التصنيفات

طقزتمر بضم الطاء المهملة والقاف وسكون الزاي وفتح التاء ثالثة الحروف وضم الميم وبعدها راء: الأمير الكبير المقدم سيف الدين الناصري.
كان أمير مئة مقدم ألف، قديم الهجرة في دولة الناصر، معظما فيها يشار إليه بالأصابع، وتعقد عليه الخناصر، كثير الأدب والحياء، عديم المحاباة والرياء، لم يكن يتحيز في أيام أستاذه إلى فئة قط، ولم يمتد له لسان فضول فيحتاج لقط، لا جرم أنه تقدم من تقدم وتأخر، وسبق من سبق وعثر، وهو في ميدانه إمام البرق المتألق في السحاب المسخر، وحصل الأملاك العتيده، وأصل الأموال العديده، ولم يكن أحد يضاهيه، ولا يظاهره ولا يضافيه. صاهر ملكين، وظواهر بعلو مجده فلكين، ونص السلطان على أنه يكون بعده بمصر نائبا، ثقة منه أن الزمان يجيء إليه من الذنوب تائبا، وناب بمصر وحماة وحلب ودمشق، وأعمل أقلامه في العلائم بالمد والمشق.
ولم يزل على حاله إلى أن لفته الأرض في ملاءتها وصحنته المنية في صلاءتها.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في تاسع جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبع مئة.
وكان الأمير سيف الدين طقزتمر أولا مملوك المؤيد صاحب حماة، وقدمه للسلطان، وأقبل عليه، وقدمه، وأمره، وما كان يعد نفسه في بيت السلطان إلا غريبا، لأنه لم يكن له خوشداش يعتضد به. ولم يزل كبيرا معظما من طبقة أرغون ومن بعده إلى آخر وقت، تقلبت عليه ثلاث أربع طبقات وراحت، وهو على حاله، لم يتغير عليه السلطان قط.
وهو الذي ينسب إليه حكر طقزتمر ظاهرة القاهرة، وفيه الحمام المليح، وله الربع الذي برا باب زويلة، وكان أولا يعرف بدار التفاح، وله غير ذلك.
وزوج السلطان ابنته بابنه الملك المنصور أبي بكر، وتزوج ابنته الأخرى الملك الصالح إسماعيل، وجاء في خطبتها إلى دمشق الأمير سيف الدين ملكتمر الحجازي، وأوصى السلطان بأن يكون بعده نائبا، فلما أحضر له المنصور التشريف بالنيابة اقتنع، فقال له: كنت امتنعت لما وصى السلطان بذلك ؟ ولم يزل بمصر نائبا ذينك الشهرين مدة سلطنة أبي بكر إلى أن جرى ما جرى وخلع.
ولما تولى الأشراف كجك طلب طقزتمر نيابة حماة، فأمروا له بها، وكان بها إذ ذاك الملك الأفضل محمد بن المؤيد، فأخرج الأفضل من حماة إلى دمشق، وحضر طقزتمر إلى حماة نائبا، فهو أول من خرج إليها نائبا بعد صاحبها الأفضل. ولقد سمعت الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب دمشق يقول في دار عدله، وقد جاء الخبر بذلك: كل شيء تزرعه تحصده، إلا ابن آدم إذا زرعته حصدك، هذا طقزتمر مملوك بيت أصحاب حماة قدموه لأستاذنا، وزرعوه بذلك فحصدهم، وأخرجهم منها.
ولم يزل بحماة مقيما إلى أن تحرك طشتمر في حلب، وسأله أن ينضم إليه، فتوجه إليه إلى بعض الطريق، ولما خرج ألطنبغا من دمشق وعلم بذلك أرسل إليه، فعاد من أثناء الطريق إلى حماة ولما بلغ طشتمر ذلك ضعفت نفسه، وهرب إلى بلاد الروم - كما تقدم - ولم يزل طقزتمر بحماة إلى أن بلغه وصول الفخري إلى دمشق، ونزوله على خان لاجين، فأرسل إليه، فحضر إلى عنده، وقوي جأش الفخري بذلك، ولم يزالا على خان لاجين إلى أن حضر ألطنبغا، وهرب، ودخل الفخري وطقزتمر إلى دمشق، وتوجه هو والأمير بهاء الدين أصلم وغيرهما من الأمراء الكبار إلى الناصر أحمد بالكرك، ليحضر إلى دمشق، فامتنع من الحضور، ثم إنه توجه مع العساكر الشامية إلى مصر، وأقام بمصر إلى أن جرى للناصر أحمد ما جرى. وتسلطن الصالح إسماعيل، ورسم للأمير سيف الدين طقزتمر بنيابة حلب، ونقل الأمير علاء الدين أيدغمش منها إلى نيابة دمشق، وتوجه كل منهما لمحل نيابته، والتقيا على القطيفة.
ولما توفي الأمير علاء الدين أيدغمش، رسم لطقزتمر بنيابة دمشق، ونقل الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني من نيابة حماة إلى حلب، وحضر الأمير سيف الدين طقزتمر إلى دمشق، ودخلها في نصف شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وأقام بها نائبا إلى أن توفي الملك الصالح إسماعيل وتولى الملك الكامل شعبان، وحضر الأمير سيف الدين بيغرا، وحلف عسكر الشام له، وجاء معه تشريف باستقراره في النيابة على حاله بدمشق. وبعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام ورد الأمير بيبغاروس، ليحضر إلى مصر، ويكون بها نائبا عوضا عن الأمير سيف الدين ألملك، فلم تطب نفسه للخروج من دمشق، ومرض، وحصل له فالج وعدم نطق، وكتب مطالعة، واستعفى فيها من التوجه إلى مصر، وأن يكون مقيما بدمشق، وكتب إلى الأمراء، ودخل عليهم، وتشفع إليهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالخليل - عليه السلام -، ثم إن جماعته خوفوه عقبى ذلك، فوجد من نفسه خفة، وجهز الأمير فخر الدين أياز الحاجب على البريد يسأل الحضور إن كان ولا بد في محفة لعجزه عن ركوب الفرس، ففرح السلطان بذلك، وخلع على فخر الدين أياز، وحضر بعده ثانيا الأمير سيف الدين بيبغاروس لطلبه، فخرج في محفة، وهو متثاقل مرضا يوم السبت خامس جمادى الأولى، ووجد نشاطا في الطريق.
ولما وصل إلى بلبيس سير ولده أمير حاج وأستاذ داره قشتمر يسألان له الإعفاء من النيابة، فأجيب إلى ذلك، ودخل إلى بيته، ولم يطلع إلى القلعة، وأقام في القاهرة ثلاثة أيام وقيل خمسا، وتوفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور.

  • دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 610