يوسف الذهبي الشاعر يوسف بن لؤلؤ الذهبي الأديب بدر الدين الدمشقي الشاعر، كان والده لؤلؤ عتيق دلدرم صاحب تل باشر.
له نظم يروق الأسماع، ويعقد على فضله الإجماع، مدح الناصر ابن العزيز والكبار. وكان له بيت في الجاروخية. عاش ثلاثا وسبعين سنة، وتوفي، رحمه الله في شعبان سنة ثمانين وست مائة. يقال: إنه كانت له دكان باللبادين له فيها قفص على العادة فيه خواتم وغيرها، فجاء مملوك من مماليك الناصر صاحب الشام، فقال له: عندك خاتم على قدر إصبعي؟ فقال: بل عندي إصبع على قدر خاتمك، فبلغت الواقعة الناصر فاستظرفه وكان ذلك سبب اتصاله به.
ومن شعره ما أنشدنيه من لفظ الحاج لاجين الذهبي، قال: أنشدني من لفظه لنفسه وقد توالت الأمطار بدمشق:
إن أقام الغيث شهرا هكذا | جاء بالطوفان والبحر المحيط |
ما هم من قوم نوح يا سما | أقلعي عنهم فهم من قوم لوط |
تعشقته لدن القوام مهفهفا | شهي اللمى أحوى المراشف أشنبا |
وقالوا: بدا حب الشباب بوجهه | فيا حسنه وجها إلي محببا |
إن حب الخد ممن | حبه زاد اكتئابي |
أتعب القلب إلى أن | شاب في حب الشباب |
بدا وحب الشباب باد | فقلت لا ينكر الصواب |
حمرة خديه في احمرار | والحب من فوقها حباب |
يا قوم قد غلط الحكيم وما درى | في كحله الرشأ الغرير بطبه |
وأراد أن يمضي نصال جفونه | ويحدها لتصيبنا فبدت به |
بدا صدغ من أهواه في ماء هذه | فحيرني لما التوى وتعقربا |
وقالوا: يصير الشعر في الماء حية | فكيف غدا في ذلك الخد عقربا |
هلم يا صاح إلى روضة | يجلو بها العاني صدا همه |
نسيمها يعثر في ذيله | وزهرها يرقص في كمه |
أدر كؤوس الراح في روضة | قد نمقت أبرادها السحب |
الطير فيها شيق مغرم | وجدول الماء بها صب |
أرأيت وادي النيرين وماؤه | يبدي لناظرك العجيب الأعجبا |
يتكسر الماء الزلال على الحصى | فإذا غدا بين الرياض تشعبا |
رفقا أذبت حشاشة المشتاق | وأسلتها دمعا من الآماق |
وأحلته من بعد تسويف على الـ | ـصبر الذي لم تبق منه بواقي |
وطلبت مني في هواك مواثقا | والقلب عندك في أشد وثاق |
قلب بعين قد أصيب وعارض | فأعده لي فالدمع ليس براقي |
ألقى الدموع على الدموع وليلتي | أدرى بما ألقى بها وألاقي |
لا تلتقي فيها الجفون وإنني | لا أرتجي منها ومنك تلاقي |
أشقيق بدر التم طال تلهفي | وأطال فيك العاذلون شقاقي |
أنفقت من صبري عليك وإنه | لرضاك لا لتملق ونفاق |
فارفق بقلب فيه ما يكفيه | من فرق الصدود فلا ترع بفراقي |
فحرارة الأنفاس قد دلت على | ما في الحشا من لاعج الأحراق |
وصبا بعثت به إليك فلم تعد | وأظنها حالت عن الميثاق |
وتشوق سطرته في مهرق | فمحاه واكف دمعي المهراق |
وبمهجتي المتحملون عشية | والركب بين تلازم وعناق |
وحداتهم أخذت حجازا بعدما | غنت وراء الركب في عشاق |
وتنبهت ذات الجناح بسحرة | في الواديين فنبهت أشواقي |
ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن | يعقوب والألحان عن إسحاق |
قامت على ساق تطارحني الهوى | من دون صحبي بالحمى ورفاقي |
أنى تباريني جوى وصبابة | وكآبة وهوى وفيض مآقي |
وأنا الذي أملي الهوى من خاطري | وهي التي تملي من الأوراق |
وروضة دولابها | إلى الغصون قد شكا |
من حيث ضاع زهرها | دار عليه وبكى |
رب ناعورة روض | بات تندى وتفوح |
تضحك الأزهار منها | وهي تبكي وتنوح |
باكر إلى الروضة تستجلها | فثغرها في الصبح بسام |
والنرجس الغض اعتراه الحيا | فغض طرفا فيه أسقام |
وبلبل الدوح فصيح على الـ | ـأيكة والشحرور تمتام |
ونسمة الريح على ضعفها | لها بنا مر وإلمام |
فعاطني الصهباء مشمولة | عذراء فالواشون نوام |
وأكتم أحاديث الهوى بيننا | ففي خلال الروض نمام |
يا حسنه في الجيش حين غدا | يختال في السمر والقضب |
لم ألق أحلى من شمائله | في العين لما سار في القلب |
وأحوى ثنى من قده اللدن ذابلا | فاخجل غصن البان وهو نضير |
على الوجنة الخضراء دار عذراه | على مثلها كان الخصيب يدور |
صدوا وقد دب العذار بخده | ما ضرهم لو أنهم جبروه |
هل ذاك غير نبات روض قد حلا | لكنهم لما حلا هجروه |
أمولاي محيي الدين طال ترددي | لجائزة قد عيل من دونها صبري |
وقد كنت قبل الحشر أرجو نجازها | فكيف وقد صيرتموها إلى الحشر |
رفقا بصب مغرم | أبليته صدا وهجرا |
وافاك سائل دمعه | فرددته في الحال نهرا |
يا عاذلي في هواه | إذا بدا كيف أسلو |
يمر بي كل وقت | وكلما مر يحلو |
إن الذين ترحلوا | نزلوا بعيني الناظرة |
أسكنتهم في مهجتي | فإذا هم بالساهرة |
يا رشأ كلما مررت به | يخفق قلبي له ويضطرب |
قد قمت بالقلب في هواك ضنى | وأنا قمت بالذي يجب |
قلبك اليوم طائر | عنك أم في الجوارح |
كيف يرجى خلاصه | وهو في كف جارح |
خلصت طائر قلبك العاني ترى | من جارح يغدو به ويروح |
ولقد يسر خلاصه إن كنت قد | خلصته منه وفيه الروح |
تحيرنا على مر الليالي | جنان النيرين العاليات |
وكيف اعتلت النسمات فيها | وشاخ البان واكتهل النبات |
خليلي جد الجد واتصل الأسى | وضاقت على المشتاق في قصده السبل |
وقد أصبح القلب المعنى كما ترى | معنى بوارق وما عنده وصل |
يا حسن وراق أرى خده | قد راق في التقبيل عندي ورق |
تميس في الدكان أعطافه | ما أحسن الأغصان بين الورق |
اللوز أشجاره نشاوى | بميل أغصانه الرطاب |
مشتبك زهره علينا | وظل الرطب مستطاب |
ونحن من سكرنا نراه | كأنه فوقنا ضباب |
عرج على الزهر يا نديمي | ومل إلى ظله الظليل |
فالغصن يلقاك بابتسام | والريح تلقاك بالقبول |
الزهر ألطف ما رأيـ | ـت إذا تكاثرت الهموم |
تحنو علي غصونه | ويرق لي فيه النسيم |
مولاي أشكو غرفة من ناجر | كالنار تلفح بالهجير اللافح |
عز النسيم بها فليس بسانح | وخلا الذباب بها فليس ببارح |
ما اسم إذا ما أنت صحفته | صار مثنى باعتبارين |
في الراس والعين يرى دائما | وهو بلا راس ولا عين |
ومعذر قد بيتته جماعة | ولووا بما وعدوه طول الليل |
واكتاله كل هناك وما رأى | منهم سوى حشف وسوء الكيل |
حلا نبات الخد يا عاذلي | لما بدى في خده الأحمر |
فشاقني ذاك العذار الذي | نباته أحلى من السكر |
وشمعة أودى هواها بها | وشفها التسهيد والدمع |
قد مثلت منها لنا نخلة | وسال من ذائبها طلع |
وبنت ليل بكتنا | بدمعة مدراره |
كأنما هي غصن | في رأسه جلناره |
وذات قد أهيف | فؤادها قد التهب |
كصعدة من فضة | لها سنان من ذهب |
وشمعة وقفت تشكو لنا حرقا | وأدمعا لم تزل تهمي سواكبها |
وحيدة في الدجى من طول ما مكثت | تكابد الليل قد شابت ذوائبها |
قد زدت شعري حسنا | وزادك الله سعدا |
أوردته ببيان | فصار أحلى وأندى |
كالنحل يجني بفيه | طلا ويلقيه شهدا |
شوقي إليك على البعاد تقاصرت | عنه خطاي وقصرت أقلامي |
واعتلت النسمات فيما بيننا | مما أحملها إليك سلامي |
يا حسن جنات لنا بجلق | وقد ثنت أغصانها ريح الصبا |
يبكي بها غمامها، وزهرها | يضحك في أكمامه على الربى |
يا قامة الغصن الرطيب إذا انثنى | ولوى معاطفه نسيم الريح |
أشقيق روض أنت يا بدر الدجى | بالله قل لي أم شقيق الروح |
وبمهجتي الرفا الذي | فضح الذوابل لينه |
لم يرف قلب متيم | قد مزقته جفونه |
ورفاء له وجه مليح | محاسنه المليحة ليست تخفى |
شغلت به الفؤاد ولي زمان | أرى بيت الفؤاد يعوز وفا |
رددت الحوادث عني وقد | وهتني كتائبها والجنود |
وأنجدتني بالجياد التي | بعثت بها وعليها الأسود |
أمطيتني يا سيدي سابحا | شبيه سرحان فلم يسرح |
أقرح لكن كبدي إن مشى | فهو بلا شك من القرح |
وسابحا يدعى فما باله في الما | ء ألقى بي ولم يسبح |
قد كنت جلدا في الخطوب إذا عرت | لاتزدهيني الغانيات الغيد |
وعهدت قلبي من حديد في الحشا | فألانه بجفونه داوود |
انظر إلى الأغصان كيف تذهبت | وأتى الخريف بحمرها وبصفرها |
تحلو شمائلها إذا ما أدبرت | وتزيد حسنا في أواخر عمرها |
فصل الخريف أتى على الشجر التي | أبدت لنا أوراقها ألوانا |
فعجبت للأشجار كيف تخلقت | أوراقها لفراقها أغصانا |
انظر إلى صور الفوارس إذ بدت | بالخيل في كأس المدامة ترتمي |
ما بين طاف في المدام وراسب | كفوارس الهيجاء تسبح في الدم |
انظر إلى اللوز تجد غصنه | أحوى رشيق القد مياسه |
بزهره تعبث ريح الصبا | وقصدها تأخذ أنفاسه |
لا تلم الممدوح في بذله نطعا | فذا خير من المنع |
صفعته بالمدح نظما | فلا غرو إذا جازاك بالنطع |
أمولاي نجم الدين والباسل الذي | يخوض العوالي والردى وجهه جهم |
أجلت قداح الحرب في حومة الوغى | فلا غرو إن وافاك من ضربها سهم |
وأغن مهضوم الحشا | كالظبي لكن لا يصاد |
أمن البياض بخده | من أن يكون به سواد |
لا تعذلوني في هوى شادن | هويت طرفا منه سحارا |
لو لم يكن حبي في حسنه | يحسده النجم لما غارا |
ورياض وقفت أشجارها | وتمشت نسمة الصبح إليها |
طالعت أوراقها شمس الضحى | بعد أن وقعت الورق عليها |
وجنان ألفتها إذ تغنت | حولها الورق بكرة وأصيلا |
نهرها مسرعا جرى وتمشت | في رباها الصبا قليلا قليلا |
وذي شطب ماض إذا ما سللته | تراه كنجم الرجم يهوى شهابه |
من المرهفات البيض دبت نماله | وطار مع الهام المطارد نابه |
يا شادنا أخطى السبيل بقصده | وعصى النصيح جهالة في من عصى |
قد كنت عندي بلا خصى في نعمة | فتركته بطرا وجئت بلا خصى |
ورد الكتاب فقلت زهر خميلة | تغتر عن دمع الغمام الواكف |
مثلت أسطره غصونا فانبرت | فيه القوافي كالحمام الهاتف |
يا قضيب الأراك عند التثني | هز عطفيه حين ماس الشباب |
عجبا كيف ضل فيك المحبو | ن بليل الأسى وأنت شهاب |
إني أذكر مولاي الأمير وما | أظنه ناسي العهد الذي ذكر |
والدوح يبدي الجنى لكن أغصنه | لو لم تهز لما ألقت لنا الثمرا |
منعت ارتشاف الثغر يا غاية المنى | فزحزحتني منه إلى خدك القاني |
لئن فاتني منه الأقاحي فإنني | حصلت على ورد جني وريحان |
طال نومي بالجامع الرحب والبر | د مبيدي وليس منه خلاص |
كيف أدفا وفيه تحت بلاط | ورخام حولي وفوقي رصاص |
لقد بت عند الفارس الندب ليلة | وما شاقني إلا شقائي وأطماعي |
فبت أقاسي الليل بردا ولم أزل | مغطى كرأس القنبيط بأضلاعي |
لا تلحني اليوم في ساق وصهباء | وسقني كأسها صرفا بلا ماء |
واقف الهموم بها عني فقد كثرت | آلامها واشف ما بالقلب من داء |
عذراء مشمولة تطفو فواقعها | كأنها أدمع في خد عذراء |
أبدي الحباب لها خطا فأحسن ما | قد كان حرر من ميم ومن هاء |
قديمة ذاتها في روض جنتها | كانت وكان لها عرش على الماء |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 29- ص: 0