يُعد كتاب "الحُلّة السيراء" لابن الأبار القُضاعي من أعظم مؤلفاته وأغزرها فائدة، وهو موسوعة أدبية تاريخية تُعنى بتراجم شعراء المغرب والأندلس من القرن الأول حتى منتصف السابع الهجري. ألّفه المؤلف أثناء خدمته في بلاط السلطان أبي زكريا الحفصي بتونس، تمجيدًا له ولولي عهده، وليُظهر أن قرض الشعر من شمائل الملوك. رتب التراجم ترتيبًا زمنيًا بحسب القرون، مع عناية نقدية لافتة في ضبط الأسماء والتواريخ. أتمّه على الأرجح بعد وفاة السلطان، خلال إقامته الثانية ببجاية، ونجا بذلك من التلف الذي أصاب كتبه عند مقتله المروع بأمر المستنصر.

الكتاب بلغ منزلة رفيعة في النقد والتوثيق، كما أشاد به المحقق د. حسين مؤنس لتميّزه في سعة العلم ودقة الملاحظة. ولم تبقَ منه سوى نسخة يتيمة في مكتبة الأسكوريال الإسبانية، نُسخت بخط مغربي أنيق على 197 ورقة، ناقصة من بدايتها، واعتمدت عليها جميع النسخ المطبوعة لاحقًا.

يُعد كتاب تحفة القادم من أبرز كتب التراجم الأدبية في الأندلس، خصّه مؤلفه بترجمة مائة شاعر من أهل الأندلس والمغرب، ممن عاصرهم أو قارَب زمانهم خلال القرنين السادس والسابع الهجري. جمع فيه ابن الأبار بين التحقيق التاريخي والتذوق الأدبي، وقدّمه بأسلوب رفيع، مما جعله مرجعًا مهمًا في تاريخ الشعر والثقافة الأندلسية.

مزايا الكتاب ومنهجه:

  • خصوصية الاختيار: اشترط المؤلف ألا يترجم لمن سبقته التراجم، ليضيف جديدًا في مجال الأدب والتاريخ الثقافي.

  • المحاكاة والعنوان: حاكى ابن الأبار في منهجه كتاب الأنموذج لابن رشيق، وعارض زاد المسافر لصفوان بن إدريس بعنوانه، فجاء اسم "تحفة القادم" ليكمل المعنى المتقابل مع الزاد، إذ أن "التحفة" تقدم للقادم كما يُزَوّد المسافر بالزاد.

  • الترتيب الزمني: رتب التراجم حسب وفيات الشعراء، لا حسب أسمائهم، مما يبرز الطابع التاريخي في تصنيف الشعراء وتوثيق العصر.

  • تنوع المصادر: اعتمد على روايات شيوخه ومروياته الشخصية، مع الاستفادة من بعض الكتب كـالأنوار الجلية، دون اعتماد كثيف على المصادر المعروفة مما أعطى عمله فرادة.

نطاق التراجم ومحتوى الكتاب:

  • تضمن تراجم مائة شاعر، من بينهم أربع شواعر: حمدة، نزهون، هند، حفصة.

  • أضاف الدكتور إحسان عباس لاحقًا ثماني تراجم مكملة من كتاب الوافي بالوفيات.

  • امتاز كثير من التراجم بالدقة والتوثيق الشعري، بينما اقتصر في البعض الآخر على نتف قليلة من الشعر.

حالة النص ووصوله:
للأسف، لم تصلنا النسخة الكاملة من تحفة القادم، وإنما نسخة مختصرة منه بعنوان المقتضب من تحفة القادم، أعدّها محمد بن محمد البلفيقي. وهذه النسخة –رغم قيمتها– تُظهر اختزالاً شديدًا للأصل، وقد لوحظ الفرق بين الأصل والمختصر عند مقارنة بعض التراجم، مثل ترجمة ابن عميرة بين نفح الطيب والمقتضب.

تحقيق الكتاب ونشره:

  • اعتمد الدكتور إحسان عباس على المخطوطة الوحيدة المحفوظة في مكتبة الإسكوريال بإسبانيا، والمجلدة مع زاد المسافر.

  • نُشر المقتضب لأول مرة سنة 1948م في مجلة المشرق، بتحقيق ألفريد البستاني، ثم طُبع لاحقًا مستقلاً في دار الثقافة – بيروت (1986م).

  • أشار إحسان عباس إلى أن البلفيقي هو من ضبط عدد الشعراء بالمائة، وربما تجاوز عددهم ذلك في الأصل.

أهمية الكتاب:

  • يمثل نموذجًا فريدًا في تراجم الشعراء المتأخرين بالأندلس.

  • يكشف عن طبقة من الشعراء لم تحظ بتوثيق في المصادر الكبرى.

  • يجمع بين الأدب والتاريخ بأسلوب ممتع وعلمي.

ويُعد من أهم المصادر لدراسة الأدب الأندلسي في عصوره المتأخرة، خاصة من حيث تمثيله لحركة الشعر في المغرب الإسلامي.