قبل نسبته إلى التقصير بغير بينة لا تسمع
وأن من انقطع خبره لا يقسم ماله بين ورثته ولا يحكم القاضي بموته وإن مضت مدة تغلب على الظن موته ما لم تقم بينة بموته وعزاه إلى النص
وأنه إذا حكم بموته لا يعطى ماله من يرثه وقت الحكم ولا قبيل الحكم بل من يرثه في الزمان الذي استند إليه الحكم فإذا حكم سنة خمس بأنه مات سنة أربع ورثه من يرثه سنة أربع لا سنة خمس
قال الشيخ الإمام ولعل هذا مرادهم وإن لم يصرحوا به
وأن المرأة تجاب إذا عينت كفؤا وعين الولي غيره خلافا للرافعي والنووي
وقال محل الخلاف في المجبر أما غيره فهو المجابة قولا واحدا
وأن النكاح ينعقد بالمستور كما قاله الرافعي والنووي ولكنه خالفهما في تفسيره فقال المستور من عرفت عدالته باطنا وشك هل هي موجودة حال العقد لا من لا يعرف منه إلا الإسلام فقط وهذا صعب
وأنه لا يحل نظر العبد إلى سيدته
وأنه لا يحل نظر الممسوح إلى الأجنبية
وأنه إذا أوجب النكاح فقال القائل الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت لم يصح للفصل وبه قال الماوردي
وأن قول ابن الحداد في المرأة لها ابنا معتق إن المعتق نفسه لو أراد نكاحها وأحد هذين الابنين منه والآخر من غيره فيزوجها ابنه منها دون ابنة من غيرها محتمل وإن كان معظم الأصحاب غلطوه من جهة أن ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق ولكن إذا خطبها زوجها السلطان
قال الوالد في كتاب الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق الولاء بمجرد العتق يثبت لجميع العصبات مع المعتق ويترتب عليه أحكامه لكن يقدم المعتق فإذا كان به مانع لم يمنع غيره
وأطال في ذلك في كتابه المذكور ولخصه في شرح المنهاج
وأن ما حكاه أبو الفرج السرخسي من أن ابن المعتقة يزوج عتيقها محتمل ظاهر
وكاد يرجحه في الكتاب المذكور ولكن لم يفصح بالترجيح بل أطال فيما يدل عليه
وأن الإجابة في سائر الولائم واجبة
وأن ظهور النشوز من المرأة مرة لا يبيح الضرب وهو ما ذكر الرافعي في المحرر أنه الأولى
وأن الإعسار بالمهر قبل الدخول لا يثبت خيار الفسخ قال وكذلك الإعسار ببعضه
وأنه إذا قال إن طلقتك أو متى أو إذا فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها وقع الثلاث وكان يذهب أولا إلى أنه لا يقع شيء ثم رجع عنه إلى قول الثلاث
وصورة المسألة عنده أن تقيد القبلية بما قبله بلحظة والرافعي والنووي رجحا وقوع المنجز فقط
وأنه إذا قال إن كان أول ولد تلدينه من هذا الحمل ذكرا فأنت طالق طلقة وإن كان آخر ولد منه جارية فأنت طالق ثلاثا
فولدت ذكرا ولم يكن غيره لا يقع الطلاق وهو وجه ذكر النووي أنه ضعيف شاذ مردود ولم يوافقه الوالد بل نصره وأطنب فيه في تفسير سورة الحشر
وأن ما مثل متى فإذا قال ما لم أطلقك فأنت طالق
يكون كما إذا قال متى لا كما إذا قال إذا لم أطلقك
وأن نفقة القريب لا تستقر في الذمة وإن فرضها القاضي
وأن من ضرب كوع شخص بعصا فتورم ودام الألم حتى مات فاحتمال القصاص فيها قائم ولم يجزم به لأنه نقل عدمه عن النص لكنه مال إليه
وفي كلام الرافعي والنووي في غرز الإبرة ما يشير إليه ولكنهما نقلا عدم الوجوب في أول الجراح عن الغزالي ولم يتعقباه بنكير واستدلا عليه بحديث
وأن الطريقة المفرقة بين الجارح والمثقل في العمد غيره هي الراجحة
وأنه لا يشترط في كون الجرح عمدا أن يعلم حصول الموت منه بل يكفي كون الجرح بصفة السريان
وأن المرتد لو قال عرضت لي شبهة فأزيلوها بعد وجوب قتله ناظرناه وأزحنا شبهته قبل القتل ما لم يظهر منه التسويف والمماطلة والمنقول في الروضة في هذه المسألة عن الغزالي خلاف الموجود في الوجيز المنقول في الشرح
قال الشيخ الإمام في كتاب السيف المسلول ومحل الخلاف إذا لم يظهر التسويف فإن ظهر لم تناظره قطعا
وأنه لا يجوز للولد السفر في تعلم ما هو فرض كفاية ولا في تجارة وإن كان الأمن غالبا إذا منعه أحد الوالدين
وأن طاعة الوالدين في الشبهات واجبة وأن طاعتهما تجب في ترك السنن إن لم يكن ذلك منهما على الدوام وإن كان على الدوام لم تجب طاعتهما
وأن الكنائس لا يعاد منها شيء إذا انهدم وإن قل وذكر أن الأمة أجمعت على أنا لا نأذن في الإعادة وإنما الخلاف في أن هل نمكن وأن الإعادة معناها الإعادة بتلك الآلة نفسها كما هو ظاهر لفظ الإعادة وذكر أن أحدا لم يقل تعاد بآلة أخرى وأن الخلاف في التمكين إذا انهدمت أو انهدم بعضها وبه صرح الشيخ أبو حامد في التعليق وغيره
وأنه إذا غصب فرسا وقاتل عليه لم يكن السهم له بل لصاحب الفرس
وأن الذمي إذا حضر الوقعة بإذن الإمام بلا أجرة لا يرضخ له من الأخماس الأربعة بل من خمس الخمس
وأن الحقيبة المشدودة على الفرس تدخل في السلب هي وما فيها
وأنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة ويدعي أنه بالغ يعطى بغير يمين كما رجح الرافعي والنووي نظيره في مدعي البلوغ بالاحتلام
وأنه إذا قامت عليه البينة بالسرقة فسئل فصدق الشهود ثم رجع سقط عنه القطع قال لأنه لما أقر صار الثبوت بإقراره لا بالبينة ولم يحوج إلى البحث عنها وهو قول أبي إسحاق في نظيره من الزنا
وأن نقل الثبوت في البلد جائز وإن قلنا بما صححه الرافعي والنووي من أنه ليس بحكم
وأن الثبوت حكم إن كان ثبوتا للمسبب دون ما إذا كان ثبوتا للسبب فإذا أثبت أن لزيد على عمرو ألفا كان حكما بها وإن أثبت أن زيدا باع عمرا دارا بألف لم يكن حكما بها
وأن القاضي لا تسمع عليه بينة ولا يطلب بيمين أبدا فيما يتعلق بالقضاء بخلاف ما يتعلق بخاصة نفسه
وأن القاضي المعزول لا يحلف وهو رأي الإصطخري واستحسنه الرافعي في المحرر
وأنه إذا استعدى على حاضر في البلد وقعت الإجارة على عينه وكان حضوره مجلس الحكم يعطل حق المستأجر لم يحضره حتى تنقضي مدة الإجارة
وأن السيد يحلف إذا ادعت أمته الاستيلاد ليمنع من بيعها وتعتق بالموت قال وقول الرافعي والنووي وابن الرفع لا يحلف محمول على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب
وأنه يصح قسمة الحديقة القابلة لقسمة التعديل المساقى عليها قبل انقضاء مدة المساقاة ويجبر الممتنع ولا يشترط رضا العامل قال ولكن يحذر من الربا بأن تجري القسمة بعد وجود الثمرة ويقع في كل من النصيبين فيصير بيع نخل ورطب بمثله وهو باطل من قاعدة مد عجوة وبناه على أصله أنه لا يصح بيع الأشجار المساقى عليها
والرافعي شبهه ببيع المستأجر ونقل فيه تفصيلا عن صاحب التهذيب استحسنه النووي
وابن الرفعة ألحقه ببيع الثوب عند القصار الأجير على قصارته
والشيخ الإمام خالف كلامهم أجمعين واختار الصحة والقسمة ثم وجد ذلك منصوصا في البويطي
وأن قسمة الرطب والعنب على الشجر ممتنعة ولو قلنا القسمة في ذلك إفراز وهو ما رجحه المحاملي وقال إنه المنصوص والبغوي وغيرهما
وأن الملك لا يقسم على الوقف وإن قلنا القسمة إفراز
وأن الشهادة بالردة لا تقبل مطلقة بل لا بد من التفصيل والبيان
وأن من قال أشهد أني رأيت الهلال تقبل شهادته وإن أخبر عن فعل نفسه
وأنه لا يحل لشافعي لعب الشطرنج مع من يعتقد تحريمه
قلت ولما وقف الشيخ الإمام الأديب الماهر بدر الدين الحسن بن عمر بن الحسن
وحينئذ يرجى له فتح كل ما | غدا مرتجا من باب فضل ورحمة |
فإن قضاء الله يطلق تارة | بكفر وإيمان فيحفى لحكمة |
وآونة يجري تعلقه بنا | على سبب نعتاده كالشريطة |
كسم لموت أو دواء لصحة | وطوع وعصيان لسعد وشقوة |
وقد جعل الله الحكيم لعبده اختيارا | لأسباب الرضا والقطيعة |
ويسره من بعد هذا لما قضى | عليه ليمضي فيه حكم المشيئة |
وقطع لسان الإعتراض ونفي لم | ولبس جميل الصبر عند المصيبة |
وأما رضانا بالقضاء فواجب | ومعناه تسليم لحكم المشيئة |
وكونك ترضى بالشقاء شقاوة | لأنك لا تدري القضاء بأية |
وآيته أن تخلي القلب من هوى | وترضى بإيمان صحيح العقيدة |
وترضى بما يرضى الله وبالذي | قضاه وتلغي حيرة بعد حيرة |
وقولك ربي إن يشا الكفر شئته | صحيح كذا إن شئت إحداث توبة |
وثبت تثبيتا مشيئته لها | كما بان بالمعلول تأثير علة |
وأنت فعاص حين خالفت أمره | وإن كنت قد وافقت حكم الإرادة |
وللعبد لا شك اختيار فقائل | بتأثيره مع قدرة أزلية |
وآخر قال الفعل مشتمل على | خصوص صفات مثل حج وزنية |
للفاعل التأثير في كونه زنا | وحجا وأصل الفعل فعل القديمة |
ومذهب أهل الحق والأشعر أنه | ليس بتأثير بحادث قدرة |
ابن حبيب على هذا الترجمة ورأى هذه الترجيحات انتخب من الترجمة أماكن نمقها وضم إليها نفائس من ألفاظه التي يسامي الرياض رونقها وعرضها علي فوجدتها مشتملة
ولله خلق الفعل والقدرة التي | تقارنه للعبد كالسبيبة |
وهذا اختيار ماله أثر به | علينا غدا لله أعظم حجة |
وجملة ما فصلته لك راجع | إلى أننا ملك لباري البرية |
جواب الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد الطوسي تغمده الله برحمته
ألا أصغ يا ذمي إن كنت سامعا | جواب سؤال رمته بالأدلة |
ودبر بعقل مدرك سر ما بدا | بإنشاء رب الكون في كل حالة |
فأوجد كل الكائنات بعلمه | وقدرته جبرا لمحض الإرادة |
تصرف في مخلوقه بمراده | لما شاء لا يدري خفي النهاية |
فأبدع كل الكون من حيث لم يكن | له صورة موجودة في البداية |
سؤالك يا هذا فليس بوارد | لإيراثه إظهار كل قبيحة |
تصرف مملوك بإنشاء مالك | على فعله بالنفع ثم المضرة |
وإقداره فهم الحقائق كلها | وتمييزه بين العطاء ومنحة |
وتشريكه في ملكه ومراده | ونسبته بالقبح في بعض خلقة |
وإبدائه منع التصرف في الورى | وإلزامه إبداء كل صنيعة |
على وفق معلوم الخليقة كلها | وذا شقوة تبدي خلائل زلة |
من نظمه ونثره على السحر الحلال ورأيتها أروى لكبد الظامئ من الماء الزلال وقلت له لم لا نظمت هذه الترجيحات في قصيدة تحفظ وخرطت نظام هذه المسائل في سلك يحرس ألفاظه أن تلفظ
فقال على أي زنة تريد وعلى أي قافية يبتغيها المستفيد
فقلت وكان قد اختتم الترجمة التي أنشأها بأبيات جيمية امتدحني فيها دونك قافية الجيم
فما كن بعد ليال إلا وقد وافى بعروس يجتليها ذو اللب ويجتنيها وأنشدني لنفسه ولم يستوعب الأماكن وإنما اقتصر على ما ستراه
الحمد لله الذي برسوله | خير الورى عنا نفى حرب الحرج |
هذا مقال الشيخ فيما اختاره | رأيا حباه ربنا أعلى الدرج |
أعني تقي الدين قوام الدجى | الحاكم السبكي خواض اللجج |
قال الوفا بالوعد أمر واجب | والخلع لا شيء فحقق ما نهج |
والوارث الباقي يصلي مثل ما | يأتي بصوم فائت عمن درج |
في آخر الوقت اجتهد في قتل من | ترك الصلاة فحظه يحكي البسج |
لا تشترط إخراج تاركها لها | عن وقتها اسلك من السبل الثبج |
يا مدركا خلف الإمام ركوعه | هي ركعة ما أدركت فدع اللهج |
أما الكسوف إذا تمادى وقته | فزد الركوع له ولا تخش الحرج |
ما لا دم يجري له ما ماع لم | ينجس به إن عم وافاك الأرج |
نحو الذباب نعم وإلا فهو ينجس | كالعقارب إن لم يكن فيه ولج |
وكذا الغسالة طهرها حق وإن | فقد المحل الطهر لقنت الحجج |
بين المحارم لا تفرق إنه | كالأم والولد الذي عنها نتج |
خذ علة الإجبار فهي بكارة | يا صحا مع صغر تراه بها امتزج |
لا يذبح الجندي طرفا للوغى | إلا بمرسوم الإمام إذا خرج |
وكذاك لا يقضي إمام فاسق | وزواج الأيم لا يلي ذات البلج |
لكن يولي من يقوم بفعله | أحسن بمؤتم على هذا نسج |
يا من يخابر أو يزارع جائز | هذا وأفلح من بذا القول ابتهج |
ليست بلازمة مساقاة ولا | توقيتها شرط فعج نحو النهج |
إن القراض على الدراهم جائز | مغشوشة وبها لعامله فرج |
كل الذنوب كبائر بتفاوت | من غير ما صغر فلا تنس الحرج |
من سب خير الرسل فاقتله ولا | تقبل متابا منه صار بل العوج |
فصل وخذ ما سار من تصحيحه | في المذهب المذهب مغرى بالدلج |
قال المني إذا تدفق ناقض | ياذا النهى لوضوء من منه خرج |
جنب ومن حاضت جواب مؤذن | لا يذكرا عند السماع إذا نأج |
وقت لثانية إذا ضاق اضربن | بالسيف من ترك الصلاة على الودج |
إبراد ظهر لا يرى تخصيصه | بالبلدة التي يلازمها الأمج |
بل شدة الحر ولو في أبرد البلدان | يكفي من أقام ومن سهج |
وأذان صبح أول حرره فهو | قبيل أن يفتر فجر للأبج |
وصلاة عيد وقتها لا من طلوع | الشمس بل من رفعها نحو الدرج |
وبلذة تقبيل من قد صام لم | يحرم ولم يكره وذا قول رعج |
إن ظن إنزالا فحرم فعله | أو خافه كره إلى نقص حنج |
وصيام داود ففضله على | إمساك دهر كم أنال وكم خلج |
وكذاك صوم الدهر مكروه على الإطلاق | أطلقك الزمان من الهرج |
في كل شهر الصوم تطلب ليلة القدر | التي في طيها تقضى الحوج |
قال الإمام وهكذا إعساره | بالبعض فافهم واطرح قول الهمج |
إن النشوز من القرينة مرة | للضرب ليس يبيح هاجرك الزمج |
تجب الإجابة في الولائم كلها | حتما على ذي فاقة ومن ارتعج |
إن الكنائس لا يعاد مهدم | منها وإن هو قل قارنك الفرج |
نقل الثبوت يجوز في البلد الذي | فيه القضاة المنقذون من الزلج |
البينات أصبت لم تسمع على القاضي | وذا قول به الحق اندمج |
كلا ولم تطلب يمين منه في | علق القضا دع من لهذا قد ذعج |
وإذا وكيل موكل أغمى عليه | ليس يعزل فاكتبن ذا في الدرج |
إن الوصية للأقارب داخل | فيها الأصول مع الفروع ولا حرج |
دار وخشب هدمت وتكسرت | والحصر إن بليت وقارنها السحج |
لا جائز إن كان وقفا بيعه | يا حبذا علم كذا العلم اختلج |
إن خص واقف مسجد قوما به | كالشافعية يلغ سدا للرتج |
والوقف بطنا بعد بطن يقتضي الترتيب | أنصف من إلى هذا ثلج |
ومعين وقف عليه ليس يحتاج | القبول فدع مقالة من مشج |
إن رد موقوف عليه الوقف لا | يرتد فاترك ما يقول وإن نأج |
وقبول ذي نظر لوقف ليس شرطا | فاستمع هذا وعد عن الهزج |
كلا ولا يرتد إن هو رده | هذا مقال ما عليه من رهج |
وصلاتنا وسلامنا أبدا على | من للسموات العلى ليلا عرج |
وعلى الأكارم آله وصحابه | طوبى لمن في حبهم بذل المهج |
ذكر شيء من مباحثه ولطائفه التي سمعناها منه ولم يودعها تصانيفه وربما وجد بعضها بخطه في مجاميعه
اعلم أن بابا مباحثه بحر لا ساحل له بحيث سمعت بعض الفضلاء يقول أنا أعتقد أن كل بحث يقع اليوم على وجه الأرض فهو له أو مستمد من كلامه وتقريراته التي طبقت طبق الأرض
ولما كان هذا شيئا كثيرا عمدنا إلى أمور سمعناها منه شفاها ولم يودعها تصنيفا له فذكرنا بعض ما حضرنا منها ومنها ما هو موجود بخطه في مجاميعه ورأيت جمعها هنا أثبت لها وأقر
سمعت الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن العلقة السوداء التي أخرجت
من قلب النبي صلى الله عليه وسلم في صغره حيث شق فؤاده وقول الملك هذا خط الشيطان منك إن تلك العلقة خلقها الله تعالى في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه صلى الله عليه وسلم فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي الشيطان فيه شيئا
قال هذا معنى الحديث ولم يكن للشيطان فيه صلى الله عليه وسلم حظ قط وإنا الذي نفاه الملك أمر هو في الجبلات البشرية فأزيل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب
قال فإن قلت فلم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان يمكنه أن لا يخلق فيها
قلت لأنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقه تكملة للخلق الإنساني فلا بد منه ونزعه أمر رباني طرأ بعده
ورأيت بخط الأخ شيخنا الإمام أبي حامد أحمد سلمه الله أنه رأى الوالد في النوم على جبل مرتفع على بساتين عظيمة وأن بيد الأخ قنديلا يضيء عليه وهو يقرأ عليه هذا البحث فظن أن القنديل انطفأ فقال للوالد إن القنديل انطفأ مرات فرفع رأسه وقال له لا قال فتأملت فإذا هو كما قال ولكن كانت على الوالد أنوار ضعفت معها نور القنديل فظننت أنه انطفأ قال ووقع في نفسي في النوم أن تلك الأنوار ببركات هذا البحث
سمعت الوالد يقول ثم نقتله من خطه في قوله تعالى {وكذلك نري إبراهيم}
إلى قوله {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} ما نصه تكلم الناس في تفسيرها كثيرا وفهمت منها أن ذلك تعليم من الله سبحانه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام للحجة على قومه فأراه ملكوت السموات والأرض وعلمه كيف يحاجج قومه ويقول لهم إذا حاججهم في مقام بعد مقام على سبيل التنزل إلى أن يقطعهم بالحجة ولا يحتاج مع هذا إلى أن نقول ألف الاستفهام محذوفة ويؤخذ منه أن المقول على سبيل التنزل ليس اعترافا وتسليما مطلقا وقول الفقهاء تسليم على سبيل التنزل معناه هذا أي إنه يقول نقدر أن الخصم نطق به فلينظر ما يترتب عليه
وهذا الذي فهمته أرجو أنه أقرب من كل ما قيل فيها ويرشد إليه صدر الآية وعجزها أما صدرها فقوله {وكذلك نري إبراهيم} وأما عجزها فقوله {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه}
سمعت الوالد يقول ينبغي للمصلي في الركوع عند قوله خشع سمعي وبصري وعظمي وشعري وبشري وما استقل به قدمي لله أن يحرص على صدقه في هذا الكلام بأن يكون الخشوع محققا في القلب ويظهر أثره في هذه الأعضاء ليتحقق صدق هذا الخبر وإلا فالإخبار في هذا المقام بين يدي الله تعالى على خلاف الواقع صعب إلا أن يراد أنه متصورة في حال من هو كذلك وهو مجاز
سمعت الوالد في درس الشامية العصي يقول وقد قيل له كانت العادة قديما أن يذكر المدرس العصر نكتة فقال اذكروا مسألة أستخرج منها نكتة
فقلت أنا النكاح بلا ولي
فقال على الفور النكاح بلا ولي باطل لأن قوله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل) إما أن يراد به حقيقة اللفظ أو صورة النزاع وهو الحرة البالغة العاقلة أو مقيد بقيد يندرج فيه أو شيء يلزم منه أو أحد هذه الأمور الأربعة أو القدر المشترك بين الأول والثاني والأول والثالث والأول والرابع أو بين الثاني والثالث أو الثالث والرابع فهذه أحد عشر قسما على تقدير إرادة واحد منها يلزم ثبوت الحكم في صورة النزاع وواحد منها مراد لأنه جائز الإرادة مع صلاحية اللفظ له وغيرها منتف بالأصل فإذا ثبت أحد الملزومات الأحد عشر فيثبت اللازم وهو أن النكاح بلا ولي باطل
وأيضا فاعتقاد البطلان راجح لأنه على أحد عشر تقديرا كلها عليه دليل واحتمال الصحة على احتمال واحد لا دليل عليه فيكون مرجوحا فاعتقاد الصحة مع ذلك ممتنع لأنه يلزم منه الترجيح بلا مرجح وهو باطل فيكون اعتقاد الصحة باطل فيثبت مقابله وهو اعتقاد البطلان
سمعت الوالد رحمه الله في درس الغزالية يقول وقد سئل عن الدليل على تقبيل المصحف دليله القياس على تقبيل الحجر الأسود ويد العالم والوالد والصالح ومن المعلوم أن المصحف أفضل منهم
وسبب تقبيل الحجر الأسود ما ورد أنه يمين الله في الأرض والعادة تقبيل يمين من يقصد إكرامه فجعل إشارة إلى ذلك تعالى الله عن التشبيه
قال وهذا معنى لطيف في تقبيل الحجر الأسود والقرآن صفة الله فهو بذلك أحق
سمعت الوالد يقول في قوله تعالى {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} إنه سمع شيخه أبا الحسن الباجي يقول لم لا قيل اتخذ هواه إلهه قال الوالد فما زلت مفكرا في الجواب مذ أربعين سنة حتى تلوت ما قبلها وهو قوله {وإذا رأوك} إلى قولهم {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} فعلمت أن المراد الإله المعبود بالباطل الذي عكفوا عليه وصبروا وأشفقوا من الخروج عنه فجعلوه هواهم
سمعت الوالد يقول إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روي له عن عمر بن الخطاب
وقال الواقدي لا نعلم أحدا من ولد عبد الرحمن بن عوف روى عن عمر سماعا غيره وكذلك قال يعقوب بن شيبة
قال الوالد في سماعه من عمر نظر لأنه توفي سنة خمس أو ست وتسعين وعمره خمس وسبعون سنة فيكون عند وفاة عمر ابن أربع فيكف يسمع
قال وقد روى له عن عمر البخاري والنسائي وذكر روايته عنه عمر عن البخاري والمزي في الأطراف حديث أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها ولم يرقم له في التهذيب إلا للنسائي
نقلت من خط الوالد رحمه الله وكنت أسمعه منه
فائدة قال الغزالي رحمه الله في نية الصلاة هي بالشروط أشبه وهذا ليس تصريحا بخلاف بل يحتمل أن يكون مراده أنها ركن يشبه الشرط
واعلم أن الفعل المجرد لا أثر له في نظر الشرع في العبادة وإنما يصير عبادة بالنية والنية فيها أميران أحدهما قصد الناوي والثاني الأثر الذي ينشأ عن ذلك القصد فذلك الأثر الناشئ الذي يكسب الفعل صفة العبادة وهو كون الفعل واقعا
على وجه الامتثال هو ركن بلا شك وهو مع الفعل كالروح مع البدن وتوجه قصد الناوي إلى ذلك خارج لأن القصد إلى الشيء غير الشيء فمن هنا أشبه الشرط
ولهذا اشتبه الأمر في كونها ركنا أو شرطا وصح أن يقال هي ركن باعتبار ذلك المعنى المقوم للفعل المقارن له المصاحب له من أوله إلى آخره فهو روحه وقوامه وصح أن يقال شرط لذلك القصد القائم بذات الناوي فهما أمران أحدهما قائم بذات الناوي والثاني صفة للفعل فالأول شرط والثاني ركن
ولا نعتقد أن الناوي يقصد الفعل المجرد وإنما يقصد الفعل بوصف كونه مطلوبا للرب تعالى وذلك الفعل مكتسب من ذلك الوصف صفة ينسبغ بها كما ينسبغ الثوب المصبوغ صبغه جزء منه والصبغ الذي هو فعل الفاعل خارج عنه وشرط فيه كذلك العبادة
وتأمل إذا قلت قمت إجلالا لك كيف صار القيام مكتسبا صفة الإجلال ولولاها لم يكن إلا مجرد نهوض فتأثر وتقوم بالإجلال وأشبه شيء به الروح والبدن فالقيام والبدن والإجلال هو الروح والقصد كنفخ الروح في البدن
ومن تأمل هذا المعنى لم يخالجه شك في أنها ركن مقارنة للفعل مقومة له داخلة في ماهية العبادة التي هي مجموع الفعل المنوي وليست المقارنة خاصة بالتكبير
فإن تلك مقارنة ذكرية والمقارنة الحكمية حاصلة في جميع الصلاة ألا ترى أن القيام إجلالا الإجلال مقارن له دائم معه وإن وصفناه بالخروج عن الماهية في التعقل فهو من جهة دون جهة وهو معه كالفاعل والمنفعل إذا نظرت إلى الفعل وجدت له خروجا من وجه ودخولا من وجه
وجدت بخط الوالد رحمه اله وكنت أسمعه منه اختلف الناس في شرط الحديبية من جاءك منا ترده هل هو مخصوص أو منسوخ في النساء بقوله تعالى {فلا ترجعوهن}
والذي اختاره أنه منسوخ وفسخ للعقد في بعض المعقود من الله تعالى الذي له أن يحدث من أمره ما شاء ولا ينبغي أن يقال إنه تخصيص لأن التخصيص بيان المراد فيكون قد أطلق في العقد العام وأريد به الخاص والنبي صلى الله عليه وسلم ينزه عن أن يظهر في العقود خلاف ما يضمره
ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق اللفظ بأمر الله تعالى من غير إرادة عموم ولا خصوص بل على مراد الله تعالى ثم جاء البيان من الله تعالى تخصيصا من عند الله تعالى
وجدت بخط الوالد رضي الله عنه كل من زرع أرضا ببذره فالزرع له إلا أن يكون فلاحا يزرع بالمقاسمة بينه وبين صاحب الأرض كعادة الشام فإن الزرع يكون على حكم المقاسمة على ما عليه عمل الشام
وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب الأرض بالشرط المعلوم بينهما فيثبت على ذلك
وإذا عرف هذا وتعدى شخص على أرض وغصبها وهي في يد الفلاح فزرعها على عادته لا نقول الزرع للغاصب بل للمغصوب منه على حكم المقاسمة وهذه فائدة جليلة تنفع في الأحكام
وجدت بخطه رحمه الله وكنت أسمعه منه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} هل الضمير في {فاغسلوا} للذين آمنوا فيكونوا مأمورين الآن بالغسل وقت القيام أو للذين آمنوا القائمين إلى الصلاة لما دل عليه الشرط فلا يكونوا مأمورين إلا وقت القيام للصلاة
وفيه بحث والأظهر الثاني
وهذه قاعدة شريفة ينبني عليها مباحث كثيرة
ويشهد لاختيار الثاني قوله تعالى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن} فطابق الأمر ما دل الشرط عليه
ومن المباحث المتعلقة به إذا قلت يا زيد إذا زالت الشمس فصل هل هو مأمور الآن أو لا يكون مأمورا إلا وقت الزوال وهو المختار
ولا يرد عليه أنا نختار أن الأمر قديم لأنه لا يلزم من قدم الأمر قدم كونه مأمورا
ولا يرد عليه أنا نختار قدم التعلق لأن التعلق بحسبه فالتعلق إنما هو بفعله وقت الزوال وبالقائمين وقت القيام فهم بهذا القيد متعلق الأمر وهم بدون القيد ليسوا متعلق الأمر
ولا يرد عليه أنا نختار في قوله إن طلعت الشمس فأنت طالق أن الإيقاع الآن والوقوع عند الطلوع لأنا لا نعني بالإيقاع إلا إيقاع ما يقع عند الطلوع
فافهم هذا فإنه من نفائس المباحث ولم أجده منقولا لكن حركني له قول الشافعي في الآية إن ظاهرها من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ
فتأملت كلامه لم يقل عليهم أن يتوضؤوا إذا قاموا إلى الصلاة
فانظر ما أنفع تأمل كلام العلماء رضي الله عنهم لا سيما إمام العلماء وخطيبهم رحمه الله
انتهى
قلت وقد تكلم الوالد في تفسيره على هذا أيضا وأطال فيه ذكره عند الكلام على قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}
وجدت بخط الوالد أحسن الله إليه قوله تعالى {ولا هم يحزنون} قيل إنه نفي للحصر فلا يلزم نفي الحزن
وجوابه على تسليم أن {هم يحزنون} للحصر تقدير {هم} داخلة على {ولا هم يحزنون} كما إذا دخل النفي على الفعل المؤكد يقدر التأكيد داخلا بعد النفي لا قبله وما أشبه ذلك وقدم في اللفظ بلا ليقابل بها {لا خوف عليهم} و {لا} مسلطة على {يحزنون} لا على الجملة
وسبب الحصر عند من يقول به يختص بالمضارع لأنه الذي يمكن أن يرفع الفاعل الذي يمكن تحويله إلى المبتدأ مثل زيد يقوم أصله يقوم زيد فاقتضى التقديم الحصر وهذا لا يتأتى في غيره
سمعت الشيخ الوالد رضي الله عنه يقول وقد ذكره في النوادر الهمداني من تصانيفه من قواعد الفلاسفة الفاسدة أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد فكونه مصدرا لج مثلا مخالف لكونه مصدرا لب فالمفهومان
إن كانا داخلين في الذات لزم التركيب أو خارجين لزم التسلسل الممتنع أو الانتهاء إلى التركيب إلى آخر ما نظموه من الشبهة
وهذا الذي قالوه بعينه يلزمهم في الواحد الصادر مع كونه صادرا عن الذات والنسب عندهم ثبوتية فيقال لهم الصادر وتأثير القادر فيه إما أن يكونا داخلين أو خارجين أو أحدهما داخلا والآخر خارجا وينقض كل قسم بنا نقضوه به فيتبين فساد كلامهم والله المستعان
سمعت الشيخ الوالد يقول وقد ذكر قول عبد الغني بن سعيد الحافظ إن الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه وطئ أهله في رمضان سلمة بن صخر البياضي وأن ذلك كان نهارا وأنه أصح من قول ابن إسحاق ليلا إن ابن إسحاق لم ينفرد به بل رواه الترمذي أيضا وحسنه وأن رجال إسناده ثقات وأن المختار عنده أنهما واقعتان وأن حديث أبي هريرة في الوقاع وحديث سلمة بن صخر في الظهار
قال وسواء أكان المبهم في حديث أبي هريرة هو سلمة بن صخر فيكون قد وقعت له واقعتان أم كان غيره
سمعت الشيخ الوالد يقول بعد أن ذكر اختلاف النحاة في لو تتبعت مواقع لو من الكتاب العزيز والكلام الفصيح فوجدت المستمر فيها انتفاء الأول وكون وجوده لو فرض مستلزما لوجود الثاني وأما الثاني فإن كان الترتيب بينه وبين الأول مناسبا ولم يخلف الأول غيره فالثاني منتف في هذه الصورة كقوله تعالى {لو كان}
فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وكقول القائل لو جئتني لأكرمتك لكن المقصود الأعظم في المثال الأول نفي الشرط ردا على من ادعاه وفي المثال الثاني أن الموجب لانتفاء الثاني هو انتفاء الأول لا غير
وإن لم يكن الترتيب بين الأول والثاني مناسبا لم يدل على انتفاء الثاني بل على وجوده من باب الأولى كقوله نعما العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن المعصية منتفية عند عدم الخوف فعند الخوف أولى
وإن كان الترتيب مناسبا ولكن للأول عند انتفائه شيء آخر يخلفه مما يقتضي وجود الثاني كقولنا لو كان إنسانا لكان حيوانا فإنه عند انتفاء الإنسانية قد يخلفها غيرها مما يقتضي وجود الحيوانية
قال وهذا ميزان مستقيم مطرد حيث وردت لو وفيها معنى الامتناع وخاصيتها فرض ما ليس بواقع واقعا إما في الماضي والحال وهو الأكثر أو المستقبل وهو قليل كقوله
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا | ومن دون رمسينا من الأرض سبسب |
لظل صدى صوتي ولو كنت رمة | لصوت صدى ليلى يهش ويطرب |
وقوله
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت | علي ودوني تربة وصفائح |
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا | إليها صدى من داخل القبر صائح |
إلى غير ذلك من الأمثلة
وقد ترد لو بمعنى إن لمجرد الربط كقوله
ولو باتت بأطهار
فليست من هذا القسم لأن امتناع الأول غير مقصود فيها بوجه وللاستقبال الذي دل عليه إذا حاربوا
وإنكار كون لو امتناعية جحد للضروريات ودعوى ذلك مطلقا منقوضة بما لا قبل به والضابط في ما ذكرته وأنشد لنفسه
مدلول لو ربط وجود ثان | بأول في سابق الزمان |
مع انتفاء ذلك المقدم | حقا بلا ريب ولا توهم |
أما الجواب إن يكن مناسبا | وليس غير شرطه مصاحبا |
فاحكم له بالنفي أيضا واعلم | بأن كلا داخل في العدم |
أو لم يكن مناسبا فواجب | من باب أولى ذاك حكم لازب |
وفي مناسب له إذ يفقد | مناسب سواه قد لا يوجد |
هذا جواب لو بتقسيم حصل | ممتنع وواجب ومحتمل |
ومعظم المقصود فيما يجب | إثباته في كل حال يطلب |
مثاله نعم الذي لو لم يخف | لما عصى إلهه ولا اقترف |
ومعظم المقصود في الممتنع | بيان نفي شرطه الذي ادعى |
كلو يكون فيهما شريك | لفسدا فالواحد المليك |
أو أن ذاك النفي حقا أثرا | في عدم الذي يلي بلا مرا |
كلو أتيتني لكنت تكرم | كرامتي لمن قلاني تعدم |
قلت وهذا ملخص ما ذكره في كتاب كشف القناع في حكم لو للامتناع ولا أعرف الآن في بلاد الشام نسخة من هذا الكتاب فلذلك كتبت هذا ليستفاد فهو كما تراه في التحقيق
سمعت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن قول الشاعر
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى | وأسيافنا يقطرن من نجدة دما |
إنما قال بالضحى ولم يقل بالدجى لأنها إذا لمعت وقت الضحى كان أبلغ وأدل على عظمها فإن القليل يلمع في الدجى ولا يلمع في الضحى إلا الكثير
سمعت الشيخ الوالد رحمه الله يقول وقد سئل عن معنى الرضع في قول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه يخاطب الذين أخذوا لقاح النبي صلى الله عليه وسلم حين رماهم بالسهام
#واليوم يوم الرضعالرضع اللئام أي اليوم يومكم أيها اللئام يقال رضع يرضع ثدي أمه بكسر الضاد في ماضيه وفتحها في مضارعه ورضع يرضع بالكسر في مضارعه والفتح في ماضيه عكس الأول إذا تلام والرجل راضع أي لئيم
سمعت الشيخ الإمام يجيب وقد سئل عن خندف التي ذكرها العباس رضي الله عنه في قوله
حتى علا بيتك المهيمن في | خندف علياء تحتها النطق |
فقال خندف هذه امرأة الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قال وكانت من سراة نساء العرب وأخذ يذكر من نبئها ما يطول شرحه
سألت الشيخ الإمام الوالد رحمه الله لم يقول المصلي في الاعتدال كلنا لك عبد ولا يقول عبيد مع عود الضمير في كلنا على جمع
فقال لأنه قصد أن يكون الخلق أجمعون بمنزلة عبد واحد وقلب واحد
سألت الشيخ الوالد لم لا يفترق الحال عند الصوفية بين إبداء الصدقة وإخفائها وقد نص القرآن على تفضيل الإخفاء
فقال المراد أن قلب الصوفي لا يتأثر بالإعلان لأنه لا يرى غير الله فكانا بالنسبة إليه سواء وإن كان الستر من حيث هو أفضل من الجهر من حيث هو
سألت الشيخ الإمام ما الحنث العظيم المشار إليه في قوله تعالى {وكانوا يصرون على الحنث العظيم}
فقال هو القسم على إنكار البعث المشار إليه في قوله تعالى {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت}
سئل الشيخ الإمام الوالد رضي الله عنه عن قول الشريف الرضي
فاتني أن أرى الديار بطرفي | فلعلي أرى الديار بسمعي |
وقول القاضي الفاضل
مثلته الذكرى لسمعي كأني | أتمشى هناك بالأحداق |
فقال وكتبته من خطه قول الشريف يحتمل ثلاث معان بعد فهم ثلاث قواعد إحداها قال الغزالي وغيره الوجودات أربعة وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في البيان ووجود في البنان
وأنا أقول هذه الوجودات الأربعة في كل موجود معقولا كان أو محسوسا فإن كان محسوسا فيزاد خامسا وهو الوجود في الحس والأمثلة معروفة ولا حاجة إلى التطويل بها
القاعدة الثانية أن الرؤية تكلم الحكماء فيها هل هي بالانطباع أو باتصال الشعاع وبسط هذا معروف في محله فلا حاجة إلى التطويل به
القاعدة الثالثة أن الحواس هل هي كالحجاب أو كالطاقات وفيه خلاف
إذا عرفت هذه القواعد الثلاث رجعنا إلى الاحتملات الثلاثة وهي في قوله أرى الديار بطرفي أحدها أن أرى الديار في محلها بطرفي المتصل شعاعه إليها فتكون الرؤية حقيقة والباء للاستعانة حقيقة
والثاني أن أرى الديار بانطباعها في ناظري فالرؤية حقيقة والباء في بطرفي للظرفية بمعنى في وهي أيضا حقيقة وإن كان مجيئها لذلك أقل من مجيئها للاستعانة
والثالث أن أرى الديار في قلبي بطرفي الذي هو كالطاق في الكشف لي عنها فالرؤية على هذا على قول من يجعل الحواس كالطاقات حقيقة وعلى قول من يجعلها كالحجاب مجاز والباء في بطرفي للاستعانة على القولين
هذه الاحتمالات الثلاثة في أرى الديار بطرفي
وأما أرى الديار بسمعي ففيه ثلاثة احتمالات أيضا أحدها الأول وعلى هذا يكون أرى مجازا عن أسمع والديار حقيقة وأوقع الرؤية عليها لإرادة السمع المتعلق بلفظها فهو من مجاز التركيب فقد اجتمع فيه مجاز الإفراد ومجاز التركيب في لفظها والباء للاستعانة
الثاني الثاني ويكون أرى مجازا عن أسمع والديار مجاز في الإفراد عن لفظها الحاصل في الحس تنزيلا للفظ منزلة المعنى والباء للظرفية والمجاز في الفعل والمفعول من مجاز الإفراد
الثالث الثالث فعلى قول من يجعل الحواس كالطاقات يكون أرى يمكن أن يكون حقيقة ويمكن أن يكون مجازا وكذا الديار أما الحقيقة فيهما فلأن الديار تتمثل في قلب السامع بسبب سماع لفظها فيكون السمع استعارته في حصول معناها في القلب وأما المجاز فلأن الحاصل في القلب علم عند قوم وسمع عند آخرين فوصفه بالرؤية ولم يحصل من حاسة الرؤية تجوز
إذا عرفت هذه الاحتمالات في بيت الشريف الرضي فالأبلغ إرادة المعنى الثالث وهو فاتني أن يشهدها قلبي بسبب رؤيتي بطرفي فلعل أن يشهدها قلبي بسبب سماع لفظها
وهذا المعنى كشفه القاضي الفاضل بقوله مثلته الذكرى وقال لسمعي لأنه طريق إما حاجب أو طاق والأبلغ أنه جعله كالطاق وأشار إليه وإلى حضوره في قلبه بقوله كأني أتمشى هناك وقال بالأحداق ليعلم أن السماع لم ينقص عن الرية ولأجل الطباق ولما في المشي بالأحداث من الخضوع والذلة والمحبة ولما في مد الأحداق إلى مواضع المنظور وتنقلها من مكان إلى مكان من زيادة التمتع والنعيم وهو المراد بالتمشي والله أعلم
ذكر الوالد رضي الله عنه مرة ما قاله السهيلي في قوله صلى الله عليه وسلم (أومخرجي هم) وأن فيه دليلا على حب الوطن ثم قال أحسن من حب الوطن أن يقال تحركت نفسه لما في الإخراج من فوات ما ندب إليه من إيمانهم وهدايتهم فإن ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقب ومع الإخراج منقطع وذلك هو الذي لا شيء عند الأنبياء عليهم السلام أعظم منه لأنه امتثال أمر الله تعالى وأما مفارقة الوطن فهو أمر جبلي والنبي صلى الله عليه وسلم أجل وأعلى مقاما من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم
حضرت الوالد رحمه الله مرة في ختمة وقد وصل القراء إلى سورة الإخلاص فقرءوها ثلاث مرات على العادة وكان على يمينه قاضي القضاة عماد الدين علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي فالتفت إلى الشيخ الإمام وقال في خاطري دائما أن أسأل عن الحكمة في إطباق الناس على تكريرها ثلاثا
فقال له الشيخ الإمام لأنه قد ورد أنها تعدل ثلث القرآن فتحصل بذلك ختمة
فقال القاضي عماد الدين فلم لا يقرءنها ثلاثا بعد الواحدة التي تضمنتها الختمة ليحصل ختمتان
فقال الشيخ الإمام مقصود الناس تحقيق ختمة واحدة فإن القارئ إذا وصل إليها فقرأها ثم أعادها مرتين كان على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها من الفاتحة إلى آخر القرآن وإما ثوابها بقراءة الإخلاص ثلاثا وليس المقصود ختمة أخرى وهذا معنى مليح
سمعت الشيخ يقول في الدرس نقل الشيخ أبو حامد مذهب الزهري الجلد يحل الانتفاع به قبل الدباغ ونقله صاحب التتمة وقال إنه ليس بنجس وهو صحيح وزاد فقال إنه وجه لأصحابنا عن ابن القطان أن الزهومة التي فيها نجسة فهو كثوب متنجس وهذا خلاف مذهب الزهري فجعله إياه مثله ليس بجيد
ونقل الرافعي ما في التتمة بدون ذكر الزهومة نجسة وجعله كالثوب النجس فأوهم أنه طاهر يحل الانتفاع به مطلقا وليس بجيد وزاد بعضهم فنقل الوجه أنه يجوز أكله قبل الدباغ وهذا لما أوهمه كلام الرافعي وليس بجيد وإنما يأتي ذلك على مذهب الزهري أما عندنا فلا
وجدت بخط الشيخ الوالد رضي الله عنه فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع باسمك اللهم وضعت جنبي وباسمك أرفعه فأدرت أن أقول إن شاء الله تعالى في أرفعه لقوله تعالى {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} ثم قلت في نفسي إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المنقول عند النوم ولو كان مشروعا لذكره النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم فتطلبت فرقا بينه وبين كل ما يجريه الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة
ولا يقال إن أرفعه حال ليس بمستقبل لأمرين أحدهما أن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه
والثاني أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي
وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وأن ذلك ينبه على قاعدة يفرق بها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت أرفع جنبي باسم الله كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله وهو عمدة الكلام
فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد كلام العربية تجده يظهر لك به شرف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل صلى الله عليه وسلم
وإياك ثم إياك أن تنظر إلى إطلاق أن الجار والمجرور فضله في الكلام وتأخذه على الإطلاق بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب العزيز والسنة وكلام الفصحاء وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم منها اللفظ والمعنى واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم معنى كلام العرب ومقاصدها
وقواعد العربية تقتضي أن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة له وأن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه فهذا أصل الكلام ووضعه ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم وقد لا يكون على هذه الصورة فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور كما نحن فيه فإن المضطجع ووضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم وإنما قلنا كالمعلوم ولم نقل معلوم لأنه قد يموت
حضرت الشيخ رضي الله عنه وقد جاءه بريدي من جهة أرغون نائب الشام يقول له عنه قال لك ملك الأمراء بأي مستند تكتب على كتاب بعلبك وهو ملك غيرك بغير إذن صاحبه وقد أفسدته بكتابتك عليه
اكتب لنا جوابك
وكان الوالد قد كتب على مكتوب قرية حريثا من بعلبك أنه إثبات باطل فلا يغتر به وكان قصده الحق والخشية من الاغترار بالكتاب
فأخذ الوالد ورقا وكتب من رأس القلم ما أعطاه للبريدي ليوصله إلى ملك الأمراء
ونصه إن قيل ما مستندكم في الكتابة على كتاب بعلبك فالجواب أن مستندنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين والقياس
أما كتاب الله فقوله {ليحق الحق ويبطل الباطل} فإبطال الباطل من سنة الله فكتابتي عليه بالإبطال لذلك
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فلغيره بيده) وكتابتي عليه تغيير بيدي وفي الحديث الصحيح (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) فكتابتي عليه من القيام بالحق
وقال الله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} فكتابتي عليه من البيان للناس
وقال صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) والكتاب الزور عرق باطل فيجب إزالته
وقال صلى الله عليه وسلم (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم فقد تودع منهم) والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من هذا فهذا من الكتاب والسنة
وأما الإجماع فإجماع الصحابة مع عثمان رضي الله عنهم على تحريق المصاحف الباطلة لما فيها من زيادة أو نقص على المصحف المجمع عليه فإذا جاز تحريق الكتاب لباطل فيه فالكتابة عليه بالإبطال أولى
وأما القياس فعلى خصم الكتب في الابتياعات والأوقاف وغيرها حتى لا يغتر الناس بها إذا لم يكتب عليها فكان الواجب في هذا الكتاب بيان ما فيه وهو عندي في هذا الوقت أولى من إعدامه لأنه عند إعدامه قد يقول قائل كان ما فيه حقا وأما عند وجوده فالفاضل يتأمله فيفهم بطلانه
ولا ينبغي أن يعطى لمن كان في يده لأمرين
أحدهما أنه يتعلق به وقد يحصل منه إزالة ما كتب عليه وتلبيس يوصل إلى البطل ولكن يحفظ ي سلة الحكم فيراه كل قاض يأتي فيعتمد الحق ويجتنب الباطل
والثاني أن الكتب إنما يملكها من له فيها حق فإذا بيعت الدار فكتبها ينتقل ملكها بانتقال الدار إلى المشتري لتشهد له بملكها
وهذا الكتاب لا حق فيه لمن هو في يده لتزويره وبطلانه فلم يجب تسليمه إليه بل ولا يجوز إلا أن يغسل ويمحى ما فيه ويدفع له الرق مغسولا فلا يمنع ذلك وتوهم من نظر بعد ذلك فيه مندفع بعلمه بفعل ولاة الأمور لذلك الذين هم منتصبون لتحقيق الحق وإبطال الباطل
وقد أزال النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام التي كانت على الكعبة بيده ونص الفقهاء على جواز إتلاف ما يوجد من التوراة والإنجيل وإن كان لورقها مالية وقد كانت ملك شخص معين أو أشخاص أو المسلمين فإذهاب ماليتها عليهم إنما هو لانطوائها على الباطل فهذا مثله لو كانت له قيمة فكيف ولا قيمة له لأنه إنما ينتفع به لشهادته بما فيه وما فيه باطل فلا منفعة له وما منفعة له لا قيمة له
وأيضا فإن الذي في يده هذا الكتاب قد دفع إلينا هذا الكتاب وهو مع غريمه
متداعيا في حكم الشرع وقد تبين في حكم الشرع أنه لا حق له فيه فوجب علينا بحكم الشرع أن نبطله ونرفع يده عنه ويصير في يد الشرع ليستمر عمل الحق فيه وفي مقابله
وما برح الناس من العلماء والقضاة والشهود والكتاب في الديار المصرية وغيرها يكتبون على المكاتيب ما تجب كتابته من انتقال أو خصم أو غيره فكذلك هذا
والقول بأن هذا ملك الغير فلا يجوز إمساكه جهل من قائله أو عدم تأمل
ذكر شيء من مقالاته في أصول الديانات
ذهب إلى أن الكلام النفسي يسمع وهو أحد قولي الأشعري
وأن التعلق قديم وهو أيضا رأي الأشعري
وتردد في فناء الروح عند قيام القيامة قال والأظهر أنها لا تفنى أبدا
ورأى انحصار اللذات في العلوم والمعارف وهو رأي الإمام فخر الدين الرازي قال وما عداها دفع آلام
وذهب إلى امتناع المعاصي صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وبعدها كما نص عليه في تفسيره في سورة الزمر
وقال البشر أفضل من الملك ولكن لا يجب على المكلف اعتقاد ذلك ولو لقي الله ساذجا من هذه المسألة لم يبال
وقال إن الرضا غير الإرادة ذكره في التفسير في سورة الزمر وحكى فيه أقوالا أحدها أنه نفسها والثاني غيرها وهو صفة فعل والثالث غيرها وهو صفة ذات وعزا هذين القولين إلى ابن كلاب ولم يرجح منهما شيئا
ومن كلامه في التصوف والمواعظ والحكم
وهذا بحر واسع يسع مجلدات وقد تضمن الكثير منه تصانيف له لطاف ونحن نشير إلى يسير مما لم يخصه بالتصنيف
سمعت الشيخ الإمام يقول الصوفي من لزم الصدق مع الحق والخلق مع الخلق
نقلت من خط الشيخ الإمام فكرت وجدت منشأ الفساد كله من الكبر
وهو أول المعاصي لما استكبر إبليس وذلك أن القلب إذا كبر استعلى واحتقر غيره فيمنعه ذلك من قبول الموعظة ومن الانقياد وإذا صغر وحقر انقاد واستسلم وانطاع لمن هو أكبر منه فيؤثر فيه كلامه ووعظه ويعرف به الحق فيحصل له كل خير
ووجدت الصلاح كله في كلمتين من الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وسلم (وعليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك) أما قوله (وعليك بخويصة نفسك) فإن في الاشتغال بنفسه تهذيبها وتنقيتها من الدنس وتكسبها الصفات الحميدة التي تجاور بها رب العالمين والاشتغال بالناس لا خير فيه
وأما قوله (وليسعك بيتك) فالسلامة في العزلة ومتى خرج الإنسان من بيته تعرض للشقاء وانظر إلى قوله تعالى {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} وقد نظمت هذا المعنى في قولي
كبر القلب مانع من قبول | لرشاد فكن صغيرا حقيرا |
والزم البيت لا تفارقه شبرا | تلق عند الخروج شرا كثيرا |
انتهى
قلت رأيت بخط الشيخ الإمام رضي الله عنه في حائط خلوته تجاه وجهه ما نصه (كن حلس بيتك
(انصر أخاك
(كل المسلم على المسلم حرام
(دع ما يريبك
(عليك بخويصة نفسك ويسعك بيتك) انتهى كأنه كتبه تذكرة لنفسه كلما أراد أن يخرج من البيت رحمه الله ما كان أكثر مجاهدته للنفس
نقلت من خطه قدس الله روحه كل عمل العبد الصالح ينبغي له أن يخفيه عن كل أحد حتى يلاقي به الله تعالى يوم القيامة فهو أعلم به ويجازيه به وإذا تكلم مع أحد بقدر الضرورة في علم أو نحوه فينوي به إما إفادته أو الاستفادة فهذان الأمران ينبغي للعاقل أن يلزمهما ولا يغفل عنهما والتجربة تفيدهما وتفيد أن الناس عدم بالكلية لا ينفعون شيئا وإذا تحقق العبد ذلك انتفى عنه الرياء وخرج من قلبه محبته ولزم الأمرين المذكورين والله أعلم
وفي أصول الفقه والمنطق والبيان والنحو وفنون المغازي والسير والأنساب وغيرها
ذهب إلى أن المفهوم حجة في الشرع دون اللغة والعرف
وأن تقديم المعمول يفيد الاختصاص
وأن الاختصاص غير الحصر
وأن تعميم النكرة في سياق النفي باللزوم لا بالوضع
وأن العام المخصوص حقيقة قال والمراد به الخصوص مجاز بالإجماع
وأن قريشا ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وهو رأي شيخه الحافظ أبي محمد الدمياطي
وأن دمشق فتحت عنوة
وأن من الاستفهامية ليست للعموم في الإفراد بل للماهية ولا يظهر بينه وبين الأصوليين خلاف معنوي
وأن قولك من عندك يطلب به التصور لا التصديق قال ومن زعم أن المطلوب بها التصديق فقد غلط
وأن الجواب فيها مفرد لا مركب ولا يقدر له مبتدأ ولا خبر
قال وعلى هذا قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} قال وقد جاء في الآية الأخرى {خلقهن العزيز العليم}
قال وهو ابتداء كلام يتضمن الجواب وليس اقتصارا على نفس الجواب بخلاف الآية قبلها
قال فقوله {الله} في جواب {ولئن سألتهم من خلقهم} اسم مفرد والذي تقدره النحاة من أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف ونحو ذلك إنما يصح بأحد طريقين أحدهما أن لا يراد الاقتصار على الجواب بل زيادة إفادة الإخبار كما قلناه في قوله تعالى {خلقهن العزيز العليم} ويحصل في ضمن ذلك الجواب وهو إفادة التصور
والثاني أن يراد الاقتصار على الجواب لفظا ويدل بالالتزام على المعنى التصديقي وهو أن الله خلقهم فنظر النحاة إلى هذا المعنى الالتزامي وأعربوا عليه لأن صناعتهم تقتضي النظر فيه ليكون كلاما تاما وليس من صناعتهم النظر في المفرد
قال لكن يبقى بعد هذا بحث وهو أنه إذا كان مفردا فحقه أن لا يعرب لأن الأسماء قبل التركيب لا معربة ولا مبنية وإذا لم يكن معربا فحقه أن ينطق به موقوفا وهو قد جاء في القرآن مرفوعا فلعل هذا مراعاة لما استفيد منه بدلالة الالتزام فجعل
كالمركب وهو الذي بنى عليه النحاة إن ثبت أن الأسماء المفردة لا يجوز النطق بها مرفوعة وإلا فقد يقال إنها ينطق بها على هيئة المرفوع لأن الرفع أقوى الحركات ولهذا نقول في العدد واحد اثنان بالألف كهيئة المرفوع
قال وأصل هذا إذا قيل ما الإنسان فقيل الحيوان الناطق فإنه مفرد ليس بكلام إنما يقصد به ذكر هذا لتصور حقيقة الإنسان ولهذا يعد المنطقيون الحد خارجا عن الكلام ومتى قيل هو الحيوان الناطق كان دعوى لا حدا والنحاة لم يتعرضوا لذلك
وذهب إلى أن الجار والمجرور والظرف إذا وقعا خبرا يكونان خبرا ولا يقدر فيهما كائن ولا استقر
وقد رأيته معزوا إلى أبي بكر بن السراج شيخ أبي علي الفارسي في كتاب الشيرازيات
وذهب إلى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر كما هو رأي البخاري وخالف فيه شيخه الدمياطي وأهل المغازي ابن إسحاق وابن سعد والواقدي وموسى بن عقبة وخليفة بن خياط وغيرهم
وذهب إلى أن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا لا حديث العقيقة ولا غيره وهو رأي أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وأنكر أن يكون يعقوب أو شعيب أو غيرهما من الأنبياء عليهم السلام حصل له عمى وشدد النكير على مدعيه وأول جميع الظواهر الواردة فيه
قال الشيخ الإمام يقال جاء شيء
ولا يقال جاء جاء
وإن كان الجائي أخص من شيء وذلك لأن جاء مسند والمسند إليه الفاعل ومعرفة المسند إليه متقدمة
على معرفة المسند فمن عرف الجائي عرف المجيء فلا يبقى في الإسناد فائدة والشيء قد يعرف ولا يعرف مجيئه
ذكر عدد مصنفاته رحمه الله
الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم لم يكمل
تكملة المجموع في شرح المهذب بنى على النووي رحمه الله من باب الربا ووصل إلى أثناء التفليس في خمس مجلدات
التحبير المذهب في تحرير المذهب وهو شرح مبسوط على المنهاج كان ابتدأ فيه من كتاب الصلاة فعمل قطعة نفيسة ذكر لي أن الشيخ علاء الدين أبا الحسن الباجي وقف عليها فقال له هذا ينبغي أن يكون على الوسيط لا المنهاج فأعرض عنه
الابتهاج في شرح المنهاج للنووي وصل فيه إلى أوائل الطلاق
الإيهاج في شرح المنهاج في أصول الفقه عمل منه قطعة يسيرة فانتهى إلى مسألة مقدمة الواجب ثم أعرض عنه فأكملته أنا
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب بدأ فيه فعمل قليلا من أوله ومن المنطق وأنا لم أقف على هذه القطعة ولكن بلغني أنها نحو كراسة واحدة وقد
وسمت أنا شرحي على المختصر بهذا الاسم تبركا بصنع الوالد رضي الله عنه
الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي
الوشي الإبريزي في حل التبريزي لم يكملا
كتاب التحقيق في مسألة التعليق وهو الرد الكبير على ابن تيمية في مسألة الطلاق
رافع الشقاق في مسألة الطلاق وهو الصغير
أحكام كل وما عليه تدل
بيان حكم الربط في اعتراض الشرط على الشرط
شفاء السقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وسلم وهو الرد على ابن تيمية وربما سمي شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة
السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم
التعظيم والمنة في {لتؤمنن به ولتنصرنه}
منية الباحث عن حكم دين الوارث
نور الربيع من كتاب الربيع وهو كتاب جليل حافل كان وضعه على الأم لم يتمه وما كتب منه إلا قليلا
الرياض الأنيقة في قسمة الحديقة
الإقناع في الكلام على أن لو للامتناع
وشي الحلى في تأكيد النفي بلا
الرد على ابن الكتناني
الاعتبار ببقاء الجنة والنار
ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير
كيف التدبير في تقويم الخمر والخنزير
السهم الصائب في قبض دين الغائب
الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق
فصل المقال في هدايا العمال
مختصر فصل المقال
نور المصابيح في صلاة التراويح ضياء المصابيح ضوء المصابيح إشراق المصابيح تقييد التراجيح ومصنفان آخران في ذلك تكملة سبعة
إبراز الحكم من حديث (رفع القلم
الكلام على حديث (رفع القلم
الكلام على حديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
الكلام مع ابن أندراس في المنطق
جواب سؤال علي بن عبد السلام
أجوبة أهل طرابلس
رسالة أهل مكة
أجوبة أهل صفد
فتوى أهل الإسكندرية
الفتوى العراقية
جواب سؤالات الشيخ الإمام نجم الدين الأصفوني نزيل مكة
المناسك الكبرى
المناسك الصغرى
كشف الغمة في ميراث أهل الذمة
الفتاوى
فتوى كل مولود يولد على الفطرة
مسألة فناء الأرواح
مسألة في التقليد في أصول الدين
النوادر الهمدانية
إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس
المفرق في مطلق الماء والماء المطلق
الاتساق في بقاء وجه الاشتقاق
الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة
المباحث المشرفة
النقول والمباحث المشرقة
طليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر
مختصر طبقات الفقهاء
أحاديث رفع اليدين
المسائل الحلبية وهي التي سئل عنها من حلب
أمثلة المشتق وهي أرجوزة
القول الصحيح في تعيين الذبيح
القول المحمود في تنزيه داود
الجواب الحاضر في وقف بني عبد القادر
حديث نحر الإبل
قطف النور في مسائل الدور
النور في الدور وله فيها مصنف ثالث وهذا في الديار المصرية ثم رجع عن مقالة ابن الحداد وصنف في الشام مصنفين آخرين في ذلك أحدهما أملاه علي
مسألة ما أعظم الله
مسائل سئل عن تحريرها في باب الكتابة
مسألة هل يقال العشر الأواخر
مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر
الإقناع في تفسير قوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}
الرفده في معنى وحده
جواب سؤال من القدس الشريف
منتخب تعليقه الأستاذ في الأصول
عقود الجمان في عقود الرهن والضمان
مختصر عقود الجمان
ورد العلل في فهم العلل
وقف بني عساكر
البصر الناقد في لا كلمت كل واحد
الكلام على الجمع في الحضر لعذر المطر
الصنيعة في ضمان الوديعة النقول البديعة في ضمان الوديعة حسن الصنيعة في ضمان الوديعة
التهدي إلى معنى التعدي
بيان المحتمل في تعدية عمل
الحلم والأناة في إعراب قوله {غير ناظرين إناه}
القول الجد في تبعية الجد
الإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض
تفسير {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا} وهو غير التهدي وغير بيان المحتمل أبسط منهما
المواهب الصمدية في المواريث الصفدية
كشف الدسائس في هدم الكنائس
تنزيل السكينة على قناديل المدينة
الطريقة النافعة في المساقاة والمخابرة والمزارعة
من أقسطوا ومن غلوا في حكم نقول لو
نيل العلا بالعطف بلا
حفظ الصيام عن فوت التمام
جواب سؤال ورد من بغداد
كتاب الحيل وهو جواب سؤال بيبغاروس نائب حلب الوارد من حلب
كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا وهو جواب عن أسئلة وردت من أرتنا ملك الروم
جواب أهل مكة
جواب المكاتبة في حارة المغاربة
هرب السارق
خروج المعتدة
معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي
سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف
وقف بيسان
وقف أولاد الحافظ
النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني
موقف الرماة في وقف حماه مركز الرماة
القول النقوي في الوقف التقوي
القول المختطف في دلالة كان إذا اعتكف
كشف اللبس عن المسائل الخمس
غيرة الإمان لأبي بكر وعمر وعثمان
أجوبة سؤالات أرسلت إليه من مصر حديثية أوردها بعض المشايخ على كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي
مسألة زكاة مال اليتيم
الكلام على لباس الفتوة وهو فتوى الفتوة
بيع المرهون في غيبة المديون
الألفاظ هل وضعت بإزاء المعاني الذهبية أو الخارجية
أجوبة مسائل سألته أنا عنها في أصول الفقه
العارضة في البينة المتعارضة
مسألة تعارض البينتين
كتاب بر الوالدين
أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية
الكلام على قوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}
نصيحة القضاة
الاقتناص في الفرق بين الحصر والقصر والاختصاص في علم البيان
ذكر النبأ عن وفاته رضي الله تعالى عنه وأرضاه
ابتدأ به الضعف في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وسبعمائة واستمر عليلا إلا أنه لم يحم قط
وسمعته يقول كنت أقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام في سنة ست وسبعمائة فعرضت لي حمى في بعض الأيام وجاء وقت الميعاد فأتى كاتب الأسماء وقال وأنا محموم قد اجتمعت الناس فكدت أبطل ثم قلت لا والله لا بطلت مجلسا تذكر فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فتحاملت وأنا محموم وقرأت الميعاد ووقع في نفسي أني لا أحم أبدا فما حصلت لي حمى بعدها
واستمر بدمشق عليلا إلى أن وليت أنا القضاء ومكث بعد ذلك نحو شهر وسافر إلى الديار المصرية وكان يذكر أنه لا يموت إلا بها فاستمر بها عليلا يويمات يسيرة
ثم توفي ليلة الاثنين المسفرة عن ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة بظاهر القاهرة ودفن بباب النصر تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه
وأجمع من شاهد جنازته على أنه لم ير جنازة أكثر جمعا منها
قالوا إنه لما مات ليلا بالجزيرة ما انفلق الفجر إلا وقد ملأ الخلق ما بين الجزيرة إلى باب النصر ونادت المنادية مات آخر المجتهدين مات حجة الله في الأرض مات عالم الزمان وهكذا ثم حمل العلماء نعشه وازدحم الخلق بحيث كان أولهم على باب منزل وفاته وآخرهم في باب النصر وقيل لم يحاك ما يقال عن جنازة الإمام أحمد بن حنبل سوى جنازة الشيخ الإمام في كثرة اجتماع الناس تغمده الله برحمته
حكى لي الشيخ الإمام العالم الصالح فخر الدين الضرير قال لم أكن اجتمعت بالشيخ الإمام وليلة موته قلت هذا شيخ المسلمين فأقوم للصلاة عليه وشهود جنازته خالصا لله فإني لا أعرفه ولا أعرف أحدا من أولاده ولا من خواصه
قال ولم أكن أعرف أحدا منكم
قال ففعلت ذلك ثم نمت ليلتي تلك فرأيته في المنام في مكان مرتفع وهو يقول بلغني صنيعك
وتكاثرت المنامات عقب وفاته من الصالحين وغيرهم بما هو الظن به عند ربه ولو حكيناها لطال الشرح
وحكى بعض الصالحين قال رأيته في المنام بعد ليلتين أو ثلاث من موته فقلت له ما فعل الله بك قال فتحت لي أبواب الجنة وقال لي ادخل
فقلت وعزتك لا أدخل حتى يدخل كل من حضر الصلاة علي
رحمه الله تعالى
ذكر شيء مما سمعناه من مراثيه
وما أنشد أهل العصر فيه
أما المدائح فتربو على مجلدات فلا معنى للتطويل بها وأما المراثي فنذكر منها ما حضرنا
كتب إلي شاعر الوقت جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة وسمعتها من لفظه
نعاه للفضل والعياء والنسب | ناعيه للأرض والأفلاك والشهب |
ندب رأينا وجوب الندب حين مضى | فأي حزن وقلب فيه لم يجب |
نعم إلى الأرض ينعى والسماء على | فقيدكم يا سراة المجد والحسب |
بالعلم والعمل المبرور قد ملئت | أرض بكم وسماء عن أب فأب |
مقدم ذكر ماضيكم ووارثه | في الوقت تقديم بسم الله في الكتب |
آها لمجتهد في العلم يندبه | من بات مجتهدا في الحزن والحرب |
بينا وفود العلى والعلم ينزلهم | إذ نازلتنا الليالي فيه عن كثب |
وأقبلت نوب الأيام واترة | إذ كان عونا على الأيام والنوب |
ففاجأتنا يد التفريق مسفرة | عن سفرة طال فيها شجو مرتقب |
وجاء من نحو مصر مبتدا خبر | لكن به السمع منصوب على النصب |
قالت دمشق بدمع النهر واخبرا | فزعت فيه بآمالي إلى الكذب |
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا | شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي |
وكلمتنا سيوف الكتب قائلة | ما السيف أصدق إنباء من الكتب |
وقال موت فتى الأنصار مغتبطا | الله أكبر كل الحسن في العرب |
لقد طوى الموت من ذاك الفرند حلى | كانت حلى الدين والأحكام والرتب |
وخص مغنى دمشق الحزن متصلا | بفرقتين أباتتها على وصب |
بين وموت يؤوب الغائبون ومن | يجمع مغيبهما تالله لم يؤب |
كادت رياح الأسى والشجو يعكسها | حتى الغصون بها معكوسة العذب |
والجامع الرحب أمسى صدره حرجا | والنسر ضم جناحيه من الرهب |
وللمدارس هم كاد يدرسها | لولا تدارك أبناء له نجب |
من للهدى والندى لولا بنوه ومن | للفضل يسحب أذيالا على السحب |
من للفتوة والفتوى مجانسة | في الصيغتين وفي الحالين للأدب |
من للتواضع حيث القدر في صعد | على النجوم وحيث الحلم في صبب |
من للتصانيف فيها زينة وهدى | ورجم باغ فيالله من شهب |
أمضى من النصل في نصر الهدى فإذا | سلت نصال العدى أوقى من اليلب |
من للفضائل والأفضال قد جمعت | بين السراة إلى دار بها درب |
ذو همة في العلا والعلم قد بلغت | شأو السماك وما تنفك في دأب |
حتى رأى العلم شفع الشافعي به | وقال من ذا وذا أدركت مطلبي |
من للتهجد أو من للدعا بسطت | به وبالجود فينا راحتا تعب |
من للمدائح منا قد صفت وحلت | كأنما افتر منها الطرس عن شنب |
من للمحامد قد قامت خطابتها | على معاليه في قاص ومقترب |
لهفي وقد لبست حزنا لفرقته | حدادها أسطر الأشعار والخطب |
لهفي لنظام مدح فكر أجمعهم | بالهم لا بالذكا أمسى أبا لهب |
كأن أيدي الورى تبت أسى فغدت | من عي أقلامها حمالة الحطب |
لهفي على الطهر في عرض وفي سمة | وفي لسان وفي حلم وفي غضب |
واقي الشريعة من تخليط من ردعوا | فما يخوضون في جد ولعب |
محجب غير ممنوع اللقا بسنا | عليائه ومهيب غير محتجب |
أضحى لسبك بجزء من مناقبه | على العراق فخار غير منتقب |
لهفي لعلمين مروي ومجتهد | لهفي لفضلين موروث ومكتسب |
آها لمرتحل عنا وأنعمه | ملء الحقائب للطلاب والحقب |
إيمان حب إلى الأوطان حركه | حتى قضى نحبه يا طول منتحب |
لهفي لكل وقور من بنيه بكى | وهو الصواب بصوب الواكف السرب |
وكل نادبة في الحجب قلن لها | يا أخت خير أخ يا بنت خير أب |
إلى الحسين انتهى مسرى علي فلا | هنئت يا خارجي الهم بالغلب |
بعد الإمام علي لا ولاء لنا | من الزمان ولا قربى من النسب |
يا ثاويا والثنا والحمد ينشره | بقيت أنت وأفنتنا يد الكرب |
نم في مقام نعيم غير منقطع | ونحن في نار حزن غير متئب |
سهام حزن تقسمنها عليك فإن | تقسم توف وإن ترم الحشا تصب |
تحلبت بالبكا أجفان مدكر | أخلاف برك إن نستسقها نصب |
ما أعجب الحال لي قلب بمصر وفي | دمشق جسم ودمع العين في حلب |
من لي بمصر التي ضمتك تجمعنا | ولو بطون الثرى فيها فيا طربي |
بالرغم منا رثاء بعد مدحك لا | يسلى ونحن مع الأيام في شجب |
ما بين أكبادنا والهم فاصلة | كلا ولا لصنيع الشعر من سبب |
أما القريض فلولا نسلكم كسدت | أسواقه وغدت مقطوعة الجلب |
قاضي القضاة عزاء عن إمام تقى | بالفضل أوصى وصاة المرء بالعقب |
فأنت في رتب العليا وما وسقت | بحر يحدث عنه بالحر بالعجب |
ما غاب عنا سوى شخص لوالدكم | وعلمه والتقى والجود لم يغب |
جادت ثراك أبا السادات سحب رضى | تزهى بذيل على مثواك منسحب |
وسار نحوك منا كل شارقة | سلام كل شجي القلب مكتئب |
تحية الله نهديها ونتبعها | فبعد فقدك ما في العيش من أرب |
وخفف الحزن إنا لاحقون بمن | مضى فأمضى شباة الحادث الذرب |
إن لم يسر نحونا سرنا إليه على | أيامنا والليالي الدهم والشهب |
إنا من الترب أشباح مخلقة | فلا عجيب مآل الترب للترب |
وقال أديب الزمان القاضي صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي أمته الله به
أي طود من الشريعة مالا | زعزعت ركنه المنون فزالا |
أي ظل قد قلصته المنايا | حين أعيا على الملوك انتقالا |
أي بحر كم فاض بالعلم حتى | كان منه بحر البسيطة آلا |
أي حبر مضى وقد كان بحرا | فاض للواردين عذاب زلالا |
أي شمس قد كورت في ضريح | ثم أبقت بدرا يضي وهلالا |
مات قاضي القضاة من كان يرقى | رتب الإجتهاد حالا فحالا |
مات من فضل علمه طبق الأرض | مسيرا وما تشكي كلالا |
كان كالشمس في علوم إذا ما | أشرقت أصبح الأنام ذبالا |
كان كل الأنام من قبل ذا العصر | عليه في كل علم عيالا |
كان فرد الوجود في الدهر يزهى | بمعالي أهل العلوم جمالا |
فمضوا قبله وكان ختاما | بعدهم فاعتدى الزمان وصالا |
كملت ذاته بأوصاف علم | علم البدر في الدياجي الكمالا |
وأنام الأنام في مهد عدل | شمل الخلق يمنة وشمالا |
فلمن بعده نشيد رحابا | ولمن بعده نشد رحالا |
وهو إن رمت مثله في علاه | لم تجد في السؤال عنه سوى لا |
أحسن الله للأنام عزاهم | فهم بالمصاب فيه ثكالى |
ومصاب السبكي قد سبك القلب | وأودى منا الجلود انتحالا |
خزرجي الأصول لو فاخر النجم | علا مجده عليه وطالا |
خلق كالنسيم مر على الروض | سحيرا وعرفه قد توالى |
يد جودها يفوق الغوادي | تلك ماء همت وذا صب مالا |
أيها الذاهب الذي حين ولى | صار منه عز الدموع مدالا |
لو أفاد الفداء شخصا لجدنا | بنفوس على الفدا تتغالى |
أنفس طال ما تنفس عنها | منك كرب يكظها واستحالا |
أنت بلغتها المنى في أمان | فاستفادت غنى وعزت منالا |
من لنا إن دجت شكوك شكونا | من أذاها في الدهر داء عضالا |
كنت تجلو ظلامها ببيان | حل من عقلنا الأسير عقالا |
من يعيد الفتوى إلى كل قطر | منه جاءت جوابها يتلالا |
قد صببت الصواب فيها وأهديت | هداها وقد محوت المحالا |
فيقول الورى إذا ما رأوها | هكذا هكذا وإلا فلالا |
فليقل من يشاء ما شاء إن الموت | أردى الغضنفر الرئبالا |
وإذا ما خلا الجبان بأرض | طلب الطعن وحده والنزالا |
قد تقضى قاضي القضاة تقي الدين | سبحان من يزيل الجبالا |
فالدراري من بعده كاسفات | وإذا ما بدت تراها خجالى |
كان طودا في علمه مشمخرا | مد في الناس من بنيه ظلالا |
فبهاء بها ونعمت وتاج | فوق فرق العلياء راق اعتدالا |
هو قاضي القضاة صان حماه | من عوادي الزمان ربي تعالى |
وهداه للحكم في كل يوم | فيه يرعى الأيتام والأطفالا |
وحباه الصبر الجميل ووفاه | ثوابا يهمي سحابا ثقالا |
ليبيد العدى جلادا ويغدو | فيفيد الندى ويبدي الجدالا |
وقال أيضا مما كتب به إلى الشيخ بهاء الدين أبي حامد أحمد
أهكذا جبل الإسلام ينهدم | وهكذا سيفه المسلول ينثلم |
وهكذا جيشه المعهود نصرته | على أعاديه بعد اليوم ينهزم |
وهكذا مجده الراسي قواعده | تنحط منه أعاليه وتنحطم |
وهكذا البدر في أعلى منازله | وسعده قد محت أنواره الظلم |
وهكذا البحر يمسي وهو ذو يبس | من بعد ما كان بالأمواج يلتطم |
وهكذا الدين قد أزرى به خنس | من بعد ما كان في عرنينه شمم |
وهكذا كل ميت حل في جدث | بكى له الفاقدان العلم والكرم |
وقد نعى العدل منه سيرة كرمت | يحفها الزاهران الحلم والنعم |
والورق تملي لنا في وصفه خطبا | يقلها المنبران البان والسلم |
ولو أراد الأعادي كتمها اعترفت | بفضلها الشاهدان العرب والعجم |
قل للعدي إن جهلتم قدر رتبته | فالبيت يعرفه والحل والحرم |
والليل والذكر والمحراب شاهده | والشرع والحكم والتصنيف والقلم |
ومن يقل إنه يدري مكانته | فما خفي عنهم أضعاف ما علموا |
فكم كماة من النظار قد مهروا | في البحث جاءوا بما ظنوا وما زعموا |
فكر فيهم بلا فكر وجدلهم | جداله ثم لما سلموا سلموا |
وقصروا عن مبادي غاية حصلت | له وأين عقاب الجو والرخم |
ولوا فرارا وقد ألقوا سلاحهم | وهم أناس على التحقيق قد وهموا |
عليه هزمهم في كل معركة | وما عليه بهم عار إذا انهزموا |
شكوا فتورا رأوه في بصائرهم | ولو ألموا به من قبل ما ألموا |
ما الناس إلا سواء في بيوتهم | ما الشأن في أمرهم إلا إذا التحموا |
كل يرى أنه إذ راح منفردا | ليث وأقلامه من حوله أجم |
فإن تضمهم وقت الجدال وغى | فعندها يظهر الأقدار والقيم |
تزايد الحلم من زاكي سجيته | فلم يكن من عداه قط ينتقم |
موفق الحكم والفتوى على رشد | ما ند منه على ما قد مضى ندم |
كم بات ينصر مظلوما رآه وقد | أوذي وجانبه بالضعف يهتضم |
كان ابن تيمية بالفضل معترفا | وهو الألد الذي في بحثه خصم |
يثني عليه وقد أبدى بفكرته | أوهامه فيراها وهو يبتسم |
وما أقر لمخلوق سواه وفي | زمانه كل حبر علمه علم |
قاضي القضاة تقي الدين حين قضى | غدا أولو الحلم لم يهناهم الحلم |
وكيف يهنأ عيش بعده وبه | قد كان شمل الهدى بالحق يلتئم |
فاليوم أقفر ربع المكرمات وقد | شط المزار وأقوت دونها الخيم |
مات الذي كانت الأعلام تسأله | في غامض العلم للسؤال يحتلم |
مات الذي كان إن تسأله غامضة | خلاك من حليها في العلم تحتكم |
يا سائرا فوق أعناق الرجال وكم | سعت له في المعالي والهدى قدم |
خدمت علمك وقتا والأنام إلى | يوم القيامة فيما قلته خدم |
تركت فينا تصانيفا تخاطبنا | فأنت حي ولما تنشر الرمم |
ما مثل سيرتك المثلى إذا ذكرت | بالحمد تبدا وبالتقريظ تختتم |
أقمت في مصر والأخبار نافحة | طيبا تسير بها الوخادة الرسم |
ما كنت إلا إمام الناس قاطبة | في النقل والعقل تقضي كلما اختصموا |
وكل مشكلة في الدين معضلة | يضيق فيها على سلاكها اللقم |
تحل شبهتها من حيث ما عرضت | بالحق إذ ليس في الترجيح تتهم |
تأوي إليك نفوس العارفين لما | تراه منك وترعى عندك الذمم |
مطهر الذات من عيب تضير لنا | منك العوارف والأخلاق والشيم |
يكاد من رقة فيه يهب صبا | هذا وقد برحت أجداثه الحطم |
من أجل ذاك غدت أيامه غررا | بيضا ولم يقض فيها أن يراق دم |
كف على عدد الأيام في هبة الأنفال | ما سامها من بذلها سأم |
أقول لما نأى عن جلق ونأت | عنها غوادي الحيا وانجابت الديم |
يا من يعز علينا أن نفارقهم | وجداننا كل شيء بعدكم عدم |
لكن صبرنا على التفريق وهو أذى | وما لجرح إذا أرضاكم ألم |
مهما نسيت فما أنسبت برك بي | عند الظما ونداك البارد الشبم |
وفرط جبرك إذ تثني علي بما | لا أستحق وذاك الحفل مزدحم |
حتى أغالط نفسي في حقيقة ما | أدريه منها وفي علمي بها أهم |
فعلا من طبع الباري سجيته | على مكارم منها الناس قد حرموا |
وكاد دهري لياليه تسالمني | وكاد يصرف عني الشيب والهرم |
والله لا فترت مني الشفاه عن الدعا | ولا افتر لي من بعد ذاك فم |
فاصبر أبا حامد فالناس قد فجعوا | فيمن مضى لم تخصص أنت دونهم |
تشارك الناس في هذا العزاء كما | نعمى أياديه فيها الناس تقتسم |
وانظر وقس يا إمام الناس كلهم | فإن سلمت فكل الناس قد سلموا |
هذي المصيبة بالإسلام قد نزلت | فانظر عرى الدين مها كيف تنفصم |
ما مثل من قد مضى يبكى عليه ولا | تجري على وجنتيك الأدمع السجم |
فإنه في جنان الخلد في دعة | لكفه الحور والولدان تستلم |
فقدس الله ذاك الروح منه ولا | أراه يوم اللقا والحشر ما يصم |
وقال أيضا
الله أكبر أي بحر غاضا | من بعد ما جعل العلوم رياضا |
قاضي القضاة قضى فيالمصيبة | لم تبق في جفن الهدى إغماضا |
تمت فعمت كل شخص مسلم | واستوفت الأبعاد والأبعاضا |
فجعت أئمة عصرنا في حبرهم | فقلوبهم أمست لذاك مراضا |
إني لأعجب للمنية كيف قد | كفت لسانا عنده نضناضا |
قد كان نقادا فإن هو جاءه النقال | يرجع بعد ذا نقاضا |
من للشريعة إن أتاها مبطل | أو حص ريش جناحها أوهاضا |
إن غاضه بالحق حين يقوله | أضحى يحرك رأسه إنغاضا |
ويكون منه لكل داء حاسما | يعطي ويأخذ من نهاه قراضا |
ذهن يفوت البارقات تسرعا | ويفوقها في جوها إيماضا |
وبه على المقصود يصبح واقعا | إن غاض فهم سواه منه فاضا |
وله التصانيف التي في الفقه قد | أمست طوالا في الأنام عراضا |
لم يبق علم مشكل بين الورى | إلا وشق البحر منه وخاضا |
حتى انتقى منه لآليه التي | تمسي الجواهر عندها أعراضا |
وغدا تكون مسودات علومه | منها صحائفه تشف بياضا |
كم حجة لمعاند أو ملحد | أمسى لنظم دليلها دحاضا |
ما كان يخشى من أفاعي البحث في | يوم الجدال إذا نحته عضاضا |
قد كان فارس كل علم غامض | تلقاه في ميدانه ركاضا |
ما راح إلا كي تحل لقربه | حلل القبول من العلى وتفاضا |
كم قد تغمد حلمه من مذنب | عنه تغافل تارة وتغاضى |
وإذا توعد من أسا ينسى وإن | وعد الولي ما احتاج أن يتقاضى |
أراؤه الحسنى إذا ما أرسلت | منها السهام أصابت الأغراضا |
ما ينقضي منه الجميل لطالب | حتى يشاهد غيره قد آضا |
وتراه إن أبدى الزمان قطوبه | وخطوبه متبسما مرتاضا |
من ظن أن سيرى لذلك ثانيا | في عمره فأنا أراه خضاضا |
عزفت عن الدنيا الدنية نفسه | وتجنبت في فعلها الأغراضا |
من كفه ظفرت بجوهر فوزه | أتراه يطلب بعدها الأعراضا |
ما أقبلت يوما عليه بوجهها | إلا ويمنح قربها الإعراضا |
غيظ الأعادي كونه أسدا وقد | جعل الإله له الوقار غياضا |
كم قد شفى قلبا من الشبه التي | جعلته طول زمانه ممراضا |
وعظ به سيف الشريعة مصلت | وترى مهنا فضله فياضا |
تلقاه سارية الفتاوى في الورى | فيقلها لما غدا عرباضا |
وإذا الزمان أتى بخطب فادح | أبصرت قواما به نهاضا |
قسما بما أبدت يداه من ندى | حتى لقد ملأ الوفاض وفاضا |
لا حلت عن عهد الوفاء له وما | قلبي الذي يعتاد أن يعتاضا |
بئس الحياة أعيشها من بعده | من يرتضي الإضرام والأمراضا |
فسق ضريحا قد حواه سحابة | حملت وأثقلها الغمام مخاضا |
وقال الشيخ برهان الدين إبراهيم القيراطي
أمسى ضريحك موطن الغفران | ومحل وفد ملائك الرحمان |
حيا المهيمن منك روحا مذ علت | حييت بذاك الروح والريحان |
وتبوأت غرف الجنان وجوزيت | فيها على الإحسان بالإحسان |
وتلقيت بتحية وأتت لها | تحف الجنان على يدي رضوان |
واستبشرت بقدومها أملاكها | وسعى لها رضوان بالرضوان |
روح لها حور الجنان تشوقت | حبا لها كتشوق الولدان |
كانت لها الدنيا محلا أولا | والجنة العليا محلا ثان |
لا شيء بعدك يا علي من الورى | حسن بعين بصيرتي وعياني |
سقيا لمعهدك الذي قد شاقني | ومحل منزلك الذي أبكاني |
قبر عليه من العلوم مهابة | تبدو وأنس تلاوة القرآن |
ناديته فأجابني بعلومه | مستبشرا فكأنه ناداني |
من للمذاهب والمواهب عندما | يخشى ظهور الفقر والحرمان |
ومدارس العلم التي قد أصبحت | وكأنهم دواوس البنيان |
من بعد ما قد كان في أفلاكها | شمسا يشار لنحوها بنيان |
يأبى الجواب فما يراجع هيبة | والسائلون نواكس الأذقان |
ما خف فوق صراطه إلا وقد | ثقلت له الحسنات في الميزان |
في حالتي حفظ الشريعة والندى | سيف على الجاني وروض الجاني |
إن صال وقت البحث قلنا هكذا | فليفعل الأقران بالأقران |
إن أجريت مستنبطات علومه | وقف البرية موقف الإذعان |
كم شبهة كالليل يعدو لبسها | فيردها كالصبح بالبرهان |
أبكيك يوم تنازع الخصمين في | شك يحار بأمره الخصمان |
يا شمس طال الليل بعد مغيبها | كيف الصباح وأنت في الأكفان |
يا ثاني الفجرين بل يا ثالث القمرين | بل يا واحد الأزمان |
يمضي الجديد من الزمان وحزننا | باق على قدم الزمان الفاني |
قف بالقبور وناد فيها نادبا | من كان في شغل عن الحدثان |
أين الذين إذا هم عقدوا الحبى | حلوا بأرفع رتبة ومكان |
قوم إذا حضروا مجالس علمهم | حكمت عمائمهم على التيجان |
قم باكيا متأوها مسترجعا | لمصاب هذا العالم الرباني |
أعظم بيوم مصابه من مصرع | في مصر حل بسائر البلدان |
حبر له بالشام أعظم موقع | ساق العداء إلى شج حران |
أدى البريد نعيه فيها فيا | فضل الأصم على ذوي الآذان |
أعزز علي بأن أصوغ رثاء من | كان المديح لبابه من شاني |
أهدي إليه طيبات تحية | من عبده القاصي المحل الداني |
وأزور بالتسليم تربة قبره | متتابع العبرات والأشجان |
قبر لثمت تراه فتعرفت | في تربه الأنفاس عرف جنان |
لا زال عفو الله في أرجائه | هامي السحائب دائم الهملان |
وقال السيد الشريف الأديب الفاضل شهاب الدين الحسين بن محمد الحسيني موقع الدست الشريف بالأبواب الشريفة عفا الله عنه ورحمه
لقد حق بعد الدمع بالدم أن تبكي | عيون البرايا بعد قاضي الهدى السبكي |
وقد سفكت في تربه عبراتهم | وليس ملوما من بها كان ذا سفك |
مضى حبر هذا الدهر جادته رحمة | تروض قبرا جامع العلم والنسك |
وأغمد سيف بالشريعة مرهف | سطا بذوي العدوان والإثم والإفك |
وغاض ببطن الأرض بحر فضائل | يؤم هداه الوفد بالنحب والفلك |
يجيب سؤالا أو يجود لسائل | فمن يشك من جهل وفقر له يشك |
وزلزل طود الحكم من بعد ما علا | وفاق سماك الأفق مرتفع السمك |
حكى السلف الأخيار دينا وعفة | ومجموعه في العلم قد قل من يحكي |
فتاواه قد سارت لشرق ومغرب | وفي طيبة جدواه والحرم المكي |
وأحكامه في الخلق بالحق أيدت | وأقلامه في نصرة الدين كالبتك |
تملك أحرارا بأنعمه التي | قضت بولاء تابع سابق الملك |
وأدرك أوطارا من المجد والعلا | وفاز بحمد العرب والعجم والترك |
يعزى الإمام الشافعي بموته | وأصحابه كل له رزؤه منك |
علي بعدن سوف يرقى أرائكا | ويعطى الذي يرضيه من مالك الملك |
وبالروح والريحان روحك نعمت | وإن كان منك الجسم بالسقم في نهك |
خطبت لحكم الشام بعد تعين | له ولك العليا معينة الدرك |
وسيرة عدل سبع عشرة حجة | سريت وفي الأقطار شكرك كالمسك |
وكنت به سترا على كل أهله | ولم تك للعورات حاشاك ذا هتك |
وما زلت رحب الباع والصدر والفنا | تلقيت بالترحاب في المنزل الضنك |
ثكلت حسينا واحتملت لأجله | لواعج أحزان لنار الجوى تذكي |
مرضت شهورا فالأجور تضاعفت | كذا الذهب الإبريز يحسن بالسبك |
وسافرت حتى جئت بلدة مولد | وبادرت حكم الشام بالزهد والترك |
فغالك صرف ليس يمكن صرفه | وكم شمل الشبان والشيب بالفتك |
على كل مخلوق جرى حكمه الذي | براه على المملوك يمضي وفي الملك |
بكتك دمشق والشآم جميعه | وحق على الإسلام بعدك أن يبكي |
ستذكر عند المعضلات لكشفها | كمثل افتقاد البدر في الظلم الحلك |
فأف لدنيانا الدنية إنها | لتخدعنا بالمين والمكر والمحك |
فكم بعلي القدر صالت خطوبها | وكم من مشيد قد أعادته ذا دك |
وكم قد وهت بالنفس نفسا نفيسة | وكم طرقت بيتا بمر ذوي الدهك |
أرت غيرا بالغير نرمي بمثلها | ونحن كأنا من يقين على شك |
سبيل الردى حتم علينا سلوكه | وكل امرئ في قبضة الموت والهلك |
رثيتك يا قاضي القضاة لصحبة | قضت لي أن أبكي عليك وأستبكي |
وفاء عن الأطهار آلي ورثته | هداة البرايا هادمي ملة الشرك |
أعد السنين الأربعين وعهدها | أكيد فلا يمنى بفسخ ولا فك |
أبا حامد جددت عهدا بوالد | زكي له علم به رشد مستزك |
رأى من بنيه الغر عقد سيادة | وأنت حماك الله واسطة السلك |
ومتع تاج الدين صنوك رفعة | لسامي علام عنه سما خير محكي |
وقبري علي والحسين سقاكما | سحاب من الرضوان ليس بمنفك |
وقال ولده أحمد في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة وهو شهر الوفاة
أيا طالبا للعم والدين والفخر | رويدك لا ترحل لهن ولا تسر |
فإن الذي تبغيه غيب في الثرى | وأودى مع الأجداث في جانب القبر |
ألا في سبيل الله مصرع ماجد | تقي نقي طاهر علم حبر |
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 10- ص: 139
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي. تقي الدين أبو الحسن الفقيه الشافعي المفسر الحافظ الأصولي النحوي اللغوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي النظار البارع، شيخ الإسلام أوحد المجتهدين.
ولد بسبك من أعمال الشرقية في مستهل صغر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وحفظ «التنبيه» وقدم القاهرة فعرضه على القاضي تقي الدين بن بنت الأعز، وقرأ القراءات على التقي الصائغ، والتفسير على العلم العراقي، والحديث على شرف الدين الدمياطي، والفقه على والده، ثم على جماعة آخرهم ابن الرفعة، والأصول على العلاء الباجي، والنحو على أبي حيان، والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء الله وغيرهم، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم، وإسماعيل بن الطبال، وخلق، يجمعهم «معجمه» الذي خرجه له الحافظ شهاب الدين بن أيبك.
وبرع في الفنون وتخرج به خلق في أنواع العلوم.
وتفقه به جماعة من الأئمة، كالإسنوي، وأبي البقاء، وابن النقيب، وقريبه تقي الدين بن أبي الفتح وأولاده، وغيرهم.
وناظر، وأقر له الفضلاء، وولي قضاء دمشق بعد الجلال القزويني، في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين، فباشره بعفة ونزاهة على الوجه الذي يليق به ست عشرة سنة وشهرا، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، ولم يعارضه أحد من نواب الشام إلا قصمه الله.
وولي مشيخة الحديث الأشرفية، والشامية البرانية، والغزالية، والعادلية الكبرى، والأتابكية، والمسرورية، ودرس بكل منها، قال ولده: والذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ من المزي، ولا أورع من النووي، وابن الصلاح وقد خطب بجامع دمشق مدة طويلة.
قال ولده وأنشدني شيخنا الذهبي لنفسه إذ ذاك:
ليهن المنبر الأموي لما | علاه الحاكم البحر التقي |
شيوخ العصر أحفظهم جميعا | وأخطبهم وأقضاهم علي |
إن الولاية ليس فيها راحة | إلا ثلاث يبتغيها العاقل. |
حكم بحق أو إزالة باطل | أو نفع محتاج سواها باطل |
قلبي ملكت فما له | مرمى لواش أو رقيب |
قد حزت من أعشاره | سهم المعلى والرقيب |
يحييه قربك إن منن | ت به ولو مقدار قيب |
يا متلفي ببعاده | عنى أما خفت الرقيب |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 416
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام قاضي القضاة الحافظ العلامة البارع عالم الديار المصرية تقي الدين أبو الحسن القاضي زيد الدين السبكي المصري الشافعي المحدث مولده سنة ثلاث وثمانين وست مائة وسمع من أصحاب ابن باقا ومن الحافظ أبي محمد الدمياطي، ولحق بالإسكندرية يحيى بن الصواف، وبدمشق الموازيني، وابن مشرف.
وعني بالرواية أتم عناية.
وكان تام العقل متين الديانة مرضي الأخلاق طويل الباع في المناظرة قوي المواد جزل الرأي مليح التصنيف.
أخبرنا علي بن عبد الكافي الحافظ، بكفربطنا، بقراءتي، أنا يحيى بن أحمد، أنا محمد بن حماد.
ح وأخبرنا محمد بن الحسين، أنا ابن عماد، أنا ابن رفاعة، أنا الخلعي، أنا عبد الرحمن بن عمر، أنا أبو سعد بن الأعرابي، نا سعدان، نا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأوبر، عن أبي هريرة قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حافيا، وناعلا، وقائما، وقاعدا، وينصل عن يمينه، وعن شماله».
هذا حديث غريب، واسم أبي الأوبر: زياد الحارث، كوفي سماه يحيى بن معين
توفي قاضي القضاة....
سنة ست وخمسين وسبع مائة بالقاهرة، سامحه الله وعفا عنه في ليلة يسفر صباحها عن يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة من السنة بالقاهرة.
مكتبة الصديق، الطائف - المملكة العربية السعودية-ط 1( 1988) , ج: 2- ص: 34
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي الأنصاري الخزرجي السبكي والدي، قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن الشافعي. سمع بالإسكندرية من أبي الحسين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز ابن الصواف، وأبي القاسم عبد الرحمن بن مخلوف ابن جماعة، ويحيى بن محمد بن عبد السلام، وبالقاهرة من أبي الحسن علي بن نصر الله ابن الصواف، وأبي الحسن علي بن عيسى ابن القيم، وأبي الحسن علي بن محمد بن هارون الثعلبي، والحافظ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، وشهاب بن علي المحسني، والحسن بن عبد الكريم سبط زيادة، وموسى بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد العظيم ابن السقطي، ومحمد بن المكرم الأنصاري، ومحمد بن محمد بن عيسى الصوفي، ومحمد بن نصير ابن أمين الدولة، ويوسف بن أحمد المشهدي، وعلي بن نصير بن نبإ المقرئ، وعمر بن عبد العزيز بن الحسين بن رشيق، وأحمد ابن الشيخ شمس الدين ابن العماد، وأحمد بن عبد الرحمن بن درادة، وشهدة بنت عمر ابن العديم. ورحل إلى دمشق وسمع بها من ابن الموازيني، وابن مشرف، وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وأحمد بن محمد الدشتي، وعيسى بن عبد الرحمن المطعم، وإسحاق بن أبي بكر ابن النحاس، وسليمان بن حمزة، وفاطمة بنت سليمان الأنصاري، وفاطمة بنت البطائحي وجماعة.
وأجاز له من بغداد الرشيد بن أبي القاسم، وأخوه علي، وعلي بن ثامر بن حصين، وإسماعيل بن الطبال وجماعة.
وحدث بالقاهرة ودمشق؛ سمع منه الحافظان المزي والذهبي وغيرهما، وكتب بخطه، وقرأ بنفسه كثيرا، وحصل من الأجزاء الأصول والفروع، وسمع الكتب والمسانيد، وانتقى على بعض شيوخه، وعني بهذا الشأن، وعرض ’’التنبيه’’ وغيره على قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب العلامي ابن بنت الأعز، وتفقه وبرع في العلوم، وقرأ الأصلين على العلامة أبي الحسن علي بن محمد بن خطاب الباجي، والعربية على الأستاذ أبي حيان. وقرأ القراءات على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق ابن الصائغ. وتخرج في الحديث على الحافظ أبي محمد الدمياطي. ودرس، وأفتى، وناظر، وفاق على أقرانه، وظهر بالفضائل على أبناء زمانه، وشغل الناس بالعلم مدة، وانتفع به جماعة عدة.
وصنف تصانيف منها ’’تفسير القرآن العظيم’’ لم يكمله، و ’’الابتهاج في شرح المنهاج’’ لم يكمله، و ’’تكملة المجموع في شرح المهذب’’.
عمل منه مجلدات، و ’’شفاء السقام في زيارة خير الأنام’’، و ’’التحقيق في مسألة التعليق’’، و ’’فتاوى مجلدة’’، و ’’مناسك الحج’’، و ’’منتخب طبقات الفقهاء لابن الصلاح’’، و ’’تلخيص التلخيص’’ للخطيب، ومنتخب آخر منه، و ’’الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق’’، و ’’السهم الصائب في قبض دين الغائب’’ و ’’السيف المسلول على من سب الرسول’’، و ’’فصل المقال في هدايا العمال’’، و ’’أحكام كل وما عليه تدل’’، و ’’مسألة ضع وتعجل’’، و ’’منية الباحث في دين الوارث’’، و ’’الرياض الأنيقة في قسمة الحديقة’’، و ’’إبراز الحكم في حديث رفع القلم’’، و ’’بيع المرهون في غيبة المديون’’، و ’’عقود الجمان في عقود الرهن والضمان’’، و ’’القول الموعب في الحكم بالموجب’’، و ’’حسن الصنيعة في ضمان الوديعة’’، و ’’جزء في اعتراض الشرط على الشرط’’، و ’’كشف القناع في إفادة لو للامتناع’’، و ’’التهدي إلى معنى التعدي’’، و ’’مسألة ما أعظم الله’’، و ’’الدلالة على عموم الرسالة’’ و ’’الطوالع المشرقة في الوقف على طبعة بعد طبقة’’، و ’’كشف الغمة في ميراث أهل الذمة’’، و ’’بلغة الإشراق في أحكام الاشتقاق’’، و ’’الحديث المسلسل بالأولية’’، و ’’مناسخات بكتوت العلائي في الفرائض’’، و ’’المناقشات المصلحية’’، و ’’جواب سؤال على الشيخ عز الدين ابن عبد السلام’’، و ’’نقد كلام الجزري الخطيب’’، و ’’القراءة خلف الإمام’’، و ’’ضوء المصابيح في صلاة التراويح’’، وغير ذلك.
قال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي، تفقه على جماعة من الأئمة، وبرع في الأصول والفروع، وانتهى إليه الحفظ ومعرفة الأثر بمصر، وصنف التصانيف المحررة المطولة العديمة النظير، مع الدين والورع وحسن الطوية، والعقل التام، والتدين بالحديث.
وقال ولده سيدنا قاضي القضاة تاج الدين أسبغ الله ظله: أما أبي فذاك بحر خضم، وإمام تقتدي به الهداة وتأتم، وغمام خص فضله وعم، شيخ المسلمين في زمانه، والداعي إلى الله في سره وإعلانه، والمناضل عن الدين الحنيفي بقلمه ولسانه، أستاذ الأستاذين، وأحد المجتهدين، وخصم المناظرين، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم، والمشمر في رضى الحق وقد أضاءت النجوم، شافعي الزمان، وحجة الإسلام المنصوب من طريق الجنان، والمرجع إذا دجت مشكلة وغابت عن العيان، عباب لا تكدره الدلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، وباب للعلم في عصره، وكيف لا وهو علي الذي تمت به النعماء. وكان من الورع والدين وسلوك سبيل الأقدمين على سنن ويقين، إن الله مع المتقين، صادع بالحق لا يخاف لومة لائم، صادق في النية لا يختشي بطش ظالم، صابر وإن ازدحمت الضراغم، منوط به أمر المشكلات في دياجيها، مخطوط عن قدره السماء ودراريها، مبسوط قلمه ولسانه في الأمة وفتاويها. وكانت دعواته تخترق السبع الطباق، وتفترق بركاتها فتملأ الآفاق، وتسترق خبر السماء إذ رفعت على يد ولي لله، تفتح له أبوابها ذوات الإغلاق.
يد تلوح لأفواه تقبلها | وتستقل الثريا أن تكون فما |
وللمعاني الحسان الغر تكتبها | بأحسن الخط لما تمسك القلما |
وللعفاة لتوليهم عوائدها | فلا نرى الغيث شيئا لو وفى وهمى |
وللدعاء طوال الليل يرفعها | إلى الإله فيولينا بها النعما |
أعظم بها نعما كالبحر ملتطما | والغيث منسجما والجود منقسما |
من كان فوق محل البدر موضعه | فليس يرفعه شيء ولا يضع |
دار الغرب الإسلامي-ط 1( 2004) , ج: 1- ص: 277
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي تقى الدين أبو الحسن الشافعي
ولد أول يوم من صفر سنة 683 ثلاث وثمانين وستمائة وتفقه على والده ودخل القاهرة فاشتغل على ابن الرفعة وأخذ الأصلين عن القاضي والخلاف عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتفسير عن العلم العراقي والقراءات عن التقي الصايغ والحديث عن الدمياطى والتصريف عن ابن عطاء والفرايض عن الشيخ عبد الله العماري وطلب الحديث بنفسه ورحل فيه إلى الشام والإسكندرية والحجاز فأحذ عن الحفاظ وولى بالقاهرة تدريس المنصورية وغيرها وكان الأكابر من أركان الدولة يعظمونه ولما توفي القاضي جلال الدين القزويني بدمشق طلبه الناصر في جماعة ليختار منها من يقرره مكانه فوقع الاختيار على صاحب الترجمة فوليها في جمادى الآخرة سنة 739 فباشر القضاء بحرمة وعفة ونزاهة وأضيفت إليه الخطابة وولى التدريس بدار الحديث الأشرفية وطلب إلى القاهرة لتولية قضائها فبقي قليلا ولم يتم فأعيد وكان لا يقع له مسئلة مشكلة أو مستغربة إلا ويعمل فيها تصنيفاً وقد جمع مسائله ولده تاج الدين في أربعة مجلدات قال الصفدي ما تعرض له أحد من نواب الشام أو غيرهم إلا أصيب إما بعزل أو موت قال الأسنوي في الطبقات كان أنظر من رأيناه من أهل العلم ومن اجمعهم للعلوم وأحسنهم كلاما ما في الأشياء الدقيقة وأجلدهم على ذلك وكان في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان أحد الطلبة مواظبا على وظايف العبادات مراعياً لأرباب الفنون وتوفى رحمه الله في ثالث جمادى الآخرة سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة وله شعر جيد فمنه
إن الولاية ليس فيها راحة | إلا ثلاث يبتغيها العاقل |
حكم بحق أو إزالة باطل | أو نفع محتاج سواها باطل |
لعمرك إن لي نفسا تسامى | إلى مالم ينل دارا بن دارا |
فمن هذا أرى الدنيا هباء | ولا أرضى سوى الفردوس دارا |
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 467
السبكي
الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولي النحوي اللغوي الأديب المجتهد تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن
موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم
شيخ الإسلام إمام العصر ولد في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة
وأخذ الفقه عن ابن الرفعة والحديث عن الشرف الدمياطي والقراءات عن التقي الصائغ والأصلين والمعقول عن العلاء الباجي والخلاف والمنطق عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتصوف عن التاج بن عطاء
وسمع من ابن الصواف وعدة وأقبل على التصنيف والفتيا وصنف أكثر من مائة وخمسين مصنفاً وتصانيفه تدل على تبحره في الحديث وغيره وسعة باعه في العلوم وتخرج به فضلاء العصر وولي قضاء الشام بوفاة الجلال القزويني وخرج له الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أيبك الدمياطي
ولما توفي المزي عينت مشيخة دار الحديث الأشرفية للذهبي فقيل إن شرط واقفها أن يكون الشيخ أشعري العقيدة والذهبي متكلم فيه فوليها السبكي
قال ولده والذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه ولا أحفظ من المزي ولا أروع من النووي وابن الصلاح قال وليس بعد الذهبي والمزي أحفظ منه توفي بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 525
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام
بن يوسف بن موسى ابن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي نقى الدين وأبو الحسن.
الفقيه الشافعي، المفسر، الحافظ، الأصولى.
ولد مستهل صفر سنة 683 قرأ القرآن على التقى [بن] الصائغ والتفسير على العلم العراقي، والفقه على ابن الرفعة، والنحو على أبي حيان، والحديث على الشرف الدمياطي، ورحل، وسمع من أبي الحسن بن الصواف، وأبي جعفر الموازيني، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم، وإسماعيل بن الطبال، وبرع في الفنون.
توفي سنة 756.
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 3- ص: 0
علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد
بن يحيى بن محمد بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوارى بن سليم السبكي العلامة.
ذو الفنون، تقى الدين أبو الحسن بقية العلماء، ولد في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة بسبك من أعمال المنوفية، وتفقه في صغره على والده، ثم على جماعة منهم ابن الرفعة، وقرأ الفرائض على الشيخ عبد اللَّه الغمارى المالكي، والأصلين على العلاء الباجى، والخلاف على السيف البغدادي، والنحو على أبي حيان، والحديث على الدمياطى، والتفسير على العلم العراقي، والقراءات على ابن الصائغ، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء اللَّه، ورحل إلى الإسكندرية عام أربع وسبعمائة، ثم رحل إلى الشام فسمع بها وناظر وسمع بالقدس وغيرها، ثم عاد إلى مصر فاشتغل ودرس بالقبة المنصورية، والكهارية، وتولى ميعاد جامع ابن طولون وغيره، وحج سنة ست عشرة، ورد على ابن تيمية في مسألة الطلاق، والزيارة، وشرع في التفسير، وتكملة شرح المهذب، وعمل منها قطعة، وشرح من منهاج النووى إلى الطلاق في قطعة كبيرة، وله غير ذلك من التصانيف، ثم تولى قضاء الشام بعد وفاة القاضي جلال الدين في تاسع عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وجلس للتحديث بالكلابية، وسمع عليه معجمه بحضرة المزى والذهبي وغيرهما، ودرس بعد وفاة المزى بدار الحديث الأشرفية وبعده ابن النقيب بالشامية البرانية، ثم نزل على القضاء لولده تاج الدين، ثم نزح إلى مصر واجتمعت به إذ ذاك فأقام بها دون العشرين يوماً، ثم مات بشاطئ النيل في ليلة يسفر صباحها عن يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة من سنة ست، وخمسين وسبعمائة، وصلى عليه بباب النصر، ودفن بمقابر الصوفية.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1