الحسين السبط الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي العدناني، أبو عبد الله: السبط الشهيد، ابن فاطمة الزهراء. وفي الحديث: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ولد في المدينة، ونشأ في بيت النبوة، وإليه نسبة كثير من الحسينيين. وهو الذي تأصلت العداوة بسببه بين بني هاشم وبني أمية حتى ذهبت بعرش الأموييين. وذلك ان معاوية ابن أبي سفيان لما مات، وخلفه ابنه يزيد، تخلف الحسين عن مبايعته، ورحل إلى مكة في جماعة من اصحابه، فأقام فيها أشهرا، ودعاه إلى الكوفة أشياعه (وأشياع أبيه وأخيه من قبله) فيها، على ان يبايعوه بالخلافة وكتبوا إلبه انهم في جيش متهيء للوثوب على الأمويين. فأجابهم، وخرجمن مكة في مواليه ونسائه وذراريه ونحو الثمانين من رجاله. وعلم يزيد بسفره فوجه إليه جيشا اعترضه في كربلاء (بالعراق - قرب الكوفة) فنشب قتال عنيف أصيب الحسين فيه بجراح شديدة، وسقط عن فرسه، فقتله سان بن أنس النخعي (وقيل الشمر بن ذي الجوشن) وأرسل رأسه ونساؤه وأطفاله إلى دمشق (عاصمة الأمويين) فتظاهر يزيد بالحزن عليه. واختلفوا في الموضع الذي دفن فيه الرأس فقيل في دمشق وقيلفي كربلاء، مع الجثة، وقيل في مكان آخر، فتعددت المراقد، وتعذرت معرفة مدفنه. وكان مقتله (رض) يوم الجمعة عاشر المحرم، وقد ظل هذا اليوم حزن وكآبة عند جميع المسلمين ولاسيما الشيعة. وللفيلسوف الألماني (ماربين) كتاب سماه (السياسة الإسلامية) أفاض فيه بوصف استشهاد الحسين، وعد مسيره إلى الكوفة بنسائه وأطفاله سيرا إلى الموت، ليكون مقتله ذكرى دموية لشيعته، ينتقمون بها من بني أمية، وقال: لم يذكر التاريخ رجلا ألقى بنفسه وابنائه وأحب الناس إلبه في مهاوي الهلاك إحياءا لدولة سلبت منه، إلا الحسين، ذلك الرجل الكبي الذي عرف كيف يزلزل ملك الأمويين الواسع ويقلقل أركان سلطانهم. وكان نقش خاتمه (الله بالغ أمره). ومما كتب في سيرته (أبو الشهداء: الحسين بن علي - ط) لعباس محمود العقاد، و (الحسين بن علي - ط) لعمر أبي النصر، والحسين عليه السلام - ط) جزآن، لعلي جلال الحسيني

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 243

الحسين بن علي بن أبي طالب (ب د ع) الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، أبو عبد الله ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم، وشبهه من الصدر إلى ما أسفل منه، ولما ولد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أذنه، وهو سيد شباب أهل الجنة، وخامس أهل الكساء، أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء العالمين، إلا مريم عليهما السلام.
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور الأمين البغدادي، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر، أخبرنا أبو طاهر بن أبي الصقر الأنباري، أخبرنا أبو البركات بن نظيف الفراء، أخبرنا الحسن بن رشيق، أخبرنا أبو بشر الدولابي، أخبرنا محمد بن عوف الطائي، أخبرنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين وعبد الله ابن موسى قالا: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا: حربا، قال: بل هو حسين، فلما ولد الثالث سميته حربا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا: حربا، قال: بل هو محسن، ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر وشبير ومشبر. قال: وأخبرنا الدولابي، أخبرنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، أخبرنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، أخبرنا عمرو بن حريث، عن عمران بن سليمان، قال: «الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية.
قال: وأخبرنا الدولابي، حدثني أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم الزهري، حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، قال: قال الليث بن سعد: ولدت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي في ليال خلون من شعبان سنة أربع، وقال الزبير بن بكار: ولد الحسين لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وقال جعفر بن محمد: لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلا طهر واحد، وقال قتادة: ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر، فولدته لست سنين، وخمسة أشهر ونصف شهر من الهجرة.
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله الديني المخزومي بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى، أخبرنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، أخبرنا هشام بن زياد، عن أمه، عن فاطمة بنت الحسين: أنها سمعت أباها الحسين بن علي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم ولا مسلمة تصيبه مصيبة، وإن قدم عهدها، فيحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله له عند ذلك، وأعطاه ثواب ما وعده بها يوم أصيب بها. أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن، أخبرتنا أم المجتبى العلوية قالت: قرأ علي إبراهيم بن منصور، أخبرنا أبو بكر بن المقري، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا جبارة بن مغلس، أخبرنا يحيى بن العلاء، عن مروان بن سالم، عن طلحة بن عبيد الله، عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا البحر أن يقرءوا: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم}. أخبرنا أبو منصور بن مسلم بن علي بن محمد بن السيحي العدل، أخبرنا أبو البركات محمد بن محمد ابن خميس، أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن طوق، أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن الخليل المرجى، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، أخبرنا سليمان بن حيان، أخبرنا عمر بن خليفة العبدي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله، يقول: هي حسن، قالت فاطمة: لم تقول: هي حسن؟ قال: إن جبريل يقول: هي حسين. أخبرنا إسماعيل بن عبيد الله، وإبراهيم بن محمد بن مهران، وأبو جعفر بن أحمد، قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى، أخبرنا عقبة بن مكرم العمي البصري، أخبرنا وهب بن جرير بن حازم، أخبرنا أبي، عن محمد بن أبي يعقوب، عن عبد الرحمن بن أبي نعيم أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا! وقد روى نحو هذا عن أبي هريرة، وقد تقدم في ذكر أخيه الحسن أحاديث مشتركة بينهما، فلا حاجة إلى إعادة متونها.
قال: وأخبرنا محمد بن عيسى، أخبرنا الحسن بن عرفة، أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط. قال: وأخبرنا الترمذي، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن ابن إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي، قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد الثقفي، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد، وأنا حاضر أسمع، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم، أخبرنا جعفر بن محمد الصائغ، أخبرنا حسين بن محمد، أخبرنا جرير بن حازم، أخبرنا محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليه السلام، فجعل في طست، فجعل ينكت عليه، وقال في حسنه شيئا. قال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوبا بالوسمة.
هذا حديث صحيح متفق عليه.
وروى الأوزاعي، عن شداد بن عبد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع، وقد جيء برأس الحسين، فلعنه رجل من أهل الشام ولعن أباه، فقام واثلة وقال: والله لا أزال أحب عليا والحسن والحسين وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم ما قال، لقد رأيتني ذات يوم، وقد جئت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة، فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله، ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبله، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه، ثم دعا بعلي ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. قلت لواثلة: ما الرجس؟ قال: الشك في الله عز وجل. قال أبو أحمد العسكري: يقال إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل حديثا غير هذا، والله أعلم.
قال: وكذلك الزهري لم يرو فيها إلا حديثا واحدا، كانا يخافان بني أمية.
قال الزبير بن بكار: حدثني مصعب قال: حج الحسين خمسا وعشرين حجة ماشيا، فإذا يكون قد حج وهو بالمدينة قبل دخولهم العراق منها ماشيا فإنه لم يحج من العراق، وجميع ما عاش بعد مفارقة العراق تسع عشرة سنة وشهورا، فإنه عاد إلى المدينة من العراق سنة إحدى وأربعين، وقتل أول سنة إحدى وستين.
وكان الحسين كارها لما فعله أخوه الحسن من تسليم الأمر إلى معاوية، وقال: أنشدك الله أن تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة أبيك، فقال له الحسن: اسكت، أنا أعلم بهذا الأمر منك. وكان الحسين رضي الله عنه فاضلا كثير الصوم، والصلاة، والحج، والصدقة، وأفعال الخير جميعها.
وقتل يوم الجمعة وقيل: يوم السبت، وهو يوم عاشوراء من سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وقبره مشهور يزار. وسبب قتله أنه لما مات معاوية بن أبي سفيان كاتب كثير من أهل الكوفة الحسين بن علي ليأتي إليهم ليبايعوه، وكان قد امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية لما بايع له أبوه بولاية العهد، وامتنع معه ابن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما توفي معاوية لم يبايع أيضا، وسار من المدينة إلى مكة، فأتاه كتب أهل الكوفة وهو بمكة، فتجهز للمسير، فنهاه جماعة منهم: أخوه محمد بن الحنفية، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأمرني بأمر فأنا فاعل ما أمر. فلما أتى العراق كان يزيد قد استعمل عبيد الله بن زياد على الكوفة، فجهز الجيوش إليه، واستعمل عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، ووعده إمارة الري. فسار أميرا على الجيش وقاتلوا حسينا بعد أن طلبوا منه أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد، فامتنع، وقاتل حتى قتل هو وتسعة عشر من أهل بيته، قتله سنان بن أنس النخعي، وقيل: قتله شمر بن ذي الجوشن، وأجهز عليه خولى ابن يزيد الأصبحي، وقيل: قتله عمر بن سعد، وليس بشيء، والصحيح أنه قتله سنان بن أنس النخعي.
وأما قول من قال: قتله شمر وعمر بن سعد، لأن شمر هو الذي حرض الناس على قتله وحمل بهم إليه، وكان عمر أمير الجيش، فنسب القتل إليه، ولما أجهز عليه خولي حمل رأسه إلى ابن زياد، وقال:

وقيل: إن سنان بن أنس لما قتله قال له الناس: قتلت الحسين بن علي، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، أعظم العرب خطرا، أراد أن يزيل ملك هؤلاء، فلو أعطوك بيوت أموالهم لكان قليلا! فأقبل على فرسه، وكان شجاعا به لوثة، فوقف على باب فسطاط عمر بن سعد، وأنشده الأبيات المذكورة، فقال عمر: أشهد أنك مجنون، وحذفه بقضيب وقال: أتتكلم بهذا الكلام! والله لو سمعه زياد لقتلك.
ولما قتل الحسين أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطئوها الحسين، وكان عدة من قتل معه اثنين وسبعين رجلا، ولما قتل أرسل عمر رأسه ورءوس أصحابه إلى ابن زياد، فجمع الناس وأحضر الرءوس، وجعل ينكت بقضيب بين شفتي الحسين، فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له: أعل بهذا القضيب، فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما.
ثم بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، فو الله لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب، العبيد بعد اليوم، قتلتم الحسين بن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركم، ويستعبد شراركم، وأكثر الناس مراثيه، فمما قيل فيه ما قاله سليمان بن قتة الخزاعي:
وهي أبيات كثيرة.
وقال منصور التنمرى:
أخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه وغير واحد، قالوا بإسنادهم إلى الترمذي، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: حدثنا رزين، حدثني سلمى قال: دخلت على أم سلمة، وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.
وروى حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الدم؟ قال: هذا دم الحسين، لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فوجد قد قتل في ذلك اليوم.
قال: أخبرنا محمد بن عيسى، أخبرنا واصل بن عبد الأعلى، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير قال: لما جيء برأس ابن زياد وأصحابه، نضدت في المسجد، فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تتخلل الرءوس حتى دخلت في منخر عبيد الله ابن زياد، فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين، أو ثلاثا.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
أخرجه الثلاثة.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 278

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 2- ص: 24

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 495

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو عبد الله سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته.
قال الزبير وغيره: ولد في شعبان سنة أربع. وقيل سنة ست وقيل سنة سبع، وليس بشيء.
قال جعفر بن محمد: لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلا طهر واحد.
قلت: فإذا كان الحسن ولد في رمضان وولد الحسين في شعبان احتمل أن تكون ولدته لتسعة أشهر. ولم تطهر من النفاس إلا بعد شهرين.
وقد حفظ الحسين أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه.
أخرج له أصحاب السنن أحاديث يسيرة.
وروى ابن ماجة وأبو يعلى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة وإن قدم عهدها فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله ثواب ذلك».
لكن في إسناده ضعف.
وروى عن أبيه وأمه وخاله هند بن أبي هالة، وعن عمر. وروى عنه أخوه الحسن وبنوه: علي زين العابدين وفاطمة وسكينة، وحفيده الباقر والشعبي وعكرمة وسنان الدؤلي وكرز التيمي، وآخرون.
وروى أبو يعلى من طريق محمد بن زياد بن أبي هريرة، قال: كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: «هي حسين». فقالت فاطمة: لم تقول هي حسين؟ فقال: «إن جبريل يقول هي حسين».
وفي الصحيح عن ابن عمر حين سأله رجل عن دم البعوض: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا» - يعني الحسن والحسين.
ومن حديث ابن سيرين، عن أنس، قال: كان الحسن والحسين أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبيد بن حنين: حدثني الحسين بن علي، قال: أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر. وأخذني فأجلسني معه أقلب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله، فقال لي: من علمك؟ قلت: والله ما علمني أحد. قال: بأبي، لو جعلت تغشانا. قال: فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه فلقيني بعد قلت فقال لي: لم أراك. قلت: يا أمير المؤمنين، إني جئت وأنت خال بمعاوية، فرجعت مع ابن عمر. فقال: أنت أحق بالإذن من ابن عمر: فإنما أنبت ما ترى في رءوسنا الله ثم أنتم. سنده صحيح وهو عند الخطيب.
وقال يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث: بينما عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلا، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
وكانت إقامة الحسين بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة فشهد معه الجمل ثم صفين ثم قتال الخوارج، وبقي معه إلى أن قتل، ثم مع أخيه إلى أن سلم الأمر إلى معاوية، فتحول مع أخيه إلى المدينة واستمر بها إلى أن مات معاوية، فخرج إلى مكة، ثم أتته كتب أهل العراق بأنهم بايعوه بعد موت معاوية فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب فأخذ بيعتهم، وأرسل إليهم فتوجه، وكان من قصة قتله ما كان.
وقال عمار بن معاوية الدهني: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسن: حدثني عن مقتل الحسين حتى كأني حضرته، قال: مات معاوية والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة فأرسل إلى الحسين بن علي ليأخذ بيعته ليلته، فقال: أخرني، ورفق به، فأخره، فخرج إلى مكة، فأتاه رسل أهل الكوفة: إنا قد حبسنا أنفسنا عليك. ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي، فأقدم علينا. وقال: وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة، فبعث الحسين بن علي إليهم مسلم بن عقيل، فقال: سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلي، فإن كان حقا قدمت إليه.
فخرج مسلم حتى أتى المدينة، فأخذ منها دليلين، فمرا به في البرية، فأصابهم عطش فمات أحد الدليلين، فقدم مسلم الكوفة، فنزل على رجل يقال له عوسجة، فلما علم أهل الكوفة بقدومه دبوا إليه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا، فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية إلى النعمان بن بشير، فقال: إنك ضعيف أو مستضعف، قد فسد البلد، قال له النعمان: لأن أكون ضعيفا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويا في معصيته، ما كنت لأهتك سترا.
فكتب الرجل بذلك إلى يزيد، فدعا يزيد مولى له يقال له سرحون فاستشاره، فقال له: ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد، وكان يزيد ساخطا على عبيد الله، وكان هم بعزله عن البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه أضاف إليه الكوفة، وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل، فإن ظفر به قتله.
فأقبل عبيد الله بن زياد وفي وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما، فلا يمر على أحد فيسلم إلا قال له أهل المجلس: عليك السلام يا ابن رسول الله، يظنونه الحسين بن علي قدم عليهم فلما نزل عبيد الله القصر دعا مولى له فدفع إليه ثلاثة آلاف درهم، فقال: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة فادخل عليه، وأعلمه أنك من حمص، وادفع إليه المال وبايعه، فلم يزل المولى يتلطف حتى دلوه على شيخ يلي البيعة، فذكر له أمره، فقال: لقد سرني إذ هداك الله، وساءني أن أمرنا لم يستحكم. ثم أدخله على مسلم بن عقيل فبايعه ودفع له المال، وخرج حتى أتى عبيد الله فأخبره، وتحول مسلم حين قدم عبيد الله من تلك الدار إلى دار أخرى، فأقام عند هانئ بن عروة المرادي.
وكان عبيد الله قال لأهل الكوفة: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني؟ فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس من وجوه أهل الكوفة وهو على باب داره، فقالوا له: إن الأمير قد ذكرك واستبطأك، فانطلق إليه، فركب معهم حتى دخل على عبيد الله بن زياد، وعنده شريح القاضي، فقال عبيد الله لما نظر إليه لشريح: أتتك بحائن رجلاه.
فلما سلم عليه قال له: يا هانئ، أين مسلم بن عقيل؟ فقال له: لا أدري. فأخرج إليه المولى الذي دفع الدراهم إلى مسلم، فلما رآه سقط في يده وقال: أيها الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه علي، فقال ائتني به، فتلكأ فاستدناه، فأدنوه منه، فضربه بالقضيب وأمر بحبسه. فبلغ الخبر قومه، فاجتمعوا على باب القصر، فسمع عبيد الله الجلبة، فقال لشريح القاضي: اخرج إليهم فأعلمهم أنني ما حبسته إلا لأستخبره عن خبر مسلم، ولا بأس عليه مني.
فبلغهم ذلك فتفرقوا، ونادى مسلم بن عقيل لما بلغه الخبر بشعاره، فاجتمع عليه أربعون ألفا من أهل الكوفة، فركب وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فأمر كل واحد منهم أن يشرف على عشيرته فيردهم، فكلموهم فجعلوا يتسللون، فأمسى مسلم وليس معه إلا عدد قليل منهم.
فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضا، فلما بقي وحده تردد في الطرق بالليل، فأتي باب امرأة فقال: اسقيني ماء، فسقته فاستمر قائما، قالت: يا عبد الله، إنك مرتاب، فما شأنك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوى؟ قالت: نعم، ادخل، فدخل، وكان لها ولد من موالي محمد بن الأشعث، فانطلق إلى محمد بن الأشعث، فأخبره، فلم يفجأ مسلما إلا والدار قد أحيط بها، فلما رأى ذلك خرج بسيفه يدفعهم عن نفسه، فأعطاه محمد بن الأشعث الأمان، فأمكن من يده، فأتى به عبيد الله فأمر به فأصعد إلى القصر ثم قتله وقتل هانئ بن عروة وصلبهما، فقال شاعرهم في ذلك أبياتا منها:

ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال، فلقيه الحر بن يزيد التميمي، فقال له: ارجع، فإني لم أدع لك خلفي خيرا، وأخبره الخبر، فهم أن يرجع، وكان معه إخوة مسلم، فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل. فساروا، وكان عبيد الله قد جهز الجيش لملاقاته، فوافوه بكربلاء، فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفسا من الفرسان ونحو مائة راجل، فلقيه الحسين وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان عبيد الله ولاه الري، وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين، فلما التقيا قال له الحسين: اختر مني إحدى ثلاث: إما أن ألحق بثغر من الثغور، وإما أن أرجع إلى المدينة، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية.
فقبل ذلك عمر منه، وكتب به إلى عبيد الله، فكتب إليه لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي، فامتنع الحسين، فقاتلوه فقتل معه أصحابه وفيهم سبعة عشر شابا من أهل بيته، ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأسه إلى عبيد الله فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد، ومنهم علي بن الحسين، وكان مريضا، ومنهم عمته زينب، فلما قدموا على يزيد أدخلهم على عياله ثم جهزهم إلى المدينة.
قلت: وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين، والصحيح والسقيم، وفي هذه القصة التي سقتها غنى.
وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن انظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله! ما هذا قال: «هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فكان ذلك اليوم الذي قتل فيه».
وعن عمار، عن أم سلمة: سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي.
قال الزبير بن بكار: قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وكذا قال الجمهور، وشذ من قال غير ذلك.
الحاء بعدها الشين

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 2- ص: 67

ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، هو وأخوه وأمه وأبوه أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد على معاوية رضي الله عنه، وتوجه غازيا إلى القسطنطينية، في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية.
ولد لليال خلون من شعبان، سنة أربع من الهجرة، وقطع النبي صلى الله عليه وسلم، سرته، وتفل في فيه، وسماه حسينا، ودفعه إلى أم الفضل، وكانت ترضعه بلبن قثم.
وقيل: بين الحسن والحسين طهرا واحدا، وقيل سنة وعشرة أشهر.
وكان علي سماه جعفرا وقيل: حربا، فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان الحسين يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، في النصف الأسفل من جسده، والحسن رضي الله عنه يشبه النصف الأعلى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسينا’’. وكان يقول لفاطمة: ’’ادعي لي ابني’’ فيشمهما ويضمهما إليه.
وقد مرت الأحاديث التي يشترك هو وأخوه في فضلها في ترجمة أخيه الحسن رضي الله عنهما.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: ’’إن ابني هذا سيخرج من هذا الأمر، وأشبه أهلي بي الحسين’’.
وكان الحسن يقول للحسين: ’’وددت أن لي بعض شدة قلبك’’، فيقول الحسين: ’’وأنا وددت أن يكون لي بعض ما بسط لك من لسانك’’.
وقال له أبو هريرة: ’’لو يعلم الناس منك ما أعلم، لحملوك على رقابهم’’.
وكان على ميسرة أبيه يوم الجمل. وفيه يقول الشاعر:

وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد أخبر أنه يقتل بأرض العراق بالطف بكربلاء، وأتاه جبريل عليه السلام بتربة الأرض التي يقتل بها، فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها أم سلمة وقال لها: ’’إذا تحولت هذه التربة دما، فاعلمي أن ابني قتل’’. ثم جعلت تنظر إليها، وتقول: ’’إن يوما تحولين دما ليوم عظيم’’. فقتل يوم الجمعة، وقيل يوم السبت، يوم عاشوراء سنة ستين، أو إحدى وستين، أو اثنتين وستين للهجرة، وله ست وخمسون سنة.
وكان أهل المدينة قد نصحوه، وقالوا له: ’’تثبت فإن هذا موسم الحاج، فإذا وصلوا، اخطب في الناس، وادعهم إلى نفسك، فنبايعك نحن وأهل هذا الموسم، ويتذكر بك الناس جدك، ونمضي حينئذ في جملتهم في جماعة ومنعة وسلاح وعدة’’، فلم يصبر، فلما كان في بعض الطريق، لقيه الفرزدق الشاعر، فقال الحسين: ’’يا أبا فراس، كيف تركت الناس وراءك؟’’ فعلم عن أي شيء يسأله، فقال: ’’يا ابن بنت رسول الله، تركت القلوب معكم، والسيوف مع بني أمية’’. فقال: ’’ها إنها مملوءة كتبا’’، وأشار إلى حقيبة كانت تحته. ثم كان ما كان.
وروي عن أبي سعيد المقبري، قال: والله لرأيت حسينا، وإنه ليمشي بين رجلين يعتمد على هذا مرة ومرة على هذا، حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:
قال: فعلمت عند ذلك، أنه لا يلبث إلا قليلا حتى يخرج. فما لبث حتى لحق بمكة لما أخذت البيعة ليزيد بن معاوية، لم يبايعه الحسين.
وكان أهل الكوفة كتبوا إلى الحسين، يدعونه إلى الخروج زمن معاوية، وهو يأبى، فقدم قوم منهم، ثم غلب على رأيه، فخرج ومعه من أهل المدينة تسعة عشر رجلا، نساء وصبيان، وتبعه محمد بن الحنفية، وأعلمه أن الخروج ليس برأي، فأبى الحسين، فحبس محمد ولده.
وخرج من مكة متوجها إلى العراق في عشر ذي الحجة، فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد، أن حسينا صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وعندها تعتق أو تعود عبدا.
فندب له عبيد الله بن زياد، عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقاتلهم، فقال الحسين: ’’يا عمر، اختر مني إحدى ثلاث: إما تتركني أرجع، أو تسيرني إلى يزيد، فأضع يدي في يده فيحكم في ما يرى، فإن أبيت فسيرني إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت’’. فأرسل عمر بذلك إلى ابن زياد، فهم أن يسيره إلى يزيد، فقال شمر بن ذي الجوشن: ’’لا، أيها الأمير، إلا أن ينزل على حكمك’’. فأرسل إليه؛ فقال الحسين: ’’والله لا أفعل’’، وأبطأ عمر عن قتاله، فأرسل إليه ابن زياد شمرا، وقال: ’’إن تقدم عمر وقاتل وإلا فاقتله، وكن مكانه’’.
فقاتلوه إلى أن أصابه سهم في حنكه، فسقط عن فرسه، فنزل الشمر، وقيل غيره فاحتز رأسه {إنا لله وإنا إليه راجعون}.
وقتل معه يوم عاشوراء إخوته، بنو أبيه: جعفر، وعتيق، ومحمد، والعباس الأكبر بنو علي، وابنه الأكبر علي، وهو غير علي زين العابدين، وابنه عبد الله بن الحسين، وابن أخيه القاسم بن الحسن، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأخوه عون، وعبد الله، وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل، رضي الله عنهم.
وحمل رأس الحسين إلى يزيد، فوضعه في طست بين يديه، وجعل ينكت ثناياه بقضيب في يده، ويقول: ’’إن كان لحسن الثغر!’’، فقال له زيد ابن أرقم: ’’ارفع قضيبك، فطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم موضعه’’، فقال: ’’إنك شيخ قد خرفت’’، فقام زيد يجر ثوبه.
وعن محمد بن سوقة عن عبد الواحد القرشي، قال: لما أتي يزيد برأس الحسين، تناوله بقضيب، فكشف عن ثناياه، فوالله ما البرد بأبيض من ثناياه، ثم قال:
فقال له رجل كان عنده: ’’يا هذا، ارفع قضيبك، فوالله لربما رأيت هنا شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فرفعه متذمما عليه مغضبا.
وذكر ابن سعد أن جسده دفن حيث قتل، وأن رأسه كفنه يزيد وأرسله إلى المدينة، فدفن عند قبر فاطمة رضي الله عنهما.
وقال الشيخ شمس الدين: ثم علق الرأس- على ما قيل- بدمشق ثلاثة أيام، ثم مكث الرأس في خزائن السلاح، حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث فجيء به، وقد بقي عظما أبيض، فجعله في سفط، وطيبه وكفنه، ودفنه في مقابر المسلمين. فلما دخلت المسودة، نبشوه وأخذوه، والله أعلم بمكانه الآن من ذلك الوقت.
قلت: وبعضهم زعم أن الخلفاء الفاطميين لما كانوا بمصر، تتبعوه فوجدوه في علبة رصاص بعسقلان، فحملوه إلى مصر، وجعلوه في المكان الذي هو اليوم معروف بمشهد الحسين بالقاهرة، وكان ذلك عندهم في داخل القصر يزورونه. والله أعلم.
وقيل: اسودت السماء يوم قتل الحسين، وسقط تراب أحمر، وكانوا لا يرفعون حجرا إلا وجدوا تحته دما.
وعن عمر بن عبد العزيز: ’’لو كنت في قتلة الحسين وأمرت بدخول الجنة، لما فعلت حياء أن تقع عيني على محمد’’.
ولما قتل، قالت مرجانة ابنة عبيد الله بن زياد: ’’خبيث! قتلت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ترى الجنة أبدا’’.
وقال أعرابي: ’’انظروا ابن دعيها، قتل ابن نبيها’’.
وعن رأس الجالوت: ’’والله، إن بيني وبين داود سبعين أبا وإن اليهود لتلقاني فتعظمني، وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم، إلا أب واحد، قتلتم ولده’’.
ولما أصبح الحسين يوم قتل، قال: ’’اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة’’.
وعطش، وقد قاتل أشد القتال، فاستسقى فجيء بماء، فرام الشرب، فرمي بسهم في فيه، فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله، وقيل: إنه رمى بالدم نحو السماء، وقال: ’’اطلب بدم ابن بنت نبيك’’، وتوجه نحو الفرات، فعرضوا له، وحالوا بينه وبين الماء- أشار بذلك رجل من بني أبان بن دارم- فقال الحسين: ’’اللهم أظمئه’’، فما لبث الأباني إلا قليلا، حتى رؤي، وإنه ليؤتى بعس يروي عدة فيشربه، فإذا نزعه عن فيه قال: ’’اسقوني، فقد قتلني العطش’’، فانقد بطنه كانقداد البعير.
وبقي الحسين رضي الله عنه فريدا، وقد قتل جميع من كانوا معه من المقاتلة، أهله وغيرهم، فلم يجسر أحد أن يتقدم إليه، حتى حرضهم شمر بن ذي الجوشن، فتقدم إليه من طعنه، ومن ضربه بالسيف، حتى صرع عن جواده، ثم حز رأسه.
قال الزبير: قتله سنان بن أبي أنس النخعي، وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير.
وعن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وعلى رأسه ولحيته تراب فقتل: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.
وعن ابن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم، بنصف النهار أغبر أشعث، وبيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل منذ اليوم ألتقطه. فأحصى ذلك اليوم، فوجدوه قد قتل يومئذ.
وقال محمد بن الحنفية: قد قتلوا سبعة عشر شابا كلهم قد ارتكضوا في رحم فاطمة، ونجا ذلك اليوم من القتل: الحسن وعمرو ابنا الحسين وعلي الأصغر ابن الحسين، والقاسم بن عبد الله بن جعفر، ومحمد الأصغر ابن عقيل، لصغرهم وضعفهم.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى في نومه كأن كلبا أبقع ولغ في دمه، فلما قتل الحسين، وكان شمر بن ذي الجوشن به وضح، تفسرت رؤياه.
ويروى لأبي الأسود الدؤلي، وقيل لغيره:
وجدت لبعضهم:
وقال سليمان بن قتة العدوي:
فقال عبد الله بن حسن بن حسن ويحك ألا قلت: ’’أذلت رقاب المسلمين’’!
وقد رثاه من المتقدمين والمتأخرين خلق لا يحصون، وخمسوا القصائد المشهورة مراثي فيه؛ ومنهم: الحكيم الموفق المعروف بالورل؛ خمس: الدريدية مرثية فيه، و السراج الوراق خمس قصيدتي أبي تمام الطائي مرثية فيه؛ الأولى قوله:
والأخرى قوله:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0

الحسين الشهيد: "ع"

الإمام الشريف، الكامل، سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، أبو عبد الله، الحسين ابن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي، الهاشمي.

حدث عن جده، وأبويه، وصهره عمر، وطائفة.

حدث عنه: ولداه؛ علي وفاطمة، وعبيد بن حنين، وهمام الفرزدق، وعكرمة، والشعبي، وطلحة العقيلي، وابن أخيه زيد بن الحسن، وحفيده؛ محمد بن علي الباقر -ولم يدركه، وبنته سكينة، وآخرون.

قال الزبير: مولده في خامس شعبان سنة أربع من الهجرة.

قال جعفر الصادق: بين الحسن والحسين في الحمل طهر واحد.

قد مرت في ترجمة الحسن عدة أحاديث متعلقة بالحسين.

روى هانئ بن هانئ، عن علي قال: الحسين أشبه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صدره إلى قدميه

وقال حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد، عن أنس قال: شهدت ابن زياد حيث أتي برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب معه، فقلت: أما إنه كان أشبههما بالنبي -صلى الله عليه وسلم

ورواه جرير بن حازم، عن محمد.

وأما النضر بن شميل، فرواه عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، حدثني أنس، وقال: ينكت بقضيب في أنفه.

ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت الحسين بن علي أسود الرأس واللحية، إلا شعرات في مقدم لحيته.

ابن جريج، عن عمر بن عطاء، رأيت الحسين يصبغ بالوسمة، كان رأسه ولحيته شديدي السواد.

محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم، قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظر إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت -رسول الله عليه وسلم- يقول: "هما ريحانتاي من الدنيا". رواه جرير بن حازم، ومهدي بن ميمون، عنه.

عن أبي أيوب الأنصاري، قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسن والحسين يلعبان على صدره، فقلت: يا رسول الله! أتحبهما؟! قال: "كيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا". رواه الطبراني في "المعجم".

وعن الحارث، عن علي، مرفوعا: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

ويروى عن شريح، عن علي، وفي الباب، عن ابن عمر، وابن عباس، وعمر، وابن مسعود، ومالك بن الحويرث، وأبي سعيد، وحذيفة، وأنس، وجابر من وجوه يقوي بعضها بعضا.

موسى بن عثمان الحضرمي -شيعي واه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان الحسين عند النبي -صلى الله عليه وسلم، وكان يحبه حبا شديدا، فقال: "اذهب إلى أمك"، فقلت: أذهب معه؟ فقال: "لا"، فجاءت برقة، فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه.

وكيع: حدثنا ربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، أنه قال -وقد دخل

الحسين المسجد: "من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا". سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

تابعه عبد الله بن نمير، عن ربيع الجعفي، أخرجه أحمد في "مسنده".

وقال شهر، عن أم سلمة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلل عليا وفاطمة وابنيهما بكساء، ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيت بيتي وحامتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"، فقلت: يا رسول الله! أنا منهم؟ قال: "إنك إلى خير".

إسناد جيد، روي من وجوه عن شهر، وفي بعضها يقول: دخلت عليها أعزيها على الحسين.

وروى نحوه الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن، عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة.

وروى شداد أبو عمار، عن واثلة بن الأسقع قصة الكساء.

أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى العامري، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسينا"، وفي لفظ: "أحب الله من أحب حسينا".

أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد

الحسن والحسين، ويقول: "هذان ابناي، فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني".

وروى مثله أبو الجحاف، وسالم بن أبي حفصة، وغيرهما، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة مرفوعا.

وفي الباب، عن أسامة، وسليمان الفارسي، وابن عباس، وزيد بن أرقم.

عبد العزيز الدراوردي وغيره، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موضع الجنائز، فطلع الحسن والحسين، فاعتركا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "إيها حسن"، فقال علي: يا رسول الله! أعلى حسين تواليه؟ فقال: "هذا حبريل يقول: إيها حسين".

ويروى عن أبي هريرة مرفوعا، نحوه.

وفي مراسيل يزيد بن أبي زياد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع حسينا يبكي، فقال لأمه: "ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني".

حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبيد بن حنين، عن الحسين قال: صعدت المنبر إلى عمر، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر!، فأقعدني معه، فلما نزل قال: أي بني! من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بني، وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلا الله، ثم أنتم، ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني، لو جعلت تأتينا وتغشانا.

إسناده صحيح.

روى جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عمر جعل للحسين مثل عطاء علي خمسة آلاف.

حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري، أن عمر كسا أبناء الصحابة؛ ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين؛ فبعث إلى اليمن، فأتي بكسوة لهما، فقال: الآن طابت نفسي.

الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، أن عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما؛ لقرابتهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، لكل واحد خمسة آلاف.

يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث قال: بينا عمرو بن العاص في ظل الكعبة؛ إذ رأى الحسين، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

فقال أبو إسحاق: بلغني أن رجلا جاء إلى عمرو، فقال: علي رقبة من ولد إسماعيل، فقال: ما أعلمها إلا الحسن والحسين.

قلت: ما فهمته.

إبراهيم بن نافع، عن عمرو بن دينار قال: كان الرجل إذا أتى ابن عمر، فقال: إن علي رقبة من بني إسماعيل، قال: عليك بالحسن والحسين.

هوذة: حدثنا عوف، عن الأزرق بن قيس قال: قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسقف نجران والعاقب، فعرض عليهما الإسلام، فقالا: كنا مسلمين قبلك، قال: "كذبتما! إنه منع الإسلام منكما ثلاث؛ قولكما: اتخذ الله ولدا، وأكلكما الخنزير، وسجودكما للصنم"، قالا: فمن أبو عيسى؟ فما عرف حتى أنزل الله عليه: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم}....، إلى قوله: {إن هذا لهو القصص الحق} فدعاهما إلى الملاعنة، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين، وقال: "هؤلاء بني" قال: فخلا أحدهما بالآخر، فقال: لا تلاعنه، فإن كان نبيا فلا بقية، فقالا: لا حاجة لنا في الإسلام، ولا في ملاعنتك، فهل من ثالثة؟ قال: نعم، الجزية، فأقرا بها ورجعا.

معمر، عن قتادة قال: لما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يباهل أهل نجران، أخذ بيد الحسن والحسين، وقال لفاطمة: اتبعينا، فلما رأى ذلك أعداء الله رجعوا.

أبو عوانة، عن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة، سمع عليا يقول: ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي؟ أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأما الحسن فصاحب جفنة من فتيان قريش، لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن في الحرب عنكم، وأما أنا وحسين، فنحن منكم، وأنتم منا. إسناده قوي.

وعن سعيد بن عمرو، أن الحسن قال للحسين: وددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول الحسين: وأنا وددت أن لي بعض ما بسط من لسانك.

عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة، فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين.

وقال مصعب الزبيري: حج الحسين خمسا وعشرين حجة ماشيا.

وكذا روى عبيد الله الوصافي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، وزاد: ونجائبه تقاد معه، لكن اختلفت الرواية عن الوصافي، فقال يعلى ابن عبيد عنه: الحسن، وروى عنه زهير نحوه، فقال فيه: الحسن.

قال أبو عبيدة بن المثنى: كان على الميسرة يوم الجمل الحسين.

أحمد في "مسنده": أخبرنا محمد بن عبيد، حدثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو سائر إلى صفين، ناداه علي: اصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت، وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وعيناه تفيضان، فقال: "قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يقتل، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمد يده، فقبض قبضة من تراب، قال: فأعطانيها، فلم أملك عيني".

هذا غريب، وله شويهد.

يحيى بن أبي زائدة، عن رجل، عن الشعبي، أن عليا قال وهو بشط الفرات: صبرا أبا عبد الله.

عمارة بن زاذان: حدثنا ثابت، عن أنس قال: استأذن ملك القطر على النبي -صلى الله عليه وسلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "يا أم سلمة! احفظي علينا الباب"، فجاء الحسين فاقتحم، وجعل يتوثب على النبي -صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يقبله، فقال الملك: أتحبه؟ قال: "نعم". قال: إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: "نعم". فجاءه بسهلة أو تراب أحمر.

قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء.

علي بن الحسين بن واقد: حدثنا أبي، حدثنا أبو غالب، عن أبي أمامة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنسائه: "لا تبكوا هذا" يعني -حسينا: فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل، فقال رسول الله لأم سلمة: "لا تدعي أحدا يدخل" فجاء حسين، فبكى؛ فخلته يدخل، فدخل

حتى جلس في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال: "يقتلونه، وهم مؤمنون"؟ قال: نعم، وأراه تربته.

إسناده حسن.

خالد بن مخلد: حدثنا موسى بن يعقوب، عن هاشم بن هاشم، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اضطجع ذات يوم، فاستيقظ وهو خاثر، ثم رقد، ثم استيقظ خاثرا، ثم رقد، ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء، وهو يقلبها.

قلت: ما هذه؟ قال: "أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق، للحسين، وهذه تربتها".

ورواه إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن هاشم، ولم يذكر: اضطجع.

أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة أو أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال: إن حسينا مقتول، وإن شئت أريتك التربة ..." الحديث.

ورواه عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله مثله، وقال: أم سلمة ولم يشك.

ويروى عن أبي وائل، وعن شهر بن حوشب، عن أم سلمة.

ورواه ابن سعد من حديث عائشة، وله طرق أخر.

وعن حماد بن زيد، عن سعيد بن جمهان، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين. وقيل: اسمها كربلاء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "كرب وبلاء".

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: ليقتلن الحسين قتلا، وإني لأعرف تراب الأرض التي يقتل بها.

أبو نعيم: حدثنا عبد الجبار بن العباس، عن عمار الدهني، أن كعبا مر على علي، فقال: يقتل من ولد هذا رجل في عصابة، لا يجف عرق خيلهم حتى يردوا على محمد -صلى الله عليه وسلم، فمر حسن، فقيل: هذا؟ قال: لا. فمر حسين، فقيل: هذا؟ قال: نعم.

حصين بن عبد الرحمن، عن العلاء بن أبي عائشة، عن أبيه، عن رأس الجالوت قال: كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي.

المطلب بن زياد، عن السدي قال: رأيت الحسين وله جمة خارجة من تحت عمامته.

وقال العيزار بن حريث: رأيت على الحسين مطرفا من خز.

وعن الشعبي قال: رأيت الحسين يتختم في شهر رمضان.

وروى جماعة أن الحسين كان يخضب بالوسمة، وأن خضابه أسود.

بلغنا أن الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه الحسن من تسليم الخلافة إلى معاوية، بل كان رأيه القتال، ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع، وكان يقبل جوائز معاوية، ومعاوية يرى له ويحترمه ويجعله، فلما أن فعل معاوية ما فعل بعد وفاة السيد الحسن من العهد بالخلافة إلى ولده يزيد، تألم الحسين، وحق له، وامتنع هو وابن أبي بكر وابن الزبير من المبايعة، حتى قهرهم معاوية، وأخذ بيعتهم مكرهين، وغلبوا وعجزوا عن سلطان الوقت، فلما مات معاوية تسلم الخلافة يزيد، وبايعه أكثر الناس، ولم يبايع له ابن الزبير، ولا الحسين، وأنفوا من ذلك، ورام كل واحد منهما الأمر لنفسه، وسارا في الليل من المدينة.

سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس قال: استشارني الحسين في الخروج. فقلت: لولا أن يزرى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها -يعني مكة، وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه.

يحيى بن إسماعيل البجلي: حدثنا الشعبي، قال: كان ابن عمر قدم المدينة، فأخبر أن الحسين قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم. قال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن الله خير نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا، فأبى، فاعتنقه ابن عمر، وقال: أستودعك الله من قتيل.

زاد فيه الحسن بن عيينة، عن يحيى بن إسماعيل، عن الشعبي: ناشده، وقال: إن أهل العراق قوم مناكير، قتلوا أباك، وضربوا أخاك، وفعلوا، وفعلوا.

ابن المبارك، عن بشر بن غالب، أن الزبير قال للحسين: إلى أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، فقال: لأن أقتل أحب إلي من أن تستحل -يعني: مكة.

أبو سلمة المنقري: حدثنا معاوية بن عبد الكريم، عن مروان الأصفر، حدثني الفرزدق قال: لما خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: إن هذا قد خرج، فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت دنيا أصبتها، وإن أردت آخرة أصبتها، فرحلت نحوه، فلما كنت في بعض الطريق بلغني قتله، فرجعت إلى عبد الله، وقلت: أين ما ذكرت؟ قال: كان رأيا رأيته.

قلت: هذا يدل على تصويب عبد الله بن عمرو للحسين في مسيره، وهو رأي ابن الزبير، وجماعة من الصحابة شهدوا الحرة.

ابن سعد: أخبرنا الواقدي، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني عبد الله بن عمير "ح" وأخبرنا ابن أبي الزناد، عن أبي وجزة "ح"، ويونس بن أبي إسحاق، عن أبيه -وسمى طائفة- ثم قال: فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين، قال: كان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، كل ذلك يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية، وطلبوا إليه المسير معهم، فأبى، وجاء إلى الحسين فأخبره، وقال: إن القوم يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا دماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه متردد العزم، فجاءه أبو سعيد الخدري، فقال: يا أبا عبد الله، إني لك ناصح ومشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتك، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ولا لهم ثبات ولا عزم، ولا صبر على السيف.

قال: وقدم المسيب بن نجبة وعدة إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك، فقال: أرجو أن يعطي الله أخي على نيته، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين.

وكتب مروان إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون الحسين مرصدا للفتنة، وأظن يومكم منه طويلا.

فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير أن يفي، وقد أنبئت بأن قوما من الكوفة دعوك إلى الشقاق، وهم من قد جربت قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله، واذكر الميثاق، فإنك متى تكدني أكدك.

فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك جدير، وما أردت لك محاربة ولا خلافا، وما أظن لي عذرا عند الله في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك. فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

وعن جويرية بن أسماء، عن مسافع بن شيبة قال: لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم، فأخذ بخطام راحلته، فأناخ به، ثم ساره طويلا، وانصرف، فزجر معاوية الراحلة، فقال له ابنه يزيد: لا يزال رجل قد عرض لك، فأناخ بك، قال: دعه، لعله يطلبها من غيري، فلا يسوغه فيقتله.

رجع الحديث إلى الأول:

قالوا: ولما حضر معاوية دعا يزيد فأوصاه، وقال: انظر حسينا، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن يك منه شيء، فسيكفيك الله بمن قتل أباه وخذل أخاه.

ومات معاوية في نصف رجب، وبايع الناس يزيد، فكتب إلى والي المدينة؛ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أن ادع الناس وبايعهم، وابدأ بالوجوه، وارفق بالحسين، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل، ودعاهما إلى بيعة يزيد، فقالا: نصبح وننظر فيما يعمل الناس، ووثبا فخرجا، وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه حسين، وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إن هجنا بهذا إلا أسدا، فقال له مروان -أو غيره: اقتله، قال: إن ذلك لدم مصون.

وخرج الحسين، وابن الزبير لوقتهما إلى مكة، ونزل الحسين بمكة دار العباس، ولزم عبد الله الحجر، ولبس المعافري، وجعل يحرض على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدم العراق، ويقول: هم شيعتكم، وكان ابن عباس ينهاه.

وقال له عبد الله بن مطيع: فداك أبي وأمي، متعنا بنفسك ولا تسر، فوالله لئن قتلت ليتخذونا خولا وعبيدا.

ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة منصرفين من العمرة، فقال لهما: أذكر كما الله إلا رجعتما، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظران، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان.

وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها، ثم اعتنقه وبكى وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا بخروجه، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك.

وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال: العراق وشيعتي، قال: إني كاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك ....

إلى أن قال: وقال له أبو سعيد: اتق الله، وألزم بيتك.

وكلمه جابر، وأبو واقد الليثي، وقال ابن المسيب: لو أنه لم يخرج لكان خيرا له.

قال: وكتبت إليه عمرة تعظم ما يريد أن يصنع، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه، وتقول: حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: $"يقتل حسين بأرض بابل"، فلما قرأ كتابها قال: فلا بد إذا من مصرعي.

وكتب إليه عبد الله بن جعفر يحذره، ويناشده الله، فكتب إليه: إني رأيت رؤيا؛ رأيت فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماض له.

وأبى الحسين على كل من أشار عليه إلا المسير إلى العراق، وقال له ابن عباس: إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، وإني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال: أبا العباس! إنك شيخ قد كبرت.

فقال: لولا أن يزرى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أنك تقيم إذا لفعلت، ثم بكى وقال: أقررت عين ابن الزبير، ثم قال بعد لابن الزبير: قد أتى ما أحببت، أبو عبد الله يخرج إلى العراق ويتركك والحجاز:

ونقري ما شئت أن تنقري

وقال أبو بكر بن عياش: كتب الأحنف إلى الحسين {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}.

عوانة بن الحكم، عن لبطة بن الفرزدق، عن أبيه قال: لقيت الحسين، فقلت: القلوب معك، والسيوف مع بني أمية.

ابن عيينة، عن لبطة، عن أبيه، قال: لقيني الحسين وهو خارج من مكة في جماعة عليهم يلامق الديباج، فقال: ما وراءك؟ قال -وكان في لسانه ثقل من برسام عرض له، وقيل: كان مع الحسين وجماعته اثنان وثلاثون فرسا.

وروى ابن سعد بأسانيده، قالوا: وأخذ الحسين طريق العذيب حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة ثم استرجع، وقال: رأيت كأن فارسا يسايرنا، ويقول: القوم يسيرون، والمنايا تسري إليهم، ثم نزل كربلاء، فسار إليه عمر بن سعد كالمكره ....، إلى أن قال: وقتل أصحابه حوله، وكانوا خمسين، وتحول إليه من أولئك عشرون، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجالة، وكان يشد عليهم فيهزمهم، وهم يكرهون الإقدام عليه، فصرخ بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم، ماذا تنتظرون به؟ وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم طعنه في صدره فخر، واحتز رأسه خولي الأصبحي -لا رضي الله عنهما.

ذكر ابن سعد بأسانيد له، قالوا: قدم الحسين مسلما، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة، ويكتب إليه بخبر الناس، فقدم الكوفة مستخفيا، وأتته الشيعة فأخذ بيعتهم، وكتب إلى الحسين: بايعني إلى الآن ثمانية عشر ألفا، فعجل، فليس دون الكوفة مانع، فأغذ السير حتى انتهى إلى زبالة، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف، وكان على الكوفة النعمان بن بشير، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين، فكتب إلى عبيد الله وهو على البصرة، فضم إليه الكوفة، وقال له: إن كان لك جناحان فطر إلى الكوفة، فبادر متعمما متنكرا، ومر في السوق، فلما رآه السفلة اشتدوا بين يديه يظنونه الحسين، وصاحوا: يا ابن رسول الله! الحمد لله الذي أراناك، وقبلوا يده ورجله، فقال: ما أشد ما فسد هؤلاء، ثم دخل المسجد فصلى ركعتين، وصعد المنبر، وكشف لثامه، وظفر برسول الحسين -وهو عبد الله بن بقطر- فقتله، وقدم مع عبيد الله؛ شريك بن الأعور -شيعي، فنزل على هانئ بن عروة، فمرض، فكان عبيد الله يعوده، فهيئوا لعبيد الله ثلاثين رجلا ليغتالوه، فلم يتم ذلك، وفهم عبيد الله، فوثب وخرج، فنم عليهم عبد لهانئ، فبعث إلى هانئ -وهو شيخ، فقال: ما حملك على أن تجير عدوي؟ قال: يا ابن أخي، جاء حق هو أحق من حقك، فوثب إليه عبيد الله بالعنزة حتى غرز رأسه بالحائط.

وبلغ الخبر مسلما، فخرج في نحو الأربع مائة، فما وصل القصر إلا في نحو الستين، وغربت الشمس فاقتتلوا، وكثر عليهم أصحاب عبيد الله، وجاء الليل فهرب مسلم، فاستجار بامرأة من كندة، ثم جيء به إلى عبيد الله فقتله، فقال: دعني أوص. قال: نعم. فقال لعمر بن سعد: يا هذا! إن لي إليك حاجة، وليس هنا قرشي غيرك، وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه لينصرف، فإن القوم قد غروه وكذبوه، وعلي دين فاقضه عني، ووار جثتي، ففعل ذلك، وبعث رجلا على ناقة إلى الحسين، فلقيه على أربع مراحل، فقال له ابنه علي الأكبر: ارجع يا أبه، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلة وفائهم، فقالت بنو عقيل: ليس

بحين رجوع، وحرضوه، فقال حسين لأصحابه: قد ترون ما أتانا، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا، فمن أحب أن يرجع فليرجع، فانصرف عنه قوم.

وأما عبيد الله فجمع المقاتلة، وبذل لهم المال، وجهز عمر بن سعد في أربعة آلاف، فأبى وكره قتال الحسين، فقال: لئن لم تسر إليه لأعزلنك، ولأهدمن دارك، وأضرب عنقك، وكان الحسين في خمسين رجلا؛ منهم تسعة عشر من أهل بيته، وقال الحسين: يا هؤلاء! دعونا نرجع من حيث جئنا، قالوا: لا. وبلغ ذلك عبيد الله، فهم أن يخلي عنه، وقال: والله ما عرض لشيء من عملي، وما أراني إلا مخل سبيله يذهب حيث يشاء، فقال شمر: إن فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبدا، فكتب إلى عمر:

فناهضه، وقال لشمر: سر، فإن قاتل عمر وإلا فاقتله، وأنت على الناس، وضبط عبيد الله الجسر، فمنع من يجوزه لما بلغه أن ناسا يتسللون إلى الحسين.

قال: فركب العسكر وحسين جالس، فرآهم مقبلين، فقال لأخيه عباس: القهم، فسلهم ما لهم؟ فسألهم، قالوا: أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك النزول على حكمه أو نناجزك، قال: انصرفوا عنا العشية حتى ننظر الليلة، فانصرفوا.

وجمع حسين أصحابه ليلة عاشوراء، فحمد الله وقال: إني لا أحسب القوم إلا مقاتليكم غدا، وقد أذنت لكم جميعا، فأنتم في حل مني، وهذا الليل قد غشيكم، فمن كانت له قوة فليضم إليه رجلا من أهل بيتي، وتفرقوا في سوادكم، فإنهم إنما يطلبونني، فإذا رأوني لهوا عن طلبكم، فقال أهل بيته: لا أبقانا الله بعدك، والله لا نفارقك، وقال أصحابه كذلك.

الثوري، عن أبي الجحاف، عن أبيه، أن رجلا قال للحسين: إن علي دينا. قال: لا يقاتل معي من عليه دين.

رجع الحديث إلى الأول:

فلما أصبحوا قال الحسين: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، وقال لعمر وجنده: لا تعجلوا، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بأن السنة قد أميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عطلت، فاقدم، لعل الله يصلح بك الأمة، فأتيت، فإذا كرهتم ذلك فأنا راجع، فارجعوا

إلى أنفسكم؛ هل يصلح لكم قتلي، أو يحل دمي؟ ألست ابن بنت نبيكم، وابن ابن عمه؟ أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي؟ ألم يبلغكم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وفي أخي: "هذان سيدا شباب أهل الجنة" ؟ فقال شمر: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول، فقال عمر: لو كان أمرك إلي لأجبت، وقال الحسين: يا عمر! ليكونن لما ترى يوم يسوؤك، اللهم إن أهل العراق غروني وخدعوني، وصنعوا بأخي ما صنعوا، اللهم شتت عليهم أمرهم، وأحصهم عددا.

فكان أول من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد، فبرز له عبد الله بن تميم الكلبي فقتله، والحسين جالس عليه جبة خز دكناء، والنبل يقع حوله، فوقعت نبلة في ولد له ابن ثلاث سنين، فلبس لأمته وقاتل، حوله أصحابه حتى قتلوا جميعا، وحمل ولده علي يرتجز:

فجاءته طعنة، وعطش حسين، فجاء رجل بماء فتناوله، فرماه حصين ابن تميم بسهم، فوقع في فيه، فجعل يتلقى الدم بيده، ويحمد الله، وتوجه نحو المسناة يريد الفرات، فحالوا بينه وبين الماء، ورماه رجل بسهم، فأثبته في حنكه، وبقي عامة يومه لا يقدم عليه أحد حتى أحاطت به الرجالة، وهو رابط الجأش، يقاتل قتال الفارس الشجاع، إن كان ليشد عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شد فيها الأسد، حتى صاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم! ماذا تنتظرون به؟ فانتهى إليه زرعة التميمي فضرب كتفه، وضربه الحسين على عاتقه فصرعه، وبرز سنان النخعي فطعنه في ترقوته وفي صدره فخر، ثم نزل ليحتز رأسه، ونزل خولي الأصبحي، فاحتز رأسه، وأتى به عبيد الله بن زياد، فلم يعطه شيئا.

قال: ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون جراجة، وقتل من جيش عمر بن سعد ثمانية وثمانون نفسا.

قال: ولم يفلت من أهل بيت الحسين سوى ولده علي الأصغر -فالحسينية من ذريته- كان مريضا، وحسن بن حسن بن علي، وله ذرية، وأخوه عمرو، ولا عقب له، والقاسم بن عبد الله بن جعفر، ومحمد بن عقيل، فقدم بهم، وبزينب، وفاطمة بنتي علي، وفاطمة وسكينة بنتي الحسين، وزوجته الرباب الكلبية والدة سكينة، وأم محمد بنت الحسن بن علي وعبيد، وإماء لهم.

قال: وأخذ ثقل الحسين، وأخذ رجل حلي فاطمة بنت الحسين، وبكى، فقالت: لم تبكي؟ فقال: أأسلب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أبكي؟ قالت: فدعه، قال: أخاف أن يأخذه غيري.

وأقبل عمر بن سعد فقال: ما رجع رجل إلى أهله بشر مما رجعت به، أطعت ابن زياد وعصيت الله، وقطعت الرحم، وورد البشير على يزيد، فلما أخبره دمعت عيناه، وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. وقالت سكينة: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟ قال: يا بنت أخي، هو والله علي أشد منه عليك، أقسمت لو أن بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه، ولكن فرقت بينه وبينه سمية، فرحم الله حسينا، عجل عليه ابن زياد، أما والله لو كنت صاحبه، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه إلا بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه، ولوددت أن أتيت به سلما.

ثم أقبل على علي بن الحسين، فقال: أبوك قطع رحمي، ونازعني سلطاني. فقام رجل فقال: إن سباءهم لنا حلال، قال علي: كذبت، إلا أن تخرج من ملتنا، فأطرق يزيد، وأمر بالنساء فأدخلن على نسائه، وأمر نساء آل أبي سفيان فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام ....، إلى أن قال: وبكت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر، فقال يزيد -وهو زوجها: حق لها أن تعول على كبير قريش وسيدها.

جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، سمع الفرزدق يقول: لقيت الحسين بذات عرق، فقال: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي؟ فإن معي حملا من كتبهم، قلت: يخذلونك، فلا تذهب.

وكتب يزيد إلى ابن عباس يذكر له خروج الحسين، ويقول: نحسب أنه جاءه رجال من المشرق، فمنوه الخلافة، وعندك منهم خبره، فإن فعل فقد قطع القرابة والرحم، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.

فكتب إليه ابن عباس: إني لأرجو أن لا يكون خروجه لأمر تكره، ولست أدع النصيحة له.

وبعث حسين إلى المدينة، فلحق به خف من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلا ونساء وصبيان، وتبعهم أخوه محمد، فأدركه بمكة، وأعلمه أن الخروج يومه هذا ليس برأي، فأبى، فمنع محمد ولده، فوجد عليه الحسين، وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه.

وبعث أهل العراق رسلا وكتبا إليه، فسار في آله وفي ستين شيخا من أهل الكوفة، في عشر ذي الحجة.

فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه: أما بعد، فإن الحسين قد توجه إليك، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء.

وكتب إليه عمرو بن سعيد الأشدق: أما بعد، فقد توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تسترق.

الزبير، حدثنا محمد بن الضحاك، عن أبيه قال: خرج الحسين، فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه: إن حسينا صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبدا، فقتله ابن زياد، وبعث برأسه إليه.

ابن عيينة: حدثني أعرابي يقال له: بجير، من أهل الثعلبية، له مائة وست عشرة سنة، قال: مر الحسين وأنا غلام، وكان في قلة من الناس، فقال له أخي: يا ابن بنت رسول الله، أراك في قلة من الناس، فقال: بالسوط -وأشار إلى حقيبة الرحل: هذه خلفي مملوءة كتبا.

ابن عيينة: حدثنا شهاب بن خراش، عن رجل من قومه قال: كنت في الجيش الذين جهزهم عبيد الله بن زياد إلى الحسين، وكانوا أربعة آلاف، يريدون الديلم، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين، فلقيته، فقلت: السلام عليك يا أبا عبد الله، قال: وعليك السلام، وكانت فيه غنة.

قال شهاب: فحدثت به زيد بن علي، فأعجبه؛ وكانت فيه غنة.

جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، قال: حدثني من شافه الحسين قال: رأيت أبنية مضروبة للحسين، فأتيت، فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه، فقلت: بأبي وأمي يا ابن رسول الله! ما أنزلك هذه البلاد والفلاة؟ قال: هذه كتب أهل الكوفة إلي، ولا أراهم إلا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة -يعني: مقنعتها.

المدائني، عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة قال: قال الحسين: والله ليعتدين علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت.

أحمد بن جناب المصيصي: حدثنا خالد بن يزيد القسري، حدثنا عمار الدهني، قلت لأبي جعفر الباقر: حدثني بقتل الحسين، فقال: مات معاوية، فأرسل الوليد بن عتبة والي المدينة إلى الحسين ليبايع، فقال: أخرني، ورفق به فأخره، فخرج إلى مكة، فأتاه رسل أهل

الكوفة، وعليها النعمان بن بشير، فبعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل: أن سر فانظر ما كتبوا به، فأخذ مسلم دليلين، وسار، فعطشوا في البرية، فمات أحدهما، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، فكتب إليه: امض إلى الكوفة، ولم يعفه، فقدمها، فنزل على عوسجة، فدب إليه أهل الكوفة، فبايعه اثنا عشر ألفا، فقام عبيد الله بن مسلم فقال للنعمان: إنك لضعيف! قال: لأن أكون ضعيفا أحب إلي من أن أكون قويا في معصية الله، وما كنت لأهتك سترا ستره الله، وكتب بقوله إلى يزيد، وكان يزيد ساخطا على عبيد الله بن زياد، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه ولاه الكوفة مضافا إلى البصرة، وكتب إليه أن يقتل مسلما، فأسرع عبيد الله في وجوه أهل البصرة إلى الكوفة متلثما، فلا يمر بمجلس فيسلم عليهم إلا قالوا: وعليك السلام يا ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظنونه الحسين، فنزل القصر، ثم دعا مولى له، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وقال: اذهب حتى تسأل عن الذي يبايع أهل الكوفة، فقل: أنا غريب جئت بهذا المال يتقوى به، فخرج وتلطف حتى دخل على شيخ يلي البيعة، فأدخله على مسلم، وأعطاه الدراهم، وبايعه ورجع، فأخبر عبيد الله.

وتحول مسلم إلى دار هانئ بن عروة المرادي، فقال عبيد الله: ما بال هانئ لم يأتنا؟ فخرج إليه محمد بن الأشعث وغيره، فقالوا: إن الأمير قد ذكرك، فركب معهم وأتاه، وعنده شريح القاضي، فقال عبيد الله: "أتتك بحائن رجلاه"، فلما سلم، قال: يا هانئ، أين مسلم؟ قال: ما أدري، فخرج إليه صاحب الدراهم، فلما رآه قطع به، وقال: أيها الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فرمى نفسه علي، قال: ائتني به، قال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، فضربه بعصا، فشجه، فأهوى هانئ إلى سيف شرطي يستله، فمنعه، وقال: قد حل دمك، وسجنه، فطار الخبر إلى مذحج، فإذا على باب القصر جلبة، وبلغ مسلما الخبر، فنادى بشعاره، فاجتمع إليه أربعون ألفا، فعبأهم، وقصد القصر، فبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة، فجمعهم عنده، وأمرهم فأشرفوا من القصر على عشائرهم، فجعلوا يكلمونهم، فجعلوا يتسللون حتى بقي مسلم في خمس مائة، وقد كان كتب إلى الحسين ليسرع، فلما دخل الليل ذهب أولئك حتى بقي مسلم وحده يتردد في الطرق، فأتى بيتا، فخرجت إليه امرأة، فقال: اسقني، فسقته، ثم دخلت ومكثت ما شاء الله، ثم خرجت، فإذا به على الباب، فقالت: يا هذا، إن مجلسك مجلس ريبة، فقم، فقال: أنا مسلم بن عقيل، فهل مأوى؟ قالت: نعم. فأدخلته، وكان ابنها مولى لمحمد بن

الأشعث، فانطلق إلى مولاه، فأعلمه، فبعث عبيد الله الشرط إلى مسلم، فخرج وسل سيفه وقاتل، فأعطاه ابن الأشعث أمانا، فسلم نفسه، فجاء به إلى عبيد الله فضرب عنقه، وألقاه إلى الناس، وقتل هانئا، فقال الشاعر:

يعني: أسماء بن خارجة.

قال: وأقبل حسين على كتاب مسلم، حتى إذا كان على ساعة من القادسية لقيه رجل؛ فقال للحسين: ارجع، لم أدع لك ورائي خيرا، فهم أن يرجع، فقال إخوة مسلم: والله لا نرجع حتى نأخذ بالثأر أو نقتل، فقال: لا خير في الحياة بعدكم، وسار فلقيته خيل عبيد الله، فعدل إلى كربلاء، وأسند ظهره إلى قصميا حتى لا يقاتل إلا من وجه واحد، وكان معه خمسة وأربعون فارسا، ونحو من مائة راجل.

وجاء عمر بن سعد بن أبي وقاص -وقد ولاه عبيد الله بن زياد على العسكر، وطلب من عبيد الله أن يعفيه من ذلك فأبى، فقال الحسين: اختاروا واحدة من ثلاث؛ إما أن تدعوني فألحق بالثغور، وإما أن أذهب إلى يزيد، أو أرد إلى المدينة. فقبل عمر ذلك، وكتب به إلى عبيد الله، فكتب إليه: لا، ولا كرامة حتى يضع يده في يدي. فقال الحسين: لا والله، وقاتل فقتل أصحابه منهم بضعة عشر شابا من أهل بيته.

قال: ويجيء سهم فيقع بابن له صغير، فجعل يمسح الدم عنه، ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قومنا، دعونا لينصرونا ثم يقتلوننا، ثم قاتل حتى قتل، قتله رجل مذحجي، وجز رأسه، ومضى به إلى عبيد الله، فقال:

قتلت خير الناس أما وأبا

فوفده إلى يزيد ومعه الرأس، فوضع بين يديه، وعنده أبو برزة الأسلمي؛ فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فيه، ويقول:

كذا قال أبو برزة، وإنما المحفوظ أن ذلك كان عند عبيد الله.

قال: فقال أبو برزة: ارفع قضيبك، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فاه على فيه.

قال: وسرح عمر بن سعد بحريمه وعياله إلى عبيد الله، ولم يكن بقي منهم إلا غلام كان مريضا مع النساء، فأمر به عبيد الله ليقتل، فطرحت عمته زينب نفسها عليه، وقالت: لا يقتل حتى تقتلوني، فرق لها، وجهزهم إلى الشام، فلما قدموا على يزيد جمع من كان بحضرته، وهنئوه، فقام رجل أحمر أزرق، ونظر إلى صبية منهم، فقال: هبها لي يا أمير المؤمنين، فقالت زينب: لا، ولا كرامة لك، إلا أن تخرج من دين الله، فقال له يزيد: كف، ثم أدخلهم إلى عياله، فجهزهم وحملهم إلى المدينة.

إلى هنا عن أحمد بن جناب.

الزبير: حدثنا محمد بن حسن: لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه، وقال: قد نزل بنا ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرئت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله. إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا ندما.

خالد بن عبد الله، عن الجريجي، عن رجل، أن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل من المشركين؟ كان إذا جنح أحدهم قبل منه، قالوا: لا، قال: فدعوني أرجع، قالوا: لا، قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين، فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار، فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي وشفاعة نبيي، فقتل وجيء برأسه، فوضع في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه، وقال: لقد كان غلاما صبيحا، ثم قال: أيكم قاتله؟ فقام الرجل فقال: وما قال لك؟ ....، فأعاد الحديث .... قال: فاسود وجهه.

أبو معشر، عن رجاله قال: قال الحسين حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء، وبعث عبيد الله لحربه عمر بن سعد، فقال: يا عمر! اختر مني إحدى ثلاث، إما أن تتركني أرجع، أو فسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده، فإن أبيت فسيرني إلى الترك فأجاهد حتى الموت، فبعث بذلك إلى عبيد الله، فهم أن يسيره إلى يزيد، فقال له شمر بن ذي الجوشن: لا، إلا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك، فقال الحسين: والله لا أفعل، وأبطأ عمر عن قتاله، فبعث إليه عبيد الله شمر بن ذي الجوشن، فقال: إن قاتل وإلا فاقتله، وكن مكانه.

وكان من جند عمر ثلاثون من أهل الكوفة، فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث خصال، فلا تقبلون واحدة!، وتحولوا إلى الحسين فقاتلوا.

عباد بن العوام، عن حصين قال: أدركت مقتل الحسين، فحدثني سعد بن عبيدة قال: رأيت الحسين وعليه جبة برود، رماه رجل يقال له: عمرو بن خالد الطهوي بسهم، فنظرت إلى السهم في جنبه.

هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: رمى زرعة الحسين بسهم فأصاب حنكه، فجعل يتلقى الدم، ثم يقول: هكذا إلى السماء، ودعا بماء ليشرب، فلما رماه حال بينه وبين الماء، فقال: اللهم ظمه، قال: فحدثني من شهده وهو يموت، وهو يصيح من الحر في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يديه المراوح والثلج، وهو يقول: اسقوني، أهلكني العطش، فانقد بطنه.

الكلبي رافضي متهم.

قال الحسن البصري: أقبل مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته.

وعن ابن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى -عليه السلام- إلا على الحسين.

عثمان بن أبي شيبة: حدثنا أبي، عن جدي، عن عيسى بن الحارث الكندي قال: لما قتل الحسين مكثنا أياما سبعة، إذا صلينا العصر فنظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضا.

المدائني، عن علي بن مدرك، عن جده الأسود بن قيس قال: احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر ترى كالدم.

هشام بن حسان، عن محمد قال: تعلم هذه الحمرة في الأفق مم؟ هو من يوم قتل الحسين.

الفسوي: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثتنا أم سوق العبدية قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين مطرت السماء ماء، فأصبحت وكل شيء لنا ملآن دما.

جعفر بن سليمان الضبعي: حدثتني خالتي قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطرا كالدم.

يحيى بن معين: حدثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربع عشرة

سنة، وصار الورس الذي كان في عسكرهم رمادا، واحمرت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم، فكانوا يرون في لحمها النيران.

ابن عيينة: حدثتني جدتي قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين.

حماد بن زيد: حدثني جميل بن مرة قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فطبخوا منها، فصارت كالعلقم.

قرة بن خالد: سمعت أبا رجاء العطاردي قال: كان لنا جار من بلهجيم، فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله -يعني الحسين رضي الله عنه، فرماه الله بكوكبين من السماء، فطمس بصره.

قال عطاء بن مسلم الحلبي: قال السدي: أتيت كربلاء تاجرا، فعمل لنا شيخ من طي طعاما، فتعشينا عنده، فذكرنا قتل الحسين، فقلت: ما شارك أحد في قتله إلا مات ميتة سوء، فقال: ما أكذبكم، أنا ممن شرك في ذلك، فلم نبرح حتى دنا من السراج وهو يتقد بنفط، فذهب يخرج الفتيلة بأصبعه، فأخذت النار فيها، فذهب يطفئها بريقه، فعلقت النار في لحيته، فعدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته كأنه حممة.

ابن عيينة: حدثتني جدتي أم أبي قالت: أدركت رجلين ممن شهد قتل الحسين، فأما أحدهما فطال ذكره حتى كان يلفه، وأما الآخر فكان يستقبل الراوية فيشربها كلها.

حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري أنه تكلم في مجلس الوليد، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين، فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس قال: لما قتل الحسين جيء برأسه إلى ابن زياد، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه، وقال: إن كان لحسن الثغر، فقلت: أما -والله- لأسوءنك، فقلت: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل موضع قضيبك من فيه.

الحاكم في "الكنى": حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر الحنفي، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا سليمان بن أبي سليمان الزهري، حدثنا يحيى بن أبي كثير،

حدثنا عبد الرحمن بن عمرو، حدثني شداد بن عبد الله، سمعت واثلة بن الأسقع، وقد جيء برأس الحسين، فلعنه رجل من أهل الشام، فغضب واثلة وقام، وقال: والله لا أزال أحب عليا وولديه، بعد أن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منزل أم سلمة، وألقى على فاطمة وابنيها وزوجها كساء خيبريا، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.

سليمان: ضعفوه، والحنفي متهم.

ويروى عن أبي داود السبيعي، عن زيد بن أرقم قال: كنت عند عبيد الله، فأتي برأس الحسين، فأخذ قضيبا فجعل يفتر به عن شفتيه، فلم أر ثغرا كان أحسن منه، كأنه الدر، فلم أملك أن رفعت صوتي بالبكاء، فقال: ما يبكيك أيها الشيخ؟ قلت: يبكيني ما رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، رأيته يمص موضع هذا القضيب ويلثمه، ويقول: "اللهم إني أحبه فأحبه".

حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم نصف النهار أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم، قلت: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: "هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل منذ اليوم ألتقطه". فأحص ذلك اليوم، فوجدوه قتل يومئذ.

ابن سعد، عن الواقدي، والمدائني، عن رجالهما، أن محفز بن ثعلبة العائذي قدم برأس الحسين على يزيد، فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم. فقال يزيد: ما ولدت أم محفز أحمق وألأم، لكن الرجل لم يتدبر كلام الله: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء}. ثم بعث يزيد برأس الحسين إلى متولي المدينة، فدفن بالبقيع عند أمه.

وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهرائي، سمعت أبا أمية الكلاعي قال: سمعت أبا كرب قال: كنت فيمن توثب على الوليد بن يزيد بدمشق، فأخذت سفطا، وقلت: فيه غنائي، فركبت فرسي، وخرجت به من باب توما، قال: ففتحته، فإذا فيه رأس مكتوب عليه: هذا رأس الحسين بن علي، فحفرت له بسيفي، فدفنته.

أبو خالد الأحمر: حدثنا رزين، حدثتني سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي، قلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: "شهدت قتل الحسين آنفا".

رزين هو ابن حبيب، وثقه ابن معين.

حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار؛ سمعت أم سلمة تقول: سمعت الجن يبكين على الحسين، وتنوح عليه.

سويد بن سعيد: حدثنا عمرو بن ثابت، حدثنا حبيب بن أبي ثابت، أن أم سلمة سمعت نوح الجن على الحسين.

عبيد بن جناد: حدثنا عطاء بن مسلم، عن أبي جناب الكلبي قال: أتيت كربلاء، فقلت لرجل من أشراف العرب: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن، قال: ما تلقى حرا ولا عبدا إلا أخبرك أنه سمع ذلك. قلت: فما سمعت أنت؟ قال: سمعتهم يقولون:

محمد بن جرير: حدثث عن أبي عبيدة، حدثنا يونس بن حبيب قال: لما قتل عبيد الله الحسين وأهله، بعث برءوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولا، ثم لم يلبث حتى ندم على قتلهم، فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى، وأنزلت الحسين معي، وحكمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن، حفظا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة -يعني عبيد الله، فإنه أحرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العداوة.

جرير، عن الأعمش قال: تغوط رجل من بني أسد على قبر الحسين، فأصاب أهل ذلك البيت خبل، وجنون، وبرص، وفقر، وجذام.

قال هشام بن الكلبي: لما أجري الماء على قبر الحسين انمحى أثر القبر، فجاء أعرابي فتتبعه، حتى وقع على أثر القبر، فبكى، وقال:

سفيان بن عيينة: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين. ومات لها حسن، وقتل لها حسين.

قلت: قوله: مات لها حسن: خطأ، بل عاش سبعا وأربعين سنة.

قال الجماعة: مات يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، زاد بعضهم يوم السبت، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم الاثنين.

ومولده: في شعبان، سنة أربع من الهجرة.

عبد الحميد بن بهرام، وآخر ثقة، عن شهر بن حوشب، قال: كنت عند أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أتاها قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها؟! ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا، ووقعت مغشية عليها، فقمنا.

ونقل الزبير لسليمان بن قتة يرثي الحسين:

قوله: أذل رقابا، أي: لا يرعون عن قتل قرشي بعده.

أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن، يقال لها: ريا؛ حاضنة يزيد، يقال: بلغت مائة سنة، قالت: دخل رجل على يزيد، فقال: أبشر، فقد أمكنك الله من الحسين، وجيء برأسه، قال: فوضع في طست، فأمر الغلام فكشف، فحين رآه خمر وجهه كأنه شم منه، فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب؟ قالت: إي والله.

ثم قال حمزة: وقد حدثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام.

وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان، فبعث فجيء به، وقد بقي عظما أبيض، فجعله، في سفط وطيبه، وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس، فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به.

وذكر باقي الحكاية، وهي قوية الإسناد.

يحيى بن بكير: حدثني الليث، قال: أبى الحسين أن يستأسر حتى قتل بالطف، وانطلقوا ببنيه علي وفاطمة وسكينة إلى يزيد، فجعل سكينة خلف سريره لئلا ترى رأس أبيها، وعلي في غل، فضرب على ثنيتي الحسين، وتمثل بذاك البيت، فقال علي: {ما أصاب من مصيبة في الأرض}، الآية، فثقل على يزيد أن تمثل ببيت، وتلا علي آية، فقال بل: {فبما كسبت أيديكم}. فقال: أما -والله- لو رآنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحب أن يخلينا، قال: صدقت، فخلوهم، قال: ولو وقفنا بين يديه لأحب أن يقربنا، قال: صدقت، قربوهم، فجعلت سكينة وفاطمة تتطاولان لتريا الرأس، وبقي يزيد يتطاول في مجلسه ليستره عنهما، ثم أمر لهم بجهاز، وأصلح آلتهم، وخرجوا إلى المدينة.

كثير بن هشام: حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما أتي يزيد برأس الحسين جعل ينكت سنه ويقول: ما كنت أظن أبا عبد الله بلغ هذا السن، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب.

وممن قتل مع الحسين أخوته الأربعة: جعفر، وعتيق، ومحمد، والعباس الأكبر، وابنه الكبير علي، وابنه عبد الله، وكان ابنه علي زين العابدين مريضا فسلم، وكان يزيد يكرمه ويرعاه.

وقتل مع الحسين ابن أخيه القاسم بن الحسن، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

المدائني، عن إبراهيم بن محمد، عن عمرو بن دينار، حدثنا محمد بن علي، عن أبيه قال: قتل الحسين، وأدخلنا الكوفة، فلقينا رجل، فأدخلنا منزله، فألحفنا، فنمت، فلم أستيقظ إلا بحس الخيل في الأزقة، فحملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا، وقال: إنه سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم، فلما كان يوم الحرة ما كان، كتب مع مسلم بن عقبة بأماني، فلما فرغ من القتال مسلم بعث إلي فجئته، فرمى إلي بالكتاب، وإذا فيه: استوص بعلي بن الحسين خيرا، وإن دخل معهم في أمرهم، فأمنه واعف عنه، وإن لم يكن معهم فقد أصاب وأحسن.

فأولاد الحسين هم: علي الأكبر الذي قتل مع أبيه، وعلي زين العابدين، وذريته عدد كثير، وجعفر، وعبد الله، ولم يعقبا.

فولد لزين العابدين الحسن، والحسين -ماتا صغيرين، ومحمد الباقر، وعبد الله، وزيد، وعمر، وعلي، ومحمد الأوسط -ولم يعقب، وعبد الرحمن، وحسين الصغير، والقاسم -ولم يعقب.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 4- ص: 347

الحسين بن علي بن أبي طالب أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا عبد الله، ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع، وقيل سنة ثلاث، هذا قول الواقدي وطائفة معه.
قال الواقدي: علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه قال: لم يكن بين الحسن والحسين إلا طهر واحد. وقال قتادة: ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من التاريخ، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عق عن أخيه، وكان الحسين فاضلا دينا كثير الصيام والصلاة والحج.
قتل رضي الله عنه يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة، ويعرف الموضع أيضا بالطف، قتله سنان بن أنس النخعي، ويقال له أيضا سنان بن أبي سنان النخعي، وهو جد شريك القاضي.
ويقال: بل الذي قتله رجل من مذحج. وقيل: بل قتله شمر بن ذي الجوشن، وكان أبرص، وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير، جز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال:

وقال يحيى بن معين: أهل الكوفة يقولون: إن الذي قتل الحسين عمر ابن سعد بن أبي وقاص، قال يحيى: وكان إبراهيم بن سعد يروى فيه حديثا إنه لم يقتله عمر بن سعد.
وقال أبو عمر: إنما نسب قتل الحسين إلى عمر بن سعد لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتال الحسين، وأمر عليهم عمر ابن سعد، ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله، وكان في تلك الخيل- والله أعلم- قوم من مضر ومن اليمن.
وفي شعر سليمان بن قتة الخزاعي. وقيل: إنها لأبي الرميح الخزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين، فمن قوله في ذلك:
وفيها يقول:
ومنها أو من غيرها:
في أبيات كثيرة.
وقال خليفة بن خياط: الذي ولى قتل الحسين بن علي شمر بن ذي الجوشن وأمير الجيش عمر بن سعد.
وقال مصعب: الذي ولى قتل الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النخعي، لا رحمه الله، ويصدق ذلك قول الشاعر:
وقال منصور النمري:
أخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فوجد قد قتل في ذلك اليوم.
وهذا البيت زعموا قديما لا يدرى قائله:
وبكى الناس الحسين فأكثروا.
وروى فطر، عن منذر الثوري، عن ابن الحنفية قال: قتل مع الحسين سبعة عشر رجلا كلهم من ولد فاطمة وقال أبو موسى، عن الحسن البصري: أصيب مع الحسين بن علي ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبة.
وقيل: إنه قتل مع الحسين من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلا.
وقال أبو عمر: لما مات معاوية وأفضت الخلافة إلى يزيد، وذلك في في سنة ستين، ووردت بيعته على الوليد بن عقبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلها أرسل إلى الحسين بن علي وإلى عبد الله بن الزبير ليلا فأتى بهما، فقال: بايعا، فقالا: مثلنا لا يبايع سرا، ولكننا نبايع على رءوس الناس إذا أصبحنا. فرجعا إلى بيوتهما، وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وذلك ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب، فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوال وذا القعده، وخرج يوم التروية يريد الكوفة، فكان سبب هلاكه.
قتل يوم الأحد لعشر مضين من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى
وستين بموضع من أرض الكوفة يدعى كربلاء قرب الطف، وقضى الله عز وجل أن قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء سنة سبع وستين، قتله إبراهيم بن الأشتر في الحرب، وبعث برأسه إلى المختار، وبعث به المختار إلى ابن الزبير، فبعث به ابن الزبير إلى علي بن الحسين.
واختلف في سن الحسين يوم قتله: فقيل: قتل وهو ابن سبع وخمسين.
وقيل: قتل وهو ابن ثمان وخمسين.
قال قتادة: قتل الحسين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر، وذكر المازني، عن الشافعي، عن سفيان بن عيينة، قال: قال لي جعفر بن محمد: توفي علي بن أبي طالب، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقتل الحسين بن علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفي علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وتوفي محمد بن علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
قال سفيان: وقال لي جعفر بن محمد وأنا بهذه السنة في ثمان وخمسين فتوفى فيها رحمه الله.
قال مصعب الزبيري: حج الحسين بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا، وذكر أسد عن حاتم بن إسماعيل، عن معاوية بن أبي مزرد عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة يقول: أبصرت عيناي هاتان، وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بكفي حسين، وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ترق عين بقة. قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: افتح فاك، ثم قبله، ثم قال: اللهم أحبه، فإني أحبه. قال أبو عمر: روى الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. هكذا حدث به العمري عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث في كتاب التمهيد لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموطأ، والحمد لله.
وروى إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن سنان ابن أبي سنان الدؤلي، عن الحسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في ابن صائد: اختلفتم وأما بين أظهركم، فأنتم بعدي أشد اختلافا. أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا القاسم، حدثنا الخشني، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا ابن عيينة، عن عبد الله بن شريك، عن بشر بن غالب، قال: سمعت ابن الزبير وهو يسأل حسين بن علي يا أبا عبد الله، ما تقول في فكاك الأسير على من هو؟ قال: على القوم الذين أعانهم، وربما قال: قاتل معهم. قال سفيان: يعني يقاتل مع أهل الذمة فيفك من جزيتهم.
قال: وسمعته يقول له: يا أبا عبد الله، متى يجب عطاء الصبي؟ قال: إذا استهل وجب عطاؤه ورزقه.
وسأله عن الشرب قائما فدعا بلقحة له فحلبت وشرب قائما وناوله، وكان يعلق الشاة المصلية فيطعمنا منها ونحن نمشي معه.

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 392

حسين الشهيد. مولى لمزينة. وكان ثقة إن شاء الله.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 7- ص: 200

الحسين بن علي بن أبي طالب بن فاطمة الزهراء كنيته أبو عبد الله كان بينه وبين الحسن طهر واحد ثم حملت فاطمة به قتل يوم عاشوراء بكربلاء يوم السبت سنة إحدى وستين وهو عطشان في امارة يزيد بن معاوية وحمل رأسه إلى الشام واختلف في موضع رأسه فمنهم من زعم أن رأسه في البرج الثالث من السور على باب الفراديس بدمشق ومنهم من زعم أن رأسه على رأس عمود في مسجد جامع دمشق عن يمين القبلة بجنب القبة الخضراء وقد رأيت ذلك العمود ومنهم من زعم ان رأسه في قبر معاوية وذاك ان يزيد بن معاوية دفن رأسه في قبر أبيه وقال احصنه بعد الممات به فأما جثته فبكربلاء لا شك فيه

  • دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 25

حسين بن علي بن أبي طالبٍ، أبو عبد الله، الهاشمي.
وقال أحمد بن سليمان: عن عطاء بن مسلم، عن الأعمش؛ قتل الحسين، وهو ابن تسعٍ وخمسين.
وقال أبو نعيم: قتل الحسين يوم عاشوراء.
وقال فروة بن أبي المغراء: عن القاسم بن مالكٍ، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام، فذكرته لابن عباسٍ، فقال: أذكرت حسين بن علي حين رأيته؟ قلت: نعم، والله ذكرت تكفيه حين رأيته يمشي، قال: إنا كنا نشبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الله بن محمد، ومحمد بن الصلت، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قتل حسين بن علي، وهو ابن ثمان وخمسين.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 1

الحسين الشهيد
عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبويه وعنه أولاده علي وزيد وسكينة وفاطمة وكرز التيمي وعكرمة قال بن سعد ولد في شعبان سنة أربع مات 61 يوم عاشوراء ع

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 1

الحسين بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله القرشي الهاشمي
رضي الله عنه له رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد بكربلاء من ناحية الكوفة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين قال عمرو بن علي قتل الحسين بن علي وكان يكنى أبا عبد الله سنة إحدى وستين وهو يومئذٍ ابن ست وخمسين سنة في المحرم يوم عاشوراء وقال أبو نعيم قتل الحسين بن علي يوم عاشوراء يوم السبت من سنة ستين
روى عن أبيه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في الصلاة والأشربة
روى عنه ابنه علي بن الحسين رضي الله عنهم

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن فاطمة الزهراء
كنيته أبو عبد الله وكان بينه وبين الحسن طهر واحد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أحبهما فأحبهما، قتل يوم عاشوراء بكربلاء يوم السبت وهو عطشان سنة إحدى وستين وحمل رأسه إلى الشام وكان له يوم قتل ثمان وخمسون سنة وقد قيل ست وخمسون والذي قتله يومئذٍ سنان بن أنس النخعي وكان الحسين بن علي يخضب بالسواد واختلف في موضع رأسه فمنهم من زعم أن رأسه على رأس عمود في مسجد جامع دمشق عن يمين القبلة وقد رأيت ذلك العمود ومنهم من زعم أن رأسه في البرج الثالث من السور على باب الفراديس بدمشق ومنهم من زعم أن رأسه بقبر معاوية وذلك أن يزيد دفن رأسه في قبر أبيه وقال أحصنه بعد الممات فأما جثته فبكربلاء وفي قتله أخبار كثيرة تنكبنا ذكرها لأن شرطنا في هذا الكتاب الاختصار ولزوم الاقتصار والله أعلم

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1

حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وقتل الحسين بن علي بن أبي طالب بكربلاء قتله عبيد الله بن زياد حدثنا أبو مسلم حدثني أبي أحمد حدثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن حسين بن علي قال صعدت إلى عمر رضي الله عنه وهو على المنبر فقلت انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك قال من علمك هذا قلت ما علمني أحد قال منبر أبيك والله منبر أبيك والله منبر أبيك والله وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا أنتم جعلت تأتينا جعلت تغشانا

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، سبط النبي صلى الله عليه وسلم، وريحانته من الدنيا، وأحد سيدى شباب أهل الجنة:
ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة. وقيل: ولد لست سنين وخمسة أشهر ونصف من الهجرة. وكان فاضلا كثير الصلاة والصوم والحج، وحج خمسا وعشرين حجة ماشيا. وكان مكثرا من الصدقة ومن جميع أفعال الخير، أبي النفس، ولم يبايع ليزيد بن معاوية لما طلبت البيعة منه في حياة أبيه ولا بعد موته، وفر إلى مكة، وجاءته كتب أهل الكوفة يحثونه على المسير إليهم. فبعث إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ليختبر له الأمر، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا، ثم تخلوا عنه عند ما ولى عبيد الله بن زياد الكوفة ليزيد بن معاوية، وقتل مسلم بن عقيل، وجهز ألفى فارس مع عمر بن سعد بن أبي وقاص لقتال الحسين، وكان قد خرج من مكة في العشر الأول من ذي الحجة سنة ستين، ومعه أهل بيته وستون شيخا من أهل الكوفة، بعد أن نهاه عن ذلك أقاربه وغيرهم فأبى، فقال: إنى رأيت رؤيا أمرنى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر وأنا ماضى له، ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقى عملى.
ولما قرب من القادسية، بلغه خبر مسلم بن عقيل، فهم أن يرجع، فقال إخوته: والله ما نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل، فقال: لا خير في الحياة بعدكم، وسار حتى لقيته خيل عبيد الله بن زياد، فقال الحسين لمقدمهم: اختر واحدة من ثلاث: إما أن تدعونى فألحق بالثغور، وإما أن تدعونى فأذهب إلى يزيد، وإما أن تدعونى فأذهب من حيث جئت، فقبل منه ذلك، وكتب به إلى عبيد الله بن زياد، فكتب عبيد الله: لا، ولا كرامة، حتى يضع يده في يدى. فقال الحسين: لا، والله لا يكون ذلك أبدا، فقاتلوه، فقتل أصحاب الحسين كلهم، وكانوا خمسة وأربعين فارسا ونحو مائة رجل، وقتل من أهل بيته سبعة عشر شابا، وقاتله حتى قتل رضي الله عنه.
وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، قاله جماعة كثيرون. واختلف في يوم
قتله، فقيل يوم الجمعة، وقيل يوم السبت، وقيل يوم الاثنين، وقيل قتل آخر يوم من سنة ستين، وقيل قتل سنة اثنتين وستين، وقيل غير ذلك، وله من العمر خمس وخمسون سنة وستة أشهر، قاله الواقدي. وذكر أنه أثبت عندهم. وقيل: سنة ست وخمسين، وقيل: ثمان وخمسون.
وكان قتله بكربلاء من أرض العراق، ودفن هناك وقبره مشهور يزار ويتبرك به، إلا أن رأسه حمل إلى يزيد بدمشق. ثم نقل إلى مصر في زمن خلفائها العبيديين، وبنى عليه مشهد معروف، وحزن الناس على الحسين كثيرا، وأكثروا فيه من المراثى، وبكته الجن على ما قيل. وظهرت لموته آيات على ما قيل، منها: اسوداد السماء، وظهور الكواكب نهارا، وأمطرت بالدماء. ولم يرفع حجر بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط. ولم يشترك أحد في قتله إلا ابتلى. ومناقبه كثيرة وأخباره شهيرة.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 1

الحسين بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله عليه السلام
له صحبة روى عنه ابنه علي بن الحسين وابنته فاطمة بنت الحسين سمعت أبي يقول ذلك.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 3- ص: 1