ابن خفيف محمد بن خفيف، أبو عبد الله الشيرازي : صوفي، شافعي. كان شيخ إقليم فارس. وهو من أولاد الامراء تزهد وسافر في سياحات كثيرة، وصنف كتبا. من كلامه : (ليس شئ أضر بالمريد، من مسامحة النفس في ركوب الرخص) ولما أدركته الوفاة قيل له : قل لا إله إلا الله. فحول وجهه إلى الجدار وقال : أفنيت كلي بكلك.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 114

ابن خفيف محمد بن خفيف بن اسكفشار أبو عبد الله الضبي الشيرازي الصوفي شيخ إقليم فارس، حدث عن حماد بن مدرك وغيره وهو شافعي قال: ما سمعت شيئا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا واستعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع، بقي أربعين سنة يفطر كل ليلة على كف باقلاء، قال: فافتصدت فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم فغشي علي وتحير الطبيب وقال: ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا، وله مناقب، توفي سنة إحدى وسبعين وثلث ماية.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 3- ص: 0

ابن خفيف أبو عبد الله الصوفي اسمه محمد بن خفيف.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 13- ص: 0

ابن خفيف الشيخ الإمام العارف الفقيه القدوة ذو الفنون، أبو عبد الله، محمد بن خفيف بن اسفكشار الضبي الفارسي الشيرازي، شيخ الصوفية.
ولد قبل السبعين ومائتين وستين.
وحدث عن حماد بن مدرك وهو آخر أصحابه، وعن محمد بن جعفر التمار، والحسين المحاملي، وجماعة.
وتفقه على أبي العباس بن سريج.
حدث عنه: أبو الفضل الخزاعي، والحسن بن حفص الأندلسي، وإبراهيم بن الخضر الشياح، والقاضي أبو بكر بن الباقلاني، ومحمد بن عبد الله بن باكويه.
قال السلمي: أقام بشيراز، وأمه نيسابورية، وهو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان، لم
يبق للقوم أقدم منه، ولا أتم حالا، صحب رويم بن أحمد، وابن عطاء، ولقي الحلاج، وهو من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر، متمسك بالكتاب والسنة، فقيه شافعي.
أخبرنا أحمد بن إسحاق من لفظه، أخبرنا عمر بن كرم، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد، أخبرنا محمد بن باكويه، حدثنا محمد بن خفيف الضبي قال: قرئ على حماد بن مدرك، وأنا أسمع، حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’إذا صنعت قدرا فأكثر من مرقها، وانظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم بمعروف’’.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: قال أحمد بن يحيى الشيرازي: ما أرى التصوف إلا يختم بأبي عبد الله بن خفيف، وكان أبو عبد الله من أولاد الأمراء فتزهد، حتى قال: كنت أجمع الخرق من المزابل، وأغسلها، وأصلح منه ما ألبسه، وبقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة على كف باقلاء، فافتصدت، فخرج شبه ماء اللحم، فغشي علي، فتحير الفصاد، وقال: ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا.
قال ابن باكويه: سمعت أبا أحمد الكبير: سمعت ابن خفيف يقول: نهبت في البادية، وجعت حتى سقطت لي ثمانية أسنان، وانتثر شعري، ثم وقعت إلى فيد، وأقمت بها حتى تماثلت، وحججت، ثم مضيت إلى بيت المقدس، ودخلت الشام، فنمت إلى جانب دكان صباغ، وبات معي في المسجد رجل به قيام، فكان يخرج ويدخل، فلما أصبحنا صاح الناس، وقالوا: نقب دكان الصباغ وسرقت، فدخلوا المسجد ورأونا، فقال المبطون: لا أدري، غير أن هذا كان طول الليل يدخل ويخرج، وما خرجت إلا مرة تطهرت، فجروني وضربوني، وقالوا: تكلم، فاعتقدت التسليم، فاغتاظوا من سكوتي، فحملوني إلى دكان الصباغ، وكان أثر رجل اللص في الرماد، فقالوا: ضع رجلك فيه، فكان على قدر رجلي، فزادهم غيظا، وجاء الأمير، ونصبت القدر وفيها الزيت يغلى، وأحضرت السكين، ومن يقطع، فرجعت إلى نفسي وإذا هي ساكنة، فقلت: إن أرادوا قطع يدي سألتهم أن يعفو عن يميني لأكتب بها، وبقي الأمير يهددني ويصول، فنظرت إليه فعرفته، كان مملوكا لأبي، فكلمني بالعربية، وكلمته بالفارسية، فنظر إلي وقال: أبو الحسين، وبها كنت أكنى في صباي، فضحكت، فأخذ يلطم برأسه ووجهه، واشتغل الناس به، فإذا بضجة وأن اللصوص قد أخذوا، فذهبت والناس ورائي وأنا ملطخ بالدماء جائع، لي أيام لم آكل، فرأتني عجوز فقيرة، فقالت:
ادخل، فدخلت، ولم يرني الناس، وغسلت وجهي ويدي، فإذا الأمير قد أقبل يطلبني، فدخل ومعه جماعة، وجر من منطقته سكينا، وحلف بالله إن أمسكني أحد لأقتلن نفسي، وضرب بيده رأسه ووجهه مائة صفعة، حتى منعته أنا، ثم اعتذر وجهد بي أن أقبل شيئا، فأبيت، وهربت ليومي، فحدثت بعض المشايخ فقال: هذا عقوبة انفرادك. فما دخلت بلدا فيه فقراء إلا قصدتهم.
قال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف -وقد سأله قاسم الإصطخري عن الأشعري- فقال: كنت مرة بالبصرة جالسا مع عمرو بن علويه على ساجة في سفينة، نتذاكر في شيء، فإذا بأبي الحسن الأشعري قد عبر وسلم علينا، وجلس فقال: عبرت عليكم أمس في الجامع، فرأيتكم تتكلمون في شيء، عرفت الألفاظ ولم أعرف المغزى، فأحب أن تعيدوها علي، قلت: وفي أي شيء كنا؟ قال: في سؤال إبراهيم -عليه السلام {رب أرني كيف تحيي الموتى} وسؤال موسى -عليه السلام {رب أرني أنظر إليك}. فقلت: نعم. قلنا: إن سؤال إبراهيم هو سؤال موسى، إلا أن سؤال إبراهيم سؤال متمكن، وسؤال موسى سؤال صاحب غلبة وهيجان، فكان تصريحا، وسؤال إبراهيم كان تعريضا، وذلك أنه قال: {أرني كيف تحيي الموتى} فأراه كيفية المحيى، ولم يره كيفية الإحياء؛ لأن الإحياء صفته تعالى، والمحيى قدرته، فأجابه إشارة كما سأله إشارة، إلا أنه قال في الآخر {واعلم أن الله عزيز} فالعزيز المنيع. فقال أبو الحسن: هذا كلام صحيح، ثم إني مشيت مع أبي الحسن، وسمعت مناظرته، وتعجبت من حسن مناظرته حين أجابهم.
قال أبو العباس الفسوي: صنف شيخنا ابن خفيف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وانتفع به جماعة صاروا أئمة يقتدى بهم، وعمر حتى عم نفعه البلدان.
قال أبو الفتح عبد الرحيم خادم ابن خفيف: سمعت الشيخ يقول: سألنا يوما أبو العباس ابن سريج بشيراز، ونحن نحضر مجلسه للفقه، فقال: أمحبة الله فرض أو لا؟ فقلنا: فرض. قال: ما الدليل؟ فما فينا من أجاب بشيء، فسألناه فقال: قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم} إلى قوله: {أحب إليكم من الله ورسوله}. قال: فتوعدهم الله على تفضيل محبتهم لغيره على محبته، والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم.
قال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف يقول: كنت في بدايتي ربما أقرأ في ركعة واحدة عشرة آلاف {قل هو الله أحد} وربما كنت أقرأ في ركعة القرآن كله.
وروي عن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة، فكان إذا نودي بالصلاة يحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك، قال: إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة.
قال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف يقول: ما وجبت علي زكاة الفطر أربعين سنة.
قال ابن باكويه: نظر أبو عبد الله بن خفيف يوما إلى ابن مكتوم، وجماعة يكتبون شيئا، فقال: ما هذا؟ قالوا: نكتب كذا وكذا. قال: اشتغلوا بتعلم شيء، ولا يغرنكم كلام الصوفية، فإني كنت أخبئ محبرتي في جيب مرقعي، والورق في حجزة سراويلي، وأذهب في الخفية إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا يفلح، ثم احتاجوا إلي.
قلت: قد كان هذا الشيخ قد جمع بين العلم والعمل وعلو السند والتمسك بالسنن، ومتع بطول العمر في الطاعة. يقال: إنه عاش مائة سنة وأربع سنين، وانتقل إلى الله تعالى في ليلة الثالث من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة. والأصح أنه عاش خمسا وتسعين سنة، وازدحم الخلق على سريره، وكان أمرا عجيبا، وقيل: إنهم صلوا عليه نحوا من مائة مرة، وفيها مات بجرجان الإمام أبو بكر الإسماعيلي، والصالح أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني الصيداوي والد صاحب المعجم، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن سلمة المصري الخياش، والحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي بحلب، والقاضي إبراهيم بن أحمد الميمذي، الراوي عن محمد بن حيان المازني، لكنه تالف، وبشر بن محمد المزني الهروي، ومقرئ الوقت أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المطوعي عن مائة عام، والحسن بن علي الباد، الشاهد له عن أبي شعيب الحراني، ومفتي المغرب أبو سعيد، وأبو نصر خلف بن عمر القيراوني المالكي، وأبو الحسين عبد الله بن إبراهيم بن بيان الزبيبي البزاز عن ثلاث وتسعين سنة، وشيخ المالكية بالقيروان أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن التبان، ورئيس الحنبلية أبو الحسن التميمي عبد العزيز بن الحارث، والعلامة أبو زيد المروزي الزاهد، والمحدث أبو بكر محمد بن إسحاق البغدادي الصفار، وأبو بكر محمد بن خلف بن جيان -بجيم- البغدادي الخلال أحد الثقات، وشاعر الأندلس أبو بكر يحيى بن هذيل المالكي.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 345

محمد بن خفيف بن إسفكشاد الشيرازى الشيخ أبو عبد الله بن خفيف شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ في العلم والدين كان سيدا جليلا وإماما حفيلا
يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة
وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقى من النساك شيوخا ومن السلاك طوائف رسخ قدمهم في الطريق رسوخا وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مبنى الثناء عليها معربا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه واستمرار على المراقبة شهيده عليه ربه وجنب لا يدرى القرار ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا المسكن إلا القفار
كان ابن خفيف من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه
حدث عن حماد بن مدرك والنعمان بن أحمد الواسطى ومحمد بن جعفر التمار والحسين المحاملى وجماعة
وصحب رويما والجريرى وطاهر المقدسى وأبا العباس بن عطاء
ولقى الحسين بن منصور
وروى عنه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعى والحسين بن حفص الأندلسى ومحمد بن عبد الله بن باكويه والقاضى أبو بكر بن الباقلانى شيخ الأشعرية وطائفة رحل ابن خفيف إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته
قال الحافظ أبو نعيم كان شيخ الوقت حالا وعلما
قال وهو الخفيف الظريف له الفصول في الأصول والتحقق والتثبت في الوصول
وقال أبو العباس النسوي بلغ ما لم يبلغه أحد من الخلق في العلم والجاه عند الخاص والعام وصار أوحد زمانه مقصودا من الآفاق مفيدا في كل نوع من العلوم مباركا على من يقصده رفيقا بمريديه يبلغ كلامه مراده وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد وعمر حتى عم نفعه
وحكى عنه أنه قال كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكف باقلا فمضيت يوما وافتصدت فخرج من عرقى شبيه ماء اللحم وغشى على فتحير الفصاد وقال ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا
وروى عنه أنه قال ما سمعت شيئا من سنن النبى صلى الله عليه وسلم إلا استعملته حتى الصلاة على أطراف الأصابع وأنه ضعف في آخر عمره عن القيام في النوافل فجعل بدل كل ركعة من أوراده ركعتين قاعدا للخبر (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم
وقال مرة ما وجبت على زكاة الفطر أربعين سنة مع مالى من القبول العظيم بين الخاص والعام
وعنه ربما كنت أقرأ في ابتداء عمرى القرآن كله في ركعة واحدة وربما كنت أصلى من الغداة إلى العصر ألف ركعة
وعنه وسئل عن فقير يجوع ثلاثة أيام فيخرج ويسأل بعد ذلك مقدار كفايته أيش يقال له فقال يقال له مكد ثم قال كلوا واسكتوا فلو دخل فقير في هذا الباب لفضحكم
وكان إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يفرق كل ما عنده من ذهب وفضة وغير ذلك
ويخرج في كل سنة جميع ما عنده ويخرج من الثياب حتى لا يبقى عنده ما يخرج به إلى الناس
وقال بعض أصحابه أمرنى ابن خفيف أن أقدم كل ليلة إليه عشر حبات زبيب لإفطاره قال فأشفقت عليه ليلة فجعلتها خمس عشرة حبة فنظر إلى وقال من أمرك بهذا وأكل منها عشر حبات وترك الباقى
وقال ابن خفيف سمعت أبا بكر الكتانى يقول سرت أنا وأبو العباس ابن المهتدى وأبو سعيد الخراز في بعض السنين وضللنا عن الطريق والتقينا بحيرة فبينا نحن كذلك إذا بشاب قد أقبل وفى يده محبرة وعلى عنقه مخلاة فيها كتب فقلنا له يا فتى كيف الطريق فقال لنا الطريق طريقان فما أنتم عليه فطريق العامة وما أنا عليه فطريق الخاصة ووضع رجله في البحر وعبره
وحكى عن ابن خفيف قال دخلت بغداد قاصدا للحج وفى رأسى نخوة الصوفية ولم آكل أربعين يوما ولم أدخل على الجنيد وخرجت ولم أشرب وكنت على طهارتى فرأيت ظبيا في البرية على رأس بئر وهو يشرب وكنت عطشان فلما دنوت من البئر ولى الظبى وإذا الماء في أسفل البئر فمشيت وقلت يا سيدى مالى عندك محل هذا الظبى فسمعت من خلفى يقول جربناك فلم تصبر ارجع فخذ الماء إن الظبى جاء بلا ركوة ولا حبل وأنت جئت مع الركوة والحبل فرجعت فإذا البئر ملآن فملأت ركوتى وكنت أشرب منها وأتطهر إلى المدينة ولم ينفد الماء فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد على قال لو صبرت لنبع الماء من تحت قدمك لو صبرت ساعة
قلت قوله نخوة الصوفية يعنى شدة المجاهدة والذى يقع لى في هذه الحكاية أنها منبهة
له من الله على الأخذ في طريق التوكل وطرح الأسباب وهذا يقع كثيرا لأرباب العنايات من الله تعالى في أثناء المجاهدات يقيض الله تعالى لهم منبها من صوت يسمع أو إشارة تحس أو أنحاء ذلك يدلهم على مراد الله تعالى منهم أو غير ذلك عناية بهم فقيض الله تعالى هذا الظبى منبها له ثم أكده بكلام الجنيد له آخرا عند عوده من الحج
وكذلك أقول في الحكاية قبلها إن ذاك الشاب قد يكون قدره الله تعالى ذلك الوقت اعتناء بابن خفيف ورفيقيه لئلا تعظم أنفسهم عليه فأحب الله تعالى أن يعرفهم أن في عباده شابا وصل إلى ما لم يصلوا إليه وهو رآهم على طريق العامة وهذا من العناية بهم
وكذا أقول في الحكاية التى قدمتها في ترجمة الجنيد في شأنه مع تلك المرأة التى أنشدته

وحكى أن أبا عبد الله بن خفيف ناظر بعض البراهمة فقال له البرهمى إن كان دينك حقا فتعال أصبر أنا وأنت عن الطعام أربعين يوما فأجابه ابن خفيف فعجز البرهمى عن إكمال المدة المذكورة وأكملها ابن خفيف وهو طيب مسرور
وأن برهميا آخر ناظره ثم دعاه إلى المكث معه تحت الماء مدة فمات البرهمى قبل انتهاء المدة وصبر الشيخ إلى أن انتهت وخرج سالما لم يظهر عليه تغير
وعن ابن خفيف خرجت من مصر أريد الرملة للقاء أبى على الروذبارى فقال لى عيسى بن يوسف المصرى المغربى الزاهد إن شابا وكهلا قد اجتمعا على حال المراقبة فلو نظرت إليهما لعلك تستفيد منهما فدخلت إلى صور وأنا جائع عطشان وفى وسطى خرقة وليس على كتفى شئ فدخلت المسجد فإذا اثنان مستقبلا القبلة
عليهما فما أجابانى فسلمت ثانيا وثالثا فلم أسمع الجواب فقلت ناشدتكما الله إلا رددتما على السلام فرفع الشاب رأسه من مرقعته فنظر إلى ورد السلام وقال لى يا ابن خفيف الدنيا قليل وما بقى من القليل إلا القليل فخذ من القليل الكثير يا ابن خفيف ما أقل شغلك حتى تفرغت إلى لقائنا فأخذ كليتى فنظر إلى وطأطأ رأسه في المكان فبقيت عنده حتى صلينا الظهر والعصر فذهب جوعى وعطشى ونصبى فلما كان وقت العصر قلت له عظنى فقال يا ابن خفيف نحن أصحاب المصائب ليس لنا لسان لعظة
فبقيت عندهما ثلاثة أيام لا آكل ولا أشرب ولا أنام ولا رأيتهما أكلا ولا شربا ولا ناما فلما كان في اليوم الثالث قلت في سرى أحلفهما أن يعظانى لعلى أنتفع بعظتهما فرفع الشاب رأسه فقال لى يا ابن خفيف عليك بصحبة من تذكرك الله تعالى رؤيته وتقع هيبته على قلبك فيعظك بلسان قوله والسلام قم عنا
وعن ابن خفيف قدم علينا بعض أصحابنا فاعتل بعلة البطن فكنت أخدمه وآخذ منه الطست طول الليل فغفوت مرة فقال لى نمت لعنك الله
فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله قال كقوله رحمك الله
وعن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة فكان إذا أقيمت الصلاة يحمل على الظهر إلى المسجد فقيل له لو خففت عن نفسك قال إذا سمعتم حى على الصلاة ولم ترونى في الصف فاطلبونى في المقابر
وعن ابن خفيف تهت في البادية فما رجعت حتى سقط لى ثمانية أسنان وانتثر شعرى ثم وقعت إلى فيد وأقمت بها حتى تماثلت وصححت ثم زرت القدس فنمت إلى جانب دكان صباغ وبات معى في المسجد رجل به قيام فكان يدخل ويخرج إلى الصباح
فلما أصبحنا صاح الناس وقال نقب دكان الصباغ وسرقت فجرونى وضربونى وقالوا تكلم فاعتقدت التسليم فكانوا يغتاظون من سكوتى فحملونى إلى دكان الصباغ وكان أثر رجل اللص في الرماد فقالوا ضع رجلك فيه فوضعت فكان على قدر رجلى فزادهم غيظا
وجاء الأمير ونصب القدر وفيها الزيت يغلى وأحضرت السكين ومن يقطع اليد فرجعت إلى نفسى فإذا هى ساكنة فقلت إن أرادوا قطع يدى سألتهم أن يعفوا يمينى لأكتب بها
فبقى الأمير يهددنى ويصول فنظرت إليه فعرفته وكان مملوكا لوالدى فكلمنى بالعربية وكلمته بالفارسية فنظر إلى وقال أبو الحسين وكنت أكنى بها في صباى
فضحكت فعرفنى فأخذ يلطم رأسه ووجهه واشتغل الناس به وإذا بضجة عظيمة وأن اللص قد مسك
ثم أخذ الأمير يبالغ في الاعتذار وجهدنى أن أقبل شيئا فأبيت وهربت
توفى ابن خفيف ليلة ثالث رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وازدحم الخلق على جنازته وكان أمرا عظيما وصلى عليه نحوا من مائة مرة
وقيل إنه عاش مائة سنة وأربع سنين
وقيل مائة إلا خمس سنين ولعله الأصح
ومن كلماته والفوائد والمحاسن عنه
قال التقوى مجانبة ما يبعدك من الله
وقال التوكل الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه
وقال ليس شئ أضر بالمريد من مسامحة النفس في ركوب الرخص وقبول التأويلات
وقال اليقين تحقق الأسرار بأحكام المغيبات
وقال المشاهدة اطلاع القلب بصفاء اليقين إلى ما أخبر الحق عن الغيب
وقال السكر غليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب
وقال الزهد البرم بالدنيا ووجود الراحة في الخروج منها
وقال القرب طى المسافات بلطيف المداناة
وقال مرة أخرى وسئل عن القرب قربك منه بملازمة الموافقات وقربه منك بدوام التوفيق
وقال الوصلة من اتصل بمحبوبه عن كل شئ وغاب عن كل شئ سواه
وقال الدنف من احترق في الأشجان ومنع من بث الشكوى
وقال الانبساط الاحتشام عند السؤال
ودخل عليه فقير فشكى إليه أن به وسوسة فقال عهدى بالصوفية يسخرون من الشيطان فالآن الشيطان يسخر بهم
وقيل له متى يصح للعبد العبودية فقال إذا طرح كله على مولاه وصبر معه على بلواه
وسئل عن إقبال الحق على العبد فقال علامته إدبار الدنيا عن العبد
وسئل عن الذكر فقال المذكور واحد والذكر مختلف ومحل قلوب الذاكرين متفاوتة وأصل الذكر إجابة الحق من حيث اللوازم لقوله صلى الله عليه وسلم (من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته) ثم ينقسم الذكر قسمين ظاهرا وباطنا فالظاهر التهليل والتحميد والتمجيد وتلاوة القرآن والباطن تنبيه القلوب على
شرائط التيقظ على معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ونشر إحسانه وإمضاء تدبيره ونفاذ تقديره على جميع خلقه ثم يقع ترتيب الأذكارعلى مقادير الذاكرين فيكون ذكر الخائفين على مقدار قوارع الوعيد وذكر الراجين على ما استبان لهم من موعده وذكر المخبتين على قدر تصفح النعماء وذكر المراقبين على قدر العلم باطلاع الله تعالى إليهم وذكر المتوكلين على ما انكشف لهم من كفاية الكافى لهم وذلك مما يطول ذكره ويكثر شرحه فذكر الله تعالى منفرد وهو ذكر المذكور بانفراد أحديته عن كل مذكور سواه لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه (من ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى) والأصل إفراد النطق بألوهيته لقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الذكر لاإله إلا الله
وعن ابن خفيف الغنى الشاكر هو الفقير الصابر
وعنه التصوف تصفية القلب عن موافقة البشرية ومفارقة الطبيعة وإخماد صفات البشرية ومجانبه الدعاوى النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الشريعة
قال أبو نصر عبد الله بن على الطوسي السراج في كتاب اللمع له في التصوف عن الشبلى أنه سئل عن معنى قوله تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} قد علمت موضع مكرهم فما موضع مكر الله فقال تركهم على ماهم فيه ولو شاء أن يغير لغير
قال فشهد الشبلى في السائل أنه لم يغنه جوابه فقال أما سمعت بفلانة الطبرانية في ذلك الجانب تغنى وتقول
قال السراج وصاحب المسألة والسؤال أبو عبد الله ابن خفيف
وعن ابن خفيف سألنا يوما القاضى أبو العباس ابن سريج بشيراز وكنا نحضر مجلسه لدرس الفقه فقال لنا محبة الله فرض أو غير فرض
قلنا فرض
قال وما الدلالة على ذلك
فما فينا من أتى بشئ فقبل فرجعنا إليه وسألناه الدليل فقال قوله تعالى {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم} إلى قوله {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}
قال فتوعدهم الله عز وجل على تفضيل محبتهم لغيره على محبته ومحبة رسوله والوعيد لا يقع إلا على فرض
قلت ومثل هذا الدليل في الدلالة على محبة النبى صلى الله عليه وسلم قوله (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله وولده والناس أجمعين
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا قال حدثنا أبو المعالى الأبرقوهى أخبرنا عمر بن كرم ببغداد أخبرنا أبو الوقت السجزى حدثنا عبد الوهاب بن أحمد الثقفى أخبرنا محمد بن عبد الله بن باكويه أخبرنا محمد بن خفيف الضبى إملاء قال قرئ على حماد بن مدرك وأنا أسمع أخبرنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن أبى عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صنعت قدرا فأكثر مرقها وانظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف
وهذا فصل عن ابن خفيف يتضمن رحلته إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى رحمه الله رضى عنه
قال الإمام الجليل ضياء الدين الرازي أبو الإمام فخر الدين رحمهما الله في آخر كتابه غاية المرام في علم الكلام حكى عن الشيخ أبى عبد الله بن خفيف شيخ الشيرازيين وإمامهم في وقته رحمه الله أنه قال دعانى أرب وحب أدب ولوع ألب وشوق غلب وطلب ياله من طلب أن أحرك نحو البصرة ركابى في عنفوان شبابى لكثرة ما بلغنى على لسان البدوى والحضرى من فضائل شيخنا أبى الحسن الأشعرى لأستسعد بلقاء ذلك الوحيد وأستفيد مما فتح الله تعالى عليه من ينابيع التوحيد إذ حاز في ذلك الفن قصب السباق وكان ممن يشار إليه بالأصابع في الآفاق وفاق الفضلاء من أبناء زمانه واشتاق العلماء إلى استماع بيانه وكنت يومئذ لفرط اللهج بالعلم واقتباسه والطمع في تقمص لباسه أختلف إلى كل من جل وقل وأستسقى الوابل والطل وأتعلل بعسى ولعل فأخذت إليه أهبة السير وخفقت إليه خفوق الطير حتى حللت ربوعها وارتبعت ربيعها فوجدتها على ما تصفها الألسن وتلذ الأعين لطيفة المكان طريفة للسكان ترغب الغريب في الاستيطان وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بها الجران وألفيت أهلها الجيران فلما أنخت بمعناها وتنسيه هوى الأوطان فألقيت بها الجران وألفيت أهلها الجيران فلما أنخت بمغناها الخصيب فأصبت من مرعاها بنصيب كنت أرود في مسارح لمحاتى ومسابح غدواتى وروحاتى أحدا يشفى أوامى ويرشدنى إلى مرامى حتى أدتنى خاتمة المطاف وهدتنى فاتحة الألطاف إلى شيخ بهى منظره شهى مخبره تعلوه حمرة متحبب إلى زمرة فلمحته ببصرى وأمعنت فيه نظرى فرحت به فرحة الحبيب
بالحبيب والعليل بالطبيب لما وجدت منه ريح المحبوب كما وجد من قميص يوسف يعقوب على ما قال صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) فناجانى فكرى بالإقدام إليه وتقاضانى قلبى بالسلام عليه فاهتززت لذلك اهتزاز المحبين إذا التقيا بعد البين وحييته تحية محترز عن القدرى واستخبرته عن مغنى أبى الحسن الأشعرى فرد على السلام بأوفر الأقسام وأجزل السهام وأجابنى بلسان ذلق ووجه طلق كهيئة المفيد ما الذى منه تريد فقلت قد بلغنى ذكراه تقت أن ألقاه لأحيا بمحياه وأطيب برياه وأستسعد بلقياه وأستفيد نفائس أنفاسه جداه وجدواه واحر قلباه وواشدة شوقاه عسى الله أن يجمعنى وإياه فلما رأى الشيخ أن شغف الحب زادى في سفرى وعتادى في حضرى وملك خلدى واستنفد جلدى وأن الشوق قد بلغ المدى واللوع قد جاوز الحدا قال ابتكر إلى موضع قدمى هاتين غدا فبذلت القياد وفارقت على الميعاد وبت أساهر النجوم وأساور الوجوم وما برح الحب سمير ذكرى ونديم فكرى يستعر استعارا ويلتهب بين ضلوعى نارا إلى أن نضى الليل جلبابه وسلب الصبح خضابه فلما رأيت الليلة قد شابت ذوائبها وذابت شوائبها وذر قرن الغزالة وثبت وثبة الغزالة وبرزت أنشد للشيخ البهى وأتوسم الوجوه بالنظر الجلى فألفيته في المقام الموعود متنكرا واقفا لى منتظرا فدلفت إليه لأقضى حق السلام عليه فلما رآنى سبقنى بالسلام
وحفى للأقدام فقضيت الذمام وقرنت رد جوابه بالاستلام وقلت حييت بالإكرام وحييت بين كرام ثم استصحبنى وسار فتبعته متابعة العامة أولى الأبصار حتى انتهى إلى المقصد ودخل دار بعض وجوه البلد وفيها قد حضر جماعة للنظر فلما رآه القيام تسارعوا إلى القيام واستقبلوه إلى الباب وتلقوه بالترحاب وبالغوا بالسلام وما يليق به من الإكرام ثم عظموه وإلى الصدر قدموه وأحاطوا به إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر ثم أخذ الخصام يتجاذبون في المناظرة أطراف الكلام وكنت أنظر من بعيد متكئا على حد سعيد حتى التقى الجمع بالجمع وقرع النبع بالنبع فبينما هم يرمون في عمايتهم ويخبطون في غوايتهم إذ دخل الشيخ دخول من فاز بنهزة الطالب وفرحة الغالب بلسان يفتق الشعور ويفلق الصخور وألفاظ كغمزات الألحاظ والكرى بعد الاستيقاظ أرق من أديم الهواء وأعذب من زلال الماء ومعان كأنها فك عان وبيان كعتاب الكعاب ووصل الأحباب في أيام تفيد الصم بيانا وتعيد الشيب شبانا تهدى إلى الروح روح الوصال وتهب على النفوس هبوب الشمال وكان إذا أنشا وشى وإذا عبر حبر وإذا أوجز أعجز وإذا أسهب أذهب فلم يدع مشكلة إلا أزالها ولا معضلة إلا أزاحها ولا فسادا إلا أصلحه ولا عنادا إلا زحزحه حتى تبين الحى من اللى والرشد من الغى ورفل الحق في أذياله واعتدل باعتداله وأقبل عليه الخاصة والعامة بإقباله فلما فرغ من إنشاء دلالته بعد جولانه في هيجاء البلاغة عن بسالته حار الحاضرون في جوابه وتعجبوا من فصل خطابه وعاد الخصوم كأنهم فراش النار وخشاش الأبصار وأوباش الأمصار عليهم الدبرة
وعلى وجوههم الغبرة قلت لبعض الحاضرين من المناظرين من هذا الذى آثر اختلاب القلوب ونظم على هذا الأسلوب الذى لم ينسج على منواله ولم تسمح قريحة بمثاله أجابنى وقال هو الباز الأشهب والمبارز الأشنب والبحر الطامى والطود السامى والغيث الهامى والليث الحامى ناصر الحق وناصح الخلق قامع البدعة ولسان الحكمة وإمام الأمة وقوام الملة ذو الرأى الوضى والرواء المرضى ذو القلب الذكى والنسب الزكى السرى ابن السرى والنجد الجرى والسند العبقرى أبو الحسن الأشعرى فسرحت طرفى في ميسمه وأمعنت النظر في توسمه متعجبا من تلهب جذوته وتألق جلوته دعوت له بامتداد الأجل وارتداد الوجل فبينا أنا فيه إذ شمر للانثناء بعد حيازة الثناء وشحذ للتحفز غرار عزمته وخرج يقتاد القلوب بأزمته فتبعته مقتفيا كخدمه ومنتهجا مواطئ قدمه فالتفت إلى وقال يا فتى كيف وجدت أبا الحسن حين أفتى فهرولت لالتزام قده واستلام يده وقلت
لا قام ضدك ولا قعد جدك ولافض فوك ولا لحقك من يقفوك فوالذى سمك السماء وعلم آدم الأسماء لقد أبديت اليد البيضاء وسكنت الضوضاء وكشفت الغماء ولحنت الدهماء وقطعت الأحشاء وقمعت البدع والأهواء بلسان عضب
وبيان عذب آنس من الروض الممطور والموشى المنشور وأصفى من در الأمطار وذر البحار وجررت ذيل الفخار على هامة الشعرى وقدما قيل إن من البيان لسحرا بيد أنه قد بقى لى سؤال لما عرانى من الإشكال فقال اذكر سؤالك ولا تعرض عما بدا لك فقلت رأيت الأمر لم يجر على النظام لأنك ما افتتحت في الكلام ودأب المناظر ألا يسأل غيرك ومثلك حاضر قال أجل لكنى في الابتداء لا أذكر الدليل ولا أشتغل بالتعليل إذ فيه تسبب إلى الجاء الخصم في ذكر شبهه بطريق الاعتراض وما أنا بالتسبب إلى المعصية راض فأمهله حتى يذكر ضلالته ويفرد شبهته ومقالته فحينئذ نص على الجواب فأرجو بذلك من الله الثواب
قال الراوى فلما رأيت مخبره بعد أن سمعت خبره تيقنت أنه قد جاوز الخبر الخبر وأن مقالته تبر وما دونه صفر قد بلغ من الديانة أعلى النهاية وأوفى من الأمانة على كل غاية وأنه هو الذى أومأ إليه الكتاب والسنة بحيازة هذه المنة في نصر الحق ونصح الخلق وإعلاء الدين والذب عن الإسلام والمسلمين فشاذ لى من الاعتداد بأوفر الأعداد وأودع بياض الوداد سواد الفؤاد فتعلقت بأهدابه لخصائص آدابه ونافست في مصافاته لنفائس صفاته ولبثت معه برهة أستفيد منه في كل يوم نزهة وأدرأ عن نفسى للمعتزلة شبهة ثم ألفيت مع علو درجته وتفاقم مرتبته كان يقوم بتثقيف أوده من كسب يده من اتخاذ تجارة للعقاقير معيشة والاكتفاء بها عيشة اتقاء الشبهات وإبقاء على الشهوات رضا بالكفاف وإيثارا للعفاف

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 3- ص: 149

أقام بشيراز.

قال ابن خميس: كان شيخ المشايخ وأوحدهم في وقته، عالما بعلوم الظاهر والحقائق، حسن الأحوال في المقامات والأفعال، جميل الأخلاق والأعمال.

وذكره صاحبه أبو العباس النسوي، وقال: بلغ ما لم يبلغه أحد، في العلم، والخلق، والجاه، عند الخاص والعام، وصار أوحد زمانه، مقصودا من الآفاق، مفيدا في كل نوع من العلوم، مباركاً على من يقصده، رفيقاً بمريديه، يبلغ كلامه مراده.

قال: وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد، وانتفع به جماعة حتى صاروا أئمة يقتدى بهم، وعمر حتى عم نفعه البلدان.

وكانت له أسفار وبدايات ورياضات، ولقي الشيوخ والزهاد والنساك، ودخل العراق، ولقي بها رويما، وابن عطاء، والجريري، وعاشر بمكة الكتاني والمزين، وأقرانهما.

وقال الشيخ أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد - خادم ابن خفيف صالح فاضل -: سمعت أبا عبد الله محمد بن خفيف يقول: سألنا يوماً القاضي أبو العباس ابن سريج بشيراز، وكنا نحضر مجلسه لدرس الفقه، فقال لنا: محبة الله فرض أو غير فرض؟ قلنا: فرض.

قال: ما الدلالة على فرضها؟ فما فينا من أتى بشيء فقبل، فرجعنا إليه وسألناه الدليل على فرض محبة الله عز وجل، فقال: قوله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم} إلى قوله تعالى: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} [التوبة: 24].

قال: فتواعدهم الله عز وجل على تفضيل محبتهم لغيره على محبته

ومحبة رسوله، والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم، وحتم واجب.

وقال الشيخ أبو الفتح أيضا: سمعت الشيخ أبا عبد الله يقول: ما سمعت شيئا من سنن النبي صلى الله عليه وسلم إلا استعملته، حتى الصلاة على أطراف الأصابع، وهو صعب.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي في ابن خفيف: هو من أعلم المشايخ بعلوم الشريعة من الكتاب والسنة، وهو فقيه على مذهب الشافعي. وقال أبو عبد الله ابن خفيف: سمعت أبا بكر الكتاني يقول: سافرت أنا والعباس بن المهتدي، وأبو سعيد الخراز في بعض السنين، وضللنا في بعض الطريق، والتقينا بحيرة، فبينا نحن كذلك إذا بشاب قد أقبل وفي يده محبرة، وعلى عنقه مخلاة فيها كتب، فقلنا له: يا فتى! كيف الطريق؟ فقال لنا: الطريق طريقان، فما أنتم عليه فطريق العامة، وما أنا عليه الخاصة، ووضع رجله في البحر وعبره، قال: فتبنا إلى الله عز وجل أن ننكر بعد ذلك أحدا من أهل العلم.

  • دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 154

محمد بن خفيف بن أسيد كشاذ الضبى الشيرازي.
الشيخ أبو عبد اللَّه بن خفيف من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر صحب رويماً وغيره
وصنف ما لم يصنفه أحد كما قاله أبو العباس السرى وعمر، وكان يأكل عشر حبات زبيب لإفطاره قال وما وجب عليَّ زكاة الفطر أربعين سنة مع مالى من القبول بين الخاص والعام. قال السلمى: وهو فقيه على مذهب الشافعي. وكان يحضر مجلس ابن سريج لدرس الفقه وضعف في آخر عمره عن القيام فجعل بدل كل ركعة من أوراده ركعيتن قاعدا للخبر: ’’صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم’’ . قلت: الخبر محمول على غير المعذور. مات سنة إِحدى وسبعين وثلثمائة قال الذهبي: وقد جاوز المائة.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1