الملك الناصر محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي، ابو الفتح: من كبار ملوك الدولة القلاوونية. له آثار عمرانية ضخمة وتاريخ خافل بحلائل الاعمال. كانت اقامته في طفولته بدمشق، وولي سلطنة مصر والشام سنة 683هـ ، وهو صبي، وخلع منها لحداثته سنة 694 فارسل إلى الكرك. واعيد للسلطنة بمصر سنة 698 فاقام في القلعة كالمحجوز عليه، والاعمال في يد الاستادار الامير سلار. واستمر نحو عشرين سنة ضاق بها صدره من تكمهما، فاظهر العوم على الحج، وتوجه بعائلته وحاشيته ومماليكه وخيله، فودعه بيبرس وسلار بقية الامراء وهم على خيولهم لم يترجلوا له، وبلغ الكرك فنزل بقلعتها واستولى على ما ما فيها من اموال، واعلن انه قد انثنى عزمه عن الحج واختار الاقامة بالكرك وترك السلطنة. . وكتب إلى الامراء في مصر بذلك فاجتمع هؤلاء ونادوا بالامير بيرس الجاشنكير سلطانا على مصر والشام (سنة 708) ولقبوه بالملك المظفر. وامضى الناصر في الكرك قريبا من عام، ثم وثب، فدخل دمشق، وزحف إلى مصر فقاتل المظفر بيبرس بيده خنقا، وشرد انصاره، وامتلك قيادة فخطب له بمصر وطرابلس الغرب والشام والحجاز والعراق وديار بكر والروم وغيرها، وانته هدايا ملوك المغرب والهند والصين والحبشة والتكرور والنوبة والترك والفرنج، وابطل مكوسا كثيرة، واستمر 32 سنة وشهرين و25 يوما كانت له فيها سير وانباء اوردها المقريزي في مجلد ضخم. واحدث من العمران ما ملأ ذكره صفحتين من كتاب المقريزي. ومما بقي من آثاره بمصر: الترعة المعروفة اليوم بالمحمودية، وتجديد القلعة، والخليج الناصري من خارج القاهرة إلى سرياقوس. واقتدي به امراء دولته، فاستمرت حركة العمران طول حياته. وجيء بكبار المهندسين والبنائين من سورية وغيرها. وكان غاية في الكرم، قيل: وهب في يوم واحد ما يزيد على مئة الف دينار ذهبا. واولع بكرائم الخيل فكان في اسطبلاته بعد وفاته 4800 فرس. وكان وقورا مهيبا، لم يضبط عليه احد انه اطلق لسانه بكلام فاحش في شدة غضبه ولا انبساطه، يدعو رجاله باجل القابهم، ويكره الاقتداء بمن تقدمه من الملوك، ولايحتمل ان يذكر عنده ملك. ومع مبالغته في الحرص على الا ينسب اليه ظلم او جور، ففي المؤرخين من يأخذ عليه كثيرا من الشدة في سياسته. توفي بالقاهرة.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 7- ص: 11