عوف بن محلم الخزاعي أبو المنهال: أحد العلماء الأدباء، والرواة الفهماء، والندامى الظرفاء، والشعراء الفصحاء. وكان صاحب أخبار ونوادر، وله معرفة بأيام الناس. وكان طاهر بن الحسين بن مصعب قد اختصه لمنادمته، واختاره لمسامرته، وكان لا يخرج في سفر إلا أخرجه معه، وجعله زميله وأنيسه وعديله، وكان يعجب به.
قال محمد بن داود: ويقال إن سبب اتصاله بطاهر أنه نادى على الجسر بهذه الأبيات في أيام الفتنة ببغداد، وطاهر ينحدر في حراقة في دجلة، فسمعها منه فأدخله وأنشده إياها وهي:
عجبت لحراقة ابن الحسي | ن كيف تعوم ولا تغرق |
وبحران من تحتها واحد | وآخر من فوقها مطبق |
وأعجب من ذاك عيدانها | وقد مسها كيف لا تورق |
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر | وغصنك مياد ففيم تنوح |
أفق لا تنح من غير شيء فإنني | بكيت زمانا والفؤاد صحيح |
ولوعا فشطت غربة دار زينب | فها أنا أبكي والفؤاد قريح |
أفي كل عام غربة ونزوح | أما للنوى من ونية فتريح |
لقد طلح البين المشت ركائبي | فهل أرين البين وهو طليح |
وأرقني بالري نوح حمامة | فنحت وذو البث الغريب ينوح |
على أنها ناحت ولم تذر دمعة | ونحت وأسراب الدموع سفوح |
وناحت وفرخاها بحيث تراهما | ومن دون أفراخي مهامه فيح |
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر | وغصنك مياد ففيم تنوح |
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى | فتلقى عصا التطواف وهي طريح |
فإن الغنى يدني الفتى من صديقه | وعدم الغنى بالمقترين طروح |
يا ابن الذي دان له المشرقان | وألبس الأمن به المغربان |
إن الثمانين وبلغتها | قد أحوجت سمعي إلى ترجمان |
وأبدلتني بالشطاط انحنا | وكنت كالصعدة تحت السنان |
وعوضتني من زماع الفتى | وهمتي هم الهجان الهدان |
وقاربت مني خطى لم تكن | مقاربات وثنت من عنان |
وأنشأت بيني وبين الورى | عنانة من غير نسج العنان |
ولم تدع في لمستمتع | إلا لساني وبحسبي لسان |
أدعو به الله وأثني به | على الأمير المصعبي الهجان |
وهمت بالأوطان وجدا بها | وبالغواني أين مني الغوان |
فقرباني بأبي أنتما | من وطني قبل اصفرار البنان |
وقبل منعاي إلى نسوة | أوطانها حران والرقتان |
سقى قصور الشاذياخ الحيا | من بعد عهدي وقصور الميان |
فكم وكم من دعوة لي بها | أن تتخطاها صروف الزمان |
أنشدني روح مديحا له | فقلت شعرا قال لي فايش |
فصرت لما أن بدا منشدا | كأنني في قبة الخيش |
وقلت زدني وتفهمته | والثلج في الصيف من العيش |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2137