ابن قاضي حماة عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الانصاري الاوسي، المعروف بابن قاضي حماة: شاعر، فقيه. ولد في دمشق وسكن حماة. كان صدرا كبيرا نبيلا فصيحا، جيد الشعر، له مجلد كبير في (لزوم ما لايلزم).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 25
ابن الرفاء عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف، الإمام العلامة الأديب الشاعر شيخ الشيوخ شرف الدين أبو محمد ابن القاضي أبي عبد الله الأنصاري الأوسي الدمشقي ثم الحموي الشافعي الصاحب، ابن قاضي حماة ويعرف بابن الرفاء. ولد سنة ست وثمانين وخمس مائة بدمشق، وتوفي سنة اثنتين وستين وست مائة.
ورحل به والده وسمعه جزء ابن عرفة من ابن كليب، والمسند كله من عبد الله بن أبي المجد الحربي، وحدث بالجزء نحوا من ستين مرة بدمشق وحماه وبعلبك ومصر، وروى المسند غير مرة، قرأه عليه الشيخ شرف الدين الفزاري وغيره. وقرأ الكثير من كتب الأدب على الكندي، وسمع من جماعة، وبرع في العلم والأدب، وكان من الأذكياء المعدودين وله محفوظات كثيرة، وسكن بعلبك مدة وسمع بها من البهاء عبد الرحمن وحدث معه، وسكن دمشق مدة، ثم سكن حماه، وكان صدرا كبيرا نبيلا معظما وافر الحرمة كبير القدر، روى عنه الدمياطي وأبو الحسين وأبو العباس ابن الظاهري وقاض القضاة بدر الدين ابن جماعة، وجماعة كثيرة.
قال الشيخ شمس الدين: قرأت له عدة قصائد على تاج الدين عبد الخالق، قرأها عليه. قلت: لا أعرف في شعراء الشام من بعد الخمس مائة وقبلها من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا أصنع ولا أسرى ولا أكثر، فإن له لزوم ما لا يلزم مجلد كبير، وما رأيت له شيئا إلا وعلقته لما فيه من النكت والتوريات القاعدة والقوافي المتمكنة والتركيب العذب واللفظ الفصيح والمعنى البليغ، فمن ذلك قوله:
غدوت فكنت شمسي في صباحي | ورحت فكنت بدري في مسائي |
وجدتك إذ عدمت وجود نفسي | فأهلا بالفراق وباللقاء |
وإن أغفيت كان عليك وقفي | أو استيقظت كان بك ابتدائي |
فيا سعدي إذا ما دام سكري | علي وإن صحوت فيا شقائي |
وقلت لصاحبي لما لحاني | :عليك بما عناك ولي عنائي |
أصمك سوء فهمي عن خطابي | وأعماك الضلال عن اهتدائي |
وهنت فكنت في عيني صبيا | أخاطبه بألفاظ الهجاء |
فلو أصبحت ذا حاء وسين | لما عنفت في حاء وباء |
قرأت خط عذاريه فأطمعني | بواو عطف ووصل منه عن كثب |
وأعربت لي نون الصدغ معجمة | بالحال عن نجح مقصودي وعن طلبي |
حتى رنا فسبت قلبي لواحظه | والسيف أصدق أنباء من الكتب |
حيث ترامت بي الجهات | فلي إلى وجهك التفات |
جيراننا باللوى أجيروا | ولها أودى به الشتات |
إليكم هجرتي وقصدي | وفيكم الموت والحياة |
أمنت أن توحشوا فؤادي | فآنسوا مقلتي ولا تو |
راح هويت صريحها | فمنحت ماء المزن مقتا |
إن التي ناولتني | فرددتها قلت قتلتا |
بروحي من سمحت له بروحي | وأصبح خائني فيه نصيحي |
وعز علي عزلي في هواه | وهان علي مأثور القبيح |
فقلت لصاحبي قفا فإني | جريت مع الهوى طلق الجموح |
وفرق بين أقراني وبيني | قران النغم بالوتر الفصيح |
فقاطع من يصدك عن سرور | وصل بعرى الغبوق عرى الصبوح |
نفحات معنبرة | من رياض محبره |
وغمام معربد | ببروق مزمجره |
ترك الروض ناضرا | بعيون مخضره |
كبد تلتظي وجفن غريق | هكذا هكذا يكون المشوق |
نفسوا عن خنق نفس كئيب | كلفت بالغرام ما لا يطيق |
ما لنا في الهوى حقوق عليكم | بل لكم سادتي علينا الحقوق |
مثلكم في جمالكم ليس يلقى | وعرامي بغيركم لا يليق |
عقني لؤلؤ المدامع فيكم | ووفى لي دمع حكاه العقيق |
فبعيني أفدي سيوف جفوني | لدمى من جفون عيني تريق |
يا حبيبا له بصدري وداد | رحب صدر الفضاء عنه يضيق |
دق مغناي فيك مذ كنت طفلا | لست أدري بكم يباع الدقيق |
إنني رب غلظة لعذولي | ولداعي هواك عبد رقيق |
بهرت منك مقلتي عين شمس | يتهادى بها قضيب وريق |
فبتعريق حاجبيك افتتاني | كلما ماس قدك الممشوق |
وبتعليق ذا العذار اشتغال | عن دروسي والضرب والتعليق |
أفنيت عمري في دهر مكاسبه | تطيع أهواءها فينا وتعصينا |
تسعا وعشرين مد الدهر شقتها | حتى توهمتها عشرا وتسعين |
أكملت ستا وأربعين بها | أحلت همومي من راحتي ربعي |
وجزت في السبع خائفا وجلا | كأنني جائز على السبع |
مررت وبدره في عقربيه | فصد فبان لي صدق النجامه |
فديتك لو رأيت لهيب قلبي | إذا لرحمت دمعي وانسجامه |
وخدك في العذار بديع حسن | وأحسن منه ساقك في الحجامه |
ضحك العواذل إذ بكيتك | فشغلتني عنهم فديتك |
لا مات من يلحى عليـ | ـك وعاش عيشي إذ نأيتك |
أطمعتني بلطيف وعـ | ـدك في وصالك فافتضيتك |
وأردت قتلي بالبعا | د فقال صدك قد كفيتك |
ونزلت قلبي فاحتكم | فيه فإن البيت بيتك |
غرامي فيك لا يحصى | بميزان ولا كيل |
وأما دمع أجفاني | فلا تسأل عن السيل |
وما أنسى فلا تنسى | مراحي ساحبا ذيلي |
واجلابي على اللذا | ت بالرجل وبالخيل |
من الليل إلى الليل | إلى الليل إلى الليل |
عد عن عذلي وبسك | إن ناري لن تمسك |
لو تلبست بحالي | لا زالت عنك لبسك |
قد ضرسنا منك فاقلع | من قبول اللوم ضرسك |
لا تلمني في حبيب | لو تراه لمت نفسك |
سيدي مأتم صبري | قاتم هنيت عرسك |
لست أنساك فلا يعـ | ـدم فؤادي منك أنسك |
ست عيون من تأتت له | كانت له شافية كافيه |
العلم والعلياء والعفو والـ | ـعزة والعفة والعافية |
لا تكبروا وجدي بطفل فقد | تم له الحسن على صغره |
يحسدني الملك المنيع الحمى | لأنني وال على ثغره |
النذل مفروض له يسره | والحر بالإقتار مرفوض |
كذلك المنقوص لم ينخفض | وأكمل الأسماء مخفوض |
سألته من ريقه شربة | أطفي بها من ظمأي حره |
فقال أخشى يا شديد الظمـ | ـا أن تتبع الشربة بالجره |
إن قوما يلحون في حب سعدى | لا يكادون يفقهون حديثا |
سمعوا أوصافها ولاموا عليها | أخذوا طيبا وأعطوا خبيثا |
يا غزالا من سرب عبد المدان | ليس لي بالصدود منك يدان |
بعتك الروح بيعة لزمتني | فعلام الفراق بالأبدان |
زعموا أنني هويت سواكم | كذبوا ما عرفت إلا هواكم |
قد علمتم بصدق مرسل دمعي | فسلوه إن كان قلبي سلاكم |
قال لي عذلي متى تبصر الرشـ | ـد وتسلو فقلت يوم عماكم |
حاولوا سلوتي بلومي فأغرو | ني فمن ذا بصدكم أغراكم |
صدق الواصفون للبدر فيما | قد حكوه لكنه ما حكاكم |
لا تحيلوا قلبي على حسن صبري | أحسن الله في اصطباري عزاكم |
ما بان لي فيك جين | لو لم يبن لك حين |
يا جنتي كل هون | سوى تجنيك هين |
تديننا أبو عيد | وتنكر الوعد دين |
إن كان جفنك جفن | فإن عيني عين |
ومعرب اللفظ لي من نحوه أبدا | حذف وصرف وإعلان وتنكير |
فلحظه ساكن والقد منتصب | والقرط مرتفع والمرط مجرور |
لنا من ربة الخالين جاره | تواصل تارة وتصد تاره |
توانسني فتنفر من قريب | وتعرض ثم تقبل في الحراره |
وما لي في الغرام بها شبيبة | وليس لها نظير في النضاره |
وفي الوصف من كحل وكحل | حوت حسن البداوة والحضاره |
وقالوا قد خسرت الربح فيها | فقلت الربح في تلك الخساره |
بأيسر نظرة أسرت فؤادي | كما ينشا اللهيب من الشراره |
وقلت لها قفي إن لم تزوري | فقالت والوقوف من الزياره |
ودار على مزررها عناقي | فبت ومعصمي للبدر داره |
ويلاه من غمضي المشرد | فيك ومن دمعي المردد |
يا كامل الحسن ليس يطفي | ناري سوى ريقك المبرد |
يا بدر تم إذا تجلى | لم يبق عذرا لمن تجلد |
أبديت من حالي الموري | لما بدا خدك المورد |
رفقا بولهان مستهام | أقامه جده وأقعد |
مجتهد في رضاك عنه | وأنت في إثمه المقلد |
ليس له منزل بأرض | عنك ولا في السماء مصعد |
قيدته في الهوى فتمم | واكتب على قيده: مخلد |
بان الصبى عنه فالتصابي | إنشاء إطرابه فأنشد |
من لي بطفل حديث سحر | بابل عن ناظريه سند |
شتت عني نظام عقلي | شتيت ثغر له منضد |
لو اهتدى لائمي عليه | ناح على نفسه وعدد |
أكسبني نشوة بطرف | سكرت من خمره فعربد |
لا سهم لي في سديد رأي | يحرس من سهمه المسدد |
غصن نقى حل عقد صبري | بلين خصر يكاد يعقد |
فمن رأى ذلك الوشاح الـ | ـصائم صلى على محمد |
خير نبي نبيه قدر | عودي إلى المدح فيه أحمد |
ومرسل حمده شعاري | لأنه في المعاد أعود |
عقابه للطغاة مقص | وبابه للعفاة مقصد |
أن يحسدوه على علاه | فمثله في العلاء يحسد |
أبان نقص الجميع عنه | لما غدا في الكمال مفرد |
رد منه العدل ما تولى | كف من الجور ما تولد |
ألبسنا المجد فانتصرنا | بحد عضب له مجرد |
فالعيش من سيبه المهنى | والموت من سيفه المهند |
فكم عصى عليه شقي | وكم منيب إليه يسعد |
وكم شديد الضلال ممن | أشرك لما رآه وحد |
فلو رأته بلقيس أغنى | بهداه عن صرحها الممرد |
أشرف من في النهار ناجي | وخير من في الدجى تهجد |
لله كم كربة تجلت | به وكم مفخر تجدد |
وكم سفاه عليه أبدى | وكم صواب إليه أرشد |
وكم قطعنا إلى ذراه | من مهمه موحش وفدفد |
حتى وفدنا إلى ضريح | جنابه للوفود مشهد |
نأمن في ظله إذا ما | أبرق من كادنا وأرعد |
وغير بدع لمستجير | به إذا نال كل مقصد |
أقسمت ما خده القاني من الخجل | أرق من دمعي الجاري ولا غزلي |
يا عاذلي ليس مثلي من تخادعه | وليس مثلك مأمونا على عذلي |
ما دمت حلوا فلا تنفك متهما | أعشق وقولك مقبول علي ولي |
إن تدعني خاليا من لوعتي فلقد | أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل |
عاتبت إنسان عيني في تسرعه | فقال لي خلق الإنسان من عجل |
سألت سوارها المثري فنادى | فقير وشاحها الله يفتح |
لها طرف يقول: الحرب أولى | ولي قلب يقول: الصلح أصلح |
يا رب قد وجدت قبلي أبي | في هذه الدنيا بعشرينا |
فاجعله بعدي باقيا مثلها | وارحم محبا قال آمينا |
لا بل أموت وتحيى | في غبطة خير محيا |
حتى يصرف صرف الـ | ـزمان أمرا ونهيا |
لا بل أموت وتبقى | من الخطوب موقى |
ويرحم الله خلا | يقول آمين حقا |
وما عهدتك ممن | أراد برا فعقا |
أيها النجل الشفيق | كيف أخطاك الطريق |
راعني منك دعاء | لم يسع لي منه ريق |
قدك قد كلفت سمعي | منه ما ليس يطيق |
لم أخلك الدهر تلقا | ني بشيء لا يليق |
أعدو أنت أخبر | ني بصدق أم صديق |
مسني من شعرك البا | رد حر بل حريق |
ما له لفظ جليل | لا ولا معنى دقيق |
لم يضح لي منه إلا | مقه منك وموق |
اعف من برك هذا | فمن البر عقوق |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 18- ص: 0
عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف شيخ الشيوخ شرف الدين أبو محمد الحموي الأديب الماهر الشاعر المفلق
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق
وتفقه على جماعة وكان من أذكياء بني آدم
وسمع من ابن كليب ومن أبي اليمن الكندي وبه تأدب وأبي أحمد ابن سكينة ويحيى بن الربيع الفقيه وغيرهم
وبرع في الفقه والشعر وحدث كثيرا
روى عنه الدمياطي وأبو الحسين اليونيني وأبو العباس بن الظاهري وشيخنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وخلق
توفي في ثامن رمضان سنة اثنتين وستين وستمائة
أنشدنا قاضي القضاة بدر الدين في كتابه عنه فيما قاله من مستحسن شعره
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 8- ص: 258
وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الحموي
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 211
عبد العزيز ابن القاضي أبي عبد اللَّه محمد بن عبد المحسن.
العلامة شيخ الشيوخ شرف الدين أبو محمد الأنصاري الدمشقي الأديب الصاحب
ابن قاضي حماة، سمع ورحل وحدَّث، عنه الدمياطي وغيره، مات سنة اثنين وستين وستمائة.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1