بهاء الدين العاملي محمد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الهمذاني، بهاء الدين: عالم أديب امامي، من الشعراء. ولد ببعلبك، وانتقل به أبوه إلى ايران. ورحل رحلة واسعة، ونزل بأصفهان فولاه سلطانها (شاه عباس) رياسة العلماء، فأقام مدة ثم تحول إلى مصر. وزار القدس ودمشق وحلب وعاد إلى أصفهان، فتوفي فيها، ودفن بطوس. أشهر كتبه ’’الكشكول-ط’’ و’’المخلاة –ط’’ وهما من كتب الأدب المرسلة، لا أبواب و لا فصول. وله ’’العروة الوثقى’’ في التفسير، و’’الفوائد الصمدية في علم العربية –خ’’ و’’البل المتين –خ’’ في الحديث، طبع بعضه، و’’أسرار البلاغة –ط’’ و’’الزبدة’’ في الأصول، و’’خلاصة في الحساب –ط’’ و’’تشريح الأفلاك –ط’’ و’’استفادة أنوار الكواكب من الشمس –خ’’ مقالة. وله رسائل، وشعر كثير. وبالفارسية ’’نان وحلوى’’ أي خبز وحلوى، وهو نظم في التصوف، و’’شير وشكر’’ أي لبن وسكر، نظم في التصوف أيضا.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 102
بهاء الدين العاملي أو الشيخ البهائي اسمه محمد بن الحسين بن عبد الصمد.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 615
الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسين بن صالح الحارثي الهمداني العاملي الجبعي نزيل أصفهان
(نسبته)
الحارثي الهمداني نسبة إلى الحارث الهمداني صاحب أمير المؤمنين عليعليه السلام والهمداني بالدال المهملة وسكون الميم نسبة إلى همدان القبيلة العربية المشهورة وهم حي من اليمن وبالمعجمة وفتح الميم البلد وهي مدينة إيرانية. والحارث الهمداني هو الذي قال له أمير المؤمنينعليه السلام شعرا منه:
يا حار همدان من يمت يرني | من مؤمن أو منافق قبلا |
وكانوا مخلصين في ولاء عليعليه السلام وصبروا معه يوم صفين، روي أنهم في بعض أيامها حين استحر القتل ورأوا فرار الناس عمدوا إلى أغماد سيوفهم فكسروها وعقلوا أنفسهم بعمائهم وبركوا للقتل فقال فيهم علي عليه السلام:
لهمدان أخلاق ودين يزينها | وبأس إذا لاقوا وحسن كلام |
فلو كنت بوابا على باب جنة | لقلت لهمدان ادخلوا بسلام |
وقالعليه السلام يوم الجمل لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق عبادته. وكان إذا رآهم يتمثل بقول الشاعر:
ناديت همدان والأبواب مغلقة | ومثل همدان سنى فتحة الباب |
كالهندواني لم تفلل مضاربه | وجه جميل وقلب غير وجاب |
والى ذلك يشير الشيخ جعفر الخطي شاعر البحرين في قصيدته الرائية التي عارض بها رائية البهائي المسماة روح الجنان المذكورة في ترجمته بقوله:
فيا ابن الألى أثنى الوصي عليهم | بما ليس تثني وجهه يد إنكار |
بصفين إذ لم يلف من أوليائه | وقد عض ناب للوغى غير فرار |
وأبصر منهم جن حرب تهافتوا | على الموت إسراع الفراش إلى النار |
سراعا إلى داعي الحروب يرونها | على شربها الأعمار منهل أعمار |
أطاروا غمود البيض واتكلوا على | مفارق قوم فارقوا الحق فجار |
وأرسوا وقد لاثوا على الركب الحبي | بروكا كهدي أبركوه الجزار |
فقال وقد طابت هنالك نفسه | رضي وأقروا عينه أي إقرار |
فلو كنت بوابا على باب جنة | كما أفصحت عنه صحيحات آثار |
(مولده ووفاته ومدفنه)
ولد في بعلبك يوم الخميس لثلاث عشرة بقين من المحرم سنة 953 كما في السلافة وغيرها. وقال أبو المعالي الطالوي إنه ولد بقزوين والله أعلم.
وتوفي في أصفهان 12 شوال سنة 1030 على ما ذكره تلميذه السيد حسين ابن السيد حيدر الحسيني الكركي العاملي والمجلسي الأول الذي حضر وفاته والصلاة عليه فهما اعرف بتاريخ وفاته. وقيل سنة 1031 وقيل سنة 1035 فيكون عمره 77 سنة. وذكر تلميذه المجلسي الأول إن عمره بضع وثمانون سنة أما إحدى وثمانون أو اثنتان وثمانون لأني سألته عن عمره فقال: ثمان أو تسع وسبعون ثم توفي بعد ذلك بسنين وعليه فكون أحد التاريخين مغلوطا تاريخ الولادة أو تاريخ الوفاة وكان من ارخ وفاته سنة 1035 أخذه من هذا والله اعلم. وعن السيد نعمة الله الجزائري إن تاريخ وفاته على ما نظمه بعض مشائخنا المعاصرين:
بدر العراقين خبا ضوءه | ونير الشام وشمس الحجاز |
أردت تاريخا فلم اهتد | له فألهمت قل الشيخ فاز |
ولا يخفى إنه ينقص سنة لأن حروفه تبلغ 1029. وفي روضات الجنات إنه رأى في التعليقات القديمة على نسخة في توضيح المقاصد من مؤلفات البهائي في 12 شوال سنة 1030 توفي شيخنا العلامة الكامل بهاء الدين محمد العاملي مؤلف هذا الكتاب وكان تاريخ وفاته بالفارسية.
بي سر وباكشت شرع وافسر فضل اوفتاد ولست أعرف كيف صار هذا تاريخا لوفاته فمن عرفه فليبينه. كانت وفاته في أصفهان كما مر ثم نقل قبل الدفن إلى مشهد الرضاعليه السلام ودفن هناك في داره بجانب الحضرة المقدسة الرضوية وقبره هناك مشهور مزور إلى اليوم ولو كان في مضيعة العلماء جبل عامل لكان كقبر الشيخ علي الميسي في قرية صديق لا يعرفه أحد وكقبر السيد علي الصائغ فيها عليه الأتربة والأوساخ ولا يزوره أحد وكقبور صاحبي المعالم والمدارك واجلاء العلماء المدفونين في جبع وغيرها المهجورة المجهولة كما كان أصحابها زمن الحياة وكان من هو دونهم في إيران والهند وغيرها محفودا محشودا.
وقال تلميذه المجلسي الأول: تشرفت بالصلاة عليه في جميع الطلبة والفضلاء وكثير من الناس يقربون من خمسين ألفا
(أقوال العلماء في حقه)
في الأمل: حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق وجلالة القدر وعظم الشأن وحسن التصنيف ورشاقة العبارة وجمع المحاسن أظهر من إن يذكر وفضائله أكثر من إن تحصر وكان ماهرا متبحرا جامعا كاملا شاعرا أديبا منشئا عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث والمعاني والبيان والرياضي وغيرها. وقال السيد مصطفى التفريشي في نقد الرجال: جليل القدر عظيم المنزلة رفيع الشأن كثير الحفظ ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلو رتبته في كل فنون الإسلام كمن له فن واحد، له كتب نفيسه جيدة.
وقال السيد عز الدين الحسين ابن السيد حيدر الكركي في بعض إجازاته: شيخنا الإمام العلامة ومولانا الهمام الفهامة أفضل المحققين واعلم المدققين خلاصة المجتهدين بهاء الملة والحق والدين كان أفضل أهل زمانه بل كان متفردا بمعرفة بعض العلوم الذي لم يحم حوله من أهل زمانه ولا قبله على ما أظن.
وقال السيد علي خان في السلافة: علم الأئمة الأعلام وسيد علماء الإسلام وبحر العلم المتلاطمة بالفضائل أمواجه وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأرواجه وطود المعارف الراسخ وقضاؤها الذي لا تحد له فراسخ وجوادها الذي لا يؤمل له لحاق وبدرها الذي لا يعتريه محاق، الرحلة التي ضربت إليها أكباد الإبل والقبلة التي فطر كل قلب على حبها وجبل فهو علامة البشر ومجدد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر إليه انتهت رياسة المذهب والملة وبه قامت قواطع البراهين والأدلة جمع فنون العلم وانعقد عليه الإجماع وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والأسماع فما من فن إلا وله فيه القدح المعلي والمورد العذب المحلي إن قال لم يدع قولا لقائل أو طال لم يأت غيره بطائل وما مثله ومن تقدمه من الأفاضل والأعيان إلا كالملة المحمدية المتأخرة عن الملل والأديان جاءت آخر ففاقت مفاخرا وكل وصف قلته في غيره فإنه تجربة الخواطر.
وقال الحاج محمد مؤمن الشيرازي في كتابه خزانة الخيال في حقه: بهاء الحق وضياؤه وعز الدين وعلاؤه وافق المجد وسماؤه ونجم الشرف وسناؤه وشمس الكمال وبدره وروض الجمال وزهره وبحر الفيض وساحله وبر البر ومراحله وواحد الدهر ووحيده وعماد العصر وعميده وعلم العلم وعلامته وراية الفضل وعلامته ومنشأ الفصاحة ومولدها ومصدر البلاغة وموردها وجامع الفضائل ومجمعها ومنبع الفواضل ومرجعها ومشرق الإفادة ومشرعها وسلطان العلماء وتاج قمتهم وبرهان الفقهاء وتتمة أئمتهم وخاتم المجتهدين وزبدتهم وقدوة المحدثين وعمدتهم وصدر المدرسين وأسوتهم وكعبة الطالبين وقبلتهم مشهور جميع الآفاق وشيخ الشيوخ على الإطلاق كهف الإسلام والمسلمين مروج أحكام الدين العالم العامل الكامل الأوحد بهاء الملة والحق والدين.
وفي لؤلؤة البحرين: كان رئيسا في دار السلطنة أصفهان وشيخ الإسلام فيها وله منزلة عظيمة عند سلطانها الشاه عباس وله صنف الجامع العباسي.
وقال الشيخ أحمد المنيني الدمشقي في شرح القصيدة الرائية للمترجم في حقه: صاحب التصانيف والتحقيقات وهو أحق من كل حقيق بذكر أخباره ونشر مزاياه وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه وكان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم والتضلع من دقائق الفنون وما أظن إن الزمان سمح بمثله ولا جاد بنده وبالجملة فلم تتشنف الأسماع بأعجب من أخباره وقد ذكره الشهاب في كتابيه وبالغ في الثناء عليه وقد أطال أبو المعالي الطالوي في الثناء عليه وكذلك البديعي.
وذكره تلميذه المجلسي الأول في شرحه العربي على الفقيه عند الكلام على مشيخة الكتاب فصرح بأنه من مشائخه وانه من نسل الحارث الهمداني قال ذكره الشهيد الثاني في إجازته لأبيه وذكر جماعة من أجداده ومدحهم ثم قال هو شيخنا وأستاذنا ومن استفدنا منه بل كان الوالد المعظم كان شيخ الطائفة في زمانه جليل القدر عظيم الشأن كثير الحفظ ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا. له كتب نفيسة.
وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي:
لقد استرعى نظري وأنا أتصفح مختلف الأسفار والتصانيف لتقييد ما يتصل منها بتاريخ الفلسفة الإسلامية. إن جملة من كتب الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه الله حافلة بفوائد وشواردة فلسفية مضافا إلى بحوثه الأخرى في الرياضيات والفلكيات. لا تخلو كتب الطبقات والتأليف من التنويه بعلماء قليلين شاركوا في جملة من الفنون والعلوم ولكن ما أندر الذين برعوا وحذقوا تلك العلوم والفنون التي شاركوا فيها جميعا وما أقل الذين جودوا التأليف ووضع الكتب فيها إذ ليس كل من مشارك في ذلك موفقا كما لا يخفى ومن ذلك القليل النادر الإمام محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي المعروف بالشيخ البهائي أو بهاء الدين العاملي فإنه شارك مشاركة عجيبة في جميع العلوم والفنون المعروفة في زمانه عقلية ونقلية ووفق في التأليف فيها وفي جملتها الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة وعلومها والحكمة والفنون الرياضية والفلكية وقد كتب له التوفيق في مؤلفاته فذاعت واقبل عليها العلماء المتعلمون في القرون الأربعة الأخيرة وندر إن يقدر لغيره ما قدر له من بقاء الذكر وطيب الأحدوثة وجميل الأثر ونلاحظ الأثر الذي تركه في مختلف شؤون الحياة من دينية ودنيوية مادية ومعنوية، نقول إن ذلك الأثر الذي تركه لدى طبقات مختلفة من العالم الإسلامي لا يزال باقيا حتى اليوم.
ما أكثر التأليف والتصانيف التي اندثرت فعفي شأنها وذهب زمانها أما آثار الإمام العاملي على كثرتها فقد غالبت الأيام بجدتها وطرافتها.
يحفل تاريخ العلوم والحضارة الإسلامية بذكر عدد كبير من العلماء منهم من قصر جهده وصرف وكده على علم أو فن بعينه فمنهم من انقطع لعلوم الدين ومنهم من تجرد لعلوم الدنيا حتى عاش كل منهم داخل إطار معين من فنه لا يكاد يتعداه في الغالب، أما الإمام العاملي فقد طاف في كل مدرسة واخترق نطاقها ودمر على رجالها وشاركهم فيما يعنيهم كأنه واحد من القوم وهذا سر من أسرار تفوقه وسبقه وتقدمه اخذه بمجامع القلوب فهو فقيه مع الفقهاء ومحدث مع المحدثين وصوفي مع المتصوفة وفيلسوف مع الفلاسفة ورياضي مع أصحاب التعليم وهو نحوي مع النحاة إلى غير ذلك.
ترجم للإمام العاملي كثيرون من متأخري المؤلفين وأصحاب المعجمات وأطنب بعضهم في هذه الناحية ومع ذلك بقيت مصادر من صنف آخر قلما تناولها الباحثون وفي هذا الصنف من المصادر نعثر على نبذ غير معروفة حتى الآن من أحراك الشيخ وقوام هذا الصنف البقية الباقية من مخطوطات الإمام العاملي والنسخ الأصلية المقروءة عليه من مؤلفات غيره إذ لا يخفى إن الشيخ رحمه الله كتب ونسخ وعلق الكثير. وتوجد جملة من مؤلفاته في مكتبات الديار الإيرانية وغيرها ولا يستبعد وجود بعض نسخ الأصل من مؤلفاته وغيرها من المؤلفات التي نسخها بخطه في بلاد أخرى كالهند وأفغانستان والبحرين عدا ما يوجد منها في دور الكتب والمتاحف الغربية ومن يتصفح تلك النسخ المخطوطة وتعاليق الشيخ عليها وصور إجازاته لمن قرأ كتبه أعني إجازات روايتها عثر بلا شك على فرائد ونوادر غير قليلة لها علاقة بسيرته والتعريف بجملة من أصحابه الذين لم يرد لهم ذكر في التاريخ.
وقال الأستاذ الشبيبي أيضا:
أخذ الشيخ عن والده علوم العربية والفقه والأصول والحديث والتفسير ودرس عليه في قزوين في عصر من عصور ازدهارها ونهضتها أي في العصر الأول من عصور الدولة الصفوية وكانت قزوين قاعدة هذه الدولة الأولى وقد شهدت حركة علمية واسعة في ذلك الزمان وأنشئت فيها عدة مدارس فثابر الشيخ على الدراسة إلى إن غادرها أبوه إلى هراة فبقي هو في قزوين متبرما من طول الإقامة فيها مفضلا الانتقال منها إلى حيث يقيم والده وقد أسعفه الزمان بالرحلة إليها بعد ذلك وواصل هناك دراسته وذاعت شهرته أول ما ذاعت في هذه المدينة وله فيها ذكريات جميلة خلدها في أشعاره ورسائله.
ولنا إن نقول إن الإمام لم يترك ناحية من نواحي المملكة الإيرانية إلا زارها. زار خراسان وأذربيجان واران قفقاسية سنة 1015 صحبة الشاه عباس الكبير فان هذا الشاه قصد الديار الكرجية وأوقع بأهلها في التاريخ المذكور وكان ديدن الشيخ في سفره الأخذ عن الجهابذة. وأعظم حاضرة إيرانية رحل إليها وطابت له الإقامة فيها أخيرا حتى وافته منيته تغمده الله بالرحمة هي مدينة أصفهان وهي القاعدة الثانية للدولة الصفوية. وفي أصفهان لقي جماعة من العلماء المتضلعين في مختلف العلوم والفنون فاخذ عنهم واخذوا عنه وفي هذه المدينة على الأرجح وضع جملة من تأليفه المشهورة وأسس أكثر من مدرسة واحدة فيها حتى صارت إليها الرحلة من كثير من الأقطار الإسلامية وأصبحت أصفهان بذلك دار العلم في هذا العصر وما بعده إلى عصور غير قليلة كما هو معروف وما زالت تلك المدارس وغيرها من الآثار التي أنشأها الإمام العاملي غير حاضرة من حواضر الدولة الصفوية قائمة إلى هذا اليوم.
وقال الأستاذ الشبيبي متحدثا عن أخلاقه:
خلق هذا الإمام مطبوعا على حب الحرية والتخفف ومجافاة التصنع والتكلف مشغوفا بمظاهر البساطة في الحياة فطرة الله ومن أحسن من الله فطرة ثائرا على المتصنعين المتكلفين وما أكثرهم في زمانه ومكانه. ويقول بعض المؤرخين في معرض الاستدلال على مجافاته للتكلف والتصنع إنه ما كان على جلالة قدره يتحرج من النزول إلى ميادين المدينة والاختلاط بالسواد والوقوف مع المارة على حلقات الألعاب البريئة كألعاب الحواة ومروضي الحيوان وغيرها من الألعاب ضاربا بمظاهر التزمت والتصنع عرض الحائط.
هذا ما قاله بعض المؤرخين. ومن رأينا إنه رحمه الله ما كان يقصد إلا المزيد من الإطلاع واكتناه الأسرار والفنون الكامنة في تلك الألعاب. ويستفاد من كثير من مؤلفاته وأشعاره إنه كان صوفي المشرب ميالا إلى الزهد والتقشف وقد رغب أواسط عمره بالفقر والسياحة وكان زيه في أسفاره هذه زي الدراويش أو السائحين المغتربين كما ورد في بعض كتب المؤرخين. وقد أمضى في سياحته أعواما كثيرة ويعده بعض الباحثين أجل عرفاء أواخر المائة العاشرة وأوائل المائة الحادية عشرة خصوصا في إيران كما يعد أكبر مشايخ هذه الطائفة. وقد لاحظ جمع من المنتسبين إلى العلم أو المتصدرين للرياسة إن الشيخ أفرط في بعض اتجاهاته الصوفية حتى زعموا إن والده أنكر عليه ذلك وليس من السهل إثبات ما قيل عن والده في هذا الشأن وهناك روايات أشبه بالأساطير تروى معززة بالصور والرسوم عن بعض أوضاعه في ثباته ورباطة جأشه. والمرجح إن بعض هذه الروايات موضوعة.
كان الإمام العاملي عميق النظر جوال الفكر حاد الذكاء جم النشاط راغبا رغبة أكيدة في إصلاح ما فسد من الأخلاق والأوضاع العامة. انتقد الجمود والتقليد وشن الحملة تلو الحملة في شعره ونثره على المتزعمين الجامدين وعلى المرتزقين من الدجل والشعوذة والرياء. ومن هذه الناحية ناوأه من ناوأه من هذه الطبقة بل وجهت إليه بعض المطاعن والتهم الباطلة. وتاريخ العالم الإسلامي قديما وحديثا طافح بأخبار الصراع بين المصلحين ومناوئيهم والمتحررين والجامدين على صورة أدت إلى حوادث دامية معروفة في التاريخ فلا عجب إذا اتفقت هذه المشادة بين الإمام العاملي وهو قطب من أقطاب الحكمة والإصلاح والتجدد وبين غيره من الجهلة المقلدين. ومن يقرأ أشعاره بالعربية والفارسية وهي كثيرة في هذا المعنى يتضح له ذلك.
كان رحمه الله على جانب عظيم من رحابة الصدر وسعة الأفق اتصل بشتى الطوائب وباحث مللا ونحلا ولم يتحرج من أخذ الحكمة أينما وجدت وبذلك نال ثقة أبناء مختلف الملل والنحل وكان العصر الصفوي بحاجة إلى أمام مثل هذا الإمام المجدد المصلح بل كان مفتقرا إلى توجيهه وإرشاده في رتق الفتوق ورأب الصدوع الكثيرة في العصر المذكور وقد عمل على توحيد الآراء وجمع الشتات وعول السلاطين والأمراء على آرائه في الإصلاح وحسم مادة النزاع الداخلي بالوسائل السلمية على قدر الإمكان وفي كثير من الأحيان.
وقال الأستاذ قدري حافظ طوقان في مجلة المقتطف ولكنه اشتبه فلقبه (الآملي): على الرغم مما كانت عليه العربية والإسلامية في مختلف الأقطار من الضعف، وعلى الرغم مما أصابها من الانحلال، وما حل بها من المصائب وما أحاطها من المتاعب التي تحول دون تقدم العلوم ودون ازدهار الفنون، أقول على الرغم من كل ذلك فقد ظهر في بعض الحواضر من وجه بعضا من عنايته إلى العلوم وتشجيع المشتغلين بها. ومن هؤلاء الذين ظهروا في القرن السادس عشر للميلاد وبرزوا في العلوم الرياضية بهاء الدين محمد بن حسين بن عبد الصمد (الآملي). وقد اختلف المؤرخون في البلدة التي ولد فيها فبعضهم يقول إنه ولد في بعلبك وآخرون في آمل الواقعة في شمال إيران. ومن المؤلفين من قال إنه ولد في بلدة آمل الخراسانية الواقعة على الضفة اليسرى لنهر جيحون.
أما القول بأنه ولد في بعلبك فبعيد عن الصواب بل هو خطا محض، وأرجح إن قولهم هذا يرجع إلى الخلط بين جبل عامل في سوريا وبين آمل، وقد يكون هذا الخلط هو الذي جعلهم يقولون بمولده في بعلبك، وقد يكون أيضا هو الذي جعل بعض العلماء يسمونه بهاء الدين العاملي. ونجد في بعض الكتب إن الآملي ينتسب إلى قبيلة همدان (صفحة 237) اليمنية، وان نسبه ينتهي بالحارث وهذا ما جعل البعض يلقبه بالحارثي الهمداني، ولكن الروايات تكاد تؤيد القول بأنه ولد في آمل الإيرانية الكائنة على طريق مازندران. وكانت ولادته في منتصف القرن السادس عشر للميلاد ثم أحضره والده إلى العجم حيث أخذ العلم عن كبار علماء زمانه وقد آثر حياة الفاقة والفقر على حياة الغنى والترف يدلنا على ذلك المناصب التي عرضها عليه أولو الأمر ولعل أكثر ما امتاز به الآملي رغبته الشديدة في السياحة وزيارة الأقطار المختلفة، وقد بقي في سياحته ثلاثين سنة زار خلالها مصر والجزيرة العربية وسوريا والحجاز حيث أدى فريضة الحج. وبعد ذلك عاد إلى أصفهان، ويقول إنه عند ما علم الشاه عباس حاكم الدولة الصفوية بعودة الآملي إلى أصفهان ذهب بنفسه إليها وأحاطه بالإكرام والجلة وعرض عليه منصب رئاسة العلماء، ومع إنه لم يقبل هذا المنصب فقد بقي صاحب المقام الأول عند الشاه إلى إن وفاه اجله في أصفهان في القرن السابع عشر للميلاد ودفن في طوس بجوار الإمام الرضا.
اشتهر صاحب الترجمة بما ترك من الآثار في التفسير والآداب فله فيها تأليف قيمة. أما آثاره في الرياضيات والفلك فقد بقيت زمنا طويلا مرجعا لكثيرين من علماء المشرق كما أنها كانت منبعا يستقي منه طلاب المدارس والجامعات. فمن أشهر مؤلفاته رسالة الهلالية. وكتاب تشريح الأفلاك والرسالة الأسطرلابية وكتاب خلاصة الحساب. وقد اشتهر هذا الكتاب الأخير كثيرا وانتشر انتشارا واسعا في الأقطار بين العلماء والطلاب، ولا يزال مستعملا إلى الآن في مدارس بعض المدن الإيرانية، ولقد تمكنا من الحصول على نسخة من هذا الكتاب أخذناها عن مخطوطة عثرنا عليها في المكتبة الخالدية في القدس. ويقول عنه كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون: "خلاصة في الحساب لبهاء الدين محمد بن محمد بن حسين وهو من علماء الدولة الصفوية. وهو على مقدمة وعشرة أبواب. . . " ونجد في الخلاصة إن المؤلف استعمل الأرقام الهندية التي نستعملها نحن اليوم إلا إنه استعمل للصفر الشكل الذي نستعمله للرقم خمسة، وللخمسة شكلا يخالف الشكل الذي نعرفه الآن. ولهذا الكتاب مقدمة تبدأ هكذا: "نحمدك يا من لا يحيط بجميع نعمه عدد ولا ينتهي تضاعف قسمه إلى أحد. . . " أما أبوابه فعشرة يبحث الباب الأول منها في حساب الصحاح وهو على ستة فصول: الفصل الأول في الجمع والثاني في التصنيف والثالث في التفريق (أي الطرح) والرابع في الضرب والخامس في القسمة والسادس في استخراج الجذر ويبحث الباب الثاني في الكسور وهو يحتوي على مقدمات ثلاث وفصول ستة فالمقدمات تتناول الكسور وأصولاتها الأولية ومعنى مخرج الكسور كيفية إيجاد مخارج عدة كسور (أي كيفية إيجاد المضاعف المشترك الأصغر لمقامات عدة كسور) وتتناول أيضا التجنيس والرفع، والمعنى المقصود من التجنيس: "جعل الصحيح كسورا من جنس كسر معين والعمل فيه إذا كان مع الصحيح كسران تضرب الصحيح في مخرج الكسر وتزيد عليه صورة الكسر. . . " ومن الرفع جعل الكسور صحيحا فإذا كان معنا كسر عدده أكثر من مخرجه قسمناه على مخرجه فالخارج صحيح والباقي كسر من ذلك المخرج. . . . )
ويأتي عند شرح كل من هذه البحوث بأمثلة تزيل من غموض الموضوع وتزيد في وضوحه أما الفصول الستة فتبحث عن جمع الكسور وتضعيفها، وتصنيفها، وتفريقها وضربها وقسمتها واستخراج جذورها ثم تحويل الكسر من مخرج إلى مخرج.
ويجد القارئ في الباب الثالث والرابع والخامس بحوثا في استخراج المجهولات وقد استعمل المؤلف ثلاث طرق إحداها طريقة الأربعة المتناسبة وهذه الطريقة يعرفها كل من له إلمام بالرياضيات الابتدائية والطريقة الثانية تعرف بحساب الخطأين هي غير مستعملة في الكتب الحديثة مع أنها كانت شائعة الاستعمال عند العرب في القرون الوسطى. والطريقة الثالثة وهي التي في الباب الخامس في استخراج المجهولات بالعمل بالعكس وقد يسمى بالتحليل والتعاكس وهو العمل بعكس ما أعطاه السائل فان ضعف فنصف وان زاد فأنقص، أو ضرب فاقسم، أو جذر فربع أو عكس فاعكس مبتدأ من آخر السؤال ليخرج الجواب. . . . )
ويحتوي الباب السادس على مقدمة وثلاثة فصول، فالمقدمة تبحث في المساحة وفي بعض تعاريف أولية عن السطوح والأجسام، والفصل الأول في مساحة السطوح المستقيمة والأضلاع كالمثلث والمربع والمستطيل والمعين والأشكال الرباعية والمسدس والمثمن والأشكال المستقيمة الأضلاع الأخرى. ويتناول الفصل الثاني والثالث طرفا لإيجاد مساحة الدائرة والسطوح المنحنية الأخرى كالاسطوانة والمخروط التام والمخروط الناقص والكرة. . .
ويحتوي الباب السابع على ثلاثة فصول تبحث "فيما يتبع المساحة من وزن الأرض لإجراء القنوات ومعرفة ارتفاع المرتفعات وعروض الأنهار وأعماق الآبار. . . " ولهذه الأعمال والطرق براهين يقول عنها إنه أوضحها وبينها في كتابه الكبير المسمى بجبر الحساب وأن بعضا منها مبتكر وطريف لم يسبق إليه أورده في تعليقاته على فارسية الأسطرلاب. ويستعمل بهاء الدين طرقا أخرى غير التي ذكرها لاستخراج المجهولات وهنا يقبل على موضوع الجبر والمقابلة وهذا ما نجده في الباب الثامن المتكون من فصلين. أحدهما في معنى المجهول (أي س) والمال (أي س 2) والكعب (أي س 3) ومال مال (أي س 4) ومال كعب (أي س 5) وكعب كعب (أي س 6). . . وهكذا. . . وجزء الشيء
(أي - ). . . وجزء المال (أي - 1)وجزء الكعب (أي - 1). . .
س س2 س3 وفي كيفية ضرب هذه بعضها في بعض وقسمتها بعضها على بعض. والفصل الثاني في المسائل الجبرية الست وهي عبارة عن أوضاع مختلفة للمعادلات وكيفية إيجاد المجهول منها أي حلها، ولولا الخوف من الإطالة لأتينا على أمثلة من ذلك. ويجدر بنا إن لا نترك هذا الباب من دون الإشارة إلى تعريف الآملي لكلمتي جبر ومقابلة ففي تفسير هاتين الكلمتين يقول: إنه عند حل مسالة من المسائل بطريقة الجبر والمقابلة تفرض المجهول شيئا أي س بالمعنى الجبري الحديث وتستعمل ما يتضمنه السؤال سالكا على ذلك المنوال لينتهي إلى المعادلة والطرف ذو الاستثناء يكمل ويزاد مثل ذلك على الآخر وهو الجبر. والأجناس المتجانسة المتساوية في الطرفين تسقط منها وهو المقابلة. . . ثم المعادلة. . .
ويقول العلامة سمث في كتابه تاريخ الرياضيات في الصفحة 388 من الجزء الثاني عن هذا التفسير إنه أوضح تفسير لكلمتي جبر ومقابلة.
قد لا يكون في بحوث الأبواب والفصول التي مرت شيء مبتكر أو جديد فقد سبقه إليها كثيرون من علماء العرب والمسلمين فهو لم يكن في ذلك إلا آخذا أو ناقلا على الرغم من وجود بعض طرق لم يسبق إليها.
ومن الحق إن نذكر إنه قدم هذه البحوث والموضوعات في طرق واضحة جلية تسهل فهمها (فهم البحوث والموضوعات) وتناولها. وهذه هي ميزة بهاء الدين على غيره فقد استطاع إن يضع بحوث الحساب والمساحة والجبر التي يرى فيها أكثر الناس غموضا وصعوبة في قالب سهل جذاب وفي أسلوب سلس بدد شيئا من غموض الموضوع وأزال شيئا من صعوبته.
ونأتي الآن إلى الباب التاسع فنجد فيه كما يقول المؤلف: قواعد شريفة وفوائد لطيفة لا بد للحاسب منها ولا غناء له عنها وقد اقتصر في هذا الباب على اثنتي عشرة قاعدة وفائدة يدعي أنها من مبتكراته وانه لم يسبقه أحد إليها، ولكن على ما أرجح إن في ادعائه هذا بعض المبالغة إذ أكثرية هذه القواعد كانت معروفة عند الذين سبقوه وهو لم يكن في وضعها كلها مبتكرا فقد تكون الطرق التي أتى بها مغايرة لطرق من تقدمه من العلماء العرب والمسلمين و لكنه في بعضها مبتكر وقد استعمل لها طرقا طريفة فيها بعض الإبداع وفيها شيء من المهارة والمقدرة تدل على عمق في التفكير. وبعد ذكر هذه القواعد وكيفية تطبيقها يأتي إلى مسائل متفرقة بطرق مختلفة فيضعها في باب خاص هو الباب العاشر ويقول إن القصد من هذا الباب شحذ ذهن الطالب وتمرينه على استخراج المطلب ونراه يستعمل في حلول بعض هذه المسائل طرقا جبرية وفي البعض الآخر طرقا حسابية يجد فيها الطالب ما يشحذ ذهنه ويقوي فيه ملكة التفكير.
والآن نحن أمام الخاتمة يستهلها المؤلف هكذا قد وقع للحكماء الراسخين في هذا الفن مسائل صرفوا في حلها أفكارهم ووجهوا إلى استخراجها أنظارهم وتوصلوا إلى كشف نقابها بكل حيلة وتوسلوا إلى رفع حجابها بكل وسيلة فما استطاعوا إليها سبيلا وما وجدوا عليها مرشدا أو دليلا فهي باقية على عدم الانحلال من قديم الزمان مستعصية على سائر الأذهان إلى هذا الآن. . . ".
ولقد أورد في هذه المسائل التي أعجزت علماء الرياضة وأنهكت قوى الحاسبين سبعا أتى بها على سبيل المثال. ثم يخرج من بعد ذكرها إلى مدح رسالته هذه وقد سماها "بالجوهرة العزيزة" ويقول إن فيها: من نفائس عرائس قوانين الحساب ما لم يجتمع إلى الآن في رسالة ولا في كتاب. . . ".
ويقول عنها أيضا على القارئ إن يعرف قيمتها ويعطيها حقها من الإنصاف والتقدير وان يحول بينها وبين من لا يعرف مزاياها وان لا يزفها إلا إلى حريص لأن كثيرا من مطالبها حري بالصيانة والكتمان حقيق بالاستتارة عن أكثر هذا الزمان، فاحفظ وصيتي إليك فالله حفيظ عليك. . . " وليس في مدح بهاء الدين رسالته أي عجب فلقد كانت العادة عند مؤلفي زمانه والذين سبقوه إن يمتدحوا رسائلهم ومؤلفاتهم وأن يسرفوا في ذلك ونظرة إلى كتب الأقدمين في اللغة والأدب والتاريخ وبقية العلوم تؤيد رأينا وتحققه.
ولكتاب الخلاصة شروح عديدة عرفنا منها شرحا لشخص اسمه رمضان، ولم يكن هذا الشرح معتبرا عند العلماء بل لم يكن له ميزة أو صفة خاصة وقد ظهر في زمن السلطان محمد خان ابن السلطان إبراهيم، وهناك أيضا شرح لعبد الرحيم بن أبي بكر المرعشلي أحد علماء الدولة العثمانية ويمتاز شرحه على غيره بالأمثلة المتعددة التي توضح كثيرا من المبادئ الصعبة والقوانين العويصة وفي هذا الشرح يتجلى للقارئ سعة اطلاع الشارح ووقوفه على العلوم الرياضية وهذا هو الذي ميزه على غيره من الشروح وهذا الذي جعله منهلا لكثيرين من العلماء. وقد طبع كتاب الخلاصة في كلكتا سنة 1812 وفي برلين سنة 1843 وقد ترجمه إلى الإفرنسية الأستاذ مار في سنة 1864.
ويظهر إن بهاء الدين بدأ في تأليف كتابه المسمى (بجبر الحساب) ولكنه لم ينجزه فقد مات قبل الفراغ منه، وفيه تفصيل لبراهين من النظريات الهندسية وقوانين المساحات والحجوم وبعض المبادئ الحسابية، وادخل فيه أيضا طرقا جديدة لحل مسائل مختلفة صعبة تشحذ الذهن وتمرنه على حل الأعمال المعقدة الملتوية. وقالت جريدة السفير:
وصدر عن دار الشروق في بيروت وعن إدارة العلوم في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم كتاب الأعمال الرياضية لبهاء الدين العاملي بتحقيق وشرح وتحليل الدكتور جلال شوقي الأستاذ بكلية الهندسة في جامعة القاهرة.
جاء في التعريف: كتاب يبحث في تراث العرب في الرياضيات، فيقدم دراسة علمية لكتابات الشيخ بهاء الدين العاملي في كتابه خلاصة الحساب والجبر والمقابلة ويعرض لرياضياته في كتابه الكشكول ويشرحها شرحا وافيا مدعما بالتحليل الرياضي الشامل ويمتاز الشيخ العاملي العالم الموسوعي العربي بأنه قد رسم صورة واضحة وصادقة لمعارف العرب الرياضية في نهاية القرن السادس عشر الميلادي بعد إن جاب الأمصار العربية والإسلامية واطلع على أعمال العرب وفلاسفتهم زهاء ثلاثين عاما.
يبدأ الشيخ العاملي ببيان طرائف الحساب الأساسية من جمع وتفريق وضرب وقسمة واستخراج للجذور سواء بالنسبة للأعداد الصحيحة أو للكسور. كذا كيفية التحقق من سلامة أدائها بتطبيق قاعدة ميزان العدد، تلك القاعدة التي أطلق عليها الغرب تسمية القاعدة الذهبية. ويعرج العاملي بعد ذلك في استخراج المجهولات بطريق الأربعة المتناسبة، كذا بطريق حساب الخطأين، ثم بطريق العمل بالعكس، وقد عرض العاملي في مجال الحساب لكيفية استخراج المضمرات عن طريق تكوين معادلة بسيطة ذات مجهول واحد، كذلك لفكرة التباديل والتوافيق كإيجاد عدد الكلمات التي تتركب من حروف المعجم بشروط خاصة، وأخيرا قدم العاملي طريقة قسمة مال على جماعة من المستحقين تزيد استحقاقاتهم على المال الموجود.
ويبحث الشيخ العاملي في خواص الأعداد، ويعرف الأعداد التامة والمتحابة والمتوافقة والمتداخلة وغيرها، ويقدم قاعدة مبتكرة ليقين الأعداد التامة ثبتت صحتها حتى البلايين، وأمكن باستخدامها تعيين الأعداد التامة السبعة الأولى. ويعرض العاملي لجمع المتواليات الرياضية، فيبين كيفية جمع الأعداد على النظم الطبيعي وهو ما نسميه اليوم بالمتوالية الحسابية، وجمع الأفراد دون الأزواج وعكسه، كذا جمع المربعات المتوالية وجمع الكعبات المتوالية.
أما في مجال الجبر والمقابلة، فان العاملي يعرف الشيء والمال والمكعب ومراتبها، أي المقدار المجهول ومربعه ومكعبه وما فوق ذلك على التوالي، ويشرح المسائل الجبرية الست، ويقدم حلول معادلة الدرجة الثانية، كذلك يبين العاملي تحويل الفرق بين مربعين مقدارين إلى حاصل ضرب مجموع المقدارين في الفرق بينهما، كما يعرض للمسائل السيالة وهي تسمية أطلقها العرب على المسائل التي يصح لها عدد غير محدود من الإجابات الصحيحة.
ويسوق العاملي بابا خاصا لتعيين مساحات الأشكال الهندسية المستوية وحجوم الأجسام المنتظمة، ويتناول بيان أعمال المساحة العملية وتقديم البراهين الهندسية على صحة الطرق المتبعة فيها، فيعرض لطرق قياس فرق المنسوب بفرض شق القنوات، وطرق تعيين علو المرتفعات وأعماق الآبار، كذا قياس ارتفاع الشمس دون أسطرلاب أو آلة ارتفاع.
ويفرد الشيخ العاملي خاتمة كتابه لسبع مسائل يسميها المستصعبات السبع وهي مسائل بعضها صعب وبعضها الآخر مستحيل الحل(. . ).
(أحواله)
في السلافة تولده ببعلبك وانتقل به والده وهو صغير إلى إيران فنشأ في حجره بتلك الديار المحمية وأخذ عن والده وغيره من الجهابذة كالعلامة عبد الله اليزدي حتى أذعن له كل مناضل ومنابذ فلما اشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولي بها مشيخة الإسلام وفوضت إليه أمور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام ثم رغب في الفقر والسياحة واستهب من مهاب التوفيق رياحه فترك تلك المناصب ومال لما هو لحاله مناسب فقصد حج بيت الله الحرام وزيارة النبي وأهل بيته الكرام عليهم أفضل التحية والسلام ثم أخذ في السياحة فساح ثلاثين سنة وأوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة واجتمع في أثناء ذلك بكثير من أرباب الفضل والحال ونال من فيض صحبتهم ما تعذر على غيره واستحال ثم عاد وقطن ارض العجم وهناك همي غيث فضله وانسجم فألف وصنف وقرط المسامع وشنف وقصدته علماء تلك الأمصار واتفقت على فضله أسماعهم والأبصار وغالت تلك الدولة في قيمته واستمرت غيث الفضل من ديمته فوضعته على مفرقها تاجا وأطلعته في مشرقها سراجا وهاجا وتبسمت به دولة سلطانها الشاه عباس واستنارت بشموس رأيه عند اعتكار حنادس اليأس فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا ولا يعدل عنه سماعا ونظرا لأخلاق لو مزج بها البحر لعذب طعما وآراء لو كحلت بها الجفون لم يلف أعمى وشيم هي في المكارم غرر وأوضاح وكرم بارق جوده لشائمه لامع وضاح فتفجر ينابيع السماح من نواله ويضحك ربيع الإفضال من بكاء عيون آماله وكانت له دار مشيدة البناء رحبة الفناء يلجأ إليها الأيتام والأرامل ويغدو عليها الراجي والآمل فكم مهد بها وضع وكم طفل بها رضع وهو يقوم بنفقتهم بكرة وعشيا ويوسعهم من جاهه جنابا مغشيا مع تمسك من التقى بالعروة الوثقى وإيثار للآخرة على الدنيا والآخرة خير وأبقى ولم يزل آنفا من الإنحياش إلى السلطان راغبا في الغربة عن الأوطان يؤمل العود إلى السياحة ويرجو الإقلاع عن تلك الساحة فلم يقدر له حتى وافاه حمامه وترنم على أفنان الجنان حمامه.
وقال تلميذه السيد حسين الكركي في بعض إجازاته كان يميل إلى التصوف كثيرا وكان منصفا في البحث كنت في خدمته منذ أربعين سنة في الحضر والسفر وكان له معي محبة وصداقة عظيمة سافرت معه إلى زيارة أئمة العراق عليهم الصلاة والسلام فقرأت عليه في بغداد وبلد الكاظمين وفي النجف الأشرف وحائر الحسنعليه السلام والعسكريين كثيرا من الأحاديث وأجازني في كل هذه الأماكن جميع كتب الحديث والفقه والتفسير وغيرها وكنت في خدمته في زيارة الرضاعليه السلام في السفر الذي توجه فيه النواب الأعلى خلد الله ملكه أبدا ماشيا حافيا من أصفهان إلى زيارتهعليه السلام فقرأت عليه هناك تفسير الفاتحة من تفسيره المسمى بالعروة الوثقى وشرحيه على دعاء الصباح والهلال من الصحيفة السجادية ثم توجهنا إلى بلدة هرات التي كان سابقا هو ووالده فيها شيخ الإسلام ثم رجعنا إلى المشهد المقدس ومن هناك توجهنا إلى أصفهان ومن جملة ما قرأت عليه أولا في عنفوان الشباب ألفية ابن مالك في النحو ثم قرأت عليه رسائل متعددة من تصانيفه وشرح الأربعين حديثا الذي هو من تصانيفه وهذا التصنيف كان بإمداد الفقير والتماسه وهو في غاية الجودة ونهاية الحسن لم يوجد مثله وقرأت عليه المجلد الأول من كتاب تهذيب الأخبار والمجلد الأول من الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني والمجلد الأول من كتاب من لا يحضره الفقيه وأكثر كتاب الاستبصار إلا قليلا من آخره قراءة وسماعا وقرأت عليه خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ودراية والده ودرايته التي جعلها كالمقدمة لكتاب حبل المتين وقرأت عليه كتاب حبل المتين الذي خرج منه وأربعين حديثا التي ألفها الشهيد وقرأت عليه الحديث المسلسل بالقنمي الخبز والجبن وألقمني لقمة منها وقرأت عليه الرسالة المسماة بتهذيب البيان والفوائد الصمدية كلاهما من مصنفاته في النحو وتوفي في أصفهان سنة 1030 وقت رجوعنا من زيارة بيت الله الحرام ثم نقل إلى مشهد الرضاعليه السلام ودفن هناك في بيته قرب الحضرة المقدسة وقبره هناك مشهور بزوره الخاصة والعامة وفي تلك الأعصار التي كان فيها البهائي وأبوه وغيرهما مشائخ الإسلام في هرات وأصفهان كان الشهيد الثاني الذي هو أعلم منهم وأجل قدرا يحرس الكرم في جبع وفي مضيعة العلماء جبل عامل وينقل الحطب على حماره لعياله بالليل ويبني مسجده في جبع بيده ويتجر بالشريط كما ذكره ابن العودي لتحصيل قوته ويسافر في تجارته مع الجمالة إلى الأمكنة البعيدة كالقسطنطينية وغيرها ولا يعامله الجمالة معاملة أحدهم بل يتعدون عليه وفي الوقت الذي كان فيه المحقق الكركي شيخ الإسلام بأصفهان نافذ الأمر مفوضة إليه جميع أمور السلطنة ويخرج في موكب الملوك كان سميه ومعاصره المحقق الميسي ينقل الحطب على حماره ليلا لتلاميذه في ميس ويعيش عيشة القناعة والفقر ويكون عند أهل جبل عامل أقل قدرا من بعض المتفقهة. ومما يؤسف له إن الشيخ البهائي لم يدون أخباره في سياحته التي استغرقت ثلاثين سنة في بلاد الروم والشام وغيرها مع ما كان عليه من الفضل والمعرفة وطول صحبة الملوك والأمراء والعلماء ولا شك إنه اتفق له في سياحته هذه أمور غريبة وأشياء كثيرة لو دونت لكانت من نفائس الكتب ونرى إن الشهيد الثاني دون رحلته من الشام إلى القسطنطينية إلى إيران إلى العراق إلى الشام التي لم تستغرق زمنا طويلا فكان فيها من الفوائد والغرائب أمور كثيرة تداولها المؤلفون واستفاد منها المطالعون وكذلك رحلته من الشام إلى مصر كما ذكرناه في ترجمته وابن بطوطة وابن جبير دونا رحلتين لهما لم يستغرقا بعض ما استغرقته سياحة البهائي وقد طبعتا ونشرتا واستفاد منهما الناس ولا ريب إن سياحة البهائي لو دونت لكانت فوق ذلك كله ولكن وللأسف لم يدون منها شيء سوى أمور يسيرة نقلها الشيخ أحمد المنيني في شرح قصيدة البهائي عن أبي المعالي الطالوي وستأتي.
(مركزه في الدولة)
يقول المنشي في كتابه (عالم آرا عباسي) تقلد الشيخ منصب شيخ الإسلام في أصفهان زمن الشاه عباس الكبير خلفا للشيخ علي المنشار وتبوأ مكانته المعروفة في عهد الشاه المذكور ولم يكن لأحد من كبار الرجال الصفويين مركز يداني مركزه ولذلك كثر حساده ومناوئوه وكثر الدس حوله حتى تمنى إن والده لم يخرج به من جبل عامل إلى الشرق في كلمة قوية عبر بها عن تبرمه من فساد الأخلاق في كثير من أبناء زمانه ومعاصريه فقال طيب الله ثراه: لو لم يأت والدي قدس الله روحه من بلاد العرب ولو لم يختلط بالملوك لكنت من اتقى الناس وأعبدهم وأزهدهم لكنه طاب ثراه أخرجني من تلك البلاد وأقام في هذه الديار فاختلطت بأهل الدنيا واكتسبت أخلاقهم الرديئة واتصفت بصفاتهم ثم لم يحصل لي من الاختلاط بأهل الدنيا إلا القيل والقال والنزاع والجدال وآل الأمر إن تصدى لمعارضتي كل جاهل وجسر على مباراتي كل خامل. هذه نص كلمة الشيخ وهي نفثة مصدور عبر بها كما قلنا عن آلامه وامتعاضه وتكاثر حساده ومنافسيه وما كان أكثر هؤلاء الحساد والمنافسين بلا شك إلا من ذوي الأطماع وعباد المصالح الشخصية والجاه الزائف ولكنهم مع ذلك لم ينالوا منه منالا ولا استطاعوا إن يزعزعوا من مركزه الكبير وكان ذلك من بواعث تنغيص عيشه وتكدير صفو حياته أحيانا وطالما نفس عن كربه بالعزلة أو بالسياحة والرحلة. يستفاد أيضا من هذه الكلمة إن والده الحسين بن عبد الصمد سبقه إلى مخالطة الملوك وصحبة السلاطين عند ما انتقل من بلاده إلى البلاد الإيرانية وذلك في عصر الشاه طهماسب حتى ألف له كتابا في الفقه سماه العقد الطهماسبي ومن ذلك يتضح إن هذه الدولة الناشئة كانت بأمس الحاجة إلى من يرعى لها التأليف في المعارف الدينية والمصنفات في أصول الشريعة وفروعها فلم ينهض بهذه المهام الجسام إلا قليلون في مقدمتهم الحسين بن عبد الصمد وابنه بهاء الدين بعد ذلك والظاهر إن إقامة الشيخ حسين لم تكن طويلة في حواضر الدولة الصفوية فإنه سرعان ما انتقل منها عائدا إلى البحرين فأقام فيها إلى إن وافته المنية رحمه الله وكانت البحرين عامرة بالمدارس والدراسة وفيها عدد غير قليل من الفقهاء والمحدثين والأدباء ولا تخلو البحرين حتى هذا اليوم من تلك الدراسات.
(بطل أم قديس)
وتتحدث الأجيال التي تلت جيل البهائي حتى الجيل الحاضر بأحاديث تشبه الأساطير عن مكانته وأعماله الإنشائية في دولة الشاه عباس الكبير حتى إنه كان يضع تصاميم المعاهد والمعابد والصور وغير ذلك من الأبنية التي اشتهر هذا الشاه بإنشائها وهي مبان ضخمة لا يزال جملة منها قائما ومنها عمارة المشهد العلوي في النجف وهذه التصاميم تشهد للشيخ بخبرته وبراعته الفنية في فرع الرياضيات والهندسة وقد وضع تصاميم كثيرة من تلك المعابد والمساجد على أسس فنية بحيث يستفاد منها تعيين المواقيت الشرعية ويقال إنه صنع بعض الآلات الفلكية التي تحدد المواقيت المذكورة ولا شك في صحة هذا القول لأن له أكثر من تأليف واحد في صناعة الأسطرلاب وما إلى ذلك من الآلات العلمية. هذا إلى روايات آخر شائعة عند الجمهور عن أعماله الرصدية والفلكية في أصفهان وغيرها من ديار الفرس والعرب وهي روايات ترفع البهائي إلى مستوى الأبطال أو القديسين في نظر الجمهور ولا شك إن جملة من هذه الروايات لا تتحمل النقد والتمحيص ومما لا شك فيه إن سور المشهد العلوي القائم اليوم يرجع إلى عصر الشاه عباس الكبير وإن الشيخ البهائي أشرف على وضع اسمه وإنشائه وإن كنا لا نحدد بالضبط مدة مكثه في النجف بيد إنه على كل حال جاء إلى النجف ونشأت بينه وبين علماء هذه المدينة علاقة وثيقة حتى دارت بينه وبينهم مراسلات شعرية ونثرية بعد عودته إلى أصفهان ويروي المحبي في خلاصة الأثر بعض الرباعيات التي كاتب بها الشيخ بعض إخوانه في هذه المدينة.
(ورود الخطي على البهائي بأصفهان)
وفي سنة 1016 دخل الشيخ أبو البحر جعفر الخطي العبدي من عبد القيس البحراني شاعر البحرين الشهير أصفهان واتصل بحضرة المترجم وعرض عليه أدبه فاقترح عليه إجازة هذه القصيد فأجازها الخطي بالقصيدة المذكورة في ترجمته التي أولها:
هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري | فسقيا فأجدى الدمع ما كان للدار |
ومده بها المترجم وأنشده إياها بداره في محروسة أصفهان في رجب من السنة المذكورة وكان المتولي لإنشادها الحسن بن محمد الغنوي الهذلي راوية الخطي ومنشده فاستحسنها واستجادها ولما وصل في إنشادها إلى قوله:
جهلت على معروف فضلي فلم يكن | سواه من الأقوام يعرف مقداري |
وكان عند الشيخ البهائي جماعة من أعيان البحرين وساداتهم فقال الشيخ وهؤلاء يعرفون مقدارك إن شاء الله وأشار إلى القوم وأجازه.
ثم كتب له رقعة بيده المباركة هذا لفظها: أيها الأخ الأعز الفاضل الألمعي بدر سماء أدباء الأعصار وغرة سماء بلغاء الأمصار أيم الله أني كلما سرحت بريد نظري في رياض قصيدتك الغراء ورويت رائد فكري من حياض فريدتك العذراء زاد بها ولوعي وغرامي واشتد إليها شوقي وأوامي فكأنما عناها من قال:
قصيدتك الغراء يا فرد دهره | تنوب عن الماء الزلال لمن يظما |
فنروي متى نروي بدائع لفظها | ونظما إذا لم نرو يوما لها نظما |
ولعمرك لا أراك إلا آخذا فيها بأزمة أوابد اللسن تقودها حيث أردت وتوردها أنى شئت وارتدت حتى كان الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى لسانك والمعاني تتغاير في الانثيال على جنانك والسلام.
(وكتب محبك الاخلاصي بهاء الدين محمد). وقال الخطي يشكر إنعام الشيخ البهائي وقد سير له بعض الملابس الخضر وهو يومئذ بأصفهان سنة 1016:
يا فتح من أغلقت أبواب مطلبه | في وجهه وغنى القوم المفاليس |
لو سمتني حصر ما أوليت من نعم | كتبا لضاق بها باع القراطيس |
أوليتني منك آلاء خرجت لها | أجر ذيلي في خضر الملابيس |
فلو رآني أدري الناس بي لقضى علي أني من بعض الطواويس وقال الطالوي: ولد بقزوين وأخذ عن علماء تلك الديار ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى إن وصل إلى أصفهان فوصل خبره إلى سلطانها الشاه عباس فطلبه لرياسة العلماء فوليها وعظم قدره وارتفع شأنه إلا إنه لم يكن على مذهب الشاه في زندقته لانتشار صيته في سداد رأيه إلا إنه غالى في حب آل البيت وألف المؤلفات الجليلة ثم خرج سائحا فجاب البلاد ودخل مصر وألف بها كتابا سماه الكشكول جمع فيه كل نادرة من علوم شتى أقول الظاهر إنه لم يؤلفه بمصر وإلا لذكر ذلك في خطبته، قال وكان يجتمع مدة إقامته بمصر بالأستاذ محمد بن أبي الحسن البكري وكان الأستاذ يبالغ في تعظيمه فقال له مرة يا مولانا أنا درويش فقير فكيف تعظمني هذا التعظيم قال شممت منك رائحة الفضل وامتدح الأستاذ بقصيدته المشهورة التي مطلعها:
يا مصر سقيا لك من جنة | قطوفها يانعة دانية |
(مجيئه في سياحته إلى القدس وما جرى له فيها)
ثم قدم القدس. وحكى الرضي بن أبي اللطف المقدسي قال: ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم فنزل من بيت المقدس بفناء الحرم عليه سيماء الصلاح وقد اتسم بلباس السياح وقد تجنب الناس وانس بالوحشة دون الإيناس وكان يألف من الحرم فناء المسجد الأقصى ولم يسند أحد مدة الإقامة إليه نقصا فألقي في روعي إنه من كبار العلماء الأعاظم فما زلت لخاطره أتقرب ولما لا يرضيه أتجنب فإذا هو ممن يرحل إليه للأخذ منه وتشد له الرحال للرواية عنه يسمى بهاء الدين محمد الهمداني الحارثي فسألته عند ذلك القراءة عليه في بعض العلوم فقال بشرط إن يكون ذلك مكتوما وقرأت عليه شيئا من الهيئة والهندسة ثم سار إلى الشام قاصدا بلاد العجم وقد خفي عني أمره واستعجم.
(مجيئه في سياحته إلى دمشق وما جرى له فيها)
وقال المنيني: ولما ورد دمشق نزل بمحلة الخراب عند بعض تجارها الكبار واجتمع به الحافظ الحسين الكربلائي القزويني والتبريزي نزيل دمشق صاحب الروضات الذي صنفه في مزارات تبريز واستنشده شيئا وكثيرا ما سمعت إنه تطلب الاجتماع بالحسن البوريني فاحضره له التاجر الذي كان عنده بدعوة وتأنق في الضيافة ودعا غالب فضلاء محلته فلما حضر البوريني المجلسي رأى فيه البهائي بهيئة السياح وهو في صدر المجلس والجماعة محدقون به وهم متأدبون غاية التأدب فعجب البوريني من ذلك وكان لا يعرفه ولم يسمع به فلم يعبأ به ونحاه عن مجلسه وجلس غير ملتفت إليه وشرع على عادته في بث دقائقه ومعارفه إلى إن صلوا العشاء ثم جلسوا فابتدر البهاء في نقل بعض المناسبات وأخذ في الأبحاث فأورد بحثا في التفسير عويصا فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجماعة كلهم ثم دقق في التعبير حتى لم يبق من يفهم ما يقول إلا البوريني ثم أغمض في العبارة فبقي الجماعة كلهم والبوريني معهم صموتا جمودا لا يدرون ما يقول غير أنهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب فعندها نهض البوريني واقفا على قدميه فقال إن كان ولا بد فأنت البهاء الحارثي إذ لا أحد اليوم بهذه المثابة إلا هو فاعتنقا وأخذا بعد ذلك في إيراد أنفس ما يحفظان وسال البهاء من البوريني كتمان أمره وافترقا تلك الليلة ثم لم يقم البهاء فاقلع إلى حلب. وذكر الشيخ أبو الوقاء العرضي في ترجمته قال: قدم مستخفيا في زمن السلطان مراد بن سليم مغيرا صورته بصورة رجل درويش فحضر درس الوالد الشيخ عمر وهو لا يظهر إنه طالب علم حتى فرع من الدرس فسأله عن أدلة تفضيل الصديق على المرتضي فذكر حديث ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر وأحاديث غيره فرد عليه ثم ذكر أشياء كثيرة تقتضي تفضيل المرتضي فشتمه الوالد وقال له رافضي شيعي وسبه فسكت وما فعل ذلك إلا لعجزه عن الجواب فعمد إلى السفه والسباب لما أعيته الحجة في الجواب كما هي العادة قال: ثم إن البهائي أمر بعض تجار العجم إن يصنع وليمة ويجمع فيها بين الوالد وبينه فاتخذ التاجر وليمة ودعاهما فأخبره إن هذا هو الملا بهاء الدين عالم بلاد العجم فقال للوالد شتمتمونا فقال ما علمت انك الملا بهاء الدين ولكن إيراد مثل هذا الكلام بحضور العوام لا يليق. وهذا عذر أقبح من الذنب فإنه إن كان ما اعترض به مستحقا لهذا الجواب فلا فرق بين أن يكون الملا بهاء الدين أو رجلا من المساكين وإن كان غير مستحق لهذا الجواب فالمجيب مذموم ولو لم يكن المجاب بهاء الدين فهو بهذا العذر سجل على نفسه أنه ينظر إلى من قال لا إلى ما قال ويعرف الأقوال بالرجال لا الرجال بالأقوال ويشتم أهل المسكنة ويتحامى أهل الجاه والأبهة وأبرد من ذلك: العذر بان إيراد مثله لا يليق بحضور العوام فإن كان الدليل يقتضيه يلزم إيراده بحضور العوام والخواص وإن كان الدليل لا يقتضيه يلزم أيضا إيراده بحضور العوام ليعلموه عن دليل لا عن تقليد ولكن الحال ظاهر في إن إثباته بالدليل غير مستطاع فيخشى من تغير عقيدة العوام ويلزم بقاؤهم على التقليد بغير برهان.
قال: ولما سمع بقدومه أهل جبل بني عاملة تواردوا عليه أفواجا فخاف إن يظهر أمره فخرج من حلب، قال وسياق كلام العرضي يقتضي إن دخوله إلى حلب كان بقصد الحج.
(اعتقاد البهائي تشيع الرازي)
ومما يحكى عن البهائي إنه كان يعتقد تشيع الفخر الرازي صاحب التفسير. الحكايات عن البهائي في سياحته واشتهرت عنه حكايات في سياحته منها ممكن الحصول ومنها مستبعد أو ملحق بالخرافات فمن الأول إنه مر في سياحته براع فبات عنده فقال له الراعي يا درويش ادخل إلى داخل المراح ولا تبت خارجه فأبى البهائي إذا كانت السماء صاحية وليس من شيء يدل على المطر فلما كان في أثناء الليل أمطرت السماء مطرا غزيرا فدق عليه الباب ففتح له فقال ألم أقل لك لا تبت خارج المراح قال نعم ولكن هل عندك علم الغيب قال لا قال فمن أين علمت إن السماء ستمطر قال عندي كلبة والدة فرأيتها أول الليل أدخلت جراءها إلى المراح ومن عادتها إنها إذا فعلت ذلك تمطر السماء.
(هل للبهائي ذرية)
لم يذكر أحد من المترجمين له ذرية وبعضهم يقول إنه كان عقيما وان ذلك مما ساعده على السياحة ثلاثين سنة وان من كان له أولاد وعائلة لا تطاوعه نفسه على فراقهم كل هذه المدة وعليه فما اشتهر من إن آل مروة العامليين وهم بيت علم وفضل وتقوى وصلاح من ذريته غير صحيح ويمكن أن يكون لهم به علاقة بالنسب من بعض الوجوه لا إنهم من ذريته والله أعلم.
(حديث إن القلوب تمل كما تمل الأبدان واستفادة تلامذته منه أيام التعطيل)
عن السيد نعمة الله الجزائري إنه قال في كتابه المعروف بالمقامات في مقام حثه على رعاية حال النفس وتحذيره الناس عن الارتكاب لموجبات ملالها وإعياثها: يا أخي قال مولاك أمير المؤمنينعليه السلام إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة وروي عن ابن عباس أنه كان يقول عند ملله سن دراسة العلم حمضونا حمضونا فيخوضون عند ذلك في الأخبار والأشعار وقد حكى لي أوثق مشائخي إن تلامذة شيخنا البهائي عطر الله مرقده كانوا يستفيدون منه يوم تعطيل الدروس أكثر من الدرس لأنه كان يلقي عليهم يوم التعطيل من فنون العلم ونوادر الأخبار والأشعار الفائقة والحكايات الرائقة ففيه الاستفادة لعلوم جديدة ونشاط واستعداد لأيام الدرس وطلب العلم ولعل طرفا من الانبساط ونوعا من الحكايات والمطايبات محصل للنشاط أيضا وقد يقع الملال أيضا في العبادات والمداومة على نوع منها فينبغي التنقل في أنواع العبادات والطاعات حتى يحصل من التنقل الإقبال على العبادة قال مولانا أمير المؤمنينعليه السلام إن للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فاقبلوا على النوافل وإذا أدبرت فدعوها وقد استنبطت في شرح تهذيب الحديث من هذا التحقيق وجها لطيفا لما وقع من النوافل والأدعية المأثورة في جميع الأوقات خصوصا بين الصلاتين لا سيما المغرب والعشاء فان ما بينهما من الوقت يضيق عما شرح فيه من الدعاء والعبادة ولا يجوز التكليف بعبادة في وقت يضيق عنها كما قرر في الأصول.
(عدم اشتهار الكتب في عصر مؤلفيها)
ومما ذكره السيد نعمة الله في الكتاب المذكور: إن بعض الأفاضل من أهل عصره صنف كتابا مفيدا لكنه لم يشتهر مع وفور مؤلفه فقيل له في ذلك فقال كتابي هذا لم يشتهر لأن له عدوا فإذا ذهب اقبل الناس على كتابه فقيل له من هذا العدو قال أنا وكان الحال كما قال ثم ذكر إن بهاء الملة والدين لما صنف كتابه شرح الأربعين حديثا أتى به بعض الطلبة إلى حضرة المحقق المدقق جامع العلوم السيد محمد باقر الداماد فلما نظر فيه قال إن هذا العربي رجل فاضل لكنه لما جاء في عصرنا لم يشتهر ولم يعد عالما ويبعد هذه الحكاية أو ينفيها ما تواتر به النقل من اعتراف الداماد بفضل البهائي وإنهما كانا بغاية المصافاة والوداد وكانت بينهما خلطة تامة ومؤاخاة عجيبة قلما يوجد مثلها بين متعاصرين وذلك مما يبعد معه أو يمتنع صدور مثل هذا الكلام من الداماد الذي لو صح لكان قدحا في مقام الداماد مع اشتهاره بالتقوى والفضل والسداد.
(ما جرى للبهائي والداماد بصحبة الشاه عباس)
ومما يحكى إن الشاه عباس ركب يوما إلى بعض متنزهاته وكان البهائي والداماد في موكبه إذ كان لا يفارقهما غالبا وكان الداماد عظيم الجثة والبهائي نحيفها فأراد الشاه إن يختبر صفاء الخواطر بينهما فقال للداماد وهو راكب فرسه في مؤخرة الجمع وقد ظهرت عليه آثار الإعياء والتعب والبهائي في مقدمة الجمع: يا سيدنا ألا تنظر إلى هذا الشيخ كيف تقدم بفرسه ولم يمش على وقار كما تمشي أنت فقال الداماد أيها الملك إن جواد الشيخ قد استخفه الطرب بمن ركبه فهو لا يستطيع التأني إلا تعلم من الذي ركبه، ثم قال للبهائي يا شيخنا ألا تنظر إلى هذا السيد كيف أتعب مركبه بجثمانه الثقيل والعالم ينبغي إن يكون مرتاضا مثلك خفيف المئونة فقال البهائي أيها الملك إن جواد الشيخ أعيا بما حمل من علمه الذي لا يستطيع حمله الجبال فعند ذلك نزل الشاه عن جواده وسجد لله شكرا على إن يكون علماء دولته بهذا الصفاء فأكرم به من ملك كامل وسلطان عادل وأكرم بهما من عالمين مخلصين. وحكايات ما وقع بينهما من المصافاة والمصادقة كثيرة وهكذا يسعد الزمان وأهله بأمثال هؤلاء العلماء وهؤلاء الملوك.
(نسبته إلى التصوف)
عن السيد نعمة الله الجزائري التستري في كتاب المقامات عند ذكره إن السيد المرتضى كان يترجل عند مروره بقبر أبي إسحاق الصابي تعظيما لعلمه والمشهور إن الصابي مات على دين الصابئة إنه قال إن هذا التعظيم له مما لا تسمح به النفس حذرا من قوله تعالى: يوادون من حاد الله. وهذه المسامحة كانت أيضا في الشيخ الأجل بهاء الدين محمد طاب ثراه وذلك حيث انك تراه يعظم كثيرا من الصوفية الأغوياء والملاحدة الأشقياء في جملة من مؤلفاته ومنظوماته مثل قوله في حسين بن منصور الحلاج:
روابا شدانا الحق از درختي | جرابنود روا از نيك بختي |
ولذلك كانت كل طائفة من طوائف المسلمين تنسبه إليها وسمعت الشيخ الفاضل الشيخ عمر من علماء البصرة يقول إن بهاء الدين محمدا من أهل السنة والجماعة إلا إنه كان يتقي من سلطان الرافضة، وكذلك الملاحدة والصوفية والعشاق سمعت كل هؤلاء يقول إنه من أهل نحلتنا ومن هذا كان شيخنا المعاصر أبقاه الله يعني محمد باقر المجلسي يزري عليه بهذا وأمثاله وفيض الله التفريشي لم يوثقه في كتاب الرجال وان اثنى عليه في العلم والحفظ وغير ذلك والحق إنه ثقة معتمد عليه في النقل والفتوى وفي اللؤلؤة ربما طعن عليه بالقول بالتصوف كما يتراءى من بعض كلماته وأشعاره والحق في الجواب عن ذلك ما أفاده المحدث العلامة السيد نعمة الله الجزائري التستري قدس سره وهو إن الشيخ المذكور كان يعاشر كل فرقة وملة بمقتضى طريقتهم ودينهم وملتهم وما هم عليه قال السيد المذكور فأظهرت له كتاب مفتاح الفلاح وكان معي فعجب من ذلك وذكر جملة من الحكايات المؤيدة لما ذكره ثم استدل له بقوله في القصيدة الآتية:
وإني امرؤ لا يدرك الدهر غايتي | ولا تصل الأيدي إلى سبر أغواري |
أخالط أبناء الزمان بمقتضى | عقولهم كيلا يفوهوا بإنكار |
وأظهر أني مثلهم تستفزني | صروف الليالي باحتلاء وامرار |
قال وطعن عليه بعض مشائخنا المعاصرين وقال في الحاشية هو المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني بان له بعض الاعتقادات الضعيفة كاعتقاد إن المكلف إذ بذل جهده في تحصيل الدليل فليس عليه شيء إذا كان مخطئا في اعتقاده ولا يخلد في النار وإن كان بخلاف أهل الحق قال وهو باطل قطعا لأنه على هذا يلزم إن يكون معتقدو غير الحق من علماء أهل الضلال ورؤساء الكفار غير مخلدين في النار إذا وصلت شبههم وعقائدهم إلى هذا الحد ثم رد عليه صاحب اللؤلؤة بانا لا نسلم أنهم بذلوا الجهد في تحصيل الدليل ولو بذلوه لوصلوا إلى الحق غالبا.
(قال المؤلف): لا شيء أعجب من نسبة مثل الشيخ البهائي أحد أعلام الإسلام إلى التصوف المذموم أما التصوف الممدوح فعلى فرض ميله إليه لا ذم فيه عليه وهو ينقل في كشكوله كثيرا من أشعار الصوفية وأحوالهم ولعل من نسب إليه التصوف استفاده من أمثال ذلك. وأما تعظيم المرتضى للصابي بعد موته إن صح ذلك فلا حذر فيه من موادة من جاد الله إذ المنهي عنه الموادة من حيث المحادة لما إن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية، أما الموادة لغرض صحيح فلا تتناولها الآية الكريمة، وأما الحلاج المنسوب إلى سوء العقيدة فلسنا نظن بمثل شيخنا البهائي تعظيمه ولعله لم يطلع على فساد عقيدته أو لم يثبت عنده فسادها أو لم يصح عنه تعظيمه إياه. وأما معاشرته كل أهل نحلة بالحسنى بحيث يظنون إنه منهم فهو يدل على علو درجته واستحقاقه على صفات المدح. وأما ازراء المجلسي عليه فلا نحتمله من مثل المجلسي في مثل البهائي. وأما عدم توثيق التفريشي له فالرجاليون إنما يهتمون بتوثيق رجال الحديث من أصحاب الأئمةعليه السلام الذين وقع الكلام في وثاقتهم وعدمها لا بتوثيق مشاهير العلماء الذين وثاقتهم أشهر من النور على الطور وليس التفريشي الذي يحتاج إلى توثيقة البهائي أعرف في الوثاقة من البهائي ولا المحدث الجزائري الذي دغدغ أولا في وثاقته ثم تفضل عليه بالشهادة بوثاقته والاعتماد عليه في النقل والفتوى يدانيه في علم وفضل ووثاقة فضلا عن إن يحتاج إلى شهادته له وأما طعن البحراني عليه في قوله بمعذورية من بذلك جهده فكفى في رده كلام صاحب اللؤلؤة وما أحق هؤلاء بقول القائل:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها | حسدا وبغيا إنه لدميم |
والحاصل إنه إذا تطرق الشك إلى وثاقة البهائي لم يبق ثقة في الدنيا وما الوسوسة في وثاقة البهائي إلا كالوسوسة في إعجاز القرآن وبلاغة نهج البلاغة وشجاعة علي بن أبي طالبعليه السلام وكرم حاتم وشاعرية امرئ القيس ووجود مكة المكرمة. وللبهائي رحمه الله كلام معروف في مسالة الضد ذكره في زبدة الأصول نفى فيه فائدة الخلاف فقال إن الأمر بالشيء لو لم يقتض النهي عن ضده فهو يقتضي عدم الأمر بضده إذ لا يمكن الأمر بالضدين في إن واحد فإذا كان الضد عبادة فسد لأن العبادة لا تصح بدون أمر ويكفي في فسادها عدم الأمر ولا يحتاج إلى النهي و لكن المتأخرين قالوا بإمكان الأمر بالضدين في وقت واحد أحدهما منجز والآخر معلق على عصيان الأول وهو الحق كما حقق في محله.
(لغز في علي)
عمل الشيخ البهائي عليه الرحمة لغزا في اسم عليعليه السلام وكأنه أرسله إلى والده وهو: يا ثقتي ورجائي ومن به في الدارين افتدائي استدعي منكم الأخبار عن اسم عدد أفراده بعده لطائف الأركان ومن أجزائه عرق أبواب الجنان ويذكرونه مع الله المنان في أوله بصيرة المخلوقات وثانيه تالي اسم الذات وآخره أول مراتب العشرات ويحصل منه الإيمان بالزبر والبينات أول أفراده رأس العرب والعجم وآخر أجزائه مساو للاسم الأعظم صورته بالاستعلاء موصوف ومسماه في السماوات والأرضين معروف وآخر آخره صدر الحروف أوله مدار الدنيا وبآخره تتم العقبى ولولا وسطه لكان معه وما إن نقص ثلاثة من ثلثه بقي ثلاثة وان زيد ثلاثة على ثلثه جعل ثلث ثلاثة لولا أوله لكان رأس العمر مقطوعا وإن لم يكن آخر ثانيه واسطة العمر لكان بقطعتين مكسولا من وجد بأوله نصيبا فقد كان غنيا ومن عري فلا يرى من العيش نصيبا ولو كان أوله لآخرته لم يكن فقيرا آخره رأس اليقين وبجزئي أوله يتم الدين الحروف مندرج بين جزئي آخره بالتمام وبآخره يبني حروف كل كلام والسلام خير ختام.
(مشائخه من علماء الشيعة)
قرأ على أبيه الإمام المحقق كما مر ويروي عنه قراءة وسماعا وإجازة لجميع ما للإجازة فيه مدخل من سائر العلوم العقلية والنقلية لا سيما كتب الحديث والتفسير والفقه من طرفنا وطرف العامة بحق روايته عن شيخنا الإمام قدوة المحققين الشهيد الثاني طاب ثراه حسبما ذكره في إجازته الطويلة وقرأ أيضا في إيران على جماعة من الجهابذة كالمولى عبد الله اليزدي كما من عن السلافة وعن رجال النيسابوري إن أساتيذه ورؤساء سلسلة أساتيذه الذين أخذ عنهم الحديث وغيره بالقراءة وغيرها من علماء الإمامية وغيرهم هم أيضا جماعة وفي روضات الجنات بعد نقل ذلك إلا أني مهما تصفحت كتب الإجازات والرجال لم أعثر على شيخ له في الرواية لأحاديث الشيعة الإمامية ومصنفاتهم غير والده وأستاذه. (مشائخه من علماء أهل السنة)
(والسند المسلسل بالمحمدين)
في اللؤلؤة: وأما كتاب صحيح البخاري فنرويه بالاستناد عن شيخنا البهائي قدس الله روحه عن محمد بن محمد بن محمد بن أبي اللطف المقدسي عن أبيه محمد بن محمد عن شيخه كما الدين محمد بن أبي الشريف المقدسي عن أبي الفتح محمد بن أبي بكر عن أبي الحسين محمد المراغي عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل القرشيدي عن السيد أبي عبد الله محمد ابن سيف الدين قليج بن كيكذي العلائي عن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن مسلم بن محمد بن مالك الحنبلي عن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدسي عن أبي طاهر محمد بن عبد الواحد البزاز عن محمد بن أحمد بن حمدان عن محمد بن اليتم عن محمد بن يوسف الغريري عن محمد بن إسماعيل البخاري بكتابه المذكور وجميع مصنفاته إلى إن قال في اللؤلؤة: وهذا السند من غريب الأسانيد باتفاق كون رجاله كلهم من المحمدين ويمكن تتميمه من اوله بطريقنا إلى الشيخ محمد بن يوسف بن كتبار البحراني عن الشيخ محمد بن ماجد البحراني عن الآخوند المولى محمد باقر المجلس عطر الله مرقده عن والده المولى محمد تقي قدس سره عن شيخنا محمد بن الحسين البهائي زاده الله تعالى مع هؤلاء المذكورين بل جملة علمائنا الصالحين بهاء وشرفا.
(تلامذة)
(1) السيد حسن ابن السيد حيدر الكركي
(2) نظام الدين محمد القرشي صاحب نظام الأقوال في أحوال الرجال والظاهر إنه نظام بن حسين الساوجي الذي أتم الأبواب العشرين من الجامع العباسي بعد وفاة شيخه البهائي بأمر الشاه عباس الصفوي
(3) الشيخ نجيب الدين علي بن محمد بن مكي العاملي الجبيلي ثم الجبعي
(4) الفاضل الجواد البغدادي شارح الزبدة لشيخه المذكور
(5) السيد ماجد البحراني
(6) ملا محسن الفيض الكاشاني كما يظهر من مفتتح كتابه الوافي
(7) السيد الآميرزا رفيع الدين النائيني
(8) المولى شريف الدين محمد الروي دشتي
(9) المولى خليل بن غازي القزويني
(10) المولى محمد صالح بن أحمد المازندراني
(11) الشيخ زين الدين ابن الشيخ محمد ابن صاحب المعالم
(12) المولى حسن علي بن المولى عبد الله الشوشتري شيخ رواية المجلسي الأول محمد تقي
(13) الشيخ محمد بن علي العاملي التتبنيني
(14) المولى مظفر الدين علي الذي كتب رسالة في أحوال شيخه البهائي
(15) الشيخ محمود بن حسام الدين الجزائري الذي يروي عنه الشيخ فخر الدين الطريحي صاحب مجمع البحرين
(16) الشيخ زين الدين علي بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمي البحراني وكان قبل تلمذه على البهائي يقرأ عند الشيخ محمد بن حسن رجب المقابي البحراني ولما رجع من خدمة البهائي جعل الشيخ محمد المذكور يقرأ عليه فعوتب على ذلك فقال إنه قد فاق علي وعلى غيري مما اكتبه من علم الحديث وفيه أيضا دلالة على فضل البهائي المكتسب منه
(17) المجلسي الأول محمد تقي
(18) الشيخ إبراهيم بن إبراهيم العاملي البازوري نزيل المشهد المقدس
(19) الشيخ عبد اللطيف بن أبي جامع العاملي يروي عنه بالإجازة ويمكن إن يكون في الباقين هو كذلك. ومن تلاميذه سلطان العلماء السيد حسين الحسيني المرعشي صاحب الحواشي على الروضة والمعالم وزير الشاه عباس وله منه إجازة، صرح به في الرياض وجامع الرواة وغيرها.
(مؤلفاته)
(التفسير)
(1) مشرق الشمسين وإكسير السعادتين جمع في آيات الأحكام وشرحها والأحاديث الصحاح وشرحها خرج من كتاب الطهارة لا غير نحو 400 حديث مطبوع.
(2) العروة الوثقى في تفسير القرآن خرج منه تفسير الفاتحة لا غير
(3) حاشية على تفسير القاضي البيضاوي جيدة نفيسه أحسن ما كتب على هذا التفسير، قاله تلميذه السيد حسين الكركي
(4) حواشي الكشاف لم تتم
(5) التفسير الموسوم بعين الحياة.
(الحديث)
(6) الحبل المتين في أحكام الدين في الأحاديث الصحاح والحسان والموثقات خاصة وشرحها شرحا لطيفا وجمع بين متعارضاتها خرج منه كتاب الطهارة لا غير في مجلد واحد فيه ألف حديث وزيادة يسيرة لم يتم، مطبوع
(7) شرح الأربعين حديثا قال تلميذه الكركي لم يصنف مثله، مطبوع عدة طبعات (8) حاشية الفقيه لم تتم.
(الدراية)
(9) رسالة في الدراية مختصرة مطبوعة.
(الرجال)
(10) حاشية على خلاصة العلامة مختصرة
(11) فوائد في الرجال.
(العبادة والدعاء)
(12) مفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة مطبوع عدة طبعات ومنها الطبعة المصرية ولنا عليها بعض الحواشي
(13) حدائق المقربين أو حدائق الصالحين في شرح الصحيفة السجادية مطبوع وسمي شرح كل دعاء باسم حديقة فسمي شرح دعاء الهلال بالحديثة الهلالية وكذا غيره، وعليه فما ذكره المترجمون من إن له الحديثة الهلالية وحدائق المقربين وشرح دعاء الصباح وشرح دعاء رؤية الهلال من الصحيفة ليس في محله، نعم الظاهر إن شرح الصحيفة لم يتم.
(الفقه)
(14) الجامع العباسي صنفه للشاه عباس الصفوي خرج منه إلى آخر كتاب الحج، مطبوع
(15) الاثنا عشريات الخمس في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج مرتبة على اثني عشر في كل أبوابها وفصولها ومطالبها
(16) رسالة في استحباب السورة ردا على بعض معاصريه لكنه رجع عنه أخيرا (17)رسالة في قصر الصلاة وإتمامها في الأماكن الأربعة
(18) شرح اثني عشرية صاحب المعالم
(19) حواش على مختلف العلامة
(20) رسالة في المواريث
(21) رسالة في ذبائح أهل الكتاب
(22) شرح الفرائض النصيرية للمحقق الطوسي لم يتم
(23) رسالة الكر
(24) رسالة القبلة
(25) رسالة في أحكام سجود التلاوة.
(الأصول)
(26) الزبدة مطبوع وشرحه الشيخ جواد الكاظمي المعروف بالفاضل والشرح كالأصل مشهوران
(27) لغز الزبدة
(28) حواش على قواعد الشهيد
(29) حواشي الزبدة
(30) حاشية شرح العضدي على مختصر الأصول
(31) شرح شرح الرومي على الملخص ذكره في الحديقة الهلالية.
(النحو)
(32) الفوائد الصمدية صنفها لأخيه عبد الصمد يدرسها الإيرانيون ومطبوعة (33) تهذيب البيان.
(البيان)
(34) حاشية على المطول لم تتم.
(الحساب)
(35) خلاصة الحساب لم يصنف مثلها مطبوعة في إيران وغيرها عدة طبعات ومترجمة إلى لغات أجنبية منها الألمانية وكانت العادة إن تدرس في المدارس الدينية في العراق وغيرها في شهور التعطيل
(36) بحر الحساب. علم الهيئة
(37) تشريح الأفلاك مع حواشيه مختصر مطبوع والظاهر إنه فارسي
(38) الأسطرلاب كبير بالعربية سماه الصفيحة
(39) أسطرلاب آخر بالفارسية سماه التحفة الحاتمية
(40) رسالة في نسبة أعظم الجبال إلى قطر الأرض
(41) رسالة في إن أنوار الكواكب مستفادة من الشمس
(42) رسالة في حل اشكالي عطارد والقمر.
(الحكمة)
(43) الرسالة الموسومة بالجوهر الفرد ذكرها في الكشكول وذكر فيها دليلا على إبطال تركيب الجسم من الأجزاء التي لا تتجزأ.
(التاريخ والأدب)
(44) توضيح المقاصد فيما اتفق في أيام السنة
(45) المخلاة جمع فيها فوائد وطرائف من كل فن بدون ترتيب مطبوعة بمصر (46) الكشكول صنفه بعد المخلاة وجمع فيه من كل فن بدون ترتيب تشبيها له بكشكول الدراويش الذي يجمعون فيه من كل طعام وقد صار كل كتاب بعده بهذا الوصف يسمى الكشكول وإن كان له اسم غير ذلك ككشكول البحراني وكل من جمع أصنافا من علوم شتى يسمى مجموعة بالكشكول وجمع جماعة كتبا سموها بنحو هذا الاسم مثل بيدر الفلاح وسفينة نوح وقد اشتهر الكشكول بين الناس اشتهارا عظيما وطبع في مصر مرارا كثيرة وطبع في إيران لكن الظاهر إن الطبعة الإيرانية تزيد عن المصرية وبعضهم يتوهم إن الكشكول جمعه في وقت سياحته وليس كذلك كما يظهر من خطبته. وقد ترجم الكشكول إلى الفارسي برغبة أحد ملوك الهند المغول ولو كان دون جميع مشاهداته وما جرى له في سياحته لكانت من أنفس وامنع ما كتب
(47) سوانح سفر الحجاز كتاب من شعره وإنشائه أكثره بالفارسية
(48) نان وحلوى أي خبز وحلوى كتاب شعر بالفارسية ظريف
(49) ديوان شعره بالعربية والفارسية، في الأمل جمع شعره ولدي محمد رضا الحر فصار ديوانا لطيفا.
(أجوبة المسائل)
(50) جواب مسائل الشيخ صالح بن حسن الجزائري اثنتان وعشرون مسالة مشهورة
(51) جواب ثلاث مسائل أخرى عجيبة
(52) جواب المسائل المدنيات. إلى غير ذلك من الرسائل وأجوبة المسائل
(53) حواشي شرح التذكرة.
(استدراك على مؤلفاته)
يضاف إلى أسماء مؤلفاته المتقدمة ما يلي:
(1) حاشية على نتائج الأفكار للسيد إبراهيم الحائري في الأصول
(2) حاشية على مبادئ الأصول للعلامة الحلي
(3) شرح الشافية في الصرف
(4) حاشية على شرح الكافية للجامي في النحو
(5) هداية العوام رسالة عملية في الفقه
(6) تشييد الأذهان معرب عين الحياة للمجلسي
(7) رسالة في مقتل الحسين عليه السلام.
(شعره)
له شعر كثير بالعربية والفارسية فمن شعره قصيدته التي يمدح بها صاحب الزمان وسماها وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان كما في شرح المنيني عليها وبعضهم يقول اسمها روح الجنان كما في ديوان الشيخ جعفر الخطي وهي التي شرحها الشيخ أحمد بن علي المنيني الدمشقي بطلب السيد محمد هاشم قاضي دمشق الشام وطبعت مع شرحها في آخر الكشكول وأولها:
سرى البرق من نجد فهيج تذكاري | عهودا بحزوى والعذيب وذي قار |
وهيج من أشواقنا كل كامن | وأجج في أحشائنا لاعج النار |
ألا يا لييلات الغوير وحاجر | سقيت بهام من بني المزن مدرار |
ويا جيرة بالمازمين خيامهم | عليكم سلام الله من نازح الدار |
خليلي ما لي والزمان كأنما | يطالبني في كل وقت بأوتار |
فأبعد أحبابي وأخلي مرابعي | وأبدلني من كل صفو بأكدار |
وعادل بي من كان أقصى مرامه | من المجد إن يسمو إلى عشر معشاري |
أ لم يدر أني لا أذل لخطبه | وان سامني بخسا وأرخص أسعاري |
مقامي بفرق الفرقدين فما الذي | يؤثره مسعاه في خفض مقداري |
واني امرؤ لا يدرك الدهر غايتي | ولا تصل الأيدي إلى سبر أغواري |
أخالط أبناء الزمان بمقتضى | عقولهم كي لا يفوهوا بإنكار |
وأظهر أني مثلهم تستفزني | صروف الليالي باحتلاء وامرار |
واني ضاوي القلب مستوفز النهي | أسر بيسر أو آمل باعسار |
ويضجرني الخطب المهول لقاؤه | ويطربني الشادي بعود ومزمار |
ويصمي فؤادي ناهد الثدي كاعب | بأسمر خطار وأحور سحار |
وانس يخي بالدموع يوقفه | على طلل بال ودارس أحجار |
وما علموا أني امرؤ لا يروعني | توالي الرزايا في عشي وأبكار |
إذ دك طود الصبر من وقع حادث | فطود اصطباري شامخ غير منهار |
وخطب يزيل الروع أيسر وقعه | كؤود كوخز بالأسنة سعار |
تلقيته والحتف دون لقائه | بقلب وقور في الهزاهز صبار |
ووجه طليق لا يمل لقاؤه | وصدر رحيب من ورود وإصدار |
ولم أبده كي لا يساء لوقعه | صديقي ويأسي من تعسره جاري |
ومعضلة دهماء لا يهتدى لها | طريق ولا يهدى إلى ضوئها الساري |
تشيب النواصي دون حل رموزها | ويحجم عن أغوارها كل مغوار |
أجلت جياد الفكر في حلباتها | ووجهت تلقاها صوائب انظاري |
فأبرزت من مستورها كل غامض | وثقفت منها كل قسور سوار |
أ أضرع للبلوى وأغضي على القذى | وأرضى بما يرضى به كل مخوار |
وأفرح من دهري بلذة ساعة | واقنع من عيشي بقرص وأطمار |
إذ لا ورى زندي ولا عز جانبي | ولا بزغت في قمة المجد أقماري |
ولا بل كفي بالسماح ولا سرت | بطيب أحاديثي الركاب وأخباري |
ولا انتشرت في الخافقين فضائلي | ولا كان في المهدي رائق أشعاري |
خليفة رب العالمين وظله | على ساكني الغبراء من كل ديار |
هو العروة الوثقى الذي من بذيله | تمسك لا يخشى عظائم أوزار |
إمام هدى لاذ الزمان بظله | وألقى إليه الدهر مقود خوار |
ومقتدر لو كلف الصم نطقها | بأجذارها فاهت إليه بأجذار |
علوم الورى في جنب أبحر علمه | كغرفة كف أو كغمسة منقار |
فلو زار أفلاطون أعتاب قدسه | ولم يعشه عنها سواطع أنوار |
رأى حكمة قدسية لا يشوبها | شوائب أنظار وأدناس أفكار |
بإشراقها كل العوامل أشرقت | لما لاح في الكونين من نورها الساري |
إمام الورى طود النهى منبع الهدى | وصاحب سر الله في هذه الدار |
به العالم السفي يسمو ويعتلي | على العالم العلوي من غير انكار |
ومنه العقول العشر تبغي كمالها | وليس عليها في التعلم من عار |
همام لو السبع الطباق تطابقت | على نقض ما يقضيه من حكمه الجاري |
لنكس من أبراجها كل شامخ | وسكن من أفلاكها كل دوار |
ولانتثرت منها الثوابت خيفة | وعاف السرى في سورها كل سيار |
أ يا حجة الله الذي ليس جاريا | بغير الذي يرضاه سابق أقدار |
ويا من مقاليد الزمان بكفه | وناهيك من مجديه خصه الباري |
أغث حوزة الإيمان واعمر ربوعه | فلم يبق منها غير دارس آثار |
وأنقذ كتاب الله من يد عصبة | عصوا وتمادوا في عتو واصرار |
يحيدون عن آياته لرواية | رواها أبو شعيون عن كعب الأحبار |
وفي الدين قد قاسوا وعاثوا وخبطوا | بآرائهم تخبيط عشواء معسار |
وانعش قلوبا في انتظارك قرحت | وأضجرها الأعداء اية اضجار |
وخلص عباد الله من كل غاشم | وطهر بلاد الله من كل كفار |
وعجل فداك العالمون بأسرهم | وبادر على اسم الله من غير انظار |
تجد من جود الله خير كتائب | وأكرم أعوان وأشرف أنصار |
بهم من بني همدان أخلص فتية | يخوضون أغمار الوغى غير فكار |
بكل شديد البأس عبل شمر دل | إلى الحتف مقدام على الهول صبار |
تحاذره الأبطال في كل موقف | وترهبه الفرسان في كل مضمار |
أيا صفوة الرحمن دونك مدحة | كدر عقود في ترائب ابكار |
يهن ابن هان إن أتى بنظيرها | ويعنو لها الطائب من بعد بشار |
إليك البهائي الحقير يزفها | كغانية مياسة القد معطار |
تغار إذا قيست لطافة نظمها | بنفحة أزهار ونسمة أسحار |
إذا رددت زادت قبولا كأنها | أحاديث تجد لا تمل بتكرار |
ويقال إن السيد محمد باقر الداماد كتب إلى الشيخ البهائي بهذين البيتين بالفارسية:
اي شروه حقيقت أي كان سخا | در مشكل أين حرف جوابي فرما |
كوثى كه خدا بود ديكر هيج نبود | جون هيج بنود بس كجا بود خدا |
فأجابه الشيخ البهائي بقوله.
اي صاحب مساله تو بشنو زا ما | تحقيق بدان كه لا مكان است خذا |
خواهي كه أ كشف شود أين معنى | جان در تن تو بكو كجا دارد كجا |
وعن السيد نعمة الله الجزائري في كتاب المقامات إن الشيخ صالح بن حسن الجزائري صاحب المسائل المشهورة التي سال عنها البهائي كتب إليه ما قول سيدي وسندي ومن عليه بعد الله وأهل البيت معتمدي في هذه الأبيات لبعض النواصب فالمأمول من أنفاسكم الفاخرة وألطافكم الظاهرة إن تشرفوا خادمكم بجواب منظوم عنها نصر الله بكم الإسلام بمحمد وآله الكرام عليه السلام وذكر الأبيات الرائية الثلاثة التي أولها: (أهوى عليا أمير المؤمنين ولا) قال فأجابه الشيخ بهاء الدين محمد طاب ثراه: الثقة بالله وحده التمست أيها الأخ الأفضل الصفي الوفي الألمعي الزكي الذكي أطال الله بقاءك وأدام في معارج العز ارتقاءك الإجابة عما هذر به هذا المخذول فقابلت التماسك بقابول وطفقت أقول (يا أيها المدعي حب الوصي ولم) ثم أورد اثني عشر بيتا تركنا ذكرها ولكن الأبيات الراثية الثلاثة
المذكورة منسوبة إلى الكميت ولها خبر معروفة من إنه أثبت الذنب واحتمل
العذر فكيف نسبها الشيخ صالح إلى غيره وكيف خفي ذلك على البهائي مع سعة اطلاعه؟!.
وله وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه:
وليلة كان بها طالعي | في ذروة السعد وأوج الكمال |
قصر طيب الوصل من عمرها | فلم تكن إلا كحل العقال |
واتصل الفجر بها بالعشا | وهكذا عمر ليالي الوصال |
إذ أخذت عيني في نومها | وانتبه الطالع بعد الوبال |
لزرته في الليل مستعطفا | أفديه بالنفس وأهلي ومال |
أشكو له ما أنا فيه من | البلوى وما ألقاه من سوء حال |
فأظهر العطف على عبده | بمنطق يزري بنظم اللآل |
فيا لها من ليلة نلت في | ظلامها ما لم ينل في خيال |
أمست خفيفات مطايا الرجا | بها وأضحت بالعطايا ثقال |
سقيت في ظلمائها خمرة | صافية صرفا طهورا حلال |
وابتهج القلب باهل الحمى | وقرت العين بذاك الجمال |
ونلت ما نلت على أنني | ما كنت استوجب ذاك النوال |
وقال يرثي والده الشيخ حسين بن عبد الصمد وقد توفي بالمصلى من قرى البحرين سنة 984.
قف بالطول وسلها أين سلماها | ورو من جرع الأجفان جرعاها |
وردد الطرف في أطراف ساحتها | وارج الروح من أرواح أرجاها |
فان يفتك من الأطلال مخبرها | فلا يفوتنك مرآها ورياها |
ربوع فضل تباهي التبر تربتها | ودار انس تحاكي الدر حصباها |
عدا على جيرة حلوا بساحتها | صرف الزمان فأبلاهم وأبلاها |
بدور ثم غمام الموت جللها | شموس فضل سحاب الترب غشاها |
فالمجد يبكي عليها جازعا أسفا | والدين يندبها والفضل ينعاها |
يا حبذا أزمن في ظلهم سلفت | ما كان أقصرها عمرا وأحلاها |
أوقات عمر قضيناها فما ذكرت | إلا وقطع قلب الصب ذكراها |
يا جيرة هجروا فاستوطنوا هجرا | واها لقلب المعنى بعدكم واها |
رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت | سقيا لأيامنا بالخيف سقياها |
لفقدكم شق جيب الصبر وانصدعت | أركانه وبكم ما كان أقواها |
وخر من شامخات العلم ارفعها | وانهد من باذخات الحلم أرساها |
يا ثاويا بالمصلى من قرى هجر | كسيت من حلل الرضوان أضفاها |
أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت | ثلاثة كن أمثالا وأشباها |
ثلاثة أنت أسداها وأغزرها | جودا وأعذبها طعما وأحلاها |
حويت من درر العلياء ما حويا | لكن درك أعلاها وأغلاها |
يا أخمصا وطئت هام السهى شرفا | سقاك من ديم الوسمي أسماها |
ويا ضريحا علا فوق السماك علا | عليك من صلوات الله أزكاها |
فيك انطوى من شموس الفضل آخرها | ومن معالم دين الله أسناها |
ومن شوامخ إطواد الفتوة أرساها | وارفعها قدرا وأنهاها |
فاسحب على الفلك العلوي ذيل علا | فقد حويت من العلياء أعلاها |
عليك مني سلام الله ما صدحت | على غصون أراك الدوح ورقاها |
ومن شعره قوله:
إن هذا الموت يكرهه | كل من يمشي على الغبرا |
وبعين العقل لو نظروا | لرأوه الراحة الكبرى |
وقوله:
وثورين حاطا بهذا الورى | فثور الثريا وثور الثرى |
وهم فوق هذا ومن تحت ذاك | حمير مسرحة في قرى |
وقوله:
ومائسة الأعطاف تستر وجهها | بمعصمها الله كم هتكت سترا |
أرادت لتخفي فتنة من جمالها | بمعصمها فاستأنفت فتنة أخرى |
وقوله:
وثقت بعفو الله عني في غد | وإن كنت أدري أنني المذنب العاصي |
وأخلصت حبي في النبي وآله | كفى في خلاصي يوم حشري اخلاصي |
وقوله في الشوق إلى لثم عتبة سيد الأنبياء ص:
للشوق إلى طيبة جفني باكي | لو إن مقامي فلك الأفلاك |
يستحقر من مشى إلى روضتها | المشي على أجنحة الأملاك |
وله دو بيت قاله ليكتب على المكان الذي أمر ببنائه في النجف الأشرف لحفظ نعال الزوار:
هذا الأفق المبين قد لاح لديك | فاسجد متذللا وعفر خديك |
ذا طور سينين فاخضع الطرف به | هذا حرم العزة فاخلع نعليك |
وقوله وأرسلها إلى خدام حرم مولانا الحسين عليه السلام:
يا سعد إذا جزت ديار الأحباب | وقت السحر |
قبل عني تراب تلك الأعتاب | واقض وطري |
إن هم سألوا عن البهائي فأنطق | رؤيا النظر |
قد ذاب من الشوق إليكم قد ذاب=هذا خبري
وقوله في التشوق إلى زيارة مولانا الرضا عليه السلام:
إن جئت اقص قصة الشوق لديك | إن جئت إلى طوس قبا لله عليك |
قبل عني ضريح مولاي وقل | قد مات بهاثيك بالشوق إليك |
وقوله:
في يثرب والغري والزوراء | في طوس وكربلا وسامراء |
لي أربعة وعشرة وهم ثقتي | في الحشر وهم حسيني من أعدائي |
وقوله:
يا رب أني مذنب خاطئ | مقصر في صالحات القرب |
وليس لي من عمل صالح | أرجوه في الحشر لدفع الكرب |
غير اعتقادي حب خير الورى | وآله والمرء مع من أحب |
وقوله عن لسان أهل الحال من الصوفية:
أنا الفقير المعني | ذو رقة وحنين |
للناس طرا خدوم | إذا هم استخدموني |
يعلو مقامي قدرا | إذا هم لمسوني |
ولست أسلو هواهم | يوما ولو قطعوني |
هذا ومن سوء حظي | وحسرتي وشجوني |
إن لست أذكر إلا | عقيب رفع الصحون |
وله دو بيت:
يا بدر دجى خياله في بالي | مذ فارقني وزاد في بلبالي |
أيام نواك لا تسل كيف مضت | والله مضت بأسوء الأحوال |
وله:
يا عاذل كم تطيل في إتعابي | دع لومك وانصرف كفاني ما بي |
لا لوم إذا أهيم بالشوق فلي | قلب ما ذاق فرقة الأحباب |
وله:
كم بت من المسا إلى الإشراق | في فرقتكم ومطربي أشواقي |
والهم منادمي ونقلي سهري | والدمع مدامتي وجفني الساقي |
وكتب إلى والده بهراة من قزوين سنة 981:
بقزوين جسمي وروحي ثوت | بأرض الهرات وسكانها |
فهذا تغرب عن أهله | وتلك أقامت بأوطانها |
وكتب إليه شيخ الإسلام الشيخ عمر المفتي بالقدس الشريف أبياتا في بعض الأغراض فأجابه بهذه الأبيات ملغزا فيها باسم مدينة القدس.
يا أيها المولى الذي قد غدا | في الخلق والخلق عديم المثال |
وحل من شامخ طود العلي | في ذروة المجد وأوج الكمال |
وعطر الكون بمنظومة | نظامها يزري بعقد اللآل |
كأنها بكر بألحاظها | سحر به تسلب لب الرجال |
وروضة ممطورة مر في | أرجائها صبحا نسيم الشمال |
لو لم يكن أسكرني لفظها | لقلت حقا هي سحر حلال |
يا سادة فاقوا الورى عبدكم | أحقر من إن تخطروه ببال |
أرضعتموه در ألفاظكم | وما له عن ودكم من فصال |
ومذ أناخ الركب في أرضكم | سلا عن الأهل وعم وخال |
أنتم بنو اللطف وألطافكم | على الورى ما برحت في اتصال |
في قمة الفضل لكم منزل | ما مر في وهم ولا في خيال |
وعبدكم أعجزه مدحكم | فصار باللغز يطيل المقال |
سا سيدا قد حاز من سائر | الفنون حظا وافرا لا ينال |
ما بلدة أولها سورة | بل جبل صعب بعيد المنال |
وما سوى آخرها قد غدا | اسما وفعلا وهو حرف يقال |
وقلبه فعل واسم لما | يصير منه الجسم مثل الخلال |
وغيرها إن ينتقص نصفه | من صدرها فهو طعام خلال |
وما سوى أولها قلبه | أمر به كل جميل الخصال |
وقلبها إن زال نصف له | يصير ما قلبي غدا منه غال |
وان تزده النصف منه يكن | حاجب من يرمي لقلبي نبال |
مولاي إن العبد من شعره | في خجل متصل وانفعال |
قال يراعي حين كلفته | تحرير هذا الهذر ما ذا الخبال |
يقابل الدر بهذا الحصى | لا شك في عقلك بعض اختلال |
فأجابه الشيخ عمر المذكور بهذه الأبيات:
حلت وقد حيت برفع النقاب | وابتسمت عن نظم در الحباب |
وأسفرت إذ ما بدت تنجلي | فخلت بدرا قد بدا من سحاب |
تمايست عجبا ومالت قنا | وعطرت بالطيب تلك الرحاب |
وأسرعت نحوي وقد أبدعت | وأودعت سمعي لذيذ الخطاب |
وأرشفتني من لمى لفظها | فرحت سكران بغير الشراب |
مستغرقا في بحر ألفاظها | كأنني مما عراني مصاب |
وليس ذا مستغربا حيثما | أبرزها بحر خضم عباب |
فيا أمام النظم أكرتني | بهذه الغادة عصر الشباب |
ألغزت يا مولاي في بلدة | قدامها الداعي بنص الكتاب |
مضافها الروح بلا شبهة | مطهر من دنس الارتياب |
إذا أزلت القلب من لفظها | فهي فصيح العرب لب اللباب |
وان تزدها واحدا تلفها | سفينة تجري بما يستطاب |
كذاك إن زدت إلى قلبها | واوا تجد اسما لمولي الثواب |
عساك إن جئت إلى حيها | تقدس الذات وتنفي الشواب |
وتشرح الصدر بما صغته | من در لفظ ومعان عذاب |
فأسلم ودم في نعمة ملغزا | في بلد القدس رفيع الجناب |
وكتب في آخر هذه الأبيات هذا المصراع (ودامت معاليك ليوم الحساب) وله مضمنا المصراع المشهور للجامي (فاح ريح الصبا وصاح الديك):
يا نديمي بمهجتي أفديك | قم وهات الكؤوس من هاتيك |
هاتها هاتها مشعشعة | أفسدت نسك ذي التقى النسيك |
قهوة إن ضللت ساحتها | فسنا ضوء كأسها يهديك |
يا كليم الفؤاد داو بها | قلبك المبتلى لكي تشفيك |
هي نار الكليم فاجتلها | واخلع النعل واترك التشكيك |
صاح ناهيك بالمدام قدم | في احتساها مخالفا ناهيك |
عمرك الله قل لنا كرما | يا حمام الأراك ما يبكيك |
أ ترى غاب عنك أهل منى | بعد ما قد توطنوا واديك |
إن لي بين ربعم رشا | طرفه إن تمت أسى يحييك |
ذا قوام كأنه غصن | ماس لما بدا به التحريك |
لست أنساه إذ أتى سحرا | وحده وحده بغير شريك |
طرق الباب خائفا وجلا | قلت من قال من يرضيك |
قلت صرح فقال تجهل من | سيف ألحاظه تحكم فيك |
بات يسقي وبت اشربها | قهوة تترك المقل مليك |
ثم جاذبته الرداء وقد | خامر الخمر طرفه الفتيك |
قال لي ما تريد قلت له | يا مني القلب قبلة من فيك |
قال خذها فمذ ظفرت بها | قلت زدني فقال لا وأبيك |
ثم وسدته اليمين إلى | إن دنا الصبح قال لي يكفيك |
قلت مهلا فقال قم فلقد | فاح ريح الصبا وصاح الديك |
وله:
يا ساحرا بطرفه | وظالما لا يعدل |
أخربت قلبي عامدا | كذا يراعى المنزل |
وله وقد أشرف على مدينة سر من رأى:
أسرع السير أيها الحادي | إن قلبي إلى الحمى صادي |
وإذا ما رأيت من كثب | مشهد العسكري والهادي |
فالثم الأرض خاضعا فلقد | نلت والله خير اسعاد |
وإذا ما حللت ناديهم | يا سقاه الإله من نادي |
فاغضض الطرف خاضعا ولها | واخلع النعل إنه الوادي |
وله وقد أشرف على المشهد الأقدس الرضوي:
هذه قبة مولاي | بدت كالقبس |
فاخلع النعل فقد | جزت بوادي القدس |
وأورد في الكشكول ما صورته: رثى السيد الأجل والد جامع الكتاب ولم يذكر من هو هذا السيد الأجل بقصيدة مطلعها:
جارتي كيف تحسنين ملامي | أيداوي كلم الحشى بالكلام |
وطلب منه القول على طرزها فقال مشيرا إلى بعض ألقابه الشريفة:
خلياني بلوعتي وغرامي | يا خليلي واذهبا بسلام |
قد دعاني الهوى ولباه لبي | فدعاني ولا تطيلا ملامي |
إن من ذاق نشوة الحب يوما | لا يبالي بكثرة اللوام |
خامرت خمرة المحبة عقلي | وجرت في مفاصلي وعظامي |
فعلى الحلم والوقار صلاة | وعلى العقل ألف ألف سلام |
هل سبيل إلى وقوفي بوادي | الجزع يا صاحبي أو المامي |
أيها السائل الملح إذا ما | جئت نجدا فعج بوادي الخزام |
وتجاوز عن ذي المجاز وعرج | عادلا عن يمين ذاك المقام |
وإذا ما بلغت حزوي فبلغ | جيرة الحي يا أخي سلامي |
وانشدن قلبي المعنى لديهم | فلقد ضاع بين تلك الخيام |
وإذا ما رثوا لحالي فسلهم | إن يمنوا ولو بطيف منام |
يا نزولا بذي الأراك إلى كم | تنقضي في فراقكم أعوامي |
ما سرت نسمه ولا ناح في الدوح | حمام إلا وحان حمامي |
أين أيامنا بشرقي نجد | يا رعاها إلا له من أيام |
حيث غصن الشباب غض وروض | العيش قد طرزته أيدي الغمام |
وزماني مساعدي وأيادي اللهو | نحو المنى تجر زمامي |
أيها المرتقي ذرى المجد فردا | والمرجى للفادحات العظام |
يا خليف العلى الذي جمعت فيه | مزايا تفرقت في الأنام |
نلت في ذروة الفخار محلا | عسر المرتقى عزيز المرام |
نسب طاهر ومجد أثيل | وفخار عال وفضل سامي |
قد قرنا مقالكم بمقال | وشفعنا كلامكم بكلام |
ونظمنا الحصى مع الدر في سمط | وقلنا العبير مثل الرغام |
لم أكن مقدما على ذا ولكن | امتثالا لأمركم اقدامي |
عمرك الله يا نديمي انشد | جارتي كيف تحسنين ملامي |
وله متسليا به من طول الإقامة بقزوين:
قد اجتمعت كل الفلاكات في الأرض | فقوموا بنا نعدو فقوموا بنا نعدو |
فمختلطات الهم فيها كثيرة | فليس لها رسم وليس لها حد |
وأشكال آمالي أراها عقيمة | ومعكوسة فيها قضاياي يا سعد |
فمن قلة التمييز حالي تسيئني | وفعلي معتل وهمي ممتد |
ومن شعره قوله:
ألا يا خائضا بحر الأماني | هداك الله ما هذا التواني |
أضعت العمر عصيانا وجهلا | فمهلا أيها المغرور مهلا |
مضى عصر الشباب وأنت غافل | وفي ثوب العمى والغي رافل |
إلى كم كالبهائم أنت هائم | وفي وقت الغنائم أنت نائم |
وطرفك لا يرى إلا طموحا | ونفسك لم تزل أبدا جموحا |
وقلبك لا يفيق عن المعاصي | فويلك يوم يؤخذ بالنواصي |
بلال الشيب نادى في المفارق | بحي على الذهاب وأنت غارق |
ببحر الإثم لا تصغي أواعظ | وان أطرى وأطنب في الموعظ |
وقلبك هائم في كل وادي | وجهلك كل يوم في ازدياد |
على تحصيل دنياك الدنية | مجدا في الصباح وفي العشية |
وجهد المرء في الدنيا شديد | وليس ينال منها ما يريد |
وكيف ينال في الأخرى مرامه | ولم يجهد لمطلبها قلامه |
وقوله مشيرا إلى حال من صرف العمر في جمع الكتب وادخارها على غير طائل:
على كتب العلوم صرفت مالك | وفي تصحيحها أتعبت بالك |
واتفقت البياض مع السواد | إلى ما ليس بنفع في المعاد |
تظل من المساء إلى الصباح | تطالعها وقلبك غير صاحي |
وتصبح مولعا من غير طائل | (بتحرير) المقاصد (والدلائل) |
(وتوضيح الخفا في كل باب | وتوجيه السؤال مع الجواب |
لعمري قد أضلتك (الهداية) | ضلالا ما له أبدا (نهاية) |
و(بالمحصول) حاصلك الندامة | وحرمان إلى يوم القيامة |
و(تذكرة) (المواقف) و(المراصد) | تسد عليك أبواب (المقاصد) |
فلا تنجي (النجاة) من الضلالة | ولا يشفي (الشفاء) من الجهالة |
و(بالارشاد) لم يحصل رشال | و(بالتبيان) ما بان السداد |
و(بالإيضاح) أشكلت (المدارك) | و(بالمصباح) اظلمت (المسائل) |
و(بالتلويح) ما لاح الدليل | و(بالتوضيح) ما اتضح السبيل |
صرفت (خلاصة) العمر العزيز | على (تنقيح) أبحاث (الوجيز) |
بهذا (النحو صرف) العمر جهل | فقم وأجهد فما في الأمر مهل |
ودع عنك الشروح مع الحواشي | فهن على البصائر كالغواشي |
وقوله وهو من سوانح سفر الحجاز:
يا نديمي ضاع عمري وانقضى | قم إلى استدراك وقت قد مضى |
واغسل الأدناس عني بالمدام | واملأ الأقداح منها يا غلام |
واسقني كأسا فقد لاح الصباح | والثريا غربت والديك صاح |
زوج الصهباء بالماء الزلال | واجعلن عقلي لها مهرا حلال |
هاتها من غير مهل يا نديم | خمرة يحيا بها العظم الرميم |
بنت كرم تجعلن الشيخ شاب | من يذق منها عن الكونين غاب |
خمرة من نار موسى نورها | دنها قلبي وصدري طورها |
ثم ولا تمهل فما في العمر مهل | لا تصعب شربها فالأمر سهل |
قل لشيخ قلبه منها نفور | لا تخف فالله نواب غفور |
يا مغني إن عندي كل فم | قم والق الناي فينا بالنغم |
غن لي دورا فقد دار القدح | والصبا قد فاح والقمري ثدح |
واذكرن عندي أحاديث الحبيب | إن عيشي بسواها لا يطيب |
واحذرن ذكرى أحاديث الفراق | إن ذكر البعد مما لا يطاق |
روحن روحي بأشعار العرب | كي يتم الأنس فينا والطرب |
وافتتح منها بنظم مستطاب | قلته في بعض أيام الشباب |
قد صرفنا العمر في قيل وقال | يا نديمي قم فقد ضاق المجال |
ثم أطربني بأشعار العجم | واطردن هما على قلبي هجم |
قم وخاطبني بكل الألسنة | عل قلبي ينتبه من ذي السنة |
انه في غفلة عن حاله | خابط في قيله مع قاله |
كل إن وهو في قيد جديد | قائلا من جهله هل من مزيد |
تائه في الغي قد ضل الطريق | قط من سكر الهوى لا يستفيق |
عاكف دهرا على أصنامه | تهزأ الكفار من إسلامه |
كم أنادي وهو لا يصغي التناد | يا فؤاد يا فؤاد يا فؤاد |
يا بهائي اتخذ قلبا سواه | فهو ما معبوده إلا هواه |
وقوله:
أيها القوم الألى في المدرسة | كلما حصلتموه وسوسة |
فكركم إن كان في غير الحبيب | ما لكم في النشأة الأخرى نصيب |
فاغسلوا بالراح عن لوح الفؤاد | كل علم ليس ينجي في المعاد |
وكتب إلى والده وهو بهراة:
يا ساكني ارض الهرات أما كفى | هذا الفراق بلى وحق المصطفى |
عودوا علي فربع صبري قد عفا | والجفن من بعد التباعد ما غفا |
وخيالكم في بالي | والقلب في بلبال |
إن أقبلت من نحوكم ريح الصبا | قلنا لها أهلا وسهلا مرحبا |
واليكم قلب المتيم قد صبا | وفراقكم للروح منه قد سبا |
والقلب ليس بخالي | من حب ذات الخال |
يا حبذا ربع الحنى من مربع | فغزاله شب الغضا في أضلعي |
لم انسه يوم الفراق مردعي | بمدامع تجري وقلب موجع |
والصب ليس بسالي | عن ثغرة السلسال |
وله في وصف محاسن الديار المصرية أبيات أولها:
يا مصر سقيا لك من جنة | قطوفها يانعة دانية |
ترابها كالتبر في لطفه | وماؤها كالفضة الصافية |
لما أنخت الركب في أرضها | أنسيت أحبابي وأصحابيه |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 234