المهدي ابن تومرت محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، ابو عبد اله، المتلقب بالمهدي، ويقال له مهدي الموحدين: صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن بن علي ملك المغرب، وواضع اسس الدولة المؤمنية الكومية. وهو من قبيلة (هرغة) من (المصامد) من قبائل جبل السوس، بالغرب الاقصى. وتنتسب هرغة إلى الحسن بن علي. وفي نسب اب تومرت اقوال يأتي ذكرها في هامش هذه الترجمة. ولد ونشأ في قبيلته. ورحل إلى المشرق، طالبا للعلم (سنة 500هـ) فانتهى إلى العراق. وحج واقام بمكة زمنا. واشتهر بالورع والشدة في النهي غما يخالف الشرع، فتعصب عليه جماعة بمكة، فخرج منها إلى مصر، فطردته حكومتهاـ فعاد إلى المغرب. ونزل بالمهدية، فكسر ما رآه فيها من آلات اللهو واواني الخمر. وانتقل إلى بجاية، فأخر منها إلى احدى قراها واسمها (ملالة) فلقى بها عبد المؤمن بن علي القيسي (الكومي) وكان شابا نبيلا فطنا، فاتفق معه إلى الدعوة اليه. واتخذ انصارا رجل بهم إلى مراكش، وعبد المؤمن معه، فحضر مجلس علي بن يوسف بن تاشفين (وكان ملكا حليما) فانكر عليه ابن تورمرت بدعا ومنكرات. ثم خرج من حضرته، ونزل بموضع حصين من جبال (تينملل) بكسر التاء وفتح الميم وتشديد اللام الاولى وفتحها. فجعل يعظ سكانه حتى اقبلوا عليه. واشتهر فيهم بالصلاح، فحرضهم على عصيان (ابن تاشفين) فقتلوا جنودا له، وتحصنوا. وقوس بهم امر ابن تومرت، وتلقب بالمهدي القائم بامر اله. وعاجلته الوفاة في جبل تينملل قبل ان يفتح مراكش. ولكنه قرر القواعد ومهدها، فكانت الفتوحات بعد ذلك على يد صاحبه (عبد المؤمن) وكان ابن تومرت اسمر، ربعة، عظيم الهامة، حديد النظر داهية ابيا فصيحا، اديبا له كتاب (كنز العلوم -خ) و (اعز ما يطلب -ط) مشتمل على تعليقاته، املاه عبد المؤمن بن علي. ويقول السلاوي في الاستقصا: انه زاد في اذان الصبح (اصبح ولله الحمد)؟ وافرد شيء من سيرته في كتاب (اخبار المهدي ابن تومرت وابتداء دولة الموحدين -ط) ومؤلفه يصف المهدي بالامام (المعصوم) ويقول انه جاء في (زمن الفترة) ويذكر اصحابه والقبائل التي (آخي) بينها، ويسمى بعض اصحابه (الجماعة العشرة) ويقول: اول من (آمن) به فلان وفلان، ويشير إلى ان له (اي المؤلف اخبار المهدي) كتابا آخر سماه (الانساب في معرفة الاصحاب) لصحاب المهدي، ويصم من لم يؤمنوا به بالكفر، ويذكر جماعة بانهم (انصاره) وآخرين يسميهم (المهاجرين) ويقول: ان المهدي لما دخل (الغار) معتكفا برباط هرغة الخ، ويسمى وقائعه (الغزوات) ومن أتو بعده (خلفاء) وهناك غير هذا، مما يدل على ان ابن تومرت وضع (السيرة النبوية) بين عينيه، واقتفى مظاهرها، واستعار اسماء جماعاتها وبعض اماكنها.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 228
ابن تومرت محمد بن عبد الله بن تومرت أبو عبد الله الملقب بالمهدي المصمودي الهرغي بالراء الساكنة والغين المعجمة، صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن ملك الغرب، لقي الغزالي والكياء الهراسي وأبا بكر الطرطوشي وجاور بمكة وحصل طرفا جيدا من العلم، وكان ورعا ناسكا مهيبا متقشفا مخشوشنا أمارا بالمعرف كثير الإطراق متعبدا يتبسم إلى من لقيه ولا يصحب من الدنيا إلا عصا وركوة، وكان شجاعا جرئا فصيحا عاقلا بعيد الغور، وإذا خاف من البطش به خلط في كلامه ليظن أنه مجنون، كان قد رأى في منامه أنه شرب البحر جميعه كرتين، ومن شعره:
أخذت بأعضادهم إذ نأوا | وخلفك القوم إذ ودعوا |
فكم أنت تنهى ولا تنتهي | وتسمع وعظا ولا تسمع |
فيا حجر الشحذ حتى متى | تسن الحديد ولا تقطع |
ذرني وأشياء في نفسي مخبأة | لألبسن لها درعا وجلبابا |
والله لو ظفرت كفي ببغيتها | ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبى |
حتى أطهر هذا الدين من نجس | وأوجب الحق للسادات إيجابا |
وأملأ الأرض عدلا بعدما ملئت | جورا وأفتح للخيرات أبوابا |
آثاره تنبك عن أخباره | حتى كأنك بالعيون تراه |
تجرد من الدنيا فإنك إنما | خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد |
إذا غامرت في شرف مروم | فلا تقنع بما دون النجوم |
فطعم الموت في أمر حقير | كطعم الموت في أمر عظيم |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 3- ص: 0
ابن تومرت المصمودي اسمه محمد بن عبد الله بن تومرت.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0
ابن تومرت الشيخ الإمام، الفقيه الأصولي الزاهد، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري، والمصمودى، الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي، وأنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن جابر بن يحيى بن رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب.
رحل من السوس الأقصى شابا إلى المشرق، فحج وتفقه، وحصل أطرافا من العلم، وكان أمارا بالمعروف، نهاء عن المنكر، قوي النفس، زعرا شجاعا، مهيبا قوالا بالحق، عمالا على الملك، غاويا في الرياسة والظهور، ذا هيبة ووقار، وجلالة ومعاملة وتأله، انتفع به خلق، واهتدوا في الجملة، وملكوا المدائن، وقهروا الملوك.
أخذ عن إلكيا الهراسي، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الطرطوشي، وجاور سنة.
وكان لهجا بعلم الكلام، خائضا في مزال الأقدام، ألف عقيدة لئقبها بـ ’’المرشدة’’، فيها توحيد وخير بانحراف، فحمل عليها أتباعه، وسماهم الموحدين، ونبز من خالف ’’المرشدة’’ بالتجسيم، وأباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوى.
وكان خشن العيش، فقيرا، قانعا باليسير، مقتصرا على زي الفقر، لا لذة له في مأكل ولا منكح، ولا مال، ولا في شيء غير رياسة الأمر، حتى لقي الله تعالى.
لكنه دخل -والله- في الدماء لنيل الرياسة المردية.
وكان ذا عصا وركوة ودفاس، غرامه في إزالة المنكر، والصدع بالحق، وكان يتبسم إلى من لقبه.
وله فصاحة في العربية والبربرية، وكان يؤذى ويضرب ويصبر، أوذي بمكة، فراح إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فطردوه، وآذوه، وكان إذا خاف من البطش به خلط وتباله.
ثم سكن الثغر مدة، ثم ركب البحر إلى المغرب، وقد رأى أنه شرب ماء البحر مرتين، وأخذ ينكر في المركب على الناس، وألزمهم بالصلاة، فآذوه، فقدم المهدية وعليها ابن باديس، فنزل بمسجد معلق، فمتى رأى منكرا أو خمرا، كسر وبدد، فالتف عليه جماعة، واشتغلوا عليه، فطلبه ابن باديس، فلما رأى حاله، وسمع كلامه، سأله الدعاء، فقال: أصلحك الله لرعيتك.
وسار إلى بجاية، فبقي ينكر كعادته، فنفي، فذهب إلى قرية ملالة، فوقع بها بعبد المؤمن الذي تسلطن، وكان أمرد عاقلا، فقال: يا شاب، ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن. قال: الله أكبر، أنت طلبتي، فأين مقصدك؟ قال: طلب العلم. قال: قد وجدت العلم والشرف، اصحبني ونظر في حليته، فوافقت ما عنده مما قيل: إنه اطلع على كتاب الجفر -فالله أعلم- فقال: ممن أنت؟ قال: من كومية. فربط الشاب، وشوقه إلى أمور عشقها، وأفضى إليه بسره، وكان في صحبته الفقيه عبد الله الونشريسي، وكان جميلا نحويا، فاتفقا على أن يخفي علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللكن مدة، ثم يجعل إظهار نفسه معجزة، ففعل ذلك، ثم عمد إلى ستة من أجلاد أتباعه، وسار بهم إلى مراكش، وهي لابن تاشفين، فأخذوا في الإنكار، فخوفوا الملك منهم، وكانوا بمسجد خراب، فأحضرهم الملك، فكلموه فيما وقع فيه من سب الملك، فقال: ما نقل من الوقيعة فيه، فقد قلته، هل من ورائه أقوال، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي، هل بلغك أن الخمر تباع جهارا، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاة طمع ابن تومرت في الملك فنصح مالك بن وهيب الفيلسوف سلطانه، وقال: إني خائف عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقت عليهم خزائنك. فوافقه، فقال الوزير: يقبح بالملك أن يبكي من وعظه، ثم يسئ إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك، وأنت سلطان: من رجل فقير. فأخذته نخوة، وصرفه، وسأله الدعاء.
وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق المصمودي، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا الموضع، فعليكم بتينمل، فهي يوم عنا، وهو أحصن الأماكن، فأقيموا به برهة كي ينسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكر لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه
ما في نفسه، فإن أسرع إليه، أضافه إلى خواصه، وإن سكت، أعرض عنه، وكان كهولهم ينهون شبانهم ويحذرونهم، وطالت المدة، ثم كثر أتباعه من جبال درن، وهو جبل الثلج، وطريقه وعر ضيق.
قال اليسع في ’’تاريخه’’: لا أعلم مكانا أحصن من تينملل لأنها بين جبلين، ولا يصل إليهما إلا الفارس، وربما نزل عن فرسه في أماكن صعبة، وفي مواضع يعبر على خشبة، فإذا أزيلت الخشبة، انقطع الدرب، وهي مسافة يوم، فشرع أتباعه يغيرون ويقتلون، وكثروا وقووا، ثم غدر بأهل تينملل الذين آووه، وأمر خواصه، فوضعوا فيهم السيف، فقال له الفقيه الإفريقي أحد العشرة من خواصه: ما هذا؟! قوم أكرمونا وأنزلونا نقتلهم!! فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، فاقتلوه، فقتل.
قال اليسع وكل ما أذكره من حال المصامدة، فقد شاهدته، أو أخذته متواترا، وكان في وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمرابط أو تلمساني أن يحرقوه.
فلما كان عام تسعة عشر وخمس مائة، خرج يوما، فقال: تعلمون أن البشير -يريد الونشريسي- رجل أمي، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مبشرا لكم، مطلعا على أسراركم، وهو آية لكم، قد حفظ القرآن، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ لختمة في أربعة أيام، وركب حصانا، وساقه، فبهتوا، وعدوها آية لغباوتهم، فقام خطيبا، وتلا: {ليميز الله الخبيث من الطيب}، وتلا: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، فهذا البشير مطلع على الأنفس، ملهم ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ’’إن في هذه الأمة محدثين، وإن عمر منهم’’. وقد صحبنا أقوام أطلعه الله على سرهم، ولابد من النظر في أمرهم، وتيمم العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: من كان مطيعا للإمام، فليأت، فأقبلوا يهرعون، فكانوا يعرضون على البشير، فيخرج قوما على يمينه، ويعدهم من أهل الجنة، وقوما على يساره، فيقول: هؤلاء شاكون في الأمر، وكان يؤتى بالرجل منهم فيقول: هذا تائب ردوه على اليمين تاب البارحة، فيعترف بما قال: واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفر منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدة، قتلهم قراباتهم حتى يقتل الأخ أخاه.
قال: فالذي صح عندي أنهم قتل منهم سبعون ألفا على هذه الصفة، ويسمونه التمييز، فلما كمل التمييز، وجه جموعه مع البشير نحو أغمات، فالتفاهم المرابطون، فهزمهم المرابطون، وثبت خلق من المصامدة، فقتلوا، وجرح عمر الهنتاني عدة جراحات، فحمل على أعناقهم مثخنا، فقال لهم البشير: إنه لا يموت حتى تفتح البلاد. ثم بعد مدة، فتح عينيه، وسلم، فلما أتوا، عزاهم ابن تومرت، وقال: يوم بيوم، وكذلك حرب الرسل.
وقال عبد الواحد المراكشي: سمع ابن تومرت ببغداد من المبارك بن الطيوري، وأخذ الأصول عن الشاشي، ونفاه من الإسكندرية أميرها، فبلغني أنه استمر ينكر في المركب، فألقوه، فأقام نصف يوم يعوم، فأنزلوا من أطلعه، واحترموه، فنزل ببجاية، فدرس ووعظ، وأقبلوا عليه، فخاف صاحبها، وأخرجه، وكان بارعا في خط الرمل.
وقيل: وقع بالجفر، وصادف عبد المؤمن، ثم لقيهما عبد الواحد الشرقي، فساروا إلى أقصى المغرب.
وقيل: لقي عبد المؤمن يؤدب بأرض متيجة، ورأى عبد المؤمن أنه يأكل مع الملك علي بن تاشفين، وأنه زاد على أكله، ثم اختطف منه الصحفة، فقال له العابر: لا ينبغي أن تكون هذه الرؤيا لك، بل لمن يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده.
وكان ابن تومرت طويل الصمت، دائم الانقباض، له هيبة في النفوس، قيل له مرة: فلان مسجون، فأتى الحبس، فابتدر السجانون يتمسحون به، فنادى: فلان، فأجابه، فقال: اخرج، فخرج، والسجانون باهتون، فذهب به، وكان لا يتعذر عليه أمر، وانفصل، عن تلمسان وقد استحوذ على قلوب كبرائها، فأتى فاس، وأخذ في الأمر بالمعروف.
قال: وكان جل ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي الأشعري، وكان أهل الغرب ينافرون هذه العلوم، فجمع متولي فاس الفقهاء، وناظروه، فظهر، ووجد جوا خاليا، وقوما لا يدرون الكلام، فأشاروا على الأمير بإخراجه، فسار إلى مراكش، فبعثوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفقهاء، فناظره ابن وهيب الفيلسوف، فاستشعر ذكاءه وقوة نفسه، فأشار على ابن تاشفين بقتله، وقال: إن وقع إلى المصامدة، قوي شره، فخاف الله فيه، فقال: فاحبسه، قال: كيف أحبس مسلما لم يتعين لنا عليه حق؟ بل يسافر. فذهب ونزل بتينملل، ومنه ظهر، وبه دفن، فبث في المصامدة العلم، ودعاهم إلى الأمر بالمعروف، واستمالهم وأخذ يشوق إلى المهدي، ويروي أحاديث فيه، فلما توثق منهم قال: أنا هو، وأنا محمد بن عبد الله، وساق نسبا له إلى علي، فبايعوه، وألف لهم كتاب ’’أعز ما يطلب’’، ووافق المعتزلة
في شيء، والأشعرية في شيء، وكان فيه تشيع، ورتب أصحابه، فمنهم العشرة، فهم أول من لباه، ثم الخمسين، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ’’لا يزال أهل الغرب ظاهرين’’ وأنتم تفتحون الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤم بعيسى، وحدثهم بجزئيات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشا، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة البدع، والإقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا فالسنة قد أباحت لكم قتالهم، فسار بهم عبد المؤمن يقصد مراكش، فالتقاه الزبير ابن أمير المسلمين، فكلموهم بالدعوة، فردوا أقبح رد، ثم انهزمت المصامدة، وقتل منهم ملحمة، فلما بلغ الخبر ابن تومرت، قال: أنجى عبد المؤمن؟ قيل: نعم. قال: لم يفقد أحد. وهون عليهم، وقال: قتلاكم شهداء.
قال الأمير عزيز في ’’أخبار القيروان’’: سمى ابن تومرت أصحابه بالموحدين، ومن خالفه بالمجسمين، واشتهر سنة خمس عشرة، وبايعته هرغة على أنه المهدي، فقصده الملثمون، فكسروا الملثمين، وحازوا الغنائم، ووثقت نفوسهم، وأتتهم أمداد القبائل، ووحدت هنتاتة، وهي من أقوى القبائل.
ثم قال عزيز: لهم تودد وأدب وبشاشة، ويلبسون الثياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يوما من طراد ومثاقفة ونضال، وكان في القبائل مفسدون، فطلب ابن تومرت مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لا يصلح دينكم إلا بالنهي عن المنكر، فابحثوا عن كل مفسد، فانهوه، فإن لم ينته، فاكتبوا إلي أسماءهم، ففعلوا، ثم هدد ثانيا، فأخذ ما تكرر من الأسماء، فأفردها ثم جمع القبائل، وحضهم على أنه لا يغيب منهم أحد، ودفع تلك الأسماء إلى البشير، فتأملها، ثم عرضهم رجلا رجلا، فمن وجند اسمه، رده إلى الشمال، ومن لم يجده، بعثه على اليمين، ثم أمر بتكتيف أهل الشمال، وقال لقراباتهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار، فلتقتل كل قبيلة أشقياءها، فقتلوهم، فكانت واقعة عجيبة، وقال: بهذا الفعل صح دينكم، وقوي أمركم.
وأهل العشرة هم: عبد المؤمن، والهزرجي، وعمرو بن يحيى الهنتاتى، وعبد الله البشير،
وعبد الواحد الزواوي طير الجنة، وعبد الله بن أبي بكر، وعمر بن أرناق، وواسنار أبو محمد، وإبراهيم بن جامع، وآخر.
وفي أول سنة أربع وعشرين؛ جهز عشرين ألف مقاتل عليهم البشير، وعبد المؤمن بعد أمور يطول شرحها، فالتقى الجمعان، واستحر القتل بالموحدين، وقتل البشير، ودام الحرب إلى الليل، فصلى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف، ثم تحيز بمن بقي إلى بستان يعرف بالبحيرة، فراح منهم تحت السيف ثلاثة عشر ألفا، وكان ابن تومرت مريضا، فأوصى باتباع عبد المؤمن، وعقد له، ولقبه أمير المؤمنين، وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضدوه بأنفسكم وأموالكم، ثم مات في آخر سنة أربع وعشرين وخمس مائة.
قال اليسع بن حزم: سمى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله -تعالى- عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.
إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لن يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبة.
قال ابن خلكان: قبره بالجبل معظم، مات كهلا، وكان أسمر ربعة، عظيم الهامة، حديد النظر مهيبا، وآثاره تغني عن أخباره، قدم في الثرى، وهامة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا، أغفل المرابطون ربطه وحله، حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفا بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابه يوما، وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاؤه عند الله، وكان يتمثل كثيرا:
تجرد من الدنيا فإنك إنما | خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد |
دعني ففي النفس أشياء مخبأة | لألبسن بها درعا وجلبابا |
والله لو ظفرت نفسي ببغيتها | ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبى |
حتى أطهر ثوب الدين عن دنس | وأوجب الحق للسادات إيجابا |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 14- ص: 377
محمد بن عبد الله بن تومرت أبو عبد الله الملقب بالمهدي المصمودي الهرغي المغربي صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن ملك المغرب
كان رجلا صالحا زاهدا ورعا فقيها
أصله من جبل السوس من أقصى المغرب وهناك نشأ
ثم رحل إلى المشرق لطلب العلم
فتفقه على الغزالي وإليكا أبي الحسن الهراسي
وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر خشن العيش كثير العبادة شجاعا بطلا قوي النفس صادق الهمة فصيح اللسان كثير الصبر على الأذى
يعرف الفقه على مذهب الشافعي وينصر الكلام على مذهب الأشعري
وكان كثير الأسفار ولا يستصحب إلا عصا وركوة
ولا يصبر عن النهى عن المنكر وأوذي بذلك مرات
دخل إلى مصر وبالغ في الإنكار فبالغوا في أذاه وطرده
وكان ربما أوهم أن به جنونا وذلك عند خشية القتل
ثم خرج إلى الإسكندرية فأقام بها مدة ثم ركب البحر ومضى إلى بلاده
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرتين فلما ركب السفينة شرع ينكر وألزمهم بالصلاة والتلاوة فلما انتهى إلى المهدية وصاحبها يومئذ يحيى بن تميم الصنهاجي وذلك في سنة خمس وخمسمائة نزل بها في مسجد معلق على الطريق وكان يجلس في طاقته فلا يرى منكرا من آلة الملاهي أو أواني الخمر إلا نزل وكسره فتسامع به الناس وجاءوا إليه وقرءوا عليه كتبا في أصول الدين
وبلغ خبره الأمير يحيى فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه وسأله الدعاء فقال له أصلحك الله لرعيتك
ثم نزح عن البلد إلى بجاية فأقام بها ينكر كدأبة فأخرج منها إلى قرية ملالة فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي فيقال إن ابن تومرت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن واسمه
وصفته رجل يظهر بالمغرب الأقصى من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب يسمى ت ى ن م ل ويجاوز وقته المائة الخامسة
فالقى في ذهنه أنه هو وأن الله ألقى في روعه ذلك كله من غير أن يجده في كتاب فقد كان رجلا صالحا متمكنا
ثم إنه أخذ يتطلب صفة عبد المؤمن فرأى في الطريق شابا قد بلغ أشده على الصفة التي ألقيت في روعه فقال يا شاب ما اسمك
فقال عبد المؤمن
فقال الله أكبر أنت بغيتي فأين مقصدك
قال المشرق لطلب العلم
قال قد وجدت علما وشرفا اصحبني تنله
ثم نظر في حليته فوافقته فألقى إليه سره
ثم اجتمع على ابن تومرت جمع كثير لما رأوه من قوته في الحق وصبره على طلب المعيشة وورعه وعلمه
فدخل مراكش وملكها علي بن يوسف بن تاشفين وكان حليما متواضعا فأخذ ابن تومرت في الإنكار على عادته حتى أنكر على ابنه الملك وذلك في قصة طويلة فبلغ خبره الملك وذكر أنه تحدث في تغيير الدولة فتكلم مالك بن وهيب الأندلسي الفقيه في أمره وقال نخاف من فتح باب يعسر علينا سده
وكان ابن تومرت وأصحابه مقيمين بمسجد خراب بظاهر البلد فأحضروا في محفل من العلماء فقال الملك سلوا هذا ما يبغي
فكلموه وقالوا ما الذي يذكر عنك من القول في حق هذا الملك العادل الحليم المنقاد إلى الحق
فقال أماما نقل عني فقد قلته ولى من ورائه أقوال
وكان من قول القاضي في مساءلة ابن تومرت أن الملك يؤثر طاعة الله على هواه وينقاد إلى الحق
فقال ابن تومرت فأما قولك إنه يوثر طاعة الله على هواه وينقاد إلى الحق فقد حضر اعتبار صحة هذا القول عليه ليعلم بتعريه عن هذه الصفة أنه مغرور بما تقولون له وتطرونه به مع علمكم أن الحجة عليه متوجهة فهل بلغك يا قاضي أن الخمر تباع جهارا وتمشي الخنازير بين المسلمين وتؤخذ أموال اليتامى وعدد كثيرا من ذلك حتى ذرفت عينا الملك وأطرق حياء
فقال مالك بن وهيب إن عندي نصيحة إن قبلها الملك حمد عاقبتها وإن تركها لم آمن عليه
فقال وما هي
قال إني خائف عليك من هذا الرجل وأرى أن تسجنه وتسجن أصحابه وتنفق عليهم كل يوم دينارا وإلا أنفقت عليه خزائنك
فوافقه الملك
فقال الوزير أيها الملك يقبح أن تبكي من موعظة هذا ثم تسيء إليه في مجلس واحد وأن يظهر منك الخوف مع عظم ملكك وهو رجل فقير لا يملك سد جوعه
فانقاد الملك لكلام الوزير وصرفه وسأله الدعاء
فقيل إن ابن تومرت لما خرج من عنده لم يزل وجهه تلقاء وجهه إلى أن فارقه
فقيل له نراك تأدبت مع الملك
فقال أردت ألا يفارق وجهي الباطل حتى أغيره ما استطعت
ولما خرج قال لأصحابه لا مقام لنا بمراكش مع وجود مالك بن وهيب وإن لنا بأغمات أخا في الله فنقصده فلن نعدم منه رأيا ودعاء وهو الفقيه عبد الحق بن إبراهيم المصمودي
فسافر في جماعته إليه فأنزلهم فبث إليه سره وما اتفق له
فقال هذا الموضع لا يحميكم وإن أحصن الأماكن المجاوة لهذا البلد تينملل
وهو مسيرة يوم في هذا الجبل فانقطعوا فيه مدة ريثما ينسى ذكركم
فلما سمع ابن تومرت بهذا الاسم تجدد له ذكر اسم الموضع الذي رآه في الكتاب فقصده مع أصحابه
فلما أتوه ورآهم أهل ذلك المكان على تلك الصورة فعلموا أنهم طلاب علم فتلقوهم وأكرموهم وأنزلوهم
وبلغ الملك سفرهم فسر بذلك
وتسامع أهل الجبل بوصول ابن تومرت فجاؤوه من النواحي يتبركون به
وكان كل من أتاه استدناه وعرض عليه ما في نفسه فإن أجابه أضافه إلى خواصه وإن خالفه أعرض عنه
وكثرت أتباعه
ومن كلام عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي صاحب كتاب المعجب أن ابن تومرت لما ركب البحر وأخذ ينكر على أهل المركب ما يراه من المناكر ألقوه في البحر وأقام نصف يوم يجري في الماء مع السفينة ولم يغرق فأنزلوه إليه من أطلعه وعظموه إلى أن نزل ببجاية ووعظ بها ودرس وحصل له القبول فأمره صاحبها بالخروج منهاخوفا منه فخرج ووقع بعيد المؤمن وكان بارعا في خط الرمل ووقع بجفر فيما قيل وصحبهما من ملالة عبد الواحد المشرقي فتوجه الثلاثة إلى أقصى المغرب
وقيل إنه لقي عبد المؤمن ببلاد متيجة فرآه يعلم الصبيان فأسر إليه وعرفه بالعلامات
وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا وهي أنه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صحفة قال ثم زاد أكلي على أكله ثم اختطفت الصحفة منه فقصصتها على عابر فقال هذه لا ينبغي أن تكون لك إنما هي لرجل ثائر يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده
وسار ابن تومرت إلى أن نزل في مسجد لظاهر تلمسان وكان قد وضع له هيبة في النفوس وكان طويل الصمت كثير الانقباض إذا انفصل عن مجلس العلم لا يكاد يتكلم
أخبرني شيخ عن رجل من الصالحين كان معتكفا في ذلك المسجد أن ابن تومرت خرج ليلة فقال أين فلان
قالوا مسجون
فمضى من وقته ومعه رجل حتى أتى باب المدينة فدق على البواب دقا عنيفا ففتح له بسرعة فدخل حتى أتى الحبس وابتدر إليه السجانون يتمسحون به ونادى يا فلان
فأجاب فقال اخرج فخرج والسجانون باهتون لا يمنعونه وخرج به حتى أتى المسجد
وكانت هذه عادته في كل ما يريده لا يتعذر عليه قدسخرت له الرجال
وعظم شأنه بتلمسان إلى أن انفصل عنها وقد استحوذ على قلوب كبرائها فأتى فاس فأظهر الأمر بالمعروف وكان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريقة الأشعرية
وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم ويعادون من ظهرت عليه فجمع والي فاس الفقهاء له فناظرهم فظهر عليهم لأنه وجد جوا خاليا وناسا لا علم لهم بالكلام فأشاروا على المتولي بإخراجه فسار إلى مراكش وكتبوه بخبره إلى ابن تاشفين فجمع له الفقهاء فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلا مالك ابن وهيب وكان متفننا قد نظر في الفلسفة فلما سمع كلامه استشعر حدته وذكاءه فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتله وقال هذا لا تؤمن غائلته وإن وقع في بلاد المصامدة قوى شره
فتوقف عن قتله دينا فأشار عليه بحبسه
فقال غلام أسجن مؤمنالم يتعين لنا عليه حق ولكن يخرج عنا
فخرج هو وأصحابه إلى السوس ونزل بتينملل
ومن هذا الموضع قام أمره وبه قبره
فلما نزله اجتمع إليه وجوه المصامدة فشرع في بث العلم والدعاء إلى الخير وكتم أمره وصنف له عقيدة بلسانهم وعظم في أعينهم وأحبته قلوبهم
فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونهاهم عن سفك الدماء
فأقاموا على ذلك مدة وأمر رجالا منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة واستمالة رؤساء القبائل
وأخذ يذكر المهدي ويشوق إليه وجمع الأحاديث التي جاءت في فضله
فلما قرر عندهم عظمة المهدي ونسبه ونعته ادعى ذلك لنفسه وقال أنا محمد ابن عبد الله وسرد له نسبا إلى علي عليه السلام وصرح بدعوى العصمة لنفسه وأنه المهدي المعصوم وبسط يده للمبايعة فبايعوه
فقال أبايعكم على ما بايع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم صنف لهم تصانيف في العلم منها كتاب سماه أعز ما يطلب وعقائد على مذهب الأشعري في أكثر المسائل إلا في إثبات الصفات فإنه وافق المعتزلة في نفيها وفي مسائل قليلة غيرها
وكان يبطن شيئا من التشيع
ورتب أصحابه طبقات فجعل منهم العشرة ...
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 6- ص: 109