ابن حمائل أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل الزينبي الجعفري، شهاب الدين:كاتب مترسل نديم، له شعر كله لطائف وملح، وكان إذا أنشأ أطال فكره ونتف شعره وذقنه أو وضعه في فمه وقرضه بثناياه. مولده بمكة، وباشر الإنشاء بصفد وتنقل في البلاد فبلغ اليمن وعاد إلى الشام، وكان أقام في مكان حدثت له وقائع مع نوابه وأمرائه فيخرج هاربا. وآخر ما وليه كتابة الإنشاء في دمشق، واختل قبل موته بسنتين فتوفي فيها.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 223
أحمد بن محمد بن سلمان بن حمايل القاضي الكاتب الأديب شهاب الدين أبو العباس بن غانم، هو ابن بنت الشيخ القدوة غانم، وكان يذكر نسبه إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، أملاه من فمه على الشيخ أثير الدين أبي حيان.
سمع من ابن عبد الدائم، وقرأ على ابن مالك جمال الدين، وخرج له البرزالي مشيخة، منهم ابن أبي اليسر وأيوب الحمامي، والزين خالد، وعبد الله بن يحيى البانياسي، ومحمد بن النشبي، ويحيى بن الناصح، وعرض على الشيخ جمال الدين بن مالك كتابه العمد، وبعده على ولده بدر الدين. وقرأ الأدب على مجد الدين بن الظهير.
وفارق أباه وهو صغير وتوجه إلى السماوة، ونزل على الأمير حسين من خفاجة، وأقام عنده مدة يصلي بقي شيء من العلوم، وكان الوقت قريب العهد بخراب بغداد، وتشتت أهل بغداد في البلاد، فظن به أنه ابن المستعصم الخليفة ببغداد، واشتهر ذلك عنه، واتصل خبره بالظاهر بيبرس، فلم يزل في اجتهاد إلى أن أقدمه عليه لما أهمه من أمره، فلما بين يديه قال له: ابن من أنت؟ فوفق ذلك الوقت لمصلحته وقال: ابن شمس الدين بن غانم، فطلب والده من دمشق إلى القاهرة، وحضرا بين يدي الظاهر فاعترف والده به، فقال له: خذه، فأخذه وتوجه به إلى دمشق.
وكان قد كتب الإنشاء بدمشق وبمصر وبصفد وبغزة وبقلعة الروم، ثم توجه إلى اليمن، وخرج منه هاربا، وقاسى شدائد من العربان وتخطفهم له حتى وصل إلى مكة، وكان سبب خروجه إلى اليمن أنه كان يكتب الدرج بين يدي الصاحب شمس الدين غبريال فاتفق أن هرب مملوك للأمير شهاب الدين قرطاي نائب طرابلس، فكتب بسببه إلى الصاحب، فوقع عليه، فظفر به وجهزه إلى مخدومه، وقال لشهاب الدين: اكتب على يده كتابا إلى مخدومه واشفع فيه، فكتب شهاب الدين الكتاب وتأنق فيه، وجاء من جملة ذلك: وإذا خشن المقر حسن المفر، وتوهم شهاب الدين أن ذلك يعجب الصاحب، فلما وقف عليها أنكرها دون ما في الكتاب، وقال: يا شهاب الدين غير هذه فإنها وحشة، فطار عقل شهاب الدين، وضرب بالدواة الأرض، وقال: ما أنا ملزوم بالغلف القلف، وخرج من عنده وتوجه إلى الحجاز، ودخل من مكة إلى اليمن، وتلقاه الملك المؤيد، وأحسن إليه إحسانا زائدا، وجعله كاتب سره، فلم يطب له المقام، وهرب بعد خمسة أو ستة أشهر، وقلما خرج من مدينة إلا وهو مختف.
وكان كاتبا مترسلا، عارفا بمقاصد الكتابة متوسلا، يستحضر من اللغة جانبا وافرا، ويبدي في المنادمة وجها بالمحاسن سافرا، ويورد من كلام المعري قطعة كبيرة قد حفظها غائبا، ويرمي منها سهما في البلاغة صائبا، خصوصا من اللزوميات، وما له من العظات والزهديات. وإذا تكلم تفيهق، وتنطع في كلامه وتمنطق، ويأتي في ترسله بالغريب، والحوشي العجيب، وإذا فكر بشيء فكر، وغاص في المعاني وتذكر، ووضع شعر ذقنه في فيه وقرضه، وقال الشعر وقرضه، ويحوم بكلامه على المعنى المقصود زمانا، وما يكسوه مع ذلك بيانا، وكان متع الكلام، بريئا من النقض والملام، لا يعبأ بملبس ولا مأكل، ولا يتكلف لشيء سوى أنه يعقلها ويتوكل، يلبس الجمجم القطن الصوفي، والمقدرة الصوف، والطول المقفص المعروف بأهل إسكندرية الموصوف، وخاتمه كان سوارا، وفصه يعمل منه شوارا، وكان يتحدث بالتركي والعجمي والكردي، وإذا سافر خلع حلة الكتاب ولبس حلة البدوي أو الجندي، مع تندير وتنديب وتطاريب وتطريب.
وكان قد أحبه صاحب حماة المنصور، وجعل ظله ممدودا غير مقصور، حضر يوما سماطه وكان أكثره مرقا، وقد أضرم منه الجوع حرقا، فقال: ’’بسم الله الرحمن الرحيم’’ نويت رفع الحدث واستباحة الصلاة، الله أكبر. وكان المظفر بن المنصور يكره ابن غانم، فاغتنم الوقيعة فيه وقال لأبيه: اسمع ما يقول ابن غانم يعيب طعامك ويشبهه بالماء، فعاتبه المنصور على ذلك، فقال: هذا ما قصدته! ولكن البسملة في كل أمر مستحبة، والحدث الذي نويت رفعه حدث الجوع واستباحة الصلاة في الأكل، فقال: فما معنى الله أكبر؟ قال: على كل ثقيل، فاستحسن المنصور منه ذلك. وخلع عليه.
وخرج مرة مع المنصور إلى شجريات المعرة، وقد ضربت الخيام وامتلأ الفضاء وما رأى الدخول إلى الخربشت، فصعد إلى شجرة ليتحلى والمنصور يراه، فأرسل إليه شخصا ليرى ما يفعل، فلما صار تحت الشجرة وقد تهيأ لقضاء شغله فقال له: أطعمني من هذه التينة، فقال له: خذ، وسلح عليه سلحا ملأت وجهه، وتركته عبرة، فقال: ما هذا؟ قال: أطعمتك من التينة، فلما اطلع المنصور على القضية خر مغشيا عليه من الضحك.
وكان ليلة في سماع، فرقصوا ثم جلسوا، فقام من بينهم شخص وطال الحال في استماعه وزاد الأمر، فظل شهاب الدين مطرقا ساكنا، فقال له شخص آخر: ما بك مطرقا كأنما يوحى إليك؟ فقال نعم ’’قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن’’.
واجتمع ليلة عند القاضي كريم الدين الكبير في موضع بعلاء الدين بن عبد الظاهر يتحدث معه، فجاء إليه شخص وقال له: معاوية الخادم يريد الاجتماع بك، فقال: والك! من يفارق عليا ويروح إلى معاوية؟!
وكتب إلى قاضي القضاة جمال الدين بن واصل، وقد أقعده بحماة في مكتب عاقدا، وفيه السيف علي بن مغيزل:
مولاي قاضي القضاة يا من | له على العبد ألف منه |
إليك أشكو قرين سوء | بليت منه بألف محنه |
شهرته بيننا اعتداء | أغمده فالسيف سيف فتنه |
تهن يا مباركا | بالولد المبارك |
بمن سموه أنسا | لأنه ابن مالكي |
تعجب الناس للبطيخ حيت أتى | بحين حين وإذ وافى بطاعون |
وكيف لا يقطع الأعمار مقدمه | وليس يؤكل إلا بالسكاكين |
ما اعتكاف الفقيه أخذا بأجر | بل بحكم قضى به رمضان |
هو شهر تغل فيه الشياطـ | ـين ولا شك أنه شيطان |
طرفك هذا به فتور | أضحى لقلبي به فتون |
قد كنت لولاه في أمان | لله ما تفعل العيون |
يا نازحا عني بغير بعاد | لولاك ما علق الهوى بفؤادي |
أنت الذي أفردتني مني فلي | بك شاغل عن مقصدي ومرادي |
سهرت بحبك مقلتي فحلا لها | فيك السهاد فلا وجدت رقادي |
ورضيت ما ترضى فلو أقصيتني | أيام عمري ما نقضت ودادي |
أنت العزيز علي أن أشكو لك الـ | ـوجد الذي أهديته لفؤادي |
والله ما أدعو على هاجري | إلا بأن يمحن بالعشق |
حتى يرى مقدار ما قد جرى | منه وما قد تم في حقي |
يا حسنها من رياض | مثل النضار نضاره |
كالزهر زهرا وعنها | ريح العبير عباره |
بأبي صائغ مليح التتني | بقوام يزري بخوط البان |
أمسك الكلبتين يا صاح فاعجب | لغزال بكفه كلبتان |
أيها اللائمي لأكلي كروشا | أتقنوها في غاية الإتقان |
لا تلمني على الكروش فحبي | وطني من علائم الإيمان |
رأيت شخصا آكلا كرشة | وعنده ذوق وفيه فطن |
وقال ما زلت محبا بها | قلت من الإيمان حب الوطن |
قالوا ذوائبه مقصوصه حسدا | فقلت قاطعها للحسن صواغ |
صدغان كان فؤادي هائما بهما | فكيف أسلو وكل الشعر أصداغ |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 333
أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل بن علي أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل بن علي بن معلي بن طريف بن دحية بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب الشهير بابن غانم شهاب الدين الجعفري كان يذكر أنه من ذرية جعفر بن أبي طالب ويعرف بابن غانم وهو جد محمد بن سلمان لأمه ولد بمكة سنة 51 قبل أخيه بأشهر وقيل ولد في خامس عشرى جمادى الآخرة سنة 50 وسمع من ابن عبد الدائم وابن مالك وأيوب الحمامي وابن النشبي وغيرهم وخرج له البرزالي عنهم مشيخة وسمع منه شيخنا برهان الدين البعلي ألفية ابن مالك بسماعه لها 4 منه وقرأتها كلها على شيخنا بهذا السند وبإجازة شيخنا من الشهاب محمود بسماعه منه وقد حدث بها الشيخ أبو حيان عن الشهاب محمود وقرأت بخط الشيخ البدر النابلسي أنه سمع عليه عمدة اللافظ لابن مالك بسماعه منه وتأدب بابن مالك وبولده بدر الدين وبالمجد بن الظهير وكان قديما قد صحب جماعة من عرف خفاجة فأقام فيهم مدة والسبب في ذلك أن أباه أنكر عليه شيئا فغاضبه وخرج إلى المقبرة بباب الصغير فرأى طائفة من العرب مسافرين فصحبهم فوصل معهم إلى البحرين فأقام مدة بينهم وتعلم لغاتهم ويقال أنه أقام عند الأمير حسين بن خفاجة يصلي به وذلك في أيام الظاهر بيبرس فبلغه أنه يدعي أنه ابن الخليفة المعتصم فلم يزل يجد في أمره إلى أن أحضره عنده فلما حضر سأله من أنت فقال ابن شمس الدين ابن غانم فطلب أبوه من دمشق فاعترف به فسلمه له ورجع إلى دمشق وكتب في الإنشاء بمصر وبدمشق وصفد وغيرها ودخل اليمن ثم خرج منها في البر إلى مكة بعد أن أحسن إليه الملك المؤيد وقرره في كتابة السر عنده فلم تطب له البلاد ففر مختفيا فمر بصنعاء على الإمام الزيدي فأحسن إليه ثم وصل إلى مكة وكان مستحضرا لكثير من اللغة وكان يتقعر في كلامه ويحفظ من شعر أبي العلاء شيئا كثيرا ويتعانى في نظمه ونثره الحوشي من الكلام وإذا أراد أن ينظم أو ينشئ يطيل الفكر ويعبث في لحيته بيده أو بثناياه يقرضها أو ينتفها وكان حسن الملبس شظف العيش يعتم بثوب مقبض سكندري ويقصر ذيله وينتعل بنعال الصوفية ومع ذلك فكان حلو المحاضرة جميل المعاشرة قوي النفس كتب بين يدي الصاحب غبريال فاتفق أنه أمره بكتاب شفاعة لبعض الأمراء في بعض مماليكه فكتب الكتاب وجوده ووقع له فيه أن قال وإذا خشن المقر حسن المفر فلما قرأ الصاحب الكتاب قال هذه اللفظة ما هي مليحة فغضب ابن غانم وضرب الأرض بدواته وقال ما أنا ملزوم أن أخدم الغلف القلف وخرج من فوره فتوجه إلى اليمن ومن مسموعاته على ابن عبد الدائم الأجزاء الخمسة عوالي جعفر السراج والدعاء للمحاملي وكان يتكلم بالتركي والعجمي والكردي ويلبس زي العرب إذا سافر أو الترك وأقام مدة بحماة عند ملكها المنصور وله معه نوادر ومن نوادره أنه حضر سماعا فقام جماعة من الثقلاء فأطالوا الرقص فأطرق هو متفكرا فقال له شخص ما لك مطرقا كأنك يوحى عليك قال نعم {أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} ومن شعره
ما اعتكاف الفقيه أخذا بأجر | بل بحكم قضى به رمضان |
هو شهر تغل فيه الشياطين | ولا شك أنه شيطان |
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0