محمد كرد علي محمد بن عبد الرزاق بن محمد، كرد علي: رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، ومؤسسه، وصاحب مجلة (المقتبس) والمؤلفات الكثيرة. واحد كبار الكتاب. اصله من اكراد السليانية (من اعمال الموصل) ومولده ووفاته في دمشق. تعلم في المدرسة (الرشدية) الاستعدادية. وتوفي والده، وهو في الثانية عشرة من عمره، فايتدأ حياته الاستقلالية صغيرا واقبل على المطالعة والدرس الخاصة، فاحس التركي والفرنسية، وتذوق الفارسية. وحفظ اكثر شعر المتنبي ومقامات الحريري، ثم كانت مفردات المقامات، تضايقه حين يكتب. وتولى تحرير جريدة (الشام) الاسبوعية الحكومية، سنة 1315-1318هـ ، وكان يلتزم بها السجع في مقالاته. ووالى الكتابة في مجلة المقتطف خمس سنوات، بتدات بها شهرته. وزار مصر (سنة 1319هـ-1901م) فتولى تحرير جريدة الرائد المصري عشرة شهور، وعاد إلى دمشق. ورفعت إلى واليها التركي وشاية به ففتش بيته، وظهرت براءته. وهاجر إلى مصر، فانشأ مجلة (المقتبس) (سنة 1324هـ ، 1906م) وقام بتحرير جريدة (الظاهر) ثم لتحرير قي (المؤيد) اليوميتي. وعاد بعد الدستور العثاني (سنة 1908) إلى دمشق، فتابع اصدار مجلة (المقتبس) واضاف اليها باسهما جريدة يومية كانت قبل الحرب العامة الاولى مسرحا لاقلام كبار الكتاب، وناوأت دعاة الرجعية وحاربت جمعية (الاتحاد والترقي) التي كان يستتر وراءها حزب (تركيا الفتاة) العامل علىتتريك العناصر العثمانية. واتهمه احد ولاة الترك بالتعرض للعائلة السلطانية، في احدى مقالاته، فر إلى مصر فاوربا، وعاد مبرأ. وتكرر ذلك في تهمة اخرى، فترك الجريدة اليومية إلى اخيه (احمد) ابي بسام، وانقطع للمجلة. واشتد جزعه بعد اعلان الحرب العامة الاولى وابتداء حملة الانتقام التركية من احرار العرب، فاقفل الجردية والمجلة، وكاد يساق مع اخوانه شكري العسلي وعبد الوهاب الانكليزي ورشدي الشمعة - انظر تراجمهم - وسواهم، من نقدة نظام الحكم العثماني، ودعاة التحر، الا انه انقذته (خلاصة حديث) وجدت في القنصلية الفرنسية، بدمشق، كتبها احد موظفي الخارجية الفرنسة، قب الحرب، وكان قد زار صاخب الترجمة في بيته واراد استغلال نقته على (الاتحاديين) ليصرفه إلى موالاة السياسة الفرنسية في الشرق، فخيب كرد على ظنه، ونصحه بتبدليل سياستهم في الجزائر وتونس، ومثلها (نشرة رسمية سرية) كان قد بعث بها سفير فرنسة في الاستانة إلى قناصل دولته في الديار الشامية، يحذرهم بها من كرد على ويقول: انه لايسير الا مع الاترا؛ واوراق اخرى من هذا النوع اهرها تفتيش القنصليات في اوائل الحرب؛ فدعاه أحمد جمال باشا (القائد الطاغية التركي) اليه، مستبشرا، واعلمه بها، وانذره ان عاد إلى المعارضة ليقتله هو بيده، بمسدسه (اخبرني بذلك وم حدوثه) وامره باعادة الجريدة، ومنحه مساعدة مالية، فعادها، ثم ولاه تحرير جريدة (الشرق) التي اصدرها الجيش. وامضى مدة الحرب مانعا بلسانه وقلمه، وظل يخشى شبح (جمال) حتى بعد الحرب. وفي مذكراته ما يدل على بقاء اثر من هذا في نفسه إلى آخر ايامه. وانقطع إلى المجمع العلمي العربي، بعد انشائه بدمشق (سنة 1919) ايام الحكومة العربية الاولى، فكان عمله فيه بعد ذلك ابرز ما قام به في حياته. وولي وزارة المعارف مرتين في عهد الاحتلال الفرنسي. وكان ينحو في كثير مما يكتبه ابن خلدون في مقدمته. من مؤلفاته (مجلة المقتبس) ثماية مجلدات وجزآن، و (خطط الشام -ط) ستة مجلدات، استخرجه من نحو 400 كتاب، و (تاريخ الحضارة -ط) جزآن، ترجمه عن الفرنسية، والاصل لشال سنيوبوس، و (غرائب الغرب -ط) مجلدان، و (اقوالنا وافعالنا - ط) و (دمشق مدينة السحر والشعر -ط) و (غابر الاندلس وحاضرها -ط) و (امراء البيان -ط) جزآن، وهو اجل كتبه، و (القديم والحديث ط) منتقيات من مقالاته، و (كنوز الاجداد -ط) في سير بعض الاعلام، و (الادارة الاسلامية في عز العرب -ط) و (غوطة دمشق -ط) و (المذكرات -ط) اربعة اجزاء، كتب بعضها وقد تقدمت به السن، فلم تخل من اضطراب في احكامه على الناس والحوادث. اضف إلى هذا ان حياته السياسية وقفت عند اعلان الحرب العامة الاولى، فقد انصرف بعدها عن المغامرات، فلم يدخل جمعية، ولم يعمل في حزل معارض، فابتعد عن روح الجمهور، وتتبع خفايا الامور. اما حياته العلمية فكانت سلسلة متصلة الحلقات من بدء نشوئه واتصاله بالشيخ (طاهر الجزائري) إلى يوم وفاته. وكان من اصفى الناس سريرة، وطيهم لمن احب عشرة، واحفظهم ودا. مما كتبه في وصف نفسه: (خلقت عصي المزاج دموية، محبا للطرب والانس والدعابة، اعشق النظام واحب الحرية والصراحة، واكره الفوضى، واتألم لظلم، واحارب التعصب، وامقت الرياء).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 202