ابن عسكر محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني، ابو عبد الله، المعروف بابن عسكر: اديب، نبيل، عالم بالتاريخ والحديث. من أهل مالقة. ولي قضائها نيابة ثم اصالة، وحسنت سيرته، فاستمر عن ذلك بقية عمره. له شعر حسن، وكتب، منها (نزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر) و (الاكمال والاعلام) في تراجم بعض اعلام مالقة، مات قبل اتمامه، فاكمله بعده ابن اخته ابو بكر محمد بن خميس، ونقل عنه ابن الخطيب في الاحاطة، و (المشرع الروي في الزيادة على غريبي الهروي) في القرآن والحديث، و (الجزء المختصر في السلو عن ذهاب البصر) الفه لابي محمد ابن الاحوص الواعظ الضرير.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 281

ابن عسكر القاضي العلامة ذو الفنون أبو عبد الله محمد بن علي بن خضر الغساني، المالقي، المالكي، ابن عسكر.
وذكره ابن الزبير، فقال: روى عن أبي الحجاج ابن الشيخ، وأبي زكريا الأصبهاني، وأبي الخطاب بن واجب، وأبي سليمان بن حوط الله، وعدة. واعتنى بالرواية على كبر، وكان جليل القدر، دينا، صاحب فنون؛ فقه ونحو وأدب وكتابة، وكان شاعرا متقدما في الشروط، حسن العشرة، سمحا، جوادا. ولي قضاء بلده بعد أن حكم نيابة، وصنف ومال إلى الاجتهاد، تأسف على تفريطه في ترك الأخذ عن الكبار.
وله كتاب ’’المشرع الروي في الزيادة على غريبي الهروي’’، وكتاب ’’الإتمام على كتاب التعريف والإعلام’’ للسهيلي.
توفي سنة ست وثلاثين وست مائة.
عبد الحميد، الدبيثي:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 319

محمد بن علي بن خضر بن هارون الغساني
المشهور بابن عسكر. وهو خالي رحمة الله عليه، يكنى أبا عبد الله، مبتدئ هذا الكتاب.
كان رحمه الله جليل المقدار متفننا في العلوم على اختلافها، ومشاركا فيها على تشتت أصنافها، يتقد ذكاء، ويشرق طهارة وزكاء. نشأ بمالقة وبها أعلام وجلة أكابر، فأربى عليهم في معارفه. وكان معظما عندهم مشارا إليه فيهم. كانت الفتوى تدور عليه بمالقة، والمسائل ترد عليه من البلاد، فيفتي فيها، ويعمل فيها برأيه، والقضاة يعظمونه كل التعظيم ويقطعون برأيه في أحكامهم.
وكان معظما عند الملوك مقرّبا لديهم. ولي القضاء بمالقة نائبا عن القاضي أبي عبد الله بن الحسن، وذلك في مدة أبي عبد الله بن هود. ثم إن ابن الحسن أخّر.
فلما كان في أيام الأمير أبي عبد الله بن نصر، ولي مرة ثانية مستقلا. وصل كتابه في توليته القضاء في يوم السبت الثامن والعشرين من رمضان المعظم عام خمس وثلاثين وستمائة. فبكى رحمه الله، وامتنع. وكتب إلى الأمير أبي عبد الله يذكر أنه لا يصلح للولاية حرصا على أن يعزله عنها تورعا منه رحمه الله. فلم يقبل الأمير ذلك منه. وبقي على ولايته.
وظهرت في أيامه الحقوق، وسار من السيرة الحسنة ما لم يسربها أحد قبله.
كان ماضي العزيمة، مقداما مهوبا منفّدا للأحكام. فكان بذلك مستحسن المقاصد، مشكورا في الصادر والوارد.
وكان رحمه الله أفضل الناس خلقا، وأرحبهم صدرا، وأجملهم عشرة، وأتمّهم رجولة، وأنداهم يدا، وأكثرهم احتمالا. يحسن إلى من أساء إليه، ويجود بماله على من بخل به عليه، مع ما كان عليه من سياسة الناس ومداراتهم وقضاء حوائجهم وله في صنعة التوثيق باع مديد، وسهم سديد. وكان سريع القلم سهل الألفاظ مختصر الوثيقة، غاية في البراعة إلى الشعر الرائق، والكتب الفائق.
وله تصانيف عجيبة متداولة بأيدي الناس، كالمشرع الروي في الزيادة على كتاب الهروي، والتكميل والإتمام لكتاب التقريب والإعلام، والأربعين حديثا الموافق فيها اسم الشيخ لاسم الصحابي، وهو منزع لم يسبق إليه، وكنزهة الناظر في مناقب عمّار بن ياسر، وكالجزء المختصر في السلو عن ذهاب البصر، وغير ذلك.
رحل الناس إليه وأخذوا عنه. وكان رحمه الله قد أخذ عن شيوخ جلة كأبي الحجاج ابن الشيخ، وأبي محمد القرطبي، وأبي علي الرندي، وأبي جعفر الجيار، وكالقاضيين أبي محمد بن حوط الله، وأبي سليمان داود، وكالقاضي أبي الخطاب بن واجب، وكأبي زكرياء بن عبد المنعم الأصبهاني وغيرهم.
وكان قد مال أخيرا إلى الرواية. وإنما نبّهت عليه هذا التنبيه، وذكرت بعض ما كان من المحاسن فيه، مخافة أن ينقرض الزمان. فتنقرض أخباره. ويفنى ناس عصره، فتنسى مآثره وآثاره، وليقف من لم يدركه على مناقبه الجميلة، ويشاهد بعض مآثره الحميدة ومنازعه الجليلة. وما زالت مناقب الأئمة تخلد وتذكر، وتذاع وتنشر.
وإذا كان من العلم قد تعيّن شرعا، واستحسن طبعا، فحقّه عليّ آكد الحقوق، وسكوتي عن الاعتناء بتخليد مناقبه ضرب من العقوق. ولا غرو أن يقال: ما باله أطال في مدحه عنانه، وأدرّ من سماء فكره عنانه، فذكر له ما لم يذكره لسواه، ولا أظهر على أحد نصه ولا فحواه، فعذري في ذلك أنه لم يكن أحد من أهل عصره يجاريه، وأيضا لفرط حبي فيه، واعتنائه رحمه الله بي وتحفّيه، فلا أقلّ من أن أوفّي له بعض ما له من الحقّ، وأقوم به فأنا الأوجب بذلك والأحقّ.
وعلمه رحمه الله وفضله كثير من أن أحصيه.
وقد نعيت إليه نفسه، (حين) آن أن تغرب من سماء مغاربه شمسه. فمن شعره في ذلك رحمه الله: [طويل]

ومن شعره: [طويل]
ومن شعره وقد طرقه همّ: [مخلع البسيط]
ومن شعره وقد استدعي أن يجيز: [طويل]
وله في المعنى: [طويل]
وله يستدعي من أبي عبد الله بن مرج الكحل أن يجيزه رواياته، وكتب إليه بها إلى إشبيلية: [كامل]
يا من تصوّر شخصه من نور............. ....
وقد رغب منه الفقيه الكاتب أبو الحسن الرعيني أن يجيز أولاده، فكتب إليه: [سريع]
وهي طويلة.
ومن شعره في المعنى: [متقارب]
ومنها:
وكتب معها بعد الصدور، وبعد: فإنّه لمّا دعا لهذه الإجابة أكرم داع، وجب الفعل بالاتّباع لا بالابتداع. فكم آلى (عليّ) أن أبرز في منصّة العجز سعالتي، وأطرّز من العذر ما أحتمل به على علالتي. فلعلّ هذا المكلّف قصد أن يجمع إلى الخزّ المشوب، أو أظنّه طلب أن ينظم إلى الدّرّ المخشوب. فلو لم يأخذ القوس إلاّ الباري، ولا دخل الحلبة إلاّ السّابق المباري، لما علم الأرفع من الأنزل، والرّامح من الأعزل، ولرميت أدواء الجهل بالتّعطيل، وعريت أفعل عن صفة التّفضيل. لكن اقتضت الحكمة أن يباين النّدّ ندّه، ويلاين الشّيء ضدّه، حتّى يعرف العذب بالأجاج، ويشرف الدّرّ بمقايسة الزّجاج. ولمّا علمت أنّي إذا امتثلت، ونثرت كنانتي ونثلت، فإنّما أكون من بيّن سبق الجواد بعيره، وزيّن بهدره بلاغة غيره، فأجبت، بعد أن تستّرت من الحياء واحتجبت، فكتبت والقلم عاثر، والعجز لما أروم نظمه من الكلام ناثر. وبعد أن وقفت على هذا الاستدعاء الذي طلعت من المطالع العراقية شمسه، وحسر اليوم بهذه البلاد الغربية عليه أمسه، وكسا هذا الأفق من حال التّشريف والتّنويه، ما لم يكن يحتسبه ولا ينويه، وتأهّل لأن يحمل من أهله العلم حيث قطبه الذي عليه مداره، ويروي عنه بالمكان (الذي) هو محلّه وداره. فيا عجبا للبحار كيف استمدّت أوشالها، واستعدّت لطلب المكاتبة. وقد كان يجب أن تقصد ويمشي لها. فيا لها نفحات مسكية، ولمحات نيّرة ذكية، أوجبت للإجابة حقّا، وصيّرت كلّ سامع مسترقّا ومستحقّا ... وهي طويلة.
وكتب معزيا: مثل سيدي أجزل الله أجره، وأطلع في ليل مصابه فجره، في متصبّره من الفضل الذي ملك زمامه، والعلم الذي أصبح إمامه، والزّهد الذي رداه رداء الورع، والمجد الذي فاق فيه نظراءه فبرع. لا تزعزعه النّوائب، ولا تهزّه ولا تروعه المصائب، ولا تستفزّه جريا على سنن الفضلاء الأكابر، وأخذا بما ذخر الله تعالى للصّابر.
وفي فصل منها: ولست أعزّك الله ووقاك بأوّل من أفرده الدّهر من حميمه، وجرّعه كأس حميمه. فشيم الزّمان، عدم الأمان، وسجايا الدّهر، رزايا العلماء في البرّ والبحر. ألم يفجع متمّما بمالك، وصيّره يبكي القبور لقبر ثوى بين اللّوى فالدّكادك. وأصاب الخنساء بصخر، فلم يحجبه ما يسّرته له من الثّناء والفخر، وفرّق بين ندماني جذيمة، فأفقد كلّ واحد منهما نديمه، وملأ قلب سيبويه أحزانا، حتّى أنشد (عن) أخوين كانا...: [رجز]
وسوف يلحق الفرقدين العناء، فلا ينفعهما الاستثناء. فإذا علم المرء أنّه إلى الموت مآله، وقد درج عليه سلفه وآله. فما ينفعه الوله، وسوف يفني آخره كما أفنى أوّله: [طويل]
وكتب معها: [متقارب]
ومنها:
وكتب مهنئا بزواج فقال بعد ما تقدم جزء من الرسالة: فيا لها خطبة ما أسعدها وأسناها، وبغية تنيل مبتغيها عظمى المقاصد وحسناها. فهنيئا له بقرينة يفوز منها بوسطى سلك الحسب والعد، وزهرة رياض العلى والمجد، ودرّة لم تنشقّ عن مثلها الصّدف، وزهرة طلعت في سماء المجد والشّرف. قسما لقد جلّت قدرا عن كلّ محاول، وقصّرت عن إدراكها يد المتطاول. فلو صنعت من قرص الشّمس دنانير مهرها، وطبعت دراهمه من نيّرات الكواكب وزهرها، وبذل الوجود في نقد صداقها، وسلبت لها الجوزاء عن تاجها ونطاقها، وأجري من برّها إلاّ ما قصر عنه كلّ بحر، وسيقت لخدمتها الثّريّا في ملاءة الفجر؛ لما بلغ لها بحقّ، ولقصّر عن الأوجب لها والأحقّ.
وكتب يوما: مثل سيّدي تذكّر بعد أمّة، ورعى الأمانة وواجب الذّمّة. فالفضل يتعلّم من أخلاقه، والعلم من جملة ذخائره وأعلاقه. وما أظنّ سيّدي إلاّ أنّ النّسيان المركّب في طباع بني آدم، غلب عليه حتّى طال العهد وتقادم. ولا غرو فإنّ البشر بذلك أنسوا، ونسي أبوهم فنسوا. إلاّ أنّي قد ذكّرت سيّدي غير مرّة، وأعملت من المخاطبة كلّ طمرّة. فتارة وعد بالتّوجيه، فقلت: لا تنكر نجابة من آل الوجيه، وأخرى جعلت فيها العتاب، للمتوجّه بالكتاب. فقلت: لعلّه لم يكن أهلا لأدائه، فلا أرمي غيري بدائه. والآن يصل به إن شاء الله فلان، وهو من أهل الأمانة والثّقة، وممّن يختصّ منّي بالمودّة والمقة. وأرجو إن وصّله إلى ناديكم، فليكن الإسعاف من أياديكم، إن شاء الله، وإن كان محتقرا قدرا، ومن سقط المتاع الذي يستخفّ به ويزرى. ففي علمك أنّ الطّالب يقنع بورقه، ويراها أعظم من بدر النّهار ورقّه.
والسّلام.
وكتب يوما: وصل الله بقاء الفقيه أبي الحجّاج، مؤمّلا لقبول الشّفاعة وقضاء الحاج. قد علمت، أدام الله عزّتك، وجعل للمكارم ارتياحك وهزّتك - أنّ حقّ الجار مرعي، وذمامه شرعي. فينبغي أن يلاحظ ويرتقب، فهو كما قال عليه السّلام:
أحقّ بالصّقب. وإن كان خامل المقدار، فيرعى له قرب الدّار. وحسبك من هذه المرتبة المنيفة، قصّة أبي حنيفة، حين استعمل قدمه في إكمال الشّفاعة، وما أهمل (جاره) ولا أضاعه. وإنّ رجلا خديما تعرفه إن شاء الله من قبل موصّلها، وهو ... جار لي بيت بيت، فحرّكني للشّفاعة بعد أن أبيت. فوصلتني الآن رغبة في أن أشفع له شفاعة حسنة، وأفوز بنصيب من هذه الحسنة. وذكر أنّ مقرّ الوزارة العظمى، لا ينحّى من لاذ به ولا يظما، أعلى الله مقداره، وأجرى بأفق مراده أقداره؛ سجنه لأمر سبّبه، وأدب أوجبه. ويرجى إن شاء الله أن يكون الأدب قد أقامه، وألزمه الاستقامة. فالغرض منك أيها الصّفيّ الوفيّ في إحراز هذه الفضيلة، وتبليغ هذه الوسيلة، لعلّ الشّفاعة تتقبّل، فيكون حقّ المجاورة قد رعي ولم يهمل.
لا زال محلّ الوزارة قابلا شفاعة الشّافع، مواصلا على الجميع أشتات الأيادي والمنافع. ولا زلت أعزّك الله ساعيا في خير، جاريا بمقاصدك أسعد يمن (وطير...) بمنّه، والسّلام.
ومن شعره: [متقارب]
ومن شعره في ناعورة: [سريع]
ومن شعره في المعنى: [سريع]
ومن شعره في قوس: [وافر]
ومن شعره في أحدب: [سريع]
وله فيه: [سريع]
وله فيه: [طويل]
وكتب وقد استدعيت منه أقلام: سيّدي الأرفع، وسندي الأمنع، الذي أفخر بولائه، وأذّخر ودّه لأزمات الدّهر ولأوائه، ما زال للأدب يدير أفلاكه، ويسر أملاكه، وينظم عقوده وأسلاكه. وصلت أحرفك المشرقة، وغصون أدبك المورقة، تعبّر عن براعة، وتعرب في العبارة عن طلب يراعة. فلله أنت، لقد أبدعت في وصفك، وصدعت بالحقّ في نظمك ورصفك، فحلّيتها من ألفاظك بدرر، وأعليتها فوق الشّمس والقمر، حتّى تمنّى الوشيج أن يكون يراعا، وتحقّقت الصّوارم أنّها لم تزل للأقلام أتباعا، وأشرت أن يكون ممّا خرّجته أناملي، وصرّفته عواملي.
فكيف وهو في يميني لا يكاد يمشي خجلا، وفي يمينك ينشئ حللا. وعندي يريد أن يعرب فيعجم، وعندك ينبئ عن البيان ويترجم. فخفت أن يعدي على خطّك الأغرب، كما يعدي الصّحيح الأجرب. لكنّي سأوجّه إليك إن شاء الله بابنة حزن، وغدية مزن، نابتة في الحجر الصّلد، ومستوية كاستواء الملد، قد امتدّت أنابيبها امتداد القداح، وطالت في دوحتها طول الرّماح، وامتنعت لمدى من الأوراق، واجتمعت وإنّما تصلح بالافتراق. فحينئذ تبرى وتقطّ، وتكتب وتخطّ، فتبدي إذا صحبت يمينك سحرا، وتخرس من آدابك الرّائقة بحرا. والله تعالى يبقي إخاءك، ويديم ولاءك، بمنّه. وكتب محبّك الأشكر، محمد بن عسكر. والسلام.
وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين أبا العلاء إدريس: [طويل]
ومنها:
ومنها:
ومنها:
ومنها:
ومنها:
ومنها:
وله في قارئ يقرأ ما يكتب له تحت أثوابه باللمس من غير أن يعاين ما في الطّرس مكتوبا: [سريع]
ومن شعره يصف عشية أنس رحمه الله: [طويل]
وله من قصيدة كتب بها جوابا لبعض إخوانه: [بسيط]
ومنها:
ومنها:
ومنها:
ومنها:
ومنها:
وكتب إليه الفقيه أبو علي الاستجي بقطعة شعرية، فجاوبه عليها مسرعا: [كامل]
ومن شعره وقد سأله بعض الطلبة أن يجود عليه، فكتب إليه مع جملة دراهم أعطاها له: [مخلع]
وله يصف سيلا دخل على أمير المؤمنين أبي العلاء في رياضة بوادي ...: [كامل]
وتوفي رحمه الله عليه في ظهر يوم الأربعاء لجمادى الآخرة عام ستة وثلاثين وستمائة غفر الله له وجعل الجنّة مأواه بمنّه وكرمه لا رب سواه.

  • دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط - المغرب-ط 1( 1999) , ج: 1- ص: 175