الخليل بن أحمد الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن: من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، أخذه من الموسيقى وكان عارفاً بها. وهو أستاذ سيبويه النحوي. ولد ومات في البصرة، وعاش فقيراً صابراً. كان شعث الرأس، شاحب اللون، قشف الهيئة، متمزق الثياب، متقطع القدمين، مغموراً في الناس لا يعرف. قال النضر بن شميل: ما رأى الراؤون مثل الخليل وما رأى الخليل مثل نفسه. له كتاب (العين - خ) في اللغة و (معاني الحروف - خ) و (جملة آلات العرب - خ) و (تفسير حروف اللغة - خ) وكتاب (العروض) و (النقط والشكل) و (النغم). وفكر في ابتكار طريقة في الحساب تسهله على العامة، فدخل المسجد وهو يعمل فكره، فصدمته سارية وهو غافل، فكانت سبب موته. الفراهيدي نسبة إلى بطن من الأزد، وكذلك اليحمدي. وفي طبقات النحويين للزبيدي: كان يونس يقول الفرهودي (بضم الفاء) نسبة إلى حي من الأزد، ولم يسم أحد بأحمد بعد رسول الله (ص) قبل والد الخليل. وقال اللغوي، في مراتب النحويين: أبدع الخليل بدائع لم يسبق إليها، فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف في الكتاب المسمى بكتاب (العين) فإنه هو الذي رتب أبوابه، توفى قبل أن يحشوه. وقال ثعلب: إنما وقع الغلط في كتاب العين لأن الخليل رسمه ولم يحشه، وهو الذي اخترع العروض وأحدث أنواعاً من الشعر ليست من أوزان العرب وليوسف العش "قصة عبقري - ط" رسالة من سلسلة "اقرأ" في سيرته.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 314

الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم أبو عبد الرحمن

وقيل أبو الصفا الفراهيدي ويقال: الفرهودي اليحمدي العتكي الأزدي ويقال: الباهلي البصري النحوي العروضي.

ولد بالبصرة سنة 100 قاله ابن خلكان وعن خط الذهبي 105 وتوفي سنة 160 قاله ابن الأثير وفي مرآة الجنان توفي سنة 170 وقيل 175 وقيل 160 وقيل 130 وغلط هذا الأخير وممن نقله ابن الجوزي والواقدي. وقال ابن خلكان قيل إنه عاش 74 سنة. .

(والفراهيدي) بالدال المهملة في كل ما عثرنا عليه وشذ صاحب لب اللباب فيما حكي عنه في هامش اللباب نسبة إلى فراهيد بطن من الأزد في معجم الأدباء هو فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن مضر الأزدي اه. وعن الأصمعي سألت الخليل بن أحمد بن ممن هو فقال: من أزد عمان من فراهيد قلت وما فراهيد قال: جرو الأسد بلغة عمان اه. وفي القاموس الفرهود أبو بطن منهم الخليل ابن أحمد وهو فرهودي وفراهيدي اه. وفي بغية الوعاة الفرهود واحد الفراهيد وفي الرياض عن ابن دريد الفرهود ولد السبع ويقال: الغلام الغليظ (واليحمدي) نسبة إلى يحمد في القاموس كيشفع ويعلم مضارع أعلم أبو قبيلة وفي الرياض يحمد بطن من الأزد (والعتكي) نسبة إلى العتيك في القاموس كأمير فخذ من الأزد في ذيل المذيل الخليل بن أحمد الفراهيدي من العتيك عن هشام بن محمد اه.

أبوه

في الشذران يقال: إن أبه أول من سمي أحمد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي الروضات عن المبرد فتشن المفتشون فما وجدوا بعد نبينا صلى الله عليه وسلم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل اه فإذا لا يوجد من اسمه الخليل بن أحمد قبله.

أقوال العلماء فيه

في الخلاصة الخليل بن أحمد أفضل الناس في الأدب وقوله حجة فيه واخترع علم العروض وفضله أشهر من أن يذكر وكان إمامي المذهب وعن ابن إدريس في مستطرفات السرائر أنه عنده من كبراء أصحابنا إلا أنه سماه الخليل بن إبراهيم بن أحمد العروضي. وفي رياض العلماء: كان الخليل على ما قاله الأصحاب من الصادق ويروي عنه والخليل جليل القدر عظيم الشأن أفضل الناس في علم الأدب وكان إمامي المذهب وكان في عصر مولانا الصادق بل الباقر عليهما السلام وكان إماما في علم النحو واللغة وسيجيء في ترجمة أبي الأسود الدئلي عن شرح اللباب القول بأن الخليل بن أحمد هو أول من استنبط علم النحو لكنه محل نظر وكان الخليل رجلا صالحا عالما حليما وقورا حسن الكلام وقال الشيخ البهائي في حواشي الخلاصة إنه من أصحاب الصادق عليه السلام وقال الكفعمي من علمائنا أن الخليل كان من أزهد الناس وأرفعهم نفسا وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له فلا يقبل وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت اه الرياض وذكره الجزري في طبقات القراء فقال: الإمام المشهور روى الحروف من عاصم بن أبي النجود وعبد الله بن كثير وهو من المقلين عنهما وهو الذي روى عن ابن كثير غير المغضوب بالنصب تفرد بذلك عنه روى عنه الحروف بكار بن عبد الله العودي اه.

وقال ابن الأثير في حوادث سنة 160 فيها مات الإمام النحوي المشهور الخليل بن أحمد وفي مسودة الكتاب ولا أعلم الآن من أين نقلته هو واضع أول ديوان جامع للغة العرب وهو كتاب العين على نهج من الترتيب لم يسبق إليه ولم يشاركه أحد من أبناء عصره فيه اه. وفي تهذيب التهذيب عن حماد بن زيد كان الخليل يرى رأي الإباضية حتى من الله عليه بمجالسة أيوب السختياني وعن النضر بن شميل: ما رأيت أحدا يطلب إليه ما عنده أشد تواضعا منه وكان من الزهاد في الدنيا المنقطعين إلى العلم وقصته مع سليمان أمير البصرة أو السند مشهورة وهي أنه أرسل إليه يستدعيه لتأديب ولده فأخرج خبزا يابسا وقال: ما دام هذا عندي لا حاجة في فيه وكان يقول من الشعر البيتين والثلاثة وقال إبراهيم الحزمي: كان أهل البصرة يعني أهل العربية منهم أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة وعد منهم الخليل بن أحمد وقال ابن حيان في كتاب الثقاب كان من خيار عباد الله المتقشفين في العبادة قال العباس بن يزيد النجزاني ثنا أمية بن خلاد ولم يكن بالبصرة أوثق منه إلا الخليل بن أحمد وقيل لسيببوه: هل رأيت مع الخليل كتبا يملي عليك منها قال: لم أجد معه كتبا إلا عشرين رطلا بخط دقيق. ما سمعته من لغات العرب وما سمعته من النحو فإملاء من قلبه اه. تهذيب التهذيب. وفي معجم الأدباء: سيد الأدباء في علمه وزهده وقال السيرافي: كان الغاية في تصحيح القياس في النحو واستخراج مسائل النحو وتعليله وقال ياقوت: هو أول من استخرج العروض وضبط اللغة وحصر أشعار العرب يقال: إنه دعا بمكة أن يرزقه الله تعالى علما لم يسبق به فرجع وفتح عليه بالعروض وكانت له معرفة بالإيقاع وهو الذي أحدث له علم العروض وكان يقول الشعر فينظم البيتين والثلاثة ونحوها وكان سفيان الثوري يقول: من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد ويروى - عن النصر بن شميل أنه قال: كنا نمثل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهما تقدم في الزهد والعبادة فلا ندري أيهما تقدم وكان يقول: ما رأيت رجلا أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد وكان يقول: أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه وهو في خص لا يشعر به وكان يحج سنة ويغزو سنة وكان من الزهاد المنقطعين إلى الله تعالى وكان يقول: إن لم تكن هذه الطائفة (أي الزهاد) أولياء الله فليس لله ولي اه. وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 170 فيها مات إمام اللغة والعروض والنحو والخليل بن أحمد الفراهيدي وقيل سنة175 وهو الذي استنبط علم العروض وحصر أقسامه في خمس دوائر واستخرج منها خمسة عشر بحرا وزاد فيها الأخفش بحرا أسماه الخبب وهو في اختراع بديهة كاختراع أرسطاطاليس علم المنطق ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد فقال:

وكان مع ذلك صالحا قانعا قال النضر: أقام في خص بالبصرة لا يقدر على فلس وعلمه قد انتشر وكسب به أصحابه الأموال وكان من الزهد في طبقة لا تدرك حتى قيل: إن بعض الملوك طلبه ليؤدب له أولاده فأته الرسول وبين يديه كسر يابسة فأكلها فقال: قل لمرسالك ما دام يلقي مثل هذه لا حاجة به إليك ولم يأت لملك. وقال الواحدي في تفسيره: الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل. وفي العبر الخليل بن أحمد الأزدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض كان إماما كبير القدر خيرا متواضعا فيه زهد و تقشف (وفي لفظ آخر ذا زهد وعفاف) اه الشذرات. وفي الرياض عن هامش جمهرة ابن دريد قال: ولعله من الأصل قال أبو داوود المصاحفي سمعت النضر بن شميل يقول: ما رأى الراؤون مثل الخليل ولا رأى الخليل مثل نفسه وفي الرياض عن الأزهري استخرج الخليل من العروض واستنبط من النحو ومن علله ما لم يستخرجه أحد ولم يسبقه إلى علمه سابق من العلماء كلهم اه. وبلغ من زهده ماحكاه النضر قال: كان الخليل أشعث الرأس شاحب اللون شعث الهيئة منخرق الثياب منقطع القدمين مغمورا في الناس لا يعرف اه وما ضره ذلك وقد بقي ذكره أبد الدهر زاهيا زاهرا أضوع من المسك وأنور من النيرين وفي مرآة الجنان في حوادث سنة 170 فيها توفي إمام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد وهو الذي استنبط علم العروض قال حمزة بن الحسن الأصفهاني: في كتابه التنبيه على حدوث التصحيف أن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها عند علماء العرب أصول من الخليل. وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه ولا على مثال تقدمه احتذاه وإنما اخترعه من ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طست ليس فيها حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفسران غبر جوهرهما فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لشك فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يصنعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره ومن تأسيسه بناء كتابا لعين الذي يحصر لغة أمة من الأمم قاطبة ثم من إمداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام اه وفي مرآة الجنان وقيل هو في اختراعه علم العروض الذي هو لصحة الشعر وفساده ميزان كأرسطاطاليس الحكيم في اختراعه علم المنطق الذي هو ميزان المعاني وصحة البرهان اه وتشبيه العروض بالمنطق مناسب جدا فالعروض لا يحتاجه معتدل السليقة بل يمكنه معرفة الوزن الصحيح من الفاسد بفهمه وسليقته كما كانت تعرفه العرب وإن كانت العرب قد تخرج عن ذلك كما قالوا في:

فجعلوا اشدد زائدة وزن البيت (حيازيمك للموت) كما أنها قد تخالف قواعد النحو فيسمون ذلك ضرورة أو شذوذا وفي الشعر إقواء كذلك المنطق الذي إنما يعصم عن الخطأ في صورة الأشكال لا في مادتها يمكن الاستغناء عنه لذي الفطنة القوية وتعصم مراعاته عن الخطأ الذي قد يقع أحيانا. وفي مرآة الجنان عن بعض المؤرخين: كان الخليل رجلا صالحا عاقلا حليما وقورا. وقال ابن شهراشوب في المناقب: من دار علي عليه السلام خرج العروض روي أن الخليل ابن أحمد أخذ رسم العروض من رجل من أصحاب محمد ابن علي الباقر أو علي بن الحسين عليهم السلام فوضع لذلك أصولا اه وفي كتاب الفلاكة والمفلوكين كان الخليل إماما في علم النحو وهو الذي استنبط العروض وعنه أخذ سيبويه وغيره كان متقللا من الدنيا صبورا على العيش الخشن الضيق وكان يقول: لا يجاوز همي ما وراء بابي وفي مروج الذهب عند ذكر خلافة الراضي أن عمرو بن بحر الجاحظ ذكر في كتابه في تفصيل صنعة الكلام وهي الرسالة المعروفة بالهاشمية أن الخليل بن أحمد من أجل إحسانه في النحو والعروض وضع كتابا في الإيقاع وتراكيب الأصوات وهو لم يعالج وترا قط ولا مس بيده قضيبا قط ولا كثرت مشاهدته للمغنين وكتب كتابا في الكلام ولو جهد كل بليغ في الأرض أن يتعمد ذلك الخطأ والتعقيد لما وقع له ولو أن محرورا استغرق قوى مرته في الهذيان لما تهيأ له مثل ذلك منه ولا يتأتى مثل ذلك لأحد إلا بخذلان الله الذي لا يقي منه شيء ولولا أن أسخف الكتاب وأهجر الرسالة وأخرجها من حد الجد إلى الهزل حكيت صدر كتابه في التوحيد وبعض ما وصفه في العدل ولم يرض بذلك حتى عمد إلى الشطرنج فزاده في الدولاب حملا فلعبت به أناس من حاشية الشطرنجيين ثم رموا به اه وقد شهد له الجاحظ بأنه وإن ألف في الإيقاع وتراكيب الأصوات لم يباشر شيئا من ذلك بل كان تأليفه من باب العلم بالسحر وعدم العمل به لكن ذم تأليفه في الكلام وبالغ في ذلك ولسنا ندري مبلغ الصحة في هذا الذم لأننا لم نر الكتاب إلا أننا نعلم أن الجاحظ بقوة بيانه إذ ذم شيئا أو مدحه بصوره بخلاف ما هو عليه في الواقع وأنه إذا تعصب لأمر أخرجه عن صفته تهجينا ومدحا واستنبط الأساليب في ذلك فلسنا نطمئن إلى صحة قوله وفي بغية الوعاة كان آية في الذكاء وكان الناس يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى منه ثم ذكر حكاية الدواء لظلمة العين. وفي محاضرات الراغب قيل: أربعة لم يدرك مثلهم في الإسلام في فنونهم وعد منهم الخليل بن أحمد.

وفي بعض المجلات المصرية: كان الخليل آية من الآيات في الذكاء ودقة التصوير وتوقد الفطنة وصدق الحدس وسعة الحافظة وقوة الذاكرة ورجاحة العقل حتى كانوا يقولون: لا يجوز على الصراط أحد بعد الأنبياء أدق ذهنا من الخليل ولا حاجة بنا إلى برهان أنصع من هذه المبتكرات التي أخرجها للناس من العروض والموسيقى وكتاب العين والشكل كما يأتي وقد نقل عنه أهل العلم حكايات من هذا الشأن تتجاوز حد التصديق لولا ثقة رواتها وتكاثر نقلتها من ذلك أنه جاءته رسالة عربية مكتوبة بالحرف السرياني فقرأها وهو لا يعرف شيئا عن الحرف السرياني ولكنه استعان بما عرف أنها تصدر عادة بالبسملة والحمدلة ونحوهما. وهذه الحكاية نقلها صاحب الروضات عن محاضرات الراغب وأنه جاءته رسالة من بعض اليونانيين بلسانهم فخلا بها شهرا حتى فهمها فقيل له في ذلك فقال: علمت أنه لا بد أن يفتتح الكتاب باسم الله فبنيت على ذلك وقست عليه.

مخترعاته ومبتكراته

ابتكر الخليل واخترع في العلم أمورا لم يسبقه إليها أحد وتبعه فيها كل من تأخر عنه حتى اليوم وبعد اليوم.

(1) العروض.

(2) الموسيقى.

(3) ضبط لغة العرب كلها بكتاب.

(4) الشكل وهذه قد وفق فيها وحاول أمرا خامسا وهو اختراع قاعدة في الحساب تسهل على كل أحد فحالت المنية بينه وبين ذلك. في بغية الوعاة: سبب موته أنه قال: أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى الفامي فلا يمكنه أن يظلمها فدخل المسجد وهو يعمل فكرة فصدمته سارية وهو غافل فانصدع ومات.

العروض

هو من مبتكرات الخليل ولو لم يكن له من المبدعات إلا هذا العلم لكفاه منقبة فإنه أبدع في تنسيق قواعده وضبط أبوابه كما بهر الألباب باختراعه فقد حصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرا على كيفية أدهشت الفطن وحيرت الأفئدة ونحن نعلم أن كل مبتكر يعتريه في بادئ الأمر الاضطراب ويعتوره النقص حتى يتم عمله من بعده سنة الله في خلقه ولكنا رأينا علم الخليل بلغ الرشد يوم ولادته فلم يستدرك عليه من جاء بعده بابا أهمله أو قاعدة أخل بها أو فصلا ذهل عنه إلا ما كان من أمر البحر الذي زاده تلميذه الأخفش وسماه الخبب ولا يعسر رد هذا البحر إلى واحد من بحور الخليل

سؤال الأخفش له عن أسماء بحور العروض

في الشذرات سأله الأخفش عن بحور العروض لم سميتها بأسمائها فقال (الطويل) : لأنه تمت أجزاؤه (والبسيط) لأنه انبسط على حد الطويل (والمديد) لتمدد سباعيه حول خماسيه (والكامل) لكمال أجزائه السباعية ليس فيه غيرها (والوافر) لوفور أجزائه لأن فيه ثلاثين حركة لا تجتمع في غيره (والرجز) لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء (والرمل) لأنه يشبه رمل الحصير يضم بعضه إلى بعض (والهزج) لأنه يضطرب (يتصرف) شبه هزج الصوت (والسريع) لسرعته على اللسان (والمنسرح) لانسراحه وسهولته (والخفيف) لأنه أخف السباعيات (والمقتضب) لأنه اقتضب من الشعر لقلته (والمضارع) لأنه ضارع المقتضب (والمجتث) لأنه اجتث أي قطع من طول دائرته (والمتقارب) لتقارب أجزائه وأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا اه وسمي الذي زاده الأخفش الخبب لأنه يشبه خبب الناقة في السير وسميت هذه الأبحر بهذه الأسماء إلى اليوم وإلى آخر الدهر.

الموسيقى

لم يكن الخليل يميل إلى اللهو القصف وينافي ذلك زهده وورعه وعبادته ولكنا رأيناه ألف كتابا في الموسيقى جمع فيه أصناف النغم وصر أنواع اللحون وحدد ذلك كله ولخصه وذكر مبالغ أقسامه ونهايات أعداده فصار الكتاب آية في بابه ولما وضع إسحاق بن إبراهيم الموصلي كتابه في النغم واللحون عرضه على إبراهيم بن المهدي فقال له: أحسنت فقال إسحاق: بل أحسن الخليل لأنه جعل لي السبيل إلى الإحسان فقال بعض أهل العلم إن مهارة الخليل في علم الألحان هي التي أعانته على علم العروض.

الشكل

كان الخط في صدر الإسلام خلوا من الشكل والإعجام فوضع أبو الأسود الدؤلي المتوفي سنة 69 ه علامات للحركات الثلاث فجعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف والكسرة تحته والضمة بين يديه وجعل التنوين نقطتين كل ذلك بمداد يخالف مداد الحرف (وهكذا وجدنا في المصحف المنسوب إلى خط مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في المكتبة الرضوية) فلما وضع نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر بأمر من الحجاج نقط الإعجام اضطرب الأمر واشتبه الإعجام بالشكل فتصدى الخليل لإزالة هذا اللبس فوضع الشكل على الطريقة المعروفة اليوم وبقي ذلك على مقاييس مضبوطة وعلل دقيقة بأن جعل للفتحة ألفا صغيرة مضطجعة فوق الحرف وللكسرة رأس ياء صغيرة تحته وللضمة واوا صغيرة فوقه فإن كان الحرف المحرك منونا كرر الحرف الصغير فكتب مرتين فوق الحرف أو تحته ذلك لأن الفتحة جزءا من الألف والكسرة جزء من الياء والضمة جزء من الواو ووضع للتشديد رأس شين بغير نقط (-) ووضع للسكون دائرة صغيرة وهي الصفر من الأرقام العربية القديمة وذلك لأن الحرف الساكن خلو من الحركة ووضع للهمزة رأس عين (ء) لقرب الهمزة من العين في المخرج ووضع لألف الوصل رأس صاد (ص-) توضع فوق الألف الوصل مهما كانت الحركة فيها وللمد الواجب ميما صغيرة مع جزء من الدال هكذا (آ) فكان مجموع ما تم له وضعه ثماني علامات الفتحة والكسرة والسكون والشدة والهمزة والصلة والمدة كلها حروف صغيرة أو أبعاض حروف بينها وبين ما دلت عليه أجلى مناسبة بخلاف علامات أبي الأسود وأتباعه فإنها مجرد اصطلاح لم يبن على مناسبة بين الدال والمدلول وألف الخليل في هذا الموضوع كتابا نفسيا فلم يزد أحد على طريقته هذه شيئا ولا أصلح منها رأيا فكأنه به ابتدأها وبه ختمت. أما كتاب العين الذي ضبط به لغة العرب فيأتي الكلام عليه مفصلا عند ذكر مؤلفاته.

أخباره

طاف الخليل على قبائل العرب كقيس وتميم وأسد وغيرهم وشافههم وأخذ منهم وفي الروضات: قال أبو عبيدة ضاقت المعيشة على الخليل بالبصرة فخرج يريد خراسان فشيعه من أهل البصرة ثلاثة آلاف رجل ما فيهم إلا محدث أو نحوي أو لغوي أو إخباري فلما صار بالمربد قال: يا أهل البصرة يعز علي فراقكم والله لو وجدت كل يوم كيلجة باقلا ما فارقتكم فلم يكن فيهم من يتكلف له ذلك فسار إلى خراسان فأفاد بها أموالا وفي معجم الأدباء: روي أنه كان يقطع بيتا من الشعر فدخل عليه ولده في تلك الحالة فخرج إلى الناس وقال: إن أبي قد جن فأخبروه بما قال ابنه فقال له:

(أقول) ونظيره ما يحكي عن ابن النحاس النحوي أنه كان جالسا على شاطئ النيل يقطع بيتا من الشعر فرآه رجل فقال: هذا يريد أن يسحر النيل لئلا يزيد فاجتمع عليه العامة فقتلوه. وجاءت امرأة إلى بقال فسمعته يقطع بيتا. ويقول: (فاعلاتن فاعلاتن) فقالت له: أمك الفاعلة.

قال ياقوت: ووجه إليه سليمان بن علي والي الأهواز لتأديب ولده فأخرج الخليل لرسول سليمان خبزا يابسا وقال: ما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان فقال الرسول فما أبلغه عنك فقال:

وفي مرآة الجنان الذي كتب إليه هو سليمان بن حبيب بن المهلب وكان في ولايته أرض فارس والأهواز وفي كتاب الفلاكة والمفلوكين كان له راتب على سليمان بن حبيب بن المهلب بن صفرة الأزدي وكان والي فارس والأهواز فكتب إليه يستدعيه فكتب الخليل جوابه (أبلغ سليمان أني عنه في سعة) الأبيات فقطع سليمان عنه الراتب فأنشد بيتين في ذلك (أقول) هما قوله:

فبلغت سليمان فكتب إليه يعتذر وأضعف له الراتب فقال الخليل:

وروي أنه اجتمع الخليل بن أحمد وعبد الله بن المقفع ليلة يتحدثان إلى الغداة فقيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع فقال: رأيت رجلا علمه أكثر من عقله وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل قال: رأيت رجلا عقله أكثر من علمه وقد صدقا في ذلك فعقل الخليل أدى به إلى الزهد في الدنيا وعقل ابن المقفع أدى به إلى طلب الدنيا حتى قتل في سبيل طلبها وقال ابن أبي الحديد قيل للأصمعي: أيما كان أعظم ذكاء وفطنة الخليل أم ابن المقفع فقال: كان ابن المقفع أفصح وأحكم والخليل آدب وأعقل ثم قال: شتان ما بين فطنة أدت بصاحبها إلى القتل وفطنة أفضت بصاحبها إلى النسك والزهد في الدنيا اه وكان ابن المقفع كتب كتاب عهد عن لسان المنصور أغضبه وكان يسخر بأمير البصرة فقتله الأمير وتغاضى المنصور عنه فذهب دمه هدرا. وفي شذرات الذهب قال تلميذه النضر بن شميل جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسألة فأطرق الخليل يفكر وأطال حتى انصرف الرجل فعاتبناه فقال: ما كنتم قائلين فيها قلنا: كذا وكذا قال: فإن قال كذا وكذا قلنا: نقول كذا وكذا فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا نفكر فقال: إن العاقل يفكر قبل الجواب وقبيح أن يفكر بعده وقال: ما أجيب بجواب حتى أعرف ما علي فيه من الاعتراضات والمؤاخذات وقرأ عليه رجل في العروض فلم يفهم فقال له الخليل قطع هذا البيت:

قال الخليل: فشرع الرجل في تقطيعه على مبلغ علمه ثم قام فلم يرجع إلي فعجبت من فطنته لما قصدته في البيت مع بعد فهمه ولكن في الروضات إن ذلك الرجل هو يؤنس بن حبيب النحوي اه ويبعد أن يكون يونس في علمه وفضله يقع منه ذلك. وقيل: لما دخل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء جلس إليه ولم يتكلم بشيء فسئل عن ذلك فقال: هو رئيس منذ خمسين سنة فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد اه الشذرات (أقول) أبو عمرو بن العلاء شيخه فكيف يجتمع ذلك مع مجيئه لمناظرته وقوله هذا القول. وفي خاص الخاص قال ابن المبارك: كنت أماشي الخليل فانقطع شسع نعلي فخلعتها وطفقت أمشي فخلع الخليل أيضا نعليه فقلت بأبي أنت يا أبا عبد الرحمن لما خلعتهما فقال: لأساعدك على الحفاء. وفي الرياض يحكى عن الخليل أنه كان ينشد كثيرا هذا البيت (وهو للأخطل) :

وفي مرآة الجنان: من براعة ذكائه ما ذكر في كتاب المقتبس أنه كان رجل يعطي دواء لظلمة العين ينتفع به الناس فمات ولا يعرف ذلك الدواء غيره فذكر ذلك للخليل فقال: هل له نسخة فقالوا: لا فقال: هل كان له إناء يعمل الدواء فيه فقالوا: نعم فأتى به فجعل يتشممه ويخرج نوعا نوعا حتى ذكر خمسة عشر نوعا ثم سئل عن جمعها ومقدارها فعرف ذلك فعمله وأعطاه الناس فشفوا به ثم وجدت نسخته والأخلاط المذكورة فيها ستة عشرة لم يغفل إلا واحد. وفي الرياض: نقل أنه دخل رجل على الخليل بن أحمد ومعه ولده فقال: أريد أن تعلم ابني هذا النحو والنجوم والطب والفرائض والحمار بالباب فقال: الرفع للفاعل في الأسماء والثريا في الشتاء على وسط السماء والسقمونيا مسهل للصفراء وإذا مات رجل وله ابنان فالمال بينهما على السواء ثم قال: قوله أريد أن تعلم ابني إلى قوله بالباب المشهور مثل مشهور بين العجم ولكنه ينسب إلى بعض القرويين وله قصة مشهورة اه. وعن كشف الغمة عن محمد بن سلام الجمحي عن يونس بن حبيب النحوي تلميذ الخليل قلت له: أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها علي قال: قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال فتكمته أيضا قلت: نعم، أيام حياتك، قال: سل قلت: ما بال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم كلهم بنو أب واحد وأم واحدة وعلي من بينهم كأنه ابن علة قال: من أين لي الجواب قلت: قد وعدتنيه قال: وقد ضمنت لي الكتمان قلت: أيام حياتك: قال: إن عليا تقدمهم إسلاما وفاقهم علما وبذهم شرفا ورجح عليهم زهدا وطالهم جهادا والناس إلى أشكالهم وأشبالهم أميل منهم إلى من بان عنهم وعن الصدوق في أماليه عن أبي زيد النحوي الأنصاري سألت الخليل بن أحمد لم ترك الناس عليا وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قربه وموضع من المسلمين موضعه وغناؤه في الإسلام غناؤه فقال: بهر والله نوره أنوارهم وغلبهم على صفو كل منهل والناس إلى أشكالهم أميل أما سمعت قول الأول:

قال: وأنشدنا الرياشي في معناه للعباس بن الأحنف:

مشايخه

في معجم البلدان أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وروي عن أيوب السختياني وعاصم الأحوال وغيرهما وزاد في تهذيب التهذيب عن عثمان بن حاضر والعوام بن حوشب وغالب القطان وفي الرياض قرأ الخليل على عيسى بن عمر الثقفي وأبي عمرو وهو عن عبد الله بن إسحاق الحضرمي عن أبي عبد الله ميمون الأقرن عن عنبسة الفيل وهو عن أبي الأسود الدوئلي عن علي عليه السلام لكن قال ابن شهراشوب في المناقب إن الخليل يروي علم النحو عن عيسى بن عمرو الثقفي عن عبد الله بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأقرن عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدئلي عن عليعليه السلام .

تلاميذه

قال ياقوت وأخذ عنه الأصمعي وسيبويه والنضر بن شميل وأبو فيد مؤرخ السدوسي وعلي بن نصر الجهضمي وغيرهم وزاد في تهذيب التهذيب حماد بن زيد وأيوب بن المتوكل وسيبويه وهارون بن موسى النحوي ووهب بن جرير بن حازم وداود وهذاب ابنا المحبر وغيرهم وفي بغية الوعاة من تلاميذه عيينه بن عبد الرحمن المهلبي وفيه عن السيرافي: هو أستاذ سيبويه وعامة الحكاية في كتابه عنه وكلما قال سيبويه وسألته أو قال من غير أن يذكر قائله فهو الخليل وفي كتاب الفلاكه والمفلوكين كان إذا قدم عليه سيبويه يقول مرحبا بزائر لا يمل.

ذريته

في الرياض سماعي أنه كان من أولاده الآقا اشرف الحكيم مجد السلطان بأصبهان وأن كتاب العين موجود الآن عندهم وقد أخذ والدهم ذلك الكتاب من مدرسة أشرف في بلاد مازندران.

مؤلفاته

1 - زبدة العروض منها نسخة في مكتبة المدرسة الفاضلية في إيران وفي معجم الأدباء له كتاب العروض.

2 - كتاب العين ويأتي الكلام عليه وقال النجاشي في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد العدوي السميساطي أنه عمل كتاب العين للخليل بن أحمد فذكر المستعمل وألغى المهمل والشواهد والتكرار وزاد على ما في الكتاب.

3 - فائت العين.

4 - كتاب في الإمامة أورده بتمامه محمد بن جعفر المراغي في كتابه وسماه كتاب الخليلي وقال النجاشي في ترجمة المراغي هذا أن له كتاب الخليلي وفي معجم الأدباء له.

5 - كتاب الإيقاع.

6 - النغم.

7 - الجمل أي جمل الأعراب في النحو.

8 - الشواهد.

9 - النقط والشكل.

10 - كتاب في معاني أسماء الحروف قال جرجي زيدان في الجزء الثاني من تاريخ آداب اللغة العربية: من الكتب التي تنسب إلى الخليل كتاب في معاني الحروف من مكتبة لندن ومكتبة برلين اه وقال مكاتب نجفي لمجلة العرفان م4 ص 190 أنه وجد في مجموعة مخطوطة رسالة نسبت للخليل بن أحمد في تفسير الهجاء "أقول" الصواب أن يقال في معاني أسماء حروف الهجاء ولعلها مأخوذة من كتاب العين وفيها أغلاط لم نتمكن من معرفة صوابها لعدم وجود مرجع لغوي عندنا ساعة التحرير وهذا ما وجد فيها:

قال الخليل بن أحمد في تفسير حروف الهجاء عند العرب:

"الألف" الرجل الفرد "الباء" الرجل الكثير الجماع وفيه يقول الشاعر:

"التاء" البقرة تحلب يقول الشاعر:

"الثاء" العين من كل شيء وفيه يقول الشاعر:

"الجيم" الجمل المغتلم وينشد:

"الحاء" المرأة السليطة قال المخيل:

"الخاء" شعر الأست قال الشاعر:

"الدال" المرأة السمينة قال الشنقري:

"الذال" عرف الديك قال:

"الراء" القراد الصغير "الزاي" الرجل الأكول قال الشاعر:

"السين" الرجل الكثير التنحنح قال الشاعر:

"الشين" الرجل الكثير النكاح قال أبو الحوزيق:

"الصاد" الديك المتمرغ في التراب قال ابن قيس الرقيات:

"الضاد" الهدهد يرفع رأسه ويصيح قال متمم بن نويرة:

"الطاء" الرجل الشيخ الكثير الجماع قال حكيم بن منه (كذا)

"الظاء" ثدي المرأة إذا انثنى قال العجاج:

"العين" سنام البعير "الغين" الإبل الواردة قال الشاعر:

"الفاء" زبد البحر قال زياد بن الأعجم:

"القاف" المستغني عن النار قال أبو النجم:

"الكاف" المليح الأمور (كذا) وينشد:

"اللام" الشجرة الناضرة قال رؤبة:

"الميم" النبيذ وقال (مزج الميم بماء الضحل) .

"النون" السمك والدواة أيضا "الهاء" اللطمة في خد الظبي قال بعضهم:

"الواو" البعير ذو السنام قال الشاعر:

"الياء" النار (التمام ظ) قال الشاعر:

الكلام على كتاب العين

في الرياض كتاب العين في اللغة كتاب معروف متداول إلى الآن وهو داخل في مآخذ كتاب البحار للأستاذ المجلسي اه وكان في خزانة الخلفاء العلويين المصريين عدة نسخ منه إحداها بخط الخليل بن أحمد. وعن ابن دريد في أول الجمهرة أنه قال ألف أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد كتاب العين فأتعب من تصدى لغايته وعنى من سما إلى نهايته فالمنصف بالقلب معترف والمعاند متكلف وكل من بعده تبع له أقر بذلك أم جحد ولكنه ألف كتابه بفهمه الثاقب وذكاء فطنته لتضيء أذهان أهل دهره وفي كشف الظنون قال السيوطي في المزهر هو أول من ألف فيها - أي اللغة - وقال الإمام فخر الدين أصل الكتب في اللغة كتاب العين اه والأصل في تأليفه كتاب العين أن لغة العرب لم تكن مدونة قبل الخليل فأداه ثاقب فكره أن يجمعها ويأتي بما لم يسبقه إليه غيره كما أتى بمثل ذلك في أوزان الشعر وعلم العروض فأعمل فكره في ذلك ونجح في عمله فجمع مهمل اللغة ومستعملها بمقتضى القسمة العقلية ولم يغادر شكلا من أشكال الحروف ملتئمة ومفترقة إلا أحصاه وأتى عليه وبين ما يتصف به من إهمال واستعمال وابتدأ كتابه بالحروف على حسب مخارجها فابتدأ بحروف الحلق وابتدأ منها بالعين لأنها تخرج من أقصى الحلق ولذلك سمى كتابه العين ثم بما يليها من حروف الحلق على ترتيب الخروج ثم بما يخرج من أقصى اللسان ثم من وسطه ثم من طرفه ثم من الشفتين ثم صنف بعده الأزهري كتاب التهذيب وابن سيده كتاب المحكم على ما يشبه ترتيبه من بعض الوجوه ثم ألف الجوهري الصحاح على ترتيب أسهل مراعيا ترتيب الحروف الهجائية في أول الكلمة وآخرها وتبعه الناس على ذلك. واستغنى الناس بهذه الكتب عن كتاب العين ولكن الفضل للمتقدم وبقي الذكر لعمله هذا خالدا خلود الدهر وفي الرياض عن الأزهري في أول تهذيبه: لم أر خلافا بين أهل المعرفة وطلبه هذا العلم أن التأسيس الأول في كتاب العين لأبي عبد الرحمن خليل بن أحمد وأن ابن المظفر أكمل الكتاب عليه بعد تلقيه إياه عنه وعلمت أنه لم يتقدم أحد الخليل فيما أسسه ورسمه قال الليث ابن المظفر: لما أراد الخليل بن أحمد الابتداء بكتاب العين أعمل فكره فيه فلم يمكنه أن يبتدئ به من أول أ ب ت ث لأن الألف حرف معتل فلما فاته أول الحروف كره أن يجعل الثاني أولا وهو الباء إلا بحجة وبعد استقصاء وتدبر نظر إلى الحروف كلها فذاقها فوجد مخرج الكلام كله من الحلق فصير أولاها بالابتداء به أدخلها في الحلق وكان إذا أراد أن يذوق الحرف فتح فاه بألف ثم أظهر الحرف نحو (ات) اخ. اع فوجد العين أقصاها في الحلق وأدلمها فجعل أول الكتابة العين ثم ما قرب مخرجه منها بعد العين الأرفع فالأرفع حتى أتى على آخر الحروف قال وقلب الخليل الأرفع فالأرفع حتى أتى على آخر الحروف قال وقلب الخليل الحروف عن موضعها على قدر مخرجها من الحلق وهذا تأليفه (ع ح ه- خ غ ق ك- ج ش ص ض س ط ز د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وا ي اه) الرياض فهذه ثمانية وعشرون حرفا بإسقاط الألف المعتلة مع أنها من الحروف والاقتصار على الهمزة وفي كشف الظنون نظم أبو الفرج سلمة بن عبد الله المغافري في ترتيب الخليل أبياتا منها:

اه وقد جعل صاحب الرياض وصاحب هذه الأبيات آخر الحروف الهمزة ثم الياء المثناة التحتية وجعلا الباء الموحدة قبل الميم كما في نسخة الرياض المخطوطة التي عندي ونسخة كشف الظنون المطبوعة ويوشك أن يكون الصواب الهمزة ثم الباء الموحدة أما الهمزة فاكن حقها أن تجعل أولا لحروف لأنها من أقصى الحلق كما يأتي لكنه حيث ابتدأ بالعين جعل الهزة قبل آخر الحروف وأما الباء الموحدة فلأن مخرجها آخر المخارج وهو الشفة وتحصل بأطباق الشفتين وأما الياء المثناة التحتية فكان اللازم جعلها قبل الكاف فإن ذلك كله هو الموافق لترتيبه الحروف بحسب ترتيب المخارج وفي الرياض: قال الخليل كلام العرب مبني على أربعة أوجه على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي قال: والظاهر من هذه الجملة أنه بسبب كون أوله حرف العين سمي الكتاب بالعين من الخليل نفسه أو ممن جاء بعده اه (أقول) فسمي باسم باب منه كما سمي ديوان الحماسة باسم باب منه وفي كشف الظنون قال أبو طالب المفضل بن سلمة الكوفي ذكر صاحب العين أنه بدأ بحرف العين لأنها أقصى الحروف مخرجا والذي ذكره سيبويه أن الهمزة أقصى الحروف مخرجا. ولو قال بدأ بالعين لأنها أكثر في الكلام وأشد اختلاطا بالحروف لكان أولى اه (أقول) الصواب أن أقصى الحروف مخرجها أقصى الحلق كما يظهر بالوجدان ولذلك جعلوا حروف الحلق (اه- ع- ح- غ- خ) مرتبة بحسب المخرج أما الألف أحد حروف العلة فحرف هوائي لا يمكن النطق به وحده ولذلك جعلوها مع اللام فقالوا لام ألف وعدوا الحروف الهجائية 29 حرفا وهو الصواب والهمزة حرف صحيح ولذلك بطل تعليل الليث عدم ابتدائه بالألف لأنه حرف معتل كما مر فإن هذا التعليل صحيح في الألف لا في الهمزة.

أعداد الكلمات التي في كتاب العين

قال السيوطي في بغية الوعاة بدأ الخليل بسباق مخارج الحروف ثم بإحصاء أبنية الأشخاص وأمثلة أحداث الأسماء فذكر أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير اثناء عشر ألف ألف وثلثمائة ألف وخمسة آلاف وأربعمائة واثنا عشر الثنائي 756 والثلاثي 19650 والرباعي 491400 والخماسي 11793600 وهذا مجموعها:

00000756 الثنائي

00019650 الثلاثي

00491400 الرباعي

11793600 الخماسي

12305406

فهي تنقص ستة عما قال ولعل الستة سقطت من بعض الأعداد من قلم النساخ. ثم قال السيوطي: ذكر ذلك حمزة الأصبهاني في كتاب الموازنة فيما نقله عنه المؤرخون وهذا صريح في أنه - أي خليل - أكمله - أي كتاب العين اه.

الخلاف في مؤلف كتاب العين

المستفاد من كلامهم أن فيه أقوالا ثلاثة:

1 - أنه كله من تأليف الخليل.

2 - أنه من تأليف غيره.

3 - أنه ابتداء به وأكمله غيره في بغية الوعاة: اختلف الناس في نسبته إلى الخليل فقال أبو الطيب اللغوي ليس له وإنما هو لليث بن نصر بن سيار وقيل عمل الخليل منه قطعة من أوله في العين وكمله الليث لأن أوله لا يناسب آخره وقيل بل أكمله الخليل وفي معجم الأدباء في ترجمة الخليل له كتاب العين في اللغة ويقال إنه الليث بن نصر بن سيار عمل الخليل منه قطعة وأكمله الليث وفيه أيضا فقي ترجمة القاسم بن معن المسعودي: كان الليث بن المظفر صاحب الخليل بن أحمد أحد من أخذ عنه - أي عن القاسم النحو واللغة وروى عنه وأدخل - أي الليث - في كتاب الخليل من علم القوم شيئا كثيرا فأفسد الكتاب بذلك وفي كشف الظنون: كتاب العين في اللغة اختلف الناس في مؤلفه فقيل الخليل بن أحمد وأكثر الناس أنكر كونه من تصنيف الخليل وقالوا بل هو لليث بن نصر بن سيار الخراساني وقيل عمل الخليل قطعة من أوله إلى نهاية حرف العين وكمله الليث اه. ومر قول السيوطي أن كلام حمزة الأصفهاني عند نقل حصر أعداد الكلمات التي في كتابا لعين صريح في أن الخليل أكمل كتاب العين وفي معجم الأدباء: قال الأزهري: من المتقدمين الليث بن المظفر الذي نحل الخليل بن أحمد تأليف كتاب العين لينفق كتابه باسمه ويرغب فيه من حوله وثبت لنا عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي الفقيه أنه قال: كان الليث رجلا صالحا ومات الخليل ولم يفرغ من كتاب العين فأحب الليث أن ينفق الكتاب كله فسمى نفسه الخليل فما في الكتاب سألت الخليل أو أخبرني الخليل فهو الخليل بن أحمد وما فيه قال الخليل فإنما يعني نفسه وإنما وقع الاضطراب فيه من قبل الليث وقال وسئل ثعلب عن تاب العين فقال ذاك كتاب ملئ غددا وأراد أن في جراب العين حروفا كثيرة قد أزيلت عن صورها ومعانيها بالتصحيف والتغيير فهي تضر حافظها كما تضر الغدد آكلها. وعن إسحاق بن راهويه كان الخليل قد عمل منه باب العين وأحب الليث أن ينفق سوق الخليل فصنف باقيه وسمى نفسه الخليل من حبه له إلى آخر ما مر عن الأزهري وحكى عن كتاب نظم الجمان تصنيف أبي الفضل المنذري أن نصر بن سيار كان ولي خراسان والليث بن المظفر بن نصر صاحب العربية وصاحب الخليل بن أحمد هو ابنه (أقول) نصر كان والي خراسان من قبل بني أمية وفي أيامه استولى عليها أبو مسلم صاحب الدعوة لبني العباس قال ياقوت وحدث عبد الله بن المعتز في كتاب الشعراء عن الحسن بن علي المهلبي قال كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار وكان الليث من أكتب الناس في زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر والغريب والنحو وكان كاتبا للبرامكة وكانوا معجبين به فارتحل إليه الخليل وعاشره فوجده بحرا فأغناه وأحب الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنفه له وخصه به دون الناس وحبره وأهداه إليه فوقع منه موقعا عظيما وسر به وعوضه عنه مائة ألف درهم واعتذر إليه وأقبل الليث ينظر فيه ليلا ونهارا لا يمل النظر فيه حتى حفظ نصفه وكانت ابنة عمه تحته فاشترى جارية نفيسة بمال جليل فغارت وقالت والله لأغيظنه وإن غظته في المال فلا يبالي ولكني أراه مكبا ليله ونهاره على هذا الدفتر والله لأفجعنه به فأحرقته وأقبل الليث إلى البيت الذي كان فيه الكتاب فلم يجده فسأله خدمه عنه فقالوا أخذته الحرة فبادر إليها وضحك في وجهها وقال ردي الكتاب فقد وهبت لك الجارية فأرته رماده فسقط في يده فكتب نصفه من حفظه وجمع على الباقي أدباء زمانه وأمرهم أن يكملوه على نمطه وقال لهم مثلوا عليه واجتهدوا فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس فهو ليس واجتهدوا فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس فهو ليس من تصنيف الخليل ولا يشق غباره وكان الخليل قد مات اه معجم البلدان. وفي كشف الظنون عن أبي الطيب اللغوي أن الخليل رتب أبوابه وتوفي قبل أن يحشيه قال ثعلب فحشاه قوم من العلماء وقال ابن جني في الخصائص أن فيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل فضلا عنه. وقال مختصره أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله بن مذحج الزبيدي الأندلسي لم يصح أنه له ولا ثبت عنه وأكثر الظن أن الخليل أثبت أصله ومات قبل كماله فتعاطى إتمامه من لا يقوم في ذلك فكان ذلك سبب الخلل والدليل على ما قاله ثعلب اختلاف النسخ واضطراب روايات الكتاب وعن أبي علي القالي لما ورد كتاب العين من بلاد خراسان أنكره أبو حاتم وأصحابه أشد الإنكار لأن الخليل لو كان ألف لكمله أصحابه وكانوا أولى بذلك من رجل مجهول والدليل على كونه لغير الخليل أن جميع ما وقع فيه من معاني النحو إنما هو على مذهب الكوفيين لا مذهب البصريين الذي ذكره سيبويه عن الخليل وسيبويه حامل علم الخليل وفيه خلط الرباعي والخماسي من أولهما إلى آخرهما فهذبنا جميع ذلك في المختصر وكان الخليل أولى بذلك اه كشف الظنون (وأقول) يظهر مما مر أن قولهم أنه كله لليث أو أنه أكمله يراد به أنه أملى نصفه الذي حفظه وأمر العلماء بإكماله فأكملوه وأن نسبة الإكمال إليه من باب بنى الأمير المدينة وأن قول ابن راهوية السابق فصنف الليث باقية يراد به هذا وإلا فهو غير صواب. ثم أن هذه الأقوال مع تعارضها وتناقضها لا تعارض الشهيرة التي كادت تبلغ التواتر أو بلغته في أن كتاب العين كله للخليل فمن قائل كله لليث - ومن قائل بعض للخليل وأكمله الليث أو جمع أدباء عصره لإكماله وهل هذا إلا تناقض فإذا كان كله لليث فأجدر أن ينسبه إلى نفسه فيكسب به شهرة عظيمة وما الذي يدعوه إلى نسبته للخليل وسوق الخليل نافقة لا تحتاج إلا أن ينفقها الليث بنسبة ما ليس للخليل إلى الخليل وكان الليث في نقله وعقله يعرف أن ذلك يكسد سوق الخليل ولا ينفقها على أن ما مر يدل على أن الليث إن كان كمله فبتلقين الخليل وإن كان الخليل رتب أبوابه فقط ولم يحشه وحشاه قوم من العلماء فأجدر أن ينسبوا تحشيتهم إلى نفسهم وما الذي يدعوهم أن ينسبوها إلى الخليل فيكسبوا ثم الكذب وتفوتهم الشهرة التي يرغب فيها كل أحد وما نسبه إليه ابن جني من التخليط وغيره لا يمكننا الحكم عليه ولم نره فلعل ما رآه تخليطا وخللا كان عين الصواب والزبيدي لم يثبت عنده لعدم إطلاعه على المثبت فلا يكون حجة على من أثبته وبنى قوله على الظن وهو لا يغني من الحق شيئا واختلاف النسخ والروايات لا يدل على ما قاله ثعلب فأي كتاب لم تختلف نسخه باختلاف الروايات وبغيره وتعليل إنكار أبي حاتم له عليل فالمكمل له إن صح أن أحدا أكمله ولا يلزم تسميتهم بأعيانهم والخليل يجوز أن يوافق الكوفيين في مذاهبهم في النحو وإن كان بصريا وخلط الرباعي بالخماسي وعدم فصله عنه لأن المخترع لابد أن يقع منه مثل ذلك فيستدركه المتأخر كما يقع مثله لكل مخترع. وقد حكى صاحب كشف الظنون عن التصريف والاشتقاق وأما كون الخطأ في لفظه من حيث اللغة بأن يقال هذه اللفظة كذب فمعاذ الله لم يقع ذلك وحينئذ لا قدح فيه فالإنكار راجع إلى الترتيب وهذا أمر بين وإن كان مقام الخليل تنزه عن ارتكاب مثل ذلك فلا يمنع الوثوق به والاعتماد عليه وأما التصحيف فمن ذا الذين سلم من التصحيف اه (أقول) عدم حسن الترتيب لا بد أن يقع فيه المخترع كما مر مهما عظمت منزلته.

المنسوب إليهم التأليف في إكماله والرد عليه وغيرهما

في كشف الظنون ممن ألف الاستدراك على العين أبو طالب المفضل بن سلمة الكوفي قال أبو الطيب رد أشياء من العين أكثرها غير مردود وترتيبه ليس على الترتيب المعهود قال وعليه مدخل لأبي الحسن النضر بن شميل النحوي المتوفي سنة 204 من أصحاب الخليل وصنف أحمد بن محمد الخارزنجي المتوفي سنة 348 تكملة له. وجمع أبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب فأثبت العين. وصنف محمد بن عبد الله الاسكافي الخطيب كتابا في غلط العين. وصنف أبو غالب بن التباني كتابا متعلقا به سماه فتح العين. ومر عن الليث بن نصير أو ابن المظفر أنه أكمله. وأن جماعة من علماء عصره أكملوه. وأن أحمد البشتي أكمله وأن بعض المتحذلقين قال إن الخليل لم يف بما شرط لأنه أهمل من كلمات العرب ما وجد في كلماتهم مستعملا مع وروده. وفي الروضات: صنف محمد بن عبد الله بن محمد بن موسى الكرماني أبو عبد الله النحوي المعروف بالوراق تلميذ ثعلب كتاب ما أغفله الخليل في العين وما ذكر أنه مهمل وهو مستعمل وما هو مستعمل وقد أهمل وعن معجم الأدباء أن محمد بن عبد الله الخطيب الإسكافي صنف كتاب غلط العين وفي الرياض قال الأزهر في أول تهذيبه هذا ما ألفه الخليل من حروف الهجاء التي عليها مدار كلام العرب وألفاظها إذ لا يخرج شيء منها عنها أراد أن يعرف بذلك جميع ما تكلمت به العرب في أشعارها وأمثالها وأن لا يشذ عنه شيء منها قال أبو منصور أشكل هذا الفصل على كثير من الناس حتى ظن بعض المتحذلقين أن الخليل لم يف بما شرط لأنه أهمل من كلمات العرب ما وجد في لغتهم مستعملا وقال أحمد البشتي الذي ألف كتاب التكملة لنقص كتاب الخليل: ما أودعناه كتابنا هذا يشتمل على ضعفي كتاب الخليل ويزيد قال أبو منصور ولما قرأت هذا الفصل من كتاب البشتي استدللت به على غباوته وقلة فطنته وتمييزه وعلمت أنه لم يفهم ما أراده الخليل بكلامه ولم يفطن الذي قصده وإنما أراد الخليل حروف (ا ب ت ث) التي عليها مدار كلام العرب لا يخرج شيء منها عنها وأراد بما ألف منها معرفة جميع ما يتفرع منها إلى آخره ولم يرد أنه حصل جميع ما لفظوا به من الألفاظ على اختلافها ولكنه أراد ما أسس ورسم بهذه الحروف وما بين من وجوه ثنائيتها وثلاثيها ورباعيها وخماسيها وسالمها ومعتلها على ما بين من وجوهها أولا فأولا حتى انتهت الحروف إلى آخرها فيعرف به جميع ما هو من ألفاظهم إذا تتبع لا أنه تتبعه فحصله وكمله من غير أن فاته من ألفاظهم لفظة أو من معانيهم للفظ الواحد معنى ولا يجوز أن يخفى على الخليل مع ذكاء فطنته وثقوب فهمه أن رجلا واحدا ليس بنبي يوحى إليه لا يمكن علمه بجميع لغات العرب وألفاظها على كثرتها حتى لا يفوته منها شيء وكان الخليل أعقل من أن يظن هذا أن يقدره وإنما معنى كلامه وما ذهب إليه وهمه ما بينته فتفهمه ولا تغلط عليه اه. وحاصل ذلك أن الخيل ألف كتاب العين على ترتيب الحروف إذا اجتمعت ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا أو خماسيا المهمل من ذلك والمستعمل فذكر كلما يمكن أن يتألف من هذه الحروف من حرفين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة حسبما وصل إليه علمه وربما تكون كلمة تتألف من هذه الحروف نطقت بها العرب ولم يطلع عليها وربما تكون اللفظة التي ذكر لها معنى آخر لم يطلع عليه أو تكلم بها فريق من العرب دون فريق ولم يطلع عليه فإن الإحاطة بذلك لا تتيسر لغير علام الغيوب وربما يكون ذكر أصول الكلمات دون متفرعاتها ومشتقاتها لكن لا يخفى أنه إذا كانت لفظة مستعملة لم يطلع عليها أو لها معنى لم يطلع عليه واطلع على ذلك يصح أن يقال إنه استدراك عليه.

الذين اختصروا كتاب العين

في كشف الظنون اختصره أبو بكر محمد بن الحسن بن مذحج الزبيدي الأندلسي اللغوي المتوفي سنة 379 فقال في أوله: هذا كتاب أمر بجمعه وتأليفه الأمير الحاكم المستنصر بالله تعالى وعن مقدمة ابن خلدون أنه اختصره مع المحافظة على الاستيعاب وحذف منه المهمل كله وكثيرا من شواهد المستعمل ولخصه للحفظ أحسن تلخيص اه وفي الرياض لخصه الخارزنجي ولكن سيأتي عن كشف الظنون أن أحمد ابن محمد الخازرنجي صنف تكملة له لا أنه اختصره ولعله اختصره وأكمله وقال النجاشي في ترجمة علي بن محمد العمدي الشمشاطي أنه لخصه وذكر المستعمل وألقى المهمل والشواهد والتكرار وزاد على ما في الكتاب واختصره أبو الحسن علي بن القاسم الخوافي كما أشار إليه فخر الدين الرازي في كتاب مناقب الشافعي اه.

مما يتعلق بكتاب العين

ما حكاه ياقوت في معجم الأدباء عن القاسم بن محمد الأنباري العالم المشهور قال قدمت بغداد وليس لي دار فبعث بي ثعلب إلى قوم يقال لهم بنو بدر فأعطوني شيئا لا يكفيني وذكروا كتاب العين فقلت هو عندي قالوا بكم تبيعه قلت بخمسين دينارا قالوا أخذناه بما قلت إن قال ثعلب إنه للخليل فأتيت أبا العباس ثعلب فقلت يا سيدي هب لي خمسين دينارا فقال لي أنت مجنون فقلت لست أريد من مالك وحدثته الحديث قال فأكذب قلت حاشاك ولكن أن أخبرتنا أن الخليل فرغ من باب العين ثم مات فإذا حضرنا بين يديك فضع يدك على ما لا تشك فيه فقال تريد أن أنجش لك فلما حضروا ناولوه الكتاب وقالوا هذا للخليل أم لا ففتح حتى توسط باب العين وقال هذا كلام الخليل ثلاثا اه. ومن ذلك يعلم ما كان لكتاب العين من الشهرة والرغبة في ذلك الزمان والخمسون دينارا تزيد على خمسة وعشرين ليرة عثمانية ذهبية في هذا الزمان

مخطوطات العين

قال عبد الله درويش:

لم يكتنف الغموض مخطوطا من المخطوطات كما اكتنف مخطوطة العين التي ضاع خيط الأم في العثور عليها وشاء سوء الطالع ألا تحتفظ بها إحدى دور الكتب الرسمية في العالم العربي أو الأقسام الشرقية في مكتبات أوروبا، حتى أن دائرة المعارف الإسلامية اعتبرته مفقودا لا يوجد إلا مختصره. وقد ذهب هذا المذهب أيضا بروكلمان. وتبعهما كثير من العلماء المحدثين ممن خاضوا في هذه المسألة اتكالا على دقة بروكلمان واستقصاء دائرة المعارف الإسلامية.

ولكني حين تعرضت للبحث عن هذه المسألة لم أفقد الأمل في العثور على نسخة مخطوطة لكتاب العين

ويشاء الحظ أن يسافر من لندن إلى بغداد المستشرق البروفسور الفريد جيوم ليحضر دورة المجمع اللغوي هناك فيعثر في مكتبة مديرية الآثار على نسخة كاملة بخط الشيخ محمد السماوي. نسخت عام 1936م في ثمانمائة صحيفة من القطع الكبير بكل صحيفة خمسة وعشرون سطرا، وبخط فارسي واضح. وقد صورت النسخة على "مايكروفيلم" أودع في مكتبة معهد الدراسات الشرقية S. O. A. C بلندن وعنه احتفظت بنسخة خاصة لنفسي.

وفي أغسطس - آب - 1945 في مدينة كامبردج عقد مؤتمر المستشرقين الثالث والعشرون، ألقيت فيه بحثا عن "اكتشاف مخطوطة العين". وبطريق المصادفة كان بين المستمعين المستشرق الألماني، الأستاذ كريمر رئيس القسم العربي بجامعة توبنجن فقال: إن مكتبة الجامعة تحتفظ بنسخة من الكتاب نقلها من العراق المستشقر الألماني ريتر وكانت محفوظة في مكتبة برلين ثم نقلت أثناء الحرب الكبرى ضمن الكتب العربية كلها إلى "توبنجن" خوفا عليها من الغارات وقد تفضل الأستاذ كريمر فتبادل معي النسخ. وهذه النسخة الألمانية تقع في 850 صحيفة وفي آخرها إنها نسخت عام 1926م عن نسخة في الكاظمية عند آل الصدر.

أبيات في جماعة نسب إليهم

السرقة من كتاب العين

في معجم الأدباء وجدت على ظهر جزء من كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري:

الأزهري وزغه=وحمقه حمق دغه

وهو كتاب العين=إلا أنه قد نقله

تعريفه الإقواء والإكفاء والإيطاء

في خاص الخاص قال الخليل: الإقواء أن يكون بعض القوافي مرفوعا وبعضها منصوبا وبعضها مخفوضا. والإكفاء أن يكون بعض القوافي على حرف وبعضها على حرف آخر. والإيطاء إعادة القافية من غير اختلاف المعنى قال يزيد بن حرب الضبي يهجو خفض بن وبرة وقد لحن مرقشا في شعر له:

روايته الحديث

في بغية الوعاة أسندنا حديثه في الطبقات الكبرى وتكرر في جمع الجوامع.

ما أثر عنه من الكلام في الحكم وغيرها

قال: لا تماش من لا يساويك ولا تجالس من لا يشتهيك ولا تتكلم فيما لا يعنيك ولا تغضب على من لا يرضيك ولا تشك الفقر لمن يغنيك.

ومن كلامه لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بعد معرفة ما لا يحتاج إليه ومن كلامه في علي عليه السلام استغناؤه عن الكل واحتياج الكل إليه دليل أنه إمام الكل وقال: من نم لك نم عليك ومن أخبرك بخبر غيرك أخبر غيرك بخبرك وفي ذيل المذيل بسنده عن الخليل بن أحمد صاحب النحو أنه قال: إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات ولم يعارض تحول بالفارسية قال أبو يعقوب يعني يكثر سقطه. وفي خاص الخاص للثعالبي قال اليزيدي: دخلت يوما إلى الخليل فوجدته قاعدا على طنفسه فكرهت التضييق عليه فقال لي: يا أبا محمد إلي فإن سم الخياط لا يضيق على متصادقين والدنيا لا تسع متعاديين وقال: العزلة توقي العرض، وتبقي الجلالة وتستر الفاقة، وترفع مؤونة المكافأة في الحقوق اللازمة. ومن كلامه لا يعلم الإنسان خطأ من علمه حتى يجالس غيره. وفي بغية الوعاة: من كلامه ثلاثة تنسي المصائب مر الليالي والمرأة الحسناء ومحادثات الرجال. وفي أحياء العلوم كان الخليل بن أحمد يقول: اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك واجعلني عند نفسي من أوضع خلقك واجعلني عند الناس من أوسط خلقك وعن محاضرات الراغب أنه قال: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ثم أنت في إعطائه إياك بعضه مع إعطائك إياه كلك على خطر وقال: أضفى ما يكون ذهن الإنسان وقت السحر. أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة وهي السن التي بعث الله فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول كما مر: إن لم تكن هذه الطائفة أي الزهاد أو العلماء أولياء الله فليس لله ولي وقال: إني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي حكاه النصر وقال النصر قيل للخليل: أمؤمن أنت قال: لا أقوله: أخاف أني كون تزكية اه وهذا غاية الورع. وقال: إذا رأيت من هو أعلى مني فذاك أول يوم استفادتي وإذا رأيت من هو دوني في العلم فذاك يوم إفادتي وإذا رأيت من هو مثلي في العلم فذاك يوم مذاكراتي وإذا لم أر أحدا من هؤلاء فذلك يوم مصيبتي. وقال: الدنيا مختلفات تأتلف ومؤتلفات تختلف قيل إن هذا والله لحدها الجامع المانع. وحكى عنه الديلمي في إرشاده: إنما يجمع المرء المال لأحد ثلاثة كلهم أعداؤه أما زوج امرأته أو زوج ابنته أو زوجة ولده فمال المرء لهؤلاء أن تركه والعاقل الناصح لنفسه الذي يأخذ معه زادا لآخرته ولا يؤثر هؤلاء على نفسه. وحكى الأصمعي قال: قدم رجل من فزارة على الخليل بن أحمد وكان الفزاري غبيا فأبطأ الخليل في جوابه فتضاحك الفزاري فالتفت الخليل إلى بعض جلسائه وقال: الرجال أربعة رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فذروه ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك غافل فأيقظوه ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك جاهل فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك مائق فاجتنبوه والمائق الأحمق. ومر قوله المجيب يفكر في الجواب قبل الجواب وقبيح أن يفكر بعده وقال: ما أجيب بجواب حتى أعرف ما فيه علي من الاعتراضات والمؤاخذات. وعن مجتمع البيان عن النضر بن شميل سئل الخليل عن معنى قوله تعالى: (رب ارجعون) ففكر ثم قال: سألتموني عن شيء لا أحسنه ولا أعرف معناه فاستحسن منه ذلك. وفي الروضات عنه أنه قال: أفضل كلمة ترغب الإنسان في طلب العلم والمعرفة قول أمير المؤمنين عليه السلام (قيمة كل امرئ ما يحسنه) .

شعره

في شذرات الذهب كان شاعرا مفلقا مطبوعا وبعضهم قال: إنه كان ينظم البيتين والأبيات من شعره:

وله أورده البيهقي في المحاسن والمساوي:

وله في متحد القافية مختلف المعنى:

وأورد له صاحب مرآة الجنان قوله:

وأود له يا قوت في معجم الأدباء في ترجمة الحسن بن أحمد بن البناء قوله:

وأورد له أيضا في ترجمة عيسى بن عمر الثقفي صاحب كتابي الجامع والإكمال في النحو قوله:

وأورد له صاحب الروضات قوله:

وقوله: (في الرد على المنجمين) :

الأمثال في شعره

روى فخر الدين أبو القاسم بن عبد المحسن الفريومذي الكاتب بسنده إلى الخليل بن أحمد:

وله كما في مجموعة الأمثال التي رأيناها في خزانة الكتب الرضوية في القاضي أحمد بن أبي داؤد:

وله:

وله:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 337

الفراهيدي الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الأزدي الفراهيدي -بالفاء والراء والألف والهاء والياء آخر الحروف وبعدها دال- البصري صاحب العربية والعروض، أحد الأعلام. روى عن أيوب وعاصم الأحوال والعوام بن حوشب وغالب القطان. أخذ النحو عنه سيبويه والأصمعي والنضر بن شميل وهرون بن موسى النحوي ووهب بن جرير وعلي بن نصر الجهضمي. كان خيرا متواضعا ذا زهد وعفاف. يقال أنه دعا بمكة أن يرزقه الله علما لم يسبق إليه. فرجع إلى البصرة وقد فتح عليه بالعروض فوضعه، فهو أول من وضعه وصنف كتاب العين في اللغة. وقد ذكره أبو حاتم ابن حبان في كتاب الثقات فقال: يروي المقاطيع. وقال النضر بن شميل: أقام الخليل بن أحمد في خص بالبصرة، ولا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال. وكان آية في الذكاء وكان سبب موته أنه قال: أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى الفامي فلا يمكنه أن يظلمها. فدخل المسجد وهو يعمل فكره، فصدمته سارية وهو غافل فانصرع ومات، قيل سنة خمس وسبعين ومائة وقيل سنة سبعين وقيل سنة ستين ومائة. وكانت له معرفة بالإيقاع والنغم وذلك هو الذي أحدث له علم العروض فإنهما متقاربان في المأخذ. وقال حمزة الأصبهاني في كتاب التنبيه على حدوث التصحيف:
وبعد فإن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم تكن لها أصول عند علماء العرب من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه احتذاه، وإنما اخترعه من ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طست. ليس فيهما حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما، أو يفسدان عين جوهرهما. فلو كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة ليشك فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يضعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره.
ومن تأسيسه بناء كتاب العين الذي يحصر فيه لغة كل أمة من الأمم قاطبة، ثم من إمداده سيبويه في علم النحو بما صنف كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام. وقال حمزة أيضا في كتاب الموازنة بين العربية والعجمية: وللعرب فضل على غيرهم من الأمم بما اتفق لعلماء لغاتهم من تقييد ألفاظهم في بطون الكتب.
وعلماء الفرس تدعي مشاركتهم في هذه الفضيلة، ويزعمون أن لغتهم كانت منتشرة ذاهبة في الضياع على غير نظام إلى أن ظهر لجمعها بعد انتشارها فيلسوف دولة الإسلام الخليل بن أحمد الفرهودي، ومن الفرس كان أصله، لأنه من فراهيد اليمن وكانوا من بقايا أولاد الفرس الذين فتحوا بلاد اليمن لكسرى. وكان جد الخليل من أولئك. فمن أجل أن الخليل كان من الفرس، صارت لنا مشاركة في مفاخر العرب بما أثله الخليل بهم. فزعموا أن للخليل ثلاثة أياد عند العرب كبار لم يشد مثلها إليهم عربي منهم، أحدها: ما نهج لتلميذه سيبويه من التأتي لتأليف كتابه حتى علمه كيف يفرق لهم جمهور النحو أبوابا، ويجنس الأبواب أجناسا ثم يتنوع الأجناس أنواعا حتى أخرجه معجز التأليف فقيد به على العرب منطقهم حتى سلم أعقابهم للإعراب من هجنة اللحن وخطاء القول.
الثانية: اختراعه لأشعارهم ميزانا حذاه على غير مثال، وهو العروض التي إليها مفزع من خذله الطبع ولم يساعده الذوق من الشعراء ورواة الأشعار. فصار أثره لاختراع هذا العلم كأثر الفيلسوف أرسطاليس في شرح علم حدود المنطق.
الثالثة: ما منحهم في لغتهم من حصره إياها في الكتاب الذي سماه كتاب العين. فبدأ فيه بسياقه مخارج الحروف، وأظهر فيه حكمة لم تقع مثلها للحكماء من اليونان. فلما فرغ من سرد مخارج الحروف، عدل إلى إحصاء أبنية الأشخاص وأمثلة أحداث الأسماء. فزعم أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع في الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير ينساق إلى اثني عشر ألف ألف وثلاث مائة ألف وخمسة آلاف وأربع مائة واثني عشر ألفا، الثنائي منها ينساق إلى سبع مائة وست وخمسين، والثلاثي إلى تسعة عشر ألف وست مائة وخمسين، والرباعي إلى أربع مائة وأحد وتسعين ألفا وأربع مائة. والخماسي إلى أحد عشر ألف ألف وسبع مائة وثلاثة وتسعين ألفا وست مائة. قالوا: فقد شاركنا العرب في فضيلة لغتها ومزية نحوها وحلية عروض قريضها، إذ كان الخليل مثيرها من مكمنها وهو منا.
وسأل الخليل بن أحمد رجل: من أي العرب أنت؟ فقال: فراهيدي، وسأله آخر فقال: فرهودي. قال المبرد: قوله: فراهيدي انتسب إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن مضر بن الأزد. وقوله فرهودي، انتسب إلى واحد من الفراهيد وهو فرهود، والفراهيد: صغار الغنم. وكان الناس يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع. وكان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى مات. وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد وهو:

وفي ترجمة أبي جعفر أحمد بن محمد اليزدي شيء يتعلق بجمع حروف المعجم في بيت واحد.
ويقال أنه كان عند رجل دواء لظلمة العين ينتفع به الناس فمات وأضر ذلك بمن كان يستعمله. فقال الخليل بن أحمد: أله نسخة معروفة؟ قالوا: لا، قال: فهل له آنية كان يعمل فيها؟ قالوا: نعم إناء كان يجمع فيه الأخلاط. فقال: جيئوني به فجاؤه به، فجعل يشمه ويخرج نوعا نوعا حتى ذكر خمسة عشر نوعا. ثم سأل عن جميعها ومقدارها، فعرف ذلك ممن يعالج مثله، فعمله وأعطاه الناس فانتفعوا به مثل تلك المنفعة. ثم وجدت النسخة في كتب الرجل فوجدوا الأخلاط ستة عشر خلطا كما ذكر الخليل لم يفته منها إلا خلط واحد. وقال الخليل: ثلاثة أشياء ينسين المصائب: مر الليالي والمرأة الحسناء ومحادثة الرجال. قال علي بن نصر الجهضمي: رأيت الخليل بن أحمد في النوم فقلت له: ما صنع الله بك؟ فقال: أرأيت ما كنا فيه لم يكن شيئا، وما وجدت أفضل من سبحان الله والحمد لله والله أكبر.
وقال الخليل: اجتزت في بعض أسفاري براهب في صومعة، فوقفت عليه والمساء قد أزف جدا، وخفت من الصحراء. فسألته أن يدخلني فقال: من أنت؟ قلت: الخليل بن أحمد، فقال: أنت الذي يزعم الناس أنك وجيه واحد في العلم بعلم العرب؟ فقلت: كذا يقولون، ولست كذلك فقال: إن أجبتني عن ثلاث مسائل جوابا مقنعا فتحت لك الباب وأحسنت ضيافتك وإلا لم أفتح لك. فقلت: وماهي؟ قلا: ألسنا نستدل على الغائب بالشاهد؟ فقلت: بلى، قال: فأنت تقول أن الله تعالى ليس بجسم ولا عرض، ولسنا نرى شيئا بهذه الصفة. وأنت تزعم أن الناس في الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون. وأنت لم تر آكلا ولا شاربا إلا متغوطا. وأنت تقول أن نعيم أهل الجنة لا ينقضي وأنت لم تر شيئا إلا منقضيا. قال الخليل: فقلت له بالشاهد الحاضر استدللت على ذلك كله. أما الله تعالى فإنما استدللت عليه بأفعاله الدالة عليه ولا مثل له. وفي الشاهد مثل ذلك وهو الروح التي فيك وفي كل حيوان تعلم أنك تحس بها، وهي تحت كل شعرة منا، ونحن لا ندري أين هي ولا كيف هي ولا ما صفتها ولا ما جوهرها. ثم نرى الإنسان يموت إذا خرجت ولا يحس بشيء خرج منه، وإنما استدللنا عليها بأفعالها وبحركاتها، وتصرفنا بكونها فينا.. وأما قولك أن أهل الجنة لا يتغوطون مع الأكل، فالشاهد لا يمنع ذلك. ألا ترى الجنين يغتذي في بطن أمه ولا يتغوط. وأما قولك أن نعيم أهل الجنة لا ينقضي مع أن أوله موجود، فإنا نجد أنفسنا نبتدئ الحساب بالواحد ثم لو أردنا أن لا ينقضي لما لا نهاية له لم نكرره واعداده تضعيفه إلى انقضاء ما. قال: ففتح الباب لي وأحسن ضيافتي.
قال ياقوت في معجم الأدباء: هذا الجواب كما شرط الراهب إقناعي لا قطعي. وكان عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة يأتي جارا له يقول بالنجوم، فدخل في قلبه شيء، فجاء إلى الخليل فقال له: أنت عبد الله بن الحسن؟ قال: نعم، فسأله عن شيء من القدر فقال الخليل: أخبرني عن الحاء من أين مخرجها؟ قال: من الحلق، قال فأخبرني عن الباء من أين مخرجها؟ فقال: من طرف اللسان. قال: تقدر أن تخرج هذه من مخرج هذه؟ قال: لا، قال: قم فإنك مائق، ثم أنشأ يقول:
ويقال أن الخليل لما أراد أن يضع العروض خلا في بيت ووضع بين يديه طستا أو ما أشبه ذلك، وجعل يقرعه بعود ويقول: فاعلن مستفعلن فعولن، فسمعه أخوه فخرج إلى المسجد وقال: إن أخي قد أصابه جنون، وأدخلهم عليه وهو يضرب الطست. فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما لك أأصابك شيء؟ أتحب أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك!!؟ فقالوا: أخوك يزعم أنك خولطت، فقال:
قال الناشئ يهجو داود بن علي الأصبهاني الفقيه:
وأنشد علي بن هرون عن أبيه في معناه:
والخليل معدود من الشعراء العلماء، وشعره كثير ويقال أن أول من تسمى في الإسلام بأحمد هو أحمد والد الخليل. ومن تصانيفه: العين، الجمل، كتاب النغم، كتاب العروض، كتاب الشواهد، كتاب النقط والشكل. وروي أن الليث بن المظفر بن نصر بن سيار صحب الخليل مدة يسيرة، وأن الخليل عمل له كتاب العين وأحذاه طريقته. وعاجلت الخليل المنية فتممه الليث بن المظفر، وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة الليث. قال ياقوت وجدت على ظهر جزء من كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري:
#وهو كتاب العين إلا أنه قد غيره
#وهو كتاب العين إلا أنه قد صبغه
#وهو كتاب العين إلا أنه قد بدله

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 13- ص: 0

الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ويقال الفرهودي نسبة إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن مضر الأزدي البصري، العروضي النحوي اللغوي: سيد الأدباء في علمه وزهده. قيل: أول من سمي في الإسلام أحمد أبو الخليل. ويكنى أبا عبد الرحمن وهو من أعمال عمان من قرية من قراها، وانتقل إلى البصرة. مات سنة خمس وسبعين ومائة عن أربع وسبعين سنة. وقيل إنه مولى الفراهيد، وأصله من الفرس.
قال المؤلف: وهذا القول عندي صحيح، وذاك لأنه لم يذكر أحد في نسبه أكثر من الخليل بن أحمد لم يزد أحد عليه، ولو كان عربيا لم يخف ذلك عن الأئمة العلماء الذين كتبوا أنساب الأراذل الخاملي الذكر، فكيف مثل هذا الإمام مع كثرة تلاميذه المتقنين، أما كان منهم رجل سأله عن نسبه فيكتبه فيما كتب من أخباره وأشعاره؟! قال حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب «الموازنة بين العربية والعجمية»:
وللعرب فضل على غيرهم من الأمم بما اتفق لعلماء لغتهم من تقييد ألفاظهم في بطون
الكتب، وعلماء الفرس تدعي مشاركتهم في هذه الفضيلة، ويزعمون أن لغتهم كانت منتشرة ذاهبة في الضياع على غير نظام، إلى أن ظهر بجمعها بعد انتشارها فيلسوف دولة الإسلام الخليل بن أحمد الفرهودي، ومن الفرس كان أصله لأنه من فراهيد اليمن، وكانوا من بقايا أولاد الفرس الذين فتحوا بلاد اليمن لكسرى. وكان جد الخليل من أولئك، فضمه إلى وهرز لتدبير جيشه، وحصل باليمن فتناسل بها أولاده، وصاهروا قبائل الأزد، فادعاهم الأزد، وبالبلدية والقرابة ضم الخليل سيبويه إلى نفسه حتى خرجه، فمن أجل أن الخليل كان من الفرس صارت لنا شركة في مفاخر العرب بما أثله الخليل لهم، فزعموا أن للخليل ثلاثة أياد عند العرب كبار لم يسد مثلها إليهم عربي منهم: أحدها ما نهج لتلميذه سيبويه من التأتي لتأليف كتابه حتى علمه كيف يفرق جمهور النحو أبوابا، وتجنس الأبواب أجناسا، ثم تنوع الأجناس أنواعا حتى أخرجه معجز التأليف، فقيد به على العرب منطقهم حتى سلم أعقابهم للإعراب وتقويم اللسان من هجنة اللحن وخطأ القول.
الثانية: اختراعه لأشعارهم ميزانا حذاه على غير مثال، وهو العروض التي إليها مفزع من خذله الطبع، ولم يساعده الذوق من الشعراء ورواة الأشعار، فصار أثره لاختراع هذا العلم كأثر الفيلسوف أرسطا طاليس في شرح علم حدود المنطق.
الثالثة: ما منحهم في لغتهم من حصره إياها في الكتاب الذي سماه كتاب «العين» فبدأ فيه بسياقة مخارج الحروف، وأظهر فيه حكمة لم يقع مثلها للحكماء من اليونانيين. فلما فرغ من سرد مخارج الحروف عدل إلى إحصاء أبنية الأشخاص وأمثلة أحداث الأسماء، فزعم أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير ينساق إلى اثني عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة آلاف وأربعمائة واثني عشر. الثنائي منها ينساق إلى سبعمائة وستة وخمسين، والثلاثي إلى تسعة عشر ألف وستمائة وستة وخمسين.
والرباعي إلى أربع مائة وواحد وتسعين ألفا وأربعمائة. والخماسي إلى أحد عشر ألف ألف وسبعمائة وثلاثة وتسعين ألفا وستمائة. قالوا: فقد شاركنا في فضيلة لغتها ومزية نحوها، وحلية عروض قريضها شرك العنان إذ كان الخليل مثيرها من مكمنها وهو منا.
قال السيرافي: كان الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله.
أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وروى عن أيوب وعاصم الأحول وغيرهما، وأخذ عنه الأصمعي وسيبويه والنضر بن شميل وأبو فيد مؤرج السدوسي وعلي بن نصر الجهضمي وغيرهم. وهو أول من استخرج العروض وضبط اللغة وحصر أشعار العرب، يقال إنه دعا بمكة أن يرزقه الله تعالى علما لم يسبق به، فرجع وفتح عليه بالعروض، وكانت معرفته بالايقاع، وهو الذي أحدث له علم العروض وكان يقول الشعر فينظم البيتين والثلاثة ونحوها.
قال الخليل بن أحمد: دخلت على سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ووجدته يسقط في كلامه، فجلست حتى انصرف الناس، فقال: هل حاجة يا أبا عبد الرحمن! قلت أكبر الحوائج. قال: قل فإن مسائلك مقضية ووسائلك قوية.
قلت: أنت سليمان بن علي، وكان علي في العالم عليا وكان عبد الله بن العباس الحبر والبحر، وكان العباس بن عبد المطلب إذا تكلم أخذ سامعه ما يأخذ النشوان على نقر العيدان، وأراك تسقط في كلامك، وهذا لا يشبه محتدك ومنصبك، قال فكأنما فقأ في وجهه الرمان خجلا فقال: لن تسمعه بعدها. ثم احتجب عن الناس، وأكب على النظر ثم أذن للناس في مجلس عام، فدخلت في لمة الناس فوجدته يفصح حتى خلته معد بن عدنان، فجلست حتى انصرف الناس. فقال: كيف رأيت أبا عبد الرحمن؟ فقلت رأيت كل ما سرني في الأمير، وأنشدت:

وانصرفت فاستتبعني غلام على كتفه بدرة فرددتها عليه وكتبت إليه:
سأل رجل الخليل بن أحمد: من أي العرب أنت؟ فقال: فراهيدي، وسأله آخر فقال: فرهودي. قال المبرد: قوله فراهيدي انتسب إلى فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن مضر بن الأزد. وقوله فرهودي انتسب إلى واحد من الفراهيد، وهو فرهود، والفراهيد صغار الغنم.
وكان الخليل أعلم الناس وأذكاهم وأفضل الناس وأتقاهم، وكانوا يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع، ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع. وكان الخليل أشد الناس تعففا. ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرضون له لينال منهم فلم يكن يفعل، وكان يعيش من بستان له خلفه عليه أبوه بالحربية. وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت، وأول من جمع الحروف في بيت واحد الخليل، فقال:
قيل: كان عند رجل دواء لظلمة العين ينتفع به الناس فمات وأضر ذلك بمن كان يستعمله. فقال الخليل بن أحمد: أله نسخة معروفة؟ قالوا: لم نجد نسخته. قال فهل له آنية يعمله فيها؟ قالوا: نعم، إناء كان يجمع الأخلاط فيه. قال: فجيئوني به. فجعل يشمه ويخرج نوعا نوعا حتى ذكر خمسة عشر نوعا، ثم سأل عن جمعها ومقدارها، فعرف ذلك ممن يعالج مثله، فعمله فأعطاه الناس فانتفعوا به مثل تلك المنفعة، ثم وجدت النسخة في كتب الرجل فوجدوا الأخلاط ستة عشر خلطا كما ذكر
الخليل لم يغفل منها إلا خلطا واحدا.
وقال الخليل: كنت أخرج من منزلي فألقى رجلا من أربعة: رجلا أعلم مني فهو يؤم فائدتي، ورجلا مثلي فهو يؤم مذاكرتي، ورجلا متعلما مني فهو يؤم ثوابي، ورجلا دوني في الحقيقة، وهو يرى أنه فوقي ويحاول أن يتعلم مني وكأنه يعلمني فذاك الذي لا أكلمه ولا أنظر إليه.
وقال: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك غافل فنبهوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك مائق فاحذروه.
وقال الناشئ يهجو داود بن علي الأصبهاني الفقيه:
وأنشد علي بن هارون عن أبيه في معناه:
وقال الخليل: تكلم أربعة أملاك بأربع كلمات كأنها رمية واحدة. قال كسرى: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت. وقال قيصر: لا أندم على ما لم أقل، وقد أندم على ما قلت. وقال ملك الصين: إذا تكلمت بالكلمة ملكتني، وإذا لم أتكلم بها ملكتها. وقال ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن وقعت عليه ضرته، وإن لم ترفع عليه لم تنفعه. قال الخليل: وطلبت لها نظائر في أشعار العرب فوجدت منها في قول الشاعر:
وقال الآخر:
وقال الآخر:
وقال الآخر:
وليس بالنافع إما سترا
وقال الخليل: ثلاثة ينسين المصائب: مر الليالي، والمرأة الحسناء، ومحادثة الرجال.
وقال:
وله:
كان عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة يأتي جارا له يقول بالنجوم، فدخل قلبه شيء، فجاء الخليل فسأله، فقال له الخليل: أخبرني عن الحاء من أين مخرجها؟ قال: من الحلق. قال: فأخبرني عن الباء من أين مخرجها؟ قال: من طرف اللسان. قال: أفتقدر أن تخرج هذه من مخرج تلك؟ قال: لا. قال: قم
فإنك مائق، ثم أنشأ يقول:
وأنشد للخليل:
وله في وصف البصرة، ويروى لأبي عيينة:
قال وهب بن جرير: خرج أبي والخليل والفضل بن المؤتمن العبلي إلى سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة إلى الأهواز فبدأ بعطاء الاثنين قبل الخليل. فكتب إليه بأبيات تمثل بها:
ورحل عنه فوجه إليه ألف دينار فردها عليه، وقال: هيهات أفلتت قائبة عن قوبها. القائبة البيضة، والقوب: الفرخ، وهو مثل ضربه.
وروي أن سليمان بن حبيب وجه إلى الخليل وهو يومئذ والي فارس والأهواز
يستدعيه لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى رسوله خبزا يابسا، وقال له: كل، فما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان، وقال:
قيل: قطع سليمان جاريا كان يجريه عليه، فقال الخليل:
فبلغت سليمان فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه، وأضعف جاريه، فقال الخليل:
وله:
حدث علي بن نصر الجهضمي قال: رأيت الخليل بعدما مات في النوم، فقلت له: ما صنع الله بك؟ قال: رأيت ما كنا فيه لم يكن شيئا، وما وجدت أفضل من «سبحان الله والحمد لله والله أكبر» .
قيل: وكان الخليل يحب أن يرى عبد الله بن المقفع، وكان عبد الله يحب ذلك، فجمعهما عباد بن عباد المهلبي فتحادثا ثلاثة أيام ولياليهن، ثم افترقا. فقيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع؟ فقال: ما رأيت مثله قط، وعلمه أكثر من عقله.
وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ فقال: ما رأيت قط مثله، وعقله أكثر من علمه. وصدق في ذلك، أدى عقل الخليل إلى أن مات وهو أزهد الناس، وأدى جهل ابن المقفع إلى أن قتل على ما ذكرناه في بابه من هذا الكتاب.
وسئل الخليل، فقيل له: ما الجود؟ قال: بذل الموجود. قيل: فما الزهد؟ قال: ألا تطلب المفقود حتى يفقد الموجود. وقال الخليل: الناس في سجن ما لم يتمازحوا، وأنشد لنفسه:
وكان يقول: إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات، ولم يقابل انقلب بالفارسية.
وكان الخليل صديقا لسليمان بن حبيب. وكثر الزوار عليه فتشاغل عنهم، فقدم الخليل بن أحمد فسألوه أن يذكره أمرهم فكتب إليه:
وله، وقد رويت للأحنف بن قيس وقد لامه قومه على كثرة الحلم:
مولد الخليل سنة مائة، وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة. قيل: أقام الخليل في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال.
ولقد سمعه النضر بن شميل يقول: إني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي.
وقد روي في سبب وضع الخليل كتاب العروض ما ذكره عبد الله بن المعتز أن الخليل مر في سكة القصارين في البصرة فسمع دق الكوادين بأصوات مختلفة، فوقف يسمع اختلافه، ثم قال: والله لأصنعن على هذا المعنى علما غامضا، فوضع العروض.
وحدث النضر بن شميل قال: كان أصحاب الشعر يمرون بالخليل فيتكلمون في النحو، فقال الخليل: لا بد لهم من أصل، فوضع العروض. وخلا في بيت، ووضع بين يديه طستا أو ما أشبه الطست، فجعل يقرعه بعود ويقول: فاعلن مستفعلن فعولن، قال: فسمعه أخوه، فخرج إلى المسجد، فقال إن أخي قد أصابه جنون، فأدخلهم عليه وهو يضرب الطست، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما لك؟ أصابك شيء؟ أتحب أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: أخوك زعم أنك قد خولطت، فأنشأ يقول:
قال أبو محمد اليزيدي: قصدت الخليل في بعض الأيام، فلما دخلت عليه ألفيته جالسا على طنفسة صغيرة، فأوسع لي فكرهت التضييق عليه، فقال: لا يضيق سم الخياط مع متحابين، ولا تسع الدنيا متباغضين، وأنشد:
كتب سليمان بن حبيب إلى الخليل أن اكتب لي النحو في ثلاث كلمات ولا تزد عليها، فكتب إليه: الرفع موسوم بالوصف، والخفض مجرور الإضافة، وما لا سبيل إليه فهو نصب.
وأنشد للخليل:
وقال الخليل: من أخطأته المنايا قيدته الليالي والسنون.
حدث الخليل بن أحمد قال: اجتزت في بعض أسفاري براهب في صومعة فدققت عليه والمساء قد أزفت جدا، وقد خفت من الصحراء وسألته أن يدخلني، فقال: من أنت؟ قلت: أنا الخليل بن أحمد. فقال: أنت الذي يزعمه الناس وجها واحدا في العلم بأمر العرب؟ فقلت: كذا يقولون، ولست كذلك. فقال: إذا أجبتني عن ثلاث مسائل جوابا مقنعا فتحت لك الباب، وأحسنت ضيافتك وإن لم تجب لم أفتح لك. قلت: وما هي؟ قال: ألسنا نستدل على الغائب بالشاهد؟
فقلت: بلى. قال: فأنت تقول: الله عز وجل ليس بجسم ولا عرض، ولا نرى شيئا بهذه الصفة. وأنت تزعم أن الناس في الجنة يأكلون ويشربون، ولا يتغوطون، وأنت لم تر آكلا شاربا إلا متغوطا، وأنت تقول: إن نعيم أهل الجنة لا ينقضي، وأنت لم تر شيئا إلا منقضيا. قال: فقلت له، بالشاهد الحاضر استدللت على ذلك كله. أما الله تعالى فإنما استدللت عليه بأفعاله الدالة عليه، ولا مثل له. وفي الشاهد مثل ذلك، وهي الروح التي فيك وفي كل حيوان تعلم أنك تحس بها تحت كل شعرة منها، ونحن لا ندري أين هي، ولا كيف هي، ولا ما صفتها، ولا جوهرها، ثم ترى الإنسان يموت إذا خرجت، ولا يحس بشيء خرج منه. وإنما استدللنا عليها بأفعالها وبحركاتها، وتصرفنا بكونها فينا. وأما قولك إن أهل الجنة لا يتغوطون مع الأكل، فالشاهد لا يمنع ذلك، ألا ترى الجنين يغتذي في بطن أمه ولا يتغوط؟ وأما قولك إن نعيم أهل الجنة لا ينقضي مع أن أوله موجود، فإنا نجد أنفسنا نبتدئ الحساب بالواحد، ثم إذا أردنا ألا ينقضي إلى ما لا نهاية له لم نكرره وأعداده تضعيفه إلى انقضائها. قال: ففتح لي الباب، وأحسن ضيافتي.
قال المؤلف: هذا الجواب كما شرط الراهب إقناعي لا قطعي.
وكان سفيان الثوري يقول: من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب
والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد.
ويروى عن النضر بن شميل أنه قال: كنا نميل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهما نقدم في الزهد والعبادة فلا ندري أيهما نقدم. وكان يقول: ما رأيت رجلا أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد. وكان يقول: أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه، وهو في خص لا يشعر به. وكان يحج سنة ويغزو سنة، وكان من الزهاد المنقطعين إلى الله تعالى. وكان يقول: إن لم تكن هذه الطائفة أولياء الله تعالى فليس لله ولي.
وللخليل من التصانيف: كتاب الإيقاع. وكتاب الجمل. وكتاب الشواهد.
وكتاب العروض. وكتاب العين في اللغة، ويقال إنه لليث بن نصر بن سيار، عمل الخليل منه قطعة وأكمله الليث. وله كتاب فائت العين. وكتاب النغم. وكتاب النقط والشكل، وغير ذلك.
ومن شعره أيضا:
توفي سنة ستين ومائة وقيل سبعين ومائة وله أربع وسبعون سنة.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 1260

الخليل الإمام، صاحب العربية، ومنشىء علم العروض، أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، أحد الأعلام.
حدث عن: أيوب السختياني، وعاصم الأحول، والعوام بن حوشب، وغالب القطان.
أخذ عنه سيبويه النحو، والنضر بن شميل، وهارون بن موسى النحوي، ووهب بن جرير، والأصمعي، وآخرون.
وكان رأسا في لسان العرب، دينا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن. يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض، وله كتاب ’’العين’’ في اللغة.
وثقه ابن حبان. وقيل: كان متقشفا، متعبدا. قال النضر: أقام الخليل في خص له بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وكان كثيرا ما ينشد:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد
ذخرا يكون كصالح الأعمال
وكان -رحمه الله- مفرط الذكاء. ولد: سنة مائة. ومات: سنة بضع وستين ومائة. وقيل: بقي إلى سنة سبعين ومائة.
وكان هو ويونس إمامي أهل البصرة في العربية، ومات ولم يتمم كتاب ’’العين’’، ولا هذبه، ولكن العلماء يغرفون من بحره.
قال ابن خلكان: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الأزدي، قيل: كان يعرف علم الإيقاع والنغم، ففتح له ذلك علم العروض. وقيل: مر بالصفارين، فأخذه من وقع مطرقة على طست.
وهو معدود في الزهاد، كان يقول: إني لأغلق علي بابي، فما يجاوزه همي.
وقال: أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا عند الأربعين.
وعنه قال: لا يعرف الرجل خطأ معلمه حتى يجالس غيره.
قال أيوب بن المتوكل: كان الخليل إذا أفاد إنسانا شيئا، لم يره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئا، أراه بأنه استفاد منه.
قلت: صار طوائف في زماننا بالعكس.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 97

خليل بن أحمد، النحوي، البصري، الفراهيدي، الأزدي.
سمع منه حماد بن زيد، وعلي بن نصر، والنضر بن شميل وقال النضر بن شميل: خليل الفرهودي.
وهو من فراهيد، أبو عبد الرحمن.
سمع منه عبد الله بن محمد الجعفي.
وهو صاحب العروض.
عن عثمان بن حاضر، أو ابن أبي حاضر.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 3- ص: 1

الخليل بن أحمد
وأما الخليل بن أحمد، فهو أبو عبد الرحمن بن أحمد البصري الفرهودي الأزدي، سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وزهده، والغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله. وكان من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء.
وأخذ عنه سيبويه؛ وعامة الحكاية في كتاب سيبويه عن الخليل؛ فكلما قال سيبويه: سألته، أو قال: قال من غير أن يذكر قائله؛ فهو الخليل بن أحمد.
وأخذ عنه أيضاً النضر بن شميل وأبو فيد مؤرج السدوسي وعلي بن نصر الجهضمي وغيرهم.
وهو أول من استخرج علم العروض، وضبط اللغة، وأملى كتاب العين على الليث بن المظفر.
وكان أول من حصر أشعار العرب. وكان يقول البيتين والثلاثة ونحوها في الآداب؛ مثل ما روى عنه أنه كان يقطّع العروض، فدخل عليه ولده في تلك الحالة، فخرج إلى الناس وقال: إن أبي قد جُنَّ، فدخل الناس عليه فرأوه يقطّع العروض، فأخبروه بما قال ابنه، فقال له:

وكما روى عنه أيضاً:
وكان رحمه الله تعالى من الزهاد في الدنيا المعرضين عنها. ويروى أنه وجه إليه سليمان بن علي من الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزاً يابساً، وقال: كلْ فما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان، فقال له الرسول: فما أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول:
ويحكى عنه أنه قال: إن لم تكن هذه الطائفة - يعني أهل العلم - أولياء الله تعالى فليس لله تعالى وَلِيّ.
ويروى عن سفيان أنه كان يقول: من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك؛ فلينظر إلى الخليل بن أحمد.
ويروى عن النضر بن شميل أنه قال: كنا نمثل بين ابن عون والخليل بن أحمد، أيهما نقدم في الزهد والعبادة؟ فلا ندري أيهما نقدم!
وكان النضر يقول: ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد.
وكان يقول: أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه؛ وهو في خص لا يشعر به أحد.
وما يحكى عنه من العلم والزهد أشهر من أن ينشر، وأظهر من أن يذكر. توفي سنة ستين ومائة رحمة الله عليه ورضوانه.

  • مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن-ط 3( 1985) , ج: 1- ص: 45

  • دار الفكر العربي-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 49

  • مطبعة المعارف - بغداد-ط 1( 1959) , ج: 1- ص: 29

الخليل بن أحمد الأزدي
أخذ علم النحو عن أبي عمرو بن العلاء.
واخترع علم العروض، ومعرفة أوزان أشعار العرب.
ويقال أيضا: إنه نظر في علم النجوم، وفهمه، فلم يحمده،
وقال رحمه الله:

وله قطع مختارة، فمنها ما خاطب به أخاه، وكان أنكر عليه حالا رآها منه، فقال، رحمه الله تعالى:
وقال أيضا، عفا الله عنه:
وقال أيضا، رحمه الله:
وروى أبو بكر ابن الأنباري، أظنه عن أبيه، عن علي بن نصر الجهضمي، قال: ورد الخليل بن أحمد - ويقال: إنه لم يسم في الإسلام قبله أحمد - إلى سليمان بن حبيب بن المهلب، إلى الأهواز، وكان صديقا له، فأقام عنده مدة، فكتب رقعة وانصرف، فلم يجده عند ظنه به، فكتب رقعة، وكان في الرقعة:
وكتب إليه:
الأبيات، وسنذكرها بكمالها.
وروى ابن الأنباري أيضا، أن سليمان بن حبيب أهدى إليه هدية لم يرضها، فكتب إليه:
وله أيضا:
وغير ابن الأنباري يقول: إن سليمان بن علي الهاشمي كتب إليه
يستدعيه، وبعث إليه بمال وفاكهة، ورد المال، وكتب إليه بهذه الأبيات:
ولم يختلف في زهده.
ويروى أن صديقا له ولي ولاية، فكتب إليه: الحق بي. فجاء الرسول وهو يأكل كسرة، فقال: قل له: أما دمت أصبر على الكسرة فلست أبلغك.
وأنشده يقول:
وله ’’ كتاب في العروض ’’، وكتاب ’’ العين ’’.
وهو أول من صنف اللغة على حروف المعجم.
قال الشاعر يعني ابن دريد، لما عمل كتابه المعروف ’’ الجمهرة ’’:
في أبيات تركناها.
وتوفي الخليل سنة سبعين ومائة، وقد قيل: سنة خمس وسبعين ومائة.
وقال الجاحظ: له ’’ كتاب في الألحان ’’.
ومن شعره، يذكر كتابي عيسى بن عمر:
وكان يقال لأحدهما ’’ المكمل ’’، والآخر ’’ الجامع ’’.
ويروى أنه دخل على المنصور، فقال له المنصور: قد قلت بيتا فأجزه.
فقال: وما هو؟
فقال:
فأطرق ساعة، ثم قال:
فأمر له بجائزة.

  • هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - مصر-ط 2( 1992) , ج: 1- ص: 123

الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، أبو عبد الرحمن البصري الفراهيدي، الأزدي، النحوي، اللغوي، الزاهد
كان يمتنع عن قبول عطايا الملوك، فكان قوته من بستان ورثه من أبيه، وكان يحج سنة ويغزو سنة، إلى أن مات. له المصنفات المشهورة، منها: ’’كتاب العين’’.
ولم يكمله. قيل: كمله النضر بن شميل وقيل: أراد الليث إتمامه، فسمي لسانه الخليل، فإذا قال: ’’أخبرني الخليل’’ أراد به الخليل بن أحمد. وإذا قال: ’’قال الخليل’’ فإنه يعني به لسانه. فجاء في الكتاب خلل لذلك.
وقال ابن المعتز: وصنف الخليل كتابه لبعض الأمراء، فعني به ذلك الأمير، واشتغل به ليلا ونهارا، وكانت له حظية، فغارت فأحرقته، فجزع الأمير له وتأسف، فجمع من أمكنه من العلماء، وأملي عليهم النصف الأول من صدره، وأمرهم بإتمام ما بقي، فحصل به الخلل من هذا الوجه. والله أعلم.
وهو أول من اخترع العروض والقوافي
ومات سنة سبعين ومائة، أو خمس وسبعين

  • جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 21

  • دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 133

(فق) الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي وقيل الباهلي أبو عبد الرحمن البصري النحوي.
وفي «تاريخ البخاري»: وقال النضر بن شميل: الفرهودي، وهو من فراهيد.
قال الكلبي والبلاذري وأبو عبيد ابن سلام وأبو الفرج الأموي المؤرج، وابن دريد في «الاشتقاق»: فرهود بن شبابة. وقال في كتاب «جمهرة اللغة»: فرهود بن الحارث. قال الرشاطي: والأول هو الصواب، شبابة والحارث أخوان. قال: وقال أبو جعفر: حكى قطرب أن الفرهود الغلام الكبير. وقال عن أبي عبيدة: الفراهيد أولاد الوعول. قال أبو جعفر: والنسب إليه فراهدي مثل معافري قال أبو محمد: وهذا القول لم أره لغيره.
وفي «المحكم» لابن سيده: الفرهود هو الحادر الغليظ، وقيل الناعم.
وقال كراع: جمع الفرهد فراهيد كما جمع هدهد هداهيد. قال: ولا يؤمن كراع على هذا، وإنما يؤمن عليه سيبويه وشبهه.
وفراهيد حي من اليمن، وفرهود أبو بطن.
وفي كتاب «العباب» للصغاني: الفرهود الفروج.
ذكر ابن الصلاح - فيما وجد بخطه - أنه رأى بخط السمعاني في كتاب «الأنساب» تأليفه: الفراهيدي. بالذال المعجمة.
وقال أبو بكر الزبيدي: الخليل بن
أحمد بن عمرو بن تميم كان ذكيا فطنا
شاعرا استنبط من العروض ومن علل النحو ما لم يستنبطه أحد وما لم يسبقه إلى مثله سابق، وتوفي سنة سبعين، وقالوا: سنة خمس وسبعين ومائة، وهو ابن أربع وسبعين سنة.
وزعم عبد الدائم القيرواني في كتاب «حلى العلي» - ومن نسخة قديمة جدا مصححة على عدة أصول نقلت -: توفي سنة ستين ومائة. كذا ذكره ابن قانع. قال عبيد ذلك، وذكر أنه تبع المهدي خيرا وأشعار كثيرة منها:

ولما ذكره التاريخي محمد بن عبد الملك في كتابه «أخبار النحويين»: أثنى عليه، إلا أنه كان زيديا ومن زيديته استنباطه العروض ليعارض به الكتاب والسنة.
وفي «العقد»: كان الخليل بن أحمد قد غلبت عليه الإباضية حتى جالس أيوب بن أبي تميمة، فأنقذه الله تعالى به.
وروينا في جزء عن ابن ناصر أن الأصمعي قال: سألت الخليل ممن هو؟ قال: نحن من أزد عمان من فراهيد. قلت: وما فراهيد؟ قال: جرو الأسد بلغة عمان. قال الأصمعي: وربما قال: الفرهودي، وأنشدني في فضل النحو فذكر أبياتا منها:
وقال في كتاب «التقريظ»: هو أوحد الصغير فريع الدهر وجهبذ الأئمة، وأستاذ أهل الفطنة الذي لم يربط مرة ولا عرف في الدنيا عديله حتى لقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز على الصراط بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والصحابة أحد زهدا من الخليل. وروى ثعلب: كان الخليل لم ير مثله.
وقال المرزباني في كتاب «المعجم»: أمه عنكشة، وكان من عقلاء الرجال وزهاد أهل البصرة، وذوي الفضل والورع منهم، وتنبه بحسن فطنته من أمر العروض وأوزان الشعر والعلم بالعربية والأبنية وتركيب الحروف بعضها من بعض على ما لم ينبه عليه أحد قبله ولم يبلغه فيه من بعده، وهو حكيم الإسلام غير مدافع، لا يعلم أنه اجتمع لأحد من أهل الإسلام من حسن الفهم وصحة الفطنة وذكاء القلب وحدة القريحة ونفاذ البصيرة ونزاهة النفس ما اجتمع له.
وكان صاحب سليمان بن حبيب المهلبي لما تقلد الأهواز فلم يحمد أمره فرجع إلى البصرة وقال:
ومما أبدع فيه قوله:
قال: لأنه وصف انقباض اليد بحالتين من الحساب مختلفتين في العدد متشاكلتين في الصورة.
وفي «بغية الساعة» لابن المفرج: يكفي فيه قول أبي عمرو بن العلاء: من أحب أن ينظر إلى رجل صيغ من ذهب فلينظر إلى الخليل، ثم أنشد:
وفي قول المزي: وزاد غير السيرافي بيتا ثالثا وهو:
نظر؛ لأن هذا ثابت في «كتاب السيرافي»، في نسخة كتبت عن القالي في الأصل.
وفي قول المرزباني: لا يعرف في نسبة الأقرب زيادة على أبيه. نظر؛ لما قدمناه من عند الزبيدي.
وفي «لطائف المعارف» لابن يوسف: كان الخليل أعرف، وكذا قول المزي: الباهلي، يحتاج إلى معرفة قائله قبله، فإني لم أره لغيره.
وقال أبو علي الصدفي: ثنا
المهراني بمصر، ثنا العباس بن يزيد البحراني، ثنا أمية بن خالد العلامة ولم يكن بالبصرة أوثق منه إلا الخليل بن أحمد، فإنه من الثقات.
وقال عبد الواحد في «مراتب النحويين»: كان الخليل أعلم الناس وأذكاهم، وأفضل الناس وأتقاهم.
وقال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى منه ولا أجمع.
وقال أبو محمد التوجي: اجتمعنا بمكة شرفها الله تعالى إذ تأكل أمر فقد الرواة أمر العلماء حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد إلا قال: الخليل أذكى العرب، وهو فاتح العلوم ومصرفها.
وعن علي بن نصر: كان أزهد الناس وأعلاهم نفسا وأشدهم تعففا، ولقد كان الملوك يقصدونه ليسأل منه، فلم يكن يفعل، وكان يعيش من يسار له خلفه أبوه بالحريبة.
وقال ثعلب: لم ير مثله.
وقال أبو العلاء في كتابه «جامع الأوزان»، لما ذكره المديد الرابع، قال: هو وزن قليل، زعم قوم أن الخليل وضع بيته، فإن العرب لم يأت عنها فيه شيء ولم يسمع إلا مردفا اسمه أحمد.
وذكره أبو عبد الله بن خلفون في «جملة الثقات»، وقول من قال: إن أبا الخليل أول من سمي بأحمد في الإسلام، وإغضاء المزي على ذلك غير جيد؛ لما ذكر في أبي السفر سعيد: أحمد فيما ذكره يحيى بن معين، وبأن أبا أحمد الشاعر صحابي، وبأن ابن العربي قال في ابن عجبان: وإن كان الناس
يخالفونه ويخالفون يحيى، ويقولون هو محمد فيصفوا بلا خلاف أبو أحمد.
وفي «كتاب الأزهري»: قال النضر بن شميل: ما رأى الراءون مثل الخليل، ولا رأى الخليل مثل نفسه، قال: وكان شعث الرأس، شاحب اللون، قشف الهيئة متخرق الثياب، منقطع القدمين.
وفي «كتاب السيرافي»: أنشد أبو محمد الترمذي شعرا لنفسه يمدح نحاة البصرة من أبيات ولقب فيها الخليل حية الوادي:
وفي كتاب «البغضاء» لعمرو بن بحر: صرف الخليل بن أحمد عن كل حكمة إلا عن النحو.

  • الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 4- ص: 1

الخليل بن أحمد الأزدي
من فراهيد البصرة كنيته أبو عبد الرحمن
صاحب العروض وكتاب العين يروي المقاطيع روى عنه حماد بن زيد وكان من خيار عباد الله من المتقشفين في العبادة حدثنا الحسن بن سفيان ثنا عبد العزيز بن منيب ثنا محمد بن يحيى الصائغ قال قال الخليل بن أحمد إن لم يكن لك لحم كفاك خل وزيت وإن لم يكن ذا وهذا فكسرة وبيت تظل فيه وتأوي حتى يجيئك موتك هذا لعمري كفاف فلن يغرك ليت

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 8- ص: 1

الخليل بن أحمد العروضيّ النّحويّ اللّغوي.
قال أحمد بن أبي خيثمة: لم يسمّ في الإسلام أحمد قبله، وهو من أعمال عمان، وانتقل إلى البصرة. ومات بها في سنة خمس وسبعين ومائة عن أربع وسبعين سنة. وقيل: إنه من أولاد الفرس، وسيبويه تلميذه، وهو الذي علّمه كيف يفرّق جمهور النّحو أبوابا، ويجنّس النّحو أجناسا، ثم ينوّع الأجناس أنواعا، حتى أخرجه معجزا، فقيّد به على العرب منطقهم، حتّى سلّموا أعقابهم من هجنة اللّحن، وخطإ القول.
ثم اخترع لأشعار العرب ميزانا، حذاه على غير مثال، وهو: العروض الذي إليه يفزع من خذله الطبع، ولم يساعده الذّوق من الشّعراء، فصار أثره في اختراع هذا العلم، كأثر الفيلسوف أرسطاطاليس في شرح علم حدود المنطق.
ثم حصر لغة العرب في كتاب العين، فبدأ فيه بسياقة مخارج الحروف، وأظهر فيه حكمة لم يتّفق مثلها للحكماء، فلمّا فرغ من سرد مخارج الحروف، عدل إلى إحصاء أبنية الأشخاص، وأمثلة إحداث الأسماء، فقال: أبنية كلام العرب: المستعمل والمهمل، على مراتبها الأربع: من الثّنائيّ والثّلاثيّ والرّباعيّ والخماسيّ من غير تكرير، ينساق إلى اثني عشر ألف ألف وثلاث مائة ألف وخمسة آلاف وأربع مائة واثني عشر، والثّنائيّ إلى سبع مائة وستة وخمسين، والثّلاثيّ إلى تسعة عشر ألفا وستّ مائة وستة وخمسين، والرّباعيّ إلى أربع مائة وتسعين ألفا وأربع مائة، والخماسيّ إلى أحد عشر ألف ألف وسبع مائة وثلاثة وتسعين ألفا وستّ مائة.
وكان الخليل أعلم أهل زمانه وأذكاهم، وأفضلهم، وأزهدهم، وأكثرهم قناعة، فكان الملوك يقصدونه ويعرضون عليه الأموال فيمتنع من قبولها، ويعيش من حاصل بستان خلّفه له أبوه بالحربية، ويحجّ سنة ويعزف سنة حتى مات.
ومن تصانيفه: كتاب العين في اللّغة، ورتّبه على أوائل حروف كلمات هذه الأبيات: وهي: [الطويل]

وله أيضا: كتاب الجمل في النّحو، وكتاب النغم، وكتاب العروض الذي اخترعه، ولم يكن سبق إليه، وكتاب الشواهد، وكتاب النّقط والشكل.
ومن شعره: [السريع]
وسبب هذين البيتين أنّ سليمان والي الأهواز كان قد أسقط عنه خراج بستان ثم طالبه به نوابه فقال ذلك.

  • دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 365

خليل بن أحمد النحوي أبو عبد الرحمن
صاحب العروض روى عن عثمان بن حاضر عن ابن عباس وعن أيوب السختياني روى عنه النضر بن شميل والأصمعي وعلي بن نصر ووهب بن جرير سمعت أبي يقول ذلك.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 3- ص: 1