النيفر محمد الصادق بن محمد الطاهر ابن محمود بن أحمد النيفر : قاض، من رجال الحركة الوطنية في تونس. مولده ووفاته بها. تعلم بالمعهد الزيتوني وبالمدرسة الخلدونية. وقويت صلته بالملك الباي محمد الحبيب، فعينه على غير إرادة الاحتلال الفرنسي قاضيا للقضاة بتونس سنة 1341 ه. واستمر إلى أن توفي الحبيب (1347 ه) فاعتزل الناس إلى آخر حياته. وفيهم من كان يتهمه بالزلفى للاحتلال، وكثيرون يبرئونه. وكان حلو الحديث خطيبا، مرحا. له تذييلات لكتب بعض المؤرخين، وتكميلات، منها (سلوة القلب المحزون في تذييل كشف الظنون).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 161
النيفر محمد الصادق ابن الشيخ محمد الطاهر بن محمود ابن الشيخ أحمد النيفر، المحدث، الفقيه، المشارك في علوم، السياسي الخطيب.
بعد أن استظهر القرآن التحق بجامع الزيتونة سنة 1313/ 1894، وأخذ عن أعلامه كالمشايخ: سالم بو حاجب، ومحمد النخلي، ووالده، وإبراهيم المارغني، والمولدي بن عاشور، وأحمد بن مراد، ومحمد رضوان، ومحمد بن يوسف، وأحمد بيرم، وإسماعيل الصفائحي، وغيرهم.
تولى التدريس بجامع الزيتونة وتدرج إلى أن صار مدرسا من الطبقة الأولى، وتخرجت عليه أجيال، وكان في دروسه مثالا لجودة البيان، وسعة الاطلاع، وقوة العارضة، وهو أول من غرس حب الوطن في نفوس تلاميذه والتغني بأمجاده.
كان له علاقة بمفتي فاس الشيخ المهدي الوزاني عن طريق المراسلة، ولما زار تونس سنة 1323/ 1905 استضافه في منزله، وأكرم وفادته، ومكث عنده مدة شهرين مكرما.
وفي عام 1330/ 1912 رد الزيارة إلى الشيخ المهدي الوزاني إجابة لطلبه المتكرر.
كان إماما وخطيبا بجامع باب البحر (المعروف بجامع الزرارعية وهو جامع الدعي الحفصي ابن أبي عمارة) وكثيرا ما يتعرض للسياسة والاقتصاد، ويسوق المواعظ المؤثرة فيبكي الحاضرين ويبكي، وحاز بها شهرة واسعة، ومما له صلة بحياته العلمية أنه لما ورد فاس ألف الشيخ عبد الحي الكتاني باسم المترجم فهرس اسمه الفجر الصادق في إجازة الشيخ الصادق في نحو الست كراريس وفي (دليل مؤرخ الأقصى ص 144) في نحو كراسة عدد فيه مشايخه ثم إسناد الكتب الستة والمسانيد الأربعة ونحوها من الكتب الرائجة، ثم إسناد الفقه المالكي، وإسناد كثير من الفهارس على حروف المعجم، وهو ثبت نافع أجمع ما صدر عن مؤلفه وأفيد في بابه وختمه ببعض الإنشادات والوصايا (فهرس الفهارس 2/ 280).
وعند ما تأسس الحزب الحر الدستوري عام 1337/ 1918 انتسب إليه فكان يتردد على نادي الحزب بنهج إنكلترا، وكان عضوا باللجنة التنفيذية للحزب في الوقت الذي كان غيره من العلماء لا يتظاهرون بالانتماء إلى حزب المعارضة لسياسة الحكومة، وهو أول من طالب الحكومة بإعطاء الدستور التونسي، وذلك بمخاطبة ممثل الحكومة الفرنسية بتونس (نائب المقيم العام ايتيان فلندان ولنائب اسمه دي كاسيون) ثم بمخاطبة الملك وبعد مخاطبة ممثل الحكومة الفرنسية بتونس لم يبق إلا مشافهة ملك البلاد، وقد وقعت محاولات كثيرة واجتماعات متعددة لتنظيم القيام بمخاطبة الملك، وأخيرا استقر الرأي على تكوين وفد يشتمل على مختلف الطبقات من الشعب، وأسندت رئاسة هذا الوفد للمترجم له، وإثر صلاة العصر قصد الوفد القصر الملكي بالمرسى وذلك يوم الجمعة 2 شوال 1338/ 18 جوان 1920، وألقى صاحب الترجمة خطابا طالب فيه منح الشعب مجلسا تشريعيا يتكون أعضاؤه بالانتخاب الحر، وذكر أن المشير الثاني محمد (بالفتح) باشا باي والد الملك هو الذي منح الشعب دستورا كان مناسبا لذلك العصر، وبعد الانتهاء من الخطاب سلم إلى الملك عريضة ممضاة من آلاف التونسيين، وبها بيان جملة المطالب التي يرغب الشعب من الملك إنجازها.
والاستعمار لا ينظر بعين الرضا والاطمئنان إلى اتصال أي وفد بالملك، وتقديم المطالب له، فدبر مبررا لعقاب رجال الوفد من المتوظفين، وهو أنهم قابلوا الملك بدون حضور الوزير الأكبر، فكان عقاب المترجم وزميله الشيخ عثمان بن الخوجة الإيقاف عن مباشرة التدريس لمدة ستة أشهر من أواسط شوال 1338 إلى أواسط ربيع الثاني /1339 من غرة جويلية إلى موفى ديسمبر 1920، وبعد انقضاء مدة الإيقاف دخلا إلى جامع الزيتونة في 11 ربيع الثاني 1339/ 3 جانفي 1921، ووقع لهما اقتبال عظيم من التلامذة، وانعقد موكب تحت المعلقة قرب باب الشفاء، وألقى كثير من التلامذة خطبا في الترحيب بهما منهم حسن السيالة، وعبد الرحمن اليعلاوي، ومحمد معلى، وبعد أيام قليلة شرعا في مباشرة التعليم.
وكان المترجم على صلة طيبة بالأمير محمد الحبيب باي قبل توليه الملك، وبعد توليه الملك سمي المترجم قاضيا في شهر شعبان 1341/ 1923، وقد حاول المقيم العام لوسيان سان التأثير على الباي للعدول عن رأيه في إسناد القضاء له، ورام إقناع الملك في توظيف المترجم حاكما بالمجلس المختلط العقاري لكن أبي الملك ذلك.
كان في مدة قضائه دءوبا على العمل، نشيطا فصل كثيرا من القضايا الاستحقاقية المتجمدة، وكان صارما عادلا لا يداري، وكان في أول أمره صديقا لوزير العدلية الطاهر خير الدين، ثم توترت العلائق بينهما لمحاولة الوزير التداخل في سير القضايا وبالخصوص ما كان منها خاصا بأتباعه المقربين لديه، ولما توفي الملك محمد الحبيب
خلا الجو لدسائس هذا الوزير، ونجح في حمل الباي الجديد على عزله من القضاء في ذي القعدة 1347/ 1929، وبقي في القضاء مدة سبعة أعوام، وبعد عزله لازم بيته منعزلا عن الحياة العامة، وبعث إليه الشيخ محمد شاكر من صفاقس بالأبيات التالية:
الله قد صرف القضا | وحبا الجميل على الرضا |
إن زال سلطان الولا | ية لم يزل مجد أضا |
والله يعلم ما يكن الصد | ر مما قد قضى |
دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 5- ص: 79