الفضل بن إسماعيل التميمي أبو عامر الجرجاني: أديب أريب فاضل لبيب، أحد أصحاب عبد القاهر الجرجاني النحوي، وكان مليح الخط صحيح الضبط رائق النظم فصيح النثر جيد التصنيف حسن التأليف، ذكره محمد بن محمود في «كتاب سر السرور» فقال: رباع الفضل بتصانيفه عامرة، ورياض الأدب بكلماته ناضرة، فكأن الربيع فضلة من بدائعها، والزهر ضرة لروائعها، وشعره يطرق السحر بين يديه، وتهتف الملح بحفافيه، تقرأ آيات الإحسان من أبياته، وتخفق عذبات الابداع من راياته، وله تصنيفات باسم الشيخ الأجل عبد الحميد أهداها إليه بغزنة فأشرقت بها أرجاؤها، وأغدقت أنواؤها. منها: كتاب البيان في علم القرآن. وكتاب عروق الذهب من أشعار العرب. وكتاب سلوة الغرباء وغيرها.
وقال عبد الغافر في «كتاب السياق»: الفضل بن إسماعيل التميمي الشيخ أبو عامر الجرجاني النحوي الكاتب الأديب الشاعر من أفاضل عصره، وأفراد دهره، حسن النظم والنثر، متين في الفضل، كتب مدة للشيخ الرئيس أبي المحاسن الجرجاني وغيره، وصحب الكتاب والمشايخ، سمع الحديث من المشايخ الذين سمعنا منهم مثل الشيخ أبي سعد ابن رامش وأبي نصر ابن رامش المقرئ وأبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي وأبي القاسم إسماعيل بن زاهر النوقاني، وسمع من الشيخ أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وسمع من المشايخ الإسماعيلية وغيرهم في شبابه، ولم يذكر وفاته لكنه كان قد مات في حياة عبد الغافر.
وكان ورد نيسابور واجتمع به الأديب يعقوب بن أحمد المذكور في بابه وسأله أن يكتب له بخطه في كتابه الذي سماه «جونة الند» وهو مجموع جمع فيه يعقوب من
أشعار نفسه وغيره من أهل عصره ومن تقدمه، وظفرت أنا بأصل يعقوب الذي بخطه وفيه بخط أبي عامر الذي لا أرتاب به ما نقلته بصورته بعد أن أسقطت بعض النظم، وأما النثر فلا، وهذا نسخة خطه: سألني الشيخ الجليل الأديب- أدام الله نعمته- أن أكتب له في هذا الدفتر شيئا من هاذوري، فترجحت بين صوارف تنهاني عن الاجابة سترا لعورتي، ودواع تحثني على امتثال رسمه إظهارا لطاعتي، وأنا على كل حال واثق بكرمه، ساكن إلى حسن شيمه، وعالم انه يحرص على إقالة عثرة الاخوان، وستر عيوبهم بقدر الإمكان، والله أسأل أن يجبر نقيصتنا بفضيلته، ويمحو إساءتنا بحسنته، فانه عليه قدير، وها هو الهاذور:
بالله يا حتفي أما تستحي | حتى متى توردني حتفي |
تحلف لي أنك في كفي | وعض كفي منك في كفي |
وأنت يا قلبي إلى كم وكم | تحيل بالذنب على طرفي |
خده الياسمين والخط فيه | سنبل نابت على ياسمين |
سمته قبلة فقال تحرز | بين صدغي عقدتا التنين |
إذا حفزتك نائبة لأمر | فجئت إلى صغير أو كبير |
فكاثره بهز بعد هز | فإن الزبد بالمخض الكثير |
تولى الغانيات فليس عندي | لهن سوى هوى أخفي وأبدي |
رأين الشيب ألبسني قتيرا | على حد البلى فنقضن عهدي |
وسالمني الغيور فكل يوم | يوازن بيننا ود بود |
وقنعني الزمان فلست آسى | على فوت الثراء وأنت عندي |
وكل تعجبى طول الليالي | لذلة ماجد يسعى لوغد |
فشكرا للإله فقد كفاني | تولي غير عباس بن سعد |
له قلبي وخالصتي وودي | وفيه ترددي وإليه قصدي |
ومنه معيشتي وصلاح حالي | ومعصوب به غيي ورشدي |
وكل الناس يشرك في هواه | وقد أفردته بهواي وحدي |
فان أفزع فكهف علاه حرزي | وان أعطش فبحر نداه وردي |
فضلت الناس مأثرة وفخرا | وطلتهم باحسان ومجد |
ولما صرت عبدك صار يرضى | أنو شروان لو أرضاه عبدي |
أدل عليك إدلال الموالي | فلا نكر لديك ولا تعدي |
وتلك مزية لي ليس تخفى | ورثت مكانها من ابي وجدي |
فعش ألفا معي في خير حال | وألفا بعدها ألفان بعدي |
فكل الناس دونك آل قفر | يغر بلمعة من غير رفد |
وأنت الفرد مكرمة فكن لي | تكن فردا بلا شك لفرد |
نشد على الموت مستبسلين | غلاظ الرقاب غلاظ الكبود |
ونفترع البيض سود القرون | صفر الترائب حمر الخدود |
عذيري من شاطر أغضبوه | فجرد لي مرهفا باتكا |
يقول أنا لك يا ابن الوكيل | وهل لي رجاء سوى ذلكا |
إني بليت بشادن | بلواه عندي تستحب |
فإذا بلوت طباعه | فالماء يشرب وهو عذب |
وإذا نضوت ثيابه | فاللوز يقشر وهو رطب |
وقصار وصفي أنه | فيما أحب كما أحب |
قد ضاق صدري من صدور زماننا | فهم جماع الشر بالاجماع |
يتضارطون فان شكوت ضراطهم | شفعوا سماع الضرط بالاسماع |
هذا يفرقع في الضراط وذاكم | يرمي بمثل حجارة المقلاع |
ومن البلية أن تعاشر معشرا | يتضارطون الدهر بالايقاع |
مللت مكافحة الحادثات | وكنت بها معجبا عاجبا |
وحيرني الدهر حتى نشدت | حماري وكنت له راكبا |
اصبحت مثل عطارد في طبعه | إذ صرت مثل الشمس في الإشراق |
فلذاك ما ألقاك يوما واحدا | إلا قضيت علي بالاحراق |
أبا عامر إن الرتائم إنما | تذكر بالأمر العبام المغمرا |
ولكن من عيناه درج فؤاده | فليس بمحتاج إلى أن يذكرا |
ما أبو عامر سوى اللطف شيء | إنه جملة كما هو روح |
كل ما لا يلوح من سر معنى | عند تفكيره فليس يلوح |
إن لي هرة خضبت شواها | دون ولدان منزلي بالرقون |
ثم قلدتها لخوفي عليها | ودعات ترد شر العيون |
كل يوم أعولها قبل أهلي | بزلال صاف ولحم سمين |
وهي تلعابة إذا ما رأتني | عابس الوجه وارم العرنين |
فتغني طورا وترقص طورا | وتلهى بكل ما يلهيني |
لا أريد الصلاء ان ضاجعتني | عند برد الشتاء في كانون |
وإذا ما حككتها لحستني | بلسان كالمبرد المسنون |
وإذا ما جفوتها استعطفتني | بأنين من صوتها ورنين |
وإذا ما وترتها كشفت لي | عن حراب ليست متاع العيون |
أملح الخلق حين تلعب بالفا | ر فتلقيه في العذاب المهين |
وإذا مات حسه أنشرته | بشمال مكروبة أو يمين |
وتصاديه بالغفول فان را | م انجحارا علته كالشاهين |
وإذا ما رجا السلامة منها | عاجلته ببطشة التنين |
وكذاك الأقدار تفترس المر | ء وتغتاله بقطع الوتين |
بينما كان في نشاط وأنس | إذ سقاه ساق بكاس المنون |
علقتها بيضاء ظامئة الحشا | تسبي القلوب بحسنها وبطيبها |
مثل الشقائق في احمرار خدودها | للناظرين وفي اسوداد قلوبها |
وقد يستقيم المرء فيما ينوبه | كما يستقيم العود في عرك أذنه |
ويرجح من فضل الكلام إذا مشى | كما يرجح الميزان من فضل وزنه |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2166
الفضل بن إسماعيل التميمي أبو عامر الجرجاني النحوي. قال في «السياق»: لبيب كامل من أفاضل عصره وأفراد دهره، حسن النظم والنثر، متين الفضل.
قرأ على عبد القاهر، وسمع من أبي نصر بن رامش، وأبي القاسم النوقاني، ورد نيسابور.
وصنف: «البيان في علم القرآن»، و «عروق الذهب من أشعار العرب»، و «سلوة الغرباء».
وله:
عذيري من شاطر أغضبو | هـ فجرد لي مرهفا فاتكا |
وقال أنا لك يا بن الوكي | ل وهل لي رجاء سوى ذلكا |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 32