إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي عون ابن هلال أبي النجم الكاتب أبو إسحاق صاحب «كتاب التشبيهات»: وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر وأحد ثقاته وممن كان يغلو في أمره ويدعي أنه إلهه- تعالى الله عن ذلك. وكان ابن أبي العزاقر من أهل قرية من قرى واسط تعرف بشلمغان، وكان كاتبا ببغداد، ذكر ثابت أن المحسن بن الفرات كان له عناية به فاستخلفه ببغداد لجماعة من العمال بنواحي السلطان، وكانت صورته صورة الحلاج، وكان له قوم يدعون أنه إلههم وأن روح الله عز وجل حل في آدم ثم في شيث ثم في واحد واحد من الأنبياء والأوصياء والأئمة حتى حل في الحسن بن علي العسكري، وأنه حل فيه. ووضع كتابا سماه الحاسة السادسة، وأباح الزنا والفجور، فظفر به الراضي بالله فقتله في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وكان قد استغوى جماعة منهم ابن أبي عون صاحب «كتاب التشبيهات» وكانوا يبيحونه حرمهم وأموالهم يتحكم فيها، وكان يتعاطى الكيمياء، وله كتب معروفة. ولما أخذ ابن أبي العزاقر أخذ معه، فلما قتل ابن أبي العزاقر عرض على إبراهيم بن أبي عون أن يشتمه أو يبصق عليه، فأبى وأرعد وأظهر خوفا من ذلك للحين والشقاء، فقتل وألحق بصاحبه. وكان من أهل الأدب وتأليف الكتب، وكان ناقص العقل متهورا، قال ثابت: قيل إن أبا جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ادعى الربوبية فقتل هو
وإبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي النجم المعروف بابن أبي عون صاحبه ضربا بالسوط، ثم ضربت أعناقهما وصلبا، ثم أحرقت جثتهما، وذلك يوم الثلاثاء لليلة خلت من ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، نقلته من خطه.
وله من التصانيف: كتاب النواحي والبلدان. كتاب الجوابات المسكتة .
كتاب التشبيهات. كتاب بيت مال السرور. كتاب الدواوين. كتاب الرسائل.
قال المرزباني: أبو عون أحمد بن أبي النجم الكاتب الأنباري مولى لبني سليم، وأبو عون وعماه صالح وماجد ابنا أبي النجم شعراء كلهم، وماجد يكنى أبا الدميل، وأبو عون هو القائل في حاتم بن الفرج، وكان أبو شبل البرجمي الشاعر في قدمته سر من رأى نزل عليه، وكان أبو شبل أهتم، فقال فيه أبو عون:
لحاتم في بخله فطنة | أدق حسا من خطى النمل |
قد جعل الهتمان ضيفانه | فصار في أمن من الأكل |
ليس على خبز امرئ ضيعة | أكيله عصم أبو شبل |
كم قدر ما تحمله كفه | إلى فم من سنه عطل ضفحاتم الجود أخو طيء |
كان وهذا حاتم البخل
وذكر أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني قال وكان ابن أبي عون أحد القواد ممن قربه إليه أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة وأكسبه مالا، فلما قبض على أبي الهيثم صار ابن أبي عون عونا عليه مع أعدائه، وكان في من وكل بدار أبي
الهيثم، ولم يحسن إليه أبو الهيثم إلا على بصيرة فيه بظلمه وفسقه فسلطه الله عليه كما كان هو يسلطه على الناس؛ قال ابن أبي عون: أظن أن أبا الهيثم كان يهوديا، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأني أخذت غلاما له ففسقت به في دبره وسكرت، وطلبت أم ولده لأفجر بها ولم أقدر عليها، ولو كان أبو الهيثم مسلما لغضب الله له. وهذا قول متمرد على الله مستغر بإمهال الله تعالى له، ولم يهمله الله عز وجل ثم أخذه بسوء عمله. وكان ممن آمن بالحلاج وآمن بربوبيته وأخذ مع من أخذ من أصحاب الحلاج وقتل شر قتلة؛ كذا قال «الحلاج»، إنما هو ابن أبي العزاقر وإن كانت علتهما واحدة.
وقرأت بمرو رسالة كتبت من بغداد عن أمير المؤمنين الراضي رضي الله عنه إلى أبي الحسين نصر بن أحمد الساماني إلى خراسان بقتل العزاقري لخصت منها ما يتعلق بابن أبي عون، قال فيها بعد أن ذكر أول من أبدع مذهبا في الإسلام من الرافضة وأهل الأهواء «وآخر من أظفره الله منهم به: المقتدر بالله، رحمه الله، فانتقم من المعروف بالحلاج وخبره أرفع وأشهر من أن يوصف ويذكر- وأراق دمه وأزال تمويهه وحسمه. ولما ورث أمير المؤمنين ميراث أوليائه، وأحله الله محل خلفائه، اقتدى بسنتهم، وجرى على شاكلتهم في كل أمر قاد إلى مصلحة ودفع ضرر، وعاد إلى الإسلام وأهله بمنفعة، وجعل الغرض الذي يرجو الإصابة بتيممه والمثوبة بتعمده أن يتتبع هذه الطبقة من الكفار، ويطهر الأرض من بقيتهم الفجار، فتبحث عن أخبارهم، وأمر بتقصي آثارهم، وأن ينهى إليه ما يصح من أمورهم، ويحصل له من يظهر عليه من جمهورهم، فلم يبعد أن أحضر أبو علي محمد وزير أمير المؤمنين رجلا يقال له محمد بن علي الشلمغاني، ويعرف بابن أبي العزاقر، فأعلم أمير المؤمنين أنه من غمار الناس وصغارهم، ووجوه الكفار وكبارهم، وأنه قد استزل خلقا من المسلمين، واسترك طوائف من العمهين، وأن الطلب قد كان لحقه في الأيام الخالية فلم يدرك، وأودعت المحابس قوما ممن ضل وأشرك فلما رفع حكمه عنه، وأذن في استنقاذ العباد منه واطلع من أبي علي على صفاء نية ونقاء طوية في ابتغاء الأجر وطلابه، ورضى الله عز وجل واكتسابه، والامتعاض من أن ينازع في الالهية، أو يضاهى في الربوبية، أنسه بناحيته فاسترسل، وحببه بالمصير إلى حضرته فتعجل، ففحص أمير المؤمنين عنه ووكل إليه همه، ففتش أمره تفتيش الحائط للمملكة، المحامي عن الحوزة، القائم بما فوضه الله إليه من رعاية الأمة، ووقف أمير المؤمنين على أنه لم يزل يدخل على العقول من كل مدخل، ويتوصل إلى ما فيها من كل متوصل، ويعتزي إلى الملة وهو لا يعتقدها، وينتمي إلى الخلة وهو عار منها، ويدعي العلوم الإلهية وهو عم عنها، ويتحقق استخراج الحكم الغامضة وهو جاهل بها، ويتسم بالقدرة على المعجزات وهو عاجز عن ممكن الأشياء ومتهيئها، وينتحل التقية في دين آل محمد وهو يضمر التبرؤ منها، ويشنأه ويسبه صلى الله عليه وسلم ويعضهه، ترمق ظاهره العيون، فتنصرف عنه الظنون، إلى أن دل بالحيلة، والمكر والغيلة، على قوم من ذوي الجدة واليسار، والثروة والاحتكار، قد أترفهم النعيم فبطروا، وألهاهم فأشروا، ولججهم في بحار اللذة، فتولجوها على كل علة، والتمسوا في ذلك رخصة يجعلونها لأنفسهم عمدة وعصمة، وآخرين لا جدة عندهم ولا سعة، قد قويت شهواتهم، وضعفت حالاتهم، فهم يطلبون أقواتهم بالحق والباطل، ويخوضون في نيلها مع الجاد والهازل، فأباحهم المحظورات، وأحل لهم المحرمات، وامتطى لهم مركب الغرور، وتهور بهم غايات الأمور، ولم يدع فنا من الفنون المردية ولا نوعا من الأنواع المخزية، إلا فسح لهم فيه، وشحذ عزائمهم عليه، حتى ادان له واتبعه وأطاعه وشايعه خلق رين على قلوبهم فهم لا يفقهون، وضرب على آذانهم فهم لا يسمعون، وغطي على أعينهم فهم لا يبصرون، وحيل بينهم وبين الرشد فهم لا يرعوون، وأنسوا التدبر والتفكر في خلق أنفسهم، والسماء التي تظلهم، والأرض التي تقلهم، فأصفقوا بأجمعهم على أنه خالقهم وربهم ورازقهم ومحييهم، يحل فيما شاء من الصور، ويحدث ما شاء من الغير، ويفعل ما يريد، ولا يعجزه قريب ولا بعيد، وادعوا له الدعاوى الباطلة، وزعموا أنهم عاينوا منه الآيات المعضلة. واستظهر أمير المؤمنين بأن تقدم إلى أبي علي بمواقفة هذا اللعين على تمويهاته وقبائح تلبيساته لتكون إقامة أمير المؤمنين حد الله عليه بعد الإنعام في الاستبصار، وانكشاف الشبهة فيه عن القلوب والأبصار، فتجرد أبو علي في ذلك وتشمر، وبلغ منه وما قصر، وانثال عليه كل من اطلع على الحقيقة، وتعرف جلية الصورة، فوقف أبو علي على أن العزاقري يدعي أنه لحق الحق وأنه إله الآلهة، الأول القديم الظاهر الباطن الخالق الرازق التام الموصى إليه بكل معنى، ويدعى بالمسيح كما كانت بنو إسرائيل تسمي الله عز وجل المسيح، ويقول إن الله جل وعلا يحل في كل شيء على قدر ما يحتمل، وانه خلق الضد ليدل به على مضدوده، فمن ذلك أنه جلي في آدم عليه السلام لما خلقه وفي إبليس، وكلاهما لصاحبه يدل عليه لمضادته إياه في معناه، وإن الدليل على الحق أفضل من الحق، وأن الضد أقرب إلى الشيء من شبهه، وأن الله عز وجل إذا حل في هيكل جسد ناسوتي أظهر من القدرة المعجزة ما يدل على أنه هو، وأنه لما غاب آدم عليه السلام ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتية، كلما غاب منهم واحد ظهر مكانه غيره، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة، ثم اجتمعت اللاهوتية في إدريس عليه السلام وإبليسه، وتفرقت بعدهما كما تفرقت بعد آدم عليه السلام، واجتمعت في نوح عليه السلام وإبليسه وتفرقت عند غيبتهما حسب ما تقدم ذكره، واجتمعت في صالح وإبليسه عاقر الناقة وتفرقت بعدهما، واجتمعت في إبراهيم وإبليسه نمرود وتفرقت بعدهما، واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون وتفرقت على الرسم بعدهما، واجتمعت في داود عليه السلام وإبليسه جالوت وتفرقت لما غابا، واجتمعت في سليمان عليه السلام وإبليسه وتفرقت كعادتها بعدهما، واجتمعت في عيسى عليه السلام وإبليسه ولما غابا تفرقت في تلامذة عيسى كلهم عليهم السلام والأبالسة معهم، واجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه وتفرقت بعدهما إلى أن اجتمعت في ابن أبي العزاقر وإبليسه. ويصف أن الله عز وجل يظهر في كل شيء بكل معنى، وأنه في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقلبه فيتصور له ما يغتب عنه كأنه يشاهده، وأن الله اسم لمعنى ومن احتاج إليه الناس فهو إلاههم، وبهذا يستوجب في كل لغة أن يسمى الله، وأن كل واحد من أشياعه لعنه الله يقول إنه رب لمن دون درجته، وأن الرجل منهم يقول إني رب فلان، وفلان رب فلان، حتى الانتهاء إلى ابن أبي العزاقر لعنه الله، فيقول: أنا رب الأرباب وإله الآلهة لا ربوبية لرب بعدي، وأنهم لا ينسبون الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن من اجتمعت له اللاهوتية لم يكن له والد ولا ولد، وأنهم يسمون موسى ومحمدا صلى الله عليهما الخائنين لأنهم يدعون أن هارون أرسل موسى عليهما السلام وأن عليا رضي الله عنه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم فخاناهما، ويزعمون أن عليا أمهل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أيام أصحاب الكهف سنين، فإذا انقضت هذه المدة وهي خمسون وثلاثمائة سنة تنقلب الشريعة؛ ويصفون أن الملائكة كل من ملك نفسه وعرف الحق ورآه، وأن الحق حقهم، وأن الجنة معرفتهم وانتحال نحلتهم، والنار الجهل بهم والصدوف عن مذهبهم، ويغتفرون ترك الصلاة والصيام والاغتسال، ويذكرون أن من نعم الله على العبد أن يجمع له اللذتين، وأنهم لا يتناكحون بتزويج على السنة ولا بحال تأول أو رخصة، ويبيحون الفروج، ويقولون: إن محمدا عليه السلام بعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب وقلوبهم قاسية ونفوسهم آبية، فكان من الحكمة ما طالبهم به من السجود، وأن من الحكمة الآن أن يمتحن الناس في إباحة فروج حرمهم، وأن لا شيء عندهم في ملامسة الرجل نساء ذوي رحمه وفي حرم صديقه وأبيه بعد أن يكون على مذهبه، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته ويردها إليه فيبعث بها طيبة نفسه، وأنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه، وابن أبي العزاقر له في هذه الخصلة كتاب سماه «كتاب الحاسة السادسة» وقال: إنه متى أبى ذلك آب قلب في الكون الذي يجيء بعد هذا امرأة إذ كان يحقق التناسخ، وأنه ومن معه يرون إبادة الطالبيين كما يرونها في العباسيين، ويدعون إلى أنفسهم دون غيرهم إذ كان الحق عندهم ويظهر فيهم. ووجد كتاب من الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب قيل إنه إلى إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي النجم المعروف بابن أبي عون أحد وجوه العزاقرية ترجمته: إلى مولاي بشرى من غلامه مرزوق الثلاج المسكين الفقير الذي بفضل الله يجمع الله بينه وبينه في خير وعافية برحمته، يقول في فصل منه: على مولاي أعتمد وهو حسبي. وفي فصل آخر: ومولاي أهل للتفضل علي ورحمة ضعفي، وأرجو ألا يتأخر بفضله عني وينجزني وعده، وعيني ممدودة إلى تفضل مولاي وأسأله به إعانتي. فسئل ابن أبي العزاقر عن ذلك الكتاب فكتب بيده: إنه بخط الحسين بن القاسم إلى ابن أبي عون، ووافق ابن أبي عون على ذلك، لأن الله أظفر به ومكن منه، ورداه رداء ما عمل، ووفاه غاية ما كتب له من المهل، واعترف بأنه كتاب الحسين بن القاسم إليه، وأن ما
على عنوانه صحيح، وأنه هو بشرى، وأن مرزوقا الثلاج هو الحسين بن القاسم، وكتب ذلك بخطه، وأشهد جماعة من العدول على ما اعترف به. ووجدت رقعة لابن أبي عون هذا بخطه إلى بعض نظرائه يخاطبه فيها كما يخاطب الإنسان ربه تبارك وتعالى، ويقول في بعض فصولها: لك الحمد وكل شيء وما شئت كان ربي. وفي فصل آخر منها: ولك الحمد على تشريفك وتقريبك. فوقف عليها واعترف بها وأشهد على نفسه عدة من العدول بصحتها. ووجدت رقعة من المعروف بابن شيث الزيات إلى ابن أبي عون هذا يقول فيها: يا مولاي، عوائد مولاي عندي لطيفة، ورحمته وتفضله وجميل إحسانه بامتنانه علي على كل حال، وإيناسي تفضل منه ورحمة، فأسأله بجوده أن يتمم ما تفضل به ولا يسلبني إياه فإن نعمه علي ظاهرة وباطنة، قد ألبسني عافيته، وأصلح شأني، وأصلح ولدي، ورزقني القناعة، وفي ذلك الغناء الأكبر، وأكبر منه تفضله علي بأمر عظيم لا يجازى بشكر، ولا يسعه إلا تفضله، فإن مولاي الكبير دعاني ابتداء فصرت إليه، فقربني وأدناني ومن علي بحديثه، وسقاني بعد جهد بيده، وقربني غاية القرب، ومع هذه الحالة العظيمة وإعطائه لي الملك الخفي فقد صح قلبي من كل كسر كان فيه، وكل شدة جرت عليه، وفعل بي ما لم يفعله بالثلاج، وأرجو أن يمن مولاي بإتمام صلاحي دينا ودنيا، والمنة لمولاي، وأسأل مولاي الإحسان والتفضل، فإني فقير على كل حال، وأرجو منه توسعة في كل ضيق، وأمنا في كل خوف، وعزا في كل ذل، وأمانا من الشدائد، وما هو أولى به مما لا أعلمه، وهو القادر عليه والرحيم فيه بمنه وجميل إحسانه، وهو حسبي ونعم الوكيل. واعترف ابن أبي عون أنها إليه، وأن المخاطبة فيها له، وأن ابن شيث أراد بقوله مولاي الكبير ابن أبي العزاقر، وبقوله الثلاج الحسين بن القاسم، وأعطى بذلك خطه وأشهد به؛ ووجد هذا الرجل مستبصرا في كفره، مستظهرا في أمره، مستقصيا في طريق غيه، ماضيا في عنان شركه وإفكه، حتى إنه كلف التبرؤ من ابن أبي العزاقر لعنه الله ونيله بهنة يصغر بها قدره فامتنع من ذلك وأبى وحاد عنه واستعصى إلى أن لم يجد محيصا، فمد يده إلى لحيته على سبيل توقير وتكريم وإجلال وتعظيم وصرف القذى وإماطة الأذى، وقال- معلنا غير مخافت-: مولاي مولاي. هذا إلى ما وجد بخطه وخطوط نظرائه من الكبائر التي لا تسوغ في الدين، ولا يحتملها ذو يقين، وإلى ما رسمته هذه الفرقة من الأدعية التي موهت بها على أهل الركاكة والغباوة، وإذا تأملتها أولو الروية والرواية وجدت مباينة لما ألف في الشريعة، مشوبة بالمكر والتدليس، مشحونة بالختل والتلبيس، محلة دم مبتدعها والمتمسك بها. واستفتى أبو علي القضاة والفقهاء في أمر ابن أبي العزاقر، وصاحبه هذا الكافر، وسائر من على مذهبه ممن وجدت له كتب ومخاطبة ومن لم يوجد له ذلك، فأفتى من استفتي منهم بقتلهم وأباحوا دماءهم وكتبوا بذلك خطوطهم، فأمر أمير المؤمنين بإحضار ابن أبي العزاقر اللعين وابن أبي عون صاحبه وضريبه وتابعه، وأن يجلدا ليراهما من سمع بهما، ويتعظ بما نزل من العذاب بساحتهما، ويتبين من دان بربوبية ابن أبي العزاقر عجزه عن حراسة نفسه، وأنه لو كان قادرا لدفع عن مهجته، ولو كان خالقا دفع الإهانة وكشف الضر عن جسده، ولو كان ربا لقبض الأيدي عن التنكيل به، وجدد أمير المؤمنين الاستظهار والحزم والروية فيما يمضيه من العزم، وأحضر عمر بن محمد القاضي بمدينة السلام والعدول بها والفقهاء من أهل مجلسه، وسألهم عما عندهم مما انكشف من أمر ابن أبي العزاقر وأمور أهل دعوته وغيه وضلالته، فأقامت الكافة على رأيها في قتله وتطهير الأرض من رجسه ورجس مثله، وزال الشك في ذلك عن أمير المؤمنين بالفتيا وإجماع القاضي والفقهاء، وبما وضح من إخلال هذا الضلال بالمسلمين وإفساد الدين، وذلك أعظم وأثقل وزرا من الإفساد في الأرض والسعي فيها بغير الحق، وقد استحق من جرى هذا المجرى القتل، فأوعز أمير المؤمنين بصلبه وصلب ابن أبي عون بحيث يراهما المنكر والعارف، ويلحظهما المجتاز والواقف، فصلبا في أحد جانبي مدينة السلام، ونودي عليهما بما حاولاه من إبطال الشريعة ورأياه من إفساد الديانة، ثم تقدم أمير المؤمنين بقتلهما ونصب رؤوسهما وإحراق أجسامهما، ففعل ذلك بمشهد من الخاصة والعامة والنظارة والمارة» .