التصنيفات

محمد بن أحمد الابيوردي الكوفني أحد قراء أبيورد: هو أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي العباس أحمد بن إسحاق بن أبي العباس محمد الإمام بن إسحاق بن الحسن أبي الفتيان بن أبي مرفوعة منصور بن معاوية الأصغر بن محمد بن أبي العباس عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف؛ نقلت هذا النسب من تاريخ جمعه منوجهر بن اسفرسيان بن منوجهر ابتدأه فيما ذكر لي في أوله من بعد ما ذكره الوزير أبو شجاع فقال فيه عند ذكر الأبيوردي: حكي أنه كان من أبيورد، ولم يعرف له هذا النسب، وانه كان ببغداد في خدمة مؤيد الملك ابن نظام الملك، فلما عادى مؤيد الملك عميد الدولة ابن جهير ألزمه أن يهجوه ففعل، فسعى عميد الدولة إلى الخليفة بأنه قد هجاك ومدح صاحب مصر، فأبيح دمه فهرب إلى همذان، واختلق هذا النسب حتى ذهب عنه ما قرف به من مدح صاحب مصر، وكان يكتب على كتبه
«المعاوي»، وكان فاضلا في العربية والعلوم الأدبية نسابة ليس مثله، متكبرا عظيما، وسمع سنقر كفجك بخبره فأراد أن يجعله طغرائي الملك أحمد، فمات أحمد، فرجع إلى أصفهان بحال سيئة، وبقي سنين يعلم أولاد زين الملك برسق، ثم شرح سنقر الكفجك للسلطان محمد ذلك وأعطاه إشراف المملكة، وكان يدخل مع الخطير وأبي إسماعيل والمعين وشرف الدين، فتوفي فجأة بأصفهان يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة، وكذا ذكر ابن منده، ويقال: بل سقاه الخطير، ودفن بباب ديره، وكان كبير النفس عظيم الهمة لم يسأل أحدا شيئا قط مع الحاجة والمضايقة، وكان من دعائه في الصلاة: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها. ورثى الحسين عليه السلام بقصيدة قال فيها، ومن خطه نقلت:

قال السمعاني، قال شيرويه: سمع الأبيوردي إسماعيل بن مسعدة الجرجاني وعبد الوهاب بن محمد بن الشهيد وأبا بكر ابن خلف الشيرازي، حديثا واحدا، وأبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي وعبد القاهر الجرجاني النحوي.
قال ابن طاهر المقدسي: عنبسة الأصغر بن عتبة الاشرف بن عثمان بن عنبسة الأكبر بن أبي سفيان. قال: ومعاوية الأصغر هو الذي ينتسب إليه الأبيوردي، ومعاوية أول من تدير كوفن، وهي قصبة بين نسا وأبيورد ونقله إليها حيان بن حكيم العبدي .
وكتب مرة قصة إلى الخليفة، وكتب على رأسها الخادم المعاوي يعني معاوية بن محمد بن عثمان لا معاوية بن أبي سفيان، فكره الخليفة النسبة إلى معاوية واستبشعها، فأمر بكشط الميم ورد القصة فبقيت الخادم العاوي.
وحدث السمعاني عن أحمد بن سعد العجلي قال: كان السلطان نازلا على باب همذان فرأيت الأديب الأبيوردي راجعا من عندهم، فقلت له: من أين؟ فأنشأ يقول ارتجالا:
وحدث أبو سعد السمعاني عن أبي علي أحمد بن سعيد العجلي المعروف بالبديع قال: سمعت الأبيوردي يقول في دعائه: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها، فقلت له: أي شيء هذا الدعاء؟ فكتب إلي بهذه الأبيات:
قال أبو علي العجلي: وكنت يوما متكسرا فأردت أن أقوم فعضدني الأبيوردي وعاونني على القيام، ثم قال: أمويا يعضد عجليا، كفى بذلك شرفا.
وقد ولي الأبيوردي خزن خزانة دار الكتب بالنظامية التي ببغداد بعد القاضي أبي يوسف يعقوب بن سليمان الاسفرائني، وكانت وفاة الاسفرائني هذا في رمضان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وكان أبو يوسف الاسفرائني أيضا شاعرا أديبا، وهو القائل في بهاء الدولة منصور بن مزيد صاحب حلة بني مزيد:
وحدث العماد محمد بن حامد الأصبهاني في «كتاب خريدة القصر» أن الأبيوردي تولى في آخر عمره إشراف مملكة السلطان محمد بن ملكشاه، فسقوه السم وهو واقف عند سرير السلطان، فخانته رجلاه فسقط وحمل إلى منزله، فقال:
قال العماد الأصبهاني: وكان رحمه الله عفيف الذيل، غير طفيف الكيل، صائم النهار قائم الليل، متبحرا في الأدب، خبيرا بعلم النسب، وأورد له صاحب «وشاح الدمية» فيه:
وله:
وله:
وله:
وقرأت من خط تاج الاسلام اختلافا في نسبه وهو: محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عتبة بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي العبشمي، أوحد عصره وفريد دهره في معرفة اللغة والأنساب وغير ذلك، وأليق ما وصف به بيت أبي العلاء المعري:
وله تصانيف كثيرة: منها كتاب تاريخ أبيورد ونسا. كتاب المختلف والمؤتلف.
كتاب قبسة العجلان في نسب آل أبي سفيان. كتاب نهزة الحافظ. كتاب المجتبى من المجتنى في رجال كتاب أبي عبد الرحمن النسائي في السنن المأثورة، وشرح غريبه. كتاب ما اختلف وائتلف في أنساب العرب. كتاب طبقات العلم في كل فن.
كتاب كبير في الأنساب. كتاب تعلة المشتاق إلى ساكني العراق. كتاب كوكب المتأمل، يصف فيه الخيل. كتاب تعلة المقرور في وصف البرد والنيران وهمذان.
كتاب الدرة الثمينة. كتاب صهلة القارح رد فيه على المعري «سقط الزند». وله في اللغة مصنفات ما سبق إليها.
وكان حسن السيرة جميل الأمر منظرانيا من الرجال، سمع الحديث فأكثر، ولقي عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي وأخذ عنه، وروى عنه جماعة غير محصورة.
وقال السمعاني: سمعت أبا الفتح محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم النطنزي يقول: سمعت الأبيوردي يقول: كنت ببغداد عشرين سنة حتى أمرن طبعي على العربية وبعد أنا أرتضخ لكنة.
قال: وقرأت بخط يحيى بن عبد الوهاب بن منده: سئل الأديب الأبيوردي عن أحاديث الصفات فقال نقر ونمر.
وأنشد السمعاني للأبيوردي بإسناد:
وأنشد له:
وله أيضا في مدح الأئمة الخمسة:
وأنشد له:
له في الغزل:
وله:
وله:
ووجدت بعد ذلك رسالة كتبها إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله يعتذر، تدل على صحة ما نسب إليه من الهرب من بغداد، نسختها: إحسان المواقف المقدسة النبوية الامامية الطاهرة الزكية الممجدة العلية، زاد الله في إشراق أنوارها، وإعزاز أشياعها وأنصارها، وجعل أعداءها حصائد نقمها، ولا سلب أولياءها قلائد نعمها، شمل الأنام، وغمر الخاص والعام، وأحق خدمها بها من انتهج المذاهب الرشيدة في الولاء الناصع، والتزم الشاكلة الحميدة في الثناء المتتابع، ولا خفاء باعتلاق الخادم أهداب الاخلاص، واستيجابه مزايا الاجتباء والاختصاص، لما أسلفه من شوافع الخدم، ومهده من أواصر الذمم، متوفرا على دعاء يصدره من خلوص اليقين، ويعد المواصلة به من مفترضات الدين، ولئن صدت الموانع عن المثول بالسدة المنيفة، والاستذراء بالجناب الأكرم في الخدمة الشريفة، فهو في حالتي دنوه منها واقترابه، وتارتي انتزاحه عنها واغترابه، على السنن القاصد في المشايعة مقيم، ولما يشمله من نفحات الأيام الزاهرة مستديم. وقد علم الله سبحانه، ولا يستشهده كاذبا، إلا من كان لرداء الغي جاذبا، أنه مطوي الجنان على الولاء، منطلق اللسان بالشكر والدعاء، يتشح بهما الصبح كاشرا عن نابه، ويدرعهما الليل ناشرا سابغ جلبابه، وكان يغب
خدمه اتقاء لقوم يبغونه الغوائل، وينصبون له الحبائل، وتدعوهم العقائد المدخولة إلى تنفيره، ويرقون عنه غير ما أجنه في ضميره، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذماما، ويزيدهم الاستدراج على الجرائم جرأة واقداما، حتى استشعر وجلا، فاتخذ الليل جملا، والتحف بناشئة الظلماء، والفرار مما لا يطاق من سنن الأنبياء، ولم يزل يستبطئ فيهم المقادير، والأيام ترمز بما يعقب التبديل والتغيير، فحاق بهم مكرهم، وانقضت شرتهم وشرهم:
وعاود الخادم المثابرة على الممادح الإمامية مطنبا ومطيلا، إذ وجد إلى مطالعة مقار العز والعظمة ومواقف الإمامة المكرمة بها سبيلا، وهذه فاتحة ما نظم، وانتهز فرصة الامكان فيه واغتنم:
وله:
وله:
وله:
وله:
وله أيضا وهو من جيد شعره:
وله:
وله:
وله:
وله:
وله:
قرأت بخط محمد بن عبيد الله الشاعر المعروف بابن التعاويذي قال، حدثني الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب قال، حدثني الشيخ أبو منصور ابن الجواليقي قال: كنت أقرأ على أبي زكريا شعر أبي دهبل الجمحي حتى وصلت إلى هذا البيت:
قال فقلت له: وصفها بقوله يجول وشاحاها بأنها هضيمة الحشا، وبقوله ويشبع منها وقف عاج ودملج أنها عبلة الزند والعضد، فما معنى قوله ويغرب حجلها؛ فقال:
لا أدري، وكان الأبيوردي حاضرا، فلما قمت من عنده قال لي الأبيوردي: أتحب أن تعرف معنى هذا البيت؟ قلت: نعم، فقال: اتبعني، فمضيت معه إلى بيته فأجلسني وأخرج سلة فيها جزاز فجعل يطوفها إلى أن أخرج ورقة فنظر فيها وقال لي:
إنه مدح امرأة من آل أبي سفيان وهم يوصفون بأنهم سته حمش، والحمش دقة الساقين.
ومن افتخاراته قوله:
قال عبد الله بن علي التيمي: ولقد حصل للأبيوردي بعد ما تراه من شكوى
الزمان في أشعاره مما انتجعه بالشعر من ملوك خراسان ووزرائها وخلفاء العراق وأمرائها ما لم يحصل للمتنبي في عصره ولا ابن هانئ في مصره، فمن ذلك ما حدثنيه القاضي أبو سعد محمد بن عبد الملك بن الحسن النديم أن أفضل الدولة الأبيوردي لما قدم الحلة على سيف الدولة صدقة ممتدحا له، ولم يكن قبلها اجتمع به قط، خرج سيف الدولة لتلقيه. قال: وكنت فيمن خرج، فشاهدت الأبيوردي راكبا في جماعة كثيرة من أتباعه منهم من المماليك الترك ثلاثون غلاما، ووراءه سيف مرفوع، وبين يديه ثمان جنائب بالمراكب والسرفسارات الذهب، وعددنا ثقله فكان على أحد وعشرين بغلا، وكان مهيبا محترما جليلا معظما لا يخاطب إلا بمولانا، فرحب به سيف الدولة، وأظهر له من البر والاكرام ما لم يعهد مثله في تلقي أحد ممن كان يتلقاه، وأمر بانزاله وإكرامه والتوفر على القيام بمهامه، وحمل إليه خمسمائة دينار وثلاثة حصن وثلاثة أعبد. وكان الأبيوردي قد عزم على إنشاد سيف الدولة قصيدته التي يقول فيها:
في يوم عينه، ولم يكن سيف الدولة أعد له بحسب ما كان في نفسه أن يلقاه به ويجيزه على شعره، واعتذر إليه ووعده يوما غير ذلك اليوم ليعد ما يليق بمثله اجازته مما يحسن به بين الناس ذكره، ويبقى على ممر الأيام أثره، فاعتقد أفضل الدولة أن سيف الدولة قد دافعه عن سماعه منه استكبارا لما يريد أن يصله به ثانيا، فأمر الأبيوردي أصحابه أن يعبروا ثقله الفرات متفرقا في دفعات، وخرج من غير أن يعلم به أحد سوى ولد أبي طالب ابن حبش فانه سمعه ينشد على شاطئ الفرات حين عبوره:
فبادر ولد أبي طالب إلى سيف الدولة فقال له: رأيت على شاطئ الفرات فارسا
يريد العبور إلى الشرق وهو ينشد هذه الأبيات، فقال سيف الدولة: وأبيك ما هو إلا الأبيوردي، فركب لوقته في قل من عسكره، فلحقه فاعتذر وسأله الرجوع وعرفه عذره في امتناعه من سماع شعره وأمر بانزاله في داره معه، وحمل إليه ألف دينار ومن الخيل والثياب ما يزيد على ذلك قيمة.
قال عبيد الله التيمي أنشدني أبو إسحاق يحيى بن إسماعيل المنشئ الطغرائي قال: سمعت والدي ينشد لنفسه مرثية للأبيوردي:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2360