أسد بن الفرات اسد بن الفرات بن سنان مولى بني سليم، أبو عبد الله: قاضي القيروان واحد القادة الفاتحين. اصله من خراسان. ولد بحران (او بنجران) ورحل ابوه إلى القيروان، في جيش الاشعث، فأخذه معه وهو طفل، فنشأ بها ثم بتونس. ورحل إلى المشرق في طلب الحديث (سنة 172 هـ) ثم ولي قضاء القيروان (سنة 204 هـ) وكان شجاعا حازما صاحب رأي. واستعملع زيادة الله الاغلبي على جيشه واسطوله و وجهه لفتح جزيرة صقلية (سنة 212 هـ) فهاجمها بعشرة الاف، ودخلها فاتحا، قال ابن ناجي: وهو اول من فتح صقلية. وتوفي من جراحات اصابته وهو محاصر سرقوسة برا وبحرا. وهو مصنف (الاسدية) في فقه المالكية.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 298
ابن الفرات أسد بن الفرات بن سنان مولى سليم بن قيس أبو عبد الله الفقيه الإمام.
أبوه من نيسابور، قدم القيروان سنة 144/ 761 مع جيش محمد بن الأشعث الخزاعي في خلافة أبي جعفر المنصور العباسي، قال بعضهم:
ولد بحران، وقيل بل قدم أبوه وأمه حامل. وقد كان علم القرآن بقرية من قرى وادي مجردة، ثم اختلف إلى علي بن زياد بتونس فلزمه وتعلم منه وتفقه بفقهه، ثم رحل إلى المشرق فحج، وسمع من الإمام مالك بن أنس الموطأ، ثم ذهب إلى الكوفة فلقي أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، وأسد بن عمرو، وكتب الحديث عن يحيى بن أبي زائدة، سمع منه عشرين ألف حديث، وهشيم بن بشير كتب عنه اثني عشر ألف حديث، والمسيب بن شريك، وأبي بكر بن عياش، وغيرهم.
وشيخه أبو يوسف أخذ عنه الموطأ.
قال أسد: لما خرجت إلى المشرق وأتيت المدينة، قدمت مالكا وكان إذا أصبح خرج آذنه فأدخل أهل المدينة، ثم أهل مصر، ثم عامة الناس، فكنت أدخل معهم فرأى مالك رغبتي في العلم فقال لآذنه:
أدخل القروي مع المصريين، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة قلت له: إن
لي صاحبين وقد استوحشت أن أدخل قبلهما فأمر بإدخالهما معي، وكان ابن القاسم وغيره يحملني على أن أسأل مالكا فإذا أجابني قالوا لي: قل له فإن كان كذا وكذا فضاق علي يوما وقال: هذه سلسلة بنت سلسلة إن كان كذا كان كذا، إن أردت فعليك بالعراق.
قال أسد: فلما أتيت الكوفة أتيت أبا يوسف فوجدته جالسا ومعه شاب وهو يملي عليه مسألة فلما فرغ منها قال: ليت شعري! ما يقول فيها مالك؟ قلت: كذا وكذا، فنظر إلي، فلما كان في اليوم الثاني مثل ذلك وفي الثالث مثله، فلما افترق الناس دعاني وقال: من أين أنت، ومن أين أقبلت؟ فأخبرته، قال: وما تطلب؟ قلت: ما ينفعني الله به، فعطف على الشاب الجالس فقال: ضمه إليك لعل الله ينفعك به في الدنيا والآخرة، فخرجت معه إلى داره فإذا محمد بن الحسن فلزمته حتى كنت من المناظرين من أصحابه قلت له: أنا غريب والسماع منك قليل، قال: اسمع العراقيين بالنهار وجئني بالليل وحدك تبيت معي فأسمعك، فكان إذا رآني نعست نضح وجهي بالماء ورآني يوما أشرب ماء السبيل، فقال لي أتشربه؟ فقلت له: أنا ابن سبيل، فلما كان الليل بعث إلي بثمانين دينارا وقال: ما عرفت أنك ابن سبيل إلا الآن.
فلما أراد الرجوع إلى إفريقية لم يكن عنده نفقة السفر، فذكر ذلك لمحمد بن الحسن، فقال له: اذكر شأنك لولي العهد، فلقي محمد بن الحسن ولي العهد، وذاكره أمر أسد، ثم قال لأسد: قف بالحاجب يوم كذا يدخلك عليه، وأعلم أنك حيث تنزل نفسك أنزلوك، فمضى أسد واستأذن فأذن له فدخل حتى انتهى إلى موضع أمر بالجلوس فيه، ومضى الخادم الذي أدخله فجاءه بمائدة مغطاة فجعلها بين يديه، قال أسد:
ففكرت وقلت: ما أرى هذه إلا منقصة، وقلت للخادم، هذا الذي جئت به منك أو من مولاك؟ قال: مولاي أمرني به، قلت: مولاك لا يرضى بهذا يأكل ضيفه دونه يا غلام هذا أمر منك وجبت مكافأتك
عليه، وكانت في جيبي أربعون درهما لم يبق معي سواها فدفعتها إلى الخادم، وقلت له: ارفع مائدتك! ففعل وعرف مولاه، فبلغني أنه قال:
حر والذي لا إله إلا هو، ثم قال الخادم أدخل: فدخلت عليه وهو على السرير، ومعلم على آخر وسرير ثالث فأمرني بالجلوس عليه فجلست، وجعل يسائلني وأجيبه، فلما قرب انصرافي كتب رقعة وختمها ودفعها إلي وقال: قف بهذا إلى صاحب الديوان، وتعود إلي، فأخذت الرقعة، ولقيت محمد من الغد فسألني فأعلمته فقال لي: أوصل الساعة الرقعة، ففعلت فدفع إلي صاحب الديوان عشرة آلاف درهم، فأعلمت محمد بن الحسن، فقال لي: إن عدت إلى القوم صرت لهم خادما وفيما أخذت عون لك. ورغب إلي محمد أن أزامله إلى مكة، فكأني كرهت هذا، فقال لي أصحابه، وددنا لو اشترينا هذا منه بعشرة آلاف درهم فزاملته وكنت أسأله عما أريده وربما سألته وهو في الصلاة فيمهد بالقراءة يعلمني أنه يصلي فأقول: تشتغل عني بالصلاة وقد قطعت البلاد إليك، فيقطع ويجيبني.
فخرج من العراق إلى مصر فوجد فيها أصحاب مالك المصريين: ابن وهب، وابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، فأراد أن يخدم الفقه المالكي معهم خدمة جديدة، وذلك أن يأخذ المنهج العراقي في تفصيل المسائل وتأصيلها ويدرج عليه من مسائل الاحكام على مذهب مالك، فيكون بذلك قد أدخل المذهب المالكي في دور جديد من التدوين المؤصل المرتب
ولم يجد أسد من يسايره في هذا الصنيع من المصريين إلا عبد الرحمن بن القاسم العتقي أكبر أصحاب مالك وأتمهم قياما على أقواله، فدون أسد أسئلته لابن القاسم ومباحثاته معه وأجوبة ابن القاسم أحيانا بقول مالك، وأحيانا بما رأى ابن القاسم من خلافه، وأخرج ذلك كتابا كاملا جامعا قد دون فيه المذهب المالكي لأول مرة تدوينا وافيا هو
«الأسدية» التي تشتمل على ستين كتابا إلا أن هذا الأثر العظيم الذي أبرزه أسد قد بقي كما هو شأن كل عمل في ابتدائه منقوصا من جهتين:
الجهة الأولى هو أنه لما بنى أدراج مذهب على منهج مذهب آخر فقد وقع فيه من الاختلاط في الأقوال والاختلال في عزوها أمور جاءت قادحة في ما يطلب في كتب الاحكام من الصحة المطلقة، والجهة الثانية في النقص:
وهي أن فقهاء المالكية اعتادوا بناء الفقه على الأحاديث والآثار كما هي طريقة مالك في الموطأ، وقد سلك أسد في كتابه طريقة فقه خالص مبني على صريح الاجتهاد فلذلك لقيت هذه الطريقة بعض ازورار منذ انتشر كتاب أسد في مصر ثم بعد أن عاد به إلى إفريقية فكان الناس يقولون:
جئتنا بإخال وأظن وأحسب وتركت الآثار وما عليه السلف.
(محمد الفاضل بن عاشور): أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي، أثناء ترجمة علي بن زياد ص 27).
قال ابن سحنون وحصلت لأسد بتلك الكتب في القيروان رياسة، قال غيره: وأنكر عليه الناس إذ جاء بهذه الكتب وقالوا: أجئتنا بإخال وأظن وأحسب، وتركت الآثار وما عليه السلف، قال أسد: أما علمتم أن قول السلف هو رأي لهم وأثر لمن بعدهم، ولقد كنت أسأل ابن القاسم عن مسألة فيجيبني عنها، فأقول: هو قول مالك؟ فيقول: كذا إخال وأرى، وكان ربما يكره أن يهجم على الجواب.
وعاد أسد إلى إفريقية سنة 181/ 797 وانتصب بالقيروان يفيض ذلك العلم الجم ويخرج ناشئة الفقهاء على ذلك الأسلوب الذي صاغ عليه كتابه البديع (المرجع السالف نفس الصفحة، وينظر ومضات فكر لنفس المؤلف 2/ 302 - 304).
ومنع أسد كتابه «الأسدية» عن سحنون، فتلطف سحنون حتى وصلت إليه، ثم ارتحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم، فعرضها
عليه، فقال ابن القاسم فيها شيء لا بد من تفسيره وأجاب عما كان يشك فيه، واستدرك فيها أشياء كثيرة لأنه كان أملاها على أسد من حفظه، وكتب ابن القاسم إلى أسد أن عارض كتبك على كتب سحنون فإني رجعت عن أشياء مما رويتها عني، فغضب أسد وقال لابن القاسم:
أنا صيرتك ابن القاسم، ارجع إلى ما اتفقنا عليه إلى ما رجعت أنت الآن عنه، فترك أسد سماعها، وذكر أن أسدا هم بإصلاحها فرده عن ذلك بعض أصحابه وقال: ألا تضع من قدرك تصلح كتبك من كتبه وأنت سمعتها قبله؟ فترك ذلك، وأهملت «الأسدية» واقتصر الناس في التفقه على «مدونة» سحنون.
ولاه الأمير زيادة الله الأول الأغلبي القضاء شريكا لأبي محرز الكناني سنة 203 أو 204/ 818 - 19 وكان ما بينهما غير جميل، فكان أسد أغزر علما وفقها وأبو محرز أسدهما رأيا وأكثرهما صوابا.
بعث الأمير زيادة الله إلى أبي محرز وأسد فأقبل أسد وإذا أبو محرز ينتظره مع بعض الرسل، ثم دخلا على الأمير فأجلس أبا محرز عن يمينه وأسد عن شماله، ثم دفع صكا إلى أسد ليقرأه، ووقع حوار وجدال بينه وبين أبي محرز، ثم دخل عليهم رجل فذكر للأمير أنه رأى كأن جبريل هبط من السماء ومعه نور حتى وقف بين يديك وصافحك، وفي رواية وقبل يدك، فابتسم زيادة الله وقال: هذا عدل يجزيه الله على يدي فقال أسد: كذب الشيخ أيها الأمير، فغضب الأمير، ونظر إلى أبي محرز كالمحرك له ليعلم ما بينهما، فقال أبو محرز صدق أسد وكذب الشيخ لأن جبريل لا ينزل بوحي إلا على نبي، وقد انقطع الوحي، وهذا وأمثاله يأتونكم بمثل هذا طلبا للدنيا، فاتق الله، فسكت الأمير، وخرجا. وكان أسد وأبو محرز على تباعدهما لا يستحل أحد من صاحبه ما لا يحل.
لما غلب عمران بن مجاهد على القيروان بعث إلى أسد في الخروج معه فتمارض ولزم بيته فبعث إليه إن لم تخرج معي بعثت إليك من يجرك
برجلك فقال للرسول: لئن أخرجنني لأنادين القاتل والمقتول في النار، فلما سمع ذلك تركه.
لما خرج الجيش إلى غزو صقلية سنة 212/ 827 تطوع في الجيش لأنه كان - على علمه وفقهه - أحد الشجعان، ولاه زيادة الله إمارة الجيش فقال له أسد: من بعد القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة؟ فقال: لا ولكني وليتك الإمارة وهي أشرف، وأبقيت لك القضاء فأنت أمير قاض.
لما خرج أسد إلى سوسة ليتوجه منها إلى صقلية، وفي سوسة يقيم الأسطول الإفريقي، خرج معه وجوه أهل العلم، والناس يشيعونه، وأمر زيادة الله أن لا يبقى أحد من رجاله إلا شيعه، فلما نظر الناس حوله من كل جهة، وقد صهلت الخيول وضربت الطبول وخفقت البنود، صعد متن السفينة المعدة له وقام خطيبا فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والله يا معشر المسلمين ما ولي لي أب ولا جد، ولا رأى أحد الناس من سلفي مثل هذا، ولا بلغت مثل ما ترون إلا بالأقلام فأجهدوا أنفسكم فيها، وثابروا على تدوين العلم تنالوا به الدنيا والآخرة.
وخرج أسد إلى صقلية في عشرة آلاف رجل منهم تسعمائة فارس، وفتح مدنا وقلاعا مثل مازرة والشاقة، ثم قصد القاعدة الكبرى سرقوسة شرقي الجزيرة، فضيق عليها الخناق، قال بعضهم ممن حضر هذه الحملة، فرأيت أسدا وفي يده اللواء وهو يزمزم وأقبل على قراءة يس، ثم حرض الناس وحمل وحملوا معه، فهزم الله جموع النصارى، ورأيت أسدا وقد سالت الدماء على قناة اللواء حتى صار تحت إبطه ولقد رد يده في بعض تلك الأيام فلم يستطع مما اجتمع من الدم تحت إبطه.
ومن أهداف الحملة على صقلية هو إبعاد الخطر الخارجي عن إفريقية لأن صقلية هي بمثابة حصن لبيزنطة، وإبعاد الجند العربي المتكون
من عناصر ترجع إلى قبائل متنافسة ومن ملل رؤسائه الذين يحاولون إثارة السلطة واغتصابها لأن الكثيرين منهم يجادلون في شرعيتها بعد احتلال قسم من جزيرة صقلية حاصر أسد سرقوسة وضايق بالحصار ميناءها بواسطة أسطول أرسل من إفريقية، لكن الحصن قاوم كل الحملات، واقتلع الوباء كثيرا من الضحايا ومن بينهم أسد.
وكان أسد يقول عن نفسه: أنا أسد وهو خير الوحوش، وأبي فرات وهو خير المياه، وجدي سنان وهو خير السلاح.
المصادر والمراجع:
- الأعلام (ط 5) 1/ 298.
- أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي ص 26 - 28 (أثناء ترجمة علي بن زياد).
- انتصار الفقير المالك لترجيح مذهب الإمام الكبير مالك، تأليف شمس الدين محمد بن محمد الراعي الأندلسي/تحقيق د. محمد أبو الأجفان (دار الغرب الإسلامي بيروت 1981) ص 209 - 211.
- إيضاح المكنون 1/ 74.
- بغية الملتمس 223.
- تذكرة الحفاظ 1/ 248.
- ترتيب المدارك 3/ 465 - 480.
- تونس وجامع الزيتونة لمحمد الخضر حسين (المطبعة التعاونية بدمشق 1391/ 1971) ص 70 - 81.
- الحلل السندسية 1 ق 3/ 741 - 755.
- الديباج المذهب 98.
- رياض النفوس 1/ 172 - 189.
- شجرة النور الزكية 62.
- شذرات الذهب 2/ 29.
- طبقات علماء إفريقية لأبي العرب التميمي 163 - 166.
- طبقات الخشني 235.
- طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق: د. إحسان عباس (بيروت 1970) ص 155 - 156.
- العبر 1/ 364.
- مجمل تاريخ الأدب التونسي 47 - 51.
- مقدمة ابن خلدون (مط. مصطفى محمد، القاهرة، بلا تاريخ) ص 450.
- المرقية العليا للنباهي 54.
- معالم الإيمان 2/ 3 - 26 (ط 2/).
- معجم المؤلفين 2/ 240.
- هدية العارفين 1/ 202.
- وجوه تونسية (بالفرنسية) للصادق الزمرلي ص 9 - 12.
- القراءات بإفريقية لهند شلبي 279 - 281.
دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 4- ص: 17
أسد بن الفرات الإمام العلامة القاضي الأمير مقدم المجاهدين أبو عبد الله الحراني، ثم المغربي.
مولده: بحران سنة أربع وأربعين ومائة. قاله: ابن ماكولا وقال غيره: سنة خمس.
ودخل القيروان مع أبيه في الجهاد وكان أبوه الفرات بن سنان من أعيان الجند.
روى أسد عن مالك بن أنس الموطأ، وعن يحيى بن أبي زائدة، وجرير بن عبد الحميد، وأبي يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن.
وغلب عليه علم الرأي وكتب علم أبي حنيفة.
أخذ عنه شيخه أبو يوسف، وقيل: إنه تفقه أولا على الإمام علي بن زياد التونسي.
قيل: إنه رجع من العراق فدخل على ابن وهب فقال: هذه كتب أبي حنيفة وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك فأبى، وتورع فذهب بها إلى ابن القاسم فأجابه بما حفظ عن مالك، وبما يعلم من قواعد مالك، وتسمى هذه المسائل: الأسدية.
وحصلت بإفريقية له رياسة وإمرة وأخذوا عنه وتفقهوا به.
وحمل عنه سحنون بن سعيد ثم ارتحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم وعرضها عليه فقال ابن القاسم: فيها أشياء لا بد أن تغير وأجاب عن أماكن. ثم كتب إلى أسد بن الفرات: أن عارض كتبك بكتب سحنون فلم يفعل، وعز عليه فبلغ ذلك ابن القاسم فتألم وقال: اللهم لا تبارك في الأسدية فهي مرفوضة عند المالكية.
قال أبو زرعة الرازي: كان عند ابن القاسم نحو ثلاث مائة جلد مسائل عن مالك وكان
أسد من أهل المغرب سأل محمد بن الحسن عن مسائل ثم سأل ابن وهب فلم يجبه فأتى ابن القاسم فتوسع له، وأجاب بما عنده عن مالك، وبما يراه قال: والناس يتكلمون في هذه المسائل.
قال عبد الرحيم الزاهد: قدم علينا أسد فقلت: بم تأمرني؟ بقول مالك، أو بقول أهل العراق؟ فقال: إن كنت تريد الآخرة فعليك بمالك.
وقيل: نفذت نفقة أسد وهو عند محمد، فكلم فيه الدولة فنفذوا إليه عشرة آلاف درهم.
وقد كان أسد ذا إتقان وتحرير لكتبه لقد بيعت كتب فقيه، فنودي عليها: هذه قوبلت على كتب الإفريقي فاشتروها ورقتين بدرهم.
وعن ابن القاسم أنه قال لأسد: أنا أقرأ في اليوم والليلة ختمتين فأنزل لك عن ختمة يعني: لاشتغاله به.
قال داود بن أحمد: رأيت أسدا يعرض التفسير فقرأ: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} فقال: ويل أم أهل البدع يزعمون أن الله خلق كلاما يقول: أنا.
قلت: آمنت بالذي يقول: {إني أنا الله} وبأن موسى كليمه سمع هذا منه ولكني لا أدري كيف تكلم الله؟.
مضى أسد أميرا على الغزاة من قبل زيادة الله الأغلبي متولي المغرب فافتتح بلدا من جزيرة صقلية وأدركه أجله هناك في ربيع الآخر، سنة ثلاث عشرة ومائتين.
وكان مع توسعه في العلم فارسا بطلا شجاعا مقداما زحف إليه صاحب صقلية في مائة ألف وخمسين ألفا قال رجل: فلقد رأيت أسدا، وبيده اللواء يقرأ سورة يس، ثم حمل بالجيش فهزم العدو ورأيت الدم وقد سال على قناة اللواء وعلى ذراعه.
ومرض وهو محاصر سرقوسية.
ولما ولاه صاحب المغرب الغزو قال: قد زدتك الإمرة وهي أشرف، فأنت أمير وقاض.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 8- ص: 350
أسد بن الفرات بن سنان مولى بني سليم بن قيس كنيته أبو عبد الله أصله من نيسابور وولد بحران من ديار أبي بكر قدم أبوه وأمه حامل به ثم تعلم القرآن ثم اختلف إلى علي بن زياد بتونس فلزمه وتعلم منه وتفقه به ثم رحل إلى المشرق فسمع من مالك موطأه وغيره ثم ذهب إلى العراق فلقي أبا يوسف ومحمد بن الحسن وأسد بن عمرو وكتب عن هشيم ويحيى بن أبي زائدة وأبي بكر بن عياش وغيرهم وأخذ عنه أبو يوسف موطأ مالك وتفقه أسد أيضا بأصحاب أبي حنيفة
قال سحنون: عليكم بالمدونة فإنها كلام رجل صالح ورأيه.
وكان يقول: إنما المدونة من العلم بمنزلة أم القرآن من القرآن تجزئ في الصلاة عن غيرها ولا يجزئ غيرها ولا يجزئ عنها أفرغ الرجال فيها عقولهم وشرحوها وبينوها فما اعتكف أحد على المدونة ودراستها إلا عرف ذلك في ورعه وزهده وما عداها أحد إلى غيرها إلا عرف ذلك فيه.
وكان أسد ثقة لم يزن ببدعة وكان يقول: أنا أسد وهو خير الوحش وأبي الفرات وهو خير المياه وجدي سنان وهو خير السلاح وكانت وفاة أسد في حصار سرقوسة من غزوة صقلية وهو أمير الجيش وقاضيه: سنة ثلاث عشرة ومائتين وقيل أربع عشرة وقيل سنة سبع عشرة وقبره ومسجده بصقلية مولده سنة خمس وأربعين ومائة بحران وقيل سنة ثلاث وقيل سنة ثنتين وأربعين وكان قدومه من المشرق سنة إحدى وثمانين ومائة رحمه الله تعالى.
دار التراث للطبع والنشر - القاهرة-ط 1( 2005) , ج: 1- ص: 305
أسد ابن الفرات كان يتفقه بالقيروان ثم رحل إلى العراق فتفقه بأصحاب أبي حنيفة ثم نعي مالك فارتجت العراق لموته فندم أسد بن الفرات حين فاته مالك فأجمع أمره على الانتقال إلى مذهبه، فقدم مصر فقصد ابن وهب وقال: هذه كتب أبي حنيفة، وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك فتورع ابن وهب وأبي؛ فذهب إلى ابن القاسم فأجابه إلى ما طلب، فأجاب بما حفظ عن مالك بقوله وفيما شك قال: إخال وأحسب وأظن، وتسمى تلك الكتب الأسدية. ثم رجع إلى القيروان وحصلت له رياسة العلم بتلك الكتب. ثم ارتحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم فعرضها عليه فقال له ابن القاسم: فيها شيء لا بد من تغييره، وأجاب عما كان شك فيه، واستدرك منها أشياء، وكتب إلى أسد أن عارض كتبك بكتب سحنون فلم يفعل أسد ذلك، فبلغ ابن القاسم فقال: اللهم لا تبارك في الأسدية، فهي مرفوضة عندهم إلى اليوم. ومضى أسد غازيا ففتح القصر من جزيرة صقلية ومات هناك وفيها قبره ومسجده.
دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 155
أسد بن الفرات بن سنان مولى بني سليم
من أهل نيسابور وولد هو بحران ويكنى أبا عبد الله وكان يقول أنا أسد والأسد خير الوحوش وأبي الفرات والفرات خير الماء وجدي سنان والسنان خير السلاح، وقدم أبوه مع محمد بن الأشعث الخزاعي في عسكره حين ولاه أبو جعفر المنصور إفريقية سنة أربع وأربعين ومائة وأسد إذ ذاك ابن سنتين مولده بحران سنة اثنتين وأربعين ومائة
ويروى عنه أنه قال دخلت مع أبي القيروان في جيش ابن الأشعث
فأقمنا بها خمس سنين ثم دخلت مع أبي إلى تونس فأقمت بها نحوا من تسع سنين فلما أنهيت ثمان عشرة سنة علمت القرآن ببجردة ثم خرجت بعد ذلك إلى المشرق فوصلت إلى المدينة أطلب العلم ثم خرجت إلى العراق ثم انصرفت إلى القيروان سنة إحدى وثمانين ومائة
واستقضاه زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب وأمره على الجيش الذي أنفذه لغزو صقلية فخرج إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين وهو في عشرة آلاف منهم تسعمائة فارس فظفر بكثير منها وتوفي وهو محاصر لسرقوسة سنة ثلاث عشرة ومائتين وكتب زيادة الله إلى المأمون بفتح صقلية على يدي أسد هذا وكان له بيان وبلاغة إلا أنه بالعلم أشهر منه بالأدب وإليه تنسب الأسدية في الفقه
دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 2- ص: 2