ابن العربي محمد بن علي بن محمد ابن العربي، ابو بكر الحاتمي الطائي الاندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الاكبر: فيلسوف، من ائمة المتكلمين في كل علم. ولد في مرسية (بالاندلس) وانتقل إلى اشبيلية. وقام برحلة، فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز. وانكر عليه أهل الديار المصرية (شطحات) صدرت عنه، فعمل بعضهم على اراقة دمه، كما اريق دم الحلاج واشباهه. وحبس، فسعى في خلاصه علي بن فتح البجلئي (من أهل بجاية) فنجا. واستقر في دمشق، فتوفي فيها. وهو، كما يقول الذهبي: قدوة القائلين بوحدة الوجود. له نحو اربعمائة كتاب ورسالة، منها (الفتوحات الكية -ط) عشر مجلدات، في التصوق وعلم النفس، و (محاضرة الابرار ومسامرة الاخيار -ط) في الادب، مجلدان، و (ديوان شعر -ط) اكثره في التصوف، و (فصوص الحكم -ط) و (مفاتيح الغيب -ط) و (التعريفات -ط) و (عنقاء مغرب -ط) تصوق، و (الاسرا إلى المقام الاسرى -خ) و (التوقيعات -خ) و (ايام الشان -خ) و (مشاهد الاسار القدسية -خ) و (انشاء الدوائر -ط) و (الحق -خ) و (القطب والنقباء -خ) و (كنه مالابد للمريد منه -ط) و (الوعاء المختوم -خ) و (مراتب العلم الموهوب -خ) و (العظمة -خ) و (الامام المبين -خ) و (مواقع النجوم ومطالع اهلة الاسرار والعلوم -ط) و (مرآة المعاني -خ) و (التجليات الالهية -خ) و (روح القدس -ط) و (درر السر الخفي -خ) و (الاحدية -خ) و (الانوار -ط) في اسرار الخلوة، و (شجرة الكون -ط) و (شجون السجون -خ) و (فتح الذخائر والاغلاق شرح ترجمان الاشراق -ط) و (منهاج التراجم -خ) و (عقلى المستوفز -ط) و (مقام الفربى -خ) و (شرح اسماء الله الحسنى -خ) و (حلية الابدال -خ) و (اوراد الايام والليالي -خ) و (اللمعة النورانية -خ) و (القربة -خ) و (شق الجيب -خ) و (التجليات -ط) و (الشواهد -خ) و (تحرير البيان في تقرير شعب الايمان -خ) و (مراتب التقوى -خ) و (الصحف الناموسية -خ) و (مئة حديث وواحد قدسية -خ) و (تصوير آدم على صور الكمال -خ) و (فهرست مؤلفاته -خ) و (اليقين -خ) و (الاصوب والضوابط -خ) و (تلقيح الاذهان -خ) و (الحجب -خ) و (مرآة العارفين -خ) و (المعول عليه -خ) و (التدبيرات الالهية في المملكة الانسانية -ط) و (الاربعون صحيفة من الاحاديث القدسية -ط). وكتب عنه كثيرون قدحا ومدحا، ولطه عبد الباقي سرور (محيي الدين ابي عربي -ط) في سيرته.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 281

الشيخ محيي الدين ابن عربي محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الشيخ محيي الدين أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي المعروف بابن عربي صاحب المصنفات في التصوف وغيره.
ولد في شهر رمضان سنة ستين وخمس مائة بمرسية. ذكر أنه سمع بمرسية من ابن بشكوال وبإشبيلية وبمكة كتاب الترمذي وسمع بدمشق وبغداذ.
وسكن الروم يقال: أنه ركبه صاحب الروم يوما، فقال: هذا بدعوة الأسود، فسئل عن ذلك فقال: خدمت بمكة بعض الصلحاء فقال يوما: الله يذل لك أعز خلقه، أو كما قال. وقيل: إن صاحب الروم أمر له بدار تساوي مائة ألف درهم على ما قيل فلما كان يوما قال له بعض السؤال: شيء لله! فقال: ما لي غير هذه الدار خذها لك! قال ابن مسدى في جملة ترجمته: كان ظاهري المذهب في العبادات باطني النظر في الاعتقادات وكتب لبعض الولاة ثم حج ولم يرجع إلى بلده وروى عن السلفي بالإجازة العامة وبرع في علم التصوف وله فيه مصنفات كثيرة ولقي جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه.
قال الشيخ شمس الدين: قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام: هذا شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا، هكذا حدثني شيخنا ابن تيمية الحراني به عن جماعة حدثوه عن شيخنا ابن دقيق العيد أنه سمع الشيخ عز الدين يقول ذلك، وحدثني بذلك المقاتلي ونقلته من خط أبي الفتح ابن سيد الناس أنه سمعه من ابن دقيق العيد انتهى.
قلت: وقفت على كتابه الذي سماه الفتوحات المكية لأنه صنفه بمكة وهو في عشرين مجلدة بخطه فرأيت أثناءه دقائق وغرائب وعجائب ليست توجد في كلام غيره وكأن المنقول والمعقول ممثلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها متى أراد أتى بالحديث أو الأمر ونزله على ما يريده وهذه قدرة ونهاية إطلاع وتوقد ذهن وغاية حفظ وذكر ومن وقف على هذا الكتاب علم قدره وهو من أجل مصنفاته.
وأخبرني الشيخ فتح الدين إجازة ومن خطه نقل قال: سمعت شيخنا الإمام أبا الفتح القشيري يقول: سألت الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عن الشيخ أبي بكر ابن العربي فقال: شيخ سوء كذاب مقبوح يقول بقدم العالم ولا يرى تحريم الفرج، فسألته عن كذبه فقال: كان ينكر تزويج الإنس بالجن ويقول: الجن روح لطيف والإنس جسم كثيف لا يجتمعان، ثم زعم أنه تزوج امرأة من الجن وأقامت معه مدة ثم ضربته بعظم جمل فشجته وأرانا شجة بوجهه وبرئت.
وسمعته يقول: خرج ابن العربي وابن سراقة من باب الفراديس فقال ابن العربي: بعد كذا وكذا ألف سنة يخرج ابن العربي وابن سراقة من هذا الباب على هذه الهيئة انتهى. وقد ذكر فيه في المجلدة الأولى عقيدته فرأيتها من أولها إلى آخرها عقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ليس فيها يخالف رأيه، وكان الذي طلبها مني بصفد وأنا بالقاهرة فنقلتها أعني العقيدة لا غير في كراسة وكتبت عليها:

ولم أكن وقفت على شيء من كلامه ثم إني وقفت على فصوص الحكم التي له فرأيت فيها أشياء منكرة الظاهر لا توافق الشرع وما فيه شك أنه يحصل له ولأمثاله حالات عند معانات الرياضات في الخلوات يحتاجون إلى العبارة عنها فيأتون بما تقصر الألفاظ عن تلك المعاني التي لمحوها في تلك الحالات، فنسأل الله العصمة من الوقوع فيما خالف الشرع، قال الشيخ شمس الدين: وله توسع في الكلام وذكاء وقوة خاطر وحافظة وتدقيق في التصوف وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحه في كلامه وشعره -لعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته- فيرجى له الخير انتهى.
قال الشيخ قطب الدين اليونيني في ذيله على المرآة: وكان يقول: اعرف الاسم الأعظم واعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب، وكانت وفاته بدمشق في دار القاضي محيي الدين وغسله الجمال ابن عبد الخالق ومحيي الدين وكان العماد ابن النحاس يصب عليه وحمل إلى قاسيون ودفن بتربة القاضي محيي الدين في الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وست مائة انتهى.
مولده سنة ستين وخمس مائة بمرسية من الأندلس.
ومن تصانيفه: الفتوحات المكية عشرون مجلدة والتدبيرات الإلهية وفصوص الحكم وعمل ابن سودكين عليها شيئا سماه نقش الفصوص وهو من تلك المادة والإسراء إلى المقام الأسرى نظما ونثرا وخلع النعلين والأجوبة المسكتة عن سؤالات الحكيم الترمذي ومنزل المنازل الفهوانية وتاج الرسائل ومنهاج الوسائل وكتاب العظمة وكتاب السبعة وهو كتاب الشأن والحروف الثلاثة التي انعطفت أواخرها على أوائلها والتجليات ومفاتيح الغيب وكتاب الحق ونسخة الحق ومراتب علوم الوهب والإعلام بإشارات أهل الإلهام والعبادات والخلوة والمدخل إلى معرفة الأسماء كنه ما لا بد للمريد منه والنقباء وحلية الأبدال والشروط فيما يلزم أهل طريق الله تعالى من الشروط وأسرار الخلوة وعقيدة أهل السنة والمقنع في إيضاح السهل الممتنع وإشارات القرآن وكتاب الهو والأحدية والاتحاد العشقي والجلالة والأزل والقسم وعنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب والتنزلات الموصلية والشواهد ومناصحة النفس واليقين وتاج التراجم والقطب والإمامين رسالة الانتصار والحجب والأنفاس العلوية في المكاتبة وترجمان النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم والموعظة الحسنة والمبشرات وخطبة ترتيب العالم والجلال والجمال ومشكاة الأنوار فيما روي عن الله من الأخبار وشرح الألفاظ التي اصطلحت عليها الصوفية ومحاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار خمس مجلدات.
وحكي لي أنه ذكر للشيخ تقي الدين ابن تيمية أن في دمشق إنسانا -أظنه قيل لحام- يرد كلام ابن عربي بالتأويل إلى ظاهر الشرع ويوجه خطأه فطلبه فلم يحضر إليه فلما كان في بعض الأيام قدر الله الجمع بينهما فقيل له: هذا فلان، فقال له: بلغني عنك كذا وكذا؟ فقال: هو ما بلغك، فقال: كيف نعمل في قوله خضت لجة بحر الأنبياء وقوف على ساحله؟ فقال: ما في ذا شيء يعني أنهم واقفون لإنقاذ من يغرق فيه من أممهم، فقال له: هذا بعيد، فقال: وإلا الذي تفهمه أنت ما هو المقصود، أو كما قيل.
وقال الشيخ محيي الدين ابن العربي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله أيما أفضل الملك أو النبي؟ فقال: الملك، فقلت يا رسول الله أريد على هذا دليلا إذا ذكرته عنك أصدق فيه، فقال: ما جاء عن الله تعالى أنه قال: ’’من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه’’.
وعلى الجملة فكان رجلا عظيما والذي نفهمه من كلامه حسن بسن والذي يشكل علينا نكل علمه إلى الله وما كلفنا اتباعه ولا العمل بكل ما قاله.
وقد عظمه الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني رحمه الله تعالى في مصنفه الذي عمله في الكلام على الملك والنبي والشهيد والصديق وهو مشهور فقال في الفصل الثاني في فضل الصديقية: وقال الشيخ محيي الدين ابن العربي البحر الزاخر في المعارف الإلهية، وذكر من كلامه جملة ثم قال آخر الفصل: إنما نقلت كلامه وكلام ما جرى مجراه من أهل الطريق لأنهم أعرف بحقائق هذه المقامات وأبصر بها لدخولهم فيها وتحققهم بها ذوقا والمخبر عن الشيء ذوقا مخبر عن عين اليقين فاسأل به خبيرا انتهى.
ومن شعره:
ومن شعره أورده ابن أنجب في كتاب لطائف المعاني:
قال ابن النجار: اجتمعت به بدمشق في رحلتي إليها وكتبت عنه من شعره ونعم الشيخ هو، ذكر لي أنه دخل بغداذ سنة احدى وست مائة فأقام بها اثني عشر يوما ثم دخلها ثانيا حاجا من مكة مع الركب سنة ثمان وست مائة. وأورد له:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 4- ص: 0

ابن عربي محيي الدين اسمه محمد بن علي، ولده سعد الدين محمد بن محمد، أخوه عماد الدين محمد بن محمد

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 19- ص: 0

ابن العربي العلامة صاحب التواليف الكثيرة، محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي، الحاتمي، المرسي، ابن العربي، نزيل دمشق.
ذكر أنه سمع من: ابن بشكوال، وابن صاف، وسمع بمكة من: زاهر ابن رستم، وبدمشق من: ابن الحرستاني، وببغداد. وسكن الروم مدة، وكن ذكيا كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة. ومن أردإ تواليفه كتاب ’’الفصوص’’، فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه بالله!
وقد عظمه جماعة، وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا، أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي: شيخ سوء، كذاب، يقول يقدم العالم، ولا يحرم فرجا.
قلت: إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت، فقد فاز، وما ذلك على الله بعزيز. توفي في ربيع الآخر، سنة ثمان وثلاثين وست مائة.
وقد أوردت عنه في ’’التاريخ الكبير’’. وله شعر رائق، وعلم وساع، وذهن وقاد، ولا ريب أن كثيرا من عباراته له تأويل إلا كتاب ’’الفصوص’’!
وقرأت بخط ابن رافع أنه رأى بخط فتح الدين اليعمري: أنه سمع ابن دقيق العيد يقول: سمعت الشيخ عز الدين، وجرى ذكر ابن العربي الطائي فقال: هو شيخ سوء مقبوح كذاب.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 310

محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن العربي الحاتمي. الصوفي الفقيه الظاهري، المحدث، من ولد عبد الله بن حاتم أخي عدي ابن حاتم.
ولد بمرسية في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة.
وسمع بقرطبة من الحافظ أبي القاسم خلف بن بشكوال، وغيره.
وبإشبيلية من أبي بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي، وقرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع، وبكتاب «الكافي» لأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيني المقرئ في مذاهب القراء السبعة المشهورين، وحدثه به عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني عن أبيه.
وقرأ أيضا بالكتاب المذكور على أبي القاسم عبد الرحمن بن غالب الشراط القرطبي، وحدثه به عن ابن المؤلف.
وسمع على قاضي مدينة فاس أبي محمد عبد الله التادلي كتاب «التبصرة» في مذاهب القراء السبعة، لأبي محمد مكي بن أبي طالب المقرئ عن أبي بحر سفيان عن المؤلف.
وسمع على القاضي أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي جمرة كتاب «التيسير» في مذاهب القراء السبعة لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني عن أبيه عن المؤلف، وسمع على القاضي أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون الأنصاري، وعلى أبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الإشبيلي، وعلى عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني. وعلى يونس بن أبي الحسن العباسي نزيل مكة، وعلى المكين بن شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني إمام المقام، وعلي بن البرهان نصر بن أبي الفتوح بن علي وسالم ابن رزق الله الأفريقي، ومحمد بن أبي الوليد بن أحمد بن شبل، وأبي عبد الله ابن عيشون.
وأجازه جماعة كثيرة منهم الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، وأبو الطاهر السلفي، وأبو الفرج بن الجوزي.
وقدم إلى مصر. وأقام بالحجاز مدة. ودخل بغداد والموصل وبلاد الروم، ومات بدمشق في ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة، ودفن بسفح قاسيون.
قال ابن الأبار: من أهل إشبيلية، وأصله من سبتة.
وقال أبو جعفر بن الزبير: أظنه من أهل المرية.
وقال ابن النجار: أقام بإشبيلية إلى سنة ثمان وتسعين، ثم دخل بلاد المشرق.
وقال ابن الأبار: أخذ عن مشيخة بلده، ومال إلى الآداب، وكتب لبعض الولاة، ثم رحل إلى المشرق حاجا، فأدى الفريضة ولم يعد بعدها إلى الأندلس.
وقال أبو محمد المنذري: ذكر أنه سمع بقرطبة من أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وجماعة سواه، وسمع بإشبيلية من أبي بكر محمد بن خلف بن صاف، وأنه سمع بمكة وبغداد والموصل وغيرها من جماعة، وطاف البلاد، وسكن بلاد الروم مدة، وجمع مجاميع في الطريقة.
وقال ابن الأبار: وسمع الحديث من أبي القاسم الحرستاني، وسمع «صحيح مسلم» مع شيخنا أبي الحسن بن أبي نصر في شوال سنة ست وستمائة، وكان يحدث بالإجازة العامة عن السلفي ويقول بها، وبرع في علم التصوف، وله في ذلك مصنفات جليلة طويلة كثيرة، لقيه جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه.
وقال أبو جعفر بن الزبير: وجال في بلاد المشرق، وأخذ في رحلته، وألف في التصوف وما يرجع إليه، وفي التفسير وفي غير ذلك، تواليف لا يأخذها الحصر منها «الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل»، وكتاب «كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى» وكتاب «الإعلام بإشارات أهل الإلهام» إلى ذلك، وله شعر وتصرف في فنون من العلم، وتقدم في علم الكلام والتصوف.
وقال ابن الدبيثي: قدم بغداد في سنة ثمان وستمائة، وكان يومأ إليه بالفضل والمعرفة، والغالب عليه طريق أهل الحقيقة، وله قدم في الرياضة والمجاهدة، وكلام على لسان أهل التصوف، ورأيت جماعة يصفونه بالتقدم والمكانة عند جماعة من أهل هذا الشأن بدمشق، وبلاد الشام والحجاز، وله أصحاب وأتباع، ووقفت له على مجموع من تأليفه وقد ضمنه منامات رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سمعه منه، ومنامات قد حدث بها عمن رآه صلى الله عليه وسلم، فكتب عني شيئا من ذلك، وعلقت عنه منامين فحسب.
وقال ابن النجار: وكان قد صحب الصوفية، وأرباب القلوب، وسلك طريق الفقر، وحج وجاور، وصنف كتبا في علوم القوم، وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادها، وله أشعار حسنة، وكلام مليح، اجتمعت به بدمشق في رحلتي إليها. وكتبت عنه شيئا من شعره، ونعم الشيخ هو: ذكر لي أنه دخل بغداد في سنة إحدى وستمائة، فأقام بها اثني عشر يوما، ثم دخلها ثانيا حاجا مع الركب في سنة ثمان وستمائة.
وأنشدني لنفسه:

وسألته عن مولده فقال: في ليلة الاثنين سابع عشر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية من بلاد الأندلس.
وقال ابن مسدي: وكان يلقب بالقشيري، لقب غلب عليه لما كان يشير من التصوف إليه، وكان جميل الجملة والتفصيل، محصلا لفنون العلم أخص تحصيل، وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق، والتقدم الذي لم يسبق.
سمع ببلده من أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون القاضي، ومن الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله بن الجد، وأبي الوليد جابر بن أبي أيوب الحضرمي.
وبسبتة من أبي محمد بن عبيد الله، وقدم عليه إشبيلية أبو محمد عبد المنعم بن محمد الخزرجي فسمع منه، وأبو جعفر بن مضاء واختص بنجبة بن يحيى، فقرأ عليه القرآن بالروايات.
وسمع بمرسية من القاضي أبي بكر بن أبي جمرة، وغيره، وذكر أنه لقي عبد الحق بن عبد الرحمن ببجانة وفي ذلك نظر.
وذكر الشيخ محيي الدين في إجازته للملك المظفر غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ما معناه أو نصه، ومن شيوخنا المحدث أبو محمد عبد الحق بن عبد الله الأزدي الإشبيلي رحمه الله حدثني بجميع مصنفاته في الحديث، وعين لي من أسمائها «تلقين المبتدي» و «الأحكام الصغرى» و «الوسطى» و «الكبرى» وكتاب «التهجد» وكتاب «العاقبة» ونظمه ونثره، وحدثني بكتب الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه.
وذكر الشيخ محيي الدين: أن الحافظ السلفي أجاز له، وأحسبها الإجازة العامة.
وله تواليف، وكان مقتدرا على الكلام ولعله ما سلم من الكلام.
وكان رحمه الله ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات.
قال ابن النجار: توفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق، ودفن يوم الجمعة بجبل قاسيون، واتفق أنه لما أقام ببلاد الروم ركبه ذات يوم الملك وقال: هذا بدعوة الأسود،
فسئل عن ذلك، فقال: خدمت بمكة بعض الصلحاء، فقال لي يوما: الله يذل لك أعز خلقه، وأمر له ملك الروم مرة بدار تساوي مائة ألف درهم، فلما نزل بها وأقام بها مر به في بعض الأيام سائل، فقال له: شيء لله، فقال: ما لي غير هذه الدار، خذها لك، فتسلمها السائل وصارت له.
وقد نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، أنه قال عن ابن العربي: هذا شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يرى تحريم فرج، وأنه سئل عن كذبه، فقال: كان ينكر تزويج الإنس بالجن، ويقول: الجن روح لطيف، والإنس جسم كثيف لا يجتمعان، ثم زعم أنه تزوج امرأة من الجن وأقامت معه مدة ثم ضربته بعظم جمل فشجته، وأرانا شجة بوجهه وقد برئت.
ويقال أيضا إنه خرج هو وابن سراقة العامري من باب القراديس بدمشق، فقال: بعد كذا وكذا ألف سنة، يخرج ابن العربي وابن سراقة من هذا الباب على هذه الهيئة.
وقال في حقه شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي: له توسع وذكاء، وقوة خاطر، وحافظة، وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، لولا شطحه في كلامه وشعره، ولعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته، فيرجى له الخير.
وقال القطب اليونيني في ذيل «مرآة الزمان» عن ابن عربي، وكان يقول: أعرف الاسم الأعظم، وأعرف الكيمياء.
وحكى ابن سودكين عنه: أنه كان يقول: ينبغي للعبد أن يستعمل همته في الحضور في مناماته، بحيث يكون حاكما على خياله يصرفه بعقله نوما، كما كان يحكم عليه يقظة، فإذا حصل للعبد هذا الحضور وصار خلقا له، وجد ثمرة ذلك في البرزخ، وانتفع به جدا، فليهتم العبد بتحصيل هذا القدر، فإنه عظيم الفائدة بإذن الله.
وقال: إن الشيطان ليقنع من الإنسان بأن ينقله من طاعة إلى طاعة ليفسخ عزمه بذلك.
وقال: ينبغي للسالك متى خطر له أن يعقد على أمر، أو يعاهد الله تعالى عليه، أن يترك ذلك الأمر إلى أن يجيء وقته، فإن يسر الله فعله فعله، وإن لم ييسر الله فعله، يكون مخلصا من نكث العهد، ولا يتصف بنقض الميثاق.
وقال: بلغني في مكة عن امرأة من أهل بغداد، أنها تكلمت في بأمور عظيمة، فقلت: هذه جعلها الله سببا لخير وصل إلي فلأكافئنها، وعقدت في نفسي أن أجعل جميع ما أعتمر في رجب يكون لها وعنها، ففعلت ذلك، فلما كان الموسم استدل علي رجل غريب. فسأله الجماعة عن قصده. فقال:
رأيت بالينبع في الليلة التي بت فيها، كأن آلافا من الإبل، أوقارها المسك والعنبر والجوهر، فعجبت من كثرته ثم سألت لمن هو؟ فقيل: هو لمحمد بن عربي، يهديه إلى فلانة، وسمى تلك المرأة ثم قال: وهذا بعض ما تستحق.
قال ابن عربي: فلما سمعت الرؤيا واسم المرأة، ولم يكن أحد من خلق الله علم مني ذلك، علمت أنه تعريف من جانب الحق، وفهمت من قوله: إن هذا بعض ما تستحق، أنها مكذوب عليها، فقصدت المرأة وقلت: أصدقيني، وذكرت لها ما كان من ذلك، فقالت: كنت قاعدة قبالة باب البيت وأنت تطوف، فشكرك الجماعة التي كنت فيهم، فقلت في نفسي: اللهم إني أشهدك قد وهبت له ثواب ما أعمله في يوم الاثنين وفي يوم الخميس، وكنت أصومهما، وأتصدق فيهما، قال: فعلمت أن الذي وصل منها إلى بعض ما تستحقه، فإنها سبقت بالجميل والفضل المتقدم.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 204

محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله العربي الشيخ أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي المرسي المعروف بالشيخ محي الدين ابن العربي شيخ جليل الشأن وباهر البرهان فريد دهره صاحب المصنفات الوافرة والمؤلفات الزاخرة
قال الذهبي ولد في رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسيه
وسمع من ابن بشكوال وأبي بكر بن صاف وبمكة من زاهر بن رستم وبدمشق من عبد الصمد الحرستاني
وبالموصل وبغداد وسكن الروم مدة
وله مصنفات كثيرة منها الفتوحات المكية وتفسير القرآن العظيم المسمى بالإجمال والتفصيل وكتاب الفصوص ومؤلفاته أكثر من أن تحصى وتفصيل مناقبه مذكور في التواريخ والطبقات
وكانت وفاته في دمشق الشام في شهر شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة ودفن في تربة بني الركي في محلة الصالحية

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 230

محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي الأندلسي المرسي، أبو بكر، الملقب محيي الدين، المعروف بابن العربي الصوفي
هكذا نسبه الحافظ ابن مسدى في معجمه. وذكر أنه قرأ القرآن بالروايات، على نجية بن يحيى، واختص به.
سمع من: أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، وأبي بكر بن الجد، ومن أبي بكر محمد بن خلف بن صاف المقري، ومن أبي الوليد جابر بن أبي أيوب الحضرمى، وغيرهم.
وبسبتة من أبي محمد بن عبيد الله - يعنى الحجرى - وغيره، وبإشبيلية من أبي محمد عبد المنعم بن محمد الخزرجي لما قدم عليهم، والقاضي أبي جعفر بن مضاء، وبمرسية من القاضي أبي بكر بن أبي حمزة وغيره.
وذكر أنه لقى عبد الحق بن عبد الرحمن الأزدي ببجاية، قال: وفي ذلك نظر، وأن الحافظ السلفي، أجاز له، وأحسنها الإجازة العامة.
وذكر أنه سمع من أبي الخير أحمد بن إسماعيل الطالقانى، ومن أبي المكارم فضل الله ابن محمد النوقانى. انتهى ما ذكره ابن مسدى من شيوخه.
وقد طعن الحافظ الذهبي في سماع ابن عربي من الطالقانى. وقال: هذا إفك بين، ما لحقه. وذكر أنه سمع بدمشق من قاضيها الجمال بن الحرستانى.
وذكر غير الذهبي: أن ابن عربي سمع بمكة: جامع الترمذي، من زاهر بن رستم، ورأيت ما يدل لسماعه من زاهر، ورأيت سماعه من يونس الهاشمي لشيء من صحيح البخاري، في نسخة بيت الطبري، بخط ابن عربي، وسماعه لذلك بمكة.
وكان جاور بمكة مدة سنين، وألف فيها كتابه الذي سماه: «بالفتوحات المكية» وله تواليف أخر، منها: كتاب فصوص الحكم، وشعر كثير جيد من حيث الفصاحة، إلا أنه شابه بتصريحه فيه بالوحدة المطلقة، وصرح بذلك في كتبه.
وقد بين الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي، شيئا من حال الطائفة القائلين بالوحدة. وحال ابن عربي منهم بالخصوص، وبين بعض ما في كلامه من الكفر، ووافق على تكفيره بذلك جماعة من أعيان علماء عصره، من الشافعية والمالكية والحنابلة، لما سئلوا عن ذلك.
وقد رأيت أن أذكر شيئا من ذلك، مع شيء آخر من كلام الناس في ابن العربي هذا، لما في أمره من الالتباس على كثير من الناس، نعوذ بالله من الضلال، ونسأله التوفيق لما فيه صلاح الحال.
ونص السؤال الذي أفتى فيه ابن تيمية، ومن أشرنا إليه من الأئمة: ما يقول السادة أئمة الدين وهداة المسلمين في كتاب بين أظهر الناس، زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس، بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، في منام زعم أنه رآه، وأكثر كتابه ضد لما أنزل الله من كتبه المنزلة، وعكس وضد لما قاله أنبياؤه.
فما قال فيه: إن آدم إنما سمى إنسانا، لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين من العين، الذي يكون به النظر، وقال في موضع آخر: إن الحق المنزه، هو الخلق المشبه. وقال في قوم نوح: إنهم لو تركوا عبادتهم لود وسواع ويغوث ويعوق، لجهلوا من الحق أكثر مما تركوا.
ثم قال: إن للحق في كل معبود، وجها يعرفه، ويجهله من يجهله، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حين عبد، وإن التفريق والكثرة، كالأعضاء في الصورة المحسوسة.
ثم قال في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال به حر جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق، فما أعطاهم هذا الذوقى اللذيذ من جهة المنة، وإنما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا على صراط مستقيم.
ثم أنكر فيه حكم الوعيد في حق من حقت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد.
فهل يكفر من يصدقه في ذلك، أو يرضى به منه، أو لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان بالغا عاقلا، ولم ينكره بلسانه أو بقلبه، أم لا؟ .
أفتونا بالوضوح والبيان، كما أخذ الله على العلماء الميثاق بذلك، فقد أضر الإهمال بالجهال.
ذكر جواب من ذكرنا من الأئمة عن هذا السؤال:
جواب ابن تيمية:
«الحمد لله رب العالمين. هذه الكلمات المذكورة المنكرة، كل كلمة منها من الكفر الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل، من المسلمين واليهود والنصارى، فضلا عن كونه كفرا في شريعة الإسلام، فإن قول القائل: إن آدم للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، يقتضى أن آدم جزء من الحق - تعالى وتقدس - وبعض، وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم، وهو معروف من أقوالهم، والكلمة الثانية توافق ذلك، وهو قوله: إن الحق المنزه هو الخلق المشبه.
وذكر ابن تيمية كلاما لابن العربي - ليس في السؤال - في هذا المعنى.
قال فيه ابن عربي: فهو عين ما ظهر، وعين ما بطن في حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره، وما ثم من يبطن عنه سواه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه، وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من الأسماء المحدثات.
ثم قال ابن تيمية بعد ذكره كلاما آخر لابن عربي في المعني: فإن صاحب هذا الكتاب المذكور، الذي هو «فصوص الحكم» وأمثاله، مثل صاحبه الصدر القونوى التلمساني، وابن سبعين، والششترى، وأتباعهم.
مذهبهم الذي هم عليه: أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق، عين وجود المخلوقات.
فكل ما تتصف به المخلوقات من حسن وقبيح، ومدح وذم، إنما المتصف به عندهم عين الخالق.
ثم قال ابن تيمية: ويكفيك بكفرهم، أن من أخف أقوالهم: إن فرعون مات مؤمنا بريئا من الذنوب، كما قال - يعنى ابن عربي - وكان موسى قرة عين لفرعون، بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهرا مطهرا، ليس فيه شيء من الخبث، قبل أن كتب عليه شيء من الآثام، والإسلام يجب ما قبله.
وقد علم بالاضطرار، من دين أهل الملل: المسلمين واليهود والنصارى؛ أن فرعون من أكفر الخلق.
واستدل ابن تيمية على ذلك، بما تقوم به الحجة، ثم قال: فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس والجن، أو من هو من أعظم أعدائه، فجعلوه مصيبا محقا فيما كفره به الله، علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى، فكيف بسائر مقالاتهم؟ .
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا: إنه حال في كل مكان، فكان مما أنكروه عليهم، أنه كيف يكون في البطون والحشوش والأخلية، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فكيف من جعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار؟ .
ثم قال ابن تيمية: وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء؟ فإن أولئك غاية كفرهم أن جعلوه مثل المخلوقات، لكن يقولون: هو قديم، وهي محدثة، وهؤلاء جعلوه عين المحدثات، وجعلوه نفس المصنوعات، ووصفوه بجميع النقائص والآفات، التي يوصف بها كل فاجر وكافر، وكل شيطان وكل سبع، وكل حية من الحيات. فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم، ثم قال: وهؤلاء يقولون: إن النصارى إنما كفروا لتخصيصهم، حيث قالوا: إن الله هو المسيح.
فكل ما قالته النصارى في المسيح، يقولونه في الله سبحانه وتعالى، ومعلوم شتم النصارى لله وكفرهم به، وكفر النصارى جزء من كفر هؤلاء. ولما قرأوا هذا الكتاب المذكور، على أفضل متأخرىهم، قال له قائل: إن هذا الكتاب يخالف القرآن، فقال: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا هذا، يعنى أن القرآن يفرق بين الرب والعبد، وحقيقة التوحيد عندهم: أن الرب هو العبد. فقال له قائل: فأى فرق بين زوجتى وبنتى؟ قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون. قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم. وهؤلاء إذا قيل مقالتهم: إنها كفر، لم يفهم هذا اللفظ حالها، فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة، بل كفر كل كافر جزء من كفرهم، ولهذا قيل لرئيسهم: أنت نصيرى. قال: نصير جزء منى.
ثم قال ابن تيمية: وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المسلمين، أن من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر في جميع الملل؛ إذ النصارى لم تقل هذا، وإن كان قولهم من أعظم الكفر، لم يقل أحد إن عين المخلوقات هي أجزاء الخالق، ولا إن الخالق هو المخلوق، ولا إن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الخلق المشبه، وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام، لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، هو من الكفر المعلوم بالاضطرار بين جميع الملل، فإن أهل الملل، متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام، وكفروا من يفعل ذلك، وأن المؤمن لا يكون مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الأصنام، وكل معبود سوى الله. كما قال تعالى {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة: 4] واستدل على ذلك بآيات أخر.
ثم قال: فمن قال: إن عباد الأصنام، لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها، أكفر من اليهود والنصارى، ومن لم يكفرهم، فهو أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام، فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلا من الحق، بقدر ما ترك منها، مع قوله: فإن العالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حين عبد، فإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوة المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود، بل هو أعظم كفرا من كفر عباد الأصنام، فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط، كما قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3].
وقال تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون} [الزمر: 43] وكانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض، وخالق الأصنام، كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [الزمر: 38]. واستدل على ذلك بغير هذه الآية.
ثم قال: وهؤلاء أعظم كفرا من جهة أن هؤلاء جعلوا عابد الأصنام عابدا لله لا عابدا لغيره، وأن الأصنام من الله تعالى، بمنزلة أعضاء الإنسان من الإنسان، ومنزلة قوى النفس من النفس، وعباد الأصنام اعترفوا بأنها غيره، وأنها مخلوقة.
ومن جهة، أن عباد الأصنام من العرب كانوا مقرين بأن للسماوات والأرض وسائر المخلوقات مغاير للسماوات والأرض وسائر المخلوقات. بل المخلوق هو الخالق. ولهذا جعل أهل قوم عاد وغيرهم من الكفار على صراط مستقيم، وجعلهم في القرب. وجعل أهل النار يتنعمون في النار، كما يتنعم أهل الجنة في الجنة.
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام، أن قوم عاد وثمود وفرعون وقومه، وسائر من قص الله تعالى قصته من أعداء الله تعالى، وأنهم معذبون في الآخرة، وأن الله لعنهم وغضب عليهم، فمن أثنى عليهم وجعلهم من المقربين ومن أهل النعيم، فهو أكفر من اليهود والنصارى.
وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء وبيان كفرهم وإلحادهم، فإنهم من جنس القرامطة الباطنية الإسماعيلية، الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى، وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل، كما قال الشيخ إبراهيم الجعبرى، لما اجتمع بابن عربي صاحب هذا الكتاب قال: رأيته شيخا نحسا يكذب بكل كتاب أنزله الله تعالى، وبكل نبى أرسله.
وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام، لما قدم القاهرة، وسألوه عن ابن عربي، فقال: هو شيخ سوء مقبوح، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا. فقوله بقدم العالم؛ لأن هذا قوله. وهو كفر معروف. فكفره الفقيه أبو محمد بذلك. ولم يكن بعد، ظهر من قوله: إن العالم هو الله، وإن العالم صورة الله وهوية الله، فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذين يثبتون واجب الوجود. ويقولون: إنه صدر عنه الوجود الممكن.
وقال عنه من عاينه من الشيوخ: إنه كان كذابا مفتريا. وفي كتبه مثل «الفتوحات المكية» وأمثالها، من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب. ثم قال: لم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر، ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لا يعرف حالهم، ما التبس أمر القرامطة الباطنية، لما ادعو أنهم فاطميون.
وانتبسوا إلى التشيع، فصار المتشيعون مائلين إليهم، غير عالمين بباطن كفرهم.
ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين: إما زنديقا منافقا، أو جاهلا ضالا. وهكذا هؤلاء الاتحادية، فرءوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم، ولا تقبل توبة أحد منهم، إذا أخذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة، الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهم الذين يبهمون قولهم ومخالفتهم لدين الإسلام، ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، وأخذ يعتذر عنهم أو لهم، بأن هذا الكلام لا يدري ما هو، ومن قال: إنه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم. فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء. وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله، فضررهم في الدين، أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم، ويترك دينهم، كقطاع الطرق، وكالتتار الذين يأخذون أموالهم ويبقون على دينهم، ولا يستهين بهم من لم يعرفهم، فضلالهم وإضلالهم أطم وأعظم من أن يوصف.
ثم قال: ومن كان محسنا للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم، عرف حالهم، فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار، وإلا ألحق بهم وجعل منهم، وأما من قال: لكلامهم تأويل يوافق الشريعة، فإنه من رءوسهم وأئمتهم، فإنه إن كان ذكيا، فإنه يعرف كذب نفسه، فيما قال، وإن كان معتقدا لهذا باطنا وظاهرا، فهو أكفر من النصارى. انتهى باختصار.
وقد كتبنا جواب ابن تيمية هذا بكماله في موضع غير هذا.
ذكر جواب من وافقه في إنكار المقالات المذكورة في هذا السؤال، وتكفير
قائلها:
ذكر جواب القاضي بدر الدين بن جماعة:
«هذه الفصول المذكورة، وما أشبهها من هذا الباب بدعة وضلالة ومنكر وجهالة، لا يصغى إليها ولا يعرج عليها ذو دين، ثم قال: وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأذن في المنام بما يخالف ويعاند الإسلام، بل ذلك من وسواس الشيطان ومحنته، وتلاعبه برأيه وفتنته.
وقوله في آدم: إنه إنسان العين، تشبيه لله تعالى بخلقه.
وكذلك قوله: الحق المنزه، هو الخلق المشبه، إن أراد بالحق رب العالمين، فقد صرح بالتشبيه وتغالى فيه. وأما إنكاره ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد، فهو كافر به عند علماء أهل التوحيد.
وكذلك قوله في قوم نوح وهود، قول لغو باطل مردود. وإعدام ذلك، وما شابه هذه الأبواب من نسخ هذا الكتاب، من أوضح طرق الصواب، فإنها ألفاظ مزوقة، وعبارات عن معان غير محققة، وإحداث في الدين ما ليس منه. فحكمه رده، والإعراض عنه». ثم قال: كتبه محمد بن إبراهيم الشافعي. انتهى باختصار.
ذكر جواب القاضي سعد الدين الحارثي، قاضي الحنابلة بالقاهرة:
«الحمد لله، ما ذكر من الكلام المنسوب إلى الكتاب المذكور، يتضمن الكفر، ومن صدق به، فقد تضمن تصديقه بما هو كفر، يجب في ذلك الرجوع عنه والتلفظ بالشهادتين عنده، وحق على كل من سمع ذلك إنكاره، ويجب محو ذلك وما كان مثله وقريبا منه، من هذا الكتاب، ولا يترك بحيث يطلع عليه، فإن في ذلك ضررا عظيما، على من لم يستحكم الإيمان في قلبه، وربما كان في الكتاب تمويهات وعبارات مزخرفة، وإشارات إلى ذلك، لا يعرفه كل أحد، فيعظم الضرر. وكل هذه التمويهات ضلالات وزندقة. والحق إنما هو في اتباع كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول القائل: إنه أخرج الكتاب بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمنام رآه، فكذب منه على رؤياه للنبى صلى الله عليه وسلم». كتبه عبد الله: مسعود بن أحمد الحارثي.
ذكر جواب خطيب القلعة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي:
«الحمد لله. قوله: فإن آدم عليه السلام، إنما سمى إنسانا، تشبيه وكذب باطل. وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، لا يقر قائله عليه.
وقوله: إن الحق المنزه: هو الخلق المشبه، كلام باطل متناقص وهو كفر.
وقوله في قوم هود: إنهم حصلوا في عين القرب، افتراء على الله ورد لقوله فيهم.
وقوله: زال البعد، وصيرورية جهنم في حقهم نعيما، كذب وتكذيب للشرائع، بل الحق ما أخبر الله به من بقائهم في العذاب.
وأما من يصدقه فيما قاله، لعلمه بما قال، فحكمه كحكمه من التضليل والتكفير إن كان عالما، فإن كان ممن لا علم له، فإن قال ذلك جهلا عرف بحقيقة ذلك ويجب
تعليمه وردعه عنه مهما أمكن، وإنكاره الوعيد في حق سائر العبيد، كذب ورد لإجماع المسلمين، وإنجاز من الله عزوجل للعقوبة، فقد دلت الشريعة دلالة ناطقة، أن لابد من عذاب طائفة من عصاة المؤمنين، ومنكر ذلك يكفر.
عصمنا الله من سوء الاعتقاد، وإنكار المعاد. والله أعلم». وكتب محمد بن يوسف الشافعي.
ذكر جواب القاضي زين الدين الكنتانى الشافعي، مدرس الفخرية والمنصورية بالقاهرة:
«الله الموفق، زعم المذكور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن له في وضع الكتاب المذكور، كذب منه على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى بعث النبي صلى الله عليه وسلم هادياً {وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} [الأحزاب: 43]، هذا في هذه الدار، فكيف أحواله في دار الحق؟ .
أما قوله في آدم: فكذب من جهة الاسم، وكفر من جهة المعنى، إن أراد بالحق مالك الملك الغنى عن العالمين.
وأما قوله: الحق هو الخلق. فهو قول معتقد الوحدة، وهو قول كأقوال المجانين، بل أسحاق من هذا، للعلم الضرورى بأن الصانع غير المصنوع.
وأما قوله: إن التفريق والكثرة. فهذا قول القائلين بالوحدة أيضا، الذين ظاهر كلامهم لا يعتقده عاقل، فإن أجلى الضروريات، كون كل أحد يعلم أن غيره ليس هو هو، وأنه هو ليس غيره.
وقوله في قوم هود، كفر؛ لأن الله تعالى أخبر في القرآن عن عاد، أنهم كفروا بربهم، والكفار ليسوا على صراط مستقيم.
فالقول بأنهم كانوا عليه [كذب] بصريح القرآن، وإنكار الوعيد في حق من حقت عليه الكلمة من تحقيق الوعيد في القرآن، تكذيب للقرآن، فهو كفر أيضا، ومن صدق المذكور في هذه الأمور أو بعضها مما هو كفر، يكفر، ويأثم من سمعه ولم ينكره، إذا كان مكلفا، وإن رضى به كفر، والحالة هذه». وكتب عمر بن أبي الحرم الشافعي.
ذكر جواب الشيخ نور الدين البكري الشافعي
«الحمد لله رب العالمين، من رأي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه حقا، وإذا كان قد أتى شخص من المصنفين بتصنيف ابتدع فيه وألحد في الحقائق الشرعية، وظهر فيه أن مفسدته أكثر من مصلحته، تحقق بذلك كذبه فيما أخبر به في رؤياه النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمره بذلك الكتاب، وأذن له فيه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق في اليقظة والمنام.
وأحسن أحوال من قال إنه رآه في مثل تلك الحال، وأنه أمره أو أذن له في مثل هذا المصنف، أن يكون قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم كلاما فهمه على خلاف المراد، أو وقع له غلط بطريق آخر. هذا فيمن ادعى ذلك في تصنيف ظاهره الغلط والفساد.
وأما تصنيف تذكر فيه هذه الأقوال المتقدمة في الاستفتاء، ويكون المراد بها ظاهرها، فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك، بل هو كاذب فاجر، كافر في القول والاعتقاد، ظاهرا وباطنا، وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها، فهو كافر بقوله، ضال بجهله، ولا يعذر في تأويله لتلك الألفاظ، إلا أن يكون جاهلا بالأحكام جهلا تاما عاما، ولم يعذر في جهله بمعصيته لعدم مراجعته العلماء. والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض من أمر الرسل ومتبعيهم، أعنى معرفة الأدب في التعبيرات، على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويلها كلها كذلك». انتهى باختصار.
ذكر جواب الشيخ شرف الدين عيسى الزواوى المالكي
«الحمد لله وحده. أما هذا التصنيف الذي هو ضد لما أنزله عزوجل في كتبه المنزلة، وضد أقوال الأنبياء المرسلة، فهو افتراء على الله، وافتراء على رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: وما تضمنه هذا التصنيف، من الهذيان والكفر والبهتان، فكله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل، ومن صدق بذلك أو اعتقد صحته، كان كافرا ملحدا صادا عن سبيل الله تعالى، مخالفا لملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملحدا في آيات الله، مبدلا لكلمات الله، فإن أظهر ذلك وناظر عليه، كان كافرا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل وعجل الله بروحه إلى الهاوية والنار الحامية. وإن أخفى ذلك وأسره، كان زنديقا، فيقتل متى ظهر عليه، ولا تقبل توبته إن تاب، لأن حقيقة توبته لا تعرف. ثم قال: فيقتل مثل هؤلاء، ويراح المسلمون من شرهم، وإفشاء الفساد في دينهم. وهؤلاء قوم يسمون الباطنية، لم يزالوا من قديم الزمان ضلالا في الأمة، معروفين بالخروج من الملة، يقتلون متى ظهر عليهم، وينفون من الأرض، متى اتهموا بذلك، ولم يثبت عليهم، وعادتهم التصلح والتدين، وادعاء التحقيق وهم على أسوأ طريق.
فالحذر كل الحذر منهم، فإنهم أعداء الله وشر من اليهود والنصارى، لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه، ولا رب يعبدونه، وواجب على كل من ظهر على أحد منهم، أن ينهى أمره إلى ولاة المسلمين، ليحكموا فيه بحكم الله.
ثم قال: فمن لم يقدر على ذلك غير بلسانه، وبين للناس بطلان مذهبهم وشر طويتهم، ونبه عليهم بقوله مهما قدر، وحذر منهم مهما استطاع.
ومن عجز عن ذلك: غير بقلبه وهو أضعف المراتب. ويجب على ولى الأمر، إذا سمع بمثل هذا التصنيف، البحث عنه، وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها، وأدب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به، على قدر قوة التهمة عليه، إذا لم يثبت عليه، حتى يعرفه الناس ويحذروه، والله ولى الهداية بمنه وفضله». كتبه عيسى الزواوى المالكي. انتهى باختصار.
وهذا السؤال، أظنه كان في آخر العشر الأول من القرن الثامن، أو أول سنة من العشر الثاني منه.
وجرى نحو من هذا السؤال، في آخر القرن الثامن، في دولة الملك الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية والشامية. وأجاب عليه جماعة من العلماء المعتبرين من أرباب المذاهب، بأن الكلام المسئول عنه كفر، إلى غير ذلك مما تضمنه جوابهم، وأسماء جميعهم لا تحضرنى الآن، ولكن منهم مولانا شيخ الإسلام سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي، أحد المجتهدين في مذهبه، ومن طبق ذكره الأرض علما.
وقد سمعت صاحبنا الحافظ الحجة القاضي شهاب الدين أبا الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، وهو الآن المشار إليه بالتقدم في علم الحديث، أمتع الله بحياته، يقول: إنه ذكر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، شيئا من كلام ابن عربي المشكل، وسأله عن ابن عربي. فقال له شيخنا البلقيني: هو كافر.
وقد سئل عنه وعن شيء من كلامه، شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغمى التونسي المالكي، عالم أفريقية بالمغرب. فقال ما معناه: من نسب إليه هذا الكلام، لا يشك مسلم منصف في فسقه وضلاله وزندقته. وهذا مما أرويه عن شيخنا ابن عرفة إجازة.
وسئل عنه شيخنا الإمام البارع، قاضي الجماعة بالديار المصرية، أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد، المعروف بابن خلدون الحضرمى المالكي، فذكر في جوابه أشياء من حال ابن عربي وأشباهه، ونذكر شيئا من ذلك لما فيه من الفوائد.
أنبأنى القاضي أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الأصولى قال: أعلم أرشدنا الله وإياك للصواب، وكفانا شر البدع والضلال، أن طريق المتصوفة منحصرة في طريقين:
الطريقة الأولى: وهي طريقة السنة، طريقة سلفهم الجارية على الكتاب والسنة، والاقتداء بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين.
ثم قال: والطريقة الثانية: وهي مشوبة بالبدع، وهي طريقة قوم من المتأخرىن، يجعلون الطريقة الأولى وسيلة إلى كشف حجاب الحس لأنها من نتائجها.
ثم قال: ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربي، وابن سبعين، وابن برجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أو عدها في الشريعة.
ثم قال: وليس ثناء أحد على هؤلاء، حجة للقول بفضله، ولو بلغ المثنى ما عسى أن يبلغ من الفضل؛ لأن الكتاب والسنة، أبلغ فضلا وشهادة من كل أحد. ثم قال: وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة، وما يوجد من نسخها بأيدى الناس، مثل: الفصوص، والفتوحات لابن عربي، والبد لابن سبعين، وخلع النعلين لابن قسى، وعين اليقين لابن برجان، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض، والعفيف التلمساني وأمثالها، أن تلحق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغانى للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض.
فالحكم في هذه الكتب كلها وأمثالها، إذهاب أعيانها متى وجدت، بالتحريق بالنار والغسل بالماء، حتى ينمحى أثر الكتابة، لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين، بمحو العقائد المضلة، ثم قال: فيتعين على ولى الأمر، إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة، ويتعين على من كانت عنده التمكين منها للإحراق، وإلا فينزعها منه ولى الأمر، ويؤدبه على معارضته في منعها؛ لأن ولى الأمر لا يعارض في المصالح العامة. انتهى باختصار.
وقوله: وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة، إنما ذكره؛ لأن في السؤال الذي أجاب عنه: وهل ثناء الشيخ أبي الحسن الشاذلى إن صح، حجة تنهض على فضل مصنف هذا الكتاب؟، يعنى الفصوص لابن عربي، فيلتمس له أحسن المخارج أولا.
ذكر شيء مما رأيته للناس في أمر ابن عربي، غير ما سبق في هذا السؤال
أنبئت عن الأديب المؤرخ، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدى قال: سمعت أبا الفتح بن سيد الناس يقول: سمعت ابن دقيق العيد يقول: سألت ابن عبد السلام عن ابن عربي. فقال: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا. انتهى.
ووجدت بخط الحافظ أبي الفتح بن سيد الناس، وأنبأنى عنه غير واحد، سمعت الشيخ الإمام الحافظ الزاهد العلامة أبا الفتح محمد بن علي بن وهب القشيرى يقول: سمعت شيخنا الإمام أبا محمد بن عبد السلام وجرى ذكر أبي عبد الله محمد بن العربي، فقال: شيخ سوء مقبوح كذاب. فقلت له: وكذاب أيضا. قال: نعم. تذاكرنا يوما بمسجد الجامع بدمشق، التزويج بجوارى الجن. فقال: هذا فرض محال، لأن الإنس جسم كثيف، والجن روح لطيف، ولن يعلو الجسم الكثيف الروح اللطيف.
ثم بعد قليل رأيت به شجة، فسألته عن سببها. قال: تزوجت امرأة من الجن ورزقت منها ثلاثة أولاد. فاتفق يوما أن تفاوضنا فأغضبتها؛ فضربتنى بعظم، حصلت منه هذه الشجة وانصرفت، فلم أرها بعدها، أو معناه. انتهى.
وما ذكره الإمام ابن عبد السلام من أوصاف ابن عربي المذمومة، لا تلائم صفات أولياء الله تعالى.
ووجه تكذيبه في الحكاية التي ذكرناها عنه: أنه لا يستقيم أن يتزوج امرأة جنية ولا إنسية، ويرزق منها ثلاثة أولاد في مدة قليلة.
ولا يعارض ما صح عن ابن عبد السلام، في ذم ابن عربي، ما حكاه عنه الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي في كتابه «الإرشاد والتطريز» لأنه قال: وسمعت أن الشيخ الفقيه الإمام عز الدين بن عبد السلام، كان يطعن في ابن العربي ويقول: هو زنديق.
فقال له يوما بعض أصحابه: أريد أن ترينى القطب. فأشار إلى ابن عربي، وقال: هذاك هو. فقيل: فأنت تطعن فيه؟ فقال: حتى أصون ظاهر الشرع، أو كما قال، رضي الله عنهما.
أخبرني بذلك غير واحد ما بين مشهور بالصلاح والفضل، ومعروف بالدين، ثقة عدل، من أهل الشام ومن أهل مصر، إلا أن بعضهم روي: أريد أن ترينى وليا، وبعضهم روى القطب. انتهى.
وإنما لم يكن ما حكاه اليافعي معارضا لما سبق من ذم ابن عربي؛ لأن ما حكاه اليافعي، بغير إسناد إلى ابن عبد السلام، وحكم ذلك الإطراح، والعمل بما صح إسناده في ذمه. والله أعلم.
وأظن ظنا قويا، أن هذه الحكاية من انتحال غلاة الصوفية، المعتقدين لابن عربي، فانتشرت حتى نقلت إلى أهل الخير، فتلقوها بسلامة صدر.
وكان اليافعي - رحمه الله - سليم الصدر فيما بلغنا، وإنما قوى ظني بعدم صحة هذه الحكاية، لأنها توهم اتحاد زمان مدح ابن عبد السلام لابن عربي، وذم ابن عبد السلام له.
فإن تعليل ابن عبد السلام ذمه لابن عربي لصيانته للشرع، يقتضى أن ابن عربي، عالى الرتبة في نفس الأمر، حال ذم ابن عبد السلام له. وهذا لا يصدر من عالم متق. فكيف بمن كان عظيم المقدار في العلم والتقوى، كابن عبد السلام؟ ومن ظن به ذلك، فقد أخطأ وأثم، لما في ذلك من تناقض القول.
ولا يعارض ذلك ما يحكى من اختلاف المحدثين في جرح الراوي وتوثيقه؛ لأن الراوي يكون ثقة في نفسه، ولكنه مع ذلك يلابس أمرا كبدعة، وللمحدثين في ذلك خلاف، هل هو جرح أو لا؟ فمن عدله من المحدثين، نظر إلى أن ذلك الأمر غير قادح في الراوي، ومن جرحه رأي ذلك الأمر قادحا.
وربما كان الراوي يخطئ أحيانا أو يقل ضبطه بالنسبة إلى غيره، فيرى بعض المحدثين ذلك فيه جرحا، ويرى بعضهم ذلك لا يجرحه، لقلة الخطأ ووجود الضبط في الجملة، إلى غير ذلك من الوجوه التي حصل بسببها الخلاف في الجرح، وليس منها وجه فيه ما يدل على اتحاد زمن ذلك، من قائل واحد في راو، إنما ذلك لاختلاف الرأي في حال الراوي. والله أعلم.
ويمكن تأويل ما في هذه الحكاية من ثناء ابن عبد السلام على ابن عربي - إن صح ثناؤه عليه - بأن يكون بين طعن ابن عبد السلام وثنائه عليه، زمن يصلح فيه حال ابن عربي، وليس في مثل ذلك تعارض.
وما ذكر في الحكاية من ثناء ابن عبد السلام على ابن عربي، على تقدير صحته. منسوخ بما ذكره ابن دقيق العيد عن ابن عبد السلام في ذمه لابن عربي.
فإن ابن دقيق العيد لم يسمع ذلك من ابن عبد السلام إلا بمصر، بعد موت ابن عربي بسنين، لأن ابن دقيق العيد، ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة، ونشأ ببلدة قوص، واشتغل بها في مذهب الشافعي وغيره من العلوم، على ابن عبد السلام، فبلوغه واشتغاله بالعلم في بلده، ثم قدومه إلى القاهرة، لا يكون إلا بعد سنة أربعين وستمائة، وابن عربي مات في ربيع الآخر، سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق، وثناء ابن عبد السلام على ابن عربي المذكور، كان في حياة ابن عربي، بدليل ما فيها، من أنه أراه لمن يسأله عن القطب أو الولى.
وفى السنة التي مات فيها ابن عربي، أو في التي بعدها، كان خروج ابن عبد السلام من دمشق، لتعب ناله من صاحبها، الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب؛ لأنه سلم قلعة الشقيف للفرنج، فأنكر ذلك عليه ابن عبد السلام، فعزل ابن عبد السلام عن خطابة دمشق وسجنه، ثم أطلقه، وتوجه من دمشق إلى الكرك، فتلقاه صاحب الكرك، الناصر داود بن المعظم عيسى، وسأله أن يقيم عنده فلم يفعل، واعتذر بأنها لا تسع نشر علمه، فقصد مصر، فتلقاه صاحبها الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل، وأكرمه وولاه الخطابة بالجامع العتيق بمصر، والقضاء بها مع الوجه القبلى، وتصدى لنشر العلم والإفادة على أحسن سبيل. وهذا كله لا يخفى على أحد من أهل التحصيل.
وقال ابن مسدى في ترجمة ابن عربي في معجمه، بعد أن ذكر ما نقلناه عنه من شيوخ ابن عربي: يلقب بالقشيرى، لقبا غلب عليه لما كان يشير من التصوف إليه، ولقد خاض في بحر تلك الإشارات، وتحقق بمحيي تلك العبارات، وتكون في تلك الأطوار، حتى قضى ما شاء من لبانات وأوطار، ثم قال: وله تواليف كثيرة، تشهد له بالتقدم والإقدام، ومواقف النهايات ومزالق الأقدام.
وكان مقتدرا على الكلام، ولعله ما سلم من الكلام، وعندي من أخباره عجائب، ومن صحيح منقولاته غرائب. وكان ظاهري المذهب في العبادات، باطنى النظر في الاعتقادات، ولهذا ما ارتبت في أمره، والله أعلم بسره.
قال: ومن شعره المحكم الفصول، السالم من الفضول قوله:

انتهى.
وأنشدني هذه الأبيات وغيرها من شعر ابن عربي أبو هريرة بن الذهبي، إذنا عن القاسم بن مظفر بن عساكر، عن ابن عربي إجازة.
وذكره القطب القسطلاني - على ما ذكر الأستاذ أبو حيان النحوي - في كتاب ألفه القطب، في ذكر الطائفة القائلة بالوحدة المطلقة في الموجودات، ابتدأ فيه بالحلاج، وختم فيه بابن سبعين. فقال: انتقل - يعنى ابن عربي - من بلاد الأندلس إلى هذه البلاد بعد التسعين وخمسمائة. وجاور بمكة، وسمع بها الحديث، وصنف «الفتوحات المكية» بها.
وكان له لسان في التصوف، ومعرفة لما انتحاه من هذه المقالات، وصنف بها كتبا كثيرة على مقاصده التي اعتقدها، ونهج في كثير منها مناهج تلك الطائفة، ونظم فيها أشعارا كثيرة، وأقام بدمشق مدة، ثم انتقل إلى الروم، وحصل له فيها قبول وأموال جزيلة، ثم عاد إلى دمشق، وبها توفى. انتهى.
ومن خط أبي حيان نقلت ذلك، وذكره الذهبي في العبر، فقال: صاحب التصانيف، وقدوة القائلين بوحدة الوجود، ثم قال: وقد اتهم بأمر عظيم.
وقد وصف شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي، ابن عربي هذا وأتباعه، بأنهم ضلال جهال، خارجون عن طريقة الإسلام؛ لأنه قال فيما أنبأنى به عنه الحافظان: زين الدين العراقي، ونور الدين الهيثمي، في شرحه على «المنهاج» للنووي، في باب الوصية، بعد ذكره للمتكلم: وهكذا الصوفية منقسمون كانقسام المتكلمين؛ فإنهما من واد واحد، فمن كان مقصوده معرفة الرب سبحانه وتعالى وصفاته وأسمائه، والتخلق بما يجوز التخلق به منها، والتجلى بأحوالها، وإشراق المعارف الإلهية عليه، والأحوال السنية عنده، فذلك من أعظم العلماء، ويصرف إليه من الوصية للعلماء والوقف عليهم، ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرىن، كابن العربي وأتباعه، فهم ضلال جهال، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلا عن العلماء. انتهى.
وذكره الذهبي في الميزان، فقال: صنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهل الوحدة، وقال أشياء منكرة، عدها طائفة من العلماء مروقا وزندقة، وعدها طائفة من العلماء، من إشارات العارفين ورموز السالكين، وعدها طائفة، من متشابه القول، وأن ظاهرها كفر وضلال، وباطنها حق وعرفان، وأنه صحيح في نفسه كبير القدر. وآخرون يقولون: قد قال هذا الكفر والضلال، فمن ذا الذي قال: إنه مات عليه. فالظاهر عندهم من حاله، أنه رجع وأناب إلى الله، فإنه كان عالما بالآثار والسنن، قوى المشاركة في العلوم.
قال: وقولى أنا فيه: أنه يجوز أن يكون من أولياء الله تعالى، الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت، وختم له بالحسنى.
وأما كلامه، فمن فهمه وعرفه على قواعد الاتحادية وعلم محط القوم، وجمع بين أطراف عبارتهم، تبين له الحق في خلاف قولهم، وكذلك من أمعن النظر في «فصوص الحكم» أو أنعم التأمل، لاح له العجب، فإن الذكى إذا تأمل من ذلك، الأقوال والنظائر والأشباه، فهو أحد رجلين، إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله، الذين يعدون أن أهل هذه النحلة من أكفر الكفرة. انتهى.
وقال في تاريخ الإسلام، على ما أخبرني به ابن المحب الحافظ، إذنا عنه سماعا: هذا الرجل كان قد تصوف وانعزل وجاع وسهر، وفتح عليه بأشياء امتزجت بعالم الخيال والخطرات والفكرة، واستحكم ذلك، حتى شاهد بقوة الخيال أشياء، ظنها موجودة في الخارج، وسمع من طيش دماغه خطابا، اعتقده من الله، ولا وجود لذلك أبدا في الخارج، حتى إنه قال: لم يكن الحق أوقفنى على ما سطره لي في توقيع ولايتى أمور العالم، حتى أعلمنى بأنى خاتم الولاية المحمدية بمدينة فاس، سنة خمس وتسعين.
فلما كانت ليلة الخميس في سنة ثلاثين وستمائة، أوقفنى الحق على التوقيع بورقة بيضاء فرسمته بنصه: هذا توقيع إلهى كريم، من الرءوف الرحيم إلى فلان. وقد أجزل له رفده، وما خيبنا قصده، فلينهض إلى ما فوض إليه، ولا تشغله الولاية عن المثول بين أيدينا شهرا بشهر، إلى انقضاء العمر. انتهى.
وهذا الكلام فيه مؤاخذات على ابن عربي.
منها: إن كان المراد بما ذكره من أنه خاتم الولاية المحمدية، أنه خاتم الأولياء، كما أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فليس بصحيح، لوجود جمع كثير من أولياء الله تعالى العلماء العاملين في عصر ابن عربي، وفيما بعده على سبيل القطع، وإن كان المراد أنه خاتم الأنبياء بمدينة فاس، فهو غير صحيح أيضا، لوجود الأولياء الأخيار بها بعد ابن عربي. وهذا من الأمر المشهور.
أنشدني شيخنا المحدث، شمس الدين محمد بن المحدث ظهير الدين إبراهيم الجزري، سماعا من لفظه في الرحلة الأولى بظاهر دمشق، أن الحافظ الزاهد شمس الدين محمد بن المحب عبد الله بن أحمد المقدسي الصالحي، أنشده لنفسه سماعا، وأنشدني ذلك إجازة، شيخنا ابن المحب المذكور:
وسئل عنه شيخنا العلامة المحقق الحافظ المفتي المصنف، أبو زرعة أحمد بن شيخنا الحافظ العراقي الشافعي، أبقاه الله تعالى، فقال: لا شك في اشتمال «الفصوص» المشهورة على الكفر الصريح الذي لا يشك فيه. وكذلك «فتوحاته المكية» فإن صح صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته، فهو كافر مخلد في النار بلا شك.
وقد صح عندي عن الحافظ جمال الدين المزي، أنه نقل من خطه في تفسير قوله تعالي: {إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} [البقرة: 6] كلاما ينبو عنه السمع، ويقتضى الكفر، وبعض كلماته لا يمكن تأويلها، والذي يمكن تأويله منها، كيف يصار إليه مع مرجوحية التأويل، والحكم إنما يترتب على الظاهر.
وقد بلغني عن الشيخ علاء الدين القونوى - وأدركت أصحابه - أنه قال في مثل ذلك: إنما يؤول كلام المعصومين، وهو كما قال، وينبغي أن لا يحكم على ابن عربي نفسه بشيء، فإني لست على يقين من صدور هذا الكلام منه، ولا من استمراره عليه إلى وفاته. ولكنا نحكم على هذا الكلام بأنه كفر. انتهى.
وما ذكره شيخنا من أنه لا يحكم على ابن العربي نفسه بشيء، خالفه فيه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني لتصريحه بكفر ابن عربي كما سبق عنه. وقد صرح بكفر ابن العربي، واشتمال كتبه على الكفر الصريح، الإمام رضى الدين أبو بكر بن محمد بن صالح، المعروف بابن الخياط، والقاضي شهاب الدين أحمد بن علي الناشرى الشافعيان، وهما ممن يقتدى به من علماء اليمن في عصرنا، ويؤيد ذلك فتوى من ذكرنا من العلماء وإن كانوا لم يصرحوا باسمه، إلا ابن تيمية، فإنه صرح باسمه؛ لأنهم كفروا قائل المقالات المذكورة في السؤال، وابن عربي هو قائلها لأنها موجودة في كتبه التي صنفها، واشتهرت عنه شهرة يقتضى القطع بنسبتها إليه. والله أعلم.
والقونوى المشار إليه في كلام شيخنا أبي زرعة، هو شارح الحاوى الصغير في الفقه.
ووجدت ذلك في ذيل تاريخ الإسلام للذهبي، فإنه قال في ترجمة القونوي: وحدثني ابن كثير يعني: الشيخ عماد الدين صاحب التاريخ والتفسير، أنه حضر مع المزي عنده - يعنى القونوى - فجرى ذكر «الفصوص» لابن عربي، فقال: لا ريب أن هذا الكلام الذي فيه كفر وضلال. فقال صاحبه الجمال المالكي: أفلا تتأول يا مولانا؟، فقال: لا، إنما يتأول قول العصوم. انتهى.
والمزي: هو الحافظ جمال الدين صاحب تهذيب الكمال، والأطراف. وفي سكوته إشعار برضاه بكلام القونوى. والله أعلم.
وأما الكلام الذي لابن عربي على تفسير قوله تعالي: {إن الذين كفروا} الآية التي أشار إليها شيخنا الحافظ أبو زرعة في كلامه، فهو ما حدثني به شيخنا أبو زرعة بعدما كتبه لي بخطه من حفظه بالمعنى على ما ذكر، وربما فاته بعض المعنى، فذكره باللفظ. قال: سمعت والدي - رحمه الله - غير مرة يقول: سمعت قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة يقول: نقلت من خط الحافظ جمال الدين المزي، قال: نقلت من خط ابن عربي في الكلام على قوله تعالي: {إن الذين كفروا} الآية، ستروا محبتهم، سواء عليهم
أنذرتهم أم لم تنذرهم: استوى عندهم إنذارك وعدم إنذارك، لما جعلنا عندهم، لا يؤمنون بك، ولا يأخذون عنك، إنما يأخذون عنا. ختم الله على قلوبهم فلا يعقلون إلا عنه. وعلى سمعهم، فلا يسمعون إلا منه. وعلى أبصارهم غشاوة، فلا يبصرون إلا منه. ولا يلتفتون إليك ولا إلى ما عندك، بما جعلناه عندهم وألقينا إليهم.
وقد بين شيخنا فاضل اليمن شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر، المعروف بابن المقري الشافعي، من حال ابن عربي ما لم يبينه غيره؛ لأن جماعة من صوفية زبيد: أوهموا من ليس له كثير نباهة، علو مرتبة ابن عربي، ونفى العيب عن كلامه. وذكر ذلك شيخنا ابن المقري مع شيء من حال الصوفية المشار إليهم، في قصيدة طويلة من نظمه. فقال فيما أنشدنيه إجازة:

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 1

ابن العربي الصوفي:
صاحب «الفصوص» و «الفتوحات المكية».
هو محمد بن علي الطائى تقدم.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 6- ص: 1

محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي المرسي المعروف بابن عربي.
قال الذهبي: ولد في رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية.
وسمع من ابن بشكوال، وأبي بكر بن صاف، وبمكة من زاهر بن رستم، وبدمشق من عبد الصمد بن الحرستاني، وبالموصل وببغداد، وسكن الروم مدة وله مصنفات كثيرة كالفصوص وغيره.
قال ابن نقطة: له كلام وشعر غير أنه لا يعجبني شعره.
قال الذهبي: كأنه يشير إلى ما في شعره من الاتحاد.
وقال ابن مسدي: له كلام مريب، وكان ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات.
وقال الذهبي: في الاعتذار عنه: كان رجلاً قد تصوف وانعزل، وجاع وسهر حتى فسدت مخيلته، فصار يرى بخياله أشياء يظنها حقيقة ولا وجود لها.
مات في شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

  • مكتبة وهبة - القاهرة-ط 1( 1976) , ج: 1- ص: 113