محمد الجواد محمد بن علي الرضي بن موسى الكاظم الطالبي الهاشمي القرشي، ابو جعفر، الملقب بالجواد: تاسع الائمة الاثنى عشر عند الامامية. كان لافيع القدر كأسلافه، ذكيا، طلق اللسان، قوي البديهة. ولد في المدينة وانتقل مع ابيه إلى بغداد. وتوفي والده فكفله المأمون العباسي ورباه وزوجه ابنته (ام الفضل) وقدم المدينة ثم عاد إلى بغداد فتوفي فيها. وللدبيلي، محمد بن وهبان، كتاب في سيرته سماه (اخبار ابي جعفر الثاني) ويعني بالاول الباقر.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 271

أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)
تاسع أئمة أهل البيت الطاهر صلوات الله عليهم أجمعين
مولده ووفاته ومدة عمره ومدفنه
ولد بالمدينة ليلة الجمعة في 19 شهر رمضان أو للنصف منه أو 10 رجب يوم الجمعة ويدل عليه ما في مصباح المتهجد قال ابن عياش خرج على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه: اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب الدعاء قال وذكر ابن عياش أنه كان يوم العاشر من رجب مولد أبي جعفر الثاني.
وتوفي ببغداد في خلافة المعتصم آخر ذي القعدة يوم السبت أو آخر ذي الحجة أو لخمس أو ست خلون منه يوم الثلاثاء سنة 220 ودفن في مقابر قريش في ظهر جده موسى الكاظم (ع) وهو ابن 25 سنة. وقال الكليني وشهرين وثمانية عشر يوما وقيل وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما وقال ابن الخشاب وثلاثة أشهر واثني عشر يوما (وقال المفيد) وأشهر.
عاش منها مع أبيه ثماني سنين وقيل سبع سنين وأربعة أشهر ويومين وبعد أبيه 17 سنة وقيل 18 سنة إلا عشرين يوما وهي مدة إمامته وخلافته وهي بقية ملك المأمون وقبض في أوائل ملك المعتصم وقيل في ملك الواثق وحكى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في معالم العترة النبوية عن محمد بن سعيد أنه قتل في زمن الواثق بالله ولعله اشتباه حصل من صلاة الواثق عليه والصحيح أنه توفي في خلافة المعتصم أما الواثق فبويع له سنة 227 إلا أن يكون المراد أنه سمه الواثق في خلافة المعتصم.
أمه
أم ولد يقال لها سكن المريسية وقيل سبيكة وكانت نوبية وقيل سكينة ولعله تصحيف سبيكة وقيل الخيزران وقيل درة وسماها الرضا خيزران وقيل ريحانة من أهل مارية القبطية وتكنى أم الحسن.
كنيته
أبو جعفر ويقال أبو جعفر الثاني تمييزا له عن الباقر (ع).
لقبه
الجواد والقانع والمرتضى والنجيب والتقي وأشهر ألقابه الجواد.
نقش خاتمه
نعم القادر الله.
بوابه
في الفصول المهمة: بوابه عمر بن الفرات وفي المناقب كان بوابه عثمان بن سعيد السمان.
شاعره
جماد وداود بن القاسم الجعفري.
أولاده
قال المفيد: خلف من الولد عليا ابنه الأمام من بعده وموسى وفاطمة وإمامة ابنتيه ولم يخلف ذكرا غير من سميناه. وقال ابن شهراشوب أولاده علي الأمام وموسى وحكيمة وخديجة وأم كلثوم وقال أبو عبد الله الحارثي خلف فاطمة وإمامة فقط. صفته في خلقه وحليته
في الفصول المهمة: صفته أبيض معتدل ويأتي عند ذكر وفاته قول ابن أبي دؤاد عنه (ع) هذا الأسود وقال ابن شهراشوب في المناقب كان (ع) شديد الأدمة. صفته في أخلاقه وأطواره
سيأتي قول المفيد أن المأمون كان قد شغف بأبي جعفر لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه في الحكمة والعلم والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشائخ أهل الزمان فزوجه ابنته وكان متوفرا على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره وقال الطبرسي في إعلام الورى أنه كان (ع) قد بلغ في وقته من الفضل والعلم والحكم والأداب مع صغر سنه منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي الأسنان من السادة وغيرهم ولذلك كان المأمون مشغوفا به لما رأى من علو رتبته وعظيم منزلته في جميع الفضائل فزوجه ابنته وكان متوفرا على إعظامه وتوقيره وتبجيله.
صفته في لباسه
روى الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر والظاهر أنه الجواد إنا معشر آل محمد نلبس الخز واليمنة. وروى الصدوق بسنده عن علي بن مهزيار رأيت أبا جعفر الثاني الجواد يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروي وكساني جبة خز وذكر أنه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها.
أخباره وأحوله مجيئه إلى خراسان لزيارة أبيه
عليه السلام
قال أبو الحسن البيهقي علي بن أبي القاسم زيد بن محمد في تاريخ بيهق كما سيأتي في ترجمته ما تعريبه: أن محمد بن علي بن موسى الرضا الذي كان يلقب النقي عبر البحر من طريق طبس مسينا لأن طريق قومس لم يكن مسلوكا في ذلك الوقت وهذا الطريق صار مسلوكا من عهد قريب فجاء من ناحية بيهق ونزل في قرية ششتمد وذهب من هناك إلى زيارة أبيه علي بن موسى الرضا سنة 202‍ وهذا يقتضي أنه حضر لزيارة أبيه في حياته سنة موته أو قبلها بسنة أو لزيارة قبره بعد موته للخلاف في سنة وفاته أنها سنة 202 أو 203 كما مر ولم نر من ذكر ذلك غيره وستعرف أن المأمون استدعاه إلى بغداد بعد وفاة أبيه وزوجه ابنته فإن صح ما ذكر البيهقي فيكون قد عاد من خراسان إلى المدينة ثم منها إلى بغداد باستدعاء المأمون والله أعلم.
مجيء الجواد من المدينة إلى بغداد وتزوجه بنت المأمون
مر في سيرة الرضا أن الجواد (ع) لم يحضر مع أبيه إلى خراسان حينما استدعاه المأمون فتوفي الرضا وابنه الجواد بالمدينة قال المسعودي في إثبات الوصية: لما توفي الرضا وجه المأمون إلى ولده الجواد فحمله إلى بغداد وأنزله بالقرب من داره واجمع على أن يزوجه ابنته أم الفضل وقال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص أنه لما توفي الرضا قدم ابنه محمد الجواد على المأمون فأكرمه وأعطاه ما كان يعطي أباه قال واختلفوا هل زوجه ابنته أم الفضل قبل وفاة أبيه أو بعد وفاته أقول مر في سيرة الرضا (ع) أنه لما زوجه المأمون سمى ابنته أم الفضل للجواد فمن هنا توهم أنه زوجه إياها في حياة أبيه والحقيقة أنه سماها له في حياة أبيه وزوجه بها بعد موت أبيه. (وقال المفيد): كان المأمون قد شغف بأبي جعفر (ع) لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشائخ أهل الزمان فزوجه ابنته أم الفضل وحملها إلى المدينة وكان متوفرا على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره.
تزويج المأمون ابنته زينب أم الفضل من الجواد (ع)
وخبره مع يحيى بن أكثم
روى ذلك المفيد في الإرشاد عن الحسن بن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب ورواه الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول مرسلا وبين الروايتين بعض التفاوت ونحن نذكره منتزعا منهما. قال لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي (ع) بلع ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستكبروه وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى إليه مع الرضا (ع) فخاضوا في ذلك واجتمع إليه منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنا نخاف أن تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله وتنزع منا عزا قد ألبسناه الله فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم آل علي قديما وحديثا وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيرهم فقال لهم المأمون أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم وأعوذ بالله من ذلك ووالله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته أن يقوم بالأمر وانزعه عن نفسي فأبى وكان أمر الله قدرا مقدورا وأما أبو جعفر محمد بن علي فوالله لا قبلت من واحد منكم في أمره شيئا فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والأعجوبة فيه بذلك وإنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه فقالوا يا أمير المؤمنين أتزوج ابنتك وقرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف حلاله من حرامه ولا فرضه من سنته أن هذا الفتى وإن راقك منه هدية فأنه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ويقرأ القرآن ويتفقه في الدين ويعرف الحلال من الحرام ثم اصنع ما تراه بعد ذلك فقال لهم المأمون ويحكم إني اعرف بهذا الفتى منكم وأنه لأفقه منكم واعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه وأقرأ لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصة وعامه وتنزيله وتأويله منكم فإن شيء تم فامتحنوا أبا جعفر فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم وإن كان الأمر على ما وصفت علمت أن الرجل خلف منكم قالوا له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فإن أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون شأنكم وذاك متى أردتم، فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسالة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة على أن يسأله مسالة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر (ع) دست ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر (ع) فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (ع) فقالوا يا أمير المؤمنين هذا القاضي أن أذنت له أن يسال أبا جعفر فقال له المأمون استأذنه في ذلك فاقبل عليه يحيى بن أكثم فقال أتأذن لي جعلت فداك في مسالة قال له أبو جعفر (ع): سل أن شيء قال يحيى ما تقول جعلني الله فداك أو يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا فقال له أبو جعفر (ع) قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أم جاهلا قتله عمدا أو خطا حرا كان المحرم أم عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا بالقتل أم معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها من صغار الصيد كان أم من كباره مصرا على ما فعل أو نادما في الليل كان قتله للصيد في أوكارها أم نهارا وعيانا محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما، فتحير يحيى بن أكثم وانقطع انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر فقال المأمون الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر (ع) أن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد وتعرفنا ما يجب على كل صنف من هذه الأصناف في قتل الصيد لنعلمه ونستفيده فقال أبو جعفر (ع) نعم أن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا فإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن وليست عليه القيمة لأنه ليس في الحرم وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما وإن كان بقرة فعليه بقرة فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام فإن قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى حيث ينحر الناس وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة في فناء الكعبة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا وكذلك إذا أصاب أرنبا أو ثعلبا فعليه شاة ويتصدق بمثل ثمن شاة وإن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به ودرهم يشتري به علفا لحمام الحرم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم وكلما أتى به المحرم بجهالة أو خطا فلا شيء عليه إلا الصيد فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم بخطأ كان أم بعمد وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ والكفارة على الحر في نفسه وعلى السيد في عبده والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء وإن أصابه ليلا في أوكارها خطا فلا شيء عليه أن لم يتصيد فإن تصيد بليل فعليه فيه الفداء فقال له المأمون أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك وأمر أن يكتب ذلك عنه.
وفي الإرشاد في تتمة الرواية السابقة بعد ذكر سؤال الجواد ليحيى بن أكثم وعجزه عن الجواب وقول المأمون لأهل بيته: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه قال: ثم اقبل المأمون على أبي جعفر (ع) فقال له أتخطب يا أبا جعفر؟ قال نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي وإنا مزوجك أم الفضل ابنتي وان رغم قوم لذلك، فقال أبو جعفر (ع): الحمد لله إقرارا بنهمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته والأصفياء من عترته أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه {وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} ثم أن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو خمسمائة درهم جيادا فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور قال المأمون نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح فقال أبو جعفر (ع) قد قبلت ذلك ورضيت به. وذكر نحوه في تحف العقول مع بعض التغيير وقال قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق. ورواية المسعودي في إثبات الوصية تخالف رواية المفيد في الخطبة كما أشرنا إليه في الجزء الخامس من المجالس السنية. وفي تحف العقول فأولم المأمون وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصة وأهل العامة والأشراف والعمال وأوصل إلى كل طبقة برا على ما تستحقه (وقال المفيد). فأمر المأمون أن يقعد الناس مراتبهم في الخاصة والعامة قال الريان ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الأبريسم على عجلة مملوءة من الغالية فأمر المأمون أن تخضب لحى الخاصة من تلك الغالية ثم مدت دار العامة فطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم فلما كان من الغد حضر الناس وحضر أبو جعفر (ع) وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر (ع) فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنية واقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته فكان كل من وقع في يده بندقة اخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له ووضعت البدر فنثر ما فيها على القواد وغيرهم وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين.
وقال غير المفيد: ثم أمر فنثر على أبي جعفر رقاع فيها ضياع وطعم وعمالات. قال المفيد: ولم يزل المأمون مكرما لأبي جعفر (ع) معظما لقدره مدة حياته يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته.
توجه الجواد (ع) من بغداد إلى المدينة وعوده إلى بغداد
ثم أن الجواد (ع) استأذن المأمون في الحج وخرج من بغداد متوجها إلى المدينة ومعه زوجته أم الفضل.
وبعد توجه الجواد إلى المدينة توفي المأمون في طرسوس وبويع أخوه المعتصم. ثم أن المعتصم طلب الجواد واحضره إلى بغداد. قال المسعودي في إثبات الوصية: خرج أبو جعفر (ع) في السنة التي خرج فيها المأمون إلى البدندون من بلاد الروم بأم الفضل حاجا إلى مكة واخرج أبا الحسن عليا ابنه معه وهو صغير فخلفه بالمدينة وانصرف إلى العراق ومعه أم الفضل بعد أن أشار إلى أبي الحسن ونص عليه وأوصى إليه وتوفي المأمون بالبدندون يوم الخميس 13 رجب سنة 218 في ست عشرة سنة من إمامة أبي جعفر (ع) وبويع المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون في شعبان سنة 218 فلما انصرف أبو جعفر إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون الحيلة في قتله ولكن المفيد صرح بان ذلك كان في المحرم سنة 220 قال المفيد: فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة 220 وتوفي بها في ذي القعدة من هذه السنة ولكنه قال قبل ذلك أنه لم يزل بالمدينة إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة 225 إلى بغداد فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة.
(أقول): قوله أولا أنه أشخصه سنة 225 مع منافاته لما ذكره ثانيا من أن إشخاصه كان سنة 220 مناف لما اتفق عليه الكل ومنهم المفيد من أن وفاته كانت سنة 220 فالظاهر أنه من سهو القلم منه أو من النساخ.
ما روي من طريق الجواد
عليه السلام
روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة الطاهرة عن الجواد عن آبائه عن علي (ع) وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عن أبيه علي عن أبيه موسى عن آبائه عن علي. قال بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال لي وهو يوصيني يا علي ما حار من استخار ولا ندم من استشار يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار يا علي أغد باسم الله فإن الله بارك لأمتي في بكورها. وروى الخطيب بسنده والجنابذي مرسلا عنه (ع) وقد سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فقال خاص للحسن والحسين. وروى الجنابذي عنه عن علي (ع) قال في كتاب علي بن أبي طالب (ع) أن ابن آدم أشبه شيء بالعيار أما راجح بعلم وقال مرة بعقل أو ناقص بجهل وعنه (ع) قال علي (ع) لأبي ذر رضوان الله عليه إنما غضبت لله عز وجل فارج من غضبت له أن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك والله لو كانت السماوات والأرضون رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل. وعنه عن علي (ع) أنه قال لقيس بن سعد وقد قدم عليه من مصر يا قيس أن للمحن غايات لا بد أن تنتهي إليها فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها فإن مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها. وعنه (ع) قال من وثق بالله أراه السرور ومن توكل عليه كفاه الأمور والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا مؤمن أمين والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو والدين عز والعلم كنز والصمت نور وغاية الزهد الورع ولا هدم للدين مثل البدع ولا أفسد للرجال من الطمع وبالراعي تصلح الرعية وبالدعاء تصرف البلية ومن ركب مركب الصبرتدى إلى مضمار النصر ومن عاب عيب ومن شتم أجيب ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى. ثم ذكر حكما كثيرة ودررا يتيمة مما رواه الجواد عن آبائه عن علي (ع) موجودة في كشف الغمة. وروى الخطيب بسنده والجنابذي مرسلا عنه (ع) أنه قال: من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة.
من روى عنه الجواد
عليه السلام
قال الخطيب في تاريخ بغداد أسند محمد بن علي الحديث عن أبيه.
الراوون عنه
في المناقب كان بوابه عثمان بن سعيد السمان. ومن ثقاته أيوب بن نوح بن دراج الكوفي وجعفر بن محمد بن يونس الأحول والحسين بن مسلم ابن الحسن والمختار بن زياد العبدي البصري ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي. ومن أصحابه شاذان بن الخليل النيسابوري ونوح بن شعيب البغدادي ومحمد بن أحمد المحمودي وأبو يحيى الجرجاني وأبو القاسم إدريس القمي وعلي بن محمد وهارون بن الحسن بن محبوب وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري وأبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي وأبو علي بن بلال وعبد الله بن محمد الحصيني ومحمد بن الحسن بن شمون البصري. وقال في موضع آخر وقد روى عنه المصنفون نحو أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه وأبي إسحاق الثعلبي في تفسيره ومحمد بن منده بن مهربذ في كتابه.
ما أثر عنه من المواعظ والحكم والآداب المنقول من تحف العقول
قال له رجل أوصني قال أوتقبل قال نعم قال توسد الصبر واعتنق الفقر وارفض الشهوات وخالف الهوى واعلم انك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون. وروي أنه حمل له بز له قيمة كثيرة فسلب في الطريق فكتب إليه الذي حمله يعرفه الخبر فوقع بخطه أن أنفسنا وأموالنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة يمتع بما متع منها في سرور وغبطة ويؤخذ ما اخذ منها في اجر وحسبة فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره ونعوذ بالله من ذلك. وقال (ع): من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده وقال (ع): من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس. وقال (ع) تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله هلكة والإصرار على الذنب امن لمكر الله ولا يأمن لمكر الله إلا القوم الخاسرون. وقال (ع): إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة. وقال (ع): المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه.
المنقول من أعلام الدين
قد عاداك من ستر عنك الرشد أتباعا لما تهواه. الحوائج تطلب بالرجاء وهي تنزل بالقضاء والعافية أحسن عطاء، لا تعاد أحدا حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى فإن كان محسنا فأنه لا يسلمه إليك وأن كان مسيئا فإن علمك به يكفيه فلا تعاده. لا تكن وليا لله في العلانية وعدوا له في السر. التحفظ على قدر الخوف. الأيام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة.
المنقول من الدرة الباهرة
قال (ع): كيف يضيع من الله كافله وكيف ينجو من الله طالبه ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه ومن عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. من أطاع هواه أعطى عدوه مناه. من هجر المداراة قاربه المكروه. ومن لم يعرف الموارد أعيته المصادر. ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة. من عتب من غير ارتياب اعتب من غير استعتاب. راكب الشهوات لا تستقال له عثرة. اتئد تصب أو تكد. الثقة بالله تعالى ثمن لكل غال وسلم إلى كل عال. إياك ومصاحبة الشرير فأنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره. إذا نزل القضاء ضاق الفضاء. كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة. عز المؤمن غناه عن الناس. نعمة لا تشكر سيئة لا تغفر. لا يضرك سخط من رضاه الجور. من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض بالعطية.
بعض أدعيته القصيرة
روى الصدوق في العيون بإسناده وذكر خبرا طويلا فيه دعاء لكل إمام حتى وصل إلى الجواد (ع) فقال ويقول في دعائه: يا من لا شبيه له ولا مثال أنت الله لا اله إلا أنت ولا خالق إلا أنت تفنى المخلوقين وتبقى أنت حلمت عمن عصاك وفي المغفرة رضاك.
بعض ما قيل فيه من الشعر
روى ابن عياش في المقتضب عن عبد الله بن محمد المسعودي حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال: أنشدني عبد الله بن أيوب الخريبي الشاعر وكان انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يخاطب ابنه أبا جعفر محمد بن علي بعد وفاة أبيه الرضا (ع) من كلمة له لم نكتبها على وجهها بل ذكرنا منها موضع الشاهد يقول:

كيفية وفاته
في روضة الواعظين قبض ببغداد قتيلا مسموما وقال ابن بابويه سمه المعتصم وقال ابن شهراشوب قبض مسموما (وقال المفيد) قيل أنه مضى مسموما ولم يثبت عندي بذلك خبر فأشهد به.
وقال المرتضى في عيون المعجزات: أن المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (ع) وأشار على ابنة المأمون زوجته بان تسمه لأنه وقف على انحرافها عن أبي جعفر (ع) وشدة غيرتها عليه لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ولأنه لم يرزق منها ولدا فأجابته إلى ذلك وجعلت سما في عنب رازقي ووضعته بين يديه فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي.
قال عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي وأدخلت امرأته أم الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم.
قال الخطيب في تاريخ بغداد: وركب هارون بن أبي إسحاق فصلى عليه عند منزلته في رحبة أسوار بن ميمون ناحية قنطرة البردان ثم حمل ودفن في مقابر قريش هارون هو الواثق وأبو اسحق هو المعتصم.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 32

محمد الجواد محمد بن علي هو الجواد بن الرضا بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر رضي الله عنهم كان يلقب بالجواد وبالقانع وبالمرتضى وكان من سروات آل بيت النبوة زوجه المأمون بابنته وكان يبعث إلى المدينة في كل عام أكثر من ألف ألف درهم.
توفي ببغداذ شابا طريا بعد وفاة المأمون سنة عشرين ومأتين وقد قدم على المعتصم فأكرمه وأجله وقبره عند قبر جده موسى، وكان من الموصوفين بالسخاء ولذلك لقب الجواد، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، ومولده سنة خمس وتسعين ومائة، ولما مات حملت زوجته أم الفضل إلى دار المعتصم.
قال جعفر بن محمد بن مزيد: كنت ببغداذ فقال لي محمد بن منده: هل لك أن أدخلك على محمد بن علي الرضا؟ فقلت: نعم، فأدخلنا عليه فسلمنا وجلسنا فقال له: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’إن فاطمة رضي الله عنها أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار’’؟ قال: خاص للحسن والحسين رضي الله عنهما.
وكان يروي مسندا عن آبائه إلى علي رضي الله عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال لي وهو يوصيني: يا علي ما خاب من استخار ولا ندم من استشار يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار يا علي اغد بسم الله فإن الله بارك لأمتي في بكورها.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 4- ص: 0

الجواد محمد بن علي بن موسى بن جعفر

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0