الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبي، الطهماني النيسابوري، الشهير بالحاكم، ويعرف بابن البيع، ابو عبد الله: كن اكابر حفاظ الحديث والمصنفين فيه. مولده ووفاته في نيسابور. رحل إلى العراق سنة 341هـ ، وحج، وجال في بلاد خراسان وما وراء النهر، واخذ عن نحو الفي شيخ. وولي قضاء نيسابور سنة 359 ثم قلد قضاء جرجان، فامتنع. وكان ينفذ في الرسائل إلى ملوك بني بويه، فيحسن السفارة بينهم وبين السامانيين. وهو من اعلم الناس بصحيح الحديث تمييزه عن سقيمه. صنف كتبا كثيرة جدا، قال ابن عساكر: وقع من تصانيفه المسموعى في ايدي الناس ما يبلغ الفا وخمسائة جزء. منها (تاريخ نيسابور -خ) قال فيه السبكي: وهو عندي من اعود التواريخ على الفقهاء بفائدة ومن نظرخ عرف تفنن الرجل في العلوم جميعها، و (المستدرك على الصحيحين -ط) اربع مجلدات، و (الاكليل) و (المدخب -خ) اليه و (تراجم الشيوخ) و (الصحيح) في الحديث، و (فضائل الشافعي) و (تسمية من اخرجهم البخاري ومسلم -خ) و (معرفة علوم الحديث -ط).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 227
ابن البيع بتشديد الياء. اسمه محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم المعروف بالحاكم النيساويري.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 262
الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على صحيح مسلم والبخاري المعروف بأبي البيع
اسمه محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه نعيم الضبي وعن السيوطي في التدريب إن الحاكم من أحاط علما بجميع الأحاديث المروية متنا وسندا وجرحا وتعديلا وتاريخا اه.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 381
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدوية أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدوية بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بالحاكم وبابن البيع. وفي تذكرة الحفاظ يقال له الضبي لأن جدته هي سبطة عيسى بن عبد الرحمن، ووالدة عيسى هذا مثوبة بنت إبراهيم بن طهمان الفقيه وبيته الصلاح والورع والبادين في الإسلام
ولد في ربيع الأول سنة 321 وتوفي في صفر سنة 405 وقيل سنة 403.
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال: الحافظ الكبير إمام المحدثين طلب الحديث من الصغر باعتناء أبيه وخاله ورحل إلى العراق وهو ابن عشرين وحج ثم جال في خراسان وما وراء النهر فسمع بالبلاد من ألفي شيخ وكان يذاكر الجعابي والدار قطني وقال الخليل بن عبد الله الحافظ هو ثقة واسع العلم بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء صنف تاريخ نيسابور ولم يسبقه إلى ذلك أحد. قال عبد الغافر: الحاكم إمام أهل الحديث واتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء من تخريج الصحيحين وتاريخ نيسابور ومزكي الأخبار والمدخل إلى علم الصحيح والإكليل وفضائل الشافعي وغيرها كان مقدمو عصره يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله ثم أطنب في تعظيمه وقال هذه حمل يسيرة وهو غيض من فيض سيره وأحواله ومن تأمل تصانيفه اعترف له بالمزية على من تقدمه وأتعابه من بعده وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه عاش حميدا ولم يخلف في وقته مثله
قال الخطيب أبو بكر: أبو عبد الله الحاكم كان ثقة يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي قال جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير ومن طنت مولاه فعلي مولاه فأنكرها عليه أصحاب الحديث فلم يلتفتوا إلى قوله قال أبو عبد الرحمن الشاذيارخي كنا في مجلس السيد أبي الحسن فسأل الحاكم عن حديث الطير فقال لا يصح ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) ثم تغير الحاكم وأخرج حديث الطير في مستدركه ولا ريب أن في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا قد أفردتها بمصنف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل وأما حديث من كنت مولاه فله طرق جيدة وقد أفردت ذلك أيضا: قال ابن طاهر سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال ثقة في الحديث رافضي خبيث ثم قال ابن طاهر كان شديد التعصب للشيعة في الباطن وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة وكان منحرفا عن معاوية وآله متظاهرا بذلك ولا يعتذر منه قلت أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر وأما الشيخان فمعظم لهما فهو شيعي لا رافضي وليته لم يصنف المستدرك فإنه غض من فضائله بسوء تصرفه، انتهت تذكرة الحفاظ بتصرف واختصار (يقول المؤلف): العجب لهؤلاء لا يكاد يسلم منهم أحد ينسب إلى تفضيل علي وآله عليهم السلام حتى أعاظم العلماء والمحدثين فيقال لأحدهم مثل الحاكم الذي يحق للأمة الإسلامية أن تفتخر به في كل عصر وجيل: رافضي خبيث بدون تأثم ولا تحرج لماذا؟ لميله إلى أهل البيت الطاهر النبوي وانحرافه عن أعدائهم من بني أمية فلم يمنعه من قذفهم وشتمهم علمه وفضله وجلالته وسمو مقامه في الإسلام ثم أنظر إلى كلام الخطيب الذي انتقد الحاكم في زعم أن حديثي الطير والولاية من الصحاح على شرط الشيخين وإن أصحاب الحديث أنكروهما فلم يلتفتوا إلى قوله تجد أن هذا الانتقاد ملؤه العصبية وعدم الإطاقة لسماع فضيلة لعلي عليه السلام وآله التماس الوجوه للقدح فيها إما في السند أو في الدلالة ولو كثرت رواتها واتضحت دلالتها فإن وردت في غيره أغمض الطرف عنها وأخذت بالقبول مهما كانت. ماذا يريد الخطيب ليقبل حديثي الطير والولاية ولا ينفر ولا يمتعض منهما ولا بصيبه وجع في بطنه أزيد من اعتراف الذهبي المعلوم حاله بأن لحديث الطير طرقا كثيرة جدا ولحديث الولاية طرقا جيدة وأفراده لكل منهما بالتأليف. أما قول الحاكم عن حديث الطير لا يصح وقد سئل عنه في المجلس الحافل بمن لا يرضيهم صحته إن صح ذلك عنه فكان خوفا على نفسه أن يقال له على الأقل رافضي خبيث كما قال الأنصاري مع اعترافه بوثاقته وإذا كان الدار قطني مع جلالته نسب إلى التشيع لحفظه ديوان السيد الحميري كما حكاه الذهبي في تذكرته في ترجمة الدارقطني فما ظنك بمن يعترف بصحة حديث الطائر القاضي بأن عليا عليه السلام أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما الذهبي) فأراد أن يأخذ نفسه بشيء من الإنصاف فلم يستطع وغلب الطبع شيمة المتطبع فإنه ذكر أن لحديث الطير طرقا كثيرة وأنه أفردها بمصنف ومع ذلك لم تطاوعه نفسه أن يقول هو صحيح بل قال متورعا: مجموعها يوجب أن يكون له أصل وقال عن حديث الولاية أن له طرقا جيدة ولم يستطع يقول صحيحه كما قال الشاعر:
إن دهرا يلف شملي بسعدي | لزمان يهم بالإحسان |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 391
الحاكم ابن البيع محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري الحافظ أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيع صاحب التصانيف في علوم الحديث، ولد يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرين وثلث ماية وطلب العلم من الصغر باعتناء أبيه وأول سماعه سنة ثلثين واستملى على أبي حاتم ابن حبان سنة أربع وثلثين ووصل العراق سنة إحدى وأربعين وانتخب على خلق كثير وجرح وعدل وقبل قوله في ذلك لسعة علمه ومعرفته بالعلل والصحيح والسقيم، وتفقه على أبي علي بن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وغيرهما ورحل إليه من البلاد، واتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ ألف جزء من تخريج الصحيحين والعلل والتراجم والأبواب والشيوخ والمجموعات مثل معرفة علوم الحديث ومستدرك الصحيحين وتاريخ النيسابوريين وكتاب مزكى الأخبار والمدخل إلى علم الصحيح وكتاب الإكليل وفضايل الشافعي إلى غير ذلك، وتوفي ثامن صفر سنة خمس وأربع ماية، قال ياقوت: قال محمد بن طاهر المقدسي: سألت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري فقال: ثقة في الحديث رافضي خبيث، قال: وكان الحاكم رحمه الله شديد التعصب للشيعة في الباطن وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة وكان منحرفا عن معاوية غاليا فيه وفي أهل بيته يتظاهر به ولا يعتذر منه، قال: وسمعت أبا الفتح سمكويه الأصبهاني بهراة يقول: سمعت عبد الواحد المليحي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمى يقول: دخلت على الحاكم أبي عبد الله وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من جهة أصحاب أبي عبد الله بن كرام وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضايل هذا الرجل حديثا لاسترحت من هذه المحنة، فقال: لا يجيئ من قلبي لا يجيء من قلبي لا يجيء من قلبي، قال ابن طاهر: ومن بحث عن تصانيفه رأى فيها العجايب من هذا المعنى خاصة الكتاب الذي صنفه وسماه فيما زعم المستدرك على الصحيحين لعل أكثره إنما قصد به ثلب أقوام ومدح أقوام، وقال أبو سعد الماليني: طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثا على شرطهما.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 3- ص: 0
الحاكم ابن البيع أبو عبد الله محمد بن عبد الله
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، الإمام الحافظ، الناقد العلامة، شيخ المحدثين، أبو عبد الله بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري، الشافعي، صاحب التصانيف.
مولده في يوم الاثنين، ثالث شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة بنيسابور.
وطلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله، وأول سماعه كان في سنة ثلاثين، وقد استملى على أبي حاتم بن حبان في سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
ولحق الأسانيد العالية بخراسان والعراق وما وراء النهر، وسمع من نحو ألفي شيخ، ينقصون أو يزيدون، فإنه سمع بنيسابور وحدها من ألف نفس، وارتحل إلى العراق وهو ابن عشرين سنة، فقدم بعد موت إسماعيل الصفار بيسير.
وحدث عن أبيه، وكان أبوه قد رأى مسلما صاحب الصحيح، وعن محمد بن علي المذكر، ومحمد بن يعقوب الأصم، ومحمد بن يعقوب الشيباني بن الأخرم، ومحمد بن أحمد بن بالويه الجلاب، وأبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي صاحب ابن واره، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، وصاحبي الحسن بن عرفة: علي بن الفضل الستوري، وعلي بن عبد الله الحكيمي، وإسماعيل بن محمد الرازي، ومحمد بن القاسم العتكي، وأبي جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي الجمال، ومحمد بن المؤمل الماسرجسي، ومحمد بن أحمد بن محبوب محدث مرو، وأبي حامد أحمد بن علي بن حسنويه، والحسن بن يعقوب البخاري، والقاسم ابن القاسم السياري، وأبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي، وأحمد بن محمد بن عبدوس العنزي، ومحمد بن أحمد الشعيبي الفقيه، وإسماعيل بن محمد بن الشعراني، وأبي أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي، وأبي الوليد حسان ابن محمد الفقيه، وأبي علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ، وحاجب بن أحمد الطوسي، لكن عدم سماعه منه، وعلي بن حمشاد العدل، ومحمد بن صالح بن هانئ، وأبي النضر محمد ابن محمد الفقيه، وأبي عمرو وعثمان بن أحمد الدقاق البغدادي، وأبي بكر النجاد، وعبد الله بن درستويه، وأبي سهل بن زياد، وعبد الباقي بن قانع، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب شيخ همذان، والحسين بن الحسن الطوسي، وعلي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني، ومحمد بن حاتم بن خزيمة الكشي شيخ زعم أنه لقي عبد بن حميد، وأمم سواهم؛ بحيث إنه روى عن أبي طاهر الزيادي، والقاضي أبي بكر الحيري.
حدث عنه: الدارقطني وهو من شيوخه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، والزكي عبد الحميد البحيري، ومؤمل بن
محمد بن عبد الواحد، وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام، وعثمان بن محمد المحمي، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، وخلق سواهم.
وصنف وخرج، وجرح وعدل، وصحح وعلل، وكان من بحور العلم على تشيع قليل فيه.
وقد قرأ بالروايات على ابن الإمام، ومحمد بن أبي منصور الصرام، وأبي علي بن النقار مقرئ الكوفة، وأبي عيسى بكار مقرئ بغداد.
وتفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي الوليد حسان بن محمد، وأبي سهل الصعلوكي.
وأخذ فنون الحديث عن أبي علي الحافظ، والجعابي، وأبي أحمد الحاكم، والدارقطني، وعدة.
وقد أخذ عنه من شيوخه: أبو إسحاق المزكي، وأحمد بن أبي عثمان الحيري، ورأيت عجيبة وهي أن محدث الأندلس أبا عمر الطلمنكي قد كتب كتاب ’’علوم الحديث’’ للحاكم في سنة تسع وثمانين وثلاث مائة، عن شيخ سماه، عن رجل آخر، عن الحاكم.
وقد صحب الحاكم من مشايخ الطريق إسماعيل بن نجيد، وجعفرا الخلدي، وأبا عثمان المغربي.
وقع لي حديثه عاليا بإسناد فيه إجازة.
قرأت على أبي علي بن الخلال: أخبركم جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ ذكر الحاكم وعظمه، وقال: له رحلتان إلى العراق والحجاز، الثانية في سنة ثمان وستين، وناظر الدراقطني فرضيه، وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه قريبا من خمس مائة جزء، يستقصي في ذلك، يؤلف الغث والسمين. ثم يتكلم عليه، فيبين ذلك.
قال: وتوفي في سنة ثلاث وأربع مائة. كذا قال.
قال: وسألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه، ويقرأ عليه في فوائد العراقيين: سفيان الثوري، عن أبي سلمة، عن الزهري، عن سهل، حديث الاستئذان، فقال لي: من أبو سلمة هذا؟ فقلت من وقتي: المغيرة بن مسلم السراج. قال: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبقيت، ثم قال لي: قد أمهلتك أسبوعا حتى تتفكر فيه. قال: فتفكرت ليلتي حتى بقيت أكرر التفكر، فلما وقعت إلى أصحاب الجزيرة من أصحاب الزهري، تذكرت محمد بن أبي
حفصة، فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت، حضرت مجلسه، ولم أذكر شيئا حتى قرأت عليه نحو مائة حديث، قال: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم. هو محمد بن أبي حفصة، فتعجب، وقال لي: نظرت في حديث سفيان لأبي عمرو البحيري؟ فقلت: لا. وذكرت له ما أممت في ذلك، فتحير، وأثنى علي، ثم كنت أسأله، فقال: أنا إذا ذاكرت اليوم في باب لا بد من المطالعة لكبر سني. فرأيته في كل ما ألقي عليه بحرا، وقال لي: أعلم بأن خراسان وما وراء النهر، لكل بلدة تاريخ صنفه عالم منها، ووجدت نيسابور مع كثرة العلماء بها لم يصنفوا فيه شيئا، فدعاني ذلك إلى أن صنفت ’’تاريخ النيسابوريين’’ فتأملته، ولم يسبقه إلى ذلك أحد، وصنف لأبي علي بن سيمجور كتابا في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم، وأزواجه وأحاديثه، وسماه ’’الإكليل’’، لم أر أحدا رتب ذلك الترتيب، وكنت أسأله عن الضعفاء الذين نشئوا بعد الثلاث مائة بنيسابور وغيرها من شيوخ خراسان، وكان يبين من غير محاباة.
أخبرنا المؤمل بن محمد وغيره كتابة قالوا: أخبرنا زيد بن الحسن، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان أبو عبد الله بن البيع الحاكم ثقة، أول سماعه سنة ثلاثين وثلاث مائة، وكان يميل إلى التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور، وكان صالحا عالما قال: جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث، وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، منها حديث الطير، وحديث: ’’من كنت مولاه فعلي مولاه’’ فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا إلى قوله.
أبو نعيم الحداد: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم.
فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك؟ فكأنه اختلف اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في الجزء، وطرق حديث: من كنت مولاه وهو أصح، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه وسلم- إلي: ’’إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق’’. وهذا أشكل الثلاثة، فقد أحبه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب، فالله أعلم.
أنبئت عن أبي سعد الصفار: عن عبد الغافر بن إسماعيل قال: الحاكم أبو عبد الله هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته، يقال له: الضبي؛ لأن جد جدته هو عيسى بن عبد الرحمن الضبي، وأم عيسى هي منويه بنت إبراهيم بن طهمان الفقيه، وبيته بيت الصلاح والورع والتأذين في الإسلام، وقد ذكر أباه في تاريخه، فأغنى عن إعادته، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة. قال: ولقي عبد الله بن محمد بن الشرقي، وأبا علي الثقفي، وأبا حامد بن بلال، ولم يسمع منهم، وسمع من أبي طاهر المحمداباذي، وأبي بكر القطان، ولم يظفر بمسموعه منهما، وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه، وقرأ بخراسان على قراء وقته، وتفقه على أبي الوليد، والأستاذ أبي سهل، واختص بصحبة الإمام أبي بكر الصبغي، وكان الإمام يراجعه في السؤال والجرح والتعديل، وأوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة. وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك، وذاكر مثل الجعابي، وأبي علي الماسرجسي الحافظ الذي كان أحفظ زمانه، وقد شرع الحاكم في التصنيف سنة سبع وثلاثين، فاتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء من تخريج ’’الصحيحين’’، و’’العلل والتراجم’’ والأبواب والشيوخ، ثم المجموعات مثل ’’معرفة علوم الحديث’’، و’’مستدرك الصحيحين’’، و’’تاريخ النيسابوريين’’، و’’كتاب مزكي الأخبار’’، و’’المدخل إلى علم الصحيح’’، وكتاب ’’الإكليل’’، و’’فضائل الشافعي’’، وغير ذلك. ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مقدمي عصره مثل أبي سهل الصعلوكي، والإمام ابن فورك، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة، ثم أطنب عبد الغافر في نحو ذلك من تعظيمه، وقال: هذه جمل يسيرة هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه، وتصرفه في أماليه، ونظره في طرق الحديث، أذعن بفضله، واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه، وعاش حميدا، ولم يخلف في وقته مثله، مضى إلى رحمة الله في ثامن صفر سنة خمس وأربع مائة.
قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في عصره يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف.
قال العبدويي: وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: كتبت على ظهر جزء من حديث أبي الحسين الحجاجي الحافظ، فأخذ القلم، وضرب على الحافظ، وقال: أيش أحفظ أنا؟ أبو عبد الله بن البياع أحفظ مني، وأنا لم أر من الحفاظ إلا أبا علي النيسابوري، وأبا العباس بن عقدة. وسمعت السلمي يقول: سألت الدارقطني: أيهما أحفظ: ابن مندة أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظا.
قال أبو حازم: أقمت عند أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين، ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيرا، وكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم إلى أبي عبد الله، فإذا ورد جواب كتابه، حكم به، وقطع بقوله.
قال الحافظ أبو صالح المؤذن: أخبرنا مسعود بن علي السجزي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك، حدثنا الحافظ أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر البحيري، حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل بن مطرف الكرابيسي في سنة سبع وأربعين وثلاث مائة، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه الحافظ، حدثنا النجاد، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا سعير بن الخمس، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ’’إن بلالا يؤذن بليل’’ وذكر الحديث1، ثم قال مسعود: وحدثنيه الحاكم غير مرة، وقد كان الحاكم لما روى عنه الكرابيسي هذا شابا طريا.
أنبأنا ابن سلامة عن الحافظ عبد الغني، أخبرنا أبو موسى المديني، أخبرنا هبة الله بن عبد الله الواسطي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو القاسم الأزهري، حدثنا الدارقطني، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، حدثنا محمد بن جعفر النسوي، حدثنا الخليل بن أحمد النسوي، حدثنا خداش بن مخلد، حدثنا يعيش بن هشام، حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أحسن الهدية أمام الحاجة!.
قلت: هذا ملصق بمالك، وقد حدث به الوليد الموقري أحد الضعفاء، عن الزهري مرسلا.
أبو موسى: حدثنا الحسين بن عبد الملك، عن سعد بن علي الزنجاني، سمع أبا نصر الوائلي يقول: لما ورد أبو الفضل الهمذاني نيسابور تعصبوا له، ولقبوه: بديع الزمان، فأعجب بنفسه؛ إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت مرة، وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، فأنكر على الناس قولهم: فلان الحافظ في الحديث. ثم قال: وحفظ الحديث مما يذكر؟! فسمع به الحاكم ابن البيع، فوجه إليه بجزء، وأجل له جمعة في حفظه، فرد إليه الجزء بعد الجمعة، وقال: من يحفظ هذا؟ محمد بن فلان، وجعفر بن فلان، عن فلان؟ أسامي مختلفة، وألفاظ متباينة؟ فقال له الحاكم: فاعرف نفسك، واعلم أن هذا الحفظ أصعب مما أنت فيه.
ثم روى أبو موسى المديني: أن الحاكم دخل الحمام، فاغتسل، وخرج. وقال: آه. وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر يوم الأربعاء، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
قال الحسن بن أشعث القرشي: رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول: النجاة، فقلت له: أيها الحاكم! في ماذا؟ قال: في كتبة الحديث.
الخطيب في تاريخه: حدثني الأزهري قال: ورد ابن البيع بغداد قديما، فقال: ذكر لي أن حافظكم -يعني الدارقطني- خرج لشيخ واحد خمس مائة جزء، فأروني بعضها. فحمل إليه منها، وذلك مما خرجه لأبي إسحاق الطبري، فنظر في أول الجزء الأول حديثا لعطية العوفي، فقال: استفتح بشيخ ضعيف. ورمى الجزء، ولم ينظر في الباقي.
قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الحافظ عن أربعة تعاصروا: أيهم أحفظ؟ قال: من؟ قلت: الدارقطني، وعبد الغني، وابن مندة، والحاكم. فقال: أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأما ابن مندة فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا.
أنبأني أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن ابن طاهر: أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، عن أبي عبد الله الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث.
قلت: كلا ليس هو رافضيا، بل يتشيع.
قال ابن طاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم
والخلافة، وكان منحرفا غاليا عن معاوية -رضي الله عنه- وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي.
وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان، سمعت أبا سعد الماليني يقول: طالعت كتاب ’’المستدرك على الشيخين’’ الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما.
قلت: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في ’’المستدرك’’ شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءا، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته، ويعوز عملا وتحريرا.
قال ابن طاهر: قد سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول: بلغني أن ’’مستدرك’’ الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم، يستدرك عليهما حديث الطير! فبلغ ذلك الحاكم، فأخرج الحديث من الكتاب.
قلت: هذه حكاية منقطعة، بل لم تقع، فإن الحاكم إنما ألف ’’المستخرج’’ في أواخر عمره، بعد موت الدارقطني بمدة، وحديث الطير ففي الكتاب لم يحول منه، بل هو أيضا في جامع الترمذي.
قال ابن طاهر: ورأيت أنا حديث الطير جمع الحاكم بخطه في جزء ضخم، فكتبته للتعجب.
قال الحاكم في تاريخه: ذكرنا يوما ما روى سليمان التيمي عن أنس، فمررت أنا في الترجمة، وكان بحضرة أبي علي الحافظ وجماعة من المشايخ، إلى أن ذكرت حديث: ’’لا يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن’’. فحمل بعضهم علي، فقال أبو علي: لا تفعل، فما رأيت أنت ولا نحن في سنه مثله، وأنا أقول: إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث.
قد مر أن الحاكم مات فجأة في صفر سنة خمس، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
وفيها مات مسند مكة أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي، ومسند بغداد أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى المجبر، وحافظ شيراز أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الشيرازي المقرئ، ومسند دمشق أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلمي، وقاضي بغداد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الأكفاني، وشيخ الشافعية أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الدينوري، وشيخ الشافعية بالبصرة أبو القاسم عبد الواحد ابن الحسين الصيمري.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 570
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري الحافظ أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيع صاحب التصانيف في علوم الحديث منها تاريخ نيسابور وهو عندي أعود التواريخ على الفقهاء بفائدة ومن نظره عرف تفنن الرجل في العلوم جميعها وله
المستدرك على الصحيحين وعلوم الحديث وكتاب مزكى الأخبار وكتاب الإكليل وكتاب فضائل الشافعي وغير ذلك
كان إماما جليلا وحافظا حفيلا اتفق على إمامته وجلالته وعظم قدره
ولد صبيحة الثالث من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
وطلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله
فأول سماعه سنة ثلاثين
واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين
ورحل من نيسابور إلى العراق سنة إحدى وأربعين بعد موت إسماعيل الصفار بأشهر وحج وجال في بلاد خراسان وما وراء النهر وأكثر
وشيوخه الذين سمع منهم بنيسابور وحدها نحو ألف شيخ وسمع بغيرها من نحو ألف شيخ أيضا
روى عن محمد بن علي المذكر ومحمد بن يعقوب الأصم ومحمد بن يعقوب بن الأخرم ومحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار نزيل نيسابور وأبي حامد بن حسنويه المقرئ وأبي بكر بن إسحاق الصبغي الفقيه وأبي النصر محمد بن محمد بن
يوسف الفقيه وأبي عمرو عثمان بن السماك وأبي بكر النجار وأبي علي النيسابوري الحافظ وبه تخرج وأبي الوليد الفقيه وعبد الباقي بن قانع الحافظ وخلق
وكتب عن غير واحد أصغر منه سنا وسندا
روى عنه أبو الحسن الدارقطني وهو من شيوخه وأبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو ذر الهروي وأبو بكر البيهقي والأستاذ أبو القاسم القشيري وأبو صالح المؤذن وجماعة آخرهم أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي
وانتخب على خلق كثير
وتفقه على أبي علي بن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وأبي الوليد النيسابوري
وصحب في التصوف أبا عمر بن محمد بن جعفر الخلدي وأبا عثمان المغربي وجماعة
ورحل إليه من البلاد لسعة علمه وروايته واتفاق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين
وحدث عنه في حياته
وكتب أبو عمر الطلمنكي علوم الحديث للحاكم عن شيخ له سنة تسع وثمانين وثلاثمائة بسماعه من صاحب الحاكم عن الحاكم
كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن جعفر الهمداني أخبرنا أبو طاهر السلفي قال سمعت إسماعيل بن عبد الجبار القاضي بقزوين يقول سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ يقول فذكر الحاكم أبا عبد الله وعظمه وقال له رحلتان إلى العراق
والحجاز الرحلة الثانية سنة ثمان وثلاثين وناظر الدارقطني فرضيه وهو ثقة واسع العلم بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء
وقال أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ إن الحاكم أبا عبد الله قلد قضاء نسا سنة تسع وخمسين في أيام السامانية ووزارة العتبي فدخل الخليل بن أحمد السجزي القاضي على أبي جعفر العتبي فقال هنأ الله الشيخ فقد جهز إلى نسا ثلاثمائة ألف حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فتهلل وجهه
قال وقلد بعد ذلك قضاء جرجان فامتنع
قال وسمعت مشيختنا يقولون كان الشيخ أبو بكر بن إسحاق وأبو الوليد النيسابوري يرجعان إلى أبي عبد الله الحاكم في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه
قال وأقمت عند الشيخ أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين ولم أر في جملة مشايخنا أتقى منه ولا أكثر تنقيرا فكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله وإذا ورد عليه جوابه حكم به وقطع بقوله وانتخب على المشايخ خمسين سنة
وحكى القاضي أبو بكر الحيري أن شيخا من الصالحين حكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قال فقلت له يا رسول الله بلغني أنك قلت ولدت في زمن الملك العادل وإني سألت الحاكم أبا عبد الله عن هذا الحديث فقال هذا كذب ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (صدق أبو عبد الله
قال أبو حازم أول من اشتهر بحفظ الحديث وعلله بنيسابور بعد الإمام مسلم
ابن الحجاج إبراهيم بن أبي طالب وكان يقابله النسائي وجعفر الفريابي ثم أبو حامد بن الشرقي وكان يقابله أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو العباس بن سعد ثم أبو علي الحافظ وكان يقابله أبو أحمد العسال وإبراهيم بن حمزة ثم الشيخان أبو الحسين الحجاج وأبو أحمد الحاكم وكان يقابلهما في عصرهما ابن عدي وابن المظفر والدارقطني
وتفرد الحاكم أبو عبد الله في عصرنا من غير أن يقابله أحد بالحجاز والشام والعراقين والجبال والري وطبرستان وقومس وخراسان بأسرها وما وراء النهر
هذا بعض كلام أبي حازم ذكره في حياة الحاكم وقال في آخره جعلنا الله لهذه النعمة من الشاكرين
وذكر أنه سمعه يقول شربت ماء زمزم وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف
وقال عبد الغافر الفارسي إن الحاكم اختص بصحبة إمام وقته أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي وإنه كان يراجعه في الجرح والتعديل والعلل وأنه أوصى إليه في أمور مدرسته دار السنة وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك
وسمعت مشايخنا يذكرون أيامه ويحكون أن مقدمي عصره مثل الإمام أبي سهل الصعلوكي والإمام ابن فورك وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله ويوفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته
وكان إذا حضر مجلس سماع محتو على مشايخ وصدور يؤنسهم بمحاضرته ويطيب أوقاتهم بحكاياته بحيث يظهر صفاء كلامه على الحاضرين فيأنسون بحضوره
قال محمد بن طاهر الحافظ سألت سعدا الزنجاني الحافظ بمكة قلت له أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ فقال من
قلت الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وأبو عبد الله بن مندة بأصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور
فسكت فألححت عليه فقال أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن مندة فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا
وحكي أن أبا الفضل الهمذاني الأديب لما ورد نيسابور وتعصبوا له ولقب بديع الزمان أعجب بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت بين يديه مرة وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة فأنكر على الناس قولهم فلان الحافظ في الحديث ثم قال وحفظ الحديث مما يذكر
فسمع به الحاكم ابن البيع فوجه إليه بجزء وأجله جمعة في حفظه فرد إليه الجزء بعد الجمعة وقال من يحفظ هذا محمد بن فلان وجعفر بن فلان عن فلان أسامي مختلفة وألفاظ متباينة
فقال له الحاكم فاعرف نفسك واعلم أن حفظ هذا أضيق مما أنت فيه
قلت وذكر الحاكم في تاريخه في ترجمة الحافظ أبى علي النيسابوري قال
تذاكرنا يوما روى سليمان التيمي عن أنس فمررت أنا في الترجمة وكان بحضرة أبي علي وجماعة من المشايخ إلى أن ذكرت حديث (لا يزني الزاني وهو مؤمن) فحمل بعضهم علي فقال أبو علي له لا تفعل فما رأيت أنت ولا نحن في سنه مثله وأنا أقول إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث
وروى أبو موسى المديني أن الحاكم أبا عبد الله دخل الحمام واغتسل وخرج وقال آه وقبض روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد وذلك في ثالث صفر سنة خمس وأربعمائة يوم الأربعاء
ودفن بعد العصر وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري
وقال الحسن بن أشعث القرشي رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول النجاة
فقلت له أيها الحاكم فيما ذا
قال في كتبة الحديث
قلت كذا صح وثبتت وفاته سنة خمس وأربعمائة ووهم من قال سنة ثلاث وأربعمائة رحمه الله
ذكر البحث عما رمي به الحاكم من التشيع وما زادت أعداؤه ونقصت أوداؤه رحمه الله تعالى والنصفة بين الفئتين
أول ما ينبغي لك أيها المنصف إذا سمعت الطعن في رجل أن تبحث عن خلطائه والذين عنهم أخذ ما ينتحل وعن مرباه وسبيله ثم تنظر كلام أهل بلده وعشيريته من معاصريه العارفين به بعد البحث عن الصديق منهم له والعدو الخالي عن الميل إلى إحدى الجهتين وذلك قليل في المتعاصرين المجتمعين في بلد
وقد رمي هذا الإمام الجليل بالتشيع وقيل إنه يذهب إلى تقديم علي من غير
أن يطعن في واحد من الصحابة رضي الله عنهم فنظرنا فإذا الرجل محدث لا يختلف في ذلك وهذه العقيدة تبعد على محدث فإن التشيع فيهم نادر وإن وجد في أفراد قليلين
ثم نظرنا مشايخه الذين أخذ عنهم العلم وكانت له بهم خصوصية فوجدناهم من كبار أهل السنة ومن المتصلبة في عقيدة أبي الحسن الأشعري كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الصبغي والأستاذ أبي بكر بن فورك والأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأمثالهم وهؤلاء هم الذين كان يجالسهم في البحث ويتكلم معهم في أصول الديانات وما يجري مجراها
ثم نظرنا تراجم أهل السنة في تاريخه فوجدناه يعطيهم حقهم من الإعظام والثناء مع ما ينتحلون وإذا شئت فانظر ترجمة أبي سهل الصعلوكي وأبي بكر بن إسحاق وغيرهما من كتابه ولا يظهر عليه شيء من الغمز على عقائدهم وقد استقريت فلم أجد مؤرخا ينتحل عقيدة ويخلو كتابه عن الغمز ممن يحيد عنها سنة الله في المؤرخين وعادته في النقلة ولا حول ولا قوة إلا بحبله المتين
ثم رأينا الحافظ الثبت أبا القاسم بن عساكر أثبته في عداد الأشعريين الذين يبدعون أهل التشيع ويبرءون إلى الله منهم فحصل لنا الريب فيما رمي به هذا الرجل على الجملة
ثم نظرنا تفاصيله فوجدنا الطاعنين يذكرون أن محمد بن طاهر المقدسي ذكر أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال ثقة في الحديث رافضي خبيث وأن ابن طاهر هذا قال إنه كان شديد التعصب للشيعة في الباطن وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة وكان منحرفا غاليا عن معاوية وأهل بيته يتظاهر به ولا يتعذر منه
فسمعت أبا الفتح ابن سمكويه بهراة يقول سمعت عبد الواحد المليحي يقول سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول دخلت على أبي عبد الله الحاكم وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج فقلت له لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثا لاسترحت من هذه الفتنة
فقال لا يجيء من قلبي
يعني معاوية
وأنه قال أيضا سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول بلغني أن مستدرك الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني فقال نعم يستدرك عليهما حديث الطير
فبلغ ذلك الحاكم فأخرج الحديث من الكتاب
هذا ما يذكره الطاعنون وقد استخرت الله كثيرا واستهديته التوفيق وقطعت القول بأن كلام أبي إسماعيل وابن الطاهر لا يجوز قبوله في حق هذا الإمام لما بينهم من مخالفة العقيدة وما يرميان به من التجسيم أشهر مما يرمى به الحاكم من الرفض ولا يغرنك قول أبي إسماعيل قبل الطعن فيه إنه ثقة في الحديث فمثل هذا الثناء يقدمه من يريد الإزراء بالكبار قبل الإزراء عليهم ليوهم البراءة من الغرض وليس الأمر كذلك
والغالب على ظني أن ما عزي إلى أبي عبد الرحمن السلمي كذب عليه ولم يبلغنا أن الحاكم ينال من معاوية ولا يظن ذلك فيه وغاية ما قيل فيه الإفراط في ولاء علي كرم الله وجهه ومقام الحاكم عندنا أجل من ذلك
وأما ابن كرام فكان داعية إلى التجسيم لا ينكر أحد ذلك ثم إن هذه حكاية لا يحكيها إلا هذا الذي يخالف الحاكم في المعتقد فكيف يسع المرء بين يدي الله تعالى
أن يقبل قوله فيها أو يعتمد على نقله ثم أنى له اطلاع على باطن الحاكم حتى يقضي بأنه كان يتعصب للشيعة باطنا
وأما ما رواه الرواة عن الدارقطني إن صح فليس فيه ما يرمي به الحاكم بل غايته أنه استقبح منه ذكر حديث الطير في المستدرك وليس هو بصحيح فهو يكثر من الأحاديث التي أخرجها في المستدرك واستدركت عليه
ثم قول ابن طاهر إن الحاكم أخرج حديث الطير من المستدرك فيه وقفة فإن حديث الطير موجود في المستدرك إلى الآن وليته أخرجه منه فإن إدخاله فيه من الأوهام التي تستقبح
ثم لو دلت كلمة الدارقطني على وضع من الحاكم لم يعتد بها لما ذكر الخطيب في تاريخه من أن الأزهري حدثه أن الحاكم ورد بغداد قديما فقال ذكر لي أن حافظكم يعني الدارقطني خرج لشيخ واحد خمسمائة جزء فأروني بعضها فحمل إليه منها
وذلك مما خرجه لأبي إسحاق الطبري فنظر في أول الجزء الأول حديثا لعطية العوفي فقال استفتح بشيخ ضعيف ثم رمى الجزء من يده ولم ينظر في الباقي
فهذه كلمة من الحاكم في الدارقطني تقابل كلمة الدارقطني فيه وليس على واحد منها فضاحة غير أنه يؤخذ منهما أنه قد يكون بينهما ما قد يكون بين الأقران
وقد قدمنا في الطبقة الأولى في ترجمة أحمد بن صالح أن كلام النظير في النظير عند ذلك غير مقبول ولا يوجب طعنا على القائل ولا المقول فيه وحققنا في ذلك جملة صالحة وذلك كله بتقدير ثبوت الحكاية وأن فيها تعريضا من الدارقطني بغمز الحاكم بسوء العقيدة ولا يسلم واحد من الأمرين وإنما فيها عندنا الغمز من كتاب المستدرك لما فيه مما يستدرك وهو غمز صحيح
ثم قال ابن طاهر وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان يقول سمعت أبا سعد الماليني يقول طالعت المستدرك فلم أجد فيه حديثا على شرط الشيخين
قلت ليس في هذا تعرض للتشيع بنفي ولا إثبات ثم هو غير مسلم
قال شيخنا الذهبي بل هو غلو وإسراف من الماليني ففي المستدرك جملة وافرة على شرطهما وجملة كبيرة على شرط أحدهما
قال شيخنا الذهبي لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب
قال وفيه نحو الربع صح سنده وإن كان فيه علة
قال وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير وواهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات
ثم ذكر ابن طاهر أنه رأى بخط الحاكم حديث الطير في جزء ضخم جمعه
وقال وقد كتبته للتعجب
قلنا وغاية جمع هذا الحديث أن يدل على أن الحاكم يحكم بصحته ولولا ذلك لما أودعه المستدرك ولا يدل ذلك منه على تقديم علي رضي الله عنه على شيخ المهاجرين والأنصار أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ له معارض أقوى لا يقدر على دفعه وكيف يظن بالحاكم مع سعة حفظه تقديم علي ومن قدمه على أبي بكر فقد طعن على
المهاجرين والأنصار فمعاذ الله أن يظن ذلك بالحاكم ثم ينبغي أن يتعجب من ابن طاهر في كتابته هذا الجزء مع اعتقاده بطلان الحديث ومع أن كتابته سبب شياع هذا الخبر الباطل واغترار الجهال به أكثر مما يتعجب من الحاكم ممن يخرجه وهو يعتقد صحته
وحكى شيخنا الذهبي كلام ابن طاهر وذيل عليه أن للحاكم جزءا في فضائل فاطمة وهذا لا يلزم منه رفض ولا تشيع ومن ذا الذي ينكر فضائلها رضي الله عنها فإن قلت فهل ينكر أن يكون عند الحاكم شيء من التشيع قلت الآن حصحص الحق والحق أحق أن يتبع وسلوك طريق الإنصاف أجدر بذوي العقل من ركوب طريق الاعتساف
فأقول لو انفرد ما حكيته عن أبي إسماعيل وعن ابن طاهر لقطعت بأن نسبة التشيع إليه كذب عليه ولكني رأيت الخطيب أبا بكر رحمه الله تعالى قال فيما أخبرني به محمد بن إسماعيل المسند إذنا خاصا والحافظ أبو الحجاج المزي إجازة قالا أخبرنا مسلم بن محمد بن علان قال الأول إجازة وقال الثاني سماعا أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أبو عبد الله بن البيع الحاكم كان ثقة أول سماعه في سنة ثلاثين وثلاثمائة وكان يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحا عالما قال جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير ومن كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا إلى قوله
انتهى
قلت والخطيب ثقة ضابط فتأملت مع ما في النفس من الحاكم من تخريجه حديث الطير في المستدرك وإن كان خرج أشياء غير موضوعة لا تعلق لها بتشيع ولا غيره فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه يزيد على الميل الذي يطلب شرعا ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولا إنه يفضل عليا على الشيخين بل أستبعد أن يفضله على عثمان رضي الله عنهما فإني رأيته في كتابه الأربعين عقد بابا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان واختصهم من بين الصحابة وقدم في المستدرك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما وروى فيه من حديث أحمد بن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أول حجر حمله النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد ثم حمل أبو بكر ثم حمل عمر حجرا ثم حمل عثمان حجرا فقلت يا رسول الله ألا ترى إلى هؤلاء كيف يسعدونك فقال (يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي
قال الحاكم على شرطهما وإنما اشتهر من رواية محمد بن الفضل بن عطية فلذلك هجر
قلت وقد حكم شيخنا الذهبي في كتابه تلخيص المستدرك بأن هذا الحديث لا يصح لأن عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بها إذ ذاك
قال وأحمد منكر الحديث وإن كان مسلم خرج له في الصحيح ويحيى وإن كان ثقة فيه ضعف
قلت فمن يخرج هذا الحديث الذي يكاد يكون نصا في خلافة الثلاثة مع ما في إخراجه من الاعتراض عليه يظن به الرفض
وخرج أيضا في فضائل عثمان حديث لينهض كل رجل منكم إلى كفئه فنهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان وقال (أنت ولي في الدنيا والآخرة) وصححه مع أن في سنده مقالات
وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان مع ما في بعضها من الاستدراك عليه وذكر فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص فقد غلب على الظن أنه ليس فيه ولله الحمد شيء مما يستنكر عليه إفراط في ميل لا ينتهي إلى بدعة
وأنا أجوز أن يكون الخطيب إنما يعني بالميل إلى ذلك ولذلك حكم بأن الحاكم ثقة ولو كان يعتقد فيه رفضا لجرحه به لا سيما على مذهب من يرى رد رواية المبتدع مطلقا فكلام الخطيب عندنا يقرب من الصواب
وأما قول من قال إنه رافضي خبيث ومن قال إنه شديد التعصب للشيعة فلا يعبأ بهما كما عرفناك
هذا ما ظهر لي والله أعلم
وحكى شيخنا الذهبي أن الحاكم سئل عن حديث الطير فقال لا يصح
ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال شيخنا وهذه الحكاية سندها صحيح فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك
ثم قال فلعله تغير رأيه
قلت وكلام شيخنا حق وإدخاله حديث الطير في المستدرك مستدرك وقد جوزت أن يكون زيد في كتابه وألا يكون هو أخرجه وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر لعدمه وتذكرت قول الدارقطني إنه يستدرك حديث الطير فغلب على ظني أنه لم يوضع عليه ثم تأملت قول من قال إنه أخرجه من الكتاب فجوزت أن يكون خرجه ثم أخرجه من الكتاب وبقي في بعض النسخ فإن ثبت هذا صحت الحكايات ويكون خرجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه ثم أخرجه منه لاعتقاده عدم صحته كما في هذه الحكاية التي صحح الذهبي سندها ولكنه بقي في بعض النسخ إما لانتشار النسخ بالكتاب أو لإدخال بعض الطاعنين إياه فيه فكل هذا جائز والعلم عند الله تعالى
وأما الحكم على حديث الطير بالوضع فغير جيد ورأيت لصاحبنا الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي عليه كلاما قال فيه بعد ما ذكر تخريج الترمذي
له وكذلك النسائي في خصائص علي رضي الله عنه إن الحق في الحديث أنه ربما ينتهي إلى درجة الحسن أو يكون ضعيفا يحتمل ضعفه
قال فأما كونه ينتهي إلى أنه موضوع من جميع طرقه فلا
قال وقد خرجه الحاكم من رواية محمد بن أحمد بن عياض قال حدثنا أبي حدثنا يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس رضي الله تعالى عنه
قال ورجال هذا السند كلهم ثقاة معروفون سوى أحمد بن عياض فلم أر من ذكره بتوثيق ولا جرح
ويقرب من حديث الطير حديث علي خير البشر من أبي فقد كفر
أخرجه الحاكم أيضا فقال حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن يحيى العلوى حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان الشيباني حدثنا عبد الله بن محمد أبو عبد الله الهاشمي قال قلت للحر بن سعيد النخعي أحدثك شريك قال حدثني شريك عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
وهو مما ينكر على الحاكم إخراجه
وقد رواه الخطيب أبو بكر من وجه آخر فقال أخبرنا الحسن بن أبي طالب حدثنا محمد بن إسحاق القطيعي حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى صاحب كتاب النسب حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم به بلفظه إلا أن الخطيب تعقبه بقوله هذا حديث منكر ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد وليس بثابت
ولم يعجب شيخنا الذهبي اقتصار الخطيب على هذه العبارة وقال ينبغي أن يأتي بأبلغ منها مما يدل على أن هذا حديث جلي البطلان
وأخرج الحاكم أيضا حديث محمد بن دينار من أهل الساحل في شأن تزوج علي بفاطمة رضي الله عنها أخرجه بطوله ساكتا عليه وهو موضوع ولعل واضعه محمد بن دينار فإنه الذي يقال له العرقي لا يعرف
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 4- ص: 155
الحافظ الذي لا يستغنى عن تصانيفه في الحديث وعلمه.
وفيما بلغنا عن أبي حازم العبدويي أحد الحفاظ الذين انتخب عليهم الحاكم ما مختصره: أن شيوخ الحاكم قريب من ألفي رجل.
وتفقه عند الأئمة: أبي علي ابن أبي هريرة، وأبي الوليد القرشي، وأبي سهل محمد بن سليمان.
وقال: سمعته يقول: وشربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف، فبلغت تصانيفه في أيدي الناس ألفا وخمس مئة جزء، منها: “الصحيحان”، و “العلل”، و “الأمالي”، و “فوائد الخراسانيين” و “أمالي العشيات”، و “التلخيص”، و “الأبواب”، و “تراجم الشيوخ”.
وتفرد باستخراج كتب، منها: “معرفة علوم الحديث”، و “تاريخ علماء نيسابور”، وكتاب “مزكي رواة الأخبار”، و “المدخل إلى علم الصحيح” وكتاب “الإكليل”، و “دلائل النبوة”، و “المستدرك على الصحيحين”، و “ما تفرد كل واحد من الإمامين بإخراجه”، و “فضائل الشافعي”، وغير ذلك.
أملي بما وراء النهر سنة خمس وخمسين، وبالعراق سنة سبع وستين.
ولازمه: ابن المظفر، والدارقطني، وأملي من حفظه ببغداد والري مدة.
وسمع منه من المشايخ جماعة، منهم: القفال الشاشي، وأبو عبد الله العصمي، والدارقطني، وابن القطان الرازي إمام أهل الرأي.
قلد القضاء بنسا سنة تسع وخمسين، زمان حشمة السامانية في وزارة العتبي، ودخل الخليل بن أحمد القاضي السجزي على أبي جعفر العتبي اليوم الثاني من مفارقته الحضرة، فقال: هنأ الله الشيخ، فقد جهز إلى نسا ثلاث مئة ألف حديث لرسول صلى الله عليه وسلم، فتهلل وجهه، وقلد بعد ذلك قضاء جرجان فامتنع، وكان الأمير أبو الحسن يستعين برأيه، وينفذه للسفارة بينه وبين البويهية، وذاكر الجعابي، وأبا جعفر الهمداني، وأبا علي الحافظ، وكان يقبل عليه من بين أقرانه.
قال: وسمعت أبا أحمد الحافظ يقول: إن كان رجل يقعد مكاني؛ فهو أبو عبد الله.
وصحب مشايخ التصوف: أبا عمرو بن نجيد، وأبا الحسن البوشنجي، وجعفر بن نصير، هو: الخلدي، وغيرهم.
قال: سمعت مشايخنا يقولون: كان الشيخ أبو بكر ابن إسحاق، وأبو الوليد يرجعان إلى أبي عبد الله في السؤال عن الجرح والتعديل، وعلل الحديث، وصحيحه وسقيمه.
قال: سألت الدارقطني: أيهما أحفظ، ابن منده أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظا.
قال أبو حازم: أقمت عند الشيخ أبي عبد الله العصمي قريبا من ثلاث سنين، ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيرا، فكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى أبي عبد الله الحاكم، فإذا ورد جواب كتابه؛ حكم به، وقطع بقوله.
قال: انتخب على المشايخ خمسين سنة. “ وحكى القاضي أبو بكر الحيري أن شيخا من الصالحين حكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، قال، فقلت له: يا رسول الله! بلغني أنك قلت: ولدت في زمن الملك العادل، وإني سألت الحاكم أبا عبد الله عن هذا الحديث، فقال: هذا كذب، ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: صدق أبو عبد الله.
ففصل أبو حازم حفاظ نيسابور من عهد مسلم، ومن كان يقابلهم في غيرها من الحفاظ، ثم ذكر تفرد الحاكم أبي عبد الله في وقته ذلك، من غير أن يقابله أحد بسائر البلاد.
وقال: جعلنا الله لهذه النعم من الشاكرين، وبارك لنا في حياته، وجعل ما أنعم عليه وعلينا بمكانه موصولا بالنعيم المقيم، إنه سميع قريب.
وذكره الحافظ شيرويه فقال: روى عنه ابن لال مع جلالته، وكان الحاكم إمام الوقت شرفا... خراسان، له مصنفات حسان، ما سبق إليها أحد، خصوصا: “تاريخ نيسابور”، كان ما قصر في استيفائه بالتراجم.
دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 198
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري.
قال الخليلي: عالم عارف، واسع العلم، ذو تصانيف كثيرة، لم أر أوفى منه، سمع محمد بن يعقوب الأخرم، ومحمد بن يعقوب الأصم، والحسن بن يعقوب العدل فمن بعدهم من شيوخ نيسابور حتى روى عمن عاش بعده لسعة علمه، وسمع بمرو المحبوبي، والقاسم السياري، والحسن بن محمد الحليمي، وعلي بن محمد بن حبيب فمن بعدهم. وببخارى أحمد بن سهل الفقيه، وخلفاً الخيام فمن بعدهما. وبنيسابور محمد بن عبد الله الجوهري،
وأقرانه. وبالري إسماعيل بن محمد الصياد. وبهمذان بن حمدان الجلاب. وببغداد ابن السماك، والنجاد، وابن درستويه، والعباداني. وبالكوفة علي بن محمد بن عقبة، وابن أبي دارم. وبمكة الفاكهي، ومحمد بن علي بن عبد الحميد الأدمي، وغيرهم. وله إلى العراق والحجاز رحلتان ارتحل إليهما
سنة ثمان وستين في الرحلة الثانية، وذاكر الحفاظ والشيوخ، وكتب عنهم أيضاً، وناظر الدارقطني فرضيه، وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه للكتب الطوال والأبواب وجمع الشيوخ المكثرين والمقلين قريباً من خمسمائة جزء، يستقصى في ذلك، يؤلف الغث والسمين ثم يتكلم عليه فيبين ذلك، وتوفي سنة ثلاث وأربعمائة، سألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه ويقرأ عليه في فوائد العراقيين: سفيان الثوري عن أبي سلمة عن الزهري عن سهل بن سعد حديث الاستئذان، فقال لي: من أبو سلمة؟ فقلت هو المغيرة بن سلمة السراج، فقال لي: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبقيت، ثم قال قد أمهلتك أسبوعاً حتى تتفكر فيه، فمن ليلته تفكرت في أصحاب الزهري مراراً حتى بقيت فيه أكرر التفكر، فلما وقعت إلى أصحاب الجزيرة من أصحابه تذكرت محمد بن أبي حفصة فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت حضرت إلى مجلسه ولم أذكر شيئاً حتى قرأت عليه فلما انتخبت قريباً من مائة حديث، قال لي: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم، هو محمد بن أبي حفصة: فتعجب، وقال لي:
نظرت في حديث سفيان لأبي عمرو البحيري؟ قلت: والله ما لقيت أبا عمرو، ولا رأيته. فذكرت له ما أممت في ذلك، فتحير، وأثنى علي.
ثم كنت أسأله، وقال لي: أنا إذا ذاكرت اليوم في باب فلابد لي من المطالعة لكبر سني فرأيته في كل ما ألقى عليه بحراً لا يعجزه عنه. وقال لي: اعلم بأن خراسان وما وراء النهر بكل بلدة تاريخ صنفه عالم منها، ووجدت نيسابور مع كثرة العلماء بها والحفاظ لم يصنفوا فيه شيئاً فدعاني ذلك إلى أن أصنف «تاريخ النيسابوريين» فتأملته فلم يسبقه إلى ذلك أحد.
وصنف لأبي علي بن سيمجور كتاباً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه، ومسنداته، وأحاديثه، وسماه «الإكليل» لم أر أحداً رتب ذلك الترتيب، وكنت أسأله عن الضعفاء الذين نشأوا بعد الثلاثمائة بنيسابور من شيوخ خراسان فكان يبين من غير محاباة.
وقال الخطيب: كان من أهل الفضل والعلم والمعرفة والحفظ، وله في علوم الحديث مصنفات عدة، وكان ثقة، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وأول سماعه سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكان يميل إلى التشيع. قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي: جمع أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحيهما منها حديث الطائر،
و «من كنت مولاه فعلي مولاه» فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه من فعله. وتوفي سنة خمس وأربعمائة.
وذكره الذهبي في «الميزان» وقال: يصحح أحاديث في «مستدركه» ساقطة فيكثر من ذلك، فما أدري هل خفيت عليه؟! فما هو ممن يجهل ذلك، ونقل فيه ما لم يسمع مثله في الحاكم.
وقال حافظ العصر في «اللسان»: الحاكم أجل قدراً وأعظم خطراً من أن يذكر في الضعفاء لكن قيل في الاعتذار عنه: إنه عند تبييضه للمستدرك كان في آخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير في عقله في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب «الضعفاء» له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها.
وتوفي سنة خمس وأربعمائة.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 8- ص: 1
محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه، أبو عبد الله الحاكم النّيسابوريّ الحافظ، المعروف بابن البيّع.
إمام أهل الحديث في عصره، وواحد زمانه، في معرفة علومه، والمؤلّف فيها الكتب التي لم يسبق إلى مثلها. وكان قد أكثر من سماع الحديث، وجمع لنفسه معجما يشتمل على ألفي شيخ. وله كتاب الصّحيحين، وكتاب علل الحديث، وكتاب الأمالي والفوائد، وكتاب فوائد الخراسانيّين، وكتاب أمالي العشيّات، وكتاب التلخيص والأبواب وتراجم الشيوخ، وكتاب معرفة علوم الحديث، وكتاب تاريخ علماء أهل نيسابور، وكتاب المدخل إلى علم الصّحيح، وكتاب الإكليل في دلائل النبوة، وكتاب المستدرك على الصّحيحين وما تفرّد بإخراجه كلّ واحد من الإمامين، وكتاب فضائل الشافعي، وكتاب تراجم المسند على شرط الصّحيحين. وكان إماما في معرفة الفقه على مذهب الشافعي.
وتوفّي عن مرض أيام قلائل في يوم الثلاثاء ثالث صفر من سنة خمس وأربع مائة.
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 101
الحاكم
الحافظ الكبير، شيخ أهل الحديث في عصره، أبو عبد الله, محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم، الضبي، النيسابوري, المعروف بابن البيع، صاحب التصانيف.
ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة في ربيع الأول.
وطلب الحديث من صغره باعتناء أبيه وخاله. فسمع سنة ثلاثين، ورحل إلى العراق وهو ابن عشرين، وحج ثم جال في خراسان وما وراء النهر، وسمع من قريب ألفي شيخ.
وروى عن: أبيه، ومحمد بن علي بن عمر المذكر، وأبي العباس الأصم، ومحمد بن صالح بن هانئ، ومحمد بن عبد الله الصفار، وأبي عبد الله بن الأخرم، وأبي العباس بن محبوب، وأبي حامد بن حسنويه، والحسن بن يعقوب البخاري، وأبي النضر محمد بن محمد بن يوسف، وأبي الوليد حسان بن محمد، وأبي عمرو بن السماك، وأبي بكر النجاد، وأبي سهل بن زياد، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وعلي بن محمد بن عقبة الشيباني، وأبي علي الحافظ، وانتفع بصحبته وما زال يسمع حتى سمع من أصحابه.
روى عنه: الدارقطني، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي - وأكثر عنه - وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، وخلق.
وكتب أبو عمر الطلمنكي علوم الحديث للحاكم في سنة تسع وثمانين وثلاث مئة عن شيخٍ له عن آخر عن الحاكم.
قال الخطيب: كان الحاكم من أهل الفضل والعلم والمعرفة والحفظ، وله في علوم الحديث مصنفات عدة، قدم بغداد في شبيبته فكتب بها عن ابن السماك، والنجاد، ودعلج، ونحوهم، ثم وردها وقد علت سنه، فحدث بها عن الأصم وابن الأخرم، وأبي علي الحافظ، وغيرهم من شيوخ خراسان، وكان ثقةً.
وقد ذكر الخليلي الحاكم فقال: له رحلتان إلى العراق والحج، ناظر الدارقطني فرضيه، وهو ثقةٌ، واسع العلم، بلغت تصانيفه قريباً من خمس مئة جزء. ثم قال: سألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه وهو يقرأ عليه في فوائد العراقيين: سفيان الثوري عن أبي سلمة عن الزهري عن سهل بن سعد، حديث الاستئذان فقال لي: من أبو سلمة؟ قلت: هو المغيرة بن مسلم السراج. قال: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبقيت. ثم قال: قد أمهلتك أسبوعاً. قال: فتفكرت ليلتي، فلما وقعت في أصحاب الجزيرة تذكرت محمد بن أبي حفصة، [فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت، حضرت مجلسه، فلم أذكر شيئاً حتى قرأت عليه مما انتخبت قريباً من مئة حديث، فقال لي: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم، هو محمد بن أبي حفصة] ؛ فتعجب، وقال: أنظرت في حديث سفيان لأبي عمرو البحيري؟ فقلت: لا، وذكرت له ما أممت في ذلك. فتحير، وأثنى علي. ثم كنت أسأله فقال لي: أنا إذا ذاكرت اليوم في بابٍ فلا بد من المطالعة لكبر سني، فرأيته في كل ما ألقي عليه بحراً. وقال لي: أعلم بأن خراسان وما وراء النهر لكلٍ بلدة تاريخ صنفه عالم منها، ووجدت نيسابور مع كثرة العلماء بها لم يصنفوا فيه شيئاً؛ فدعاني ذلك إلى أن صنفت ’’تاريخ النيسابوريين’’. فتأملته، ولم يسبقه إلى ذلك أحد.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: أبو عبد الله الحاكم هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفته، وبيته بيت الصلاح والورع والتأذين في الإسلام، لقي أبا علي الثقفي، وأبا محمد بن الشرقي - ولم يسمع منهما - وسمع من أبي طاهر المحمداباذي، وأبي بكر القطان - ولم يقع بمسموعه منهما - وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه، وقرأ على قراء زمانه؛ وتفقه على أبي الوليد، وأبي سهل الأستاذ، واختص بصحبة إمام وقته، وأبي بكر الصبغي، فكان يراجعه في السؤال والجرح والتعديل والعلل، وذاكر مثل الجعابي، وأبي علي الماسرجسي، واتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريباً من ألف جزء من تخريج ’’الصحيحين’’، والعلل والتراجم والأبواب والشيوخ، ثم المجموعات مثل ’’معرفة علوم الحديث’’، و ’’مستدرك الصحيحين’’ و ’’تاريخ نيسابور’’ وكتاب ’’مزكي الأخبار’’ و ’’المدخل إلى علم الصحيح’’ وكتاب ’’الإكليل’’ و’’فضائل الشافعي’’ وغير ذلك. ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه، ويحكون أن مقدمي عصره مثل الصعلوكي والإمام ابن فورك، وسائر الأئمة يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة - ثم أطنب في تعظيمه وقال:
هذه جمل يسيرة، هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه، وتصرفه في أماليه، ونظره في طرق الحديث أذعن بفضله، واعترف له بالمزية على من تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه. عاش حميداً, ولم يخلف في وقته مثله.
وقال الحافظ أبو حازم العبدويي: سمعت الحاكم يقول - وكان إمام أهل الحديث في عصره - : شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف.
وقال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت سعد بن علي الزنجاني الحافظ بمكة، وقلت له: أربعة من الحفاظ تعاصروا، أيهم أحفظ؟ قال: من هم؟ قلت: الدارقطني ببغداد، وعبد الغني بمصر، وابن منده بأصبهان، والحاكم بنيسابور. فسكت، فألححت عليه، فقال: أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأما ابن منده فأكثرهم حديثاً مع معرفة تامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفاً.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني: أيهما أحفظ: ابن منده أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظاً.
وقال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم، فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث. ثم قال ابن طاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية وآله، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه.
قلت: الحاكم ليس برافضي، وهو معظم للشيخين، بل هو شيعي فقط.
قال الخطيب: كان يميل إلى التشيع، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور - وكان شيخاً فاضلاً صالحاً عالماً - قال: جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجهما في صحيحهما، منها حديث الطائر، ’’ومن كنت مولاه فعلي مولاه’’. فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله.
قلت: لو لم يصنف الحاكم ’’المستدرك’’ كان خيراً له، فإنه غلط فيه غلطاً فاحشاً بذكره أحاديث ضعيفة، وأحاديث موضوعة، لا يخفى بطلانها على من له أدنى معرفة، وتوثيقه جماعة ضعفهم في موضع آخر، وذكر أنه تبين له جرحهم بالدليل.
وقد ذكره ابن القطان فقال: له كتبٌ كثيرة، وقد نسب إلى غفلةٍ.
وذكره ابن الدباغ في الطبقة الثامنة من الحفاظ.
وقال عبد الغني بن سعيدٍ المصري: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي في ’’المدخل إلى الصحيح’’ بعث إلي يشكرني ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقلٌ.
قال الحافظ أبو موسى المديني: دخل الحاكم الحمام، واغتسل وخرج فقال: آه. وقبض روحه، وهو متزرٌ لم يلبس قميصه بعد، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
توفي الحاكم في صفر سنة خمس وأربع مئة.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 3- ص: 1