ابن سحنون محمد بن عبد السلام (سحنون) بن سعيد ابن جبيب التنوي، ابو عبد الله: فقيه مالكي مناظر، كثير التصانيف. من أهل القيروان. لم يكن في عصره احد اجمع لفنون العلم منه. رحل إلى المشرق سنة 235هـ ، وتوفي بالساحل، ونقل إلى القيروان فدفن فيها. ورثى بثلاثمائة مرثية. كات كريم اليد، وجيها عند الملوك، عالي الهمة. من كتبه (آداب المعلمين -ط) رسالة، صدرت بترجمة حسنة له، من انشاء حسن حسني عبد الوهاب، و (اجوبة محمد بن سحنون -خ) في الفقه، و (الرسالة السحنونية -خ) رسالة في فقه المالكية، و (الجامع) في فنون العلم والفقه، و (السير) عشرون جزءا، و (التاريخ) سنة اجزاء، و (آداب المتناظرين) جزآن، و (الحجة على القدرية).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 204

ابن سحنون محمد بن سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي القيرواني، المحدث الفقيه المناظر، الإمام.
تفقه بأبيه وكان يقول لمؤدبه: لا تؤدبه إلا بالكلام الطيب والمدح، فليس هو ممن يؤدب بالعنف والضرب، واتركه على بختي فإني أرجو أن يكون إمام وقته وفريد أهل زمانه.
وقال: ما غبنت في ابني محمد إلا أني أخاف أن يكون عمره قصيرا، وقال: ما أشبهه إلا بأشهب، وسمع من ابن أبي حسان، وموسى بن معاوية الصمادحي، وعبد العزيز بن يحيى المدني، وغيرهم. ورحل إلى المشرق فلقي بالمدينة أبا مصعب الزهري، وابن كاسب، وسمع من سلمة ابن شبيب.
قال الخشني: «وكان في مذهب مالك من الحفاظ المتقدمين، وفي غير ذلك من المذاهب من المناظرين المتصرفين. وكان كثير الوضع للكتب، غزير التأليف، يحكى أنه لما تصفح محمد بن عبد الحكم كتابه وكتاب ابن عبدوس قال في كتاب ابن عبدوس: هذا كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه أو كما قال، وقال في كتاب ابن سحنون: هذا كتاب رجل سبح في العلم سبحا. وكان كريما في نفسه سمحا بما في يديه جوادا بماله وجاهه كان يصل من قصده بعشرات من الدنانير، وكان يكتب لمن يعنى به إلى الكور فيعطي الاموال الجسيمة. وهذا عنه مستفيض عند أهل القيروان، وكان
وجيها في العامة، مقدما عند الملوك، حسن العناية، نهاضا بالأثقال، واسع الحيلة جيد النظر عند الحوادث والملمات».
وقال ابن الجزار: «كان ابن سحنون إمام عصره في مذهب أهل المدينة بالمغرب، جامعا لخلال قلما اجتمعت في غيره من الفقه البارع، والعلم بالأثر والجدل والحديث، والذب عن مذهب أهل الحجاز سمحا بماله كريما في معاشرته، نفاعا للناس، مطاعا، جوادا بماله وجاهه، وجيها عند الملوك والعامة، جيد النظر في الملمات».
وكان قد عني بسليمان بن عمران حتى استكتبه أبوه، ثم ولاه قضاء باجة، فلما مات سحنون، وولي سليمان بن عمران قضاء القيروان مكانه، أساء صحبة محمد بن سحنون، وفسدت الحال بينهما إلى أن وجه إليه سليمان فأتاه في خلق من اتباعه فأغلظ سليمان في القول، ومن جملة ما قال له: «ما أحوجك إلى من يمضغك قطن قلنسوتك هذه» ولم يجسر عليه بمكروه وانصرف. وكان سليمان يلقيه ويؤذيه بالقول، ثم تفاقم الأمر بينه وبين سليمان بن عمران القاضي حتى توارى ابن سحنون خوفا على نفسه فكتب أثناء تواريه إلى الأمير محمد بن الأغلب ما كتب عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب متمثلا ببيت شاس بن نهار:

فقال الأمير بن الأغلب: ومن يمزقه مزق الله جلده، ثم رفع يد سليمان عنه، وامنه منه، فرد سليمان غضبه على أصحاب ابن سحنون، فأخذ فرات بن محمد العبدي فضربه بالسياط. وبينما محمد بن سحنون يمشي يوما لقيه صاحب الصلاة بالقيروان المعروف بابن أبي الحواجب - وكان من أعدائه - فأومأ إلى أذنه فأمكنه ابن سحنون منها، فقال له سرا:
يا زاني، يا ابن الزانية، فأجابه ابن سحنون جهرا: نقضي حاجتك إن شاء الله، وأوهم من حضره أنه سأله حاجة، وسار ابن أبي الحواجب فأخبر سليمان بن عمران بما كان من قوله وبما كان من جواب ابن سحنون، فقال
له: إن كان الأمر على ما وصفت فتحفظ، وركب ابن سحنون من يومه إلى أحمد بن محمد الحضرمي فسأله أن يزين للأمير تولية ابن طالب التميمي على الصلاة، فأجابه الأمير إليه، فخرج الحضرمي بذلك إلى ابن سحنون فسأله كتم ذلك إلى وقت الخطبة من يوم الجمعة، وأرسل ابن سحنون في طلب ابن طالب فأعلمه بذلك وقال له: تهيأ فإذا رأيت ابن أبي الحواجب قد خرج من المقصورة فقم أنت بين يديه وأرق المنبر وأخطب، فلما كان يوم الجمعة هجر ابن أبي الحواجب إلى الجامع فنزل في المقصورة وأتى ابن طالب فركع إلى جانب ابن سحنون، وسليمان بن عمران عند المنبر، فلما خرج ابن أبي الحواجب من المقصورة وهي حجرة قبلي الجامع، ورفع رجله إلى درجة المنبر صعد ابن طالب على المنبر وقد تقلد السيف، ومد القيم يده إلى ثوب ابن أبي الحواجب فجذبه وكان سليمان بن عمران جالسا وقد نعس حينئذ فما راعه إلا صوت ابن طالب، فعلت سليمان بن عمران كآبة وتهلل وجه ابن سحنون، واستمر ابن طالب في خطبته وتمت الصلاة، وانصرف سليمان إلى منزله وجمع شيوخ القيروان وأمرهم أن يسيروا إلى الأمير ليزكوا عنده ابن أبي الحواجب ويسألوه رده إلى الصلاة فبلغ الخبر ابن سحنون، فوجه إلى الحضرمي فأعلمه بالأمر، فلما أطل القوم على القصر أرسل إليهم الحضرمي أما تستحيون أن تسألوا الأمير أن يحط ابن عمه ومن أراد التنويه به وأن يشرف صاحبكم انصرفوا فإنا لم نسألكم عن تزكية ولا عن جرحة، فانصرف القوم، فكانت تلك أول نكبة سليمان بن عمران، ثم لم تزل أمور ابن طالب تنمي وتزيد إلى أن عزل سليمان بن عمران، وولي ابن طالب قضاء أفريقية مكانه.
حج ابن سحنون سنة 235/ 946، ونزل في مصر على أبي رجاء ابن أشهب بن عبد العزيز، فقصده علماء مصر ووجوههم يسلمون عليه، وابن المزني أطال الجلوس معه ليخلو به فلما خرج أبو رجاء سأله عنه فقال:
لم أر - والله - أعلم منه ولا أحد ذهنا على حداثة سنه.
وذكر أن رجلا من أصحابه دخل حماما بمصر عليه رجل يهودي فتناظر
معه فغلبه اليهودي لقلة معرفته فلما حج محمد بن سحنون سبقه الرجل وأنشب المناظرة مع اليهودي حتى حانت الصلاة فصلى ابن سحنون الظهر، ثم رجع معه إلى المناظرة حتى كانت العصر فصلاها ثم كذلك المغرب ثم إلى العشاء، ثم إلى الفجر، وقد اجتمع الناس وشاع الخبر بمصر الفقيه المغربي يناظر اليهودي، فلما كانت صلاة الفجر انقطع اليهودي وتبين له الحق وأسلم، فكبر الناس وعلت أصواتهم، فخرج ابن سحنون وهو يمسح العرق عن وجهه وقال لصاحبه: لا جزاك الله خيرا كادت تجري على يديك فتنة عظيمة تناظر يهوديا وأنت بضعف، فإن ظهر عليك اليهودي لضعفك افتتن من قدر الله فتنته أو كما قال.
مذهبه في الايمان.
كان لا يستثني في مسألة الايمان أي لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وكان يقول: أنا مؤمن عند الله، وغالب ابن عبدوس وغيره، وكان ابن عبدوس وأصحابه وأهل مصر ينكرون ذلك عليه وعلى من يقوله وينسبون قائله إلى الارجاء. وكان ابن سحنون يقول: المرء يعلم اعتقاده فكيف يعتقد الايمان ثم يشك فيه؟ وبقي هو وأصحابه بعده بينهم وبين أصحاب ابن عبدوس وغيرهم في المسألة تنازع ومجادلات وكانوا يسمون من خالفهم الشكوكية لاستثنائهم. قال القاضي عياض: والمسألة قد كثر الخوض فيها وكلام الائمة عليها، والحقيقة فيها أنه خلاف في الألفاظ لا حقيقة، فمن التفت إلى مغيب الحال والخاتمة وما سبق به القدر قال بالاستثناء ومن التفت إلى حال نفسه وصحة معتقده في وقته لم يقل به.
توفي بالساحل ونقل جثمانه إلى القيروان، وصلى عليه الأمير ابراهيم ابن أحمد بن أحمد بن الأغلب وضرب على قبره قبة، وضربت الأقبية حول قبره وأقام الناس فيها شهورا كثيرة حتى قامت الأسواق والبيع والشراء حول
قبره من كثرة الناس حتى خاف من ذلك الأمير ابن الأغلب وبعث إلى ابن عم ابن سحنون أحمد المعروف بابن لبدة فتفرق الناس، ورثاه الشعراء بمراث كثيرة كصاحبه محمد بن داود، وأحمد بن داود الصواف وغيرهما.
وهو أول من صنف في الجدل من الفقهاء المالكية.
تآليفه:
رسالة في أدب المناظرة، 2 جزءان.
رسالة في السنة.
كتاب الجامع وهو كتاب كبير جمع فيه فنون العلم والفقه فيه عدة كتب نحو ستين (بابا).
كتاب الإباحة.
كتاب الأشربة.
كتاب الإمامة.
كتاب الإيمان والرد على أهل الشرك.
رسالة فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.
كتاب تحريم النبيذ. قال: دخل علي أبي وأنا أؤلف كتاب تحريم النبيذ فقال: يا بني إنك ترد على أهل العراق ولهم لطافة أذهان وألسنة حداد فإياك أن يسبقك قلمك إلى ما يعتذر منه.
(10) كتاب تفسير الموطأ، أربعة أجزاء.
(11) كتاب الحجة على القدرية.
(12) كتاب الحجة على النصارى.
(13) كتاب الرد على أهل البدع، ثلاثة كتب (أبواب).
(14) كتاب الرد على البكرية.
(15) كتاب في الرد على الشافعي وعلى أهل العراق، وهو كتاب الجوابات خمسة كتب (أبواب).
(16) كتاب التاريخ ستة أجزاء.
(17) كتاب غريب الحديث، ثلاثة أجزاء.
(18) كتاب طبقات العلماء سبعة أجزاء.
(19) كتاب السير، عشرون كتابا (بابا).
(20) كتاب آداب المعلمين حققه ح ح عبد الوهاب (تونس 1350/ 1931) وأعيد طبعه باشراف الأستاذ محمد العروسي المطوي، ونشره د/أحمد فؤاد الأهواني ضمن كتاب التربية في الإسلام والتعليم في رأي القابسي القاهرة 1955 (ط 2/).
(21) كتاب المسند في الحديث، وهو كبير.
(22) كتاب الورع، ومؤلفاته كثيرة أوصلها بعضهم إلى مائتي كتاب، قال بعضهم: ألف ابن سحنون كتابه الكبير (لعله الجامع) مائة جزء:
عشرون في السير، وخمسة وعشرون في الأمثال، وعشرة في آداب القضاة، وخمسة في الفرائض، وأربعة في الإقرار، وأربعة في التاريخ والطبقات، والباقي في فنون العلم.
قال غيره: وألف في أحكام القرآن.
المصادر والمراجع:
- الاعلام 7/ 76، تذكرة الحفاظ 2/ 130، ترتيب المدارك 3/ 104 - 118، الديباج 234 - 37، رياض النفوس 344 - 60، شجرة النور الزكية 70، شذرات الذهب 2/ 150، طبقات علماء افريقية للخشني 178 - 182، 256، 296، طبقات الفقهاء للشيرازي 157 - 58، العبر 2/ 31، معالم الإيمان 2/ 79، معجم المؤلفين 10/ 169، هدية العارفين 2/ 17.

  • دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 3- ص: 19

ابن سحنون محمد بن عبد السلام التنوخي فقيه المغرب، محمد أبو عبد الله، ابن فقيه المغرب عبد السلام سحنون بن سعيد التنوخي، القيرواني، شيخ المالكية.
تفقه بأبيه.
وروى عن: أبي مصعب الزهري، وطبقته.
وكان محدثا بصيرا بالآثار، واسع العلم، متحريا متقنا، علامة، كبير القدر، وكان يناظر أباه.
وقيل لعيسى بن مسكين: من خير من رأيت في الغلمة؟
قال: ابن سحنون.
قلت: له مصنف كبير في فنون من العلم، وله كتاب: (السير)، عشرون مجلدا، وكتاب: (التاريخ )، ومصنف في الرد على الشافعي والعراقيين.
وقيل: لما مات ضربت الخيام حول قبره، فأقاموا شهرا، وأقيمت هناك أسواق الطعام، ورثته الشعراء، وتأسفوا عليه.
توفي: سنة خمس وستين ومائتين.
ثم رأيت له ترجمة طويلة، في (تاريخ ) أبي بكر عبد الله بن محمد المالكي، قال: قال أبو العرب:
كان ابن سحنون إماما ثقة، عالما بالفقه، عالما بالآثار، لم يكن في عصره أحد أجمع لفنون العلم منه، ألف في جميع ذلك كتبا كثيرة، نحو مائتي كتاب، في العلوم والمغازي والتواريخ.
وكان أبوه يقول: ما أشبهه إلا بأشهب.
وكانت له حلقة غير حلقة أبيه.
ولد: سنة ثنتين ومائتين.
وتوفي: سنة ست وخمسين ومائتين.
سمع من: أبيه، وموسى بن معاوية، وعبد العزيز بن يحيى المدني.
وارتحاله إلى المشرق في سنة خمس وثلاثين، فلقي أبا المصعب الزهري، ويعقوب بن كاسب.
وقيل: إن المزني - صاحب الشافعي - أتاه، فلما خرج، قيل له: كيف رأيته؟
فقال: لم أر أعلم منه، ولا أحد ذهنا - على حداثة سنه -.
وألف كتاب: (الإمامة)، فقيل: كتبوه ونفذوه إلى المتوكل.
وكان ذا تعبد وتواضع ورباط، وصدع بالحق.
وناظر شيخا معتزليا، فقال: يا شيخ! المخلوق يذل لخالقه؟ فسكت، فقال: إن قلت بالذلة على القرآن، فقد خالفت قوله تعالى: {وإنه لكتاب عزيز}. [فصلت: 41]
وسئل ابن عبدوس عن الإيمان: أمخلوق هو، أو غير مخلوق؟ فلم
يدر، ودل على محمد بن سحنون.
فقال محمد: (الإيمان بضع وسبعون درجة، أعلاها شهادة، أن لا إله إلا الله) فالإقرار غير مخلوق، وما سواه من الأعمال مخلوقة - يريد كلمة الإقرار، وأما حقيقة الإقرار الذي هو التصديق، فهو نور يقذفه الله في قلب عبده، وهو خلق لله -.
قال أحمد بن أبي مسعود: فمضيت إلى العراق، فسألت عنها، فكان جوابه كجواب محمد.
وقيل: لما توفي محمد رثي بثلاث مائة قصيدة.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 10- ص: 249

محمد بن سحنون تفقه بأبيه وسمع من بن أبي حسان وموسى بن معاوية وعبد العزيز بن يحيى المدني وغيرهم ورحل إلى المشرق فلقي بالمدينة أبا مصعب الزهري وابن كاسب وسمع من سلمة بن شبيب. كان إماما في الفقه ثقة عالما بالذب عن مذاهب أهل المدينة عالما بالآثار صحيح الكتاب لم يكن في عصره أحذق بفنون العلم منه وكان الغالب عليه الفقه والمناظرة وكان يحسن الحجة والذب عن أهل السنة والمذهب. كان عالما فقيها مبرزا متصرفا في الفقه والنظر ومعرفة اختلاف الناس والرد على أهل الأهواء. وكان قد فتح له باب التأليف وجلس مجلس أبيه بعد موته. وكان من أكثر الناس حجة وألقنهم بها.
وكان يناظر أباه. وقال سحنون: ما أشبهه إلا بأشهب. وقال: ما غبنت في ابني محمد إلا أني أخاف أن يكون عمره قصيرا.
وكان يقول لمؤدبه: لا تؤدبه إلا بالكلام الطيب والمدح فليس هو ممن يؤدب بالتعنيف والضرب واتركه على بختي فإني أرجو أن يكون نسيج وحده وفريد أهل زمانه.
قيل لعيسى بن مسكين: من خير من رأيت في العلم؟ فقال: محمد بن سحنون وقال أيضا: ما رأيت بعد سحنون مثل ابنه محمد. وقال فيه إسماعيل القاضي بن إسحاق: هو الإمام بن الإمام.
وذكر له مرة ما ألفه العراقيون من الكتب فقال إسماعيل: عندنا من ألف في مسائل الجهاد عشرين جزءا وهو محمد بن سحنون. يفخر بذلك على أهل العراق.
قال بن حارث: كان من الحفاظ المتقدمين المناظرين المتصرفين وكان كثير الكتب غزير التأليف له نحو من مائتي كتاب في فنون العلم. ولما تصفح محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كتابه وكتاب بن عبدوس قال في كتاب بن عبدوس: هذا كتاب رجل أتى بمذهب مالك على وجهه.
وفي كتاب بن سحنون: هذا كتاب رجل سبح في العلم سبحا. وكان بن سحنون إمام عصره في مذهب أهل المدينة بالمغرب جامعا لخلال قل ما اجتمعت في غيره: من الفقه البارع والعلم بالأثر والجدل والحديث والذب عن مذهب أهل الحجاز كريما في معاشرته نفاعا للناس مطاعا جوادا بماله وجاهه وجيها عند الملوك والعامة جيد النظر في الملمات.
ذكر تآليفه:
ألف بن سحنون كتابه المسند في الحديث وهو كبير وكتابه الكبير المشهور: الجامع جمع فيه فنون العلم والفقه فيه عدة كتب نحو الستين وكتابا آخر في فنون العلم منها كتاب السير: عشرون كتابا وكتابه في المعلمين ورسالته في السنة وكتاب في تحريم المسكر ورسالة فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة في آداب المتناظرين جزآن وكتاب الحجة على القدرية وكتاب الحجة على النصارى وكتاب الإمامة وكتاب الرد على البكرية وكتاب الورع وكتاب الإيمان والرد على أهل الشرك وكتاب الرد على أهل البدع ثلاثة كتب وكتاب في الرد على الشافعي وعلى أهل العراق وهو كتاب الجوابات خمسة كتب وكتاب التاريخ ستة أجزاء.
قال بعضهم: ألف بن سحنون كتابه الكبير مائة جزء: عشرون في السير وخمسة وعشرون في الأمثال وعشرة في آداب القضاة وخمسة في الفرائض وأربعة في الإقرار وأربعة في التاريخ في الطبقات والباقي في فنون العلم. قال غيره: وألف في أحكام القرآن.
ذكر بقية أخباره وفضائله: قال: دخل علي أبي وأنا أؤلف كتاب تحريم النبيذ فقال: يا بني إنك ترد على أهل العراق ولهم لطافة أذهان وألسنة حداد فإياك أن يسبقك قلمك لما يعتذر منه. ورأى عبد العزيز الزاهد في منامه قائلا يقول له: مالك لم تقبل على بن سحنون وهو ممن يخشى الله؟. وفي رواية: وهو ممن يحب الله ورسوله؟ فبلغت بن سحنون فبكى بكاء شديدا ثم قال: لعله بذبي عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عيسى بن مسكين: قلت لابن سحنون: كيف الرش؟ يعني النضح قال: تبسط الثوب ثم ترش عليه ثم تقلبه ثم ترش عليه ثم تجففه قيل لعيسى: الطاق الواحد من الناحيتين؟ قال: نعم. قال القاضي عياض يحتمل - والله أعلم - أن يكون هذا فيما يشك في نجاسته من الناحيتين أو من إحداهما ولم يتيقن أو شك في النجاسة داخله.
قال القابسي في صفة النضح: يرش الموضع المتهوم بيده رشة واحدة وإن لم يعمه لأنه ليس عليه غسل فيحتاج أن يعمه قال: وإن رشه بفيه أجزأه. قال عياض: لعله بعد غسل فيه من البصاق وتنظيفه وإلا فإنه يضيف الماء وقد يغلب عليه.
قال بن اللباد: حج محمد بن سحنون في سنة خمس وثلاثين فغلطوا في يوم عرفة فرأى محمد أن ذلك يجزئ من حجهم. واختلف فيها قول أبيه وحكى بعضهم إجماع مالك وأبي حنيفة والشافعي على إجزاء المسألة.
كان بن سحنون من أطوع الناس كريما في نفسه يصل من قصد بالعشرات من الدنانير ويكتب لمن يعنى به إلى الملوك فيعطي الأموال الجسيمة نهاضا بالأثقال واسع الحيلة جيد النظر.
توفي بالساحل سنة ست وخمسين ومائتين. بعد موت أبيه بست عشر سنة وجيء به من الساحل إلى القيروان فدفن بها وسنه أربع وخمسون سنة. ومولده سنة اثنتين ومائتين وقيل: على رأس المائتين. ورئي في النوم فسئل فقال: زوجني ربي خمسين حوراء لما علم من حبي للنساء.

  • دار التراث للطبع والنشر - القاهرة-ط 1( 2005) , ج: 2- ص: 169

محمد بن سحنون وكان له علم بالفقه والحديث، وكان سحنون يقول: ما أشبهه إلا بأشهب. تفقه بأبيه ودخل
المدينة فلقي أبا مصعب صاحب مالك وسمع منه، ومات سنة ست وخمسين ومائتين وله أربع وخمسون سنة.

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 157