لمحة عن الكتاب

كتاب موجز إذا قسنا بما ألف بعده، ويبدو لي أن المؤلف اطلع على كتاب أستاذه أبي الطيب الطبري فحاول أن يجئ بصورة أكمل وأوفى، فهو إذا قيس بذلك الكتاب كان توسعا في النظرة والخطة؛ على أن صفة "الإيجار" بالنسبة إلينا اليوم ستظل عالقة به، لأنه لا يعدو في بعض الأحيان أن يكون سردا لأسماء الفقهاء، ولكن الإيجاز كان عنصرا أساسيا في خطة الشيرازي، لأنه لم يحاول أن يكتب تراجم الفقهاء، وإنما حاول أن يقدم لنا صورة دقيقة عن تطور الفقه - من خلال رجاله - على مر الزمن، وأكبر شاهد على ذلك ما دونه من معلومات عن فقهاء الصحابة والتابعين، فانه لو شاء أن يرخي العنان لقلمه لكتب في هذا السبيل مجلدات؛ فالشيرازي من هذا الوجه مؤلف عارف بخطته شديد الإحكام لها قادر على الانتقاء الدقيق للمادة التي تصلح لكتابه، لا يستهويه الاستطراد والاستكثار من المعلومات، وهو حريص كل الحرص على أن يقول المعنى الكثير في اللفظ القليل، وقد جعل نصب عينيه غاية واحدة وهي أن يضمن كتابه ما لا يسع الفقيه جهلة ليعرف من هم الذين تعتبر أقوالهم في انعقاد الإجماع؛ ولهذا لم يكن عجيبا أن يصبح كتابه على صغره مصدرا هاما في كتب التراجم، لا لقدمه النسبي ولا لمكانة صاحب وحسب، بل لدقة ما يورده من معلومات، ومن طالع وفيات الأعيان لابن خلكان وترتيب المدارك للقاضي عياض وتبين كذب المفتري لابن عساكر والجواهر المضية لابن أبي الوفاء وطبقات الشافعية للسبكي، وجد أن ما يقوله أبو إسحاق مادة هامة في تلك المصادر.
صحيح أن القاضي عياض قد استدرك عليه أشياء تتصل برجال المالكية كأن يعد إبراهيم بن محمد بن مزين في رواة سحنون من الأندلسيين، قال: "ولا يعرف ذلك في الأندلس وقد رده عليه أهل الصنعة والأشبه انه ابن بلز، وهو من جلة تلك الطبقة، وكذلك صنع في أسماء كثيرة منهم في أنسابهم وذكرهم في غير طبقاتهم"؛ وقال في موضع آخر: "فلقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أن أبا يحيى الوقار ممن سمع من مالك وعده في طبقة أصحابه ولم يذكر هذا أحد ممن جمع رواة مالك وإنما عدوه في أتباع أصحابه وهو الصحيح والله أعلم؛ وكذلك ذكر أبو إسحاق في اتباع أصحابه من بعد على ما ذكر يحيى في أصحابه.. وكذلك ما ذكره الشيرازي أيضا أن عبد الملك ابن حبيب تفقه أولا بيحيى وعيسى وحسين بن عاصم، هو وهم؛ هؤلاء نظراؤه وإنما تفقه أولا بشيوخ هؤلاء بالأندلس: زياد وصعصعة والغازي بن قيس ونظرائهم، وكذلك ذكره عبد الله بن غافق في طبقة سحنون، وزعم انه سمع من علي بن زياد، باطل، هو من أصحاب سحنون وليس من ذوي الأسنان منهم، ومولده بعد موت علي بن زياد بأزيد من عشرين سنة"؛ وهذه استدراكات هامة لم يتورط في مثلها أبو إسحاق وحده، وإنما وقع في مثلها كثير من العلماء، وعذر أبي إسحاق في هذا المواطن: تصحف الأسماء واضطرابها في النقل، وصعوبة التدقيق فيما يتصل بأخبار المالكة في الأندلس وأفريقية بسبب البعد الجغرافي.

الطبعات

دار النشر تاريخ النشر رقم الإصدار عدد الأجزاء
دار الرائد العربي - بيروت 1970 1 1

لمحة عن المؤلف