صفوان بن إدريس صفوان بن ادريس بن ابراهيم التجيبي المرسي، أبو بحر:اديب من الكتاب الشعراء من بيت نابه في مرسية(Murcie) مولده ووفاته بها. من كتبه (زاد المسافر - ط) في اشعار الاندلسيين، و (بداهة المتحفز وعجالة المستوفز) ويسمى العجالة، مجموعة من اشعاره ونثره، مجلدان، و (الرحلة) وكتاب في (ادباء الاندلس) لم يكمله.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 205
أبو بحر صفوان بن إدريس بن عبد الرحمن ابن عيسى بن إدريس التجيبي المرسي
ولد سنة 560 وتوفي سنة 598.
كان كاتبا بليغا وشاعرا بارعا من أعيان أهل المغرب قال لسان الدين ابن الخطيب: انفرد برثاء الحسين وقال ابن الأبار له قصائد جليلة خصوصا في الحسين. رحل إلى مراكش فقصد دار الخلافة مادحا فما تيسر له شيء فقال: لو مدحت آل البيت عليهم السلام لبلغت أملي فمدح وبينما هو عازم على الرجوع طلبه الخلفية فقضى مآربه فعكف على مدح آل البيت عليهم السلام ورثائهم. ومن شعره:
قلبنا وقد شام الحسام مخوفا | رشا بعادية الضراغم عابث |
هل سيفه من طرافة أم طرفة | من سيفه أم ذالك طرف ثالث |
يا قمرا مطلعه أضلع | له سواد القلب فيها غسق |
وربما أستوقد نار الهوى | فناب لونها عن شفق |
عندي من حبك ما لو سرت | في البحر منه شعلة لاحترق |
أمرنة تدعو لعدو أراك | قولي مولهة علام بكاك |
أجفاك إلفك أم بكيت لفرقة | أم لاح بر بالحمى فشجاك |
لو كان حقا ما أدعيت من الهوى | يوما لما طرق الجفون كراك |
أو كان روعك الفراق إذا لما | ضنت بماء جفونها عيناك |
ولما ألفت الروض بأريج عرفه | وجعلت بين فروعه مغناك |
ولما اتخذت من الغصون منصة | ولما بدت مخضوبة كفاك |
لو كنت مثلي ما أفقت من لبكا | لا تحسبي شكواي من شكواك |
أية حمامة خبرتني أنني | أبكي الحسين وأنت مما بكاك |
أبكي قتيل الطعن فرع بيننا | أكرم بفرع للنبوة زاكي |
ويل لقوم غادروه مضرجا | بدمائه نضوا صريع شكاك |
متعفرا قد مزقت أشلاؤه | فريا بكل مهند فتاك |
أيزيد لو راعيت حرمة جده | لم تقتنص ليث العرين الشاكي |
أو كنت تصغي إذ نقرت بثغره | قرعت صماخك أنة المسواك |
أومض ببرق الأضلع | واسكب غمام الأدمع |
وأحزن طويلا وأجزع | فهو مكان الجزع |
وانثر دماء المقلتين | تألما على الحسين |
وأبك بدمع دون عين | إن قل فيض الأدمع |
قضى لهيفا فقضى | من بعده فصل الضقا |
ريحانة الهادي الرضا | وابن الوصي الأنزع |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 389
أبو بحر المرسي صفوان بن إدريس، أبو بحر المرسي الكاتب البليغ؛ كان من جلة الأدباء وأعيان الرؤساء، فصيحا جليل القدر، له رسائل بديعة، وكان من الفضل والدين بمكان، توفي وله سبع وثلاثون سنة، ومن تصانيفه كتاب بداهة المتحفز وعجالة المستوفز وكتاب زاد المسافر، وهو الذي عارضه ابن الأبار بكتاب تحفة القادم، ومات معتبطا ولم يبلغ الأربعين، وتولى أبوه الصلاة عليه. ومن شعره من قصيدة:
حليتم زمنا لولا اعتدالكم | في حكمكم لم يكن في الحكم يعتدل |
فإنما أنتم في أنفه شمم | وإنما أنتم في طرفه كحل |
يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلا | لأن خرصانها من فوقها مقل |
سر النوى في ضمان كتماني | إن لم تنافق علي أجفاني |
أبلى لقلبي وليس في بدني | رب طليق يشقى به العاني |
أحمى الهوى قلبه وأوقد | فهو على أن يموت أو قد |
وقال عنه العذول سال | قلده الله ما تقلد |
وباللوى شادن عليه | جيد غزال ووجه فرقد |
علله ريقه بخمر | حتى ثنى طرفه وعربد |
لا تعجبوا لانهزام صبري | فجيش أجفانه مؤيد |
أنا له كالذي تمنى | عبد نعم عبده وأزيد |
له علي امتثال أمر | ولي عليه الجفاء والصد |
إن بسملت عينه لقتلي | صلى فؤادي على محمد |
يا حسنه والحسن بعض صفاته | والسحر مقصور على حركاته |
بدر لو أن البدر قيل له اقترح | أملا لقال أكون من هالاته |
يعطي ارتياح الغصن غصنا أملدا | خجل الصباح فكان من زهراته |
والخال ينقط في صحيفة خده | ما خط حبر الصدغ من نوناته |
وإذا هلال الأفق قابل وجهه | أبصرته كالشكل في مرآته |
عبثت بقلب عميده لحظاته | يا رب لا تعتب على لحظاته |
ركب المآثم في انتهاب نفوسنا | فالله يجعلهن من حسناته |
ما زلت أخطب للزمان وصاله | حتى دنا والبعد من عاداته |
فغفرت ذنب الدهر فيه لليلة | سترت على ما كان من زلاته |
غفل الرقيب فنلت منه نظرة | يا ليته لو دام في غفلاته |
ضاجعته والليل يذكي تحته | نارين من نفسي ومن وجناته |
بتنا نشعشع والعفاف نديمنا | خمرين من عذلي ومن كلماته |
فضممته ضم البخيل لماله | أحنو عليه من جميع جهاته |
أوثقته في ساعدي لأنه | ظبي خشيت عليه من فلتاته |
والقلب يدعو أن يصير ساعدا | ليفوز بالآمال من ضماته |
حتى إذا هام الكرى بجفونه | وامتد في عضدي طوع سباته |
عزم الغرام علي في تقبيله | فنقضت أيدي الطوع من عزماته |
وأبى عفافي أن يقبل ثغره | والقلب مطوي على جمراته |
فاعجب لملتهب الجوانح غلة | يشكو الظما والماء في لهواته |
والسرحة الغناء قد قبضت بها | كف النسيم على لواء أخضر |
وكأن شكل الغيم منخل فضة | يرمي على الآفاق رطب الجوهر |
وكأنما أغصانها أجيادها | قد قلدت بلآلئ الأنوار |
ما جاءها نفس الصبا مستجديا | إلا رمت بدراهم الأزهار |
وشادن ذي غنج دله | يروقنا طورا وطورا يروع |
يقذف بالنارنج في بركة | كلاطخ بالدم سرد الدروع |
كأنما أكباد عشاقه | يتلفها في لج بحر الدموع |
أولع من طرفه بحتفي | هل يعجب السيف للقتيل |
تهيبوا بالحسام قتلي | فاخترعوا دعوة الرحيل |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0
صفوان بن ادريس بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى التجببي، أبو
بحر: كان أديبا كاتبا شاعرا سريع الخاطر، أخذ عن أبيه والقاضي ابن ادريس وابن غلبون وأبي الوليد ابن رشد، وهو أحد أفاضل الأدباء المعاصرين بالأندلس، ولد سنة ستين وخمسمائة وتوفي بمرسية سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ولم يبلغ الأربعين. وله تصانيف منها كتاب زاد المسافر. ورحلته. وكتاب العجالة مجلدان يتضمنان طرفا من نثره ونظمه. وديوان شعر.
ومن شعره:
قد كان لي قلب فلما فارقوا | سوى جناحا للغرام وطارا |
وجرت سحاب للدموع فأوقدت | بين الجوانح لوعة وأوارا |
ومن العجائب أن فيض مدامعي | ماء ويثمر في ضلوعي نارا |
تحية الله وطيب السلام | على رسول الله خير الانام |
على الذي فتح باب الهدى | وقال للناس ادخلوا بالسلام |
بدر الهدى سحب الندى والجدا | وما عسى أن يتناهى الكلام |
تحية تهزأ أنفاسها | بالمسك لا أرضى بمسك الختام |
تخصه مني ولا تنثني | عن آله الصيد السراة الكرام |
وقدرهم أرفع لكنني | لم ألف أعلى لفظة من كرام |
احمى الهوى قلبه وأوقد | فهو على أن يموت أوقد |
وقال عنه العذول سال | قلده الله ما تقلد |
وباللوى شادن عليه | جيد غزال ووجه فرقد |
أسكره ريقه بخمر | حتى انثنى قده وعربد |
لا تعجبوا لانهزام صبري | فجيش أجفانه مؤيد |
أنا له كالذي تمنى | عبد نعم عبده وأزيد |
له علي امتثال أمر | ولي عليه الجفاء والصد |
إن سلمت عينه لقتلي | صلى فؤادي على محمد |
يا قمرا مطلعه أضلعي | له سواد القلب فيها غسق |
وربما استوقد نار الهوى | فناب فيها لونها عن شفق |
ملكتني بدولة من صبا | وصدتني بشرك من حدق |
عندي من حبك ما لو سرت | في البحر منه شعلة لاحترق |
يقولون لي لما ركبت بطالتي | ركوب فتى جم الغواية معتدي |
أعندك ما ترجو الخلاص به غدا | فقلت: نعم، عندي شفاعة أحمد |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1148
صفوان بن إدريس
يكنى أبا البحر. أصله من مدينة مرسية. واجتاز على مالقة، وأقام بها مدة، وأخذ عنه بها من شعره كثير. ثم انتقل إلى مراكش فأقام بها مدة. وهذا المذكور من فحول شعراء الأندلس وأدبائها، شاعر مفلق وكاتب بارع، تضرب ببراعة كتبه الأمثال. وله رسائل عجيبة ومقامات غريبة، وأشعار رائقة. نقلت من خط أبي عمرو بن سالم قال: أنشدني أبو البحر صفوان لنفسه بمالقة عند توجّهه إلى الحضرة من شعره: [كامل]
يا حسنه والحسن بعض صفاته | والسّحر مقصور على حركاته |
بدر لو انّ البدر قيل له اقترح | أملا، لقال: أكون من هالاته |
عبثت بقلب محبّه لحظاته | يا ربّ لا تعتب على لحظاته |
ركب المآثم في انتهاب نفوسنا | فالله يجعلهنّ من حسناته |
يعطي ارتياح الحسن غصنا أملدا | حمل الصّباح فكان من زهراته |
والخال ينقط في صحيفة خدّه | ما خطّ حبر الصّدغ من نوناته |
وإذا هلال الأفق قابل خدّه | أبصرته كالشّكل في مرآته |
ما زلت أخطب للزّمان وصاله | حتّى دنا، والبعد من عاداته |
فغفرت ذنب الدّهر فيه لليلة | سترت على ما كان من زلاّته |
غفل الزّمان فنلت منها بدره | يا ليته لو دام في غفلاته |
ضاجعته واللّيل يذكي تحته | نارين من نفسي ومن وجناته |
بتنا نشعشع والعفاف نديمنا | خمرين من غزلي ومن كلماته |
وضممته ضمّ البخيل لماله | أحنو عليه من جميع جهاته |
أو ثقته في ساعديّ لأنّه | ظبي خشيت عليه من فلتاته |
والقلب يدعو أن يصيّر ساعدا | ليفوز بالآمال في ضمّاته |
حتّى إذا همّ الكرى بجفونه | وامتدّ في عضديّ طوع سناته |
عزم الغرام عليّ في تقبيله | فنهضت أبدي الطّوع من عزماته |
وأبى عفافي أن يقبّل ثغره | والقلب مطويّ على جمراته |
فاعجب لملتهب الجوانح غلّة | يشكو الظّما والماء في لهواته |
سأنفث والمصدور لا شكّ نافث | وأسمع إن أصغت إليّ الحوادث |
وكم وقفت لي بالمعاتب مثلها | على حين لا شيء على الصّبر باعث |
فهل سحر هاروت، يقي (لملمّة) | فروعي مميت، والتّوهّم باحث |
خليليّ من سكّان بابل حدّثا | فإنّ الخليل للخليل محادث |
هل السّحر باق مثل ما قد عهدته | أم اتّفقت بعدي أمور حوادث |
وما عند هاروت وماروت فانظرا | أعلمهما في ذلك الغار لابث |
وإلاّ فشعر قد أعارته عينها | فإنّ ابن مرج الكحل بالسّحر نافث |
أما والذي أعطاه في الشّعر غاية | أماني ابن حجر عن مداها روائث |
وقال أليس الحسن ذلك طبعه | وأنّك فيه من محلّ لماكث |
لقد راع سربي أن عناني بقوله | تغيّر لي فيمن تغيّر حارث |
فمن بعد هذا القول لست بجانح | إلى مكسب إذ مكسبي هو حارث |
ووجّهتها غرّاء علّ قرينه | يصيخ، وبي فكّ القديم الكثاكث |
كأنّ بياض الطّرس سام كرامة | وأسوده حام، فمن هو يافث |
وفي حرم الإخلاص ودّك عندنا | وقد منعت عنّا هناك الرّوافث |
وسوق ودادي نفّقت كاسد الوفا | وقد كسدت فيها المساعي الرّثائث |
متى رمت بي نصرا تجبك ثلاثة | لساني وودّي والسّريجيّ ثالث |
أعادتك من ذكر الأحبّة أشجان | فقلبك خفّاق ودمعك هتّان |
تحنّ على شحط المزار إليهم | ومن دون لقياهم قفار وبلدان |
خليليّ ما في الأرض صفو مودّة | إذا لم يكن يصفي المودّة صفوان |
رماني بزور وهو بالحقّ عالم | وكلّ كلام الشّرّ زور وبهتان |
نطقت فأفحمت العراق بلاغة | وأخرست ما تحوي السّراة خراسان |
ولو سمعت سمعا عكاظ بلاغتي | لما جرّر الأذيال في الدّهر سحبان |
ولو كنت في جيل الأوائل لم يكن | ليذكر بالإحسان في الشّعر حسّان |
سل البان عنهم كيف بعدهم البان | أشاقوه إذ ساروا، وراعوه إذ بانوا |
ألم يتعاط دون بان قضيبه | فتلك القدود الهيف في العين إخوان / |
فما بالها لم تدن شوقا إليهم | ولم تنقدح فيها من الوجد نيران |
إليها فلا انجرّت ذيول ظلالها | ولا أشبت منها المعاطف أغصان |
فإن حكموا أنّ القدود ذوابل | فشاهدهم أنّ النّواظر خرصان |
وإن أجمعوا أنّ الخدود أزاهر | فحجّتهم أنّ المعاطف أفنان |
خليليّ عوجا وانظرا وتبيّنا | ولا تكسلا، لن يبلغ المجد كسلان |
أهدّي الذي تهدي الرّياح سلامهم | فإنّي أرى للرّيح عرفا له شان |
لعلّهم قد أودعوها شذاهم | ليرتاع مشتاق ويهتزّ هيمان |
وإلاّ فقولا أنتما قول منصف | أطبع نسيم الرّيح روح وريحان |
أقول لقلبي حين أشعر غدرهم | ثكلت، أترضى أن تخون كما خانوا |
ولا غرو أنّي كنت للعهد حافظا | وكلّهم عند الشّدائد خوّان |
فعن حكمة ما يخزن النّار مالك | ويخزن دار الخلد والفوز رضوان |
ولا كابن مرج الكحل علق مضنّة | تشدّ عليها للشّدائد أيمان |
وما راعني من ودّه، غير أنّه | يغيّره قوم كدهري ألوان |
أقول له لمّا أصاخ لقولهم: | أمن نفحات الرّيح يهتزّ ثهلان |
لعمري وما عمري بحلفة فاجر | ولكنّها برّ وصدق وأيمان |
لقد علّمتني كيف تصفو مودّتي | «أعادتك من ذكر الأحبّة أشجان» |
صدقت، إذا لم يصف صفوان ودّه | فليس بصافي الودّ في النّاس إنسان |
هل النّون في صفوان إلاّ مزيدة | من الصّفو والإخلاص يستبن صفوان |
شهدت يقينا أنّ فكرك آية | يؤيّدها من معجزاتك برهان |
فلا تجعلنّي من بني الدّهر إنّهم | لنعلي - على أنّي تسامحت - عبدان |
ولا كلّ من يدعى فتى هو مالك | ولا كلّ من فوق البسيطة سعدان |
ألست الذي ارتجّ العراق لذكره | كما ارتجّ إذ لاقت جيادي صنعان |
وكم كلفت مصر بنشر مآثري | وقامت على ساق لذكري بغدان |
لي الكلم العذب الذي (لو) بذلته | لطالبه ما استعمل الماء صديان |
من الكلم الرّطب الذي لو أبحته | لزيّف عقيان وبهرج مرجان / |
كلام إذا أرسلته قال بعضهم | لبعض: أعنّي الآن عمري لقمان |
وإنّي لماضي المضربين وحاملي | جبان ولكن في (المجامع) سحبان |
جردت حساما في يد الدّهر لو درى | لساد به، لكنّما الجهل حرمان |
ولو أنّ إنساني يسرّ مودّتي | لما انطبقت من فوقه لي أجفان |
الضّبّ والنّون قد يرجى اتّفاقهما | وليس يرجى التقاء اللّبّ والذّهب |
دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط - المغرب-ط 1( 1999) , ج: 1- ص: 213
ابن إدريس
أبو بحر صفوان بن إدريس التُّجيبي، من أهل مرسية وفي نبيهات البيوتات بها. وهو ممن جمع تجويد الشعر إلى تحبير النثر، مع سداد المقصد وسلامة المعتقد. ومن تصانيفه كتاب “بداهة المُتحفز وعجالة المستوفز” يشتمل على رسائله وأشعاره، وما خوطب به وراجع عنه، و “زاد المسافر” - وهو الَّذي عارضته بهذا المجموع - وتأليف في أدباء الأندلس لم يُكمله، ومن أصحابنا من عثر على بعضه فحدَّث بكثرة ما حُشر فيه من الفوائد.
وتوفي مُعتبطاً لم يبلغ الأربعين سنة، وثكله أبوه الخطيب أبو يحيى، وهو تولَّى الصلاة عليه عند وفاته في شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
أنشدني الأديب أبو محمد عبد الله بن علي الغافقي المرسي، قال: أنشدني أبو البحر لنفسه:
أَحمى الهوَى قلبه وأوْقَدْ | فَهْو على أنْ يموت أو قَدْ |
وقال عنه العذولُ سالٍ | قلَّده اللهُ ما تقلَّد |
وباللِّوى شادنٌ عليه | جيدُ غزالٍ ووجهُ فَرْقد |
علّله ريقُه بخَمر | حين انتشى طرفُه فَعَرْبد |
لا تَعجبوا لانهزام صَبري | فَجيش أَجفانه مُؤيَّد |
أنا له كالَّذي تمنَّى | عبدٌ نعم عبدُه وأَزيد |
له عليَّ امتثالُ أمرٍ | ولي عليه الجفاءُ والصَّدّْ |
إن بَسْملت عينُه لقَتْلي | صلَّى فُؤادي على محمَّدْ |
يا حُسنه والحسنُ بعضُ صفاتِهِ | والسِّحر مقصورٌ على حركاتِهِ |
بدراً لوَ انَّ البدرَ قيل له اقترحْ | أملاً لقال أكونُ مِن هالاتهِ |
يُعطي ارتياحَ الحسن غصنٌ أملد | حَمَل الصَّباح فكان من زَهَراتهِ |
والخالُ ينقُط في صَحيفة خدِّه | ما خطَّ مسك الصُّدغ من نُوناتهِ |
وإذا هلالُ الأُفق قابلَ وجهه | أبصرتَه كالشَّخص في مرآتهِ |
عَبثت بقلبِ عَمِيده لحظاتُهُ | يا ربِّ لا تَعْتب على لَحظاته |
رَكب المآثم في انتهاب نُفوسنا | فالله يَجعلهنَّ من حَسناتهِ |
ما زلتُ أخطُب للزمانِ وِصالَه | حتَّى دنا والبعدُ من عاداتهِ |
فغفرتُ ذنبَ الدَّهر فيه لليلةٍ | سَترت على ما كانَ من زَلاَّتهِ |
غَفل الزَّمان فنِلْت منه نظرةً | يا ليته لو دام في غَفَلاتهِ |
ضاجعتُه واللَّيلُ يُذكي تحته | نارَيْن من نفسي ومن وَجناتهِ |
بِتنا نُشعشع والعفافُ نديمُنا | خمرَيْن من غَزَلي ومن كلماتهِ |
فضممتُه ضمَّ البَخيل لمالِهِ | أحنُو عليه من جَميع جهاتهِ |
أوثقتُه في ساعديَّ لأنه | ظبيٌ خَشيتُ عليه من فَلتاتهِ |
والقلبُ يدعو أن يُصيَّر ساعداً | ليفوز بالآمال في ضمَّاتهِ |
حتَّى إذا هامَ الكرَى بجفونِهِ | وامتدَّ في عَضُديَّ طَوْعَ سِناته |
عَزم الغرامُ عليَّ في تَقبيله | فنفضتُ أيدي الطَّوْعِ من عَزماته |
وأبى عفافي أن أقبِّلَ ثَغره | والقلبُ مَطويٌّ على جَمَراتهِ |
فاعجبْ لمُلْتَهِب الجوانح غُلَّةً | يشكو الظَّما والماءُ في لَهَواتهِ |
بأَبي غزالٌ غازلتْهُ مُقلتي | بين العُذيبِ وبين شَطَّي بارقِ |
أَعِذاره رفْقاً عليه فقد | صَدر الصِّبا غضبانَ عنك أسِفْ |
كيف انبريتَ لنُون وَجنته | فمحوتَها وكتبت لامَ ألِفْ |
فكأنَّها نهيٌ لعاشقه | لا تلتفتْ بدرٌ جَنى فكُسِفْ |
ومُعَنْدم الوَجنات تَحسب أنَّه | صُبغتْ بُرود الوَرد في وَجناتِهِ |
مَثلَ الجمالُ بخدِّه مُتنبِّئاً | فشهِدْت أنَّ الخالَ من آياتِهِ |
نظرتْ إليه أختُهُ شمسُ الضُّحى | وإياتُها في النُّور دون إياتِهِ |
فتوقَّدت أحشاؤها من زَفرة | فبدا شعاعُ النَّار في مرآتِهِ |
قُلنا وقد شامَ الحُسامَ مُخوِّفاً | رشأٌ بعاديةِ الضَّراغم عابثُ |
هل سيفُهُ من طَرفه أم طَرفُه | من سَيفِهِ أم ذاك طرفٌ ثالثُ |
وشادنٍ ذي غَنَجٍ دلُّه | يروقنا طوراً وطوراً يَروعْ |
يَقذف بالنَّارنج في بِركةٍ | كلاطخٍ بالدَّم سَرْدَ الدُّروعْ |
كأنَّها أكبادُ عُشَّاقِهِ | يُتلفها في لُجّ بحرِ الدُّموعْ |
رُبَّ نارنجةٍ تأمَّلتُ منها | منظراً رائعاً ونَشْأً غريبا |
نشأتْ في القَضيب وهي رَمادٌ | فغذَاها الحيا فعادت لهيبا |
حيّتك ضاحكةً بُنيَّةُ أيكةٍ | تهفُو تحيتها بعِطْفِ النَّادي |
لمَّا درتْ أنْ سوف تَثكل أُمَّها | لبست بحُكم الفَقد ثوبَ حدادِ |
تنشقُّ عن لُمَع البياضِ كأنَّها | قَلبي تبسَّمَ عن ثُغور وِدادي |
وصاحبٍ ليَ لا كانتْ طبائعُهُ | كأنَّها سحبٌ بالسَّرْط مُنهمرَهْ |
إذا أحسَّ بمأكولٍ تُقدِّمه | يكاد يسبقُ فيه حلقُهُ بصرَهْ |
كأنَّ فاه عصا مُوسى إذا انقلبتْ | وما تُقدّمه إفكٌ من السَّحرَهْ |
بَيني وبين أبي جَمرةٍ | عداوةُ الماء مع النَّارِ |
لو أنَّه كانَ جُزءَ فِقْهٍ | لما عدا جامع العُيوب |
حَلَّيتمُ زمناً لولا اعتدالكُمُ | في حكمكمْ لم يكنْ في الحكم يعتدلُ |
فإنَّما أنتمُ في أنفه شَمَمٌ | وإنَّما أنتمُ في طرفِهِ كَحَلُ |
يرى اعتناقَ العوالي في الوغى غزلاً | لأن خرصانها من فوقها مُقَلُ |
سرُّ النَّوى في ضمير كتماني | إن لم تنافقْ عليَّ أجفاني |
أبلى لقلبي وليس في بدني | ربَّ طليقٍ يشقَى به العاني |
والسرحةُ الغناءُ قد قبضتْ بها | كفُّ النسيم على لواءٍ أخضرِ |
وكأنَّ شكلَ الغيم مُنْخُلُ فضَّةٍ | يرمي على الآفاقِ رَطْبَ الجوهرِ |
وكأنَّما أغصانها أجيادها | قد قُلِّدتْ بلآلئِ الأنْوارِ |
ما جاءها نَفَسُ الصّبا مستجدياً | إلاَّ رَمَتْ بدراهمِ الأزهارِ |
أُولعَ من طرفه بحتفي | هل يعجبُ السَّيفُ للقتيلِ |
تهيبوا بالحسامِ قتلي | فاخترعوا دعوةَ الرحيلِ |
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 119