التصنيفات

يوسف محيي الدين ابن الجوزي يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي، هو الصاحب العلامة محيي الدين أبو المحاسن ابن الإمام جمال الدين الواعظ البغداذي الحنبلي، أستاذ دار أمير المؤمنين المستعصم. ولد سنة ثمانين وخمس مائة، وتوفي سنة ست وخمسين وست مائة.
تفقه وسمع الكثير، وكان إماما كبيرا، وصدرا معظما، عارفا بالمذهب كثير المحفوظ، حسن المشاركة في العلوم، مليح الوعظ، حلو العبارة، ذا سمت ووقار وجلالة وحرمة وافرة. درس وأفتى وصنف، وروسل به إلى الأطراف، ورأى من العز والإكرام والاحترام من الملوك شيئا كثيرا، وكان محمود السيرة، محببا إلى الرعية، ولي الأستاذدارية بضع عشرة سنة.
قال الدمياطي: قرأت عليه كتاب (الوفا في فضائل المصطفى) لأبيه، وغيره، وأنشدني لنفسه وأجاز لي بجائزة جليلة من الذهب.
قال الشيخ شمس الدين: ضربت عنقه بمخيم التتار هو وأولاده تاج الدين عبد الكريم، وجمال الدين المحب، وشرف الدين عبد الله في شهر صفر من السنة المذكورة.
وكان قد شهد عند قاضي القضاة ابن الدامغاني فقبله، وولاه الحسبة بمدينة السلام والنظر في الوقف العام، ثم عزل عن الحسبة وعزل عن نظر الوقف، ومنع من الجلوس بباب التربة وباب بدر، ولزم منزله إلى أن أعيد إلى الحسبة، وأذن له في الدخول على الأمير أبي نصر ابن الناصر وسماع (مسند الإمام أحمد بن حنبل) مع الجماعة فحصل له الأنس. فلما توفي الإمام الناصر أمر ابن الجوزي بغسله فغسله، ثم إن الإمام الظاهر أرسله إلى مصر لإفاضة الخلع على الملك الكامل فوصلها، وعاد وقد توفي الإمام الظاهر وقام مكانه ولده الإمام المستنصر، فأرسله مرات إلى الشام وإلى مصر وإلى بلاد الروم وشيراز، وحصلت له النعمة الطائلة والمكانة عند الملوك. وما فرغت المدرسة المستنصرية جعل بها مدرسا للحنابلة، وكان إذا سافر استناب ولده في التدريس والحسبة، وترك الوعظ ولم يعقد مجلسا بعد ذلك.
وتوفي والده وله سبع عشرة سنة، فأذن له بالجلوس للوعظ على عادة أبيه بباب تربة الجهة أم الإمام الناصر، وخلع عليه القميص والعمامة وجعل على رأسه طرحة، وحضر يوم الجمعة في حلقة والده بجامع القصر وعنده الفقهاء للمناظر، ونودي له في الجامع بالجلوس فحضره الخلائق وتكلم فأجاد، ثم إنه أذن له في الجلوس بباب بدر الشريف في بكرة كل يوم ثلاثاء، فبقي على ذلك مدة ينشد في كل مجلس قصيدة من شعره يمدح بها الإمام.
ولما أقام عسكر الشام في أيام الناصر ابن العزيز مجردا على تل العجول قبالة عسكر مصر، وتجاوزت مدة إقامتهم السنة، وأشاعوا أن الباذرائي رسول الخليفة واصل ليصلح بين الفريقين، فأبطأ وكثرت الأقاويل في ذلك، فقال شهاب الدين غازي بن إياز، المعروف بابن المعمار أحد المفاردة المجردين صحبة الأمير جمال الدين موسى بن يغمور حاجبا، هذين البيتين:

واختلفت الأقاويل بمصر، فقيل إن محيي الدين يوسف ابن الجوزي يصل رسولا من الخليفة، وتأخر حضوره فقال صلاح الدين الإربلي:
ولما وصل محيي الدين المذكور إلى حلب رسولا من أمير المؤمنين المستنصر سنة أربع وثلاثين وست مائة، وصاحبها الملك العزيز محمد بن الظاهر غازي، توفي العزيز رحمه الله في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم توجه إلى الروم فمات الملك علاي الدين كيقباد في شوال من السنة، ثم توجه رسولا إلى الأشرف موسى بن العادل صاحب دمشق، وأخيه الكامل محمد بن العادل صاحب مصر، فتوفى الأشرف في المحرم سنة خمس وثلاثين، وتوفي الكامل في شهر رجب من السنة وكلاهما مات بدمشق، فنظم أبو القاسم محمود بن الأرشد في ذلك:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 29- ص: 0