التصنيفات

عبد الرحمن البهلول عبد الرحمن بن محمد بن علي الشهير بالبهلول النحلاوي الشافعي الدمشقي الشيخ الأديب الشاعر اللغوي البارع اللوذعي النبيل النبيه الفائق بتواريخه وآدابه على أقرانه كان من الأدباء المشاهير يتعانى النظم وله فيه اليد الطولى خصوصا فن التاريخ فإنه انفرد به في وقته مع معرفته بالعلوم خصوصا باللغة والشعر والتاريخ والأدب قراء واشتغل على جماعة من شيوخ دمشق الأجلاء وقرأ وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وامتدحه بقصيدة وكان بالتاريخ أوحد وقته لكنه ممن رماه دهره بمصائبه حتى أخبرني بعض الأصحاب إنه حج لبيت الله الحرام ماشيا على قدميه ذهابا وإيابا مستخدما عند بعض الجمالين ولم يوجد له أحد يركبه أو يسعفه بشيء وهو لم يجد شيأ معه ليكتفي به عن غيره وكان يتردد إلى والدي والوالد كان يكرمه وبوده وله فيه المدائح الحسنة وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه أحد شعراء دمشق وروضها الأريج النشق نشأ في الطلب فأدرك منه شمه وبيض في افتائه عارضا ولو هو ينسج في المنوال ويحوك ويفحص بمقالته على يوم ضحوك فلم تعن عليه الأيام ولم نزده على ما به منها غير الهيام فقنع بالعيش الكفاف وتقنع بفضل العفاف وجعل الأدب له دأبا فأدركته حرفته وأكثرت من تأفف المتضجر شفته واخترع من بديعه ما شيد بيته ولم يشنه من قادح لوه وليته فحاز الرتبة فيه وأجاد برصفه وتقفيه فكم له من غادة مقصوره على الاجادة والاستحسان مقصورة توشحت بكل تاريخ كعقد الجمان جدير بأن ينشد في حقه حلف الزمان تؤسي به جراح البطالة ويزري باد مع المزن الهطالة وسأقيم لك أقوم برهان وأثبته بما هو صيقل الفكر وأرهاف الأذهان فمن مطولاته المتقلدة بالتواريخ العجيبة التي دعا اليها القوافي فتبادرت اليها مجيبه قصيدته التي مدح بها صاحب الفيض القدسي العارف بالله تعالى عبد الغني النابلسي وصدرها بنثر وهو قوله متع الله الوجود بجناب جمال درة اكليل تاج المحققين وواسطة عقد المدققين وبهجة غرة عتيدة الواثقين من سما إلى سماء أسرار حقيقة حق اليقين انسان عين دوح البلاغة ومقليد البراعة من تتحلى بحسن وصفه الطروس وتحت شوقا إلى طيب ذكراه البراعة من حل ذرى المجد وهو في بحبوحة الآداب وأوتي الحكمة وفصل الخطاب شمس أفضال ترقرقت من سماء المعارف وكعبة اجلال أشرقت بسناء العوارف

أكرم به من حبر على لطف شيمه انعقدت الخناصر وأذعنت لجلال قدره الأنام وأذعنت بأن هذا الشهاب الأوحد قد بزغ من أطيب العناصر فلا غرو أن يملك بيديه أزمة الفضائل والمفاخر فقد ساد بسؤدده الأوائل والأواخر كيف لا وهو منهج الأحكام الدينية ومورد العلوم اللدنية فتراه حيث أخذ يرتع في رياض أنسه وآدابه ويجلو عرائس أبكار أفكاره على أحبابه وطلابه أن يقل نثرا يخلب الأسماع بما يفحم به اليلمع العروف أو يقرض شعرا يسحر العقول بما يذعن لبلاغته كل معمع يهفوف إلى حسن محاضرة تأخذ بمجامع القلوب وطيب مطارحة تفصح عن كل مأمول ومطلوب نشر أردية علوم الحقيقة بعد طيها فدانت لأفانين علومه بلغاء العجم وفصحاء العرب باحياء كتب الامام الأكبر بحل طيها ولقد شرح الصدور وزحزح الكدور بشرح بديع خلعة سنية وضعها على منن الفصوص فيالها حلة غراء كللت بجواهر الأدلة القطعية والنصوص إن هو الأوحى بوحي منزل من فلك بوحي
ولما لزم باب الافتقار والعبودية لمولاه الغنى نال بذلك الافتخار والمقام الأقدس السني سيدي ومولاي المشار إليه من جعل الله مقاليد الكمال والسيادة طوع يديه وبعد فقد تجاوز القاصر حده وتعداه بالهجوم على جناب ذي الفخر والجاه ولكن توقع الصفح الجميل حملتي على مدح هذا السيد الجليل بسجعات معتله ولفظات مختله وقصيدة هي وإن كانت عن منظومات فحول البلغاء بمعزل لكنها بمحاسن أوصافكم تفضل ذكرى حبيب ومنزل طابت بكم القريحة السليمة بابراز هذه الدرة اليتيمة فجاءت بحمد الله منقحة مهذبة عربا تتباهى بكم وتفتخر عجبا وتسمو على كل ناظم شرقا وغربا فيا حسنها منظومة لم ينسج على منوالها ولم تسمح قريحة بمثالها قد افتر ثغر البلاغة عن حسن معانيها وانبش ماء الفصاحة بطلاوة مبانيها
قد افتتحت أوائل أبياتها بحروف أحاطت بها احاطة الوضح بكعب كعوب ومتى جمعت تلك الأحرف وركبت كلمات صارت بيتين كالفرقدين يترنم بهما كل طروب سيما وقد اشتمل كل بيت منهما على أربع تواريخ نضيرة كأنهن مصابيح منيرة وقد ختما باسمكم الشريف البهي البهج المنيف وهذان البيتان المشار اليهما فاسبل ثوب الستر عليهما وهما
فحروف البيت الأول من هذين البيتين ثمانية وأربعون حرفا كل حرف مبدأ بيت غزل من القصيدة مما راق وطاب وتقر بسماعه أعين أولي الافهام والألباب والبيت لثاني أحد وأربعون حرفا كل حرف على افتتاح بيت مدح بأوصافكم السنية بما هو أرق من مساجلة ذوي الآداب وأطيب نفحا من عرف الرضاب وأعذب من ارتشافه للمعشوق المصاب وأشهى إلى النفوس من اعتناق الأحباب
فاليكها عروسا أرق من نسمات السحر والسحر الحلال وألطف من صفاء الورد وصافي الزلال ليس مهرها الا الأعضاء وحسن القبول ولعمري إن هذا لهو غاية السؤل والمأمول ولم تكمل لها هذه الأوصاف الحسني الا بتضمنها مديحكم الأسنى وعذرا مولاي لقاصر عن درجة التمييز ونصرا لمن جعله أهل فنه أنكر من الحال والتمييز ولكن بعز جنابك غدوت أعرف من العلم وأشهر من نار على رأس علم ولا يعرف الفضل الا ذووه ولا يغتدي بلبانه الا بنوه وهذه هي القصيدة الميمونة الغرا المنتظمة في سلك قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا انتهى وهي قصيدة لم تسمح بها قريحة شاعر ولم تر مثلها مقلة ناظر احتوت على كل بيت بتاريخين ولولا خوف تحريف الكتاب لذكرتها برمتها لكن حذرا من تغير الأبيات بالألفاظ تتغير حساب الأعداد من التواريخ فيذهب رونقها والا فهي جديرة بأن تتوشح بها الأوراق وتنتظم بعقود فرائدها النظيمة العجيبة الاتساق ومن شعر المترجم قوله ممتدحا ومهنيا والدي بقصيدة مطلعها
وله يمدح والدي أيضا بقصيدة مهنيا حين عاد من الحج ومطلعها
منها
وله ممتدحا أحد صدور الأعيان السيد فتح الله الفلاقنسي الدفتري بدمشق حين عوده من الديار الرومية
منها
وللمترجم قوله
وله مشطرا أبيات المنازي بقوله
وله مخمسا
#كسقط طل على الزهر الرياض هما
#لما استحس لها من وطئها الما
تقفو النسيم لعافت نحوه شيما
#رقصا على الماء ما ندى لها قدما وله مخمسا أيضا
#فيها البلاغ لمن يصغي فيعتبر
#وفي مطايا الليالي للورى عبر وله
ومن ذلك قول الشيخ محمد الشمعة
وقول الأديب محمد بن عمر العرضي الحلبي
ومن ذلك قول المولى فضل الله العمادي الدمشقي من أبيات
ومثله للسيد أبي بكر ابن النقيب الحلبي
ولأبن سيناء الملك فيما يشبه هذا التشبيه وإن لم يكن منه وهو قوله
ومما رأيته في هذا المعنى قول ابن الشواء
وللمترجم
وله غير ذلك وكانت وفاته في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.

  • دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 2- ص: 310